مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
سلاح النفط في معركة 'كسر عظم' دولية

أربعة أعوام من الاستعصاء السياسي في سوريا انعكست فوضى شاملة ودمارا واسعا اجتاح، بضراوة خلال العام الماضي، كلا من لبنان والعراق. استعصاءات مركّبة من طبقات عديدة، محلية وإقليمية ودولية. كل طبقة تمتلك دينامية داخلية من التوازن تجعلها تحافظ على مستوى ثابت من التحالفات والتفارقات، فيما الواقع يتغير بسرعة، ينحدر إلى حضيض لا قعر له. لكن هذا الواقع دخل في أشد مراحل الفوضى والرعب، حيث بات الخطر محدقا، وحيث تنامت الشكوك في إمكانية الوصول إلى نقطة اللاعودة على المستوى الإقليمي والدولي، بعد أن وصلت سوريا والعراق إلى تلك النقطة منذ زمن.

هكذا تحركت الولايات المتحدة الأميركية على المستوى العسكري هذه المرة في محاولة لكسر الاستعصاء على المستوى السياسي. فابتعادها عن الساحة العراقية بعد سحب قواتها، وعدم وجودها أساسا في الساحة السورية واللبنانية مكّن كلا من إيران وروسيا من لعب دور كبير في تثبيت الاستعصاء، ومن سد كل أفق أمام أي حل سياسي. كانت أعوام من “البلطجة” الإيرانية والروسية بامتياز، حتى تماهى الطرفان مع دورهما الجديد كمطرقة ضخمة وحيدة في ميدان الحرب السورية والعراقية لا ترى في أعداء حليفيها، بشار الأسد ونوري المالكي، سوى مسامير صغيرة تستدعي السحق.

اتضح، مبكراً جداً، للقوى الغربية أن تركيبة النظام السوري صلدة جداً وغير قابلة للتفكك أو الانفتاح على تسوية سياسية مرضية تنهي ما بدأ كاحتجاج سلمي وتحول إلى حرب. ما لم يكن واضحاً بما فيه الكفاية هو أن روسيا وإيران تديران الملف السوري بنفس العقلية والروح الإجرامية التي يمتلكها نظام الأسد. إدارة مجنونة كتلك للصراع، لا يمكن إلا أن تولّد الاستعصاء الذي يسبق انفجارات متتالية، وحالة من الفوضى المستعرة والمتدحرجة من دون توقف.

فيما يبدو أن الجميع بات مدركا لتلك الحقيقة اليوم، فمن يريد فك طلاسم الحرب السورية والعراقية عليه ألا يراهن على تغيير في مواقف روسيا وإيران من دون ضغط حقيقي ومؤلم عليهما سواء في سوريا أو العراق، أو على اقتصاد البلدين.

ولا يمكن أن أنظر لتهاوي أسعار النفط إلى هذا المستوى السحيق إلا كجزء من عقاب دولي- إقليمي للحليفين الروسي والإيراني. لقد هبطت أسعار النفط بنحو 40 في المئة عن ذلك السعر التي دخل في الموازنة المالية لكل من روسيا وإيران في العام الماضي. كما أحدثت العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأميركية على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية انكماشا حادا في اقتصادها.

وكانت الآثار واضحة عندما رفضت روسيا، مؤخرا، طلب سوريا لقرض جديد بنحو مليون دولار، إذ باتت الدولة الروسية المنهكة اقتصادية أكثر حساسية في نفقاتها الداخلية والخارجية على السواء. فيما تعاني إيران ويلات العقوبات هي الأخرى، وتكاليف الدعم السخي لحرب النظام السوري على شعبه منذ أربع سنوات.

هكذا يشتد الصراع على المستوى الدولي، ليواكب الضراوة التي يشهدها الصراع على المستوى المحلي. فيما يبدو أننا دخلنا في معركة كسر عظم بين روسيا وإيران من جهة، والغرب وأميركا ودول إقليمية من جهة أخرى. ويبدو سلاح النفط كدعامة أساسية واستثنائية في هذه المعركة. سلاح زجّت فيه دول عربية نفطية، ربما بتوافق مع الغرب وأميركا رغم ما يقال عن تضررها جزئيا كونها المنتج الأول للنفط الصخري.

فروسيا وإيران تدفعان بالمنطقة والعلاقات الدولية من وراءها إلى مزيد من الفوضى والتأزم. لذا، لا يمكن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام من دون تنازل كبير يقدمه الروس والإيرانيين. كما يشكّل التحالف الدولي وزيادة الانخراط العسكري المباشر للولايات المتحدة الأميركيـة في سوريا والعراق الدعامة الثانية في معركة كسر العظم تلك.

وهكذا أيضا، يبدو مفهوما أن تهرع روسيا من أجل تحريك المفاوضات السياسية بين النظام والمعارضة. فأرسلت مبعوثها للأزمة السورية ميخائيل بوغدانوف في جولة مكوكية انتهت بمقابلة الأسد. لكن التسريبات من أطراف في المعارضة تشير إلى عدم وجود تغيير جوهري في موقف موسكو، فهي تدعو لحوار يجمع المعارضة والنظام من دون شروط ومن دون جدول زمني ومن دون أي ضمانات.

بالتأكيد، لا يتوقع من الضغط الدولي الكبير على روسيا، وقد بدأ للتو، أن يحدث تغييرا ملموسا وحادا في مقاربتها للأزمة السورية. لكنه في الوقت نفسه لا يمكن إلا أن يدفعها لإعادة النظر في سياستها السابقة، ومحاولة البحث عن بصيص ضوء لهذا النفق المظلم الذي حشر نظام الأسد السوريين وكل حلفاءه فيه.

تشعر روسيا أن الخناق يشتد على عنق سياستها العنيدة في سوريا والعراق اللذين باتا ميدانا دوليا لإدارة المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية. فهي لم تعد لاعبا دوليا وحيدا في تلك المنطقة، بل إن تحالفا دوليا مكونا من عشرات الدول صار يرسل طائرات حربية وجنودا، وتقوده الولايات المتحدة، في مشهد لا يمكن أن يبعث على الارتياح. لكن روسيا فلاديمير بوتين تبقى حتى اليوم أسيرة مقارباتها السابقة، وأسيرة بنى سلطوية طائفية نابذة للتسويات في كل من سوريا وإيران والعراق.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
مخاتلة (الأسد في عزلته وقبل رحيله)

مَن تأمَّل تصريحات وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في موسكو سيجد للمرة الأولى أن نبرته متلعثمة وعباراته مرتبكة متخلياً عن ثقته التقليدية، ما يدعم التسريبات عن تبدل موقف روسيا بخصوص النظام وليس مصالحها. بعد أيام نسبت «العربية» إلى مسؤول فرنسي قوله إن طهران لم تعد حريصة على الأسد.

الأسد أتعب حلفاءه قبل خصومه، فهذا النظام الشرس لا عقيدة قتالية لديه إنما قدراته، مثل أشباهه، في القمع الوحشي والتفرد بالمواطنين، وبناء الصورة المرعبة عن إمكاناته التعذيبية، حتى إن أشهر رجال النظام هم سادة التعذيب وقادة السجون، بل إن العلامات الدالة على سورية لم تعد مناطقها التاريخية والسياحية بل هي السجون الشهيرة صانعة الخوف والإرهاب. ناضلت طهران من أجل سيطرة النظام على الأرض، فبعثت ميليشياتها المتعددة وعززتها بدخول صريح وفج لـ«حزب الله»، إلا أنها لم تنجح مجتمعة في ترسيخ وجوده المتناقص يومياً مثل ضوء شمس يمضي إلى الغروب. ناصرته روسيا سياسياً وعسكرياً فلم يجد فعلها شيئاً كأنها تخوض حرباً تستعيد معها تاريخ أفغانستان ومراراته. حتى لبنان الذي كانت خيوطه مربوطة بقصر دمشق ارتفعت نبرته وبدأ يتلذذ بطعم الاستقلال.

ثلاثة أعوام من الدمار لم تثمر سوى خلق بيئة حاضنة لكل جماعة جهادية جعلت سورية مركز التجمع العالمي لها وميدان نشاطها، ثم تقاسمت المناطق بينها فلم يعد لعلم النظام من مكان سوى القصر وحواليه.

استخدم جيش الممانعة والمقاومة الألغام والبراميل المتفجرة والصواريخ والغازات، فلم يجد فيها نفعاً سوى أنه حدد لأهل بلده مكانين لا ثالث لهما: القبر والمهجر. استنزف كل الدعم من دون نتيجة، وأرهق مسانديه الذين تكاثرت عليهم الهموم حتى غدا الأسد أسوأها وأضرها، فأصبحوا يبحثون الخلاص منه بأقل الأضرار قبل أن تطمرهم الخسارة الكاملة وتضيع كل جهودهم.

طهران تئن تحت مشكلات كثيرة، والأسد الذي ظنته ورقة رابحة أصبح نكبتها وبوابة تفشل كل مخططاتها وتقضي على هيمنتها الصورية، فلا حمت دمشق ولا حصّنت العراق ولا أبقت على صورة معقولة لحزبها الأثير، فليس أمامها إلا النجاة بأقل خسارة إن جاءها عرض يبعد الأسد ويضعها في طاولة المفاوضات لتبدو مثل ولي أمر يزوج ابنته رغماً عنه لأنه لا يملك خيار منعها فلا يضيف إلى ذلك تمردها عليه.

ما يحدث في سورية مشهد فانتازي فريد، طائرات التحالف تجوب أراضي الأسد كأنها مساحات دولية، والجهاديون تمكنوا من محافظاته حتى أنهم نسوه في صراعاتهم البينية، فلا تأثير له أو هيمنة، ثم جاءت الطائرات الإسرائيلية لتضرب قرب أسوار قصره ليكون رده المأثور: «سنختار الوقت والطريقة المناسبين للرد»!

هذه التحولات الأخيرة هي الطريقة المثلى لانهيار النظام، لأن المظلة الآمنة وإن لم تسقط بدأت تهتز بفعل الرياح، ما يدفع العناصر الملتفة حول النظام إلى الهرب والبحث عن سبل النجاة، فالخطر وشيك، والبوابات أغلقت، والحصار اقترب.

إن صحت التسريبات فالنهاية لن تتأخر، وربما تتحقق قبل جولة جديدة من المفاوضات، فقد حان وقت الهرب الكبير، وفتحت بوابة الانشقاقات من حراسها والقائمين عليها.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
تأبيد اللجوء السوري

قبل أيام، وفي 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس عن قبول 27 دولة توطين 100 ألف لاجئ سوري على أراضيها. تجيء الخطوة، كما يقول، للتخفيف عن دول الجوار السوري، نتيجة التدفق الذي لا ينقطع للاجئين.

تحفل وسائل الإعلام ومواقع التواصل بأخبار يومية عن اللاجئين السوريين، من أشدها قسوة تلك التي تفد من لبنان، حيث يتم تحميل اللاجئين السوريين (غير المعترف بهم بهذه الصفة) مسؤولية ما ترتكبه "النصرة" بحق جنود لبنانيين، ويتم تجييش طائفي ضدهم منذ بدء تدفقهم إلى جيرانهم، وحرمانهم من أبسط حقوق الإيواء، وممارسة أشكال شتى من العنف العاري ضدهم.

وقد تعرض اللاجئون، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى محنة وقف العون الطبي لهم، ثم وقف العون الغذائي، قبل أن يعود الأخير جزئياً، من دون أن يسهم ذلك في وقف حالة شظف العيش التي يعانيها أكثر من ثلاثة ملايين سوري في دول اللجوء التي تتحمل مسؤولية مفاجئة عن أكبر حالة طوارئ إنسانية يشهدها عصرنا، وفق تعبير مفوضية اللاجئين. هذا ناهيك عمن يخاطرون بحياتهم في البر والبحر، ولا يتمكنون من العبور الآمن والدخول الشرعي إلى دول شقيقة.

دول الجوار، وبالذات في لبنان والأردن، تتحدث عن أعباء اللجوء والضغوط التي تمارس على الخدمات الأساسية، وذلك مع ازدياد عدد السكان بنسبة تقارب 10% في الأردن، و20 % في لبنان. وهي، بلا شك، نسبة كبيرة، في بلدين يعانيان من ظاهرة الفقر والبطالة والمديونية، غير أن اللاجئين لا يتحملون مسؤولية هذه الظاهرة، فهم، في جميع الأحوال، ضحايا مقتلعون من ديارهم، والمسؤولية تقع على النظام في بلدهم الذي تعامل، منذ البدء، بحل عسكري مع ظواهر احتجاجية مدنية، قبل أن يتفاقم الوضع، ويتم دفع الانتفاضة المدنية دفعاً نحو العسكرة.

وتكمن محنة اللاجئين، في بعض وجوهها، بافتقاد بيئة حاضنة ومتعاطفة، حيث يسهل على كثيرين في أوساط الجمهور تحميلهم مسؤولية صعوبة الأوضاع الاقتصادية في البلاد التي لجأوا إليها.

نازح سوري لجأ منذ أواخر العام 2012 إلى الاردن تحدث لكاتب هذا المقال، بنبرة تمتزج فيها السخرية بالمرارة، عن أن اللاجئين الفلسطينيين حين نزحوا من ديارهم في العام 1948 كانوا "محظوظين"، فقد تلقوا استقبالاً طيباً من المجتمعات في سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر، خلافاً للاجئين السوريين الذين يجري التعامل معهم، في أغلب الحالات، على أنهم غير مرغوب بهم.

في واقع الأمر، الظروف هي التي تغيرت، فعدد السكان، قبل ستين عاماً وأكثر، كان ضئيلاً، وكانت هناك حاجة إلى أيد عاملة في المشاريع الزراعية والصناعية والخدمية، ولم تكن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الغالبة على اهتمامات الرأي العام (رغم وجود تلك المشكلات)، فالغالب كانت الطموحات الوطنية والقومية للتحرر من قبضة الأجنبي الذي كان محتلاً، أو يحتفظ ببعض وجود له.

" الاهتمام الإقليمي والدولي، إما أن يتخذ طابعاً إنسانياً، أياً كانت الملاحظات على أوجه العون والغوث، أو يتم من منظور رفع الأعباء الاقتصادية عن دول اللجوء "

افتقاد الأمان الفردي والجماعي للاجئين السوريين، وخسارتهم الوشائج التي كانت تربطهم ببيئتهم المحلية، وغموض المصير الذي ينتظرهم، هي بعض مما يؤرق القطاعات الأكبر من هؤلاء، غير أن ما يرصده المرء خلال ذلك أن الاهتمام الإقليمي والدولي، إما أن يتخذ طابعاً إنسانياً، أياً كانت الملاحظات على أوجه العون والغوث، أو يتم من منظور رفع الأعباء الاقتصادية عن دول اللجوء. ولا ضير في هذا وذاك، بل إن الاهتمام، حين يسلك هذين الاتجاهين، مطلوب، فثمة حاجات إنسانية عاجلة للإيواء والغذاء والدواء والتعليم، وهناك، في المقابل، الإمكانات المتاحة لدول اللجوء، بعضها يقصر عن تلبية حاجات مواطني هذه الدول، ومن الواجب دعم هذه الدول.

الثغرة الماثلة، والتي تزداد اتساعاً، هي في افتقاد النظرة السياسية لمشكلة اللجوء السوري وسبل معالجتها. فحين يتزايد تدفق اللاجئين، يدور الحديث، فوراً عن إمكانية استيعابهم هنا وهناك، وعن الصعوبات الجمة التي تكتنف ذلك، والتي تصاحبها نداءات تدعو لوقف استقبال المزيد، وردة الفعل هذه يمكن اعتبارها طبيعية، في ظروفٍ لا تبشر بوقف ظاهرة التدفق، غير أن هذا الموقف ينقصه التصريح بأمرٍ جوهري، وهو التساؤل عن سبب استمرار هذه الظاهرة، عن ظروف الطرد التي يتعرض لها النازحون، فيضطرون معها لمغادرة ديارهم، والتخلي عن بيوتهم وموارد رزقهم، تحت طائلة الخطر الماحق على حياتهم.

وبينما يبدي نظام بلادهم لامبالاة تامة إزاء محنة هؤلاء المقتلعين، بعد أن تسبب بها، ويعفي "نفسه" من أية مسؤولية عن رعايتهم في مواطن اللجوء (في واقع الأمر، لا يعترف بهم وهم في عداد الملايين! وقد رفض النظام، ولو لغايات شكلية ودعائية، منح حق المشاركة لهم في ما سميت انتخابات رئاسية العام الماضي). في هذا الوقت، ينظر المجتمع الدولي لمحنة اللجوء نظرة يغلب عليها الطابع الإنساني، كما لو أنهم ضحايا كوارث طبيعية، تهدمت بيوتهم ومدنهم، بفعل زلزال مدمر أو تسونامي جامح. والدليل أن سائر المقاربات والمعالجات لا تشمل بنداً من قبيل: السعي إلى تمكين اللاجئين من العودة إلى ديارهم. مبدأ الحق في العودة، والضرورة الماسّة لها يغيب أكثر فأكثر عن أجندات الرعاية والاستقبال. ولم يعد ينقص، الآن، سوى تشكيل وكالة دائمة لإغاثة وتشغيل اللاجئين السوريين، على غرار ما جرى مع اللاجئين الفلسطينيين مطلع خمسينيات القرن الماضي، وأن يتحرك مجلس الأمن لاستصدار قرار بهذا الاتجاه. علماً أن مفوضية اللاجئين في الأمم التحدة تنشط نحو توطين (أو إعادة توطين) لاجئين سوريين في سائر دول العالم، بينما كانت "أونروا"، وما زالت تنشط في مجال الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين فقط.

أصدقاء سورية، وأصدقاء السوريين من العرب خصوصاً، مدعوون لمهمة مزدوجة، هي استقبال إخوتهم المقتلعين، وشق الطريق، في الوقت نفسه، نحو تمكينهم من العودة، بدلاً من انتهاج سياسةٍ تفضي عملياً إلى تأبيد اللجوء، ومواجهة النظام الحاكم في بلادهم الذي يرفض عودتهم، ويتعامل معهم باعتبارهم فائضاً بشرياً، وليس شطراً كبيراً من الشعب الذي ما زال يحكمه. ومن الوهم افتراض إمكانات تتيح عودة جزء يسير من اللاجئين، وفق خطة المبعوث الأممي دي ميستورا، فالخطة عرجاء، تفتقد لأي منظور سياسي شامل، ولا تنطوي على ضغط للنظام الذي لا يتورع بعد التنكيل بشعبه، عن طرد هذا الشعب، وقذفه خارج الحدود، وسد الأبواب أمام عودته.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
جبهة النصرة على خطى داعش

سيطرت جبهة النصرة، خلال الشهر الماضيّ، على مناطق عدة في ريف إدلب وريف حماه، بعد مواجهة مسلحة مع جبهة ثوار سورية وحركة حزم وفصائل أخرى من الجيش الحر. كما اقتحمت النصرة 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 مدينة الرستن في ريف حمص الشمالي، واعتقلت قادة كتائب أهليّة، قبل أن تنسحب، وتنشر حواجزها خارج المدينة. وعلى الرغم من أن اقتحام الرستن هو الأول لجبهة النصرة في محافظة حمص، فإنه يأتي استكمالاً لمسار عسكريّ جديد، بدأته في قرى ريف إدلب على الحدود السورية التركيّة مطلع أغسطس/آب 2014.

يقف هذا المقال عند التطورات الأخيرة في الشمال السوري ودوافع الجبهة لتغير سلوكها وخطابها، ورصد إذا ما كان هذا التغير تكتيكاً مرحليًا، فرضته الظروف الراهنة، ولاسيما بعد تشكل التحالف الدولي، أو نتيجة مراجعات فكرية وتنظيمية.
تبدل الأولويات وتغير القيادة
أشرنا، في مقالات سابقة، إلى أن "النصرة" غداة تأسيسها، تجنبت طرح الشعارات الكبرى، كإقامة الدولة الإسلاميّة وتحكيم الشريعة، وقدمت نفسها للفصائل المسلحة، وللبيئات الاجتماعية الحاضنة تحت عنوان "دفع الصائل"، ومساعدتهم ضد قوات النظام. كما اصطفت، وعلى الرغم من انتمائها للسلفية الجهاديّة، إلى جانبهم، في المواجهة المسلحة مع داعش، مطلع عام 2014، والتي انتهت بطرده من عموم مدن الشمال، باستثناء الشمال الشرقي. لكن انتعاشة داعش العسكريّة، بعد سيطرته على الموصل، وتوسع نفوذه في العراق وسورية، وإعلانه الخلافة الإسلامية، ألقت بتداعياتها على جبهة النصرة، وفرضت تغيرات على مستوى القيادة والأولويات.

لم تكن خسارة "النصرة" أمام داعش عسكريّة فقط، بل نجمت عن انضمام كثير من مقاتليها ومنتسبيها لداعش ومبايعتهم البغدادي. لم تسطع الجبهة، وعلى الرغم من مبايعة الجولاني الصريحة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وتأكيدها المستمر هدفها المستقبلي بإقامة حكومة إسلامية، وتحكيم الشرع مواجهة الخطاب الجهادي المزاود لداعش، والذي يرفع الشعارات الكبرى، ويقدم نفسه تطبيقاً عمليّاً وواقعياً لها. كما أن اتهامات داعش النصرة بالتحالف والتعاون مع من يسميهم "القوميين والعلمانيين والليبراليين"، والفصائل "المتحالفة مع أعداء الأمة" أتت أكلها، وساهمت باستنزاف الجبهة عدديا. فالأخير أضحى بنظر جهاديين كثيرين خلافة إسلاميّة، قائمة في حيز جغرافيّ معين، وأن "أدبياتهم الفكريّة" تفرض عليهم الالتحاق بها، والقتال تحت رايتها.

" انتعاشة داعش العسكريّة، بعد سيطرته على الموصل، ألقت بتداعياتها على جبهة النصرة، وفرضت تغيرات على مستوى القيادة والأولويات "

فرض الواقع السابق خيارين على جبهة النصرة، فإما أن تتخلى عن بعدها الجهادي "الأممي"، وتتكيف مع ظروف محيطها، وتعيد هكيلة بنائها التنظيمي، لتصبح سلفية جهاديّة وطنية، على غرار حركة أحرار الشام، أو تحافظ على بنيتها الفكرية والتنظيمية، من دون تغير وتسد "الذرائع" أمام المنسحبين، برفع حدة خطابها، ورفع سقف أهدافها، والانغلاق على ذاتها كحركة جهاديّة، لها مشروعها الخاص خارج حسابات الثورة السورية وأهدافها. فضلت قيادة "النصرة"، وبحسب مؤشرات عدة، الخيار الثاني، وبدأت أولى خطوات تطبيقه، بعزل الشرعي العام السابق، أبو مارية القحطاني، المعروف بعدائه لتنظيم الدولة، وحرصه على العمل الجماعي مع الفصائل المختلفة، أكان ذلك في الهيئات الشرعية المشتركة، أو في العمليات والغرف العسكريّة، وتعيين الأردني سامي العريدي شرعياً عاماً جديداً للجبهة. يجدر الإشارة إلى أن العريدي، كما توضح مقابلته، بعنوان "منهج وعقيدة جبهة النصرة"، ميال لتقديم مسألة الحكم والتحكيم على هدف "دفع الصائل". وتماشيًا مع التوجه الجديد، سربت منتديات جهاديّة كلمة مسجلة للجولاني، لمقاتلين في تنظيمه، يبشرهم باقتراب قيام "الإمارة الإسلاميّة"، وهو ما أكدته الجبهة، في بيان توضيحي، نافية في الوقت نفسه "اقتراب" إعلانها.

أوضح بيان "النصرة" الصادر في 12 يوليو/تموز 2014 رغبتها منفردة بإقامة دور قضاء لتحكيم الشريعة ومؤسسات لحفظ الأمن، بدلاً من الهيئات الشرعية القائمة في المناطق المحررة. كما تضمن، وللمرة الأولى، تحذيرا للفصائل السورية مما سماها "المشاريع العلمانيّة" و"قطف ثمار الجهاد"، وتهديدًا بقتال "المجموعات المفسدة" في المناطق المحررة. وبمجرد صدوره، انسحبت من الهيئات الشرعية، وشرعت بإقامة محاكمها، وأسست أجهزة أمن خاصة، وأوقفت التعاون ضمن غرف عسكريّة كثيرة. وتحت عنوان مكافحة الفساد والتهريب، دخلت، بداية شهر أغسطس/آب، مواجهة مسلحة مع كتائب تابعة لجبهة ثوار سورية، في حارم وسلقين وجسر الشغور، انتهت بسيطرتها على معظم قرى الشريط الحدودي مع تركيا. ومنذئذ، حدثت اشتباكات ومواجهات عدة بين "النصرة" وكتائب أهليّة، أو فصائل تابعة للجيش الحر، أشدها ما حصل في قرية البارة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2014، والتي توسعت، لاحقًا، لتشمل جبل الزاوية وريف معرة النعمان وقرى في ريف حماه.
استباق مخاطر مستقبلية
مع بوادر تشكل تحالف دوليّ لمواجهة "داعش"، حاولت جبهة النصرة، المدرجة على القائمة الأميركية وقائمة مجلس الأمن حركة إرهابيّة، أن تمايز نفسها عنه لتتجنب ضربات التحالف. فعلى سبيل المثال، بادرت 25 أغسطس/آب 2014، وبوساطة قطرية، لإطلاق الصحافيّ الأميركي، بيتر ثيو كورتيس، المحتجز لديها، وذلك بعد أيام ذبح داعش الصحافي الأميركي، جيمس فولي. كما سعت، في مفاوضتها، لإطلاق جنود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (الإندوف) المحتجزين لديها، لرفع اسمها من لائحة الإرهاب. وعلى الرغم من مساعيها، فإن "النصرة" فشلت في تجنب قصف التحالف، والذي بادر إلى قصف مقراتها، يوم بدء ضرباته 23 سبتمبر/أيلول 2014. واستباقًا لخطر تشكيل قوة عسكريّة من "المعارضة المعتدلة"، تساند التحالف على الأرض، بدأت النصرة التصعيد ضد من تراهم "خصومًا" حاليين ومستقبليين، وفي مقدمتهم جبهة ثوار سورية، وقائدها جمال معروف، المدعوم سعوديًا. لذلك، استغلت النصرة النزاع المسلح الذي جرى بين جمال معروف ومجموعة انشقت عنه، وطلبت مساندتها، للقضاء على معروف، وتحجيم نفوذه في جبل الزاويّة، وريف معرة النعمان. بررت "النصرة" حربها على معروف، بداية بالقضاء على الفساد والسلب والنهب، لكن
التفافها على مبادرات الواسطة والتحكيم، وخرقها اتفاق الفصل بين المتحاربين الذي رعته حركة أحرار الشام، وكذلك الهجوم على مقرات حزم والاستيلاء على أسلحتها الثقيلة والخفيفة، وقد دل ذلك على أن ما رُوّج ليس إلا ذرائع لتحقيق هدف أكبر، يتمثل بالقضاء على الجيش الحر، خشية تحوله مستقبلاً إلى حليف للتحالف ضدها، على الرغم من إدانة كثير من فصائله، استهداف التحالف مقراتها.

" حدثت اشتباكات ومواجهات عدة بين "النصرة" وكتائب أهليّة، أو فصائل تابعة للجيش الحر، أشدها ما حصل في قرية البارة 27 أكتوبر/تشرين الأول 2014 "

توضح المؤشرات السابقة أن "النصرة" تسير على خطى داعش، لجهة استخدام السلاح للتعامل مع الخصوم، بعد شيطنتهم، أو تكفيرهم مع نزوع لفرض سلطتها، إدارياً وعسكرياً، على المناطق المحررة منفردة. لكنها تنحو مدخلاً مختلفاً، وتتبع أسلوباً أكثر ذكاء وأقل فظافة. فبخلاف داعش، تحرص "النصرة" على الاستمرار في قتال قوات النظام والمليشيات المساندة له، ولاسيما في الجبهات الصعبة، كحندرات ونبل والزهراء والقلمون، للحفاظ على سمعتها القتالية، وتخفيف المعارضة الفصائلية والشعبية، لتوسعها وقتالها مع فصائل الجيش الحر. كما أنها، وبحكم خبرتها، تلعب على تناقضات الفصائل وخلافاتها. فعلى سبيل المثال، استغلت الخلافات السابقة بين جبهة ثوار سورية وأحرار الشام، والتنافس على جبل الزاوية بين جمال معروف وأبو عيسى الشيخ، قائد صقور الشام لضمان عدم معارضتهما، أو على الأقل، حيادهما. وفي الوقت نفسه، تستغل وجود مظاهر سلب ونهب، تقوم بها مجموعات مسلحة تحت اسم "الجيش الحر" لاقتحام مدينة، أو منطقة معينة، وهو ما حصل في ريف إدلب على الحدود السورية التركية، وفي الرستن، وبعض قرى ريف حماة.

أيًا تكن مبرراتها، فإن "النصرة" بسلوكها وخطابها الجديد القائم على تكفير المعارضة السورية وفصائل الجيش الحر قد تضع نفسها مستقبلاً، في مواجهة حتميّة مع شرائح مجتمعيّة، ينتمي إليها مقاتلو الفصائل، وشرائح أخرى واسعة، طالتها فتاوى وممارسات استفزازيّة لعناصر ودعاة تحسب عليها. كما أن تحالفها مع جماعة جند الأقصى، وضمها لمنشقين عن داعش يعمق الهوة مع بيئات اجتماعية، ضاقت ذرعا بممارسات سابقة لهؤلاء، وفرض على أبنائها حمل السلاح لطردهم.

لطالما دافع سوريون كثر عن "النصرة"، على الرغم من اختلافهم مع أفكارها وأيديولوجيتها، ومدحوا بأس مقاتليها وضراوتهم، في قتال قوات النظام. لكنهم أملوا بمراجعات فكرية داخلها، لتتخلى عن البعد الجهادي الأممي، المرتبط بالقاعدة، وتميل إلى تبني خيارات وطنية سورية. لكن عقدة البقاء، وتزمّت القيادات، أعاقا توجهاً إصلاحياً كان، إلى ما قبل شهور قليلة، حاضراً في تفكير الجبهة.

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
أي سلام تريد روسيا؟

في التوافق الدولي بين الخمسة الكبار، أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذي أنتج وثيقة جنيف واحد، وما تضمنته من خارطة طريق إلى حل المسألة السورية، ثمة أمر حاسم قام عليه تصور الحل السياسي، يتجلى في تحديد هدف الحل، والمؤسسات التي ستنجزه، والطريق التي تفضي إليه، فالهدف هو النظام الديمقراطي، والطريق إليه هي التوافق بين أهل الموالاة والمعارضة دون الأسد، والمؤسسات هي تحديدا "الهيئة الحاكمة الانتقالية"، ذات الصلاحيات الكاملة التي ستشكل برضا الطرفين. ما هو دور الطرفين السوريين، في هذا النمط من الحل؟ إنه الالتزام التام بتطبيق وثيقة جنيف واحد، والتفاوض بقصد تطبيقها الكامل، من دون أي انزياح عن هدفها وطريقها والمؤسسة التي ستنفذ مضمونها. هذا ما أكده القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن الذي حدد الآلية التنفيذية لجنيف واحد، باعتبارها ملزمة للطرفين وواجبة التطبيق.

بكلام آخر: ليس هدف التفاوض بين الطرفين السوريين إيجاد حل مغاير للحل الدولي، أو مؤسسات تنفيذية، غير تلك التي حددها، وطريقة في إنهاء الحرب وبلوغ السلام غير التوافق بين طرفي الصراع، فالسوريون سيتفاوضون للتفاهم على مدخل إلى تطبيق جنيف واحد، وليس من صلاحياتهم، ولا يجوز لهم، التفاوض على هوية الحل ونمطه.

هذا ما وضعت روسيا توقيعها عليه، وتخالفه، اليوم، بصورة جسيمة وحافلة بمخاطر، ينتجها انحيازها السافر، وغير العادل للنظام، في دعوتها سوريين، بصفتهم الفردية، إلى الجلوس وجها لوجه حول طاولة التفاوض، لإيجاد حل، هدفه، كما قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في اسطنبول "إصلاح النظام"، كأنه لا توجد بالنسبة لموسكو وثيقة جنيف واحد، أو كأن نوع الحل لم يحدد دولياً، بقرار جماعي من دول مجلس الأمن، بما فيها روسيا، أو لا وجود لـ"هيئة حاكمة انتقالية"، مهمتها محددة بنص ملزم، يجعلها نقل سورية بموافقة كلا الطرفين إلى نظام ديمقراطي، وليس "إصلاح النظام" الذي يعني التحاق المعارضة به، وبالتالي احتواءها في صفوفه، بدل التخلص منه، وإقامة نظام بديل له، يطالب به الشعب، ويثور منذ سنوات لتحقيقه.

لا يتفق الحل الروسي، في أية نقطة من نقاطه، مع الحل الدولي الذي وافقت عليه روسيا. ولا يقوم على فكرة التوازن التي تتيح إنجاز حل برضا الطرفين، يلبي مطلب الشعب في الحرية وأمن وسلامة أهل النظام، بل هو يستند على ما تمسكت روسيا به في سنوات الثورة الطويلة والمضنية: النظام ورئيسه الذي لطالما ادعى لافروف، وزير خارجية الكرملين، أن بلاده ليست متمسكة به، لكنه رفض أي بديل له، حتى إن كان علوي المذهب مثله، وها هو نائبه يخبرنا أن هدف التفاوض ليس تغيير النظام بل إصلاحه، أي بقاءه بمساعدة المعارضة ودعمها.

لن يخدم الحل الروسي أحداً غير النظام. ولن يوقف قتل الشعب وتهجيره وتجويعه، وسيقوي قوى الإرهاب، لأن نجاحه سيدمر جميع التيارات الوطنية التي ستضع نفسها في موضع من خان مصالح ومطالب شعب ضحى بالملايين من أجل حريته، إن هي اعتمدت حل موسكو مع نظام قاتل، سيعاملها كجهة مهزومة، أتت إلى المفاوضات، لكي تستسلم له، وتنضوي فيه. ماذا يبقى للمواطن السوري، في حال كهذه، غير التطرف والانضمام إلى الإرهابيين، دفاعاً عن نفسه، وانتقاماً من خونته.

لن يأخذنا حل روسيا إلى السلام. إنه سيغرقنا، بالأحرى، في طوفان من التطرف والعنف.  

اقرأ المزيد
١٣ ديسمبر ٢٠١٤
نصيحة جزائرية للشعب السوري!

نصيحة جزائرية للشعب السوري!
صحيح أن الفارق الزمني بين الثورتين الجزائرية والسورية حوالى ربع قرن من الزمان، إلا أن أوجه الشبه بين الثورتين واضحة للعيان. لهذا بات البعض يخشى، على ضوء المبادرات الدولية والروسية تحديداً، أن تنتهي الثورة السورية على الطريقة الجزائرية البائسة، وأن يعود جنرالات الأمن والجيش إلى تشديد قبضتهم على البلاد والعباد عبر مصالحات زائفة وقوانين الوئام الوطني الكاذبة المفصلة على مقاس القتلة والمجرمين الذي عاثوا في البلاد خراباً وتدميراً وقتلاً. وقد وضع أحد الباحثين الجزائريين أوجه الشبه التي لا تخطئها عين بين الحالتين الجزائرية والسورية. ولو رتبنا الأحداث من البداية إلى النهاية لوجدنا التالي:
خروج مظاهرات مطالبة بإلغاء الانقلاب الذي قام به جنرالات الجزائر على نتائج الانتخابات وضرورة إعطاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفرصة في الحكم. بالمقابل، خرجت مظاهرات شعبية في سوريا مطالبة بتغيير نظام الحكم. وكما تصدى النظام الجزائري للمظاهرات الشعبية بالحديد والنار، أنزل بشار الأسد الجيش إلى الشوارع فوراً للقضاء على التجمعات الشعبية والسياسية. وقد تشابه النظامان في شن حملة مداهمات واعتقالات في صفوف المعارضة واختفاء عشرات الألوف، مما حدا بالمعارضة إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها في كلتا الدولتين، فأصبح صاحب الحق متمرداً في نظر النظامين.
وكما ظهرت في الجزائر جماعات متطرفة مجهولة المنشأ، شعارها محاربة النظام وتشويه سمعة المعارضة، برزت على الساحة السورية أيضاً جماعات لم يعرف أحد من أين جاءت. والغريب أن كل تلك الجماعات جاءت باسم الدين وشعارها «الله أكبر». ويعتقد الكثيرون أنها صنيعة أمنية في كلتا الحالتين، ولكم القياس. ثم تلى ذلك البدء في حملات التصفية الجماعية لكل من كان له علاقة من قريب أو من بعيد بالمعارضة الأصلية.
لاحظوا أيضاً ظهور المجازر الجماعية بالجملة، والمجرم مجهول، والكل يتبرأ من الجريمة. أضف إلى ذلك الحملة المسعورة لتشويه صورة الإسلام والمعارضة. وكما هرب ملايين الجزائريين للخارج، أصبح العالم الآن يضرب المثل بعدد اللاجئين الذين هربوا من سوريا جراء الصراع الدامي. وقد أصبح كلّ من الشعبين منبوذاً أينما حلّ، وصارت صفة الإرهاب ملازمة لهما.
لاحظوا أن العالم في ذلك الوقت تحرك، لكن ليس لإنصاف الشعب الجزائري المسكين، بل لإنهاء الصراع لصالح الجنرالات والحفاظ على النظام. لاحظوا أيضاً أن العالم يعيد الكرة الآن في سوريا، حيث تناسى ما حل بالسوريين من كوارث، وأصبح همه الحفاظ على الحكم في دمشق من خلال مصالحات مفروضة على الشعب فرضاً بعد أن ذاق الأمرّين على مدى سنوات من التشرد والجوع والمرض والدمار. وكما دخل الشعب الجزائري وقتها في حالة من الضياع والتيه والحسرة، وكان يتمنى الرجوع إلى نقطة البداية والرضى بالواقع، فإن الكثير من السوريين بات يحن إلى أيام الطغيان الخوالي، ويريد سلته بلا عنب.
إلى هنا كل شيء متطابق حرفياً بين التجربتين الجزائرية والسورية. وعلى ضوء ذلك يمكن أن نتوقع الأحداث التالية في سوريا بناء على النموذج الجزائري. أولاً: الدعوة إلى الحوار بين أطراف النزاع برعاية أصحاب المصالح. ثانياً: الدعوة إلى الوئام المدني ووقف إطلاق النار واعتبار الوضع حرباً أهلية، وبالتالي لا أحد سيُحاسب لاحقاً. ثالثاً: الدعوة إلى مصالحة وطنية، وذلك يعني عفا الله عما سلف، وينجو الجميع بفعلته والذين ماتوا، والمجرمون حسابهم عند ربهم ولا عقاب، ولا متابعة، ولا هم يحزنون في الدنيا. رابعاً: بقاء النظام في الحكم، ويتم استبدال الرئيس بشخصية جديدة حسنة السمعة وتـُرضي الجميع، لكنه في الواقع تطور يخدم النظام ويدعم قوته، ويعطيه شرعية جديدة لم يكن يحلم بها قبل الثورة. خامساً:.عندما ترضى المعارضة بالمصالحة فاقرأ السلام عليها، لأن النظام سيعمل على تلميع صورته وتشويه سمعة الطرف الآخر، ويستحيل بعدها القيام بثورة ديمقراطية في البلد. سادساً: العودة إلى نقطة الصفر، والجميع سيسكت خوفاً من تكرار الاحداث من جديد، وكلما ظهرت بوادر انتفاضة قام النظام بتفجير هنا وآخر هناك، فيهدأ الجميع.
ولمن ما زال لديه أمل في الحرية، فإن النظام الذي قتل مليون سوري لا يقيم لك أي وزن ولا أهمية لوجودك، فيما لو تمكن ثانية. لاحظ كيف صمت الشعب الجزائري بعد تلك التجربة المريرة، وانظر إلى أين وصل وضعه الآن. رئيس مشلول، وفساد ليس له مثيل، ومجرمون يمارسون الموبقات على رؤوس الأشهاد، ولا أحد يجرؤ على الكلام، فالجميع خائف. وليعلم السوريون، إذا رجع النظام، فلن يرحم أحداً. وبالتالي، كل من ينخدع بوعود المصالحة المزعومة في سوريا، فلا يلم إلا نفسه. لهذا أمام الشعب أمران اثنان: إما أن ترضوا بالعودة إلى نقطة الصفر وفق الأحداث المتوقعة، وإما أن توحدوا الصفوف، وتحسموا أمركم ضد النظام الحاكم، لأنه في أضعف أحواله، ولو كان قادراً على المواجهة لما بدأ في الدعوة إلى المصالحة أصلاً .
فاختاروا مصيركم الآن: إما أن تكونوا أو لا تكونوا.
اللهم اشهد أني قد بلغت.
أخوكم المحب ابن الجزائر.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
هلال إيران يكتمل في سوريا

قبل نحو عقدين من الزمن، لم يكن للإيرانيين نفوذ وسيطرة واضحة على القرار السوري كما هو الحال اليوم، إذ بدأ هذا النفوذ غير الطبيعي بالنمو متسارعاً خلال السنوات العشرين الأخيرة، فتصنيف الولايات المتحدة سوريا ونظامها كدولة “داعمة للإرهاب” دفع الأسد الأب لإقامة تحالف استراتيجي مع إيران التي صنفتها أمريكا أيضاً “دولة الشر”، وكان تحالفاً عضوياً لم ترغب فيه غالبية السوريين، ففيه سمح الأسد الأب لإيران بالمشاركة في رسم سياسات سوريا الداخلية والخارجية.

ورث الأسد الابن السلطة عن أبيه، وورث معها استعلاءه على المجتمع الدولي وتمرده عليه، كما ورث رغبة بـ(الخلود)، فقابله الغرب بتشديد العقوبات خاصة بعد اتهامه باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وإجباره على إخراج الجيش السوري من لبنان، وزاد على ذلك سوء علاقة الرئيس عديم الخبرة بالكثير من الزعماء العرب.

مع بدء الثورات العربية ضد الدكتاتوريات، وإطاحتها برؤوس كبيرة، وانطلاق انتفاضة كرامة وحرية في سوريا، قرر الأسد تسليم مصيره لإيران تدريجياً، وتجاوز الحد الذي رسمه نظام أبيه لهذه العلاقة، وفتح أبواب سوريا على مصراعيها لإيران مقابل أن تضمن له (الخلود) في السلطة والحماية من غضب شعبي، كان يتوقعه أبوه الذي بنى منظومته الأمنية العسكرية لتكون مستعدة له عندما يأتي.

رحّبت إيران بهذا العرض “السخي” من الأسد، وسخّرت أذرعها الدينية والاقتصادية والعسكرية، المباشرة وغير المباشرة، لحمايته ونظامه، فخططت للنظام وأجهزته الأمنية وجيشه، ودربت ميليشيات غير نظامية طائفية تابعة للنظام، وسخرت قدرات حزب الله اللبناني الشيعي لحمايته، كما أدخلت ميليشيات عراقية ويمنية وغيرها من الدول للدفاع عنه، ولحفظ ماء الوجه أمام المجتمع الدولي والعرب تذرّعت بحجة الدفاع عن الأماكن الدينية الشيعية في سوريا، والدفاع عن محور “الممانعة والمقاومة” المعادي لإسرائيل، وعبثت بكل شيء يمكن أن يثير الأحقاد الطائفية في سوريا وفي خارجها.

إيران التي قدّمت كل هذا للأسد ونظامه حصلت بالمقابل على ما تريد، فسيطرت على القرار السياسي والعسكري، وأصبح قادة الحرس الثوري هم أصحاب القرار لا الأسد، وانتقلت قيادة سوريا من أسرة الأسد إلى يد خامنئي، وربما لأصحاب رتب أقل كثيراً من خامنئي، وتعامل الأخير مع الملف السوري كزعيم فارسي شيعي في مواجهة ثورة عربية سنّية، وزاوج الإيرانيون حالة القومية الفارسية مع حالة المذهبية الشيعية، ليس لقناعة بل لمصلحة. لم ينس السوريون ما قاله أحد كبار قادتهم (رحيم صفوي) بأن حدود بلاده الحقيقية صارت على شواطئ المتوسط، كما لم ينسوا ما أعلنه أحد مراجعهم الدينية (مهدي طائب) بأن سوريا صارت المحافظة رقم 35 في إيران، وهو كلام ليس فيه مبالغة، فقد حوّل بشار الأسد سوريا إلى كيان إداري إيراني محلّي.

دعمت إيران بكل الطرق حرب النظام السوري ضد الغالبية المنتفضة في سوريا، وأدى عنفها وعنف النظام إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين، وأدى هذا بدوره لتأجيج الإسلام المتطرّف وتمدده على حساب الإسلام المعتدل.

عندما أوشكت شبكة سيطرة نظام الأسد على سوريا على الانهيار، أشرفت إيران بنفسها على ترتيب المشهد الميداني في سوريا تخطيطاً وتنفيذاً وإشرافاً، حتى أن بعض القطاعات صار محرماً دخولها، أو التواجد فيها، على أي سوري إلا لنخبة ممن تثق فيهم إيران.

بهيمنة إيران على سوريا سيطرت بالمعنى الاستراتيجي على قلب الشرق الأوسط، وبات نفوذها يمتد من إيران وحتى المتوسط، شاملاً العراق الذي يقع تحت سيطرة حكومة شيعية موالية لطهران همّشت المكوّن السنّي، ثم لبنان الواقع تحت سيطرة حزب الله اللبناني الشيعي الذي أعلن أمينه العام حسن نصر الله في أحد خطبه أن ولاءه الأول للولي الفقيه وليس للبنان، فضلاً عن موطئ قدم لإيران في فلسطين عبر تمويل فصائل فلسطينية إسلامية مسلحة متمردة، وهذا الكلام يُترجم عملياً لخريطة “الهلال الشيعي” التي حذّر منها الملك الأردني قبل نحو عقد من الزمن، وأنجزت إيران أول هلال، وأردفته بهلال آخر من الجنوب، يمر بالبحرين التي تحاول إيران زعزعة أمنها، واليمن الذي سيطر الحوثيون المرتبطون بإيران على السلطة فيه، وكذلك عمان والسودان المرتبطتان بعلاقات خاصة مع إيران.

تحقق إذن حلم إيران الجامح في الوصول إلى البحر المتوسط، وربما تعتقد الآن أنها اقتربت من تحقيق حلم أهم لطالما داعب خيال قادتها، وهو المشاركة في تقرير مصير الشرق الأوسط والخليج العربي، وصياغة النظام الإقليمي برمته، وتحديد موقع أطرافه منفردة أو بالتشارك مع الدول العظمى، وإعادة رسم خارطة الإقليم العربي وفق مصالحها وأطماعها الفارسية، وهي، بطبيعة الحال، خارطة قومية طائفية أيديولوجية ثأرية قسمت الشرق الأوسط لدول طائفية غير قابلة للعيش وغير قابلة للعودة لطبيعتها في نفس الوقت.

لكن يصح هنا التساؤل، هل تتناسى إيران أن بنيتها العرقية والمذهبية بنية قلقة؟ لأن أكثر من نصف الإيرانيين (حوالي 55 بالمئة) من أصول غير فارسية: أذريون (شمال إيران) وأكراد (شمال غرب إيـران) وعرب (جنوب غرب إيران) وبلوش (شرق إيران)، كما أن 35 بالمئة من الإيرانيين هم من السنّة، ولعبها بالخرائط هي لعبة خطرة يمكن أن تستخدم ضدها، وهو في الغالب ما سيكون في يوم من الأيام.

الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط مرت بعدة مستويات، الأول تصدير الثورة وإقامة أنظمة سياسية تتبنى الرؤية الإيرانية في الحكم (ولاية الفقيه) كالعراق، والثاني كسب نفوذ في دول الشرق الأوسط عبر استتباع الأنظمة السياسية كما في سوريا، والثالث عبر إقامة أحزاب سياسية شيعية وتشكيل ميليشيا طائفية مسلحة في الدول التي تضم طائفة شيعية كما في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان، والمستوى الرابع عبر تبنّي أحزاب سياسية إسلامية في الدول التي لا توجد فيها طائفة شيعية كما في فلسطين (حماس والجهاد الإسلامي) وكردستان العراق (حزب الاتحاد الوطني- طالباني) ومصر (الإخوان المسلمون) والسودان ونيجيريا (بوكو حرام) وطاجيكستان وأوزبكستان وتركيا (حزب الله التركي، وحزب العمال الكردستاني).

ساعد بشار الأسد إيران على تنفيذ مخططاتها، فدفع الثورة نحو العسكرة وغذى التطرف، ورفد التنظيمات الإرهابية بكل أسباب الحياة والقوة ومنها إطلاق سراح سجناء تكفيريين، وورط طائفته كلها في معركته ضد الشعب، وسمح لميليشياته بارتكاب مجازر طائفية، لكن ليس الأسد وحده من ساعد إيران، بل هناك الدول الغربية التي لم تقم بأي تصرف يمكن أن يردعه ويضع حداً لحربه غير المتكافئة ضد الشعب.

لإيران تاريخ من الاستفادة من الفوضى، وهو أسلوب استعملته في لبنان والعراق وأفغانستان واليمن والسودان والآن في سوريا، لكنها حتى لو استطاعت ترتيب المشهد الحالي، فإنه سيكون مشهد متحرك غير مستقر في بحر عربي سنّي رافض لها، وربما تكتشف متأخرة أنها استنزفت طاقاتها في الورطة الشرق أوسطية، وتضطر ليس فقط للاستغناء عن خرائطها وأقواسها وهلالاتها التي تحلم بها، بل لاستنفار كل طاقاتها لإبعاد خطر التقسيم عن الخريطة الإيرانية الحالية.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
هل تنجح المبادرة الروسية في سوريا وكيف

لم تحل أزمة أوكرانيا، وبسببها ينكمش الاقتصاد الروسي ويُحاصَر عالمياً. المَخْرَج الروسي للمشكلة كان بزيارة فلاديمير بوتين إلى تركيا وعقد قمة لزعيمي الدولتين، غلب عليها البعد الاقتصادي. ولكن وفق التصريحات الإعلامية لم يتفقا في ما يخص الموقف من النظام السوري ومن الثورة. التحرك الروسي الأخير، يستفيد من خطة دي ميستورا، والتي تتوافق مع الرؤية الروسية لمستقبل سوريا وأنها تواجه إرهاباً وعلى المعارضة ودول العالم التصالح مع النظام لمحاربته، وهذا في كل الأحوال ما أتى التحالف الدولي بهديه إلى سوريا.

روسيا استدعت شخصيات معارضة، ثم وفدا رفيع المستوى من النظام، ثم وفدا من هيئة التنسيق، والتسريبات الإعلامية المنشورة تقول بأنها التقت 12 حزبا كرديا، وقدري جميل وشخصيات أخرى. كي تكتسب المفاوضات الأخيرة قيمة فإن روسيا تؤكد أنها ليست متمسكة بالرئيس السوري، حيث أن هذه القضية بالتحديد كانت وستظل المشكلة الأبرز، وتتطلب حلاً حقيقيا وتوافقا بين قوى المعارضة مع النظام.

خطة دي ميتسورا تجاهلت البعد السياسي كمدخل للحل، وركزت على وقف العمليات العسكرية ولاحقاً يتم التوصل إلى حل سياسي. الخطة الروسية الجديدة تدمج النظام مع جزء من المعارضة لتقاسم المقاعد الوزارية، وموضوع الرئاسة لا يزال ملتبساً. النظام لن يتخلى عن منصب وزير الدفاع والأجهزة الأمنية.

هذه الخطة ستفشل بالتأكيد، فلا المعارضة ستقبل بهذه الشروط ولا الدول الداعمة لها. مقابل ذلك هناك كلام يتم تداوله في معظم عواصم العالم المعادية للنظام و”الداعمة” للثورة على ضرورة الحل السياسي، ويتم التخفيف من الحديث عن المكون العسكري، عدا أن الكلام عن تأهيل قوات المعارضة لا أحد يأخذه بعين الاعتبار.

المعطى الأخير، ربما سيسمح بالذهاب نحو حل سياسي ما. المشكلة ليست في ضرورة الحل السياسي، فهذا ومنذ اتفاق جنيف صار الحل الوحيد لأزمة النظام، القضية أن الروس هم من أفشل جنيف2 وهم من حمى النظام في مجلس الأمن الدولي واستعملوا أربع مرات حق نقض أي قرار تحت البند السابع. الروس وافقوا على وثيقة جنيف كأساس للحل، ولكنهم أطلقوا عليها النار في دعمهم للنظام. المفاوضات الأخيرة ضرورية لتنجح في تحقيق مطالب واسعة للمعارضة، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفي تحديد خطة انتقالية تسمح بتغيير كل السلطة السياسية.

التوافق الإيراني الأميركي ولاسيما النووي، واحتمال الاعتماد على إيران في شؤون المنطقة، قد يسمح للأخيرة بدور ما في سوريا، وبالتالي هناك خوف روسي من انتهاج إيران سياسات تخص سوريا. فكثير من التحليلات تؤشر إلى تفاهمات بما يخص كل المنطقة. الخوف الروسي ربما يتأتى من هنا، ولكن روسيا لا تمتلك أوراقا قوية، فالمعارضة لا تستطيع التوقيع على أي اتفاق لا يحقق نقلة نوعية. يبعد النظامَ عن روسيا توهمه أنه حقق تقدما في حلب ومؤخراً في درعا، وقد شدد الخناق على الغوطة وبالتالي لماذا يتراجع الآن؟ يعزز هذه الفكرة أن تصريحات وليد المعلم تتضمن تمايزاً عن الروس في الرؤية للحل. وذهابه مؤخراً إلى إيران، ربما لدراسة الموقف من الروس.

لاشك أن إيران بحاجة إلى روسيا، فالإيرانيون لا يثقون في أميركا لأنها قد تتبنى موقفاً جديداً ضدها. سيما وأن أوباما يُحاصر يومياً، وبعد عامين قد يتم التخلي عن كل سياساته، ولكن هناك سبعة أشهر متبقية ولابد من خلق واقع جديد كي تفرض الدول شروطها على طاولة المفاوضات. فهل تنعطف إيران نحو أميركا بشكل واسع؟ السياسة الإيرانية ماكرة والأمر ممكن. روسيا تعي ذلك تماماً وتخشاه، ولكن قوة روسيا تتأتى من تأثيرها الواسع على النظام. روسيا تتحرك أيضاً ضمن الأشهر السبعة القادمة.

أميركا لن تعارض أي اتفاق يخص سوريا، ولكن يفترض أن لا يخرج عن اتفاق جنيف. يضاف هنا أن أميركا تعتبر سوريا رهينة بيدها ضد إيران ومن أجل توقيع صفقة تخص الاتفاق النووي بعد سبعة أشهر، عدا أنها منشغلة الآن، بترتيب الحكم في العراق. في كل الأحوال، أميركا لا تزال تعترف للروس بدور لحل أزمة النظام، وهي من ساهم في صياغة اتفاق جنيف، وبالتالي هل يمكن للروس اعتماد استراتيجية جديدة، وإجبار النظام وإيران على توقيع ذلك الاتفاق؟ المشكلة أن القوى السورية التي يتم التوافق معها، تنطلق من أي حل سياسي ولو لم يكن وفق جنيف، وليست لديها مشكلة التنازل عن بعض بنوده، وليس بالضرورة أن تتبنى موقفاً من مصير الرئيس السوري. لذلك ستفشل المفاوضات إن لم تحدد بدقة الموقف من القضية الأخيرة. ولن تقبل بها جهات متعددة في المعارضة، ويعلم النظام أنه دون حل هذه القضية ليس من حل أبدا.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
الشرق الأوسط في 2015: دول فاشلة وأزمات

شهد عام 2014 سقوط أربع دول عربية - سورية والعراق وليبيا واليمن - في عداد الدول الفاشلة، كما شهد صعود تنظيم «داعش»، أكبر نموذج للتهديد الارهابي المتطرف في التاريخ العربي الحديث. ومن المتوقع أن تستمر المنطقة في تزويد العالم بفائض من الأزمات في عام 2015. لكن من المحتمل أيضاً أن تشهد المنطقة بعض النجاحات إلى جانب هذه الازمات وحالات الفشل.

من المرجح ان تستمر تجربة المغرب في تقاسم السلطة بين ملكية قوية وحكومة يقودها حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي. يتمتع الملك بشرعية قوية، وفي وقت مبكر بعد الانتفاضات العربية تولى الإشراف على مجموعة من الإجراءات من خلال الدفع بدستور ليبرالي من جهة، والسماح لحزب «العدالة والتنمية» الذي فاز في الانتخابات برئاسة حكومة متعددة الأحزاب محدودة السلطة وتحت إشراف الملك، من جهة أخرى. يبدو أن هذه الصيغة قد تؤسس لنوع من التوازن والاستقرار في المغرب في العام القادم.

كانت الجزائر من البلدان التي لم تشهد انتفاضة في حقبة الربيع العربي، رغم أن لديها التناقضات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ذاتها التي أدت إلى إشعال ثورات في بلدان أخرى. ولكن الذاكرة الحية للحرب الأهلية بين الإسلاميين والدولة، فضلا عن موارد النفط الوافرة، أحكمت الغطاء ومنعت تفجير الثورة. لكن انخفاض أسعار النفط، واستمرار الحراك الشبابي، ومشكلة انتقال السلطة بعد الرئيس بوتفليقة، ستعني أن عام 2015 يمكن أن يكون عاماً صعباً بالنسبة الى الجزائر.

كادت تونس أن تنهار في عام 2013، لكنها خطت خطوات كبيرة إلى الأمام في عام 2014. ويفترض أن تبدأ في عام 2015 جني ثمار التقدم السياسي، مع حكومة جديدة ورئيس وبرلمان جديدين. وعلى الرغم من أن التوترات سوف تتواصل بين العلمانيين والإسلاميين والتهديدات الأمنية من الجماعات المتطرفة التي تعمل عبر الحدود الليبية، إلا أن تونس ينبغي أن تكون قادرة على البدء في التركيز على القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأساسية التي كانت دافعاً كبيراً وراء انتفاضة كانون الاول (ديسمبر) 2010.

من المرجح أن تستمر ليبيا في الشرذمة والحرب الأهلية في عام 2015. ان الطريق الوحيد للمضي قدماً هو العمل الاقليمي والدولي لحث الاطراف على معاودة الحوار والضغط لمنع التصعيد، وتقديم الدعم للمؤسسات السياسية والأمنية الناشئة التابعة للحكومة المركزية، رغم ضعفها الحالي.

ستواصل مصر مواجهة تحديات أمنية كبيرة، إضافة إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ولكن عليها التوفيق بين الأهداف الليبرالية والديموقراطية التي هللت لها في دستورها الجديد مع واقع الحملات الأمنية والقمع الذي يشهده الشارع السياسي والمدني. فقد أكد الرئيس السيسي على خطورة التهديدات الأمنية التي تواجه مصر، واتخذ قرارات اقتصادية صعبة ومهمة، ولكن عليه أيضا اتخاذ قرار بشأن شكل النظام السياسي على المدى الطويل في مصر. فالدستور على حق في الإصرار على أن الدين ينبغي أن يترك بعيدا عن السياسة، ولكن مصر يجب عليها الاستفادة من الفترة القادمة لإعادة فتح الفضاء العام للأحزاب والقادة الذين يقبلون قواعد اللعبة هذه، والعمل تدريجيا نحو بناء نظام سياسي ديموقراطي. وتشكل الانتخابات البرلمانية المؤجلة فرصة لاعادة تحريك الحياة السياسية خلال عام 2015 .

في بلاد الشام، ستواجه كل من سورية والعراق أكبر التحديات. لدى العراق على الأقل فرصة للمضي قدماً مع رئيس وزراء جديد وحكومة ائتلافية ودعم دولي يجمع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وايران وتركيا ومعظم الدول العربية. وفي عام 2015 من المحتمل ان يحقق العراقيون انتصارات ضد تنظيم «داعش» واستعادة مدينة الموصل ومناطق محتلة اخرى واحراز تقدم في انشاء الحرس الوطني وتطوير الفيديرالية.

للأسف، يبدو أن سورية ماضية في الاتجاه المعاكس في عام 2015 نحو مزيد من القتال والخراب. الا ان العام المقبل قد يكشف أيضا عن بعض نقاط التحول. فقد شهد عام 2014 ذروة صعود «داعش»، لكنه شهد أيضا عودة الولايات المتحدة إلى بلاد الشام وإنشاء تحالف للاستمرار في معركة طويلة الأمد ضد «داعش». قد يتطور هذا في عام 2015 الى تصعيد لاعمال التحالف في سورية بشكل منطقة حظر جوي في الشمال ودخول قوات المعارضة المسلحة، التي سيتم تدريبها وتأهيلها في الاشهر القادمة، الى المعركة. وعلى الصعيد السياسي فمن غير المرجح أن يكون هناك إحياء لمحادثات جنيف برعاية الولايات المتحدة وروسيا، الا ان مبعوث الأمم المتحدة يدفع باتجاه وقف إطلاق نار في حلب، وروسيا تتوسط بين النظام وبعض اطراف المعارضة لطرح صيغة استمرار الاسد بصلاحيات مقلصة وتشكيل حكومة مع بعض رموز المعارضة.

أما بالنسبة الى لبنان، ورغم الانقسامات الطائفية والسياسية العميقة، فضلاً عن التدفق الكثيف للاجئين السوريين، فقد تمكن من الصمود في وجه العاصفة حتى الآن. لكن لا يزال لبنان من دون رئيس للجمهورية، ومدد البرلمان ولايته حتى عام 2017، مما يزيد من مخاطرعدم اجراء الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية طيلة عام 2015. ويكتسب الجيش المزيد من القدرة في حماية الحدود مع سورية ولكن الوضع الأمني في البلاد لا يزال هشا للغاية. في عام 2015، يجب على اللبنانيين تعزيز النظام السياسي من خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يجب على أصدقاء لبنان الاستمرار في تقديم الدعم المطلوب للجيش.

في شبه الجزيرة العربية، يدخل اليمن فعلاً في مرحلة التفكك الوطني. كان اليمن متعثراً خلال السنوات الاخيرة، حتى قبل مرحلة الانتفاضات العربية، مع تضاؤل موارد المياه والطاقة، والانقسامات الإقليمية والقبلية الحادة، وكل هذا في ظل حكومة مركزية ضعيفة. الا انه بعد الانتفاضة، وبمساعدة وضغط من دول الخليج استطاع ان يدخل مرحلة انتقالية واعدة. ولكن الصعود الخطير للحركة الحوثية المسلحة واستيلاءها على العاصمة وإملاءاتها السياسية، كسرت هذه المرحلة الانتقالية. فصعود الحوثييين ادى الى صعود مواز لتنظيم «القاعدة»، وتراجع الاستقرار في العاصمة ادى الى تصعيد المطالبة بالانفصال من قبل الحراك الجنوبي. يواجه اليمن مخاطر الانزلاق إلى الفوضى كما في ليبيا وسورية، مع تداعيات مماثلة لليمنيين أنفسهم ولجيرانهم. واذا تطورت العلاقة بين الحوثيين وايران على نموذج «حزب الله» اللبناني، يصبح لإيران موطئ قدم جديد للضغط على المملكة العربية السعودية.

في دول مجلس التعاون الخليجي من المرجح أن تستمر الثروة النفطية والنمو الاقتصادي والنفقات العامة السخية، فضلاً عن السياسات الأمنية القوية، في توفير قدر كبير من الاستقرار الداخلي. وستستمر السعودية ودولة الإمارات في سياساتهما الخارجية الدينامية في المنطقة.

وفي إيران، سيعتمد الوضع كثيراً على نتائج المحادثات النووية المؤجلة حتى منتصف عام 2015. فنجاح المفاوضات سوف يعطي دفعة للرئيس روحاني والبراغماتيين. وإذا فشلت المحادثات، فإن هذا يمكن أن يشل رئاسة روحاني ويضاعف قوة المتشددين. في غضون ذلك، من المرجح أن تستمر سيطرة «الحرس الثوري» على سياسات إيران في العالم العربي، والداعم للتدخل الفئوي في العراق وسورية ولبنان، وفي آخر مرحلة، اليمن.

وفي تركيا، تخطى الرئيس أردوغان التحديات المتعددة التي اعترضت طريقه: احتجاجات الشباب، الخلاف مع حركة غولن، انهيار سياسته في الشرق الأوسط، وفضائح الفساد. وفاز بشكل حاسم في الانتخابات المحلية والرئاسية لعام 2014، ويتطلع إلى الانتخابات البرلمانية عام 2015 كطريق لإعادة صياغة الدستور وتوسيع سلطات الرئاسة. إن موقف أردوغان واصراره على أن الحرب ضد «داعش» لا يمكن لها المضي قدماً من دون سياسة واضحة ضد الأسد ومطالب أخرى مثل فرض منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة قد تحظى باهتمام أكبر من جانب الولايات المتحدة في عام 2015، ومن ناحية أخرى، فإن رفضه إغاثة كوباني في وقت مبكر تسبب في رد فعل كردي قوي في تركيا كما تسبب في انتكاس جهوده للحفاظ على الدعم الانتخابي الكردي وإبرام اتفاق مع أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني.

أما في الساحة الفلسطينية - الاسرائيلية، سيشكل نتانياهو حكومة اكثر تشدداً بعد انتخابات الكنيست المتوقعة في شهر آذار (مارس)، بينما قد يدفع اليأس بالفلسطينيين الى اطلاق انتفاضة ثالثة، انطلاقاً من القدس. واذا حصل ذلك قد يقلب مقاييس كثيرة في السياسات الاقليمية والدولية ويعيد خلط الاوراق والحسابات.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
السوريون في تجربة تفاوضية جديدة

مرّة جديدة، بعد مفاوضات «جنيف 2» (قبل عام)، تواجه قوى الثورة السورية اختبار المفاوضة مع النظام. الفارق أن المفاوضات السابقة كانت تركّز على إيجاد تفاهمات من فوق، أي بين النظام والمعارضة المتمثلة بـ «الائتلاف الوطني»، في حين يفترض أن تجري المفاوضات الحالية في الميدان، أي في نقاط التماس، وعلى أساس تجميد، أو فك الاشتباك، بين القوى المتحاربة، بحسب اقتراح ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية.

المشكلة أن قوى الثورة والمعارضة تواجه هذا الاستحقاق في أوضاع غير مريحة، حتى بالقياس للجولة التفاوضية السابقة، إذ إنها أقل وحدة، وأكثر ضعفاً، من السابق، سواء في هيئاتها السياسية أو تشكيلاتها العسكرية. فوق ذلك فهذه القوى باتت في مواجهة تحديات وتعقيدات جديدة، أهمها صعود «داعش» و «النصرة» في المشهد السوري، مع ما يخلفه ذلك من تداعيات تتعلق بتركيز الجهد الدولي في الحرب على الإرهاب.

وعلى رغم أن هذا التحول يثير المخاوف من احتمال انزلاق الوضع نحو تقديم طوق نجاة للنظام، إلا أن ردود الفعل على مقترح المبعوث الدولي تفيد بأن رفض قوى الثورة لفكرة المفاوضة باتت أقل حدّة من السابق، وأنها بدلاً من ذلك باتت تسعى إلى تطوير فكرة «التجميد» بحيث تشتمل على مناطق أخرى، إضافة إلى منطقة حلب، بحيث لا يتمكن النظام من استغلال هذه الخطوة لصالحه، وهو ما أكده أيضاً المبعوث الدولي في أحد تصريحاته. والفكرة الثانية التي تطرحها المعارضة تتمثل بضرورة أن تفضي هذه الخطة إلى حل سياسي، يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالية، بحسب مضمون اتفاق «جنيف 1» (حزيران/يونيو 2012) التي كانت رفضته وقتها جملة وتفصيلاً.

هكذا، احتاجت المعارضة السورية فترة زمنية قدرها عامان ونصف العام كي تصل إلى هذه المرحلة، مع كل الأثمان التي دفعها السوريون، والأهوال التي اختبروها، ومع كل التغيرات الحاصلة في المشهد السوري.

وفي الواقع شهت هذه الفترة أقصى قدر من العنف من قبل النظام، الذي تسبب ما نجم عنه بمصرع حوالى ربع مليون سوري، وتدمير عمران مدن سورية، وتشريد الملايين من بيوتهم. كما شهدت هذه الفترة تحول الثورة إلى العمل المسلح، وتصدر التيارات الإسلامية المتطرفة، وتطبيع الصراع بالصبغة الطائفية، وصولاً إلى الحضور الطاغي لتنظيم «داعش» في المشهدين العراقي والسوري. ونجمت عن كل هذه التطورات ظاهرتان، أولاهما، تتمثل بتآكل دور السوريين في الثورة، وفي تقرير أحوالهم ومستقبلهم، ناهيك عن تمزق مجتمعهم، وتشرد الملايين منه. وثانيتهما، تزايد حجم التدخلات الخارجية السلبية والمضرّة في الشأن السوري، من قبل «أصدقاء» النظام و «أصدقاء» الشعب، إلى درجة بات فيها العامل الخارجي هو المقرّر، لا سيما مع ارتهان النظام والثورة للأطراف الخارجية.

طبعاً ليست ثمة مشكلة من حيث المبدأ في التفاوض، ذلك أن أي صراع مهما كان نوعه لا بد أن يصل إلى مرحلة تتّجه فيها أطرافه إلى الحوار لإيجاد مخرج سياسي من الوضع الحاصل، لا سيما مع تعذر الحسم على أي منها بوسائل القوة.

وعلى الأخص، فهذا الأمر ينطبق على قوى الثورة والمعارضة. فهي المعنية أساساً بتأكيد شرعيتها وحضورها، والحفاظ على زخم التعاطف الدولي معها، وتحميل النظام مسؤولية رفض التفاوض. وقد كانت التجربة التفاوضية السابقة، في جنيف (مطلع هذا العام)، إيجابية، إذ لم تخسر المعارضة شيئاً بخوضها هذا الاختبار، بل حظيت بقبول وتعاطف كبيرين في الرأي العام، لا سيما مع الأداء المدروس والمتوازن الذي قدمته في المفاوضات وأمام وسائل الإعلام، بالقياس لأداء وفد النظام.

فوق ذلك فإن قوى الثورة والمعارضة، وبعد كل ما حصل، هي المعنية بمراعاة مصلحة السوريين، والتي تتضمن حض وقف إطلاق النار، وضمنه وقف القصف المدفعي والجوي، المنفلت من كل المعايير، الذي يدمر البيئات الشعبية الحاضنة للثورة، ويلحق أفدح الأضرار بالسوريين وبعمرانهم. بل إن قوى الثورة والمعارضة معنية بالعمل على تضمين اقتراح وقف إطلاق النار مطالب أخرى، من مثل الإفراج عن المعتقلين، وإدخال مواد تموينية وطبية إلى المناطق المحاصرة، وتمكين النازحين من العودة إلى بيوتهم. أي أن المطلوب التوسع في طرح المطالب ذات الطابع الميداني، والتي تخدم وقف تدهور مجتمع السوريين، وتمكنه من التقاط أنفاسه، على أن يتم ربط كل ذلك بأفق سياسي يتمثل بإقامة حكم انتقالي، بحسب مضمون بيان «جنيف 1».

القصد أن أي عملية تفاوضية على هذه الأسس لن تخل بمبادئ الثورة السورية، ولا بأهدافها، لا سيما أن مقولة «سورية الأسد إلى الأبد»، انكسرت وانتهت إلى الأبد، من الناحية العملية، والمسألة على هذا الصعيد باتت تتعلق بالوقت وبالظروف، وبتوفر العوامل المناسبة للتأسيس للمرحلة الانتقالية.

في الغضون فإن قوى الثورة والمعارضة معنية بإعادة ترتيب أوضاعها، وتنظيم صفوفها، وتقوية مجتمعها، والعمل على كل ما من شأنه تخفيض اثمان الصراع الدائر في سورية، لا سيما مع إدراك حجم التعقيدات والمداخلات والتحديات الكامنة فيه، إلى حين توافر المعطيات الدولية والإقليمية والعربية التي تسمح بالتغيير السياسي في سورية.

اقرأ المزيد
١٢ ديسمبر ٢٠١٤
طاسات «المستر سوريا»: بوغدانوف والرقص الروسي على الحبال

هل كانت مصادفة محضة أنّ ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي الحالي، الذي كان شخصية محورية في السفارة الروسية في دمشق مطالع ثمانينات القرن الماضي؛ رافق رفعت الأسد، صحبة اللواءين علي حيدر وشفيق فياض، على متن الطائرة التي أقلّت المجموعة إلى موسكو، ضمن إجراء «نفي» تمهيدي فرضه حافظ الأسد على الثلاثة، بعد استفاقته من غيبوبة المرض الشهيرة؛ تفادياً لصدامات عسكرية مباشرة كانت مرشحة للاندلاع بين ثلاثة من أهمّ تشكيلات النظام العسكرية: «سرايا الدفاع» من جهة، و»الوحدات الخاصة»، والفرقة الثالثة من جهة ثانية؟
وكم من الأسباب الوجيهة كانت قد توفرت لدى كبار موظفي السفارة الأمريكية في دمشق، قبل أن يقرروا أنّ زميلهم الروسي يستحق صفة «المستر سوريا»؛ وأنّ الإصغاء إلى ما يسرّبه من معلومات، عامداً بالطبع، وعفو خاطر الزمالة نادراً، يظلّ كنزاً ثميناً حول الحلقة الأعلى المحيطة بالأسد، الأب آنذاك، خاصة في صفوف ضباط الجيش والأمن؟ ولماذا حرص بوغدانوف على إبلاغ زملائه الأمريكيين أنّ موسكو «سعيدة جداً» لأنّ الأسد استقرّ على اختيار ابنه بشار، وليس أيّ مدني أو عسكري آخر، خليفة له؛ بعد وفاة شقيقه باسل في حادث سيارة، سنة 1994 (كما تروي برقية من السفارة الأمريكية مؤرخة في 7/2/1994، كشفتها منظومة «ويكيليكس»)؟
من الإنصاف الافتراض، استطراداً، أنّ العهدة إلى بوغدانوف بإدارة الملفّ السوري، حتى على حساب رئيسه المباشر، وزير الخارجية سيرغي لافروف؛ هو طراز من تطبيق القاعدة العتيقة، حول وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. ومنذ انطلاق الانتفاضة الشعبية في سوريا، أواخر آذار (مارس) 2011، وحتى يوم أمس، حين اختتم بوغدانوف جولة في بيروت واسطنبول ودمشق؛ مارس «المستر سوريا» مهارات شتى، متباينة متغايرة بالضرورة، ولكنها لا تكاد تغادر أسلوباً واحداً مزدوج الفعل: طاسة ساخنة تارة، وأخرى باردة طوراً، كما في المثل الشعبي الشهير.
في بيروت، على سبيل المثال الأوّل، أسمع حسن نصر الله، الأمين العام لـ»حزب الله»، كلاماً حول «التكفير» و»الإرهاب» و»المقاومة» وإيران ودور الحزب… لا يُعلى عليه، ولا يناقض كثيراً ما درج نصر الله نفسه على استعراضه، واجتراره، في خطبه حول سوريا، خاصة بعد الانتفاضة. وحين اجتمع، في مثال ثانٍ، مع وفود «المعارضة السورية الداخلية»، من حسن عبد العظيم، المنسق العام لـ»هيئة التنسيق الوطنية»، إلى ممثلي «تيار بناء الدولة» و»ملتقى الحوار الوطني السوري»؛ توصل مع هؤلاء إلى بيانات لا تخرج أبداً عن اللغة الخشبية ذاتها، حول «ضرورة العمل على توحيد الجهود من أجل إطلاق الحل السياسي في سوريا».
وحتى حين بدا لقاؤه مع هادي البحرة، رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، وبعض أعضاء الهيئة السياسية للائتلاف، مختلفاً أو خلافياً؛ رشق بوغدانوف على ممثلي «المعارضة السورية الخارجية» طاسات مماثلة، أو تكاد، فاتفق معهم على «ضرورة الإسراع بإيجاد الطرق للدفع نحو عملية سياسية تفاوضية تؤدي إلى تحقيق تطلعات الشعب السوري»، كما توافق المتباحثون على «أن يشكل بيان جنيف 2012 إطاراً تفاوضياً مقبولاً، تُبنى عليه أي عملية تفاوضية مستقبلية»، كما جاء في الإعلان الرسمي الذي صدر عن الائتلاف.
المثال الثالث هو لقاء بوغدانوف مع الأسد، في دمشق، حيث نقل للأخير رسالة شفوية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، «حول استمرار روسيا في دعمها ووقوفها إلى جانب الشعب السوري»، كما «أطلعه على مجمل اللقاءات التي عقدها أخيراً في إطار الجهود التي تبذلها روسيا لإجراء حوار سوري ـ سوري»؛ وفي المقابل، «أكد الأسد أن سوريا تتعامل بإيجابية مع الجهود التي تبذلها موسكو بهدف إيجاد حل للأزمة»، استناداً إلى «سانا»، وكالة أنباء النظام. وكأنّ زيارة دمشق كانت مجرد استطالة للقاء بوتين ولافروف مع وزير خارجية النظام، وليد المعلم، في سوشي، مؤخراً، حيث سادت اللغة الخشبية أيضاً: أعرب المعلم عن ارتياحه لنتائج المباحثات، معلناً أنّ بوتين أكد تصميم روسيا الاتحادية على التعاون مع سوريا، ومع الأسد شخصياً، «من أجل الانتصار على الإرهاب»، و»تعميق علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين»؛ على ذمة «سانا»، دائماً.
غير أنّ بوغدانوف، ولأنه أحد أذكى دبلوماسيي موسكو، وأعلاهم خبرة بالملفّ السوري، وبمعمار النظام وطبائعه تحديداً؛ لم يباشر هذه الجولة لكي يهنىء اللبنانيين بالذكرى السبعين للعلاقات الدبلوماسية بين موسكو وبيروت، أو ليستمتع ببعض مفاجآت ربع الساعة الأخير في الضاحية الجنوبية قبيل نقله للقاء نصر الله، أو ليكحّل عينيه بمرأى ممثّلي المعارضة السورية «الداخلية» و«الخارجية»، أو يستعيد بعض ذكرياته الثمانينية مع الفتى بشار الأسد… لقد جاء، أغلب الظنّ، لأنّ موسكو أخذت تستشعر رياحاً مختلفة في أجواء أربع سنوات من المساندة العمياء للنظام السوري؛ لم تعد تليق ـ على أصعدة التكتيك أوّلاً، ثمّ الستراتيجيات العليا الجيو ـ سياسية ـ بقوّة عظمى: هي الثانية على مستوى كوني، وهي مأزومة مثل عشرات الدول النامية!
ثمة، بادىء ذي بدء، هذا الانزلاق الأمريكي التدريجي نحو «منطق تدخّل» موضوعي في سوريا، أسوة بالعراق؛ لن تفلح عقيدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في ضبطه عند الحدود التي تشبث بها سيد البيت الأبيض منذ الأسابيع الأولى لاتضاح مأزق النظام السوري الشامل. وثمة، بالتضافر مع هذا، منطق تصعيدي أمريكي، تلتقي فيه أوروبا أيضاً، بصدد دفع موسكو إلى مضائق خانقة، عبر منعرجات الملف الأوكراني والعقوبات الاقتصادية وتقلبات أسعار النفط.
وثمة، ثالثاً، الأمدية القصوى التي يمكن أن تلتزم بها موسكو في دعم الأسد، بالقياس إلى الحاجات المتزايدة لنظام آخذ في التآكل والتبعية والارتهان، من جهة؛ وقدرة إيران، الحليف الثاني للأسد، على التخفيف من أعباء الكرملين في هذا الصدد، بالنظر تحديداً إلى أنّ بارومتر طهران في مساندة الأسد ليس مفتوح السقوف، حتى إذا كان مرتفعاً، وأنّ مفاوضات الملفّ النووي مع الغرب ذات صلة وثيقة بمدرّجات الصعود أو الهبوط في المؤشر، من جهة ثانية.
بذلك فإنّ مبادرات بوغدانوف، أو بالأحرى: طاساته، تظلّ أقرب إلى الرقص على حبال زلقة، من شاهق تكتنفه مخاطر السقوط دائماً؛ حتى إشعار آخر، غير محدد، وليست موسكو هي الضابط الأوّل لتوقيتاته. وليست تلميحات بوغدانوف إلى إمكانية التحاور مع أمريكا، إذا طُبخت مبادرة معقولة حول حوار سوري ـ سوري ترعاه موسكو (مقابل تصريحات لافروف، بأنّ واشنطن تجهد ضمناً لإسقاط الأسد)؛ إلا وجهة أولى، منكشفة، حول مزالق ذلك الرقص على الحبال.
والودّ القديم الذي جمع الدبلوماسي الروسي المخضرم بزملائه الأمريكيين، أيام السفارة في دمشق، قد لا يفيد كثيراً في شدّ حبال الرقص الراهن، أو تفادي الانزلاق؛ إذْ قد تكون نوايا معاكسة هي الحال بالفعل، وأنّ الزملاء يتربصون أكثر مما يعينون!
والمرء، مجدداً، يتمنى أن تلعب موسكو أي دور حيوي يكسر نظام القطب الأمريكي الواحد، لولا أنّ التعويل على روسيا الراهنة هو ضرب من الاتكاء على قوّة عالقة في شباك مآزقها المحلية والوطنية ذاتها، قبل مآزق الكون. وليس جديداً التذكير بأنّ روسيا تعاني من وتضخّم وعجز وبطالة، وعصابات مافيا، وتحديث ليبرالي شائه، ومؤسسة رئاسية احتكارية شبه دكتاتورية… وهيهات، بالتالي، أن يفلح بوغدانوف في إتمام رقصة واحدة، في سوريا تحديداً، على حبال فُتلت من مادّة الهشاشة هذه!

اقرأ المزيد
١١ ديسمبر ٢٠١٤
العلاقات الخليجية التركية.. أين المصالح؟

كتب هذا المقال قبل صدور البيان الختامي للقمة الخليجية، لكنه يطرح رؤية في ملف مهم جدا لدول الخليج العربي، هو تركيا، الدولة الصاعدة والأمة الناطقة بلغتها والتي تستعيد اليوم حضورها في آسيا الوسطى والبلقان وغيرهما، وتمثل بحد ذاتها محورا إقليميا قويا في الشرق الإسلامي والمشرق العربي.

لذلك يجدر بنا أن نقرأ هذا الصعود التركي الجديد والمتماسك قبل الاستطراد في مصالح الخليج العربي المشتركة أو المتقاطعة مع أنقرة، وهو يطرح اليوم في هذا المنظور السياسي الإقليمي المهم جدا للخليج العربي، في ظل عواصف وتغيرات كبيرة تعيشها المنطقة وتداخلات الحدود والصراعات.

كما أن هذه الرؤية تأتي في ظل ما يُطرح من أطراف خليجية إعلامية أو تلميحات وتصريحات سياسية، بأن على دول الخليج العربي التقدم نحو مد جسور علاقات مكثفة مع إيران ومناهضة لتركيا، باعتبار أن طهران مؤتمنة ومتحفزة لعلاقات شراكة مع الخليج العربي. فهل هذا الميزان صحيح ودقيق؟

    "الخلاف الكبير مع تركيا يتركز أساسا حول موقفها من الربيع العربي ودعم تطلعات شعوبه، وهو موقف مبدئي وإنساني لا تجسيد له في أي صور سياسية تنفيذية، رغم أن أحداث وعمليات إسقاط الربيع العربي تتواصل دمويا وسياسيا في كل أقطاره"

الحقيقة أن التحمس العاطفي نحو إيران لتقديم تنازلات لها على الساحة الخليجية، والتجاوب معها فيما تصيغه مع الولايات المتحدة لمستقبل سوريا والعراق أو لبنان، مناكفة لأنقرة أو متابعة لرغبة واشنطن في احتواء دول الخليج العربي مع طهران لتسوية الملفات الإقليمية.. هذا التحمس لا يخلو من سطحية لا تتماشى مع منظور المصالح الإستراتيجية المطلوب اعتمادها.

وهذا لا يعني أن أبواب التفاوض والحوار مع إيران ممنوعة، فهذا يخالف أصل المسار الدبلوماسي وسياساته، لكن المقصود أن طهران اليوم والأمس متمكنة من مفاصل حساسة في المنطقة وتضغط باتجاه يقلص الحضور العربي وحقوق الشعوب، مقابل قوة نفوذها واستمرارها في ضخ أسباب الاحتقان الطائفي الذي تعيشه عدة دول وترى فيه طهران حصان طروادة لن تتخلى عنه.

إن إعادة كشف الحساب لآخر الملفات بين طهران والخليج العربي في اليمن أظهر لدول الخليج العربي وخاصة السعودية التي غيرت من تعاطيها مع المشهد الأخير، حجم ما يمكن أن تحققه جماعات إيران السياسية الطائفية في توازنات اليمن وعلاقته بالعمق العربي الإسلامي والوطني الاجتماعي في الخليج العربي، والملفات كُثر في هذا الاتجاه، الذي يؤكد أن قدرات الخليج العربي معدومة تفاوضيا لأنها فاقدة لبطاقات النفوذ مع طهران، وهذا ما يثير علامات استفهام كبيرة عن برنامج التنازلات المقترح لطهران.

في المقابل، يتركز الملف الخلافي الكبير مع تركيا أساسا حول موقفها من الربيع العربي ودعم تطلعات شعوبه، وتثبيت موقفها في إطار مبدئي وإنساني دون تجسيده في أي صورة سياسية تنفيذية، رغم أن أحداث وعمليات إسقاط الربيع العربي تتواصل دمويا وسياسيا في كل أقطاره، ولعل موقف تركيا المبدئي والإعلامي هو سبب "الاحتقان" الحاصل في علاقاتها مع بعض الأطراف العربية.

كما أن العجز عن إسقاط حكم حزب العدالة بعد الحسم في الانتخابات البلدية والرئاسية، وقوة بنائه السياسي والالتفاف الشعبي معه، يعطي مؤشرا على أن هذا الثبات السياسي في تركيا سيأخذ مدارا مستقرا لسنوات أمام عواصف المنطقة، ولديه قدرات لمواجهة أزماته الداخلية ومحاولات أي محاور لزج تركيا إلى منطقة صراع خارج قرار سياستها السيادية.

وتلك قضية مهمة بالنسبة للمجلس الخليجي ضمن أعراف التعامل الدبلوماسي، فالوضع المستقر في تركيا يتطلب الاعتراف به والتعامل معه في إطار مصلحي، وأي مراقب يُدرك أن البراغماتية حاضرة في سياسة أنقرة، بل وتتعزز في ظل إمساك منظر العهد الجديد أحمد داود أوغلو بالبرنامج الحكومي الشامل وتناغمه مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

المنطق ذاته هو ما تتعاطى بواسطته مع الأتراك، أوروبا وأميركا وروسيا كما اتضح في زيارة بوتين الأخيرة لتركيا، فلماذا يُطلب من دول الخليج أن تنزع إلى مواجهة أو تصعيد مع أنقرة؟

    "الاحتواء المزدوج لتنظيم الدولة وإيران يمكن تحقيقه عبر شراكة تركية خليجية لا يُقصد منها مواجهة عسكرية مع إيران ولا احتقان طائفي، ولكنه التعاط الفاعل مع حقيبة ملفات من العراق إلى اليمن وصولا إلى ضمان أمن إستراتيجي في البحرين"

إن المواقف المبدئية لتركيا التي تتناغم مع مشاعر الرأي العام العربي، ونجاح الديمقراطية التركية لا علاقة لهما بجداول الدول التي تسعى لتحقيق مصالحها وتختلف مع أنقرة في هذه الملفات، واختيار الحزب ذي الأصول الإسلامية -ضمن تحولات كبرى شهدتها تركيا منذ سقوط الدولة العثمانية وعزل سلاطينها- سبق الربيع العربي بسنوات.

أما بالنسبة لدول الخليج العربي فإن متطلبات المرحلة تفرض حاجتها إلى محور رديف أو داعم أو صديق في ظل هذه التحولات الكبرى، ولذلك يفترض أن يتم البناء على إمكانياته وعلاقاته وجسوره المتاحة في الجوار وليس نقضها، وإن القاعدة الاجتماعية السياسية في تركيا اليوم منفصلة تماما عن أي استقطاب أو صراع ذي طبيعة طائفية أو قومية أو عرقية مع دول الخليج العربي، مما يعني غياب أي مهددات تدخل سلبية مع الخليج العربي، وقصة عودة السلطنة هي مناكفات إعلامية ساخرة لا أكثر، فتركيا اليوم تُصنع دستوريا بدولة حديثة وبرلمان لا بفرمانات سلطانية.

إن علاقة تركيا الداخلية بطوائفها قوية ومستقرة حقوقيا وسياسيا، وأتباع المذهب الاثني عشري الشيعي لهم كافة الحقوق الوطنية الدستورية وينالون اعتناء في مناسباتهم الدينية المنظمة قانونيا، وليس لديهم صدامات مع حزب العدالة الحاكم، في الوقت الذي تخالف فيه أنقرة سياسات إيران التوسعية في المنطقة فتدير صراعها السياسي معها بمعزل عن أي ضغط على أبناء الطائفة رغم تداخل البعد الثقافي والأيدولوجي.

هنا ستقفز العديد من الملفات لمصالح الخليج العربي مع أنقرة لتستدعي إقامة حوار إستراتيجي وتنسيق للمواقف في عدة ملفات ستحصد فيها دول الخليج العربي فوائد كبيرة، خاصة في حجم دولة مركزية عربية مهمة كالسعودية، فما يمكن أن يُطلق عليه الاحتواء المزدوج لتنظيم الدولة الإسلامية وإيران يمكن تحقيقه عبر شراكة تركية خليجية لا يُقصد منها مواجهة عسكرية مع إيران ولا احتقان طائفي، ولكنه التعاطي الفاعل مع حقيبة ملفات من العراق إلى اليمن وصولا إلى تأمين أمن إستراتيجي في البحرين عبر هذه الترويكا المهمة والحيوية للجانبين التركي والخليجي العربي.

ومن المهم هنا في خاتمة المقال أن نذكر بأن قاعدة الاستقطاب الدبلوماسي للمصالح مسار مهم جدا لدول الخليج العربي التي هي بحاجة اليوم بعد معالجة أزمة انقسام المجلس، ألا تخسر بعدا إقليميا مهما كتركيا بفنتازيا إعلامية صاخبة، فأخطاء اليوم تفقدك الدعم لكوارث الغد.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان