مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٦ مارس ٢٠١٥
إمبراطورية علي يونسي

هذه المرة، لا بد من التعاطي بشكل مسؤول ومباشر مع السؤال الذي وضعه النائب الأردني، خليل عطية، على طاولة رئيس مجلس النواب، ليطيّره بدوره إلى رئيس الوزراء، فالأمر يتعلّق بخطر الوجود الإيراني العسكري على الحدود الشمالية للمملكة، في جنوب سورية، وكذا الحدود الشرقية مع العراق.
وقبل سؤال النائب الأردني، برزت ملايين الأسئلة المكتومة، من اليمن الذي أسقط الحوثيون، حلفاء إيران، سلطته الشرعية، أو كادوا، إلى البحرين التي تشهد شغباً بنكهة طائفية، لا تخفى يد إيران في بعثها وإذكاء نارها، إلى العراق المحتل الإرادة، والذي يئن تحت وطأة داعش والمليشيات التي تتخذ من الحرب ذريعة لإطباق سيطرتها الطائفية على البلاد. وأخيراً سورية ولبنان، واسطة العقد، وبوابة الخليج من جهة الأردن.
ومع تفهمي وإدراكي بأن خطاب مستشار الرئيس الإيراني، علي يونسي، مُعدٌّ للاستهلاك  المحلي، كما دأب مسؤولو "دول الممانعة" دائماً، على إظهار عظمة انتصاراتهم وحشد أكبر عدد ممكن من الأعداء المفترضين، إلا أن جانباً منه يؤخذ على محمل الجدّ، بدليل ما قد حدث واقعياً على الأرض، فهو عندما يقول: "سنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية"، لا نرى كلاماً جاداً يستحق، ولو حتى التفاتة إليه، وحينما يصرّح أن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، فهذا ما يجب الوقوف عنده، بحكم أنه شبه كائن، يمكن تلمّسه وتحسّسه، في كل ما يجري على الأرض.
الخَطْبُ الفارق والمفصلي في تاريخ المنطقة، استدعى خروج نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، عن صمته متّهماً الحكومة العراقية بـ"الإحجام عن تسليح السنّة"، لتحرير مناطقهم من تنظيم داعش، بعكس فصائل الحشد الشعبي (الشيعية)، والتي يُعدُّ نائب الرئيس الآخر، نوري المالكي، أشد الداعمين لها، وهو الذي أرسى دعائم سلطة إيران، ومكّنها في أثناء حكمه من استعادة أمجادها المزعومة في عاصمة الرشيد.
ولا تبدو إيران، هذه المرة، متحرّجةً من إعلان نياتها الإمبراطورية، فالجنرال قاسم سليماني يقود عسكره، ويجول بهم في طول العراق وسورية، على عين العالم وسمعه، وكذلك لا تتحرج الولايات المتحدة من إظهار نفسها بمظهر العارف والساكت، فرئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي، وصف التدخل العسكري الإيراني في العراق بأنه "الأكثر وضوحاً في العراق منذ عام 2004".
إذن، لا غموض، ولا سوء فهم أو ترجمة، ولا أقنعة، اللعبة صارت فوق الطاولة، أو في مسرح مكشوف، لا يملك المتفرجون عليه إلا الفرجة والتأسّي لما ستؤول إليه المصائر.
وهكذا يكون الحال، عندما تبرم الدول صانعة القرار صفقاتها، يرسمون بقلم رصاص لا يساوي سنتاً، خطوطاً طولانية وعرضية، تصبح في ما بعد، بعد إزهاق آلاف الأرواح وتقتيل وتجهيل أمم بأسرها، تصبح حدوداً نقدسها ونذود عنها بأرواحنا.
ولكي لا يرى أحد منّا نفسه بريئاً، أو خارج سياقات اللعبة، ولكي لا يرمي غيره بالتهم وينسلَّ إلى زاوية بعيدة في المهجر، لا بد، في هذه المرحلة، من محاكمة ذواتنا وتحميلها مسؤولياتها تجاه أوطان وتاريخ وقيم ومستقبل، إما نكون فيه أو لا يكون لنا.. فالثورة السورية، فيما وصلت إليه فصائلها وساستها ومعارضتها والمحسوبون عليها، من اقتتال وتشرذم وتداعٍ على مصالح ذاتية وحزبية، وفي حال عدم إنجاز وعدها ومهمتها التي نهضت من أجلها، في تحقيق الحرية والكرامة الوطنية والإنسانية، تكون قد سرّعت، ولو من غير قصد، من خطوات إيران الساعية إلى إحكام سيطرتها على البلاد.
وعندما تتجه عيون ملايين السوريين إلى ما وراء البحار، ونرى في إعادة التوطين حلماً، وفي الحصول على جواز سفر أوروبي، أو تركي، سفينة نجاة، فأغلب الظن أن ملايين الإيرانيين تتجه أنظارهم إلى سورية، ليُعاد توطينهم فيها، ويحصلوا على جوازات سفرنا وأرقام هوياتنا ودفاترعائلاتنا.
فهل يتحقق الوهم الإيراني على حساب الحلم السوري؟ سؤال معلّق على باب السنة الخامسة للثورة/ الحلم.

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٥
ثورة عظيمة.. مستمرة

كثر، في الآونة الأخيرة، الحديث عن انتهاء الثورة السورية، وحتى عن عدم وجود ثورة بالأساس. لا أتحدث، بالطبع، عن نظام الأسد وشبيحته وممالئيه، فهؤلاء أصروا، منذ البداية، على أن ثورة الشعب السوري منتصف/مارس آذار 2011 "مؤامرة كونية"، تستهدف "نظام المقاومة والممانعة". أتحدث عن مثقفين وكتاب أعلنوا، في يوم من الأيام، تأييدهم الثورة السورية، وعن بعض الذين شاركوا في الحراك الثوري، بشكل من الأشكال، لكن الإحباط أصابهم، فقالوا إن الثورة انتهت، أو توقفت، أو خطفت، أو انحرفت، أو، في أحسن الحالات، كان هناك ثورة لكنها لم تعد موجودة.

من الطبيعي أن يصل بعضهم، ومنهم المخلصون لقضية الشعب السوري، إلى مثل هذه الاستنتاجات، بعد المآسي التي تعرض لها الشعب السوري، في السنوات الأربع من عمر الثورة، سواء من النظام الذي قتل ببراميله المتفجرة وأسلحته الكيماوية وغيرها من أدوات القتل نحو ربع مليون شخص، وتحاصر قواته مناطق عديدة، صار الناس فيها يموتون من الجوع (نعم من الجوع وليس من القصف!)، وتصفي أجهزته الأمنية خيرة شباب سورية وشاباتها تحت التعذيب الوحشي، ما أدى إلى تهجير نصف سكان سورية من بيوتهم. أو كان ذلك من الجماعات الإرهابية كداعش وأخواتها التي تمارس وحشية لا تقل بشاعة عن وحشية النظام، وصارت تسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية؛ أو كان ذلك من "المجتمع الدولي" الذي تخلى، كلياً، عن الشعب السوري، وتركه فريسة بأيدي المليشيات الإيرانية، وتابعيها من حزب الله اللبناني ومليشيات أبي الفضل العباس العراقية من جهة، والمليشيات الإرهابية القادمة من بقاع عديدة، تمارس إرهابها تحت شعار الإسلام، والإسلام منهم براء، من جهة أخرى.
"لطالما اكتشف الثوار، منذ البدايات، أن كل من دعم الثوار بالمال أوالسلاح، أو لنقل معظمهم على الأقل، كان يفعل ذلك لمصلحته، وتأكيد نفوذه
"

مع ذلك كله، أقول إن الثورة السورية مستمرة، وهي من أعظم الثورات في التاريخ المعاصر. وما أستند إليه في هذا القول:

أولاً: لست مع التعاريف الجامعة المانعة في العلوم الاجتماعية والسياسية، وبالتالي، لا أرى ضرورة لتعريف مصطلح "ثورة"، ولا أرى أهمية كبيرة للنقاش الدائر حول ما إذا كانت ثورة أو انتفاضة أو حراك شعبي أو.. يكفي أن تكون انتفاضة شعبية تهدف إلى إطاحة النظام القديم الذي لم يعد يقبل به الشعب، وإقامة نظام جديد تتبلور ملامحه في خضم الثورة نفسها.

ثانياً: الثورات العظيمة لا تحقق أهدافها بين يوم وليلة، ولا في سنوات قليلة. فالتاريخ الحديث والمعاصر عرف ثورات دامت عقوداً حتى آتت أكلها. الثورات صيرورات متواصلة تحتاج سنوات طويلة لتتبلور، عبر مطبات وتراجعات وإخفاقاتٍ كثيرة، فضلاً عن النجاحات. فكيف إذا جاءت في منطقة تتكالب عليها دول العالم الكبرى ودول الإقليم، وتستخدم فيها كل الأسلحة والوسائل لإفشالها.

ثالثاً: قامت الثورة السورية ضد نظام يكاد يكون فريداً في وحشيته ودمويته، نظام فاشي يمارس القتل والتنكيل بدم بارد، لا يردعه قانون ولا أخلاق. والناس الذين يتمردون ضد مثل هذا النظام، على الرغم من معرفتهم بطبيعته الإجرامية، وعلى الرغم من الذكريات الأليمة التي يحملها كل منهم، في نصف القرن الذي تسلط فيه على رقابهم، هم، من دون أدنى شك، ثوار عظام سيخلدهم التاريخ.

رابعاً: طرحت الثورة، منذ انطلاقتها، شعارات تدل على عمق وأصالة ووطنية الثوار الذين طرحوها. "الشعب السوري ما بنذل" "سورية بدها حرية" "الشعب السوري واحد". هذه الشعارات عبرت عن أهداف لا يمكن أن تكون أقل من أهداف ثورة عظيمة. شعارات الكرامة والحرية ونبذ الطائفية والانقسام والتشرذم، في وجه نظام أهدر كرامة الناس، وقمع أبسط حرياتهم، وكرس النزعات الطائفية والولاءات المناطقية والشخصية، هي شعارات ثورة عظيمة.

خامساً: سعى النظام، بكل الوسائل، لتحويل الثورة الشعبية السلمية إلى ثورة مسلحة، لأن السلاح هو المجال الذي يتفوق فيه على الشعب. وليس ذنب الثورة والثوار أن حمل بعضهم السلاح دفاعاً عن حياته، وحياة أفراد أسرته وشرفهم وكرامتهم. فالنظام، بإصراره على البقاء بأي ثمن (الأسد أو نحرق البلد)، وأجهزته الأمنية، وبعض قواته العسكرية التي فتحت النيران على المتظاهرين العزل في درعا وحمص، ثم في كل مكان آخر على الأرض السورية، هو من دفع بعض الجنود والضباط إلى الانشقاق، رافضين توجيه أسلحتهم إلى صدور أهاليهم، وهو من دفع شباناً عديدين للتطوع لحمل السلاح في وجه الإجرام المعمم.

سادساً: المجموعات الإرهابية المسلحة (داعش وأخواتها)، والتي يدعي النظام، الآن، محاربتها، هي من صنع النظام نفسه. فهو من أطلق معظم قادتها من سجونه (كما أُطلق بعضُهم من سجون العراق)، بهدف الانقضاض على الثورة، وتحويلها عن أهدافها. والتاريخ يعرف كثيراً من الحالات التي تتحول فيه الجماعات المناصرة لنظام ما إلى مناهضة له، عندما تحين الفرصة المناسبة، وعندما ترى أن في وسعها الحلول محل ذلك النظام، في السيطرة والهيمنة والتحكم بمصائر الناس.

سابعاً: لعل من أهم ما يثبت أنها ثورة عظيمة، أنها مستمرة، على الرغم من تخلي معظم القوى الإقليمية والدولية عنها. ولا أتحدث، هنا، عن روسيا وإيران وأمثالهما من داعمي النظام، بل عمّن سموا أنفسهم أصدقاء الشعب السوري، الذين توهم كل منهم أن بإمكانه السيطرة على الثورة، وتحويلها لتخدم مصالحه وتطلعاته. ولطالما اكتشف الثوار، منذ البدايات، أن كل من دعم الثوار بالمال أوالسلاح، أو لنقل معظمهم على الأقل، كان يفعل ذلك لمصلحته، وتأكيد نفوذه. وهذا هو بالذات ما لعب دوراً حاسماً في تشتت قوى الثورة وتشرذمها، وتحول بعض قادة الجماعات المسلحة إلى أمراء حرب، يستغلون الثورة للإثراء على حساب دماء الثوار والمدنيين.
"الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها، يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة"

ثامناً: لن أنهي هذه المقالة من دون الحديث عن القوى والجهات التي تنطحت لقيادة الثورة. لا أشك في أن كثيرين ممن شاركوا في تكوين منظمات "المعارضة السورية"، سواء المجلس الوطني أو "الائتلاف" أو هيئة التنسيق أو غيرها (وهو كثير ويتكاثر مع الأيام)، هم من الوطنيين المخلصين للثورة وأهدافها. لكن سلوك "أصدقاء الشعب السوري" والمجتمع الدولي من جهة، ووجود انتهازيين وقناصي فرص كثيرين بين أعضاء تلك المنظمات من جهة ثانية، والحالة البائسة التي أوصل النظامُ معارضيه إليها من جهة ثالثة، أدت إلى الوضع الكارثي الذي وصلت إليه هذه "المنظمات".

الثورة مستمرة، على الرغم من كل شيء. ففي كل الثورات الكبرى في التاريخ يحدث مثل هذا. تتعدد المواقف ووجهات النظر، وتتصارع الجماعات المختلفة. لكن الثورة في النهاية تنتصر. وفي سيرورة انتصارها، يتم الفرز بين الغث والسمين، بين الثوار الحقيقيين ومن يحاول ركوب الموجة. والثورة ستذيب الجميع في بوتقتها، وتلفظ منها ما لا ينسجم مع مسيرتها الظافرة.

حُطم جدار الخوف، وعادت السياسة إلى المجتمع، بعد أن وُضع الجميع على الرف في العقود الماضية. هناك تنظيمات سياسية تنشأ، وحوارات حول أهم قضايا المجتمع تدور في كل مكان. الثورة بدأت. وهي مستمرة وستنتصر.

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٥
أولوية الأوليات الأميركية في سوريا

كلام برينان كلام حقّ يراد به باطل. اللهم إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة.

يخفي كلام جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) عن سوريا رغبة واضحة في مسايرة إيران.

قال برينان أخيرا في نيويورك أمام “مجلس العلاقات الخارجية” الذي هو من أهمّ مراكز الدراسات الأميركية، إنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، كذلك روسيا ودول المنطقة “لا تريد انهيارا للحكومة والمؤسسات الرسمية في دمشق”. هل هدف مدير الـ”سي. آي. إي”، بالفعل، حماية المؤسسات السورية، أم المطلوب إطالة الحرب الداخلية في البلد من أجل التأكّد من أنّه لن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام؟

هناك، أقلّه ظاهرا، ما يبرّر مثل هذا الكلام الصادر عن مدير الاستخبارات الأميركية الذي لديه تجربة طويلة في الحرب على الإرهاب. هناك التجربة العراقية، العالقة في ذهن الرجل والقرار المثير للجدل الذي اتخذته الولايات المتحدة بحلّ الجيش العراقي. اتخذ القرار بول بريمر الذي كان حاكم العراق في ظلّ الاحتلال الأميركي وذلك بعيد غزو العراق في العام 2003 وإسقاط نظام صدّام حسين العائلي_البعثي.

كانت حجة بريمر أنّ الأكراد كانوا يصرّون على حلّ الجيش من أجل البقاء في إطار العراق الموحّد. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأحزاب والقوى الشيعية التي كانت تعتبر الجيش العراقي والأجهزة الأمنية بمثابة جزء لا يتجزّأ من النظام العراقي المطلوب التخلّص منه. أكّدت هذه الأحزاب رفضها أي تعاون مع المحتلّ الأميركي في حال لم يحلّ الجيش.

كانت النتيجة سقوط العراق في حال من الفوضى بعد غياب المؤسسة العسكرية القادرة على منع تمدّد الميليشيات الشيعية في كلّ اتجاه وسيطرتها، بصفة كونها مجرّد واجهة لإيران، على مؤسسات الدولة العراقية. وقد شكا الأكراد من هذه التصرّفات الميليشياوية، ووجدوا أن أفضل ما يمكن لهم القيام به يتمثّل في ترتيب أوضاع منطقتهم في إطار حكم ذاتي يؤمن حدّا أدنى من الاستقرار في كردستان.

هناك بالفعل ما يدعو إلى تفادي التجربة العراقية في سوريا. لكنّ المشكلة التي تعبّر عنها تصريحات مدير الـ”سي. آي. إي” تكمن في أنّ واشنطن تأخرت سنوات عدّة، في سعيها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات الرسمية السورية ومن سوريا.

كانت الحجة الأساسية التي استند إليها برينان أنّ التركيز يجب أن يكون في هذه المرحلة على المواجهة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو يقول في هذا المجال “إنّ آخر ما نريده هو زحف داعش على دمشق. ولذلك، علينا دعم القوى المعتدلة”. هل نسي مدير الـ”سي. آي. إي” أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يظهر بالشكل الذي ظهر فيه إلا في العام الماضي، في حين كانت القوى المعتدلة تواجه النظام السوري وتعمل على إسقاطه في ظلّ غياب أميركي؟ هل نسي أنّ الإدارة الأميركية لم تدعم هذه القوى عندما كان عليها أن تدعمها، خصوصا عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي صيف العام 2013. وقتذاك، تجاوز النظام “الخط الأحمر” الذي شدّد عليه الرئيس باراك أوباما غير مرّة.

تبيّن أن أوباما يرى كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر، فإذا به يضع مستقبل سوريا في يد أعداء الشعب السوري المشاركين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في ذبحه، أي في يد روسيا وإيران. بدل أن يقدم على خطوة تحافظ على مؤسسات الدولة السورية، تراجع الرئيس الأميركي صيف العام 2013 عن تعهداته التي قطعها للشعب السوري وتهديداته الصريحة والواضحة للنظام، وتبيّن أنّ كلامه ليس سوى كلام فارغ في أحسن الأحوال.

ما يطرحه برينان كلام تجاوزه الزمن.

كان هذا الكلام منطقيا وقابلا للتطبيق في بداية الثورة السورية وقبل ظهور “داعش” التي استثمر فيها النظامان الإيراني والسوري، وصولا إلى ما وصل إليه الوضع. كان في الإمكان إنقاذ المؤسسات السورية، بما في ذلك مؤسسة الجيش، لو أقدمت الولايات المتحدة على خطوة تؤدي إلى التخلّص من النظام ورموزه في الأشهر التي تلت اندلاع الثورة السورية، التي هي ثورة شعبية حقيقية تعبّر عن تطلّعات الأكثرية الساحقة للسوريين.

كلّ ما بات يمكن قوله الآن أنّ النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة واحدة. والأكيد أن برينان يعرف ذلك قبل غيره. لا يمكن محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” دون محاربة النظام السوري والانتهاء منه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ كلّ كلام يميّز بين النظام السوري و”داعش” يخدم النظام الذي لم يعد أمامه، بعدما أصبح تحت رحمة إيران وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية، سوى وضع يده على جزء من سوريا. هناك الآن تركيز خاص من النظام، والقيمين عليه، على الشاطئ وعلى ممرّ يربط هذا الجزء من سوريا بمناطق يسيطر عليها “حزب الله” في سهل البقاع اللبناني. تعتبر هذه المناطق البقاعية امتدادا للدويلة التي أقامها الحزب في لبنان على حساب الدولة اللبنانية وسيادتها المفترضة على كلّ شبر من البلد.

كلام برينان، في ضوء التطورات السورية، كلام حقّ يراد به باطل. اللهمّ إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران والتنسيق معها، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة. فما ينفع في المرحلة الراهنة إدراك أنّ الأولوية المعطاة لمحاربة “داعش” لا يمكن فصلها عن إسقاط النظام السوري. لا وجود لأولوية على حساب أولوية أخرى في أيّ شكل.

كلّ ما تبقى تفاصيل وأوهام وهرب من واقع ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف به. فمثلما أخطأ الأميركيون في العراق، نراهم اليوم يخطئون بمقدار أكبر في سوريا، خصوصا في ظلّ اعتقادهم أنّ لإيران هدفا آخر غير تدمير العراق وسوريا، وصولا إلى احتلال لبنان.

يبقى سؤال: هل الأولوية الحقيقية للإدارة الأميركية استعادة العلاقة بإيران، حتّى لو كان ذلك على حساب كل الأولويات الأخرى؟ يبدو طرح هذا السؤال منطقيا. ففي معرض كلامه أمام “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك، اعترف برينان بوجود “بعض المصالح المشتركة مع إيران”. قال بالحرف الواحد “نعمل عن كثب مع الحكومة العراقية، كذلك إيران”.

كيف يمكن لمسؤول أميركي في هذا المستوى تجاهل أن “داعش” ما كان لينتعش ويتمدد لولا السياسات التي تتبعها الحكومة العراقية، بمن في ذلك الحكومة الحالية… ولولا ذلك التعاون الذي يجري “عن كثب” بين بغداد وطهران؟

اقرأ المزيد
١٦ مارس ٢٠١٥
لذكرى الرابعة للثورة السورية.. ما العمل؟

ها هي ثورتنا السورية اليتيمة تستكمل عامها الرابع. سنوات أربع لا يبزها في قسوتها وصعوبتها وخطورتها على سورية والسوريين شيء، دُمّر فيها البلد، دولة ومجتمعاً وبناء وتاريخاً وحضارة ومستقبلاً، وتجرع فيها السوريون جميع صنوف الحزن والأوجاع والمآسي، واختبروا كل صنوف الموت. يتربص الخطر والخوف والجوع بمن بقي منهم في الداخل، ويتربص الذل والتشرد والحاجة بسعيد الحظ الذي خرج، واليأس يستحكم بالكافة، أقلها على المدى المنظور.

تضافرت على السوريين وثورتهم، لسوء الحظ، مجموعة من القوى والعوامل والظروف، أدت، في المحصلة، إلى ما وصلوا إليها:

-فمن طغمة حاكمة مجرمة، أرادت البقاء في الحكم بأي ثمن، وتعاملت مع السوريين كقوة احتلال غاشمة، وواجهت مطالبهم المحقة في الحرية والكرامة بالعنف العاري، منذ اللحظة الأولى، وأصرت على العنف، ورفعت وتيرته طوال الوقت، إلى درجة أنها لم تدخر سلاحاً، أو وسيلةً، لقتل السوريين وتجويعهم وتهجيرهم، وتدمير بيوتهم وبلداتهم، إلا واستخدمته، مستحقة، وبجدارة، لقب أحقر طغمة حاكمة عرفها التاريخ.

-إلى حلفاء لهذه الطغمة، وقفوا معها بشراسة، وبدون تردد، ومنذ اللحظة الأولى، وقدموا لها، بسخاء، كل أسباب القوة والدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، إلى درجة أننا نراهم، الآن، يحاربون ويديرون المعارك، نيابة عن قوات الأسد المتهالكة في غير مكان من سورية.

-إلى تقاعس غربي تتحكم به الإدارة الأميركية، الحريصة على الإدارة عن بعد، والتي لا يعنيها من شؤون المنطقة سوى نجاحها في الملف النووي الإيراني.

-إلى منظمة دولية عاجزة مشلولة، استطاعت روسيا والصين ركنها جانباً عبر سلاح الفيتو، ولم يترك لها سوى حرية التعبير عن القلق.

-إلى أجندات وطموحات ومصالح عربية وإقليمية، صبّت الزيت على النار، ودعمت من يخدم مصالحها من تنظيمات سياسيةٍ أو عسكرية، ما ساهم في تمزيق المعارضة بشقيها، وإضعافها وتناحرها.

-إلى الإضعاف المتعمد والممنهج للجيش الحر الذي يمثل الذراع المسلحة للثورة.

-إلى سيطرة تنظيمات جهادية تكفيرية عدمية على أزيد من نصف الأراضي المحررة، وارتكابها من الجرائم والفظائع ما يعجز العقل عن تخيله، الأمر الذي جعل جرائم النظام، على فظاعتها، تبدو أمراً عاديا أمام العالم، ما أدى إلى تقديم ملف محاربة الإرهاب على ملف استبعاد النظام، وتشكيل التحالف الدولي لهذا الغرض، وحتى بروز أصوات تنادي بالتعاون مع النظام في هذه الحرب.
"العمل على تحصين السوريين تجاه خطر التفتت والاحتراب الأهلي المديد عمل وطني ومهم بكل المقاييس"

-وصولاً إلى معارضة سياسية مريضة تافهة، وضيعة في معظمها، أصرت على البقاء متفرقة، رهنت نفسها للخارج، وانخرطت بصراعات داخلية وحروب صغيرة فيما بينها، ولم تستطع تغطية الثورة، أو خدمتها في أي مجال، بل غالباً ما انعكس نشاطها سلباً على الثورة، والمذهل في أمرها أن كل دماء السوريين ومآسيهم، على مدى سنوات أربع، لم تستطع أن تغير شيئاَ من تفكيرها وسلوكها، الأمر الذي أدى إلى سقوطها واحتقارها من السوريين وغير السوريين.

هذه صورة الواقع كما أراها، فما نحن فاعلون؟ هل نتفرج صامتين على هذا المسلسل الحزين المرعب، منتظرين نهاية أكثر حزناً يقررها آخرون؟ وهل لدينا ما نفعله، طالما أننا الطرف الأضعف في معادلة القوة هذه، وتأثيرنا في مجرى الأحداث يداني العدم؟

أرى أن ثمة مجالات أخرى كثيرة للعمل، لا تقل أهمية عما كان يفترض بنا عمله الآن وخلال الثورة، منها العمل على السوريين لجهة دعم قدراتهم المستقبلية على التعايش والتعاون والبناء، فهذا الكابوس الذي نعيشه، اليوم، سينتهي عاجلا أو آجلاً، وسنجد أنفسنا أمام استحقاق ما للتعايش والتعاون، ثم لتجاوز قصة التعايش إلى التعاضد من أجل بناء الدولة، وعلينا الاستعداد لهذا الاستحقاق بكل إمكاناتنا، وبمنتهى الجدية، لأن دخولنا في استحقاق من هذا النوع من دون حد أدنى من الاستعداد والتأهيل يعني تمديداً اختيارياً مفتوح النهاية، هذه المرة، لمأساة شعب مرهق منكوب.

خوفي على سورية مركّب، حيث يضاف إلى الخوف مما يحصل خوف آخر مشروع، سببه ضعف قدرة السوريين على استيعاب هذه المحنة، وهضمها، باعتبارهم، لأسباب معروفة، مجتمعاً غير متماسك بما فيه الكفاية، حيث ما زال الشعور بالمواطنة والانتماء للوطن أضعف من الشعور بالانتماء إلى الطائفة أو العشيرة أو العرق. ما يعني أن المحنة قد تذهب بالبلد إلى غير رجعة، وملامح ذلك تبدو واضحة. لذلك أرى أن العمل على تحصين السوريين تجاه خطر التفتت والاحتراب الأهلي المديد عمل وطني ومهم بكل المقاييس.

الآن، ما الذي يمكننا عمله بشأن المستقبل؟ أذكر، تالياً، بعض المجالات، على سبيل المثال:- تأسيس أحزاب سياسية نوعية ومختلفة، بوصلتها المصالح العليا للشعب والوطن، ترفع ألوية الفكر والسياسة والواقع، بدل الإيديولوجيا التي قتلت الفكر والروح، وحوّلت أحزابنا التقليدية إلى مستحاثات، تتبنى الديمقراطية منهجاً وقيماً وسلوكاً وعملاً، تؤمن بالعمل المشترك مع الآخرين، تعمل بالعقلية المؤسساتية، تقيم حياة حزبية داخلية ديمقراطية، مؤسسة على الشفافية والمحاسبة والنقد والمراجعة. هذا النوع من الأحزاب أصبح أكثر من ضرورة لأنه المكان الطبيعي لتعلم السياسة وممارستها، ولأنه الأساس لأي عملية سياسية مستقبلية.

-نزع فتيل الأزمة الطائفية التي تستعر بشدة، منذرة بأسوأ العواقب. وفي هذا المجال، يمكن عمل الكثير، خصوصاً على صعيد نشر الوعي حول المآلات الكارثية للصراع الطائفي، وحول الجذور الثقافية والاجتماعية والسياسية للمسألة الطائفية، وحول دور ومصلحة النظام في إذكاء الصراع الطائفي، وحول مفهوم المواطنة ودوره المركزي في بناء الأنظمة الوطنية الحديثة.

-إزالة الالتباسات والتشوهات العالقة بقضايا ومفاهيم مهمة وحساسة ومفتاحية كثيرة في بناء دولتنا المقبلة، والتي يوحي الجدل الدائر بعمق الاختلاف حولها، منها مفهوم العلمانية وعلاقتها بالدين والمجتمع، ومفاهيم الديمقراطية والحرية والمواطنة.
"علينا أن نبحث عما يمكن أن يقينا قليلاً، ويبقي لدينا شيئاً من القدرة على بناء بلدنا في يوم، نسأل الله أن لا يكون بعيداً"

- تحضير ما أمكن من برامج وأفكار ومشاريع في مجالات القانون والدستور والاقتصاد وإعادة الإعمار، وكل ما من شأنه المساهمة في دفع عملية بناء الدولة والمجتمع، وتخفيف مدتها وتكلفتها ووطأتها.

- تدريب الناس على الحوار وتقبل المختلف، وزرع وتعزيز ثقافة الحوار والنقاش والاستماع المنفتح المصغي لديهم.

يناط تنفيذ المهمات المومأ إليها أعلاه، بالجميع من دون استثناء، أحزاباً وتنظيمات مدنية وأهلية وأفراداً، حيث في مقدور أي كان أن يقدم شيئاً على صعيد واحد أو أكثر.

طبعاً، تبقى المسألة الأكثر أهمية والأبعد أثراً في قضيتنا أن ننتزع دوراً في تقرير مصيرنا، عبر توافقنا، قوى سياسية وقوى عسكرية، على برامج عمل موحدة، لكن ظاهر الحال يعلن أن ذلك مستحيل، بحكم مستحاثات السياسة وهواتها ومتسلقيها وبلطجيتها، وبحكم أمراء الحرب، ويزداد استحالة بحكم ارتهانهم للخارج. لذلك، علينا أن نبحث عما يمكن أن يقينا قليلاً، ويبقي لدينا شيئاً من القدرة على بناء بلدنا في يوم، نسأل الله أن لا يكون بعيداً.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
"كي لا ننسى حلاوة الفجر ... "

في مثل هذا اليوم ، بزغ به فجر ثورة ليسطع بعده شمس سلطت وما زالت تسلط أشعتها على دفائن كثيرة تحت ظلماء الفساد والعمالة ضمن كذبة "خندق ومحور الممانعة والمقاومة "...

ففي يومنا هذا دبابات ايرانية تدخل الاراضيَ العراقية، وسط امر بات اعتيادي ولا يجسد تحولاً لم يحصل منذ أكثر من 1400 سنة.!!؟

تماما كما حصل ويحصل من تدخل إيراني في سورية منذ تطورات آذار 2011 "ثورة الكرامة السورية" بعد غضب شعبي ضد حثالة مافياوية من قادة وعناصر أمن و اقتصاد اقتات من دم وعرق الشعب.

رفض يومها بشار الأسد أن يرضخ لمطالب بسيطة ، لم تطله بكامل نظامه .. فالبداية لم تتضمن إلا صداح بالحرية في سوق الحمدية ، تلاه مطالب الإفراج عن معتقلي الرأي أمام وزارة الداخلية، ومنهم أطفال درعا، جميها رُفضت بشراسة الأمن و آلية القمع .

تلاه طوفان الفزعة الحورانية من درعا ليسجل التاريخ السبب المباشر  للانتفاضة الشعبية ، عندما طالب أهالي درعا بأطفالهم الأمر الذي استعصى عليهم ، فكانت الشرارة التي اشتعلت جراء قهر سلطات الأمن لأباء الأطفال ومحاولة خدش لشرفهم، ظناً من عاطف نجيب " رئيس الأمن السياسي بدرعا و إبن خالة الأسد " أن الشعب سيرضخ وإن اضطر لإعادة حماه 82، لكن لم يرضخ وكانت الشرارة التي طالت فيما بعد النظام  بكامل جسده من قاعدته الأمنية والمخابراتية إلى رأسه العميل راعي و مُتغني شعار العروبة بينما كان هو نفسه (رأس نظام الأسد) متحالفاً مع الفرس بقليل من الوضوح مغلفاً التحالف بكثير من شعارات الإسلام والعدوان لإسرائيل، بينما سراً كان الغزل يتطور لعلاقات تعزز طائفية دفينة وحلف خراب وإحتلال للمنطقة.

الشعارات كانت وما زالت كاذبة ووهمية من مبدأ الدكتاتورية الأسدية: "اكذب اكذب حتى تصدق ويصدقون" لكن سرعان ما كشفت أشعة آذار السوري تلك العلاقات في الغرف المغلقة كما كشفت عدم وجود مبرر لـ40 عام مهادنة للعدو إلا التشبث بالكرسي لقاء خدمة لمصالح المافيا العالمية!!

 كسر الأحرار السوريين حاجز الخوف وضربت النخوة الدرعاوية و مناصرة معظم المدن السورية ، سد الكبت الحريات الذي امتد طوال 40 عام ، وفشل الأسد عبر ما يقارب العام ونيف في إسكات صوت الشعب، فكان يزيد باستخدام القوة المفرطة حتى بات الشعب مع تراخي أخوته العرب ومجلس الأمن الدولي ، الذي أكثر ما قدمه كلام  نقل من مجرى السطر على الورقة إلى هواء الإعلام.

 بات الشعب الثائر أمام خيار الدفاع عن النفس أو التراجع لحفرة كبت الحريات أي قبر الثورات وبالتالي قهر وكبت أكثر مما كان عبر عقود أربعة من الزمن، لكن كيف لمن تذوق حلاوة الحرية أن يعود لحفر الجهل والخوف!!؟

ظهر فشل وغباء واضح لنظام الأسد جراء ارتباكه فهو لم يتوقع هذا الصمود من شعب كان يخشى المرء منه  أن يكلم زوجته بالسياسة بل وحتى نفسه خشية أن يصبح في طوابق ما تحت الأرض، فبدأ الدعم من الحلفاء وأصحاب المصالح لنظام العمالة.

بداية قدم الدعم السياسي من المستشارين الروس وفيتو مجلس الأمن، وبدأ يظهر للعلن التدخل الإيراني في سوريا متعدياً شقيه السياسي والاقتصادي وإدلافه جناحه في المنطقة "حزب الله" للمشاركة بقتل وقمع الثائرين السوريين مبرزاً الدعم العسكري بالجند والعتاد وأخرها زج القادة الإيرانيين لقيادة المعارك في الأرضي السورية، هكذا وبعد الدعم وضمن فترة بدأ بها الجمع الثوري يتشتت، بينما غباء وارتباك نظام الإجرام كان يقومه الدعم اللامحدود مقابل بيع كلام في الهواء للجموع الثورية.

ضمن تلك الفترة كانت بداية الليل المظلم ليسرق نظام الأسد ومن خلفه من السوريين أحلامهم وطموحاتهم بالحرية و دولة العدالة التي تسودها المحبة بين أبنائها، فطبخت مؤامرة الإرهاب بتلك الفترة وأصبح كل شيء يعنون "بعبع" الإرهاب ومحور الاحتلال أو "المقاومة" كما يدعون جاهز للمراوغة والمماطلة ضمن مضمار الدول المحاربة للإرهاب والإرهابين.

 لينسى الجميع فظاعة حجم القتل والدمار التي يتعرض له الشعب لم يكن أخرها القتل دون دماء في غوطتي دمشق حيث بساعات زهقت أرواح أكثر من 1500 إنسان ليحول نظام الأسد سوريا الفتوحات الإسلامية ومنارة الحضارات وأبجدية الإنسان إلى أرض محتلة وكأنها مرتعاً لإيران ومن يتبعها من مرتزقة ومليشيات وأحزاب طائفية أشعلت المنطقة بتدخلاتها الاستعمارية فكان المشهد الأخير ادخل رتل الدبابات الإيراني للعراق بقيادة قاسم سليماني وبغطاء  جوي أمريكي يشبه غطاء سلاح الجو الذي كان في الجنوب السوري من قبل طيران نظام الأسد في محاولة لجر الثورة من مهدها لكن جبهة الثائرين في الجنوب كانت لها كلمتها.

بالتالي يطرح سؤال، هل وضحت أو زادت وضوحاً السياسة العالمية

هل اتضحت نقطة التقاء المصالح بين من يبدو أنهم رؤوس متناحرة .. على ملف نووي؟! بينما هم شركاء بمصالح الخراب والاحتلال للمنطقة ناهيكم عن نهب ثروتها وكل هذا على حساب وئد ثورة ولدت يتيمة وما زالت، ومن بين الدافنين يصدح صوت انتصار بين الحين والأخر للموؤدة أنا مازالت مستمرة وأقاوم  فهناك من هو صامد رغم البراميل المتفجرة وحصار عامين لا يبلل شفاه أهله أحيانا إلا بضع ملاعق من حساء الشوربا، حتى الأرض بوسعها ضاقت باللاجئين السوريين فعجزت المنظمات العامية والأممية ولو مرابح النفط وجزء من إزدهار الدول المتقدمة عن سد رمق اللاجئين أو حتى تدفئهم من عواصف الصقيع الشتوية، رغم محاولات لا تنكر لكن غير كافية ولا حتى 50 بالمئة.

أخيراً المقال ليس بأطول من ثورتنا بل نسبياً قصير جدا أمام ما كشفته، ومازالت الثورة المستمرة فمن مازال صامدا كشف زيف التصريحات وغوغاء السياسة ومازال متمسكاً بهتافه "يا الله مالنا غيرك يالله".

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
أربعُ سنوات كاملة من الترحال واللجوء

ما زال الصراع في سورية مستمراً. الموت والدمار وتشريد الناس أيضاً. مع اندلاع الثورة، بدأ المواطنون رحلة البحث عن الأمان. أرادوا فقط النجاة من الموت. كثيرون نزحوا إلى مناطق داخلية ظناً منهم أنها أكثر أمناً. آخرون حطت بهم الرحال في دول الجوار. منهم من استقرّ في المخيمات، ومنهم من تمكّن من العيش خارجها.

تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار قد وصل إلى 3 ملايين و800 ألف و554. فيما تؤكد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنّ الأرقام الأممية لا تشمل كلّ اللاجئين، مشيرة إلى أنّ الرقم الحقيقي هو 5 ملايين و835 ألف لاجئ في نهاية عام 2014.

وبحسب أرقام الأمم المتحدة تحتضن تركيا القسم الأكبر من اللاجئين بنسبة 43%، يليها لبنان بنسبة 31%، ثم الأردن بنسبة 17%، والعراق بنسبة 7%.

وكانَ عام الثورة الثالث (2013) الأسوأ بالنسبة للاجئين، وقد شهد أكبر حركة نزوح من الأراضي السورية. غادر مليون و800 ألف سوري بلادهم إلى دول اللجوء، وباتوا يشكلون اليوم ما نسبته 48%. فيما نزح العام الماضي نحو مليون و400 ألف سوري، أي بنسبة 38%.

كانت القارة الأوروبية بمثابة حلم لكثير من العائلات في سورية ودول الجوار. وخلال السنوات الأربع الماضية، لم تتوقف محاولات السوريين للوصول إلى الدول الأوروبية براً أو بحراً أو جواً ، وطلب الحماية الإنسانية أو السياسية فيها. ويشير عضو أحد التجمعات السورية في السويد عبد القادر الحكيم إلى أن "طالبي اللجوء يريدون تأمين مستقبل آمن ومستقر لهم ولعائلاتهم".

في هذا الإطار، أكدت مفوضية اللاجئين أن أعداد طالبي اللجوء إلى الدول الأوروبية في تزايد مستمر، وقد وصل عددهم إلى 217 ألفاً. مع هذا، فهم لا يشكلون أكثر من 5% من نسبة اللاجئين. وتوضح الأرقام أن 62% من اللاجئين في أوروبا قد تقدموا بطلبات لجوء خلال العام الأخير، وخصوصاً نحو ألمانيا والسويد اللتين تستضيفان 51% من إجمالي اللاجئين في أوروبا، فيما يتوزع الباقون في هولندا وصربيا وبلغاريا والدنمارك وغيرها.

يشكل الأطفال (دون الـ 11 عاماً) 39% من أعداد اللاجئين. ويعدّ الحرمان من التعليم أبرز المخاطر التي تواجه الأطفال داخل سورية وخارجها، علماً أن 2.3 مليون طفل سوري خارج المدرسة في الداخل، بالإضافة إلى نحو نصف الأطفال اللاجئين.

ويشير التربوي هاني الكمال إلى أن "السببين الأساسيين لانخفاض معدلات الالتحاق بالمدرسة داخل سورية هما الفقر والنزوح. أما في دول اللجوء، فهناك مصاعب قانونية على غرار عدم وجود وثائق مدرسية، وارتفاع الأقساط وغيرها.

في تركيا مثلاً، 70% من الأطفال السوريين خارج المدرسة. أما المواليد الجدد في دول اللجوء، فيواجهون اليوم خطر الحرمان من الهوية والجنسية، وقد ولد حتى اليوم نحو 114 ألف طفل سوري في دول اللجوء، فيما 75% من المولودين في لبنان لا يملكون شهادات ميلاد.
في السياق، يتحدث الناشط في مجال حقوق الطفل أحمد عكار عن "أزمة تسجيل المواليد الجدد، فجميع هؤلاء الأطفال لا يتم تسجيلهم بشكل قانوني في دول اللجوء، كما يصعب على ذويهم تسجيلهم داخل سورية". يضيف أن "حالات الزواج غير المسجلة تفاقم المشكلة، وأن هؤلاء الأطفال بحاجة ملحة إلى الحماية وضمان حقوقهم المستقبلية".

من جهة أُخرى، تعمل الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإغاثية، على تأمين معظم احتياجات النازحين. وبحسب الأرقام الصادرة عنها، فهي تغطي احتياجات السوريين بنسبة 61%. ويشير المتطوع عبد اللطيف غاني إلى أن "معظم اللاجئين يعتمدون على المساعدات للحصول على الغذاء. وعادة ما يصل هؤلاء إلى المخيم من دون أن يكون في حوزتهم الحاجات الأساسية كالثياب أو أدوات المطبخ".

يتابع غاني: "تختلف احتياجات اللاجئين بين مخيم وآخر. على سبيل المثال، يحتاج اللاجئون في الأردن والعراق ولبنان إلى تحسين خدمات توفير المياه النظيفة والصرف الصحي، في حين تعاني مخيمات لبنان من انتشار الأمراض المعدية وازدحام شديد في المراكز الصحية، بالإضافة إلى التلوث".

إلى ذلك، يتوزع القسم الكبير من اللاجئين في تركيا داخل مدنها، فيما يتوزع الباقون على 22 مخيماً، أقيم معظمها في المناطق المحاذية للحدود مع سورية. وتقول الناشطة الحقوقية هالة عزاوي إن "ثلاثة أرباع اللاجئين في تركيا باتوا منخرطين في المجتمع، ويبحث كثيرون عن عمل لتأمين لقمة العيش، وتعلم اللغة التركية".

أما في لبنان، فيعاني كثير من السوريين فيه من الفقر الشديد. ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، فإن ثلث اللاجئين في لبنان يتقاضون أقل من دولارين يومياً. ويقول حميد التيم، وهو سوري يعمل في لبنان، إن "معظم السوريين لا يستطيعون مجاراة غلاء المعيشة".

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
الاستمرار حتى الانتصار!

لم يكن أحد من متابعي الشأن السوري داخل سوريا وخارجها، يعتقد أن السوريين قادرون على الشروع في ثورة، وأن ثورتهم ستستمر 4 أيام، ناهيك عن 4 عوام.
كان المجتمع السوري يبدو مفككا، من دون خبرة في الشؤون العامة ومن دون قيادات، وقليل العدد بالمقارنة مع أتباع السلطة منه، الذين قالت التقديرات إنهم في حدود 15 مليون سوري وسورية، هم إما مع النظام أو سيحجمون عن الانخراط في أعمال ثورية أو احتجاجية ضده.
وكان النظام مستعدا عسكريا وسياسيا لمواجهة أي تحرك، فالجيش والمخابرات والشبيحة يضمون نيفا ومليون مسلح دُربوا على أحسن وجه لمنع أي مواطن من النزول إلى الشارع، ناهيك عن القيام بثورة، وموظفو الدولة تحت الطلب، وكذلك تلامذة المدارس والجامعات، وعمال المصانع ومنتسبو المنظمات الشعبية بملايينهم الثلاثة؛ فلو افترضنا أن كل واحد من هؤلاء «يمون» على شخص أو شخصين، لكان الشعب المنظم والراضخ للمركز السلطوي في جيب النظام، بينما خصومه مفككون مشتتون ويفتقرون إلى قيادة وتوجيه. ليس المرء بحاجة إلى ذكاء خاص، كي يعرف لمن ستكون الغلبة في الشارع وخارجه.
ولأن الجو الدولي كان متشككا تجاه الربيع العربي، فقد اعتقد أرباب النظام أنه سيتم حسم الأمور خلال أيام قليلة، بضربات عسكرية قوية ومتلاحقة، وإنزال ثقل شعبي كبير إلى الشارع، واتهام الحراك بالأصولية والإرهاب. كما آمن النظام بأن «الفوضى» ستكون محدودة، لأن المناطق الموالية أكثر من مناطق الاعتراض، واحتكار السلطة للمجال العام يجعله عصيا على الاختراق من قبل متظاهرين يفتقرون إلى قيادة سياسية أو خطة ثورية، فأي ثورة يمكن أن تنشب في سوريا، في ظل رجحان ميزان القوى الشعبي لصالح نظامها الذي يحتكر العنف وأجهزته بنسبة ألف في المائة، علاقاته مقبولة مع الغرب عامة، وجيدة جدا مع أميركا، يتحالف مع روسيا وإيران، وله مكانة حساسة جدا في العالم العربي تجعل دوله ترفض من سيخرجون عليه، وإلا هددت أمنها عبر تهديد دوره المهم في العلاقات والتوازنات القائمة بينها وبين إيران.
حين نزل المتظاهرون إلى الشارع كانوا قلة، عدا في مدينة درعا، التي شهدت حشودا بعشرات الألوف منذ يوم التمرد الأول، بعد تعرض وجهائها للإهانة من قبل رئيس فرع أمن. لكن العنف الذي استخدم ضد درعا فجر غضبا عصف ببقية السوريين، وأنزل قطاعات كبيرة منهم إلى الشارع في جميع مدن سوريا، التي سرعان ما أقام حراكها رابطة وطنية بين أطرافها مناوئة لوطنية الاستبداد المفروضة من فوق. لقد نبعت الوطنية الشعبية من الحرية بصفتها المبدأ الرئيسي لمنظومة قيمية معادية لكل ما تبنته الأسدية. يفسر هذا نشوء عالمين متنافيين بعد أسابيع من الحراك: أحدهما عالم الشعب السلمي، الذي كان برنامجه «الحرية للشعب السوري الواحد»، وانضمت إليه يوميا جموع هائلة جاءت من البلدات الصغيرة والأرياف، والآخر عالم السلطة التي فقدت بسرعة شرعيتها، بسبب ما استخدمته من عنف لا قيود عليه ضد شعب أعزل ومسالم يطالبها بالإصلاح، ولا يطالب بتغييرها أو إسقاطها، لاعتقاده أن الثورة مكلفة جدا، وأن الأسد لا بد أن يكون وفيا لشعار الحرية، الذي جعله البعث أحد التزاماته التي لم يحققها خلال نصف قرن.
بعد أيام من الانتفاضة كان الوضع العام قد تغير، واكتشف النظام أنه ليس موجودا في الشارع، وأن أحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية» ليست غير أصفار، وأن شيوخ الأوقاف لا يمثلون المسلمين، وأنه سلطة قمع وعسكر وفئوية وطائفية. بالمقابل، تنامت وطنية الشارع المطالب الحرية، وتعاظم وزنه وتضامنه، وظهرت فيه قيادات محلية مؤمنة بالحرية كمبدأ تشمل نعمه الجميع، وبوحدة شعب سوريا، الذي يجب أن يظل واحدا، ويقاوم كشعب موحد نظاما صار عدوا لكل فرد فيه. عندما بدأت انشقاقات العسكر مع المقدم محمود الهرموش، بدا أن النظام يتهاوى وأن عنفه يرتد عليه، وأن كيانا سياسيا بديلا شرع يتخلق شعبيا وثوريا، وأن انهيار السلطة ومؤسساتها يتسارع، بعد افتضاح أمرها كجهة تعمل لإحراق بلادها، وقتل شعبها من أجل إبقاء بشار الأسد في الحكم، رغم ما أبداه خلال حكمه من عقم سياسي وإنساني، وتسبب به من أزمات ومشكلات دفعت الشعب إلى الثورة.
كان جليا في الأشهر الأولى أن هناك عالما ينشأ وآخر يموت: عالم شعبي وطني يقول بالحرية لشعب سوريا الواحد ويسعى لتحقيق مطالبه سلميا، أهدافه العدالة والمساواة وكرامة الإنسان. وعالم سلطوي كاره لكل من ليس منه، يستخدم العنف ضد شعبـ«ـه» الأعزل، ويلعب ورقة الطائفية ليفتت مجتمعـ«ـه» ويزج به في حرب أهلية.
في ظل هذا التطور المتناقض، ظهر المجتمع السوري كحقيقة سياسية قائمة بذاتها ورافضة للنظام، وتبين كم هو قوي وراسخ الجذور في الواقع اليومي. عندما بدأت المقاومة وتم تحرير ثلثي الأرض السورية من السلطة، وأخرج النظام من مناطق لطالما أحكم قبضته عليها، أيقن الشعب أن سقوط الأسد صار مسألة وقت، وأن تضحيات بناته وأبنائه لن تذهب هباء. في هذا المنعطف، تفاقمت تدخلات الخارج وأخذت صراعاته تغطي على الصراع الداخلي أو تلحقه بها، وشرعت معركة تصفية الحسابات بين أميركا من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، تحجب معركة الحرية، وتبين كم كانت الثورة بحاجة إلى قيادة تبادر إلى استثمار مقومات الانتصار والحسم، وانتقلت إيران وروسيا إلى التدخل العسكري المكشوف، وبدأت تتبدل علاقات القوى في الداخل، قبل أن يستغل الإرهاب والأصوليون فراغ القيادة ويقدموا أنفسهم بديلا لثورة الحرية، في موقف يكمل مواقف النظام ويلاقيها.
واليوم، يبقى ما أنجبته الثورة من وقائع على طرفي المعادلة السورية فاعلا. ويبقى تصميم الشعب على الحرية مستمرا، وتبقى الحاجة ماسة إلى قيادة ثورية تتخطى في رؤاها وممارساتها قيادات المعارضة، وتتولى أخذ سفينة الثورة إلى بر الحرية، بالاستناد إلى إرادة قوة لم يكن وجودها يخطر ببال أحد، هي: مجتمع سوريا القوي، الذي عرف كيف يتحمل الألم والموت، وكيف يؤسس شروط انتصاره ويحافظ عليها طيلة 4 أعوام بغالي دمائه، وسيعرف كيف يحصد ثمارها في عام ثورته الخامس، ويستردها من الذين اختطفوها.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
بعد 4 سنوات من الثورة.. سوريا من جور الاسد إلى حقد إيران

قبل أربع سنوات من اليوم، خرج عشرات الشباب السوريين بمظاهرة جابت سوق الحميدية بدمشق، هاتفين شعار "الله سورية حرية وبس"، لتكون الشرارة الأولى بعد أيام من هذه المظاهرة عندما خرج أهالي درعا بمظاهرات منادين بالحرية والكرامة "الموت ولا المذلة".

واتسعت رقعة المظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة تضامناً مع درعا وأطفالها، لتطال المدن السورية من الجنوب إلى الشمال.

نظام بشار الأسد ومنذ اليوم الأول، اختار مواجهة المظاهرات السلمية المنادية بالحرية والكرامة، اختار مواجهتها بالرصاص والقتل والاعتقال، ورفع مؤيدوه شعار "الأسد أو نحرق البلد".

تدرج نظام الاسد باستخدام القوة في محاولة لوأد الثورة السورية، فمن الرصاص الحي إلى قذائف الهاون، إلى نشر دباباته والآليات الثقيلة حول المدن الثائرة وقصفها، إلى الطيران المروحي والحربي، إلى صواريخ السكود، فالكيماوي والغازات السامة، إلى الحصار والتجويع.

لم يكتفي الأسد خلال السنوات الأولى بقتل السوريين وتجويعهم، واعتقالهم وقتلهم تحت التعذيب بأبشع الأساليب، بل عمد خلال السنة الفائتة إلى بيع سوريا لملالي (قم) الذين باتوا يتباهون بإعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية.

تمر الذكرى الرابعة للثورة السورية في وقت اختلطت فيه الأوراق، جراء استماتة الإيرانيين بالدفاع عن نفوذهم في سوريا الذي بات واضحاً وجلياً، وفق تصريحات المسؤولين الإيرانيين أنفسهم.

فعندما يعترف مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين همداني، أن "القادة العسكريين الإيرانيين قد (حرروا)  85% من الأراضي السورية التي وقعت سابقاً بيد المعارضة، في وقت حتى الأسد كان قد تقبل الهزيمة"، وعندما يقول أمين  المجلس الاعلى  للأمن القومي الإيراني "علي شمخاني" إنه "ولولا نوايا بلاده "الطيبة" لسقطت بغداد، وأربيل، ودمشق بيد تنظيم "الدولة الإسلامية".

فهذه الأدلة كافية على أن السوريين لا يقاتلون من أجل حريتهم الآن، بل يقاتلون لمواجهة الاحتلال الإيراني وأداته العميل والخائن بشار الأسد الذي فتح الباب للمحتل الفارسي الباحث عن أمجاد ماضيه في المنطقة العربية.

انتهاكات الأسد وميليشيات إيران

منذ اندلاع الثورة السورية، ترتكب قوات النظام والميليشيات الإيرانية والمرتزقة الأجانب انتهاكات وجرائم بحق المدنيين في سوريا.

ويشن نظام الاسد حرباً مفتوحة على الشعب السوري منذ سنوات استخدم كل أنواع الاسلحة الفتاكة، ومنها صواريخ بعيدة المدى، واسلحة محرمة دولياً أدت إلى مقتل عدد غير معروف من السوريين، ولكن التقديرات تشير إلى أكثر من 500 ألف شهيد، وأكثر من مليون مصاب.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أصدرت تقريراً مفصلاً حول الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأسد والميليشيات المتحالفة، وذلك خلال الأعوام الأربعة الفائتة.

ووثقت الشبكة منذ بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا في آذار/ 2011 لغاية 10/ آذار/ 2015 قيام قوات النظام بقتل 176678 شخصاً مدنياً، بينهم 18242 طفلاً، 18457 امرأة، ومن بينهم أيضاً 11427 تحت التعذيب.

وأوردت الشبكة في تقريرها حصيلة المعتقلين بما لا يقل عن 215 ألف حالة، من بينهم قرابة 6580 امرأة إضافة إلى ما لا يقل عن 9500 طفل.

وأشارت الشبكة إلى أنّ الكثير من المعتقلين يتحولون تدريجياً إلى مختفين قسريا، حيث تُفقد تدريجياً أيّ معلوماتٍ عنهم، وينقطع الاتصال بمعظمهم على نحو مخيف، حتى من قبل أهلم وأصدقائهم.

وأكد التقرير أنّه لا يمر يوم تقريباً دون استشهاد 5 معتقلين بسبب التعذيب، وذلك كمعدل وسطي.

مليون معاق

وخلفت آلة الحرب العسكرية لنظام الأسد وميليشيات إيران الطائفية ما يزيد على مليون مصاب سوري من بينهم عشراتُ الآلاف يحتاجون إلى عمليات جراحية وأطرافٍ صناعية وإعادةِ تأهيل، وفقاً للمنظمة الدولية للمعاقين.

وناشدت المنظمة في تقريرها المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لتقديم العلاج للمصابين السوريين قبل أن تتحول إصاباتهُم إلى إعاقة لمدى الحياة.

ويفرض نظام الأسد وميليشيات إيران حصاراً على المناطق المحررة، والتي يقصفها باستمرار ما أسهم بزيادة حالات الإصابة، وبسبب نقص المواد الطبية، وعدم وجود الكوادر المتخصصة في كثير من مناطق سوريا زادت نسبة حالات الإعاقة، وبتر الأطراف، والتي كان من الممكن علاجها لو كانت الظروف مختلفة، بحسب المنظمة.

بدورها، قالت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير لها أن قوات الأسد قتلت أكثر من 600 طبيب، وعامل في المجال الطبي، منذ بدء الثورة السورية في آذار 2011.

وأكدت المنظمة إن قوات النظام تستهدف المستشفيات، والعيادات، والعاملين في المجال الطبي "بشكل منظم"، حيث قتل بهذا الاستهداف 610 من العاملين في المجال الطبي، من بينهم 139 تعرضوا للتعذيب، أو أعدموا.

الأسد راعي التطرف

يقول إعلامي سوري: "حاول الأسد منذ اندلاع الثورة السورية تخويف العالم، عبر وصم الثورة بالتطرف تارة والإرهاب تارة أخرى، إلا أن الحقائق والوقائع على الأرض تقول العكس تماماً، حيث أن هذا النظام سهل تنامي ظاهرة تنظيم داعش في العراق منذ الاحتلال الأمريكي، وإثر ظهور بوادر سقوط نظامه في سوريا منذ عامين عمل على تعزيز مكانة التنظيم عبر الضخ إعلامياً على المستوى الدولي، والقول أن نظامه يواجه الإرهاب، متجاهلاً كل مطالب السوريين منذ اندلاع الثورة بالحرية والكرامة والعدالة والعيش الكريم".

ويضيف: "نظام الأسد الذي لم يترك فرصة لقصف المناطق الثائرة ضد نظامه، ترك التنظيم يتمدد في المناطق المحررة، دون أن يحرك ساكناً، أراد أن يقوى هذا التنظيم البعيد كل البعد عن الثورة السورية، من أجل تمرير رسائله للغرب والمجتمع الدولي، فمع سيطرة التنظيم على اي منطقة نجد أن إعلام النظام وإعلام الغرب يطبلون لخطره عبر الربط بين الثورة والتنظيم، إلا أن الواقع يقول أن الثوار والمناطق الثائرة على نظام الأسد دفعت الثمن الأكبر من وراء تنامي هذا التنظيم الغريب عن المجتمع السوري".

وينهي بالقول: "اليوم وفي الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة السورية، يدرك السوريون أن إسقاط نظام بشار الأسد هو الطريق الوحيد لإسقاط تنظيم داعش، وإسقاط مشروع إيران الصفوي في المنطقة العربية، اليوم نشاهد روح الثورة السورية في كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام والتنظيم في رسالة مفادها أن الثورة مستمرة، وأن أهدافها ثابتة ولن تتغير مهما تكالب عليها العالم، فالحرية والعدالة والكرامة وإسقاط النظام وتنظيم داعش هدف كل سوري حر يؤمن ببلد تسوده العدالة، والحرية، والعيش الكريم".

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
أربع سنوات سورية: ألم يحن وقت المراجعة؟

لا تحتاج حال الثورة السورية، والحال السورية عموماً، إلى براهين تثبت تراجعهما. فهناك حال من الفشل لطرفي الصراع؛ المعارضة فشلت في استدراج أصدقائها المزعومين إلى التورط المباشر في إسقاط النظام، والأخير فشل أمام حلفائه في استغلال الدعم اللامحدود الذي قدموه له، ما اضطرهم إلى المجيء بميليشياتهم وعتادهم وقادة معاركهم. وأن يكون النظام قد سلّم البلاد إلى حلفائه، كخيار مقبول أكثر من تسليمه السلطة، فهذا شأن متوقع منه، مثلما ليس متوقعاً الآن أو في ما بعد أن يُقدم على مراجعة فات أوانها. من جهة المعارضة، يُفترض ألا نجزم بفوات أوان مراجعة ما حصل، لا لأنها تملك القدرة والإرادة الكافيتين وإنما لكونها الطرف المناط به نظرياً التأسيس لحراك سياسي يقوم النظام على نقيضه التام.

السوريون، بعد أربع سنوات من اندلاع الثورة، ليس لديهم وثيقة سياسية تتعلق بالمستقبل. يتفقون عليها أو يختلفون، لا بأس، الأهم هو الحوار المنبثق من وجودها، وإذا كان صحيحاً أن مسألة إسقاط النظام هي الطاغية على الاهتمام العام فذلك لا يعفي مؤسسات المعارضة من القيام بدورها المؤسسي والتأسيسي. المفارقة أن المبادرة الأوسع صدى في حينه أتت من جماعة الإخوان المسلمين في ما سُمي «وثيقة العهد والميثاق» الصادرة في 25/3/2012، ومن المعلوم أن تلك الوثيقة كانت أولاً بمثابة تطمينات ترسلها الجماعة نظراً للشكوك والمخاوف إزاء تصورها للحكم الإسلامي. التنظيمات المعارضة الأخرى ربما اعتبرت نفسها في حلّ من تقديم تصورات مماثلة، بسبب عدم استنادها أصلاً إلى فكر أيديولوجي مثير للجدل، وبعضها اعتبر وثيقة الإخوان إبراء لذمة الهيكل المعارض ككل بسبب هيمنة الإخوان عليه.

نعم، لقد صدرت أوراق عدة تتحدث عن مستقبل سورية، لكنها اتصفت بالعمومية، ونصت على مبادئ تعبّر عن نوايا «طيبة» لأصحابها. ما كان ينقص تلك الأوراق افتقارُها إلى آليات تنفيذ مقترحة، حتى بعضها الذي تطرق إلى شكل الحكم المقبل، النظام البرلماني على سبيل المثال، بقي في إطار العمومية وكأن الأنظمة البرلمانية متماثلة في العالم كله. ثمة ذريعة، تتسم بالعمومية أيضاً، تنص على ترك القضايا الأساسية ليبتّ الشعب فيها ضمن المرحلة الانتقالية المأمولة، غير أن هذه الذريعة تختبئ خلف مفهوم مطاط جداً للشعب، وهي لا تصمد أمام تجربة سقوط البعث العراقي وفرض دستور «مسلوق» على عجل، الدستور الذي عُرف وقتها باسم المفوّض الأميركي بريمر، والذي لا تزال مفاعيله السلبية ماثلة حتى اليوم.

في حالة مركّبة ومعقدة، كالواقع السوري، الحديث في العموميات سيبدو انفصالاً عن الحراك الفعلي على الأرض، وتشتد الحاجة إلى تصورات محددة تطمئن الأفراد والجماعات على حقوقهم، من خلال اقتراح آليات واضحة وصريحة، بعضها قد يأخذ شكل آليات دستورية، وقد يستلزم بعضها آليات فوق دستورية، بمعنى أن تكون مبادئ تأسيسية لا يجوز التراجع عنها لقيامها على قاعدة الحقوق الأساسية التي لا يُسمح لأي سلطة منتخبة قادمة تجريد السوريين منها. لهذا الغرض، لا تعاني المعارضة شحاً في الكفاءات القانونية السورية، هي فقط تعاني شحاً في الإرادة والعزيمة، وربما جبناً يمنعها من المخاطرة خارج العموميات «الحميدة».

يُستحسن أيضاً أن تكف المعارضة طوال الوقت عن الصراخ بحاجتها إلى السلاح، لا لأن استغاثاتها لا تصل إلى مبتغاها فحسب، لكن لأن عليها أن تتفكر جيداً في تجربة عسكرة الثورة، كما حدثت، لا كما كان مأمولاً منها. فتجربة العسكرة عيانياً لم تكن مشجعة في قسم معتبر منها، خاصة في السنتين الأخيرتين، وسمحت للعديد من أمراء الحرب بالظهور والتنمر على مبادئ الثورة نفسها، ولا يُتوقع من هؤلاء المتنمرين الانصياع لمتطلبات الديموقراطية في حال سقوط النظام. في كل الأحوال، القتال ضد النظام لا يمنح وحده صك انتماء إلى الثورة، ولا حاجة للإتيان بأدلة عديدة على جبهات فُتحت ضد النظام وعلى هدنات معه أتت على شاكلة إمارات الحرب، ولم تأبه إطلاقاً بمتطلبات الحرب المتكاملة ضده. لا هجاء العسكرة ولا مديحها على الإطلاق يعالجان واقعها غير المؤطَّر سياسياً، أو غير المنتظم ضمن مشروع وطني واضح المعالم. يساعد على ذلك الانفصال شبه التام بين المستوى السياسي للمعارضة والمستوى العسكري، حيث تميل الكفة لصالح الثاني منهما بحكم هيمنته على الميدان، وبحكم تجاوزه الأول في قضايا التمويل وما يلحقها من تعدد في الأجندات.

من جهتها، قضية التمويل برمتها تحتاج إلى مراجعة، إذ يتضاءل التمويل المحلي إلى حد كبير، ربما باستثناء المساهمة في قضايا المساعدات والإغاثة الإنسانية. تدني تمويل الأطر السياسية والعسكرية من قبل الرأسمال المحلي دلالة على طبيعته الانتهازية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى دلالة على العجز عن استمالة أصحاب رؤوس الأموال، حيث اختار أغلبهم النجاة بمشاريعه خارج البلاد والنأي عن الصراع الدائر فيها. أما التمويل الخارجي فيستند بلا شك إلى مصالح الداعمين، ولا يُعرف بدقة حجم تلاقي تلك المصالح مع المصالح المحلية ومدى تغليب الأولى على الثانية لدى بعض أطراف المعارضة أو أفرادها الفاعلين. ولا غرابة في أن يتذبذب الاستثمار الخارجي في الثورة مع التغير في سياسات الداعمين، وألا تستطيع المعارضة سوى الالتحاق بتلك السياسات أو التذمر والشكوى منها، من دون قدرة على التأثير فيها طالما ارتضت لنفسها موقع الضعيف ولم تستثمر من قبل الدعم الذي نالته على نحو يحظى بالاحترام.

بعد أربع سنوات من انطلاق الثورة، هناك من يبشّر السوريين بتواطؤ دولي على إبقاء الأسد، وهناك من ينذر بحرب تحرير طويلة ضد الهيمنة الإيرانية. المعارضة نفسها لا تملك معطيات ترجح أحد الاحتمالين، ومن المتوقع ألا ينجح مشروع إبقاء الأسد من دون مشاركة المعارضة نفسها؛ هذا الاحتمال في حد ذاته إدانة لها لكونها لم تنجح في اقتراح البديل الجيد. البديل الهجين، المتأتي من فشل المعارضة والنظام معاً، قد يكون أسوأ خاتمة لعذابات السوريين، وحينها تكون المعارضة قد قبضت ثمن فشلها على حسابهم. بالتأكيد، السير في اتجاه هذه الخاتمة أقل مشقة، ويعفي المعارضة من مراجعة تجربتها.

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
السوريون ما زالوا قادرين

على عتبة العام الخامس من الثورة، يبدو المشهد السوري للناظر الخارجي، وقد تحوّل إلى قطع متناثرة، أو ربما جزر مقطوعة الجسور ونقاط التواصل، الرابط الوحيد هو الحالة الكارثية التي يعيشها كل قطاع بصمت وعلى انفراد، فمن جزيرة المحاصرين إلى جزيرة النازحين فالمعتقلين والمغيبين، وحتى أولئك الذين يعيشون في جزيرة النظام، وينهكهم الجوع وعدم الأمان.

لا يختلف الواقع الميداني عن الحال المدني، فبينما تتقطّع جسور التواصل والتنسيق بين جبهات معارضي النظام، وتخوض كل جبهة معركتها الخاصة بها، وكأنّها المعركة الوحيدة في مسرح الصراع، يقابل النظام هذا الوضع بجبهات واستراتيجيات ومقاتلين مختلفين، فمن سياسات الهدن إلى سياسات التطويق والحصار، وصولاً إلى استراتيجيات الأرض المحروقة، أما أدواته فتتنوّع بين مقاتلين من بقايا جيش نظامي إلى مليشيات بأسماء متعدّدة، فضلاً عن جبهات يقودها الحرس الثوري الإيراني، وأخرى يتولى زمامها عناصر لحزب الله اللبناني، وثالثة مسؤول عنها مليشيات عراقية وأفغانية.

تبعاً لذلك، أيضاً، ذهب النظام، وفي محاولته الخلاص من كل أثر للثورة، إلى عمل تصنيف يتناسب وأهدافه في طمس الثورة، ففي الشرق يحارب تنظيم داعش الإرهابي، وفي الشمال تنظيم النصرة والعملاء المرتبطين بتركيا. وفي الجنوب، يخوض حرباً ضد عملاء إسرائيل الذين يخططون لإنشاء شريط عازل، فأين الثورة والثوار في هذه الخريطة؟

إزاء هذا المشهد المعقّد، هل يمكن رؤية بصيص أمل للثورة في عامها الخامس، بل كيف يمكن استشراف مآلاتها في المرحلة المقبلة مع كل التعقيدات التي ينطوي عليها هذا المشهد، والذي بات متشابكاً بطريقة تصعّب من القدرة على قراءة عناصره وتقييمها؟

من نافلة القول إن البعد الجيوسياسي تحوّل إلى عامل أساسي في الصراع بين الثورة والنظام، ما أدى إلى تشبيك مصالح عديدة في الإقليم وخارجه، وتحالف أطرافها ضد الثورة، ولعل ما رفع من سقف إغراء انخراط هذه الأطراف في الأزمة السورية تصوراتها بقدرتها على تحقيق مخارج لأزماتها الدولية التي تصادف ولادة الثورة مع وصول تلك الأزمات إلى ذروتها، فضلاً عن هوامش الحركة الواسعة أمامها التي أتاحها نظام الأسد، والتي وصلت إلى درجة إدارة تلك القوى مسارح المعارك، وإعطائها ساحات للمناورة والضغط على دول الإقليم، وقد ساهم ذلك بزيادة حدّة الخلل الحاصل، أصلاً، لصالح نظامٍ تبيّن أنّه رتّب كل جهوده، طوال سنوات عديدة لهذا النمط من المواجهات مع الشعب، وأسس لذلك البنية اللازمة. ولعل ما زاد من الإشكالية أن النظام لم يعمل أي حساب لمستقبل البيئة المؤيدة له، فلم تمثل بالنسبة له سوى موجات بشرية لكسر الثورة، وظهر أنها بيئة مأسورة، مثل كل المكونات التي تعيش تحت سيطرة الأسد، لا اشتراطات لها، ولا مطالب، أو ضغوط تجعل نظام الأسد يميل إلى المهادنة، أو الحوار.

من قلب هذا المشهد الحالك، تعبر الثورة السورية عامها الخامس، حواملها الأساسيون هم ما تبقى من شعبٍ، لا زال يعاند ويطمح بالخلاص، وثوار توزعوا على جبهات عديدة، وعلى الرغم من تعبهم، لا زالوا فاعلين، ونخبة مثقفة تحلم بسورية مختلفة، لا زالت على إيمانها بأن النصر قادم؟ لكن، هل هذه معطيات كافية لتستطيع الثّورة من خلالها الاستمرار، وخصوصاً أنها تواجه هجمة شرسة، تقودها إيران وأذرعها، بإمكانات ضخمة، تصلح لمواجهة دول إقليمية كبرى؟

شئنا أم أبينا، انتهت الثورة السورية، في عامها الخامس، إلى ماكينة تراكميّة من الأعطاب في قلب النظام الذي أصبحت مفاصل كثيرة منه تعاني من الموات، كما أن النظام بات يعيش حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية، وهذه خطوط انقسام يتوقع أن تتعمق في قلب النظام ومفاصله. بالإضافة إلى ذلك، الدعم العسكري من إيران وحزب الله لن يعيد الروح إلى النظام، ولن يعيد وصل شرايينه في المجتمع السوري، هذا الدعم سيكون هدفه عمليات تسكينية سطحية تجميليّة، في مواضع محددة، الهدف منها دائماً شراء عمر لشهور لمنظومة الأسد.

وبما أن الحرب ذات طابع جيوسياسي، فإن الرهان على المتغيرات الدولية والإقليمية يبدو مشروعاً مثلما يستفيد الطرف الآخر من هذه المسألة، ويحاول تمريرها تحت ذرائع الوقوف في وجه المؤامرة ودعم حلف المقاومة وسواها من الصيغ التي لا فائدة لها إلا في تبرير محاولات القضاء على حق السوريين بالعدالة والكرامة. والواضح، هنا، أنّ إيران التي بالغت في تحديها مصالح الأطراف الإقليمية، ومحاولتها التحكم بشروط اللعبة لصالحها، فرضت على العالم تغيير موقفه وسياساته تجاه الوضع السوري، وهو ما ينذر بإمكانية تدحرج النزاع إلى صدام حتمي مع المشروع الإيراني ومشاريع الدول الأخرى. وبهذا الصدد، تتبلور في المنطقة ملامح تكتل إقليمي مضاد لإيران، ومن المقدّر أن تكون له ترجمات حقيقية على الأرض السورية.

في العام الخامس للثورة السورية، لا يستطيع المرء استشراف مستقبل التطورات، إلا من نقطة صمود الثورة، طوال الأعوام الأربعة السابقة، أمام موجات هائلة من العنف غير المسبوق، إلا في الحروب العالمية الكبرى. وبالتالي، يبقى الرهان، كما كان في البداية، منعقداً على قدرة الشعب السوري، قد يكون ذلك مطلباً صعباً وقاسياً على السوريين، لكنهم فعلوها ولا يزالون

اقرأ المزيد
١٥ مارس ٢٠١٥
في عامها الخامس .. ثورة السوريين مستمرة وتتجدد

بعد أربع سنوات من الحرب الضارية التي فرضها نظام الأسد على الشعب السوري، لحرمانه من فرصة التحرر من قيود العبودية والاستعمار الداخلي، تبدو سورية، اليوم، جسداً ممزقاً ومثخناً بالجراح، ولا يكاد يظهر من الثورة إلا الكارثة الإنسانية المروعة التي خلفتها استراتيجية الأرض المحروقة التي اتبعها النظام. تغيرت شروط الصراع كلياً، وتبدلت الرهانات، وصارت الحرب الداخلية حروباً متعددة، طائفية وإقليمية ودولية، تشارك فيها قوى خفية وظاهرة، لم تكن منظورة أو متوقعة. وأمام غياب أي آفاق للحسم العسكري، أو للحل السياسي، وتفاقم الأزمة الإنسانية، يزداد الشعور لدى السوريين بأنهم على وشك خسارة رهانهم الأكبر الذي ضحوا لأجله بكل شيء، بأرواح أبنائهم وأملاكهم وأرزاقهم، وتحولوا إلى مشردين، يبحثون عن أرض تحويهم وملجأ يقيهم من برد الشتاء وعواصفه الثلجية التي لم تعرفها المنطقة في أي وقت، كما حصل في السنوات الثلاث الماضية.

ويفاقم من هذا الشعور بالخسارة والإحباط التراجع المضطرد للجيش الحر والمجموعات المقاتلة التي فقدت، في السنتين الماضيتين، أكثر من نصف الأرض التي كانت قد حررتها، وتراجع الدعم الدولي العسكري والسياسي الذي حظيت به الثورة في البداية، أو وعدت به، بالإضافة إلى الطفرة التي شهدها تطور المنظمات المتطرفة المرتبطة بالقاعدة أو المنشقة عنها. ويزداد الشعور عند أغلب السوريين الذين ضحوا بكل ما يملكونه من أجل الثورة بأنهم خدعوا، وأن الثورة التي راهنوا عليها للتحرر من العبودية والظلم كانت ضحية الكذب والغش والتواطؤ الدولي واللامبالاة العربية، كما كانت ثمرة فشل قياداتهم السياسية. وعلى هامش هذا الشعور بالخيبة وانسداد الآفاق، يزيد الضغط في اتجاه البحث عن أي حل، وتتقدم حكومات عديدة، كانت حتى البارحة من أقوى مؤيدي حرب الإبادة الجماعية، أو من التي صمتت عن المذابح اليومية، لتقطف ثمار ما تعتقد أنها هزيمة الثورة القريبة، وتتنافس على الجائزة التي تنتظرها من إعلان موتها ودفنها.

نصيب القياديين السوريين، العسكريين والمدنيين، من الأخطاء التي أدت بالبلاد إلى الطريق المسدود الذي تجد نفسها فيه اليوم كبير من دون شك. لكنه ليس السبب الأول، ولا الرئيس في الخراب الذي تتقاسم المسؤولية فيه مع النظام دول كبرى، وأقل كبراً، من تلك التي لم تخف عداءها للثورة وأهدافها، وتلك التي أعلنت صداقتها لها. لكن، ليس من أجل مساعدتها على التقدم، وإنما لاحتوائها وحماية مصالحها ورهاناتها، وأحياناً، لتحفظ لنفسها الفرصة، كي تطبع على شفاهها قبلة الموت في الوقت المناسب.

انسداد طريق المهادنة والاستسلام

من حق السوريين الملوعين بمأساتهم التاريخية غير المسبوقة، ومن واجبهم أن يطرحوا على أنفسهم، في هذه المناسبة، وعلى من تصدى لقيادتهم، ولا أعتقد أن مثل هذه القيادة قد وجدت، أو سمح بوجودها في أي وقت، كل ما يخطر لهم من أسئلةٍ تتعلق بمصير ثورتهم، أي بمصيرهم، شعباً وأفراداً معاً، وأن يطالبوا أنفسهم وقادتهم المفترضين وأصدقاءهم والمجتمع الدولي بكشف حساب عما أصبح جريمة من الجرائم التي تتحمل المسؤولية فيها الدول جميعاً، وسوف تدفع الثمن الباهظ، وقد بدأ بعضها في دفعه، منذ الآن، للغدر بها وخيانة القيم والمبادئ التي قامت عليها منظومة الحماية والتضامن الدولية.

لكن، لا ينبغي أن يكون هذا سبباً للانسحاب من المعركة التي فاقت فيها استثمارات الشعب السوري البشرية والمادية والمعنوية أي استثمارات لأي شعب في ثورات العصر الحديث. وليست الآن هي اللحظة المناسبة للدخول في الصراعات والنزاعات الداخلية وتصفية الحسابات، إنما العكس هو الصحيح، وهذا ما يظهره ثبات الشعب السوري، وتصميم أبنائه في خيم اللجوء ومواطن النزوح وفي الأحياء المحاصرة، منذ سنوات، لفرض التسليم بالأمر الواقع والاستسلام عليها. كما لا ينبغي لاختلاط الأوراق والأهداف والرهانات، وما تعرضت له الثورة من عمليات اختطاف من المنظمات والمليشيات والقوى الدولية لأهدافها الخاصة، أن يتحول إلى مصدر إضافي للخلافات، ومبرر للتفريط بالتضحيات الجسام التي قام بها السوريون، في السنوات الأربع الماضية. ولا ينبغي أن يكون التركيز المطلوب على الكارثة التي أصابت أغلب السوريين مدخلاً لتسويق القبول بأي حل باسم الحلول الـ"واقعية" وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فحتى لو تنازل الشعب للنظام، وقبل بالعودة الى بيت الطاعة، فلن يرضى الجلاد الذي سيتتبعه حتى يقضي عليه. وخططه، منذ الآن، واضحة في إلغاء الشعب واستبداله برعايا آخرين يستجلبهم من كل مكان. مشروع الإبقاء على نظام أسرة الأسد الذي أصبح بالمطلق مشروع احتلال إيراني، بمباركة وتحت مظلة سورية مزيفة، لا يقبل لا بعودة السوريين المهجرين والنازحين، ولا بالاعتراف بحقهم الأول في الحياة. ولن تكون نتيجة السير على هذا الطريق سوى تسهيل المهمة على نظام الاحتلال الأسدي ـ الإيراني، أي تحقيق ظروف أفضل وأقل فضائحية لحرب الإبادة الجماعية السياسية والديمغرافية للشعب السوري.

التخاذل والتسليم بالأمر الواقع يعني أننا نتخلى عن شعبنا ونقتله مرتين، الأولى عندما تركناه يقاتل وحده ولوحده، والثانية عندما سنتركه يموت من الجوع والبرد والذل في أماكن اللجوء والتشرد من أجل حصول بعضهم على مقاعد لا قيمة لها في حكومات يسمونها كذباً حكومات وحدة وطنية، وهي حكومات دمار وطني.

ما من شك في أن المرحلة البطولية من الثورة التي جمعت السوريين على قلب واحد، وجعلت كل فرد منهم يتماهى مع المبادئ الكبرى التي حركت الجميع، مبادئ الكرامة والعدل والحرية، قد انتهت منذ فترة طويلة. لكن الثورة بما تعنيه من الاستمرار في الكفاح من أجل القضية العادلة التي اندلعت من أجلها، أي ثورة الكرامة والحرية، لا تزال حية، وستظل طالما لم تتحقق المبادئ التي خرج السوريون من أجلها. ولن تتوقف قبل أن يصار إلى إخراج سورية من فم وحش الاحتلال الذي حل محل النظام، والخروج من الكارثة الإنسانية التي تمس حياة الملايين من السوريين، وتشكل، اليوم، الحقيقة الأولى في سورية وللسوريين، والتي تشرط أي تفكير أو يجب أن تشرط أي تفكير في الحاضر والمستقبل.

في الحاجة إلى المراجعة وتصويب المسار

لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن الاستمرار على النهج القديم الذي أدى بالثورة إلى إضاعة البوصلة والطريق. فإذا كان خط المهادنة يعني التهاون بتضحيات السوريين الهائلة، وتبديدها من دون ثمن، فإن التصلب والمزاودة في التمسك بالشعارات والألفاظ الفارغة يشير إلى الاستهانة بالمعاناة الهائلة التي يعيشها السوريون، نتيجة الكارثة المروعة التي حلت بهم. وهو لا يفيد إلا في عزل الثورة وتضييق الحصار عليها وضربها. الاستمرار في تجاهل الواقع، ونكران التحولات العميقة التي شهدتها مسيرة الصراع من أجل الحرية والكرامة على عموم الأرض السورية، لا يساعد على التقدم ولا يفتح أي طريق سالك من أجل إنقاذ رهانات الشعب السوري الأساسية، وإيجاد شروط خروج الملايين من أبنائه من حياة التشرد اللاإنسانية. وكما أن خط التنازل المجاني يشجع المحتلين على الإسراع في تحقيق مشروعهم، مستغلين ظروف الاستسلام والضعف التي يظهرها السوريون المندلقون على النظام، فإن إنكار الحقائق الجديدة والمثابرة على المزاودة في الثورية، كما لو أن شيئا لم يتغير منذ أربع سنوات، لن يفيد إلا في إطالة عمر المأساة، وقطع الطريق على المراجعة النظرية والسياسية الحتمية التي يخشاها كل من تنطع للقيادة السياسية والعسكرية، خلال السنوات الأربع الماضية.

كلاهما يقودان إلى الفشل، ولا يقدمان أي مخرج أو حل: التهاون مع تضحيات السوريين والاستهانة بمعاناتهم. المطلوب رؤية جديدة مختلفة عن تلك التي رافقت الثورة في لحظتها البطولية والملحمية، والتي راهنت على العمل الشعبي العفوي المتفجر في كل مكان، واقتصرت على الدعوة لدعمه، والدفاع عنه في الدبلوماسية والإعلام. فلم تعد الحاجة تقتصر على إيجاد "وزارة شؤون خارجية" للثورة، تنسق علاقاتها الدولية، وإنما أصبحت الحاجة ماسة لبناء منظمة وطنية مركزية، تقود العمل التحرري، وتنسق شؤون المقاومات المسلحة والمدنية والثقافية ضد نظام الاحتلال والطغيان الذي يزيد ترسخاً يوماً بعد يوم. ويحتاج بناء مقاومة طويلة المدى لاستنزاف الاحتلال وأعوانه إلى سياسات جديدة، تقوم على توحيد الصف، والعمل على تجميع السوريين من جديد، كل السوريين إذا أمكن، وتوسيع دائرة مشاركتهم وانخراطهم في نشاطات السياسة الهادفة إلى تقريب ساعة الخلاص، ووضع حد لحرب الإبادة والاحتلال الذي يتغذى أكثر فأكثر من نزعة عنصرية استيطانية خطيرة مع احتدام الصراع. كما يحتاج إلى تنظيم أفضل للطاقات والجهود، وتفعيل للجاليات السورية في كل مكان، وتجديد للخطاب السياسي والإعلامي، بحيث تكون الثورة بالفعل لكل السوريين، ولحماية أرواحهم ومصالحهم، والخروج بخطة عمل واضحة، تهدف إلى استعادة جزء من المبادرة المفقودة، وإعادة تعريف الأهداف المرحلية والبعيدة، وحل المشكلات الثلاث الكبرى العالقة، مشكلة القيادة، واستقلال الموارد التي لا قرار مستقلاً من دونها، وتعزيز وطنية القرار، حتى لا يكون مشروع الاحتلال المستفيد الأول من استمرار الصراع.

مهما حصل، لن يتخلى السوريون عن حقوقهم، وهم لا يزالون، على الرغم من أربع سنوات من القتال والمواجهة المريرين، والتقويض الممنهج لاجتماعهم المدني والسياسي، والتدمير المنظم لمدنهم وأحيائهم ورميهم على طرقات النزوح وبحار الموت، واقفين يتحدون الموت، ويتصدون للجريمة وهم يلمسون بأجسادهم المدماة الحدود القصوى للهمجية.

بعد أربع سنوات من الخذلان والمعاناة، فقد السوريون ثقتهم بدول صديقة وشقيقة كثيرة أظهرت عجزاً لا يوصف عن المبادرة، أو كانت مثالاً للامبالاة بحياة السوريين وأرواحهم. لكن، ما لم يفقدوه، على الرغم من تجربة البؤس والتشرد والضياع، هو ثقتهم بأنفسهم. وهي التي تدفع بهم إلى الاستمرار والمثابرة والإصرار على اقتلاع إرادة الشر من جذورها. وهذا الإصرار وتلك المقاومة المستمران، والصبر والأمل الذي لا يفارقهما، هما مصدر الفخر لدى كل سوري، ومصدر الاعتزاز لدى كل عربي، يعرف أن السوريين، في نضالهم وشهادتهم وتضحياتهم، قد تجاوزوا حدود الاحتمال، وأصبحوا رمزاً للكفاح من أجل الحرية والكرامة، في العالم العربي والعالم، ضد العنصرية الفاشية ومشاريع الهيمنة الإقليمية الدموية

اقرأ المزيد
١٤ مارس ٢٠١٥
أي مستقبل لأطفال سوريا؟

يدخل الصراع السوري هذا العام عامه الخامس من التمزّق، وهذه الخطوة الرهيبة تشير إلى 4 سنوات من تصاعد أعمال العنف والمعاناة بلا أفق واضح. وقد خسر عشرات الآلاف من المدنيين حياتهم، وفرّ الملايين منهم؛ فالمساكن والمستشفيات والمدارس جميعها مستهدفة من الهجمات المباشرة، ووجدت مجتمعات بأسرها نفسها محرومة من الحصول على المساعدة الإنسانية ومن الماء والمواد الغذائية، وانتشر انعدام الإنسانية خارج الحدود كما لو كان مرضًا معديًا.

تخيّلوا هذا الرعب في عيون الأطفال الّذين يعيشون هذه المأساة؛ فمساكنهم قد قصفت أو أخليت، واختفى أقاربهم وأصدقاؤهم، وقطع مسارهم المدرسي أو لم يبدأ أبدًا، وطفولتهم قد سرقت.

وحسب تقديرات اليونيسيف، أصبح هذا الصراع أكبر أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، ويضرب نحو 14 طفلًا في سوريا والدول المجاورة، ولم يعرف الأصغر سنًّا من بين الفتيات والصبيان الحياة بشكل آخر؛ فنظرتهم للعالم تسودها الاشتباكات والحرمان. أمّا لدى المراهقين الّذين دخلوا سنّ التأكيد على شخصيتهم، فالعنف والمعاناة حدّدوا ماضيهم إلى الأبد وشكّلوا مستقبلهم أيضًا.

وفي حين أنّ الشباب من العمر نفسه بدأوا القيام بخياراتهم عن حياتهم المستقبلية، يعاني أطفال سوريا من أجل البقاء على قيد الحياة، وقد واجهت الأغلبية منهم الوحشية المتطرفة واضطروا إلى العمل لتلبية حاجيات أسرهم، ويتمّ إجبارهم أحيانًا على الزواج، أو يتمّ تجنيدهم من قبل الجماعات المسلّحة.

فأي خيارات سيقوم بها هؤلاء الأطفال؟ وأي خيارات تتوفّر أمامهم؟ هل يؤمنون بمستقبل أفضل؟ وهل سيتخلون عن فقدان الأمل؟ وهل سيتركون الأفق المحدود لمستقبلهم غير المستقرّ؟ والأسوأ من ذلك كله، هل سيتحوّلون إلى العنف الّذي أصبح أمرًا اعتياديًا بالنسبة إليهم؟

قبل عام، حذّر المسؤولون الإنسانيون من خطر خسارة جيل بأكمله من الشباب؛ بسبب الفظائع واليأس ورؤية فرص مستقبل أفضل لسوريا والمنطقة تتضاءل. ولا يزال الخطر قائمًا إلى اليوم. فبينما يدخل الصراع عامه الخامس، لا يزال هؤلاء الصغار معرضين لخطر البقاء في دائرة مفرغة من العنف، وإعادة ما عانوا منه من وحشية على الجيل القادم.

وأمام هذا الأفق المظلم، ردّ المجتمع الدولي من خلال السعي إلى مساعدة هؤلاء الأطفال عبر المساعدات الإنسانية وأجهزة الحماية والتربية والدعم، ولكن هذا ليس كافيًا.

لا يمكننا التخلّي عن هؤلاء الشباب؛ بل على العكس علينا أن نوفّر النجاة للعدد الأكبر من بينهم قبل أن يبقوا مكتوفي الأيدي ويتخلّون عن مستقبلهم. لا يزال الوقت ممكنًا للتحرّك فالأمل لا يزال موجودًا، وعلى رغم الجروح والظلم وعلى الرغم من العجز الواضح للكبار في وضع حدّ للصراع الوحشي؛ لا يزال لدى الفتيات والصبيان الشجاعة والإرادة الضروريتان لمتابعة حياة أفضل.

هناك صبيان مثل علاء البالغ من العمر 16 عامًا فرّ من مدينة حمص قبل سنتين وانقطع عن الدراسة، ولكنّه حظي بفرصة الالتحاق ببرنامج تكوين مهني، واليوم ينظّم دروسًا موجّهة لأطفال آخرين. وهناك فتيات مثل كريستينا البالغة من العمر 10 سنوات والّتي لجأت إلى الجانب الآخر من الحدود في شمال العراق، وتعيش في مسكن للعائلات النازحة وتساعد الأصغر منها على القيام بواجباتهم مجاهدة بذلك على متابعة تعليمها.

كيف لنا عند رؤية إرادتهم أن نرفض الذهاب لمساعدتهم؟ وعندما نعلم أنهم فقدوا الأمل كيف نستطيع تثبيطهم؟

إذا ما بقينا مكتوفي الأيدي؛ ستؤثّر النتائج على الأجيال القادمة وعلينا جميعًا.

وهذه الأزمة الرهيبة تمسّ ملايين الأطفال ولكنها لا تتوقّف عند هذا الحدّ، وعندما يصبحون كبارًا سيقوم هؤلاء الأطفال باختيارات ستؤثر على مستقبل ملايين آخرين في بلادهم وفي المنطقة بأسرها. فهل سيكون مستقبل أمل ومصالحة أو عنفًا ويأسًا؟

الخيار الثاني لا يستحقونه، وهو بلا شكّ ما لا نريده.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان