مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٢ مارس ٢٠١٥
القضية والائتلاف في الهامش!

يبدو الائتلاف الوطني السوري في أسوأ أوضاعه اليوم، والأمر في هذا لا يتعلق بالبيئة العامة التي تحيط بالقضية السورية فقط، وإنما بسبب الأوضاع الخاصة المحيطة بالائتلاف، وبداخل الائتلاف أيضا، وجميعها أوضاع تتصف بالسلبية الشديدة.
القضية السورية عموما في أدنى درجات الاهتمام الإقليمي والدولي، وكأن الجميع من حول سوريا، اعتادوا على ما يحدث من أعمال قتل وتدمير وتهجير يرتكبها نظام الأسد وحلفاؤه ضد السوريين، ولم تعد تلك الأعمال تثير عندهم أي ردود فعل، حتى الهجمة الكيماوية الأخيرة التي قام بها النظام في سرمين القريبة من إدلب، مرت دون أي انعكاسات وردات فعل من جانب الدول أو المنظمات على إجرام نظام الأسد المتكرر.
وإن كان ثمة اهتمام بالقضية السورية، فإن هذا الاهتمام لا يتجاوز إلا في النادر جانبا من أحد جوانبها مثل موضوع جماعات التطرف والإرهاب الحاضرة في سوريا مع تركيز شديد على «داعش»، وفي هذا الجانب، يتم توزيع الاهتمام بين سوريا والعراق، لأن التنظيم حاضر في العراق، كما هو حاضر في سوريا، وأهميته في الأول أكثر، إذا نظرنا إليه من العين الأميركية.
وإذا كانت القضية السورية بعيدة في سلم الاهتمام الدولي، فإن المعارضة والائتلاف الوطني الموصوف في المستوى الدولي بأنه «ممثل الشعب السوري»، هما تقريبا خارج الاهتمام الدولي، وأغلب الدول التي ساهمت في تأسيس الائتلاف أواخر عام 2012، تكاد لا تتواصل مع الائتلاف إلا في أضيق المستويات ومن باب معرفة ماذا يجري على الأغلب، وهذا يعني أنها غير مهتمة بوضع الائتلاف ولا بوضع المؤسسات التابعة له سواء الحكومة السورية المؤقتة التي سجلت انهيارا مدويا في الأيام القليلة الماضية، وكذلك وحدة تنسيق الدعم التي تنتظر إطلاق رصاصة الرحمة، أو المجلس العسكري الأعلى وهيئة الأركان، حيث لا يتجاوز وجودهما الحاصل الصفري.
كل الائتلاف ومؤسساته كانت خارج الاهتمام الدولي والإقليمي سواء من جانب الدول أو المنظمات في الأشهر الثمانية الماضية. لا دعما سياسيا ولا عسكريا، ولا دعما إغاثيا ولا ماليا. ما جاء من مساعدات محدودة للحكومة ووحدة تنسيق الدعم، يبدو أرقاما مخجلة إذا ذكرنا من أين جاءت وحجمها، وليس في الأفق أية أرقام، يمكن أن تقدم للائتلاف أو للحكومة ولا لغيرهما.
وسط ذلك السوء من تردي البيئة المحيطة بالقضية السورية وبالائتلاف، لا يبدو الوضع الداخلي للأخير أحسن حالا. ففي الداخل ثمة انقسام عمودي بين تجاذبين؛ أولهما تجاذب هو الأصلب حول نواته الإخوانية، والثاني قوى متنوعة، فشلت في أن تشكل تجاذبا متجانسا، رغم أنها ربحت معركة الانتخابات الأخيرة في قيادة الائتلاف، وهذا يدفع نحو إعادة خلط الأوراق، وهو في إحدى النتائج سيجدد الصراعات داخل الائتلاف، وهذا ما يحصل بالفعل، بحيث لم يعد من الواضح من هي القوة المؤثرة في قرارات وفي إدارة الائتلاف الوطني من الناحيتين السياسية والتنظيمية، إنها مرحلة ضياع بكل معنى الكلمة.
الأسوأ من الضياع السياسي والتنظيمي القائم في الائتلاف، هو ابتعاد الائتلاف عن الموضوعات الأساسية التي ينبغي أن يتابعها ويعالجها وعلى رأسها الصراع مع نظام الأسد وموضوعاته وعلاقاته وأوضاع السوريين اليوم وكيف يمكن أن تصير في المستقبل. وبخلاف ذلك يغرق الائتلاف في موضوعات تفصيلية وهامشية، وما أكثر التفاصيل السورية اليوم، هذا إذا لم نتوقف عند تفاصيل الائتلاف، وعلى سبيل المثال، فإن جدول أعمال الهيئة العامة للائتلاف التي تعقد هذا الأسبوع، يتضمن بندا لتعديل رؤية الحل السياسي التي أقرها الائتلاف في اجتماع الهيئة العامة الأخير، وبعد نقاشات موسعة، استمرت نحو شهر في الهيئة السياسية «الموسعة»، كما ستكون الهيئة العامة مشغولة في اجتماعها المقبل بتشكيل لجان الائتلاف التي كانت على جدول أعمال الائتلاف منذ عدة أشهر.
الائتلاف اليوم سواء من حيث بيئته العامة أو أوضاعه الخاصة، خارج الحياة. لكن ليس من أحد يمكن أن يعلن وفاته. السبب في ذلك بسيط جدًا وفيه نقطتان؛ النقطة الأولى، أن المجتمع الدولي لا يريد الإعلان أن لا أحد يمثل الشعب السوري، وأن على أحد ما أن يقوم بهذه المهمة، إذا أعلن موت الائتلاف. والنقطة الثانية، أن بعض الائتلافيين من جماعات وأشخاص بمواقفهم وبنظراتهم التفصيلية، يراهنون على كسب الائتلاف حتى لو كان جثة هامدة، طالما كان معترفا به «ممثلا للشعب السوري» ولو شكليًّا.
الوضع في الائتلاف، كما هو الوضع السوري بمجمله في أسوأ أوضاعه من حيث التعامل معه. لم يعد أحد ينظر إلى سوريا باعتبارها قضية ثورة شعب من أجل الحرية والمستقبل، بل يتم النظر إلى بعض التفاصيل هنا وهناك: كسبنا حاجزا هنا، وقتلنا جنديا هناك، وقدمنا سلالا غذائية، إلى آخر القائمة من تفاصيل لا معنى لها في إطار قضية كبرى، تتعلق بمصير شعب وبلد ما زالا يعانيان الأمرين منذ أربع سنوات مضت.

اقرأ المزيد
٢٢ مارس ٢٠١٥
النظام السوري والإرهاب

بترتيب ناجح نسبياً لأولوياته، أقنع النظام السوري العالم بأن الإرهاب ينتمي، تكوينياً، إلى المعارضة، وأنه جزء رئيس منها، بل هو طليعتها وقوة الصدام الرئيسة فيها، وأنه يحاربها كي يقضي على تنظيماته التي تضم معظم مقاتليها، وترتكب الجرائم التي تنسب خطأ إليه، كما قال بشار الأسد، أخيراً في لقاء صحافي، زعم فيه أن من كانوا يطلقون النار على المواطنين العزّل من ضباط وجنود جيشه انشقوا عنه، وشكلوا الجيش الحر والتنظيمات الأصولية والجهادية: أي الإرهابية.

هل صدّق العالم أكذوبة الأسد المضحكة؟ أعتقد أن قسماً كبيراً منه صدقها من دون أن يحفل كثيراً بجديتها وقابليتها للتصديق، لأسباب تتصل بأوهامه التاريخية عن الشرق والشرقيين عامة، والإسلام والمسلمين بصورة خاصة، من جهة، وبما حفلت به ذاكرته من أحكام مسبقة ووساوس وهلوسات، تجعل أعداداً كبيرة من مواطني البلدان الغربية يصدقون ما ينسب إلى المسلمين من ميل إلى العنف والتعصب. وبالتالي، إلى ما يسميه قادتهم بلغة مرعبة "الإرهاب"، الذي يعينهم التلويح بمحاربته على التحكم برأيهم العام، ويتيح لهم التعامل من موقع تدخلي في شؤون بلدان كثيرة خارج عالمهم المتقدم، من جهة أخرى.

واليوم، تقف المعارضة السورية أمام معضلة حقيقية، تتصل بعلاقتها مع رأي عام مؤثر، تريد كسبه، يدير ظهره للحقيقة، ويصدق ما لا يمكن تصديقه، وهو أن شعب سورية المسالم، والمطالب بالحرية، إرهابي، ونظامه الذي لطالما أكد قادة البلدان الغربية أنفسهم أنه لم يقلع يوماً عن إنتاج الإرهاب وتصديره إلى مختلف مناطق العالم يحارب الإرهابيين، ويحمي الأمن والنظام الدوليين منهم! وللأسف، ما أن تقول عن أحد ما إنه إسلامي، حتى يرتبط، في مخيلة أغلبية مواطني بلدان متقدمة عديدة، بالعنف والنزعات العدوانية، وبالاستعداد لفعل أي شيء يمكن أن يرغم غيره على قبول ما يؤمن به أو يريده.

إلى هذا، يعتقد عديد من قادة الرأي في هذه البلدان أن مجتمعنا ليس غير طوائف وأقليات متناحرة، تنعدم بينها المشتركات وأسس التعايش السلمي، تبقيها تناقضاتها في حال حرب كامنة قابلة للانفجار في أي وقت، فلا مجال لإبقائها "مسالمة"، وللحؤول دون ما تحمله علاقاتها من تهديد دائم لأمن العالم وسلامه، بغير يد سلطة حديدية، قد تكون مفرطة في عنفها داخل بلدانها، لكنها تحمي العالم خارجها، فمن الضروري تفهّم دورها، وتجاوز طابعها الاستبدادي والقمعي، ما دام إمساكها بخناق مجتمعها ضروري، لمنع مكوناته من الاقتتال، ولحماية الآخرين من شرورها وإرهابها.

بأحكام أغلبية الرأي العام، ومواقف معظم الساسة وصنّاع القرار ووسائل الإعلام، تنقلب الوقائع رأساً على عقب، وتضيع الحقائق، ويصير الشعب المظلوم قاتلاً، والقاتل الذي يدمر مجتمعه، ويمزّق شعبه، عدواً للحرب، ومحافظاً على أمن مواطنيه وسلامهم، بمن في ذلك الذين اقتلعهم من جذورهم وشتتهم في أربع أقطار الأرض، وقوّض وجودهم التاريخي، وطردهم من وطنهم، وقضى على لحمتهم كشعب واحد.

ويبقى السؤال: كيف سمحنا بوصول قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي إلى الاقتناع بأن شعبنا إرهابي، وأن نظامنا المجرم معاد للإرهاب، مع أنه هو الذي فبرك تنظيماته، لكي يضعف معارضيه والجيش الحر، ويفجر المعارك بين مواطنيه، ويشوه واحدة من أعظم ثورات الحرية في التاريخ، ويحرمها من ما تستحقه من دعم دولي وإنساني؟

يتكوّن نظام الأسد من طرفين: جيش السلطة وأمنها وتنظيمات الإرهاب التي تكمل عملهما. هل تقوم، مَن تعي هذه الحقيقة من قوى المعارضة، بما هو ضروري إعلامياً ضدهما، أم تكتفي بتجاهلهما، بينما يحرضان العالم ضد الشعب ويشوهان ثورته؟

اقرأ المزيد
٢٢ مارس ٢٠١٥
سرمين وأخواتها

يمر الخبر عابراً على وكالات الأنباء وشاشات التلفزة: النظام السوري يقصف المنطقة الفلانية بغاز الكلور، وسقوط عشرات الضحايا. المنطقة، هذه المرة، سرمين، لكنها لم تكن الأولى. هي محطة من محطات الإجرام التي لا يتوقف عندها نظام بشار الأسد، بل يمضي إلى المزيد. كيف لا؟ وهو يرى الأضواء الخضراء تلمع في وجهه من كل جانب. أضواء لمحها منذ الجريمة الكبرى في الغوطة في 2013، يوم أطلق غازاته السامة على الأطفال والناس والشيوخ، ولم يحرك أحد ساكناً. كانت مجرد بعض عبارات التهديد والوعيد، وقرع قليل لطبول الحرب، كان يدرك الجميع أنها لم تقع، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويواصل النظام السوري مجازره.

سرمين ليست الأخيرة، ولا الغوطة هي الأولى، ما بينهما وقبلهما عشرات المجازر التي ارتكبت بحق المواطنين السوريين، بغاز الكلور وغيره. مع بداية الثورة التي بدأت، قبل أيام، عامها الخامس، كان الجميع يترقب رد الفعل الدولي على قتل عشرات السوريين، وكان الأمل يحدو كثيرين بأن ضغطاً دولياً وإقليمياً، سياسياً أو عسكرياً، سيكون كفيلاً بإزاحة نظام الأسد، أسوة بأنظمة سقطت في المنطقة. مرت الأيام وغرق السوريون في دمائهم، وبقي الموقف الدولي على حاله، بل تطور إلى الأسوأ.

مع بداية سقوط القتلى السوريين، كانت الإدانات الدولية عموماً، والأميركية خصوصاً، تتوالى، حتى تم الاعتياد على أخبار الموت اليومية. تقدمت الإدانة خطوة بعد ذلك، لتصبح التحذير من لجوء النظام إلى الأسلحة غير التقليدية، على اعتبار أن قتل السوريين بأسلحة تقليدية أمر حميد، ولا يستدعي أي رد فعل. ومع ذلك، كانت المجازر بالأسلحة الكيماوية، الأكبر كانت في الغوطة، لكن غاز الكلور لم يوفر قبلها، ولا بعدها، وصولاً إلى سرمين. لم تستدع هذه المجازر أي تحرك دولي، ما عدا الاستنكار والأسف والتهديد الفارغ، والذي ما إن سقط حتى فتح للنظام السوري الباب لمزيد من الإجرام، وصولاً إلى الحال الذي هو عليه.

اليوم، لم تعد الدماء السورية تثير أي امتعاض دولي. لم يعد الضحية السورية يثير الأسف والأسى. لم يعد الوجع السوري يؤلم أحداً غير أصحابه الذين ما عادوا ينتظرون غوثاً، ولا عوناً من أحد، خصوصاً وهم يسمعون وصلات الغزل ورغبات الوصل التي يتلوها المسؤولون الأميركيون، وفي مقدمتهم وزير الخارجية، جون كيري.

وللمفارقة، جاءت مذبحة سرمين مباشرة غداة إعلان كيري نية واشنطن مفاوضة النظام السوري، الذي خرج رئيسه، بشار الأسد، ليطالب واشنطن بأفعال وليس بالأقوال. في المقابل، كانت أفعاله تدور على الأرض السورية من شمالها إلى جنوبها، بلا حسيب ولا رقيب. أفعال ليست سرمين وأطفالها القتلى إلا جزءاً منها، في ظل حال التخلي التي يتعاطى فيها العالم مع المأساة السورية. تخلٍ يذكّر بالشعارات التي كانت ترفع في التظاهرات، حين التقط الناشطون السوريون سوء الموقف الدولي وحال الخذلان الذي يتعامل به مع الأزمة. كان الشعار "يا الله ما إلنا غيرك يا الله" يعبّر عن اليأس من الآخر، من دون أن يعني الاستسلام للواقع.

لم يعد قتل السوريين فعلاً للنظام وحده. بات الجميع مشاركاً في إهدار الدم السوري، سواء بالصمت أو الدعم أم التعتيم. النظام يقتل بترسانته الآتية من روسيا والصين وإيران، والغرب يتفرج، ويتسابق للحديث عن حوارات خرافية لنقل السلطة. وأصبح الإعلام العربي والغربي معتاداً على نزيف الدم السوري، سواء بالأسلحة التقليدية أو الكيماوية. لذا، كانت سرمين مجرد سطر انتهى مع موعد النشر.

"كم كنت وحدك"، عبارة قالها محمود درويش في قصيدته "مديح الظل العالي"، ليصف حال الفلسطينيين بعد اجتياح بيروت. عبارة يمكن إسقاطها على الوضع السوري الذي ما عاد حتى يثير الحسرة في الرأي العام العربي والدولي، الشعبي والرسمي، فالموت السوري بات عادة، والجرح النازف لا يوجع إلا أصحابه، بينما نحن نكتفي بالفرجة.

اقرأ المزيد
٢١ مارس ٢٠١٥
إنه الداخل، أيها الناس

لم نجد بعد معادلة عملية تنظم علاقات داخلنا السوري مع الخارج، الدولي والإقليمي والعربي، مع أننا صرنا أداة بيد لعبة أمم مختلفة الأحجام والأدوار والمستويات، جعلت من الدم السوري وسيلتها لتصفية حساباتها، وتسوية خلافاتها وتناقضاتها.

في العلاقة بين الداخل والخارج، لا مفر من منح الأولوية للداخل ورؤية الخارج، والعلاقات معه بدلالته، وفي ضوء أحواله ورهاناته، فإن كانت أوضاعه جيدة، وخططه السياسية ضاربة ومتماسكة، وممارساته صحيحة، وترتكز على حقوق البشر، واحترام كرامتهم وتضحياتهم، وكان قادته يضعون أنفسهم في خدمة شعبهم، واستقلاله عن الخارج جدياً، وحريته في التعاطي معه واسعة نسبياً، صار محط اهتمام عالمه الخارجي، وحظي بما يريده من دعمه، وتمكّن من تسويق خياراته لديه، وتفادى بدرجة مقبولة ما قد تتصف به روابطه معه من شد وجذب مدمرين. أما إذا كانت أحواله سيئة ومتردية، وكان الخارج قادراً على التعامل معه بما تمليه عليه خياراته ومصالحه من اهتمام أو تجاهل، فإنه يحوله إلى مجرد أداة في يده، تخدم خططاً وسياسات تجافي مصالح الشعب وتطلعاته، وتضر بفرصه وخياراته، فما بالك إن وضعنا مصيرنا في يده وعولنا عليه من موقع الضعيف والمستضعف، وربطنا أعمالنا بإرادته، وأتبعنا أنفسنا له بمحض إرادتنا في كل كبيرة وصغيرة، ورأينا فيه جهة مقررة، لا مفر من التكيف معها، ترغمنا ظروفنا وأحوالنا على الرضوخ "بوطنية" لمطالبها.

منذ تشكل "تمثيل" سياسي للمعارضة السورية، ساد تنافس حقيقي بين النظام وبينها في كل ما يتصل بأولوية دور الخارج في إيجاد حل داخلي لصراعهما. وتسابق الطرفان على الاستقواء بالخارج، عله يجعلهما جزءاً من أدواته. لذلك، رفض النظام فكرة ومبدأ الحل الداخلي، لاعتقاده أنه سيسقطه، وآثر إضفاء طابع خارجي على صراعه ضد شعبه، بتحويله إلى حرب ضد أصولية مزعومة، لم يكن لها أي دور أو تمثيل في الثورة، ولم تحرك أحداثها وتوجه احتجاجاتها. بدورها، سارعت المعارضة إلى ربط نتائج الصراع الداخلي بأدوار القوى الخارجية، الدولية والإقليمية والعربية، لاعتقادها أن ما حدث في ليبيا سيتكرر في سورية، وإن تدخل الخارج سيغير موازين القوى لصالحها، على غرار ما وقع هناك، فلا حاجة لإضاعة الوقت في التركيز على تعبئة الداخل وتنظيمه، فهو ليس الساحة التي ستتعين نتائج الصراع بأوضاعها، ولا بد من وضع المسألة الداخلية تحت رعاية "أصدقاء الشعب السوري"، وترتيب أمورها بطريقةٍ، تشجع هؤلاء عامة، وأميركا منهم خاصة، على التدخل المفتوح فيها، ما دام انتصار الشعب المطالب بحريته مرتبطاً بتدخله. لا عجب أن وقع يوم تأسيس "المجلس الوطني" حديث صريح عن دبابات وطائرات التدخل التي ستدمر جيش الأسد، وتسقط نظامه، مثلما حدث في ليبيا.

لا بد، هنا، من لفت الأنظار إلى فارق مهم بين رهاني النظام والمعارضة على الخارج، ففي حين سعى النظام إلى حل خارجي، يتعين بقواه الخاصة وقدراته الذاتية والمستعارة، وصرف جل اهتمامه لتنظيم أتباعه حتى آخر فرد، وأقام تنظيمات جديدة مقاتلة وقمعية، واستمات لكسب كتل الشعب المحايدة، الكبيرة العدد، وأقام "حلف مذعورين"، ضم كل من استطاع إيهامه بأن خطر القتل والتصفية يحيق به، وإن نجاته مستحيلة من دون حماية الأجهزة الأمنية والجيش الفئوي، ومشاركته الفردية في مقاتلة بقية شعبه التي تستحق الموت، لأنها" طائفية" ومتخلفة، وتخوض معركة مذهبية، لا علاقة لها بما تدعيه من رغبة في الحرية والعدالة والمساواة والكرامة. باختصار، وحد النظام داخله السلطوي وحقله السياسي، ومنع أي خروج، مهما كان بسيطاً على الحل الأمني/ العسكري الذي تبنته قيادته، وقتل بلا رحمة كل من حاد عنه، بمن في ذلك بعض كبار قادته.

في مقابل هذا النهج السلطوي، أبقت المعارضة على خلافاتها وتناقضاتها وانقساماتها وأنزلتها إلى الشارع، قبل أن تنقسم إلى فصيلين: واحد يريد الحرية وآخر معاد لها. وأهملت الداخل السوري وحراكه المجتمعي ووحدته، وأحجمت عن تعبئة قواه، على نحو يتمسك معه بمطلبه الرئيس "الحرية لشعب سورية الواحد". وبدل أن تطور خطاً سياسيّاً يقود الشعب الثائر، ويوحده وراء سياسات وبرامج تقدم أجوبة واضحة على أسئلته، سارت وراء عوام المناطق السورية الأكثر جهلاً وتأخراً، وتبنت انفعالاتهم الدينية والمذهبية، وميلهم إلى العنف، ولم تفكر في اتخاذ موقف نقدي، أو تصحيحي، من وعيهم الشقي الذي ما لبث أن ترجم، خلال وقت قصير نسبياً، إلى مواقف متضاربة، سقطت في جميع أنواع الفخاخ التي نصبها النظام لها. لم يغيّر شيئاً من هذه السياسة سقوط وهم التدخل الخارجي، ووقوف الخارج في واد والمعارضة في آخر، وما بيّنته الوقائع من تناقض بين حساباته التي تخلو أولوياتها من مصالح شعب سورية وثورته في سبيل الحرية، وتلاحق مصالح تتعارض معها، تركّز على حسم صراعات دولية وإقليمية، طمست الثورة وحجبتها، ولعبت دوراً لا يستهان به في إطالة عمر النظام، بعد أن حولت سورية إلى ساحة استقدم إليها جميع أنواع المجرمين السياسيين والأصوليين الذين أكد سلوكهم أنهم ليسوا غير أدوات تستخدم في تصفية حسابات دولية وإقليمية وعربية، بدماء ثائرين سوريين، لم يكونوا يوماً طرفاً فيها، لكنهم شرعوا يدفعون ثمنها الباهظ بعد أشهر قليلة من نشوب ثورتهم، من دون أن تقوم الجهات التي تدعي تمثيلهم بأي رد فعل على ما يجري، أو تعيد النظر بالتعويل على خياراتها الخارجية الوهمية التي ربطتها بقوى تقف وراء الموت اليومي لمن يفترض أنها تمثلهم، بدل أن تنفك عنها، وتؤسس أوضاعها الذاتية بطرق ترغمهم على أخذها بالحسبان في سياساتهم.
"لو أخذنا الجيش الحر مثالاً لأفزعنا ما يعيشه من تدهور في مكانته ودوره، وتحوله المضطرد إلى جهة هامشية"

لم تراجع المعارضة حساباتها، بل فعلت العكس: كثفت سيرها في اتجاه رجح، بصور متنوعة ومتعاظمة، وزن الخارج ودوره على وزن ودور الداخل الذي تراجع، حتى غدا أي إجراء يتم فيه مرتبطاً بإرادة خارجية ما، وبلغ الكذب على الذات حداً جعل أتباع هذا النهج المدمر يزعمون أن أي نجاح تحرزه الثورة يعكس فاعلية علاقاتهم الخارجية وقوتها. لم ينتبه هؤلاء إلى الواقع، وهو أن الثورة كانت تتراجع أمام النظام، ومن استقدمهم من غزاة اجتاحوا وطننا، وقضوا على استقلاله، حتى ليمكن القول: إن الجهات التي تمثل الثورة، وتحمل قيمها، وتعبر عن طموحاتها، كانت تتلاشى بسرعة. ولو أخذنا الجيش الحر مثالاً لأفزعنا ما يعيشه من تدهور في مكانته ودوره، وتحوله المضطرد إلى جهة هامشية، تغرق في بحار أصولية تستنزفه بالقتل والمال، بينما يعاني "الائتلاف" من هشاشة علاقاته مع الداخل، ويفقد دوره فيه، ويجد نفسه أمام مآزق يعالجها بالمبالغة في توجهه الخارجي، كأنه يرفض رؤية حقيقته الذاتية، وهي أنه صار مجرد ورقة بين أوراق الخارج، لن تستطيع الابتعاد عنه، من دون الاستناد إلى أرضية داخلية صلبة، مستقلة ومنظمة.

سيكون من المستحيل حسم الصراع السوري بالاعتماد على الخارج. فهل تغيّر المعارضة، أخيراً، أولوياتها، وترى الخارج بدلالة الداخل السوري الذي يتوقف انتصار الثورة على إعطائه أولوية مطلقة في عملها، باعتباره المكان الذي يفضي تنظيمه وسد ثغراته إلى تحقيق هدفيها، إسقاط النظام وإجبار قوى الخارج، المتصارعة بدماء السوريين، على احترام إرادتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

بعد أعوام ثلاثة مفعمة بالخيبة، وبعد ما بلغه الداخل من ضعف، تكثف المعارضة أخطاءها بتكثيف علاقاتها مع الخارج، والابتعاد عن موضوع يجب أن يحظى باهتمامنا هو: جعل الداخل أولويتنا المطلقة ساحة للصراع ومكاناً للحسم. هل تأخرنا؟ نعم، تأخرنا كثيراً. ولكن، يبقى السؤال مطروحاً، أليس من الأفضل لنا أن نصل متأخرين، وننقذ ما يمكن إنقاذه، من أن لا نصل أبداً، ونخسر كل شيء، اليوم قبل الغد.

اقرأ المزيد
٢١ مارس ٢٠١٥
من الذي حمى النظام السوري: روسيا أم أمريكا؟

يقول الزعيم البريطاني الشهير وينستون تشيرتشل: «الحقيقة ثمينة جداً، لهذا لا بد أن نحميها بسياج من الأكاذيب». ومن الواضح أن النظام السوري وأبواق ما يسمى بـ«الممانعة والمقاومة» نجحت على مدى عقود في إخفاء الحقيقة بطوفان من الأكاذيب.

ففي الوقت الذي كان يملأ فيه الدنيا ضجيجاً بمعاداة الصهيونية والامبريالية، كان النظام السوري يرتهن ارتهاناً كاملاً للإرادة الأمريكية والصهيونية. وقد سُئل مسؤول أمريكي كبير ذات يوم: «ألستم منزعجين من الدعاية المعادية جداً لأمريكا في الإعلام السوري؟»، فأجاب: «نحن لا يهمنا ما يقوله الإعلام السوري، بل ما يفعله النظام لأجلنا، فعندما نطلب منه أن ينفذ لنا أمراً ما بنسبة أربعين بالمائة، يفاجئنا في اليوم التالي وقد نفذ الأمر مائة بالمائة. أي إنه دائماً يعطينا أكثر بكثير مما نطلب».

وذات يوم كان الرئيس السوري يركب سيارته، فسأله سائقه: «هل أذهب إلى اليمن أو إلى اليسار يا سيادة الرئيس؟»، فرد الرئيس: «اذهب إلى اليمين، لكن أعط إشارة بأنك ستذهب إلى اليسار».

لقد صدّع النظام السوري رؤوسنا على مدى أربع سنوات من عمر الثورة السورية وهو يشتكي من «المؤامرة الكونية» التي تقودها الصهيونية وأمريكا ضد نظامه. وقد فعل الأفاعيل بسوريا والسوريين بحجة مواجهة «المؤامرة»، مع العلم أنه لو كانت هناك فعلاً مؤامرة على نظامه لما صمد بضعة أشهر. واليوم سقط سياج الأكاذيب الذي أقامه نظام الأسد حول الحقيقة ليصبح عارياً أمام السوريين والعرب.

فبينما سقط الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان البعض يعتبره «ذخراً استراتيجياً» لأمريكا وإسرائيل خلال ثمانية عشر يوماً، ها هو الرئيس السوري «الممانع والمقاوم» بين قوسين يصمد لمدة أربعة أعوام في وجه الشعب السوري والمؤامرة الكونية المزعومة. من هو الذخر الاستراتيجي للصهيونية والامبريالية إذاً: مبارك أم الأسد؟ لا عجب إذاً أن الصحافة الإسرائيلية وصفته قبل فترة بـ«ملك ملوك إسرائيل».

وكي لا يكون الكلام جزافاً، فلننظر إلى الوقائع على الأرض، فلولا اللاءات الأمريكية، لسقط النظام السوري منذ الأشهر الأولى. وقد سمعت من مسؤول روسي كبير كلاماً قوياً يقول: «لا تلوموا روسيا، فليست هي التي تحمي الأسد بالفيتو، فلو أرادت أمريكا إسقاطه لما أعارت روسيا أي انتباه».

ويقول الكاتب السوري أحمد خطاب في هذا الصدد «إن الذي حمى الأسد فعلياً اللاءات الأمريكية الثلاث، وليس الفيتوات الروسية الأربعة. «اللا» الأولى تمثلت في حرمان المعارضة من الصواريخ المضادة للطائرات التي دمرت معظم المدن، وقتلت مئات الآلاف بالبراميل المتفجرة، وشردت الملايين.

لكن اللا الأمريكية كانت بالمرصاد تحت ذرائع واهية. رفضت أمريكا أن تزود السوريين بأي سلاح من هذا النوع. والأخطر وكدت أقول الأحقر أنها منعت كل الدول المتعاطفة مع الشعب السوري من أن تقوم بهذا الأمر».

أما «اللا» الثانية والأخطر كانت رفض الإدارة الأمريكية القاطع السماح بإقامة منطقة آمنة على الحدود أو في الداخل، منطقة تسمح للقوى الوطنية والديمقراطية السورية أن تجتمع في جو آمن، وتتداول في الشؤون والشجون السورية، كما تسمح للقوى العسكرية الوطنية أن تؤطر نفسها وتتوحد، وتسمح أيضاً لملايين المدنيين الفارين من الحرب أن يعيشوا حياة طبيعية بالحد الأدنى، بعيداً عن الموت والدمار.

وهكذا ورغم النداءات الملحة من أطراف كثيرة سورية ودولية، بقيت «اللا» الأمريكية على حالها، وكانت النتيجة تزايد عدد النازحين واللاجئين ليصل إلى نحو ثلاثة عشر مليوناً. وهكذا اضطر نصف الشعب السوري تقريباً أن يهيم على وجهه داخل بلده أو في دول الجوار، ويموت الآلاف منه غرقاً في مراكب الموت، أو حرقاً تحت البراميل المتفجرة، أو قتلاً بآلات التعذيب الوحشية في المعتقلات والمراكز الأمنية.

كل ذلك مع أن أوباما هذا «الصديق الصدوق» للشعب السوري كان بإمكانه ببساطه تفعيل القوانين الدولية الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحرب، لخلق مناطق آمنه تحت رعاية الأمم المتحدة. كلنا يذكر المناطقِ الآمنة التي أقيمت في التسعينيات في شمال العراق وجنوبه، وتللك التي أقيمت في أكثر من منطقة في البلقان.

أما «اللا» الثالثة والأخطر بكثير، هي غير معلنة، باطنية، مضمرة، وتتمثل برفض أوباما الاعتراف بثورة الشعب في سوريا والحديث بدل ذلك عن عنف أو تطرف أو حرب أهلية، وكل ذلك من باب المراوغة والهروب من مواجهة الحقيقة والاستحقاقات السياسية والأخلاقية المترتبة عليها.

والمثال الفاقع على ذلك كان مسارعته لوضع أي فصيل معارض للنظام الأسدي على قوائم الإرهاب، في حين أنه يتغاضى تماماً عن فصائل أخرى كثيرة تمارس نفس العنف ونفس التطرف في موالاة ذلك النظام، الجناح العسكري لحزب الله اللبناني، أبو الفضل العباس، عصائب الحق، وكذلك التدخل الإيراني الفاضح عسكرياً وسياسياً ومادياً وتسليحياً، مع تلك المليشيات المتعددة الجنسيات التي ارتكبت الفظائع بحق الشعب السوري المغدور.

عندما تسمح أمريكا وإسرائيل للميليشيات الشيعية بقيادة إيران أن تدخل إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام بعشرات الألوف وعلى حدود إسرائيل، ماذا يمكن أن نفهم من ذلك إلا أن أمريكا وإسرائيل تريدان ترجيح كفة النظام في القتال ضد معارضيه؟ ألم تستنفر أمريكا نووياً عام 1970 عندما دخل الجيش السوري إلى الأردن؟ وقد ذكر الرئيس الأمريكي الراحل نيكسون في مذكراته أنه: «طوال أسبوع بعد دخول القوات السورية إلى الأردن، لم أستطع النوم كما يجب، إلى أن هاتفني ذات مساء الملك حسين ليخبرني أن القوات السورية بدأت فعلاً بالانسحاب من الأراضي الأردنية، ليلتها فقط عزفت على البيانو، ونمت بعمق لأول مرة».

فلماذا إذاً غضت أمريكا الطرف عن دخول الحرس الثوري وميليشياته الباكستانية والأفغانية واللبنانية والعراقية واليمنية إلى سوريا؟ أليس لأن هناك مباركة أمريكية لدعم قائد الممانعة والمقاومة المزعومة؟

لو كانت إسرائيل فعلاً تريد إسقاط نظام الأسد لما وجدت أفضل من وقت الثورة بعد أن أصبح في أسوأ وأضعف حالاته، هذا لو كان يشكل فعلاً خطراً عليها. لكنها تركته، وحمته في دوائر القرار الأمريكية.

وأيضاً أمريكا لو أنها تريد إسقاط النظام فعلاً، لصنعت له معارضة قوية بسرعة البرق كما فعلت مع صدام حسين عام 2003، حيث جمعت كل المعارضين العراقيين المتسكعين في شوارع لندن ودمشق وطهران في مؤتمر عاجل في لندن، على الرغم من خلافاتهم الأيديولوجية الهائلة، فتوافق العلماني مع الملحد مع السلفي مع ولي الفقيه خلال أيام ليستلموا السلطة في العراق.

وبقدرة قادر أصبح نوري المالكي بائع الملابس الداخلية في دمشق رئيساً للوزراء في العراق، بينما تذرع أوباما بأن المعارضة السورية التي تقاتل الأسد هي ثلة من المزارعين وأطباء الأسنان، «وكأن ثورة الزاباتيين في المكسيك لم ينجزها المزارعون والفلاحون الفقراء! وكأن الثورة الكوبية ضد الدكتاتور باتيستا لم يكن على رأسها أطباء»!

لم يعد خافياً على أحد أنه لولا الدعم الأمريكي لما بقي نظام الأسد حتى الآن. كيف لا وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت أول مسؤول دولي يجتمع بالرئيس السوري قبل الإعلان رسمياً عن تنصيبه خليفة لوالده حافظ الأسد عام 2000. ولو لم يكن بشار مدعوماً دولياً إذاً، لما فعل ما فعل من فظائع بحق السوريين دون أن يحاسبه أحد. وسيذكر التاريخ أن كل ما اقترفه النظام من جرائم فاشية نيرونية لم يسبق لها مثيل، كانت بضوء أخضر امريكي، فلا يمكن لنظام في العالم أن يفعل ما فعله الأسد لو عارضته أمريكا فعلاً.

لقد كان النظام السوري وأبواقه أكثر من هاجم مشروع «الفوضى الأمريكية الخلاقة» في العلن، لكنه، حسبما نرى من فظائعه وضربه لاستقرار المنطقة بأكملها، أنه القائد الفعلي لمشروع الفوضى.

بوجود هكذا مقاومين، فهل تحتاج أمريكا إلى مقاولين؟

اقرأ المزيد
٢٠ مارس ٢٠١٥
أميركا وسورية .. إطالة النزاع

للتصريحات الأميركية التي تخص سورية وضع خاص وغريب، لا يمكن أن يجاريه في خصوصيته وغرابته سوى لعبة التواريخ التي لعبها الساسة الأميركيون، منذ بدء الحراك الشعبي في سورية، سنة 2011، مروراً بالحرب والمجازر والانتهاكات التي جرت وتجري خلالها، وصولاً إلى الأحاديث والتصريحات التي تتناول آماد هذه الحرب والتوقعات باستمرارها طويلاً. ولم يأتِ تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قبل أيام، والقائل بحتمية التفاوض مع الأسد في النهاية، ليفعل شيئاً، سوى أن يضاف إلى التصريحات التي مضى وقتها، ولم تقدم شيئاً من تخليص الشعب السوري من مأساته.
عاش سوريون كثيرون وهْمَ التدخل الأميركي، إلى جانب طرف من أطراف الصراع ضد الطرف الآخر بطريقة ما. فقد عولت أطراف في المعارضة السورية طويلاً على التدخل العسكري الأميركي المباشر ضد النظام. وبقي هذا في طور المطالب والتمني وتهديد الطرف الآخر به، ليصل إلى ذروته، بعد اقتناع واشنطن بأن الجيش السوري هو من استخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية في 21 أغسطس/آب 2013، السلاح الذي حذر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قبل عام من وقوع تلك المجزرة التي راح ضحيتها مئات الأبرياء، ويعد استخدامه خطاً أحمر، وقال إنه قد يقود إلى استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد. وهو ما أعلن أوباما في 1 سبتمبر/أيلول من العام نفسه أنه سينفذه بتوجيه ضربة
"تخبرنا كتب التاريخ، وما سجلته ذاكرتنا من أحداث شهدناها أن الولايات المتحدة كانت، طوال الوقت، تقف حجر عثرة في طريق طموحات الشعوب وثوراتها لتحقيق تلك الطموحات. وكانت محرك الثورات المضادة، ومشعلة الحروب الظالمة للشعوب وداعمتها"
 عسكرية إلى النظام، إلا أن تلك الضربة لم توجه، و(افتُدِيَت) بتضحية النظام بسلاحه الكيماوي من خلال تسليمه، وفق اتفاق أميركي روسي، جرى في اللحظات الأخيرة في التاسع من الشهر ذاته. كما أن الولايات المتحدة التي فرضت حظراً على تزويد المعارضة بالسلاح، لم تستجب لمطالبها برفع ذلك الحظر سوى أخيراً، ولم تستجب لمطالبها بفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين، ولتمكين المعارضة من الوجود فيها لتنسيق عملياتها في باقي مناطق البلاد، انطلاقاً منها.
كما أن النظام قد مَنَّى نفسه بقبوله طرفاً في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، الأمر الذي يمكن أن يعطيه شرعية من دول التحالف، وهي ما يحتاج إليه في ظل الحظر والمقاطعة الدولية المفروضتين عليه. وقد خرجت صحيفة الوطن السورية، شبه الرسمية، يوم 23 سبتمبر/أيلول 2014 بعنوانها العريض: "واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب"، في تدليل على تنسيق بين التحالف والجيش السوري، في ما يخص ضربات الأول في سورية. نفى الأميركيون وجود ذلك التنسيق، وبقي كل في خندقه الخاص.
وبالعودة إلى الموقف، أو بالأحرى المواقف الأميركية، وتعاطي واشنطن مع تطورات الأوضاع في سورية، نرى أنها كانت تتعاطى بخجل مع هذه الأوضاع، واقتصرت تصريحات المسؤولين الأميركيين على تكرار التحذيرات من استخدام السلاح الكيماوي، وعلى مطالبة الرئيس السوري بالتنحي في 18 أغسطس/آب 2011 بعدما أقر أوباما بـ "عجز الأسد عن إنجاز التحول الديمقراطي". وذلك بعد خطوة مبكرة في 18 مايو/أيار من العام نفسه، حين فرضت واشنطن عقوبات مالية واقتصادية، وهي عقوبات، عادة، ما تضر الشعوب أكثر مما تضر الأنظمة. وكانت الولايات المتحدة تقذف كل نشاط أو مسعى يخص الوضع في سورية، على الرغم من خطورة الموقف وموت عشرات الآلاف، شهوراً إلى الأمام. إلى أن جاء اجتماع مجموعة العمل الدولي حول سورية في 30 يونيو/حزيران 2012، وكان وجود الولايات المتحدة في هذه المجموعة بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن فحسب. الاجتماع الذي درس النقاط الست المتفق عليها لإنهاء الصراع، والتي لم تضغط الولايات المتحدة لتنفيذ أي منها، وهي لو فعلت لكانت قد نُفِّذَت بمجملها، ورأينا الصراع وقد سُوِّي منذ ذلك الحين.
لا شك أن الحرب في سورية في مصلحة أميركا وإسرائيل. والحرب المعلنة من التحالف الدولي ضد داعش ستحرك سوق السلاح في الشرق الأوسط، ليزيد الطلب على السلاح الأميركي خصوصاً. وهي سوق وصلت إلى حد التخمة بالسلاح سنة 2010، تبعاً لتقرير لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمي، أفاد بأن هذه المنطقة ينظر إليها على أنها منطقة صراع وعدم استقرار دائمين، تتطلب تجديداً لسباق التسلح فيها. كما أن استمرار الحرب في سورية يقود البلاد إلى حافة الانهيار، وهو ما تريده إسرائيل التي تريد أن تصبح سورية دولة فاشلة، أو في أحسن الأحوال ضعيفة، وهو ما توفره لها هذه الحرب.
لا أدري إن كان أحد من المعارضة ممن عولوا على التدخل الأميركي لصالحه، أو لصالح الشعب السوري، قد قرأ أو اطلع على حادثة في التاريخ، وقفت فيها الولايات المتحدة إلى جانب شعب مقهور. على العكس، تخبرنا كتب التاريخ، وما سجلته ذاكرتنا من أحداث شهدناها أن الولايات المتحدة كانت، طوال الوقت، تقف حجر عثرة في طريق طموحات الشعوب وثوراتها لتحقيق تلك الطموحات. وكانت محرك الثورات المضادة، ومشعلة الحروب الظالمة للشعوب وداعمتها. علاوة على وقوفها وراء، أو سكوتها عن، حروب إبادة جماعية كانت تشن ضد شعب من الشعوب، فتحصد ملايين من أرواح أبنائه، كما حصل في إفريقيا وجنوب شرق آسيا. ومؤكد أنه ليس لدى واشنطن مصلحة بإنهاء النزاع في سورية، كما أنها فاقدة أي رغبة أخلاقية بوقف الحرب وسفك الدماء فيها. وهي إذ تنتفي مصلحتها بالسلام، فإن مصلحتها بالحرب تبقى الأساس. وهنا، تأتي تصريحات كيري، أخيراً، لتزيد البلبلة لدى كل من طرفي الصراع، وفي وقت تُدَرِّب فيه واشنطن عناصر من المعارضة المعتدلة، حسب قولها، وتمدها بالسلاح، ليتعزز الاعتقاد بأنها لا تفعل ذلك سوى لإطالة زمن الصراع، واستمرار حرب الإبادة على الشعب السوري.

اقرأ المزيد
٢٠ مارس ٢٠١٥
سوريا: من حراك ضد نظام مستبد إلى ثورة ضد العالم!

لعلَّ السمة المميّزة للثورة السورية هذا العام هي انتقالها من ثورة شعب مظلوم ضد نظام مجرم وطاغية مستبد إلى ثورة شعب ضد العالم.
لم أكن أؤمن كثيرا بنظرية المؤامرة بل وأكرهها وأتعجب من أولئك الذين يرمون بأخطائهم وكل ما يحصل معهم على المؤامرة لكن ما حدث مع الشعب السوري طيلة أربع سنوات شداد مليئة بالموت والقهر والظلم جعلني أغيّر نظرتي.
ثار الشعب السوري قبل نحو أربعة أعوام ليطالب بحقه الطبيعي بالحرية والكرامة فواجهه نظام الأسد بالقتل والإجرام وأوغل بارتكاب المجازر بحق مدنيين عزّل وثقتها عدسات الناشطين السوريين.
خلال الشهور الستة الأولى من عمر الثورة لم تكن بأيدي الثوار السوريين قطعة سلاح واحدة باعتراف الأسد نفسه حين قال «بدأوا (يقصد الثوار) في حالة الثورة الشعبية حتى رمضان (آب/أغسطس 2011) ثم بدأوا بالعمل المسلح» !
بعد عشرات المجازر بحق المتظاهرين والمدنيين وإطلاق الرصاص المباشر والقنابل المسمارية على المتظاهرين السلميين واختطاف المئات من السوريين والسوريات تسلح الثوار السوريون كردة فعل طبيعية ليدافعوا عن أنفسهم وأهلهم وخاضوا معارك الدفاع عن النفس واستطاعوا رغم عدم توازي القوى تحرير أجزاء واسعة من أراضيهم من احتلال قوات الأسد لها، ترافق ذلك مع موجات انشقاق واسعة فرادى وجماعات في صفوف جيش الأسد من قبل أحرار رفضوا أن يطلقوا النار على أهلهم.
تطورت المعارك واشتدت ورجحت كفة أصحاب الحق والأرض فأصبح نظام الأسد في مأزق كبير وأدرك أن نهايته بدأت بل واقتربت فبدأ يستعين بقوات وميليشيات عابرة للدول والقارات!
استعان بداية بميليشيا «حزب الله « اللبناني فخاضت المعارك نيابة عنه في مدن قصير حمص وقلمون دمشق وبشكل علني لتنتشر بعدها في كافة أرجاء سوريا!
ثم تدخلت بعد ذلك الميليشيات العراقية على اختلاف أسمائها وتنظيماتها في الحرب السورية وشاركت بقتل السوريين بإشراف وأوامر نظام الأسد!
صمد السوريون بوجه الأسد ومجازره وأعوانه وانتصروا عليهم جميعا بصمودهم فهم أصحاب الحق والأرض.
استمرت الثورة ومعاركها رغم صمت العالم وتخاذله ليجد نظام الأسد نفسه في موقف محرج مجدداً فجيشه بدأ بالانهيار وحلفاؤه استنزفوا ولم يكن هناك سبيل لإنقاذه وبقائه الا بتدخل داعمه الأكبر (إيران) عسكريا وبشكل مفضوح في الحرب السورية.
أضحى الإيرانيون هم أصحاب القرار على الأرض وبات ضباطهم هم المتحكمون بالقرار فلك أن تتخيل مثلا أن السفير الإيراني في دمشق هو من يقود المفاوضات العسكرية على الأرض، وجنرالات الحرس الثوري الإيراني هم من يقود المعارك في معظم أنحاء سوريا.
انظر إذا شئت الآن إلى جبهات حلب ودرعا ثم نقل ناظريك على أطراف القلمون والغوطة ستجد أن أغلب من يقاتلون ويقتلون السوريين هم أجانب (إيرانيون وأفغان… لبنانيون وعراقيون).
كل ذلك والعالم صامت أخرس يتفرج وكلما قام بمحاولة خجولة لإيقاف شلالات الدماء السورية وجد (الفيتو الروسي) بوجهه يحمي المجرم من الوقوف أمام محكمة الجنايات الدولية التي طالبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بإقامتها أكثر من مرة! بل وتبرر موسكو ومن خلفها صمت العالم للأسد قتل من يشاء من السوريين وكيفما يشاء حتى تجاوز عدد شهداء ثورتنا اليتيمة ربع المليون شهيد. لم يقتلهم نظام الأسد وحلفاؤه الطائفيون فقط بل شارك في قتلهم كل العالم عندما صمت عن تدخل حلفاء الاسد في المجزرة السورية.
نجد مما سبق كله أن ثورة سوريا انتقلت من ثورة شعب ضد طاغية مستبد إلى ثورة تواجه العالم كله.
تواجه عسكريا حلفا كاملا يمتد من ميليشيا حزب الله اللبناني في لبنان إلى نظام الأسد في سوريا إلى الميليشيات الطائفية في العراق إلى إيران وتواجه أيضا تخاذلاً (يصل إلى درجة التآمر) من قبل كل دول العالم.
وهي رغم كل ذلك صامدة صابرة مستمرة نذرت على نفسها أن تستمر حتى تحقق كل أهدافها وأن تدافع عن بلدان العرب ضد محتل أضحى قريبا من رقابهم جميعا لاسيما وقد سيطر على اليمن بعد لبنان والعراق.
فهل سيستفيق العرب لهذا الخطب المحيط بهم؟! أتمنى ذلك من كل قلبي وإن كنت أعوّل أكثر على صمود الشعب السوري العظيم وعلى ثورته المحقة فثقتي مطلقة أن هذه الثورة العظيمة التي صمدت طيلة أربعة أعوام ستكمل مشوارها حتى تحقق كل أهدافها.

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٥
سؤال غدا مطروحًا: هل سنرى قريبًا دولة علوية؟!

من يدقق في ما يفعله الإيرانيون ويتابع خطوط تمددهم العسكري، إنْ في سوريا وإنْ في العراق وإنْ في اليمن ولبنان، يجد أنه مجبرٌ على العودة إلى الملفات القديمة وتذكير كل من يعنيه الأمر بأنَّ كبار القادة الإسرائيليين، وعلى رأسهم ديفيد بن غوريون، كانوا قد اتفقوا مبكرا، حتى قبل قيام دولتهم، على أن ضمان أمن هذه الدولة واستمرار بقائها يقتضي تقسيم المنطقة العربية المحيطة بها والمتاخمة إليها على أساس مذهبي وإقامة «كومنولث» ديني - طائفي، على غرار «الكومنولث» البريطاني تكون لإسرائيل فيه مكانة بريطانيا العظمى في هذا «الكومنولث» الأخير.

كان ديفيد بن غوريون يرى أن أمن إسرائيل «الاستراتيجي»، على المدى البعيد، يقتضي تحالفا متينا مع الغرب، وبخاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، ويتطلب تسليحا متفوقا على كل دول هذه المنطقة مجتمعة، كما يتطلب امتلاك القنبلة النووية وإقامة «أشرطة» أرضية عازلة على الحدود مع مصر ومع الأردن ومع سوريا ومع لبنان ثم وفوق هذا كله ضرورة تأمين مصادر المياه، مياه بحيرة طبرية تحديدا، والاقتراب من قناة السويس إنْ ليس بالإمكان الوصول إليها.

لكن موشيه شاريت، الذي كان بعض العرب يسمونه موس شرتوك تحببا والذي أصبح وزير خارجية إسرائيل ثم رئيس وزراء لها، خالف ديفيد بن غوريون الرأي وأكد أن أهم ضمان «استراتيجي» لأمن الدولة الإسرائيلية (الوليدة) هو ألا تكون هناك وحدة عربية بأي شكل من الأشكال وهو أن تبقى الدول المحيطة والمتاخمة متصارعة ومختلفة وأن يتم تقسيمها على أسس مذهبية وقومية - عرقية وبحيث تلتقي في إطار «كومنولث» ديني - طائفي - إثْني تكون للدولة «العبرية» فيه مكانة بريطانيا العظمى في «الكومنولث» البريطاني المعروف.

ولهذا ورغم مرور كل هذه الفترة الطويلة، منذ إنشاء الدولة الإسرائيلية في عام 1948 وتوسعها باحتلال الضفة الغربية كلها ومعها قطاع غزة في عام 1967، فإن ما نراه الآن من تمدد إيراني في المنطقة وبخاصة في العراق وسوريا وإعطاء هذا التمدد طابع التوسع المذهبي الشيعي يجعلنا نتذكر نصيحة موشيه شاريت آنفة الذكر تلك ويجعلنا نضع في اعتبارنا أن الإيرانيين ينفذون الآن الخطة الاستراتيجية التي فشلت إسرائيل، حتى الآن، في تنفيذها مع أنها احتلت لبنان في عام 1982 وسعت لتقسيمه وإقامة «كانتونات» طائفية فيه.. «كانتون» مسيحي - ماروني و«كانتون» شيعي في الجنوب ومنطقة البقاع و«كانتون» سني في غربي بيروت وصيدا وطرابلس وعكار على الحدود اللبنانية - السورية.

لقد بدأ الإيرانيون بتنفيذ هذا المخطط، الذي شهد تطورا هائلا بدءا بالغزو الأميركي للعراق في عام 2003 والذي يبدو أنه الآن في مراحله الأخيرة، في بدايات ثمانينات القرن الماضي حيث تم إنشاء حزب الله اللبناني وجرى تحويله، برعاية الإمام الخميني سابقا وعلي خامنئي لاحقا، إلى دولة داخل الدولة اللبنانية وإلى قوة ضاربة تشارك الآن قوات الحرس الثوري الإيراني ونحو أكثر من أربعين تشكيلا طائفيا القتال في العراق وفي سوريا وربما في اليمن الذي بات في حكم المؤكد أنه عاد إلى التشطير الطائفي بين الزيديين والشوافع وكما كان عليه الوضع قبل وحدة عام 1990 التي ثبت أنها كانت «زواج متعة» سياسيا وأنها كانت بالنسبة للمسؤولين الجنوبيين بمثابة هروب من المرِّ إلى الأمَر منه

إن تتبع محاور القتال الآن في سوريا، على وجه التحديد، يثبت بما لا يدع مجالا للشك بأن هدف إيران النهائي وبالطبع هدف نظام بشار الأسد وبعض المرجعيات الشيعية وإلى جانب هؤلاء جميعا حزب الله اللبناني وحزب الله السوري والعراقي هو إقامة دولة مذهبية تربط الجنوب العراقي بالمناطق العلوية في سوريا وبالمناطق الشيعية في لبنان وهذا هو ما يفسر خطوة إلحاق تشكيلات «العائلة الشيعية»: أي الطائفة النصيرية والزيديين والإسماعيليين بالمذهب الجعفري الإثني عشري وبالولي الفقيه وبالمرجعية العليا في طهران و«قُم»

لقد كان هناك إصرار، ولا يزال، على ربط المناطق الشيعية اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله قتاليا بدمشق امتدادا حتى حلب: «نبل والزهراء» تحديدا وحتى اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس.. والقرداحة بالطبع مرورا بحمص ووصولا إلى بعض مناطق إدلب ومنطقة «كسب» المتاخمة لمدينة إنطاكيا التاريخية، حيث بعد ذلك لواء الإسكندرون الذي انتزعه الأتراك من سوريا، وفقا لمؤامرة دولية اشترك فيها البريطانيون والفرنسيون في عام 1939 والذي يشكل هو والمناطق المحيطة به امتدادا مذهبيا للمناطق العلوية السورية.

والمشكلة ورغم أنه لا شك في أن هذه المسألة مؤلمة ومرعبة أننا نتحدث عن قضية ليست جديدة ولا مستجدة هي قضية الطائفية، لكن ما العمل يا ترى ونحن نرى أن إيران تقوم بكل هذا الفرز الطائفي البغيض في العراق وفي سوريا وفي لبنان وعندما نعرف أن السيطرة الجغرافية التي تقوم بها الميليشيات المذهبية المستوردة حتى من الصين وباكستان والهند وأفغانستان والتي يقوم بها حراس الثورة وباقي ما تبقى من الجيش النظامي السوري هي سيطرة طائفية واضحة وهي ترسم، لدى إمعان النظر والعقل فيها، حدودا لا يمكن إلا اعتبار أنها حدود دولة مذهبية

فهل أن هذا يا ترى سيحصل فعلا وهل أن ما بقى مرفوضا منذ استقلال سوريا من قبل القامات الوطنية العلوية المرتفعة وفي مقدمتها المجاهد العروبي الكبير صالح العلي أصبح مطلوبا ومقبولا في هذا الزمن الرديء..؟!

حسب «العربية - نت» كان عدد من وجهاء الطائفة العلوية السورية قد رفعوا مذكرة عشية استقلال سوريا إلى رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم جاء فيها: «إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني.. وإن الشعب العلوي يرفض أن يُلحق بسوريا المسلمة.. إن روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدور المسلمين العرب نحو كل ما هو غير مسلم هي روح يغذيها الدين الإسلامي على الدوام!! لذلك فإن الأقليات في سوريا تصبح في حال إلغاء الانتداب معرضة لخطر الموت والفناء» وهكذا فإن هذه المذكرة تنتهي إلى القول: «ولا نظن أن الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي يقبلان بأن يمنح السوريون استقلالا يكون معناه عند تطبيقه استعباد الشعب العلوي وتعريض الأقليات لخطر الموت والفناء.. فالشعب العلوي يستصرخ الحكومة الفرنسية ضمانا لحريته واستقلاله ضمن نطاق محيطه الصغير»

وهكذا وفي النهاية فإنه يبقى أنه لا بد من التساؤل: هل يا ترى سيبرز في الطائفة العلوية الكريمة رجال عروبيون من أمثال صالح العلي ليحبطوا ما نلمسه الآن من توجهات مذهبية انقسامية من المتوقع أن تتجسد إلى حقائق على الأرض إذا شعر الإيرانيون بأن احتلالهم لهذا البلد العربي غير دائم وأن نظام بشار الأسد زائل لا محالة؟!

اقرأ المزيد
١٩ مارس ٢٠١٥
سوريا .. غطاء كيري قصير !

سارعت واشنطن لتهدئة عاصفة الانتقادات الدولية بعد تصريحات وزير خارجيتها جون كيري حول استعداد بلاده للتفاوض مع المجرم بشار الأسد، مؤكدة أن كيري لم يقصد التفاوض مع الأسد نفسه، و«هذا ما لم يحدث ولن يحدث على الإطلاق».

وأكدت المتحدثة باسم الخارجية أن واشنطن لا تزال تعتقد أنه «لا يوجد مستقبل للأسد في سوريا».

إلا أن القصة هنا ليست في تصريحات كيري نفسه، أو محاولات التهدئة الأميركية هذه، وإنما في بعض أنصار الأسد الذين اعتقدوا أن تصريحات كيري هذه جاءت بمثابة غطاء لهم ليقوموا بإعادة تموضعهم إعلاميا، وتحديدا بالإعلام العربي، إذ يحاولون استغلال تصريح كيري من أجل الدفع لإعادة تأهيل الأسد، ورغم جرائمه في حق السوريين، وسوريا، والمنطقة! ويفعل هؤلاء ذلك من باب أنه إذا قالت أميركا فاسمعوا! وهذا هو العبث بعينه، خصوصا أن أنصار الأسد لم يعوا جيدا أن غطاء كيري قصير، ولا يستر، مثله مثل الغطاء الإيراني بالمنطقة!

المعيب في قصة التبرير للأسد، ومحاولة الدفاع عنه، من قبل البعض، سواء لأسباب طائفية، أو لقصر نظر، أنه أمر لا إنساني، ولا أخلاقي، ولا سياسي، ولا أمني، ولمن يحاولون ممارسة العقلانية المزيفة نقول إنه نعم في السياسة أخلاقيات، وخصوصا عندما يكون عدد القتلى من السوريين قد فاق مائتَي ألف قتيل، هذا عدا عن ملايين المشردين، ودمار سوريا ككل، وخصوصا أن الثورة السورية بدأت سلمية، ولم تتسلح إلا بعد كل جرائم الأسد، وآلته الوحشية.

ومن المعيب أن يتم الدفاع عن الأسد بينما الميليشيات الشيعية الإيرانية، من العراق وإيران وحزب الله في لبنان، تعربد في سوريا، فكيف تدين من يدافع عن «داعش»، ولا تدين الأسد، وأنصاره، وهم مثل «داعش» وأسوأ؟

الأسد، وإن لم تقُم ثورة في سوريا، كان يستحق أن يسقط، إذ أَسَرَ سوريا بيد إيران، وحوّلها إلى معسكر للتخريب، ودعم الإرهاب. تاجر بشباب السنّة حين كان يسهّل مرورهم للقتال في العراق، والتدريب في إيران، وهنا نتحدث عن تنظيم القاعدة تحديدا. وتاجر بلبنان والفلسطينيين أيما متاجرة، وشق الصف العربي مرارا، تخريبا وإرهابا.

والأسد هو من أطلق سراح قيادات «داعش» من سجونه، مثله مثل حكومة نوري المالكي التي أطلقت قيادات «داعش» أيضا، وللأسف استغرق المجتمع الدولي أعواما حتى يدرك خطورة المالكي، فهل يحتاج البعض الآن إلى نفس الفترة ليدركوا خطورة الأسد؟ خصوصا أن كثرا ممن يتشدقون بالدفاع عن الأقليات بمنطقتنا لم يُدينوا جرائم حكومة المالكي الطائفية، ناهيك بهذا الصمت المطبق الآن حيال أميركا، والسبب هو المفاوضات الإيرانية الأميركية، إذ بلع حسن نصر الله لسانه، وكل أتباع إيران بالمنطقة!

وعليه فإن غطاء كيري قصير، والأقصر منه الغطاء الطائفي، ومن المعيب، بل جريمة، محاولة التبرير للأسد، وإن كان البعض حريصا فعلا على سوريا فيجب أن يطالب برحيل الأسد أوّلا، وليس التبرير له.

اقرأ المزيد
١٨ مارس ٢٠١٥
استقرار سوريا يبدأ برحيل الأسد

تدخل الثورة السورية عامها الخامس، وما زال النظام مصراً كما كان منذ اليوم الأول للثورة، على اتباع سياسة الأرض المحروقة، التي جسدها شعار أنصاره وشبيحته: «الأسد أو نحرق البلد». ولقد أحرق نظام أسد سورية فعلاً، ربع مليون سوري، وملايين المهجرين والنازحين، وسبب دمارا لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، وانهيارا اقتصاديا، وجوعا وتعذيبا حتى الموت، واستخداما لأسلحة الإبادة من براميل المتفجرات العمياء والسلاح الكيماوي والكلور القاتل. وإننا على يقين من أن هذا النظام كان ولا زال مستعداً لاستخدام أخطر أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي، حال حصوله عليها.

ورفض النظام ولا زال يرفض جميع الفرص والمبادرات الساعية لوقف نزيف الدم في سورية، حتى المبادرات محدودة الأهداف التي تأمل بإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين. وهكذا رفض النظام جميع المبادرات التي تسعى إلى وقف القتل بدءاً بمبادرة د. أحمد داوود أوغلو، إلى مبادرة الجامعة العربية، وخطة كوفي عنان، وجهود الأخضر الإبراهيمي وحتى مبادرة ستيفان ديمستورا المحدودة للغاية.

ورغم استمراره في اتباع سياسة الأرض المحروقة ورفضه كل المبادرات الدولية، فإن النظام أفلت من العقاب، ولم يدفع ثمن جرائمه الخطيرة، وهو ما فهمه على أنه ضوء أخضر دولي لمواصلة القتل والالتفاف على قرارات مجلس الأمن الدولي، التي أصبحت كلها حروفاً ميتة وبلا معنى. رغم ذلك هناك من يقول إن هذا النظام هو أهون الشرين، مقارنة بتنظيم «داعش» الإرهابي، والحقيقة أن هذا القول يشبه تفضيل الأفعى على أحد أبنائها. «داعش» هو أحد منتجات النظام السوري وراعيه الإيراني، مجرد منتج واحد يمكن تفريخ غيره في أي وقت، فنظام دمشق أوجد منذ 40 سنة عشرات التنظيمات الإرهابية بشتى الألوان الحمراء والخضراء والسوداء… وهو قادر على تفريخ المزيد بعد القضاء على «داعش»، إن ترك في مكانه. إن القضاء على تنظيم «داعش» مع ترك النظام السوري يعني عدم حل أي مشكلة في سورية والمنطقة، إذ أن حال البلاد عام 2013 قبل بروز «داعش» لم يكن يختلف عما هو عليه الآن، ولنتذكر أن أول من هدد الغرب بإرسال الانتحاريين هو مفتي النظام الحالي نفسه قبل أن يوجد «داعش».  

بغض النظر عن مواقف الآخرين، لن يتراجع الشعب السوري عن مطلب الحرية، وهو يسعى لتحقيق هدفه بكل السبل، حتى لو كان مطلوباً منه دفع ثمن غال لهذه الحرية، أغلى مما دفعه أي شعب آخر تمتع بالحرية في قارات العالم الست. لقد بدأ السوريون ثورتهم سلمياً ثم اضطروا لحمل السلاح للدفاع عن أرواحهم وأعراضهم، وهم الآن يخوضون حرب تحرير ضد غزو أجنبي هو الغزو الإيراني، وهم يبلون بلاء حسنا، بدون أدنى شك في محاربة إرهاب «داعش» والنظام والاحتلال الإيراني على ثلاث جبهات. فبخلاف ما يدعيه بشار الأسد، الذي أكد كل من قابله بأنه منفصل عن الواقع، خسر النظام السيطرة على 72٪ من الأراضي السورية، وتراجع عدد أفراد جيشه من 300 ألف جندي إلى أقل من 100 ألف، وذلك بسبب ظاهرتي الانشقاق للالتحاق بالجيش السوري الحر (التي شملت 3000 ضابط و 20 ألف رجل أمن)، والفرار من الجيش ورفض الالتحاق به، إضافة إلى مقتل عشرات الألوف ممن قرروا الدفاع عن طاغية أحمق حتى الموت. وبات مألوفاً في البيئة المؤيدة للنظام إطلاق انتقادات حادة وشتائم بحق رأس النظام الذي ينظر إليه على أنه شؤم لا يقدم لأنصاره إلا الجنازات والأكفان لخيرة شبابهم. ولم يعد النظام يسيطر إلا على 28٪ من الأراضي السورية، سيطرة عسكرية لا تعني بأي شكل الولاء له أو الموافقة على بقائه، فمن ضمن هذه النسبة التي تصغر كل يوم، تقع، على سبيل المثال لا الحصر، محافظتا حمص وحماة أهم قلاع الثورة في سورية، وتقدر مصادر محايدة حجم تأييد النظام بين أبناء الشعب السوري ب 10٪ فقط. وهذه السيطرة المحدودة في المساحة، الخالية من أي معنى من معاني الحكم والشرعية، إنما تتم بمساعدة لا يمكن الاستغناء عنها من كتائب أصولية طائفية دموية متطرفة قادمة من لبنان والعراق وأفغانستان، تقودها وتقود النظام قيادات إيرانية تصدر الأوامر، وتصول وتجول من حلب إلى درعا. بعد أن فقد الأرض والانسان بات رأس النظام السوري مجرد زعيم ميليشيا تعيش على القتل والسلب والنهب، ميليشيا دمرت مؤسسات الدولة، ثم بدأت تأكل أبناءها وتتخلى عنهم لصالح هيمنة السيد الإيراني الجديد. لقد شهدت سورية في الأسابيع الماضية مؤشرات خطيرة على هذا التحول الكبير، فقد تم إعدام ضباط موالين للنظام لأنهم رفضوا تنفيذ أوامر قادة القوات الإيرانية المنتشرة جنوب سورية، وتمت إهانة وإيذاء ضابط أمن سوري كبير (المسؤول الأمني السابق عن القوات السورية في لبنان رستم غزالة) لسبب مشابه.

لقد فقد النظام الأسدي أي شكل من أشكال الشرعية منذ عام الثورة الأول، حيث قطع علاقته بالشعب واعتبره مصدر تهديد، ورغم أن خسائر وانسحابات النظام لا تتحول دائماً إلى مكاسب وانتصارات للشعب السوري ومشروعه التحرري، بسبب وجود تنظيم «داعش» الإرهابي، صنيعة النظام الأسدي وحلفائه، فإن التنظيم أثبت هشاشة وعجزاً عن التمتع بأي قاعدة شعبية صلبة، وهكذا فإن التنظيم يسيطر على مناطق في سورية بصورة متقلبة وزئبقية، ولا يحكم أياً منها حكماً مستقراً ذا أسس ثابتة.

يواجه الشعب السوري نظاماً مجرماً استخدم ولا زال يستخدم أسلحة الدمار الشامل المحرمة دولياً، ويقف خلف هذا النظام وتقوده قوة اقليمية تسعى لبناء امبراطورية تهيمن على المنطقة. كما يواجه شعبنا تنظيماً إرهابياً تمتد نشاطاته ومخاطره إلى شتى دول العالم، وهذه أسباب ثلاثة لتحويل سورية إلى بؤرة عدم استقرار إقليمي ودولي، الأمر الذي يستدعي قيام دول المنطقة والأمم المتحدة والدول الكبرى بواجبها لمحاصرة هذه البؤرة، وهذا لا يكون إلا بدعم الشعب السوري، القادر وحده على هزيمة مشروع «داعش»، والمشروع الإيراني التوسعي. إن التعامل مع الوضع الخطير في سورية يحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد القصف الجوي لمواقع «داعش»، وعقد مؤتمرات الأصدقاء التي لا تسفر عن نتائج عملية. وبدون التعامل المسؤول والجدي تتحول سورية إلى قاعدة صلبة ومتقدمة لأخطر أنواع الإرهاب وبؤرة عدم استقرار تهدد المنطقة والعالم.

وإذا كانت تقع على عاتق الأشقاء والأصدقاء والمجتمع الدولي واجبات يجب عليهم القيام بها، فإنه تقع على عاتق الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وباقي أطياف المعارضة واجبات أكبر. إننا نعمل مع قوى الثورة والمعارضة بكل ألوانها، على أن نوحد موقفنا تجاه سيناريوهات التغيير التي نعمل عليها، ونساعد في دعم الجيش السوري الحر ومأسسة عمله وتسليحه في ظل هيئة أركان تمثل مظلة مشتركة، وتحويله إلى جيش وطني يستطيع ضمان الأمن والاستقرار في المناطق الشاسعة التي خرجت من سلطة النظام، وقادر على أن يسد أي فراغ أمني يتركه سقوط النظام الأسدي المتهالك، جيش يضم كل أبناء سوريا بكل مكوناتها. ومن دواعي الأمل أن فصائل مهمة نحت سابقاً نحو التأدلج، لظروف شتى، تبدي استعدادها للانضواء في الخط الوطني، والعمل تحت مظلة الأركان. وتزداد القناعة لدى قوى الثورة والمعارضة، بالحاجة إلى ترك سياسات الإصطفاف، لصالح التوافق والتكامل. وتزداد القناعة بقدرة الثورة على الانتصار لأنها أبدت قدرة هائلة على التأقلم مع التحديات المتغيرة، والقدرة على مزاوجة العمل السياسي مع الثوري والعسكري. إننا ونحن نقاتل النظام المجرم، وندفع ثمن ذلك باهظاً، نمتلك القدرة والشجاعة للدخول في أي عملية سياسية تحقق لشعبنا هدفه في الحرية والكرامة، ونعمل على جمع جميع مكونات مجتمعنا تحت مظلة وطنية جامعة، الآن، وفي سورية المستقبل، سورية ما بعد النظام الاستبدادي. وسيشارك جميع السوريين في المرحلة الانتقالية التي ستعمل على الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وفي مقدمتها الجيش والأمن، وتجسد مشروع السلم الأهلي، وتنفذ مشروع العدالة الانتقالية، وتبدأ إعادة إعمار سورية.

لا يشك عاقل بأن الإرهاب في سورية، سببه ومصدره نظام بشار الأسد، وأن القتل على نطاق واسع، والتهجير الجماعي، ودمار مؤسسات الدولة، والتفريط بالسيادة الوطنية، سببه ومصدره أيضاً نظام بشار الأسد، ولن تعرف سورية الأمن والاستقرار والحرية والسيادة… إلا برحيل بشار وعصابة التسلط والقتل المحيطة به.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٥
سليماني... إيران وصناعة البطل

هكذا تحاول إيران أن تسوق قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي ما انفك يتنقل بين سوح القتال، في العراق وسورية، فهي اليوم، ومن خلال سليماني، تريد أن تكسب مزيداً من الشيعة العرب إلى صفها، وإلى جانب مشروعها الإمبراطوري، الذي ما انفكت تروجه.

طبيعة العلاقة المعقدة بين العرب والفرس، وليس إيران، لها ما لها، فهي لم تستقر على حال، منذ انكسرت إمبراطورية فارس على يد العرب المسلمين، قبل أكثر من 1400 عام، وبقيت هذه العلاقة الإشكالية تحدد طبيعة مصير المنطقة، فهي تارة في انصهار ووحدة إسلامية، انعكست، إيجاباً، على مجمل الحضارة العربية والإسلامية، وتارة أخرى في صراع، يخفي وراءه ما يخفي، ولعل الصراع القديم على المنطقة والنفوذ، هو من يتحكم في طبيعة مخرجات كثيرة لتلك العلاقة في حال توترها.

تدرك إيران، جيداً، أن الصراع في المنطقة لا يمكن أن يكون صراعاً طائفيا، بين سنة وشيعة بحكم القومية التي تربط أبناء المذهبين، لكنها تدرك أيضا، أن إمبراطوريتها الموعودة، وكما كانت على مر التاريخ، لا يمكن لها أن تقوم إلا عبر الطائفية السياسية. ومن هنا، كانت التغذية الصادرة من طهران، حيثما وجد الشيعة، بأنها راعية للمذهب وحامية حمى الطائفة، ولن تدخر جهداً لحماية شيعي واحد في أقصى مجاهل إفريقيا.

كانت الحرب العراقية الإيرانية، إبان ثمانينيات القرن الماضي، التي سعت فيها طهران إلى تصدير ثورتها، قد فشلت، على الرغم من أنها اعتمدت وقامت على مجموعة دعايات، في مقدمتها دعاية تصدير الثورة، وتحرير فلسطين، وفقدت إيران في تلك الحرب الكثير، ومن يومها أدركت طهران أن أفضل طريق للوصول إلى أهدافها، بتصدير الثورة وتحقيق حلم الإمبراطورية، أن تقاتل بجنود الآخرين، فكان الشيعة العرب، وقود إيران لتلك الأحلام، وإنها ستبقى تحارب تحقيقا لمشروعها، حتى آخر جندي عربي شيعي.

الانتصار الإيراني الذي باتت ملامحه تتشكل عبر السيطرة على أربع عواصم عربية، باعتراف ساستهم، ما كان ليتم إلا بتسخير المذهب، خدمة لحلم الإمبراطورية، واليوم، تسعى إيران من خلال نموذج سليماني، لتصويره بأنه حامي حمى الشيعة العرب.

قائد مثل سليماني، وبهذه الأهمية، محاط بدرجة عالية من السرية في تنقلاته وتحركاته، فهو، وفق معلومات أمنية عراقية، محاط بخطين دفاعيين، من الإيرانيين التابعين للحرس الثوري، ويحيط نفسه وتحركاته بسرية تامة جداً، فحتى حلفاؤه من العراقيين لا يعلمون به، وبالتالي، لم تأت عملية تصويره بهذا الشكل من فراغ، أو عفو الخاطر وابنة اللحظة ، كما قد يعتقد بعضهم، وإنما هي عملية مبرمجة، يراد منها صناعة النموذج، المخلٌص للشيعة العراقيين من خطر تنظيم الدولة الإسلامية ، داعش، التي تريد ذبح الرافضة، كما تشير إلى ذلك أدبياتهم.

مشاهدة بعض القنوات العراقية، الشيعية الممولة من إيران، وبعض صفحات "فيسبوك" العراقية، تجعلك تدرك حجم التجهيل الذي يمارس بحق الشيعة والسنة على السواء، فهذه القنوات لا تنفك وهي تصور بطولات ما يسمى الحشد الشعبي، غالبيته من الشيعة، كما أنها لا تنفك تتحدث عن بطولات قاسم سليماني، ودوره في تحقيق النصر، مع العلم أننا لم نشهد أية معركة شارك بها سليماني وانتصر، فمشاركته في حوران السورية، أدت إلى تكبد قوات النظام والمليشيات الإيرانية خسائر كبيرة جداً وقاسية، ومشاركته في العراق، سواء في إمرلي شمال العراق، أو في جرف الصخر في جنوب بغداد، أدت إلى محرقة بحق المدنيين، حتى تمكنت تلك القوات من دخول تلك المناطق، علماً أن إمرلي شهدت انسحابا مبكراً لداعش، حتى قبل أي اشتباك، أما معركة تكريت التي يخوض رحاها سليماني، فإنها، وبعد مرور أسبوعين، لم تحسم بعد.
"لن يكون غريباً ترشح سليماني لرئاسة إيران في الدورة الانتخابية المقبلة"

ضخمت إيران، ومعها وسائل إعلامها، وأيضا، وسائل إعلام غربية، خطر داعش، حتى صورتهم بأنهم سيدخلون وبغداد ومدن الجنوب، وربما يصلون إلى إيران، ومنها جاء دور سليماني الذي يظهر بصورة المنقذ.

يريدون أن يقولوا لعرب العراق الشيعة إنه ليس لكم من ملاذ أو مخلص، سوى إيران وأبطالها، وفي مقدمتهم سليماني، وهنا، أشير إلى ما كتبه حسن هاني زاده، رئيس تحرير وكالة مهر الإيرانية للأنباء، ونشره يوم الاحد الماضي، حينما دعا العراقيين إلى الاتحاد مع إيران، وأن يتركوا "العروبة المزيفة الجاهلية"، بتعبيره.

ليس غريباً أن نجد سليماني، بطل إيران القومي، في صنعاء بضيافة الحوثيين، فهو، اليوم، يسعى إلى أن يكون حاضراً في قلب كل حدث، ليس كصانع لهذا الحدث وحسب، وإنما أيضا كصورة تسعى إيران لتكريسها، عن بطلها الذي يراد له أن يكون بطلاً، كما أنه لن يكون غريباً ترشح سليماني لرئاسة إيران في الدورة الانتخابية المقبلة، فالأغاني التي بدأت ترددها قنوات تابعة لإيران، وصفحات التواصل الاجتماعي، تفيد بأن الدور المقبل لسليماني سيكون كبيرا، هذا إذا تركته أرض المعركة التي يخوضها، ليمارس دوره المرسوم له مستقبلا.

اقرأ المزيد
١٧ مارس ٢٠١٥
الأسد أو البغدادي !؟

مع بداية السنة الخامسة للمذبحة السورية لا يجد المرء سوى الازدراء، في مواجهة الموقف المستهجن والرخيص الذي أعلنه جون كيري من ان اميركا لم تعد تشترط تنحي بشار الأسد، بل إنها تسعى لممارسة الضغوط عليه ليقبل بالحوار، وقد جاء رده سريعاً ومهيناً ضمناً عندما قال إنه ينتظر الأفعال لا الاقوال !

ها هم جميعاً تقريباً يضعون السوريين أمام الخيار المرّ: إما بشار الاسد وإما أبو بكر البغدادي، من دون التوقف لحظة للتذكّر من أين جاء البغدادي، وكم قتل تنظيم "داعش" من السوريين قياساً بما فعلته البراميل وقبلها الكيماوي!

ها هو جون كيري يدفعنا الى التقيؤ: "على الولايات المتحدة ان تتحدث مع بشار الاسد لإنهاء الحرب في سوريا" لكأنها لم تفاوضه مرتين في جنيف دون جدوى... في أي حال عندما يصل كيري مجدداً الى دمشق سيجد أنهم فرشوا له السجاد الاحمر ولكن فوق أرض مشبعة بالماء!

لم يكن ستيفان دو ميستورا ليعلن ان الأسد جزء من الحل لو لم يحصل على موافقة دول غربية، أما روسيا وايران فرأيهما معروف منذ البداية: "الأسد هو الحل"، وقد دخلتا القتال الى جانبه منذ البداية اما بالتسليح والحماية السياسية عبر الفيتو كما فعل الروس، وإما بالوقوف الى جانبه في جبهات القتال كما فعل الإيرانيون وأذرعهم العراقية ثم "حزب الله".

لم يكن في وسع التظاهرات السورية الصارخة "سلمية ... سلمية" سوى تقديم الضحايا، ولم يكن من المستغرب ان يستولد تضافر المذابح في سوريا وسقوط مئات آلاف القتلى وملايين اللاجئين، مع الاضطهاد والتنكيل اللذين مارسهما نوري المالكي في العراق، ظهور الارهابيين في الساحة ثم تسارع هذا التدفق الخارجي من القتلة والسفاحين الى الساحة، ولكن من الذي ينظر الى الوراء لكي يستخلص الدروس؟

لا أحد، فهم انهم لا يريدون حلاً بل يستجيرون بالرمضاء من النار، يفضّلون كُحل الأسد على عَمى البغدادي، أين ذهبت التصريحات اليومية التافهة التي اطلقها باراك اوباما والتهديدات السخيفة التي لوّح بها بعد مذبحة الكيماوي في الغوطتين؟

واذا كانت المعركة ضد الارهابيين في العراق مسألة سنوات كما يقول الأميركيون، فما معنى دعوة كيري الى التفاوض مع الأسد وسوريا باتت صومال كبرى مع بداية السنة الخامسة للمذبحة المفتوحة، في حين تتحدث المراصد عن سقوط ٢١٥ الف قتيل وأكثر من عشرة ملايين لاجىء وعن جيل كامل مدمّر وبلد بكامله سُوّي بالأرض؟

كيري قال "إنها أسوأ المآسي التي يشهدها أي منا على وجه الأرض"، لكن الأسوأ هو سياسات أوباما التي لم يشهد تاريخ الغباوة مثيلاً لها، كما يقول وليد جنبلاط.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان