مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
مزيداً من " التطمينات " .. لـ " القاتل "

نعم إنها الشعوب ، فهي مصدر أحقية الحاكم بالسلطة ، هي نبع قوته ، هي متلقي الإستبداد ، و مُستقبل الضربات ... فهي وُجدت فداء للرئيس ، تنتهي ولا يفنى الزعيم .
بالأمس إحتفلنا بإنتصار العدل مع براءة مبارك ، و اليوم نقيم الأفراح لإنتصار البشير على المحاكم الاستعمارية ، و لم لا يكون في الغد القريب على موعدِ جديد لرئيس آخر فعل الأهوال ليفنى الجميع و يبقى على  سدة عرشه الإستبدادي .
فالتسلسل الحاصل حالياً يجمع بين عناصره كثيرٌ من الأمور المتشابهة مما يجعل أمر تكرار النهايات أمرٌ وارد .
 و إذا ما دخلنا أكثر و تسائلنا : هل هي عبارة عن رسائل تطمين لم حان الدور عليه أو موجود على القائمة ، بأن إفعل ما تشاء فهذا هو الجزاء .
الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك جاء بإرادة العسكر ، و كذلك عمر البشير الرئيس السوداني الحالي كذلك جاء عن طريق العسكر ، و رئيس النظام السوري جاء هو الأخر كمولود طبيعي لقبضة العسكر .
مبارك حكم بأجهزة مخابراتية فاسدة ، البشير قدّم الفساد على المخابرات ، أما الأسد فجمع بين الإثنين و أضاف نكهته الخاصة ( الإحاطة بالطائفة العشائرية ) .
مبارك لعب بمنطق الحزب الأقوى ، البشير غيّب الأحزاب و ظهر بشخصه مع وجود صوري لحزبه ، و هنا الأسد أثبت تفوقه على الإثنين بأن إخترع الحزب الأوحد ، القائد للدولة و المجتمع ، المتعلق وجوده و إنهاءه بشخصه .
لا شك التقاطعات هي كثيرة و تحتاج لأبحاث مفصّلة إلاّ أن مرتكزاتها الأساسية تتمثل بالنقاط الثلاث آنفة الذكر ، و ما يترتب عليها من تبعيات من حيث العنف و الإستبداد و التغيّب و النفي للآخر ، الفساد ، الإعتماد على الحكم الاُسري الولائي و إنهاء أي بديل أو معارض .
مبارك بريئ من قتل المتظاهرين و سرقت البلاد ، البشير بلا محاكمة بعد تجميد ملف قضية دارفور وإعادتها الى مجلس الامن ، و لم لا يأتي ذلك الغد الذي يكون فيه بشار الأسد نبع الأمل و الوفاء و الوطنية ، فالبدايات و المراحل تتشابه ، و من المفروض النهايات كذلك ، فالرسائل تتالى و المرسل إليه سعيد بالتطمينات.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
«داعش» تدرب المعلمين!

يا لها من سخرية، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الإدارة الأميركية عن الحاجة لفترة طويلة لتدريب المعارضة السورية المعتدلة لمقاتلة نظام الأسد الإجرامي، والتنظيمات الإرهابية، تعلن «داعش» عن وقف التدريس بمدارس مدينة منبج بريف حلب إلى حين الانتهاء من إخضاع المدرسين لـ«دورات شرعية»!

وهنا نحن أمام احتمالين؛ فإما أن «داعش» تقوم بدعاية لإظهار قوتها، وعدم مبالاتها بالتحالف الدولي، أو أننا أمام كارثة حقيقية تنافي تصريحات وزير الدفاع الأميركي هيغل بأن قوات التحالف تحقق نجاحات ضد «داعش»! والحقيقة أن قرار «داعش» إيقاف التدريس بمنبج سبقه قرار مماثل في مدارس دير الزور، والبوكمال والرقة مما يعني أن «داعش» تتصرف بحرية! ولذا فعندما نقول إن خبر إيقاف «داعش» للدراسة مثير للسخرية، وكارثة، فلأسباب بسيطة، لكنها مهمة جدا، تفعل «داعش» ما تفعله في سوريا بسبب حالة الاضطراب الحقيقية التي تشهدها الإدارة الأميركية الآن داخليا، فبعد إشكالية تردد الرئيس الأميركي، نحن الآن أمام حالة ضعفه الواضحة، التي ليست بسبب سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه، أو قرب انتهاء فترة أوباما الرئاسية، بل بسبب الخلافات التي باتت واضحة داخل إدارة أوباما حاليا، وعلى مستوى القيادات المؤثرة.

هناك وزير الدفاع المستقيل، وسبق له أن احتج على أسلوب إدارة أوباما بسوريا، والآن هناك رئيس الاستخبارات الأميركية الذي يواجه عاصفة نتيجة تحقيقات أساليب الاستخبارات الأميركية بعد أحداث سبتمبر الإرهابية في أميركا، ولم يقف معه الرئيس أوباما، بل إنه، أي رئيس الاستخبارات، تناقض مع أوباما في تصريحاته دفاعا عن جهاز الاستخبارات الأميركية الخارجية. وقبل هذه القضية المشتعلة في الداخل الأميركي، أي أسلوب التحقيقات الذي انتهجته «سي آي إيه» في التحقيق مع الإرهابيين، سبق لأوباما أن انتقد جهاز استخباراته الخارجية بأنه فشل في تقدير قوة «داعش» الحقيقية!

وعليه يحدث كل ذلك في داخل الإدارة الأميركية نفسها الآن بينما تعلن «داعش» عن إيقاف الدراسة في مناطق سورية وذلك لتدريب المعلمين، والأخطر من كل ذلك، وهو ما لم يجد اهتماما إعلاميا، سواء عربيا أو غربيا، أو اهتماما سياسيا، أنه طوال قرابة 4 أعوام من عمر الأزمة السورية فإن جيلا من السوريين الصغار بات بعيدا عن التعليم، سواء داخل سوريا، أو خارجها، حيث اللاجئون، مما يعني أن سوريا، والمنطقة، بانتظار دفعة جديدة من غير المتعلمين، والقابلين للتطرف، إما انتقاما أو جهلا، وهو ما سيزيد من تعقيد ملف الأزمة السورية، وحتى في حال رحيل الأسد، والحقيقة أن كل ذلك يحدث بسبب الإهمال الدولي، وتحديدا الإهمال الأميركي، فالأزمة السورية لن تحل بعامل الوقت كما يعتقد البعض، بل إنها تتطلب قيادة دولية حقيقية، وهو الأمر غير الموجود الآن، وتحديدا بأميركا، وهذا أمر مريح بكل تأكيد بالنسبة لـ«داعش» والأسد، وإيران!

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
دي ميستورا.. يا حصرمًا رأيته في حلب!

عندما أعلنت فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية أن وزراء خارجية الاتحاد سيلتقون غدا الأحد مع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في بروكسل، للبحث في استئناف عملية السلام في سوريا في موازاة تنسيق المعركة ضد تنظيم داعش، طرح الكثيرون سؤالا واحدا:
ولكن متى قبل النظام السوري وحلفاؤه عملية السلام لكي يتم الحديث الآن عن استئنافها؟
لا يملك ستيفان دي ميستورا حتى الآن سوى تلك الخريطة المرسومة باللونين الأحمر والأخضر التي «يشهرها» في وجوه الصحافيين، وتمثّل خطوط القتال في مدينة حلب المنكوبة بالبراميل المتفجرة، ويحاول من خلالها القول إن لديه خطة اسمها «تجميد القتال في حلب»، كمدخل للعودة إلى التسوية السلمية.
التسوية السلمية؟
بعد 5 أشهر من بدء الأزمة السورية إثر تكسير أصابع الأطفال في درعا، دعت الجامعة العربية إلى تسوية سلمية للأزمة. كان هناك متظاهرون يهتفون «سلمية سلمية»، وكان هناك نظام يمطرهم بالرصاص، ومنذ 4 أعوام تقريبا ليس هناك ما يوازي القصف والتدمير والقتل أكثر من الحديث عن الوسطاء والمبعوثين.. والتسوية السلمية!
ليس في «خطة» دي ميستورا التي يبدو أن الروس دسّوها في رأسه، أي شيء جديد، فبعد 3 أيام من الاجتماعات التي عقدها مع المعارضة في غازي عنتاب في تركيا، قال قيس الشيخ رئيس مجلس قيادة الثورة، وهو تحالف جديد يضم عشرات الفصائل المقاتلة بينها العلمانية والإسلامية «إن خطة دي ميستورا التي عرضها لنا لم تكن مكتوبة ولا تحتوي على كل الآليات والضمانات المطلوبة، ولقد ناقشناه في القناعات التي بنى عليها خطته والتي تختلف عن قناعاتنا»!
منذ أسابيع والمبعوث الدولي يتحدث عن «تجميد القتال» في حلب، لكن ليس هناك من يشرح للمعارضة السورية على الأقل، ما الفرق بين «تجميد» القتال و«وقف» القتال، وخصوصا إذا كان التجميد سيتحوّل مدخلا يدفع حلب إلى الاستسلام للنظام على ما جرى في حمص.
عندما يتحدث دي ميستورا عن «تجميد القتال» فإنه ينسى أو يتناسى سلسلة طويلة من المساعي العربية والدولية الفاشلة في هذا السياق، من «المراقبين العرب» الذين سعوا إلى وقف متدرّج للقتال يفضي إلى الحل السلمي، إلى «المراقبين الدوليين» الذين خرجوا أيضا بخفي حنين أمام إصرار النظام على الحل العسكري.
ثم ما الذي سعى إليه كوفي أنان مثلا غير وقف للنار يجمّد العمليات العسكرية، بما يمهّد للدخول في التسوية السلمية التي تقرع الآن طبولها الكلامية في كل العواصم هذه الأيام دون أي مستند ميداني يساعد على ذلك، وهل يتفضل دي ميستورا فيقرأ نص البنود الستة التي حملها أنان إلى الرئيس بشار الأسد، وخصوصا البند الثاني الذي ينص على «الالتزام بوقف القتال والتوصل إلى وقف العنف المسلح من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار».
وماذا فعل الأخضر الإبراهيمي غير السعي إلى وقف أو تجميد للقتال يسمح بالانتقال إلى التسوية السلمية، ليكتشف أن عليه الاستقالة لأن مهمته مستحيلة فعلا كما قال عشية تكليفه بها، أولم يكن الحافز الإنساني حيال المهجّرين والمحاصرين دائما المستند الذي تأبّطه أنان والإبراهيمي، تماما كما يفعل دي ميستورا الآن عندما يتحدث عن مأساة 300 ألف من المحاصرين المهددين في حلب؟
بعد ستة اجتماعات بين دي ميستورا والمعارضين في غازي عنتاب، قال إنه أجرى «محادثات بناءة» لكن تصريحات قيس الشيخ لم توحِ بوجود ما يمكن أن يبنى عليه، وقال إنها خطة للأمم المتحدة وليست لأحد آخر بينما الواضح تماما أنها خطة روسية يراد لها أن تلبس أقنعة الأمم المتحدة، أما بخصوص مسألة التجميد فيقول إنها «ليست وقفا للنار مثلما هي الحال في حمص.. هذا تجميد وقف القتال»، هكذا بالحرف والشاطر من يفهم!
وليد المعلم كان قد قدّم من سوتشي بعد لقائه مع فلاديمير بوتين شرحا أكثر وضوحا لموضوع التجميد عندما أعلن أن شروط النظام لقبول مبادرة دي ميستورا هي «استعادة السلطة المركزية» لكل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وأن تبدأ المجموعات المسلحة بالتجميد وتقوم بتسليم سلاحها الثقيل وتسوية أوضاعها، أو أن تخرج من المدينة لمقاتلة «داعش» و«النصرة»، وأن تستعيد دمشق سلطتها على المدينة.
أمام هذا لا يرى المعارضون فرقا بين حال الاستسلام الذي انتهت إليه حمص وبين ما يطلبه المعلم ويمثّل استسلاما كاملا لحلب، ليس هذا فحسب فبعد ستة اجتماعات بين دي ميستورا والمعارضين في تركيا قال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إن أي خطة للهدنة (لم يستعمل كلمة تجميد) تحتاج إلى أن تكون جزءا من استراتيجية أشمل تتضمن عزل بشار الأسد من السلطة!
عزل الأسد من السلطة؟
ولكن من قال إن عزل الأسد، ليس في رأي النظام أكثر من «يا حصرمًا يراه مستر ميستورا في حلب»، ذلك أن أقصى التفاؤل بإمكان نجاح خطة التجميد وتحويلها مدخلا إلى الحل السلمي الذي يطالب به الجميع دون وجود تصوّر واضح للحل، وما توافر حتى الآن في هذا السياق لا يتجاوز الإشارة إلى أنه يمكن البدء في التسوية السياسية سنة 2016، ولكن على أي أساس؟
السفير رمزي علم الدين نائب المبعوث الدولي إلى سوريا قال في حديثه إلى «الشرق الأوسط» قبل أيام إن تفاصيل خطة دي ميستورا تستند إلى مستويين، الأول هو التعامل مع موضوع تجميد القتال في حلب ثم تعميم التجميد إلى مناطق أخرى، والثاني يتم في المدى المتوسط أي بعد سنة 2016، ويرتبط بالأفق السياسي الذي سيكون قوامه اتفاق «جنيف - 1» وهو الوثيقة الوحيدة المقبولة دوليا.
صحيح أنها مقبولة دوليا ولكن من الذي يستطيع أن يجعل منها وثيقة صالحة للتطبيق وإرساء التسوية السلمية في سوريا، وخصوصا بعد الفشل المزدوج الذي انتهى إليه مؤتمر جنيف في مرحلتيه انطلاقا من العقدة الواحدة التي اعترضته ولا تزال، وهي موقع الأسد من الحل ومصيره بعد التسوية؟
ولأنه ليس من الواضح حتى الآن إذا كانت التسوية التي يسعى إليها المبعوث الدولي بدفع من روسيا وتأييد مشروط من النظام وتشجيع من إيران، ستحدد مصير الأسد عبر عملية توضّح مراحل عملية الانتقال السياسي، فيا حصرما يراه دي ميستورا ولافروف في حلب!

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
سلاح النفط في معركة 'كسر عظم' دولية

أربعة أعوام من الاستعصاء السياسي في سوريا انعكست فوضى شاملة ودمارا واسعا اجتاح، بضراوة خلال العام الماضي، كلا من لبنان والعراق. استعصاءات مركّبة من طبقات عديدة، محلية وإقليمية ودولية. كل طبقة تمتلك دينامية داخلية من التوازن تجعلها تحافظ على مستوى ثابت من التحالفات والتفارقات، فيما الواقع يتغير بسرعة، ينحدر إلى حضيض لا قعر له. لكن هذا الواقع دخل في أشد مراحل الفوضى والرعب، حيث بات الخطر محدقا، وحيث تنامت الشكوك في إمكانية الوصول إلى نقطة اللاعودة على المستوى الإقليمي والدولي، بعد أن وصلت سوريا والعراق إلى تلك النقطة منذ زمن.

هكذا تحركت الولايات المتحدة الأميركية على المستوى العسكري هذه المرة في محاولة لكسر الاستعصاء على المستوى السياسي. فابتعادها عن الساحة العراقية بعد سحب قواتها، وعدم وجودها أساسا في الساحة السورية واللبنانية مكّن كلا من إيران وروسيا من لعب دور كبير في تثبيت الاستعصاء، ومن سد كل أفق أمام أي حل سياسي. كانت أعوام من “البلطجة” الإيرانية والروسية بامتياز، حتى تماهى الطرفان مع دورهما الجديد كمطرقة ضخمة وحيدة في ميدان الحرب السورية والعراقية لا ترى في أعداء حليفيها، بشار الأسد ونوري المالكي، سوى مسامير صغيرة تستدعي السحق.

اتضح، مبكراً جداً، للقوى الغربية أن تركيبة النظام السوري صلدة جداً وغير قابلة للتفكك أو الانفتاح على تسوية سياسية مرضية تنهي ما بدأ كاحتجاج سلمي وتحول إلى حرب. ما لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية هو أن روسيا وإيران تديران الملف السوري بنفس العقلية والروح الإجرامية التي يمتلكها نظام الأسد. إدارة مجنونة كتلك للصراع، لا يمكن إلا أن تولّد الاستعصاء الذي يسبق انفجارات متتالية، وحالة من الفوضى المستعرة والمتدحرجة من دون توقف.

فيما يبدو أن الجميع بات مدركا لتلك الحقيقة اليوم، فمن يريد فك طلاسم الحرب السورية والعراقية عليه ألا يراهن على تغيير في مواقف روسيا وإيران من دون ضغط حقيقي ومؤلم عليهما سواء في سوريا أو العراق، أو على اقتصاد البلدين.

ولا يمكن أن أنظر لتهاوي أسعار النفط إلى هذا المستوى السحيق إلا كجزء من عقاب دولي- إقليمي للحليفين الروسي والإيراني. لقد هبطت أسعار النفط بنحو 40 في المئة عن ذلك السعر التي دخل في الموازنة المالية لكل من روسيا وإيران في العام الماضي. كما أحدثت العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية انكماشا حادا في اقتصادها.

وكانت الآثار واضحة عندما رفضت روسيا، مؤخرا، طلب سوريا لقرض جديد بنحو مليون دولار، إذ باتت الدولة الروسية المنهكة اقتصادية أكثر حساسية في نفقاتها الداخلية والخارجية على السواء. فيما تعاني إيران ويلات العقوبات هي الأخرى، وتكاليف الدعم السخي لحرب النظام السوري على شعبه منذ أربع سنوات.

هكذا يشتد الصراع على المستوى الدولي، ليواكب الضراوة التي يشهدها الصراع على المستوى المحلي. فيما يبدو أننا دخلنا في معركة كسر عظم بين روسيا وإيران من جهة، والغرب وأميركا ودول إقليمية من جهة أخرى. ويبدو سلاح النفط كدعامة أساسية واستثنائية في هذه المعركة. سلاح زجّت فيه دول عربية نفطية، ربما بتوافق مع الغرب وأميركا رغم ما يقال عن تضررها جزئيا كونها المنتج الأول للنفط الصخري.

فروسيا وإيران تدفعان بالمنطقة والعلاقات الدولية من وراءها إلى مزيد من الفوضى والتأزم. لذا، لا يمكن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام من دون تنازل كبير يقدمه الروس والإيرانيين. كما يشكّل التحالف الدولي وزيادة الانخراط العسكري المباشر للولايات المتحدة الأميركيـة في سوريا والعراق الدعامة الثانية في معركة كسر العظم تلك.

وهكذا أيضا، يبدو مفهوما أن تهرع روسيا من أجل تحريك المفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة. فأرسلت مبعوثها للأزمة السورية ميخائيل بوغدانوف في جولة مكوكية انتهت بمقابلة الأسد. لكن التسريبات من أطراف في المعارضة تشير إلى عدم وجود تغيير جوهري في موقف موسكو، فهي تدعو لحوار يجمع المعارضة والنظام من دون شروط ومن دون جدول زمني ومن دون أي ضمانات.

بالتأكيد، لا يتوقع من الضغط الدولي الكبير على روسيا، وقد بدأ للتو، أن يحدث تغييرا ملموسا وحادا في مقاربتها للأزمة السورية. لكنه في الوقت نفسه لا يمكن إلا أن يدفعها لإعادة النظر في سياستها السابقة، ومحاولة البحث عن بصيص ضوء لهذا النفق المظلم الذي حشر نظام الأسد السوريين وكل حلفاءه فيه.

تشعر روسيا أن الخناق يشتد على عنق سياستها العنيدة في سوريا والعراق اللذين باتا ميدانا دوليا لإدارة المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية. فهي لم تعد لاعبا دوليا وحيدا في تلك المنطقة، بل إن تحالفا دوليا مكونا من عشرات الدول صار يرسل طائرات حربية وجنودا، وتقوده الولايات المتحدة، في مشهد لا يمكن أن يبعث على الارتياح. لكن روسيا فلاديمير بوتين تبقى حتى اليوم أسيرة مقارباتها السابقة، وأسيرة بنى سلطوية طائفية نابذة للتسويات في كل من سوريا وإيران والعراق.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
مخاتلة (الأسد في عزلته وقبل رحيله)

مَن تأمَّل تصريحات وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في موسكو سيجد للمرة الأولى أن نبرته متلعثمة وعباراته مرتبكة متخلياً عن ثقته التقليدية، ما يدعم التسريبات عن تبدل موقف روسيا بخصوص النظام وليس مصالحها. بعد أيام نسبت «العربية» إلى مسؤول فرنسي قوله إن طهران لم تعد حريصة على الأسد.

الأسد أتعب حلفاءه قبل خصومه، فهذا النظام الشرس لا عقيدة قتالية لديه إنما قدراته، مثل أشباهه، في القمع الوحشي والتفرد بالمواطنين، وبناء الصورة المرعبة عن إمكاناته التعذيبية، حتى إن أشهر رجال النظام هم سادة التعذيب وقادة السجون، بل إن العلامات الدالة على سورية لم تعد مناطقها التاريخية والسياحية بل هي السجون الشهيرة صانعة الخوف والإرهاب. ناضلت طهران من أجل سيطرة النظام على الأرض، فبعثت ميليشياتها المتعددة وعززتها بدخول صريح وفج لـ«حزب الله»، إلا أنها لم تنجح مجتمعة في ترسيخ وجوده المتناقص يومياً مثل ضوء شمس يمضي إلى الغروب. ناصرته روسيا سياسياً وعسكرياً فلم يجد فعلها شيئاً كأنها تخوض حرباً تستعيد معها تاريخ أفغانستان ومراراته. حتى لبنان الذي كانت خيوطه مربوطة بقصر دمشق ارتفعت نبرته وبدأ يتلذذ بطعم الاستقلال.

ثلاثة أعوام من الدمار لم تثمر سوى خلق بيئة حاضنة لكل جماعة جهادية جعلت سورية مركز التجمع العالمي لها وميدان نشاطها، ثم تقاسمت المناطق بينها فلم يعد لعلم النظام من مكان سوى القصر وحواليه.

استخدم جيش الممانعة والمقاومة الألغام والبراميل المتفجرة والصواريخ والغازات، فلم يجد فيها نفعاً سوى أنه حدد لأهل بلده مكانين لا ثالث لهما: القبر والمهجر. استنزف كل الدعم من دون نتيجة، وأرهق مسانديه الذين تكاثرت عليهم الهموم حتى غدا الأسد أسوأها وأضرها، فأصبحوا يبحثون الخلاص منه بأقل الأضرار قبل أن تطمرهم الخسارة الكاملة وتضيع كل جهودهم.

طهران تئن تحت مشكلات كثيرة، والأسد الذي ظنته ورقة رابحة أصبح نكبتها وبوابة تفشل كل مخططاتها وتقضي على هيمنتها الصورية، فلا حمت دمشق ولا حصّنت العراق ولا أبقت على صورة معقولة لحزبها الأثير، فليس أمامها إلا النجاة بأقل خسارة إن جاءها عرض يبعد الأسد ويضعها في طاولة المفاوضات لتبدو مثل ولي أمر يزوج ابنته رغماً عنه لأنه لا يملك خيار منعها فلا يضيف إلى ذلك تمردها عليه.

ما يحدث في سورية مشهد فانتازي فريد، طائرات التحالف تجوب أراضي الأسد كأنها مساحات دولية، والجهاديون تمكنوا من محافظاته حتى أنهم نسوه في صراعاتهم البينية، فلا تأثير له أو هيمنة، ثم جاءت الطائرات الإسرائيلية لتضرب قرب أسوار قصره ليكون رده المأثور: «سنختار الوقت والطريقة المناسبين للرد»!

هذه التحولات الأخيرة هي الطريقة المثلى لانهيار النظام، لأن المظلة الآمنة وإن لم تسقط بدأت تهتز بفعل الرياح، ما يدفع العناصر الملتفة حول النظام إلى الهرب والبحث عن سبل النجاة، فالخطر وشيك، والبوابات أغلقت، والحصار اقترب.

إن صحت التسريبات فالنهاية لن تتأخر، وربما تتحقق قبل جولة جديدة من المفاوضات، فقد حان وقت الهرب الكبير، وفتحت بوابة الانشقاقات من حراسها والقائمين عليها.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
تأبيد اللجوء السوري

قبل أيام، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس عن قبول 27 دولة توطين 100 ألف لاجئ سوري على أراضيها. تجيء الخطوة، كما يقول، للتخفيف عن دول الجوار السوري، نتيجة التدفق الذي لا ينقطع للاجئين.

تحفل وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأخبار يومية عن اللاجئين السوريين، من أشدها قسوة تلك التي تفد من لبنان، حيث يتم تحميل اللاجئين السوريين (غير المعترف بهم بهذه الصفة) مسؤولية ما ترتكبه "النصرة" بحق جنود لبنانيين، ويتم تجييش طائفي ضدهم منذ بدء تدفقهم إلى جيرانهم، وحرمانهم من أبسط حقوق الإيواء، وممارسة أشكال شتى من العنف العاري ضدهم.

وقد تعرض اللاجئون، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى محنة وقف العون الطبي لهم، ثم وقف العون الغذائي، قبل أن يعود الأخير جزئياً، من دون أن يسهم ذلك في وقف حالة شظف العيش التي يعانيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري في دول اللجوء التي تتحمل مسؤولية مفاجئة عن أكبر حالة طوارئ إنسانية يشهدها عصرنا، وفق تعبير مفوضية اللاجئين. هذا ناهيك عمن يخاطرون بحياتهم في البر والبحر، ولا يتمكنون من العبور الآمن والدخول الشرعي إلى دول شقيقة.

دول الجوار، وبالذات في لبنان والأردن، تتحدث عن أعباء اللجوء والضغوط التي تمارس على الخدمات الأساسية، وذلك مع ازدياد عدد السكان بنسبة تقارب 10% في الأردن، و20 % في لبنان. وهي، بلا شك، نسبة كبيرة، في بلدين يعانيان من ظاهرة الفقر والبطالة والمديونية، غير أن اللاجئين لا يتحملون مسؤولية هذه الظاهرة، فهم، في جميع الأحوال، ضحايا مقتلعون من ديارهم، والمسؤولية تقع على النظام في بلدهم الذي تعامل، منذ البدء، بحل عسكري مع ظواهر احتجاجية مدنية، قبل أن يتفاقم الوضع، ويتم دفع الانتفاضة المدنية دفعاً نحو العسكرة.

وتكمن محنة اللاجئين، في بعض وجوهها، بافتقاد بيئة حاضنة ومتعاطفة، حيث يسهل على كثيرين في أوساط الجمهور تحميلهم مسؤولية صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد التي لجأوا إليها.

نازح سوري لجأ منذ أواخر العام 2012 إلى الاردن تحدث لكاتب هذا المقال، بنبرة تمتزج فيها السخرية بالمرارة، عن أن اللاجئين الفلسطينيين حين نزحوا من ديارهم في العام 1948 كانوا "محظوظين"، فقد تلقوا استقبالاً طيباً من المجتمعات في سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر، خلافاً للاجئين السوريين الذين يجري التعامل معهم، في أغلب الحالات، على أنهم غير مرغوب بهم.

في واقع الأمر، الظروف هي التي تغيرت، فعدد السكان، قبل ستين عاماً وأكثر، كان ضئيلاً، وكانت هناك حاجة إلى أيد عاملة في المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية، ولم تكن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الغالبة على اهتمامات الرأي العام (رغم وجود تلك المشكلات)، فالغالب كانت الطموحات الوطنية والقومية للتحرر من قبضة الأجنبي الذي كان محتلاً، أو يحتفظ ببعض وجود له.

" الاهتمام الإقليمي والدولي، إما أن يتخذ طابعاً إنسانياً، أياً كانت الملاحظات على أوجه العون والغوث، أو يتم من منظور رفع الأعباء الاقتصادية عن دول اللجوء "

افتقاد الأمان الفردي والجماعي للاجئين السوريين، وخسارتهم الوشائج التي كانت تربطهم ببيئتهم المحلية، وغموض المصير الذي ينتظرهم، هي بعض مما يؤرق القطاعات الأكبر من هؤلاء، غير أن ما يرصده المرء خلال ذلك أن الاهتمام الإقليمي والدولي، إما أن يتخذ طابعاً إنسانياً، أياً كانت الملاحظات على أوجه العون والغوث، أو يتم من منظور رفع الأعباء الاقتصادية عن دول اللجوء. ولا ضير في هذا وذاك، بل إن الاهتمام، حين يسلك هذين الاتجاهين، مطلوب، فثمة حاجات إنسانية عاجلة للإيواء والغذاء والدواء والتعليم، وهناك، في المقابل، الإمكانات المتاحة لدول اللجوء، بعضها يقصر عن تلبية حاجات مواطني هذه الدول، ومن الواجب دعم هذه الدول.

الثغرة الماثلة، والتي تزداد اتساعاً، هي في افتقاد النظرة السياسية لمشكلة اللجوء السوري وسبل معالجتها. فحين يتزايد تدفق اللاجئين، يدور الحديث، فوراً عن إمكانية استيعابهم هنا وهناك، وعن الصعوبات الجمة التي تكتنف ذلك، والتي تصاحبها نداءات تدعو لوقف استقبال المزيد، وردة الفعل هذه يمكن اعتبارها طبيعية، في ظروفٍ لا تبشر بوقف ظاهرة التدفق، غير أن هذا الموقف ينقصه التصريح بأمرٍ جوهري، وهو التساؤل عن سبب استمرار هذه الظاهرة، عن ظروف الطرد التي يتعرض لها النازحون، فيضطرون معها لمغادرة ديارهم، والتخلي عن بيوتهم وموارد رزقهم، تحت طائلة الخطر الماحق على حياتهم.

وبينما يبدي نظام بلادهم لامبالاة تامة إزاء محنة هؤلاء المقتلعين، بعد أن تسبب بها، ويعفي "نفسه" من أية مسؤولية عن رعايتهم في مواطن اللجوء (في واقع الأمر، لا يعترف بهم وهم في عداد الملايين! وقد رفض النظام، ولو لغايات شكلية ودعائية، منح حق المشاركة لهم في ما سميت انتخابات رئاسية العام الماضي). في هذا الوقت، ينظر المجتمع الدولي لمحنة اللجوء نظرة يغلب عليها الطابع الإنساني، كما لو أنهم ضحايا كوارث طبيعية، تهدمت بيوتهم ومدنهم، بفعل زلزال مدمر أو تسونامي جامح. والدليل أن سائر المقاربات والمعالجات لا تشمل بنداً من قبيل: السعي إلى تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم. مبدأ الحق في العودة، والضرورة الماسّة لها يغيب أكثر فأكثر عن أجندات الرعاية والاستقبال. ولم يعد ينقص، الآن، سوى تشكيل وكالة دائمة لإغاثة وتشغيل اللاجئين السوريين، على غرار ما جرى مع اللاجئين الفلسطينيين مطلع خمسينيات القرن الماضي، وأن يتحرك مجلس الأمن لاستصدار قرار بهذا الاتجاه. علماً أن مفوضية اللاجئين في الأمم التحدة تنشط نحو توطين (أو إعادة توطين) لاجئين سوريين في سائر دول العالم، بينما كانت "أونروا"، وما زالت تنشط في مجال الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين فقط.

أصدقاء سورية، وأصدقاء السوريين من العرب خصوصاً، مدعوون لمهمة مزدوجة، هي استقبال إخوتهم المقتلعين، وشق الطريق، في الوقت نفسه، نحو تمكينهم من العودة، بدلاً من انتهاج سياسةٍ تفضي عملياً إلى تأبيد اللجوء، ومواجهة النظام الحاكم في بلادهم الذي يرفض عودتهم، ويتعامل معهم باعتبارهم فائضاً بشرياً، وليس شطراً كبيراً من الشعب الذي ما زال يحكمه. ومن الوهم افتراض إمكانات تتيح عودة جزء يسير من اللاجئين، وفق خطة المبعوث الأممي دي ميستورا، فالخطة عرجاء، تفتقد لأي منظور سياسي شامل، ولا تنطوي على ضغط للنظام الذي لا يتورع بعد التنكيل بشعبه، عن طرد هذا الشعب، وقذفه خارج الحدود، وسد الأبواب أمام عودته.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
جبهة النصرة على خطى داعش

سيطرت جبهة النصرة، خلال الشهر الماضيّ، على مناطق عدة في ريف إدلب وريف حماه، بعد مواجهة مسلحة مع جبهة ثوار سورية وحركة حزم وفصائل أخرى من الجيش الحر. كما اقتحمت النصرة 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي، واعتقلت قادة كتائب أهليّة، قبل أن تنسحب، وتنشر حواجزها خارج المدينة. وعلى الرغم من أن اقتحام الرستن هو الأول لجبهة النصرة في محافظة حمص، فإنه يأتي استكمالاً لمسار عسكريّ جديد، بدأته في قرى ريف إدلب على الحدود السورية التركيّة مطلع أغسطس/آب 2014.

يقف هذا المقال عند التطورات الأخيرة في الشمال السوري ودوافع الجبهة لتغير سلوكها وخطابها، ورصد إذا ما كان هذا التغير تكتيكاً مرحليًا، فرضته الظروف الراهنة، ولاسيما بعد تشكل التحالف الدولي، أو نتيجة مراجعات فكرية وتنظيمية.
تبدل الأولويات وتغير القيادة
أشرنا، في مقالات سابقة، إلى أن "النصرة" غداة تأسيسها، تجنبت طرح الشعارات الكبرى، كإقامة الدولة الإسلاميّة وتحكيم الشريعة، وقدمت نفسها للفصائل المسلحة، وللبيئات الاجتماعية الحاضنة تحت عنوان "دفع الصائل"، ومساعدتهم ضد قوات النظام. كما اصطفت، وعلى الرغم من انتمائها للسلفية الجهاديّة، إلى جانبهم، في المواجهة المسلحة مع داعش، مطلع عام 2014، والتي انتهت بطرده من عموم مدن الشمال، باستثناء الشمال الشرقي. لكن انتعاشة داعش العسكريّة، بعد سيطرته على الموصل، وتوسع نفوذه في العراق وسورية، وإعلانه الخلافة الإسلامية، ألقت بتداعياتها على جبهة النصرة، وفرضت تغيرات على مستوى القيادة والأولويات.

لم تكن خسارة "النصرة" أمام داعش عسكريّة فقط، بل نجمت عن انضمام كثير من مقاتليها ومنتسبيها لداعش ومبايعتهم البغدادي. لم تسطع الجبهة، وعلى الرغم من مبايعة الجولاني الصريحة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وتأكيدها المستمر هدفها المستقبلي بإقامة حكومة إسلامية، وتحكيم الشرع مواجهة الخطاب الجهادي المزاود لداعش، والذي يرفع الشعارات الكبرى، ويقدم نفسه تطبيقاً عمليّاً وواقعياً لها. كما أن اتهامات داعش النصرة بالتحالف والتعاون مع من يسميهم "القوميين والعلمانيين والليبراليين"، والفصائل "المتحالفة مع أعداء الأمة" أتت أكلها، وساهمت باستنزاف الجبهة عدديا. فالأخير أضحى بنظر جهاديين كثيرين خلافة إسلاميّة، قائمة في حيز جغرافيّ معين، وأن "أدبياتهم الفكريّة" تفرض عليهم الالتحاق بها، والقتال تحت رايتها.

" انتعاشة داعش العسكريّة، بعد سيطرته على الموصل، ألقت بتداعياتها على جبهة النصرة، وفرضت تغيرات على مستوى القيادة والأولويات "

فرض الواقع السابق خيارين على جبهة النصرة، فإما أن تتخلى عن بعدها الجهادي "الأممي"، وتتكيف مع ظروف محيطها، وتعيد هكيلة بنائها التنظيمي، لتصبح سلفية جهاديّة وطنية، على غرار حركة أحرار الشام، أو تحافظ على بنيتها الفكرية والتنظيمية، من دون تغير وتسد "الذرائع" أمام المنسحبين، برفع حدة خطابها، ورفع سقف أهدافها، والانغلاق على ذاتها كحركة جهاديّة، لها مشروعها الخاص خارج حسابات الثورة السورية وأهدافها. فضلت قيادة "النصرة"، وبحسب مؤشرات عدة، الخيار الثاني، وبدأت أولى خطوات تطبيقه، بعزل الشرعي العام السابق، أبو مارية القحطاني، المعروف بعدائه لتنظيم الدولة، وحرصه على العمل الجماعي مع الفصائل المختلفة، أكان ذلك في الهيئات الشرعية المشتركة، أو في العمليات والغرف العسكريّة، وتعيين الأردني سامي العريدي شرعياً عاماً جديداً للجبهة. يجدر الإشارة إلى أن العريدي، كما توضح مقابلته، بعنوان "منهج وعقيدة جبهة النصرة"، ميال لتقديم مسألة الحكم والتحكيم على هدف "دفع الصائل". وتماشيًا مع التوجه الجديد، سربت منتديات جهاديّة كلمة مسجلة للجولاني، لمقاتلين في تنظيمه، يبشرهم باقتراب قيام "الإمارة الإسلاميّة"، وهو ما أكدته الجبهة، في بيان توضيحي، نافية في الوقت نفسه "اقتراب" إعلانها.

أوضح بيان "النصرة" الصادر في 12 يوليو/تموز 2014 رغبتها منفردة بإقامة دور قضاء لتحكيم الشريعة ومؤسسات لحفظ الأمن، بدلاً من الهيئات الشرعية القائمة في المناطق المحررة. كما تضمن، وللمرة الأولى، تحذيرا للفصائل السورية مما سماها "المشاريع العلمانيّة" و"قطف ثمار الجهاد"، وتهديدًا بقتال "المجموعات المفسدة" في المناطق المحررة. وبمجرد صدوره، انسحبت من الهيئات الشرعية، وشرعت بإقامة محاكمها، وأسست أجهزة أمن خاصة، وأوقفت التعاون ضمن غرف عسكريّة كثيرة. وتحت عنوان مكافحة الفساد والتهريب، دخلت، بداية شهر أغسطس/آب، مواجهة مسلحة مع كتائب تابعة لجبهة ثوار سورية، في حارم وسلقين وجسر الشغور، انتهت بسيطرتها على معظم قرى الشريط الحدودي مع تركيا. ومنذئذ، حدثت اشتباكات ومواجهات عدة بين "النصرة" وكتائب أهليّة، أو فصائل تابعة للجيش الحر، أشدها ما حصل في قرية البارة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2014، والتي توسعت، لاحقًا، لتشمل جبل الزاوية وريف معرة النعمان وقرى في ريف حماه.
استباق مخاطر مستقبلية
مع بوادر تشكل تحالف دوليّ لمواجهة "داعش"، حاولت جبهة النصرة، المدرجة على القائمة الأميركية وقائمة مجلس الأمن حركة إرهابيّة، أن تمايز نفسها عنه لتتجنب ضربات التحالف. فعلى سبيل المثال، بادرت 25 أغسطس/آب 2014، وبوساطة قطرية، لإطلاق الصحافيّ الأميركي، بيتر ثيو كورتيس، المحتجز لديها، وذلك بعد أيام ذبح داعش الصحافي الأميركي، جيمس فولي. كما سعت، في مفاوضتها، لإطلاق جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (الإندوف) المحتجزين لديها، لرفع اسمها من لائحة الإرهاب. وعلى الرغم من مساعيها، فإن "النصرة" فشلت في تجنب قصف التحالف، والذي بادر إلى قصف مقراتها، يوم بدء ضرباته 23 سبتمبر/أيلول 2014. واستباقًا لخطر تشكيل قوة عسكريّة من "المعارضة المعتدلة"، تساند التحالف على الأرض، بدأت النصرة التصعيد ضد من تراهم "خصومًا" حاليين ومستقبليين، وفي مقدمتهم جبهة ثوار سورية، وقائدها جمال معروف، المدعوم سعوديًا. لذلك، استغلت النصرة النزاع المسلح الذي جرى بين جمال معروف ومجموعة انشقت عنه، وطلبت مساندتها، للقضاء على معروف، وتحجيم نفوذه في جبل الزاويّة، وريف معرة النعمان. بررت "النصرة" حربها على معروف، بداية بالقضاء على الفساد والسلب والنهب، لكن
التفافها على مبادرات الواسطة والتحكيم، وخرقها اتفاق الفصل بين المتحاربين الذي رعته حركة أحرار الشام، وكذلك الهجوم على مقرات حزم والاستيلاء على أسلحتها الثقيلة والخفيفة، وقد دل ذلك على أن ما رُوّج ليس إلا ذرائع لتحقيق هدف أكبر، يتمثل بالقضاء على الجيش الحر، خشية تحوله مستقبلاً إلى حليف للتحالف ضدها، على الرغم من إدانة كثير من فصائله، استهداف التحالف مقراتها.

" حدثت اشتباكات ومواجهات عدة بين "النصرة" وكتائب أهليّة، أو فصائل تابعة للجيش الحر، أشدها ما حصل في قرية البارة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2014 "

توضح المؤشرات السابقة أن "النصرة" تسير على خطى داعش، لجهة استخدام السلاح للتعامل مع الخصوم، بعد شيطنتهم، أو تكفيرهم مع نزوع لفرض سلطتها، إدارياً وعسكرياً، على المناطق المحررة منفردة. لكنها تنحو مدخلاً مختلفاً، وتتبع أسلوباً أكثر ذكاء وأقل فظافة. فبخلاف داعش، تحرص "النصرة" على الاستمرار في قتال قوات النظام والمليشيات المساندة له، ولاسيما في الجبهات الصعبة، كحندرات ونبل والزهراء والقلمون، للحفاظ على سمعتها القتالية، وتخفيف المعارضة الفصائلية والشعبية، لتوسعها وقتالها مع فصائل الجيش الحر. كما أنها، وبحكم خبرتها، تلعب على تناقضات الفصائل وخلافاتها. فعلى سبيل المثال، استغلت الخلافات السابقة بين جبهة ثوار سورية وأحرار الشام، والتنافس على جبل الزاوية بين جمال معروف وأبو عيسى الشيخ، قائد صقور الشام لضمان عدم معارضتهما، أو على الأقل، حيادهما. وفي الوقت نفسه، تستغل وجود مظاهر سلب ونهب، تقوم بها مجموعات مسلحة تحت اسم "الجيش الحر" لاقتحام مدينة، أو منطقة معينة، وهو ما حصل في ريف إدلب على الحدود السورية التركية، وفي الرستن، وبعض قرى ريف حماة.

أيًا تكن مبرراتها، فإن "النصرة" بسلوكها وخطابها الجديد القائم على تكفير المعارضة السورية وفصائل الجيش الحر قد تضع نفسها مستقبلاً، في مواجهة حتميّة مع شرائح مجتمعيّة، ينتمي إليها مقاتلو الفصائل، وشرائح أخرى واسعة، طالتها فتاوى وممارسات استفزازيّة لعناصر ودعاة تحسب عليها. كما أن تحالفها مع جماعة جند الأقصى، وضمها لمنشقين عن داعش يعمق الهوة مع بيئات اجتماعية، ضاقت ذرعا بممارسات سابقة لهؤلاء، وفرض على أبنائها حمل السلاح لطردهم.

لطالما دافع سوريون كثر عن "النصرة"، على الرغم من اختلافهم مع أفكارها وأيديولوجيتها، ومدحوا بأس مقاتليها وضراوتهم، في قتال قوات النظام. لكنهم أملوا بمراجعات فكرية داخلها، لتتخلى عن البعد الجهادي الأممي، المرتبط بالقاعدة، وتميل إلى تبني خيارات وطنية سورية. لكن عقدة البقاء، وتزمّت القيادات، أعاقا توجهاً إصلاحياً كان، إلى ما قبل شهور قليلة، حاضراً في تفكير الجبهة.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
أي سلام تريد روسيا؟

في التوافق الدولي بين الخمسة الكبار، أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذي أنتج وثيقة جنيف واحد، وما تضمنته من خارطة طريق إلى حل المسألة السورية، ثمة أمر حاسم قام عليه تصور الحل السياسي، يتجلى في تحديد هدف الحل، والمؤسسات التي ستنجزه، والطريق التي تفضي إليه، فالهدف هو النظام الديمقراطي، والطريق إليه هي التوافق بين أهل الموالاة والمعارضة دون الأسد، والمؤسسات هي تحديدا "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، ذات الصلاحيات الكاملة التي ستشكل برضا الطرفين. ما هو دور الطرفين السوريين، في هذا النمط من الحل؟ إنه الالتزام التام بتطبيق وثيقة جنيف واحد، والتفاوض بقصد تطبيقها الكامل، من دون أي انزياح عن هدفها وطريقها والمؤسسة التي ستنفذ مضمونها. هذا ما أكده القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن الذي حدد الآلية التنفيذية لجنيف واحد، باعتبارها ملزمة للطرفين وواجبة التطبيق.

بكلام آخر: ليس هدف التفاوض بين الطرفين السوريين إيجاد حل مغاير للحل الدولي، أو مؤسسات تنفيذية، غير تلك التي حددها، وطريقة في إنهاء الحرب وبلوغ السلام غير التوافق بين طرفي الصراع، فالسوريون سيتفاوضون للتفاهم على مدخل إلى تطبيق جنيف واحد، وليس من صلاحياتهم، ولا يجوز لهم، التفاوض على هوية الحل ونمطه.

هذا ما وضعت روسيا توقيعها عليه، وتخالفه، اليوم، بصورة جسيمة وحافلة بمخاطر، ينتجها انحيازها السافر، وغير العادل للنظام، في دعوتها سوريين، بصفتهم الفردية، إلى الجلوس وجها لوجه حول طاولة التفاوض، لإيجاد حل، هدفه، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في اسطنبول "إصلاح النظام"، كأنه لا توجد بالنسبة لموسكو وثيقة جنيف واحد، أو كأن نوع الحل لم يحدد دولياً، بقرار جماعي من دول مجلس الأمن، بما فيها روسيا، أو لا وجود لـ"هيئة حاكمة انتقالية"، مهمتها محددة بنص ملزم، يجعلها نقل سورية بموافقة كلا الطرفين إلى نظام ديمقراطي، وليس "إصلاح النظام" الذي يعني التحاق المعارضة به، وبالتالي احتواءها في صفوفه، بدل التخلص منه، وإقامة نظام بديل له، يطالب به الشعب، ويثور منذ سنوات لتحقيقه.

لا يتفق الحل الروسي، في أية نقطة من نقاطه، مع الحل الدولي الذي وافقت عليه روسيا. ولا يقوم على فكرة التوازن التي تتيح إنجاز حل برضا الطرفين، يلبي مطلب الشعب في الحرية وأمن وسلامة أهل النظام، بل هو يستند على ما تمسكت روسيا به في سنوات الثورة الطويلة والمضنية: النظام ورئيسه الذي لطالما ادعى لافروف، وزير خارجية الكرملين، أن بلاده ليست متمسكة به، لكنه رفض أي بديل له، حتى إن كان علوي المذهب مثله، وها هو نائبه يخبرنا أن هدف التفاوض ليس تغيير النظام بل إصلاحه، أي بقاءه بمساعدة المعارضة ودعمها.

لن يخدم الحل الروسي أحداً غير النظام. ولن يوقف قتل الشعب وتهجيره وتجويعه، وسيقوي قوى الإرهاب، لأن نجاحه سيدمر جميع التيارات الوطنية التي ستضع نفسها في موضع من خان مصالح ومطالب شعب ضحى بالملايين من أجل حريته، إن هي اعتمدت حل موسكو مع نظام قاتل، سيعاملها كجهة مهزومة، أتت إلى المفاوضات، لكي تستسلم له، وتنضوي فيه. ماذا يبقى للمواطن السوري، في حال كهذه، غير التطرف والانضمام إلى الإرهابيين، دفاعاً عن نفسه، وانتقاماً من خونته.

لن يأخذنا حل روسيا إلى السلام. إنه سيغرقنا، بالأحرى، في طوفان من التطرف والعنف.  

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
نصيحة جزائرية للشعب السوري!

نصيحة جزائرية للشعب السوري!
صحيح أن الفارق الزمني بين الثورتين الجزائرية والسورية حوالى ربع قرن من الزمان، إلا أن أوجه الشبه بين الثورتين واضحة للعيان. لهذا بات البعض يخشى، على ضوء المبادرات الدولية والروسية تحديداً، أن تنتهي الثورة السورية على الطريقة الجزائرية البائسة، وأن يعود جنرالات الأمن والجيش إلى تشديد قبضتهم على البلاد والعباد عبر مصالحات زائفة وقوانين الوئام الوطني الكاذبة المفصلة على مقاس القتلة والمجرمين الذي عاثوا في البلاد خراباً وتدميراً وقتلاً. وقد وضع أحد الباحثين الجزائريين أوجه الشبه التي لا تخطئها عين بين الحالتين الجزائرية والسورية. ولو رتبنا الأحداث من البداية إلى النهاية لوجدنا التالي:
خروج مظاهرات مطالبة بإلغاء الانقلاب الذي قام به جنرالات الجزائر على نتائج الانتخابات وضرورة إعطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفرصة في الحكم. بالمقابل، خرجت مظاهرات شعبية في سوريا مطالبة بتغيير نظام الحكم. وكما تصدى النظام الجزائري للمظاهرات الشعبية بالحديد والنار، أنزل بشار الأسد الجيش إلى الشوارع فوراً للقضاء على التجمعات الشعبية والسياسية. وقد تشابه النظامان في شن حملة مداهمات واعتقالات في صفوف المعارضة واختفاء عشرات الألوف، مما حدا بالمعارضة إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها في كلتا الدولتين، فأصبح صاحب الحق متمرداً في نظر النظامين.
وكما ظهرت في الجزائر جماعات متطرفة مجهولة المنشأ، شعارها محاربة النظام وتشويه سمعة المعارضة، برزت على الساحة السورية أيضاً جماعات لم يعرف أحد من أين جاءت. والغريب أن كل تلك الجماعات جاءت باسم الدين وشعارها «الله أكبر». ويعتقد الكثيرون أنها صنيعة أمنية في كلتا الحالتين، ولكم القياس. ثم تلى ذلك البدء في حملات التصفية الجماعية لكل من كان له علاقة من قريب أو من بعيد بالمعارضة الأصلية.
لاحظوا أيضاً ظهور المجازر الجماعية بالجملة، والمجرم مجهول، والكل يتبرأ من الجريمة. أضف إلى ذلك الحملة المسعورة لتشويه صورة الإسلام والمعارضة. وكما هرب ملايين الجزائريين للخارج، أصبح العالم الآن يضرب المثل بعدد اللاجئين الذين هربوا من سوريا جراء الصراع الدامي. وقد أصبح كلّ من الشعبين منبوذاً أينما حلّ، وصارت صفة الإرهاب ملازمة لهما.
لاحظوا أن العالم في ذلك الوقت تحرك، لكن ليس لإنصاف الشعب الجزائري المسكين، بل لإنهاء الصراع لصالح الجنرالات والحفاظ على النظام. لاحظوا أيضاً أن العالم يعيد الكرة الآن في سوريا، حيث تناسى ما حل بالسوريين من كوارث، وأصبح همه الحفاظ على الحكم في دمشق من خلال مصالحات مفروضة على الشعب فرضاً بعد أن ذاق الأمرّين على مدى سنوات من التشرد والجوع والمرض والدمار. وكما دخل الشعب الجزائري وقتها في حالة من الضياع والتيه والحسرة، وكان يتمنى الرجوع إلى نقطة البداية والرضى بالواقع، فإن الكثير من السوريين بات يحن إلى أيام الطغيان الخوالي، ويريد سلته بلا عنب.
إلى هنا كل شيء متطابق حرفياً بين التجربتين الجزائرية والسورية. وعلى ضوء ذلك يمكن أن نتوقع الأحداث التالية في سوريا بناء على النموذج الجزائري. أولاً: الدعوة إلى الحوار بين أطراف النزاع برعاية أصحاب المصالح. ثانياً: الدعوة إلى الوئام المدني ووقف إطلاق النار واعتبار الوضع حرباً أهلية، وبالتالي لا أحد سيُحاسب لاحقاً. ثالثاً: الدعوة إلى مصالحة وطنية، وذلك يعني عفا الله عما سلف، وينجو الجميع بفعلته والذين ماتوا، والمجرمون حسابهم عند ربهم ولا عقاب، ولا متابعة، ولا هم يحزنون في الدنيا. رابعاً: بقاء النظام في الحكم، ويتم استبدال الرئيس بشخصية جديدة حسنة السمعة وتـُرضي الجميع، لكنه في الواقع تطور يخدم النظام ويدعم قوته، ويعطيه شرعية جديدة لم يكن يحلم بها قبل الثورة. خامساً:.عندما ترضى المعارضة بالمصالحة فاقرأ السلام عليها، لأن النظام سيعمل على تلميع صورته وتشويه سمعة الطرف الآخر، ويستحيل بعدها القيام بثورة ديمقراطية في البلد. سادساً: العودة إلى نقطة الصفر، والجميع سيسكت خوفاً من تكرار الاحداث من جديد، وكلما ظهرت بوادر انتفاضة قام النظام بتفجير هنا وآخر هناك، فيهدأ الجميع.
ولمن ما زال لديه أمل في الحرية، فإن النظام الذي قتل مليون سوري لا يقيم لك أي وزن ولا أهمية لوجودك، فيما لو تمكن ثانية. لاحظ كيف صمت الشعب الجزائري بعد تلك التجربة المريرة، وانظر إلى أين وصل وضعه الآن. رئيس مشلول، وفساد ليس له مثيل، ومجرمون يمارسون الموبقات على رؤوس الأشهاد، ولا أحد يجرؤ على الكلام، فالجميع خائف. وليعلم السوريون، إذا رجع النظام، فلن يرحم أحداً. وبالتالي، كل من ينخدع بوعود المصالحة المزعومة في سوريا، فلا يلم إلا نفسه. لهذا أمام الشعب أمران اثنان: إما أن ترضوا بالعودة إلى نقطة الصفر وفق الأحداث المتوقعة، وإما أن توحدوا الصفوف، وتحسموا أمركم ضد النظام الحاكم، لأنه في أضعف أحواله، ولو كان قادراً على المواجهة لما بدأ في الدعوة إلى المصالحة أصلاً .
فاختاروا مصيركم الآن: إما أن تكونوا أو لا تكونوا.
اللهم اشهد أني قد بلغت.
أخوكم المحب ابن الجزائر.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
هلال إيران يكتمل في سوريا

قبل نحو عقدين من الزمن، لم يكن للإيرانيين نفوذ وسيطرة واضحة على القرار السوري كما هو الحال اليوم، إذ بدأ هذا النفوذ غير الطبيعي بالنمو متسارعاً خلال السنوات العشرين الأخيرة، فتصنيف الولايات المتحدة سوريا ونظامها كدولة “داعمة للإرهاب” دفع الأسد الأب لإقامة تحالف استراتيجي مع إيران التي صنفتها أمريكا أيضاً “دولة الشر”، وكان تحالفاً عضوياً لم ترغب فيه غالبية السوريين، ففيه سمح الأسد الأب لإيران بالمشاركة في رسم سياسات سوريا الداخلية والخارجية.

ورث الأسد الابن السلطة عن أبيه، وورث معها استعلاءه على المجتمع الدولي وتمرده عليه، كما ورث رغبة بـ(الخلود)، فقابله الغرب بتشديد العقوبات خاصة بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإجباره على إخراج الجيش السوري من لبنان، وزاد على ذلك سوء علاقة الرئيس عديم الخبرة بالكثير من الزعماء العرب.

مع بدء الثورات العربية ضد الدكتاتوريات، وإطاحتها برؤوس كبيرة، وانطلاق انتفاضة كرامة وحرية في سوريا، قرر الأسد تسليم مصيره لإيران تدريجياً، وتجاوز الحد الذي رسمه نظام أبيه لهذه العلاقة، وفتح أبواب سوريا على مصراعيها لإيران مقابل أن تضمن له (الخلود) في السلطة والحماية من غضب شعبي، كان يتوقعه أبوه الذي بنى منظومته الأمنية العسكرية لتكون مستعدة له عندما يأتي.

رحّبت إيران بهذا العرض “السخي” من الأسد، وسخّرت أذرعها الدينية والاقتصادية والعسكرية، المباشرة وغير المباشرة، لحمايته ونظامه، فخططت للنظام وأجهزته الأمنية وجيشه، ودربت ميليشيات غير نظامية طائفية تابعة للنظام، وسخرت قدرات حزب الله اللبناني الشيعي لحمايته، كما أدخلت ميليشيات عراقية ويمنية وغيرها من الدول للدفاع عنه، ولحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي والعرب تذرّعت بحجة الدفاع عن الأماكن الدينية الشيعية في سوريا، والدفاع عن محور “الممانعة والمقاومة” المعادي لإسرائيل، وعبثت بكل شيء يمكن أن يثير الأحقاد الطائفية في سوريا وفي خارجها.

إيران التي قدّمت كل هذا للأسد ونظامه حصلت بالمقابل على ما تريد، فسيطرت على القرار السياسي والعسكري، وأصبح قادة الحرس الثوري هم أصحاب القرار لا الأسد، وانتقلت قيادة سوريا من أسرة الأسد إلى يد خامنئي، وربما لأصحاب رتب أقل كثيراً من خامنئي، وتعامل الأخير مع الملف السوري كزعيم فارسي شيعي في مواجهة ثورة عربية سنّية، وزاوج الإيرانيون حالة القومية الفارسية مع حالة المذهبية الشيعية، ليس لقناعة بل لمصلحة. لم ينس السوريون ما قاله أحد كبار قادتهم (رحيم صفوي) بأن حدود بلاده الحقيقية صارت على شواطئ المتوسط، كما لم ينسوا ما أعلنه أحد مراجعهم الدينية (مهدي طائب) بأن سوريا صارت المحافظة رقم 35 في إيران، وهو كلام ليس فيه مبالغة، فقد حوّل بشار الأسد سوريا إلى كيان إداري إيراني محلّي.

دعمت إيران بكل الطرق حرب النظام السوري ضد الغالبية المنتفضة في سوريا، وأدى عنفها وعنف النظام إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين، وأدى هذا بدوره لتأجيج الإسلام المتطرّف وتمدده على حساب الإسلام المعتدل.

عندما أوشكت شبكة سيطرة نظام الأسد على سوريا على الانهيار، أشرفت إيران بنفسها على ترتيب المشهد الميداني في سوريا تخطيطاً وتنفيذاً وإشرافاً، حتى أن بعض القطاعات صار محرماً دخولها، أو التواجد فيها، على أي سوري إلا لنخبة ممن تثق فيهم إيران.

بهيمنة إيران على سوريا سيطرت بالمعنى الاستراتيجي على قلب الشرق الأوسط، وبات نفوذها يمتد من إيران وحتى المتوسط، شاملاً العراق الذي يقع تحت سيطرة حكومة شيعية موالية لطهران همّشت المكوّن السنّي، ثم لبنان الواقع تحت سيطرة حزب الله اللبناني الشيعي الذي أعلن أمينه العام حسن نصر الله في أحد خطبه أن ولاءه الأول للولي الفقيه وليس للبنان، فضلاً عن موطئ قدم لإيران في فلسطين عبر تمويل فصائل فلسطينية إسلامية مسلحة متمردة، وهذا الكلام يُترجم عملياً لخريطة “الهلال الشيعي” التي حذّر منها الملك الأردني قبل نحو عقد من الزمن، وأنجزت إيران أول هلال، وأردفته بهلال آخر من الجنوب، يمر بالبحرين التي تحاول إيران زعزعة أمنها، واليمن الذي سيطر الحوثيون المرتبطون بإيران على السلطة فيه، وكذلك عمان والسودان المرتبطتان بعلاقات خاصة مع إيران.

تحقق إذن حلم إيران الجامح في الوصول إلى البحر المتوسط، وربما تعتقد الآن أنها اقتربت من تحقيق حلم أهم لطالما داعب خيال قادتها، وهو المشاركة في تقرير مصير الشرق الأوسط والخليج العربي، وصياغة النظام الإقليمي برمته، وتحديد موقع أطرافه منفردة أو بالتشارك مع الدول العظمى، وإعادة رسم خارطة الإقليم العربي وفق مصالحها وأطماعها الفارسية، وهي، بطبيعة الحال، خارطة قومية طائفية أيديولوجية ثأرية قسمت الشرق الأوسط لدول طائفية غير قابلة للعيش وغير قابلة للعودة لطبيعتها في نفس الوقت.

لكن يصح هنا التساؤل، هل تتناسى إيران أن بنيتها العرقية والمذهبية بنية قلقة؟ لأن أكثر من نصف الإيرانيين (حوالي 55 بالمئة) من أصول غير فارسية: أذريون (شمال إيران) وأكراد (شمال غرب إيـران) وعرب (جنوب غرب إيران) وبلوش (شرق إيران)، كما أن 35 بالمئة من الإيرانيين هم من السنّة، ولعبها بالخرائط هي لعبة خطرة يمكن أن تستخدم ضدها، وهو في الغالب ما سيكون في يوم من الأيام.

الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط مرت بعدة مستويات، الأول تصدير الثورة وإقامة أنظمة سياسية تتبنى الرؤية الإيرانية في الحكم (ولاية الفقيه) كالعراق، والثاني كسب نفوذ في دول الشرق الأوسط عبر استتباع الأنظمة السياسية كما في سوريا، والثالث عبر إقامة أحزاب سياسية شيعية وتشكيل ميليشيا طائفية مسلحة في الدول التي تضم طائفة شيعية كما في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان، والمستوى الرابع عبر تبنّي أحزاب سياسية إسلامية في الدول التي لا توجد فيها طائفة شيعية كما في فلسطين (حماس والجهاد الإسلامي) وكردستان العراق (حزب الاتحاد الوطني- طالباني) ومصر (الإخوان المسلمون) والسودان ونيجيريا (بوكو حرام) وطاجيكستان وأوزبكستان وتركيا (حزب الله التركي، وحزب العمال الكردستاني).

ساعد بشار الأسد إيران على تنفيذ مخططاتها، فدفع الثورة نحو العسكرة وغذى التطرف، ورفد التنظيمات الإرهابية بكل أسباب الحياة والقوة ومنها إطلاق سراح سجناء تكفيريين، وورط طائفته كلها في معركته ضد الشعب، وسمح لميليشياته بارتكاب مجازر طائفية، لكن ليس الأسد وحده من ساعد إيران، بل هناك الدول الغربية التي لم تقم بأي تصرف يمكن أن يردعه ويضع حداً لحربه غير المتكافئة ضد الشعب.

لإيران تاريخ من الاستفادة من الفوضى، وهو أسلوب استعملته في لبنان والعراق وأفغانستان واليمن والسودان والآن في سوريا، لكنها حتى لو استطاعت ترتيب المشهد الحالي، فإنه سيكون مشهد متحرك غير مستقر في بحر عربي سنّي رافض لها، وربما تكتشف متأخرة أنها استنزفت طاقاتها في الورطة الشرق أوسطية، وتضطر ليس فقط للاستغناء عن خرائطها وأقواسها وهلالاتها التي تحلم بها، بل لاستنفار كل طاقاتها لإبعاد خطر التقسيم عن الخريطة الإيرانية الحالية.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
هل تنجح المبادرة الروسية في سوريا وكيف

لم تحل أزمة أوكرانيا، وبسببها ينكمش الاقتصاد الروسي ويُحاصَر عالمياً. المَخْرَج الروسي للمشكلة كان بزيارة فلاديمير بوتين إلى تركيا وعقد قمة لزعيمي الدولتين، غلب عليها البعد الاقتصادي. ولكن وفق التصريحات الإعلامية لم يتفقا في ما يخص الموقف من النظام السوري ومن الثورة. التحرك الروسي الأخير، يستفيد من خطة دي ميستورا، والتي تتوافق مع الرؤية الروسية لمستقبل سوريا وأنها تواجه إرهاباً وعلى المعارضة ودول العالم التصالح مع النظام لمحاربته، وهذا في كل الأحوال ما أتى التحالف الدولي بهديه إلى سوريا.

روسيا استدعت شخصيات معارضة، ثم وفدا رفيع المستوى من النظام، ثم وفدا من هيئة التنسيق، والتسريبات الإعلامية المنشورة تقول بأنها التقت 12 حزبا كرديا، وقدري جميل وشخصيات أخرى. كي تكتسب المفاوضات الأخيرة قيمة فإن روسيا تؤكد أنها ليست متمسكة بالرئيس السوري، حيث أن هذه القضية بالتحديد كانت وستظل المشكلة الأبرز، وتتطلب حلاً حقيقيا وتوافقا بين قوى المعارضة مع النظام.

خطة دي ميتسورا تجاهلت البعد السياسي كمدخل للحل، وركزت على وقف العمليات العسكرية ولاحقاً يتم التوصل إلى حل سياسي. الخطة الروسية الجديدة تدمج النظام مع جزء من المعارضة لتقاسم المقاعد الوزارية، وموضوع الرئاسة لا يزال ملتبساً. النظام لن يتخلى عن منصب وزير الدفاع والأجهزة الأمنية.

هذه الخطة ستفشل بالتأكيد، فلا المعارضة ستقبل بهذه الشروط ولا الدول الداعمة لها. مقابل ذلك هناك كلام يتم تداوله في معظم عواصم العالم المعادية للنظام و”الداعمة” للثورة على ضرورة الحل السياسي، ويتم التخفيف من الحديث عن المكون العسكري، عدا أن الكلام عن تأهيل قوات المعارضة لا أحد يأخذه بعين الاعتبار.

المعطى الأخير، ربما سيسمح بالذهاب نحو حل سياسي ما. المشكلة ليست في ضرورة الحل السياسي، فهذا ومنذ اتفاق جنيف صار الحل الوحيد لأزمة النظام، القضية أن الروس هم من أفشل جنيف2 وهم من حمى النظام في مجلس الأمن الدولي واستعملوا أربع مرات حق نقض أي قرار تحت البند السابع. الروس وافقوا على وثيقة جنيف كأساس للحل، ولكنهم أطلقوا عليها النار في دعمهم للنظام. المفاوضات الأخيرة ضرورية لتنجح في تحقيق مطالب واسعة للمعارضة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفي تحديد خطة انتقالية تسمح بتغيير كل السلطة السياسية.

التوافق الإيراني الأميركي ولاسيما النووي، واحتمال الاعتماد على إيران في شؤون المنطقة، قد يسمح للأخيرة بدور ما في سوريا، وبالتالي هناك خوف روسي من انتهاج إيران سياسات تخص سوريا. فكثير من التحليلات تؤشر إلى تفاهمات بما يخص كل المنطقة. الخوف الروسي ربما يتأتى من هنا، ولكن روسيا لا تمتلك أوراقا قوية، فالمعارضة لا تستطيع التوقيع على أي اتفاق لا يحقق نقلة نوعية. يبعد النظامَ عن روسيا توهمه أنه حقق تقدما في حلب ومؤخراً في درعا، وقد شدد الخناق على الغوطة وبالتالي لماذا يتراجع الآن؟ يعزز هذه الفكرة أن تصريحات وليد المعلم تتضمن تمايزاً عن الروس في الرؤية للحل. وذهابه مؤخراً إلى إيران، ربما لدراسة الموقف من الروس.

لاشك أن إيران بحاجة إلى روسيا، فالإيرانيون لا يثقون في أميركا لأنها قد تتبنى موقفاً جديداً ضدها. سيما وأن أوباما يُحاصر يومياً، وبعد عامين قد يتم التخلي عن كل سياساته، ولكن هناك سبعة أشهر متبقية ولابد من خلق واقع جديد كي تفرض الدول شروطها على طاولة المفاوضات. فهل تنعطف إيران نحو أميركا بشكل واسع؟ السياسة الإيرانية ماكرة والأمر ممكن. روسيا تعي ذلك تماماً وتخشاه، ولكن قوة روسيا تتأتى من تأثيرها الواسع على النظام. روسيا تتحرك أيضاً ضمن الأشهر السبعة القادمة.

أميركا لن تعارض أي اتفاق يخص سوريا، ولكن يفترض أن لا يخرج عن اتفاق جنيف. يضاف هنا أن أميركا تعتبر سوريا رهينة بيدها ضد إيران ومن أجل توقيع صفقة تخص الاتفاق النووي بعد سبعة أشهر، عدا أنها منشغلة الآن، بترتيب الحكم في العراق. في كل الأحوال، أميركا لا تزال تعترف للروس بدور لحل أزمة النظام، وهي من ساهم في صياغة اتفاق جنيف، وبالتالي هل يمكن للروس اعتماد استراتيجية جديدة، وإجبار النظام وإيران على توقيع ذلك الاتفاق؟ المشكلة أن القوى السورية التي يتم التوافق معها، تنطلق من أي حل سياسي ولو لم يكن وفق جنيف، وليست لديها مشكلة التنازل عن بعض بنوده، وليس بالضرورة أن تتبنى موقفاً من مصير الرئيس السوري. لذلك ستفشل المفاوضات إن لم تحدد بدقة الموقف من القضية الأخيرة. ولن تقبل بها جهات متعددة في المعارضة، ويعلم النظام أنه دون حل هذه القضية ليس من حل أبدا.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
الشرق الأوسط في 2015: دول فاشلة وأزمات

شهد عام 2014 سقوط أربع دول عربية - سورية والعراق وليبيا واليمن - في عداد الدول الفاشلة، كما شهد صعود تنظيم «داعش»، أكبر نموذج للتهديد الارهابي المتطرف في التاريخ العربي الحديث. ومن المتوقع أن تستمر المنطقة في تزويد العالم بفائض من الأزمات في عام 2015. لكن من المحتمل أيضاً أن تشهد المنطقة بعض النجاحات إلى جانب هذه الازمات وحالات الفشل.

من المرجح ان تستمر تجربة المغرب في تقاسم السلطة بين ملكية قوية وحكومة يقودها حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي. يتمتع الملك بشرعية قوية، وفي وقت مبكر بعد الانتفاضات العربية تولى الإشراف على مجموعة من الإجراءات من خلال الدفع بدستور ليبرالي من جهة، والسماح لحزب «العدالة والتنمية» الذي فاز في الانتخابات برئاسة حكومة متعددة الأحزاب محدودة السلطة وتحت إشراف الملك، من جهة أخرى. يبدو أن هذه الصيغة قد تؤسس لنوع من التوازن والاستقرار في المغرب في العام القادم.

كانت الجزائر من البلدان التي لم تشهد انتفاضة في حقبة الربيع العربي، رغم أن لديها التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذاتها التي أدت إلى إشعال ثورات في بلدان أخرى. ولكن الذاكرة الحية للحرب الأهلية بين الإسلاميين والدولة، فضلا عن موارد النفط الوافرة، أحكمت الغطاء ومنعت تفجير الثورة. لكن انخفاض أسعار النفط، واستمرار الحراك الشبابي، ومشكلة انتقال السلطة بعد الرئيس بوتفليقة، ستعني أن عام 2015 يمكن أن يكون عاماً صعباً بالنسبة الى الجزائر.

كادت تونس أن تنهار في عام 2013، لكنها خطت خطوات كبيرة إلى الأمام في عام 2014. ويفترض أن تبدأ في عام 2015 جني ثمار التقدم السياسي، مع حكومة جديدة ورئيس وبرلمان جديدين. وعلى الرغم من أن التوترات سوف تتواصل بين العلمانيين والإسلاميين والتهديدات الأمنية من الجماعات المتطرفة التي تعمل عبر الحدود الليبية، إلا أن تونس ينبغي أن تكون قادرة على البدء في التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي كانت دافعاً كبيراً وراء انتفاضة كانون الاول (ديسمبر) 2010.

من المرجح أن تستمر ليبيا في الشرذمة والحرب الأهلية في عام 2015. ان الطريق الوحيد للمضي قدماً هو العمل الاقليمي والدولي لحث الاطراف على معاودة الحوار والضغط لمنع التصعيد، وتقديم الدعم للمؤسسات السياسية والأمنية الناشئة التابعة للحكومة المركزية، رغم ضعفها الحالي.

ستواصل مصر مواجهة تحديات أمنية كبيرة، إضافة إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ولكن عليها التوفيق بين الأهداف الليبرالية والديموقراطية التي هللت لها في دستورها الجديد مع واقع الحملات الأمنية والقمع الذي يشهده الشارع السياسي والمدني. فقد أكد الرئيس السيسي على خطورة التهديدات الأمنية التي تواجه مصر، واتخذ قرارات اقتصادية صعبة ومهمة، ولكن عليه أيضا اتخاذ قرار بشأن شكل النظام السياسي على المدى الطويل في مصر. فالدستور على حق في الإصرار على أن الدين ينبغي أن يترك بعيدا عن السياسة، ولكن مصر يجب عليها الاستفادة من الفترة القادمة لإعادة فتح الفضاء العام للأحزاب والقادة الذين يقبلون قواعد اللعبة هذه، والعمل تدريجيا نحو بناء نظام سياسي ديموقراطي. وتشكل الانتخابات البرلمانية المؤجلة فرصة لاعادة تحريك الحياة السياسية خلال عام 2015 .

في بلاد الشام، ستواجه كل من سورية والعراق أكبر التحديات. لدى العراق على الأقل فرصة للمضي قدماً مع رئيس وزراء جديد وحكومة ائتلافية ودعم دولي يجمع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وايران وتركيا ومعظم الدول العربية. وفي عام 2015 من المحتمل ان يحقق العراقيون انتصارات ضد تنظيم «داعش» واستعادة مدينة الموصل ومناطق محتلة اخرى واحراز تقدم في انشاء الحرس الوطني وتطوير الفيديرالية.

للأسف، يبدو أن سورية ماضية في الاتجاه المعاكس في عام 2015 نحو مزيد من القتال والخراب. الا ان العام المقبل قد يكشف أيضا عن بعض نقاط التحول. فقد شهد عام 2014 ذروة صعود «داعش»، لكنه شهد أيضا عودة الولايات المتحدة إلى بلاد الشام وإنشاء تحالف للاستمرار في معركة طويلة الأمد ضد «داعش». قد يتطور هذا في عام 2015 الى تصعيد لاعمال التحالف في سورية بشكل منطقة حظر جوي في الشمال ودخول قوات المعارضة المسلحة، التي سيتم تدريبها وتأهيلها في الاشهر القادمة، الى المعركة. وعلى الصعيد السياسي فمن غير المرجح أن يكون هناك إحياء لمحادثات جنيف برعاية الولايات المتحدة وروسيا، الا ان مبعوث الأمم المتحدة يدفع باتجاه وقف إطلاق نار في حلب، وروسيا تتوسط بين النظام وبعض اطراف المعارضة لطرح صيغة استمرار الاسد بصلاحيات مقلصة وتشكيل حكومة مع بعض رموز المعارضة.

أما بالنسبة الى لبنان، ورغم الانقسامات الطائفية والسياسية العميقة، فضلاً عن التدفق الكثيف للاجئين السوريين، فقد تمكن من الصمود في وجه العاصفة حتى الآن. لكن لا يزال لبنان من دون رئيس للجمهورية، ومدد البرلمان ولايته حتى عام 2017، مما يزيد من مخاطرعدم اجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية طيلة عام 2015. ويكتسب الجيش المزيد من القدرة في حماية الحدود مع سورية ولكن الوضع الأمني في البلاد لا يزال هشا للغاية. في عام 2015، يجب على اللبنانيين تعزيز النظام السياسي من خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يجب على أصدقاء لبنان الاستمرار في تقديم الدعم المطلوب للجيش.

في شبه الجزيرة العربية، يدخل اليمن فعلاً في مرحلة التفكك الوطني. كان اليمن متعثراً خلال السنوات الاخيرة، حتى قبل مرحلة الانتفاضات العربية، مع تضاؤل موارد المياه والطاقة، والانقسامات الإقليمية والقبلية الحادة، وكل هذا في ظل حكومة مركزية ضعيفة. الا انه بعد الانتفاضة، وبمساعدة وضغط من دول الخليج استطاع ان يدخل مرحلة انتقالية واعدة. ولكن الصعود الخطير للحركة الحوثية المسلحة واستيلاءها على العاصمة وإملاءاتها السياسية، كسرت هذه المرحلة الانتقالية. فصعود الحوثييين ادى الى صعود مواز لتنظيم «القاعدة»، وتراجع الاستقرار في العاصمة ادى الى تصعيد المطالبة بالانفصال من قبل الحراك الجنوبي. يواجه اليمن مخاطر الانزلاق إلى الفوضى كما في ليبيا وسورية، مع تداعيات مماثلة لليمنيين أنفسهم ولجيرانهم. واذا تطورت العلاقة بين الحوثيين وايران على نموذج «حزب الله» اللبناني، يصبح لإيران موطئ قدم جديد للضغط على المملكة العربية السعودية.

في دول مجلس التعاون الخليجي من المرجح أن تستمر الثروة النفطية والنمو الاقتصادي والنفقات العامة السخية، فضلاً عن السياسات الأمنية القوية، في توفير قدر كبير من الاستقرار الداخلي. وستستمر السعودية ودولة الإمارات في سياساتهما الخارجية الدينامية في المنطقة.

وفي إيران، سيعتمد الوضع كثيراً على نتائج المحادثات النووية المؤجلة حتى منتصف عام 2015. فنجاح المفاوضات سوف يعطي دفعة للرئيس روحاني والبراغماتيين. وإذا فشلت المحادثات، فإن هذا يمكن أن يشل رئاسة روحاني ويضاعف قوة المتشددين. في غضون ذلك، من المرجح أن تستمر سيطرة «الحرس الثوري» على سياسات إيران في العالم العربي، والداعم للتدخل الفئوي في العراق وسورية ولبنان، وفي آخر مرحلة، اليمن.

وفي تركيا، تخطى الرئيس أردوغان التحديات المتعددة التي اعترضت طريقه: احتجاجات الشباب، الخلاف مع حركة غولن، انهيار سياسته في الشرق الأوسط، وفضائح الفساد. وفاز بشكل حاسم في الانتخابات المحلية والرئاسية لعام 2014، ويتطلع إلى الانتخابات البرلمانية عام 2015 كطريق لإعادة صياغة الدستور وتوسيع سلطات الرئاسة. إن موقف أردوغان واصراره على أن الحرب ضد «داعش» لا يمكن لها المضي قدماً من دون سياسة واضحة ضد الأسد ومطالب أخرى مثل فرض منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة قد تحظى باهتمام أكبر من جانب الولايات المتحدة في عام 2015، ومن ناحية أخرى، فإن رفضه إغاثة كوباني في وقت مبكر تسبب في رد فعل كردي قوي في تركيا كما تسبب في انتكاس جهوده للحفاظ على الدعم الانتخابي الكردي وإبرام اتفاق مع أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني.

أما في الساحة الفلسطينية - الاسرائيلية، سيشكل نتانياهو حكومة اكثر تشدداً بعد انتخابات الكنيست المتوقعة في شهر آذار (مارس)، بينما قد يدفع اليأس بالفلسطينيين الى اطلاق انتفاضة ثالثة، انطلاقاً من القدس. واذا حصل ذلك قد يقلب مقاييس كثيرة في السياسات الاقليمية والدولية ويعيد خلط الاوراق والحسابات.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان