مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ يوليو ٢٠١٦
لعنة سورية

يبدو العالم وكأنه سيتعرض من الآن لما يمكن تسميتها "لعنة سورية"، عقابا له على سكوته المشين حيال إبادة شعبها بيد نظامه الذي استعان لتحقيقها بجيوش احتلال روسية وإيرانية وأحط أصناف المرتزقة الذين شاركوه في قتل مواطنين طالبوا بحريتهم. لم يكن هدفهم يوماً الانخراط في صراعاتٍ خارجيةٍ، لكن العالم " المتمدّن" في الغرب و" المتوحش" في الشرق خذلهم، وتفرّج مستمتعاً على أمواتهم بيد نظامهم والقتلة متعدّدي الجنسيات والمذاهب والأعراق والأهداف، ممن فبركت الأسدية بعضهم، وفبرك الخارج بعضهم الآخر، أو تعاون معه على فبركتهم وتزويدهم بالأسلحة الضرورية للقضاء على شعبٍ يعني نجاحه في إسقاط الأسدية انقلاباً تاريخياً سيطاول المنطقة بأسرها. وللأمانة، حقق القتلة مهمتهم باحترافيةٍ، رعتها جهاتٌ خبيرة، يسمونها "العالم المتمدن" و"رعاة حقوق الإنسان" و"حكومات شرعية".

واليوم، وقد قطعت الإبادة شوطاً كبيراً، ووصل الناجون منها إلى أكثر أمكنة العالم بعداً عن وطنهم، صار من المرجح أن تحل "لعنة سورية" به، وتتظاهر، من الآن فصاعداً، في أمواج فوضى عاتية، لن يمر زمن طويل قبل أن تجتاحه بكامله، بعد أن غمرت "الشرعية الدولية"، وقوّضت شرعيتها وزلزلت قدراتها، وأطاحت عديداً من مؤسساتها، وأحدثت صدوعاً خطيرةً في البلدان "المتحضرة" ذات أبعاد اجتماعية وسياسية وأخلاقية، كشفت بؤس قياداتها وأحزابها، ومهّدت الطريق إلى يمينٍ جديدٍ معادٍ لها، أخذ صعوده العاصف يقوّض أمنها، ويدخل الرعب إلى قلوب مواطنيها، وكذلك الخشية من أن يغدو مصيرهم متصلاً بمصير ملايين السوريين الذين يغرقون في البحر، أو يموتون تحت أنقاض بيوتهم، أو يتبدّدون في انفجارات القنابل والصواريخ، أو يهلكون جوعاً وعطشاً عند حدود الدول، الصديقة والعدوة، أو تحزّ السكاكين أعناقهم ويدمّرهم نفسياً وروحياً، ويفشلون في الحصول على خبرٍ عن أخ أو أبٍ أو زوجٍ أو ابن اختفى منذ سنين، ولم يعد لديهم من أمل غير أن يكون قد فارق الحياة، أو ... أو... أو ... . هل نعجب بعد هذا من امتلاء قلوبٍ سوريةٍ كثيرة بحقدٍ أعمى على عالمٍ سمح بقتلهم عن سابق عمد وتصميم، لم يرف له جفن وهو يتأمل سعيداً القضاء عليهم، فلماذا تأخذهم شفقةٌ به، ولا يتحوّلون إلى "ذئاب منفردة وجماعية" تفتك بما تعيش بين ظهرانيه من أغنام، ولم لا تجرّد حكوماتها من أية قدرةٍ على مواجهتها، ومجتمعاتها من أمنها، وتخوض ضدّهما حرباً، لطالما توهما أنهما في منجاةٍ من ويلاتها، وها هي طلائعها تطيح ثقتهما بنفسيهما، وتدخلهما في ذعر من الآخر الذي يمكن أن يكون حزاماً ناسفاً أو قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت ومكان.

ليس ما ظهر إلى اليوم من "لعنة سورية" سوى بداية، ستمدّها التطورات بمواد متفجرة، ستحولها إلى حال تصعب السيطرة عليها، وحروب ستسعرها عيوب ونواقص ومشكلات نظامٍ دوليٍّ، فيما ملايين السوريين يقتلون ويذبحون كالنعاج، متجاهلا أن انهيار حواضنه القانونية والأخلاقية لن يتوقف عند حدوده، وأنه سيخترق بلدانه ويهشّمها من الداخل. ومن يراقب صعود اليمين الجديد في بلدان أوروبا يدرك أنها صارت هي أيضا في قبضة أخطارٍ تفقد أكثر فأكثر السيطرة عليها.

خال لعالم أن إبادة شعب سورية سيُنجيه من القتل والموت. وها قد بدأ يدفع ثمن تقاعسه عن وقف ما كان في استطاعته وقفه: ذبح شعبها الأعزل، المقتول بيد قتلةٍ وطغاة محليين وإقليميين ودوليين. ومع أنه لا يوجد سوري حر يريد ابتلاء أي فردٍ أو شعبٍ بما ابتلي هو وشعبه به، فإن "لعنة سورية" ستلاحق كل من شارك النظام الأسدي في قتل وتهجير وتشريد وتجويع وتعذيب وإخفاء ملايين عزّلاً صدّقوا ما كان يُقال عن حقهم في الحياة الحرّة، وها هي بقاياهم تهيم على وجوهها في الأرض، حاملة معها إلى من تخلوا عنها "لعنة" أخلاقيةً، لن ينجو منها أحد منهم، وسيدفع ثمنها الأبرياء من مواطنيهم.

ملاحظة: قصدت في مقالتي في "العربي الجديد" (3/7/2016) عن لقالق المعارضة حالاً قائمة، ولم أقصد أي شخصٍ بعينه.

اقرأ المزيد
١١ يوليو ٢٠١٦
بين ميشيل كيلو وسميرة المسالمة

نشر الكاتب السوري، ميشيل كيلو، عدّة مقالات في "العربي الجديد"، تناول فيها الشأن الكردي العام في سورية، لا علاقة لها بأرض الواقع من مجمل القضايا المعقّدة، بأقل تقدير بما يجري في المنطقة من تحولات وانقسامات بين أبناء الوطن الواحد، فقد بات الوطن السوري منقسماً على نفسه قبل المواطن.

أكّدت الكاتبة سميرة المسالمة في مقال لها في "العربي الجديد" (27/ 6/ 2016) على ما طرحه ميشيل كيلو بشأن القضية الكرديّة في سورية، مقارنة بباقي الأقليات السّورية، الآشوريين والتركمان والشركس، وغيرهم من التّجمعات السّوريّة الصّغيرة. وكان أولى على المسالمة البحث عن المكوّن الكردي في المراجع والكتب التاريخية التي دوّن فيها المستشرقون والرحالة ما كتبوه فيها عن المنطقة السورية بشكل عام، والكردية بشكل خاص، ودور الكرد في بناء الدّولة السورية أيام الاحتلال الفرنسي وفي الحقبة العثمانية، بدلاً من الاستعانة بمقالات ميشيل كيلو وتصريحاته، وهو الذي لا يعترف بالوجود الكردي أصلاً، لا في سورية ولا حتّى في المنطقة، وهذا ما يزيد الفجوة بين أبناء الوطن الواحد من تشرذم وتنافر، ويهدّد أمن سورية واستقرارها على المدى المنظور.

ولا بدّ من تصحيح الصّورة النّمطيّة الخاطئة لدى الأغلبية الغالبة من أبناء الوطن السوري الواحد، والتي جاءت نتيجة طبيعية من التراكمات التي كرّستها الحكومات المتعاقبة في سورية، لا سيّما خلال حكم البعث. وإذا كانت نية كيلو والمسالمة صهر القوميّة الكرديّة في بوتقة القوميّة العربيّة فهذا شيء آخر، وإن كان غير ذلك فيجب أن نضع النّقاط على الحروف، ونطرح سؤالين على الكاتبين العزيزين: لماذا لا يتطرقان إلى مسألتي الحزام العربي والإحصاء؟ إنهما جوهرا القضيّة الكرديّة في سورية، أما مسألة الانتماء إلى الأمة الكردية فغير قابلة للنقاش. وبشأن عدم وجود منطقة كرديّة في سورية، فلا نتطرّق، هنا، إلى اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم بلاد الكرد بين دول "سورية، العراق، إيران، تركيا"، لكيلا ندخل في مواضيع نحن في غنى عنها، على الأقل في هذه المرحلة. وعلى سبيل المثال، من بين عدة مناطق أثرية في المنطقة الكرديّة قرية شيران الأثرية في مدينة كوباني شمالي البلاد الذي تعمّد النّظام السّوري عدم التّنقيب عن آثارها، خوفاً من إظهار تاريخ المنطقة الكرديّة الّتي يعود تاريخها إلى مئات السّنين، وغيرها من المناطق الأخرى في عامودا وعفرين. وذلك كله للإنكار المطلق لدور الكرد في بناء الدّولة السورية، وتبيض مرحلة النّضال ضدّ الاستعمار، لصالح طوائف ومبادئ سوريالية غامضة.

ومثالاً، لا تُذكر الثّورات التي قام بها الكرد في تاريخ سورية، لا تلميحاً ولا تصريحاً، ومنها انتفاضة بياندور في بلدة تربه سبيه المعرّبة إلى القحطانيّة في شمال شرق البلاد. وانتفاضة عامودا التي تمّ على إثرها قصف المدينة بطيران السّلاح الجّوّي الفرنسي سبّعة أيام. وما حصل في مدينة كوباني (عين العرب) شمال البلاد، حيث أحرق الفرنسيون منازل الأهالي الذين تمردوا ضدهم، كذلك دور الشخصيات الكرديّة المؤثّرة في الحالة السّوريّة، أمثال يوسف العظمة ومحمد علي العابد وابراهيم هنانو وغيرهم كثيرون قدّموا الكثير من أجل بناء الدّولة السّوريّة الحديثة. هنا، كان ردّ المعروف من حكومة البعث لتلك الشخصيات بحق أبناء الجلدة، وعدم قبولهم في إدارة البلاد عسكرياًّ وسياسيّاً، حتى أخذت الأمور أبعاداً أكثر من ذلك بإصدار مراسيم وفرمانات، وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة اليوميّة، حيث باتت اللّغة الكرديّة محظورةً في الأماكن العامة، وأصبحت لغة منزلية لا أكثر. ومع ذلك حافظ الكرد على لغتهم الأم، وكذلك زجّ شباب الكرد في السّجون سنواتٍ طويلةً، لمجرّد حملهم، في جيوبهم، روزنامة تحمل كتابة باللّغة الكرديّة، وذلك فيما لم يتوقّف الشّباب الكرد عن مزاولة العمل السّياسي المحظور.

أخيراً، لا يمكن "حجب الشّمس بالغربال" كما يفعل كاتبانا، ميشيل كيلو وسميرة المسالمة، في وأد كل ما هو جميل بين المكوّنات السّوريّة، في ظل جغرافيا منهكة بعوامل المدّ والجزر من كل أصقاع العالم، بعد أن أصبح المواطن السّوري حقل تجارب بأحدث الأسلحة الفتّاكة.

اقرأ المزيد
١١ يوليو ٢٠١٦
من يقرّر الحرب في لبنان؟

من يقرّر الحرب في لبنان؟ إسرائيل؟ أميركا؟ إيران؟ حزب الله؟ داعش؟ بشّار الأسد؟ ليلى عبد اللطيف؟ كلّ الأطراف جاهزة للقتال والقتل والموت. السلاح متوافر وبأسعار تناسب كلّ الموازنات. ولكن، من بيده إطلاق الرصاصة الأولى؟ من بيده قرار الحياة والموت؟ الشاشات الصغيرة تعجّ بالتوقّعات الدموية والسيناريوات المرعبة: حرب إسرائيلية تنتظر لبنان نهاية الصيف، أين منها حرب تموز ٢٠١٦، هدفها القضاء نهائياً على حزب الله، يقول سياسي محلّل. لا بل هي فصل من فصول الحرب الإقليمية الدائرة، يتّخذ من لبنان ساحةً أخيرة قبل إعلان النتائج النهائية، يضيف آخر. إنها حرب إرهابية داعشية تضرب مناطق عدّة، بعدما تغلغلت عناصرها عبر الحدود الشرقية وبساتين الليمون في الشمال، لتنفيذ لائحة أهداف مدنيّة وعسكرية، يقول ثالث. إنها حرب لإسقاط قرار التوطين ميدانياً، بعدما أقرّته المحافل الدولية من دون إذن ولا دستور، يضيف رابع.

ما يخيفني أكثر في الحديث عن الحرب ليس هذه السيناريوات في محاولاتها المستميتة لبثّ الرعب في النفــــوس، بل تلك الجاهزية اللبنانية الأبدية لخوض حرب جديدة. رغبة تجتاح المحاربين القدامى، كما الجيل الجديد من اللبنانيين الذين لم يـتجاوزوا بعد الثلاثين من العمر، والــذين لم يعرفوا شيئاً عن أهوال الحرب اللبـــنانية، ولم يتلمّسوا وجهها الحقـــيقي البشع والمخيف. الحـــرب، لهم، قصص مشوّقة عن بطولات يرويها الوالد والجدّ في جلساتهم الـــتَذكُّرية «مع رشّة بهار وملح» مطيّبة لأخبار الموت المسموم، والهزائم المرّة، والانتصارات المزعومة.

«نحن لها. فلتكن حرباً! خلينا نخلص بقى»، يبادركَ اللبناني بحماسة واضحة. كأن عشرين عاماً من الحرب الأهلية، لم تروِ عطشه إلى الدم، والدمار، والهجرة، والتهجير. عشرون سنة لم «تخلّص» على شيء إلا على حياة أبنائنا ومستقبلهم: من استشهد منهم، ومن فقد رِجلاً أو يداً أو عيناً، ومن تشتّت في جهات الأرض الأربع، وما عاد. فالحرب ليست ناراً وباروداً وشهداء وشوارع مهدّمة، فحسب. إنها أيضاً لعنة للأحياء الناجين يتوارثون دفع ثمنها جيل بعد جيل. لقد توارث اللبنانيون الكآبة والخوف والقلق لأجيال، وما زالوا. وفي دراسة ميدانية قام بها أطباء نفسيون فرنسيون بعد انتهاء الحرب اللبنانية، أن أكثر من نصف اللبنانيين يعانون كآبة مقنّعة متقدّمة، ولا يتلقّون أيّ علاج. كآبة قد تفسّر جموح اللبناني إلى العنف والحرب في محاولة لتعميم الكآبة على القلّة القليلة الصَحيحة المتفائلة حوله.

إلى الحرب، دُر. يُصرّ المحلّلون والمنجّمون. أما الواقع، فيقول إن تحييد لبنان عن نيران سورية حتى الساعة، لم يكن قراراً لبنانياً، ولا نتيجة لحكمة سياسيينا الذين انغمسوا بالحرب السورية حتى الأذنين. بل هو نتيجة تفاهمات دولية أرادت للبنان أن يبقى ملاذاً آمناً للاجئين السوريين الهاربين. فهل تغيّرت هذه المعطيات اليوم؟ وهل نضج مخطّط إعادة تقسيم المنطقة، وإصدار النسخة الجديدة من اتفاقية سايكس- بيكو؟

اقرأ المزيد
١١ يوليو ٢٠١٦
الصراع على سوريا…

لا يمكن اعتبار الصراع في سوريا بين طرفي النظام والمعارضة والذي بات يطغى ويهيمن على المشهد المعقد في سوريا والمنطقة، إلا بوصفه من النتائج الوخيمة للسياسات التي انتهجها نظام الأسد الأب (1970-2000) وسعى من خلالها إلى إظهار سوريا وكأنها دولة إقليمية كبرى قادرة على الفعل والتأثير خارج حدودها.

وفي الواقع فإن هذه السياسات كانت ثقيلة على السوريين وحمّلت سوريا أكثر ممّا تحتمل، أي أكثر بكثير من إمكانياتها وقدراتها، لا سيما من خلال محاولات نظام الأسد الأب الدؤوبة الاستحواذ على الورقتين اللبنانية والفلسطينية، وفي ما يتعلق بدوره في تحجيم عراق صدام حسين، وفي ادعاءاته مقاومة إسرائيل، وبانتهاجه سياسات “راديكالية”، ولو شكليا، في العالم العربي.

والمعنى أن ما نشهده من تداخلات خارجية، دولية وإقليمية، في الشأن السوري هو بمثابة نتيجة طبيعية للدور السوري في المرحلة الماضية، إذ أن سياسات الأسد الأب أرهقت سوريا وأدخلتها في خصومات فائضة عنها، ونبّهت إلى مدى تأثيرها في المشرق العربي، وإلى أهمية السيطرة على التطورات فيها، لإضعاف تأثيراتها الخارجية.

على ذلك يبدو طبيعيا أن نشهد تحول سوريا إلى ساحة لصراعات الدول، التي تحاول كل واحدة منها فرض أجندتها الخاصة، وتمرير رؤيتها لمستقبل هذا البلد، لا سيما وأن الصراع الجاري لا يكلف هذه الدول شيئا مباشرا، إذ أنها تخوضه بالوكالة أو بأشكال غير مباشرة.

هذا ما يفسّر تعقيدات خارطة الصراع الجارية، وتعدد أطرافها (وهو ما أوضحناه في مقالة سابقة)، وما يفسر أيضا، أن الحرب الجارية هي بمثابة “حرب الكل ضد الكل”، وهو تعبير للفيلسوف السياسي الإنكليزي توماس هوبز (1588-1679)، والذي تحدث فيه عن المرحلة الوحشية التي تمر بها بعض المجتمعات في مرحلة معيّنة. ولعل هذا أصدق تعبير عما يجري، إذ أن النظام يحارب المعارضة والمعارضة تحاربه، وثمة من جهة تنظيم داعش الذي يحارب النظام والمعارضة وجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، ومن جهة ثانية جبهة النصرة التي تحارب النظام وداعش وجيش الإسلام.. إلخ. وعلى الصعيد الدولي ثمة الولايات المتحدة في خصومة مع إيران حول الشأن السوري، وإيران وتركيا في مواجهة بعض هذه الجماعة أو تلك، كما تقف روسيا في مواجهة تركيا، وهذا مع تداخلات متباينة من هذه الدولة العربية أو تلك.

والخلاصة أن سوريا تحولت من لاعب إقليمي إلى ملعب دولي وإقليمي، أي تحولت إلى ساحة لصراعات القوى على تشكيل المشرق العربي، وعلى المكانة التي يمكن أن تحظى بها هذه الدولة أو تلك.

مع ذلك فإن هذه اللوحة المعقدة هي مجرد غطاء لحقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا هما اللاعبان الرئيسيان في هذا الملعب، وأن الأطراف الأخرى، وضمنها تركيا وإيران وقطر وغيرها، لها أدوار محددة ومسيطر عليها، على الأغلب. لكن هذا لا يحجب حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الرئيسي، فهي بمثابة موزّع للتناقضات في سوريا (وفي المنطقة والعالم)، وتاليا فهي التي توزّع الغنائم والحصص نظرا إلى كونها الدولة الأقوى والأكثر قدرة وتأثيرا، ليس من واقع قوتها العسكرية فحسب، وإنما من واقع قوتها الناعمة أيضا، أي قوتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، ومن الفجوة الكبيرة بينها وبين العالم على هذه الأصعدة كافة.

هذا يعني أن أي حديث عن تنسيق روسي ـ أميركي، في خصوص إدارة الوضع في سوريا، هو مثير للسخرية حقا، لأنه مجرد محاولة للتلاعب والاستخفاف بالعقول، إذ من السذاجة بمكان الاقتناع بأن هناك تنسيقا بين طرفين متكافئين حقا. وفي الحقيقة فإذا كان هناك نوع من التنسيق، فتفسيره على الأرجح، يكمن في أن الولايات المتحدة تريد المزيد من التورط لروسيا فلاديمير بوتين في الصراع السوري لإرهاقه واستنزافه. وهذا يفيد بأن روسيا تتحرك في المربع أو في الهامش الذي تحدده أو ترسمه الولايات المتحدة، لا أكثر، وهو ما يفسر سعي روسيا إلى حل سياسي، كما تفسر ذلك سرعة استجابتها لتطبيع العلاقات مع تركيا، وطلبها المستمر رفع العقـوبات الأميـركية المفروضة عليها، وضمنه رفع الحظر عن استيرادها تكنولوجيات متقدمة. واضح من كل ذلك، أيضا، أن الإدارة الأميركية مازالت غير مصممة أو غير معنية بحسم الصراع الحاصل، مفضلة عليه معادلة “لا غالب ولا مغلوب”، لا المعارضة تنتصر ولا النظام ينهزم، وهي وصفة لاستمرار الصراع السوري، واستمرار استنزاف الأطراف المتورطة.

أما بالنسبة إلى الحديث عن الحرب على الإرهاب أو على “داعش” و”جبهة النصرة”، فهو مجرد عنوان آخر لاستمرار الصراع، إذ أن الولايات المتحدة ذاتها لم تفعل شيئا قبل ظهور تنظيم داعش وقبل صعود جبهة النصرة، وهي ذاتها تراجعت عن مقولاتها بشأن وجود خطوط حمر، وبشأن أن بشار الأسد فاقد للشرعية وأن عليه أن يرحل، إذ أنها لم تفعل أي شيء حتى لوضع حد للقصف بالبراميل المتفجرة، ناهيك عن أنها أعاقت وجود منطقة حظر جوي في شمال سوريا على الأقل.

اقرأ المزيد
١١ يوليو ٢٠١٦
من أيقونة الثورة لأخوتها : أخشى عليكم من "أكلنا يوم أكلت داريا"

تحية ثورة سورية معطر بدماء الشرفاء و عرق المدافعين و دموع الثكالى و الأيتام و المقهورين...


سلام و رحمة على من جمعنا لأجلهم و احتراماً لروحهم شهدائنا و مشاعر دربنا..


لم أرغب بأن أكتب لكم .. و لكن يبدو أن لا محال من ذلك ولا مفر منه .. و الوقت لا يسعني لمزيد من التقديم لذا سأدخل مباشر :


أتراكم يا قادة ثورتنا -ولست أدري إلى أين تقودونها- في طول البلاد وعرضها تظنون أنكم بنوحكم وبكائكم، ثم بتغنيكم بالمدينة المنكوبة التي خذلتموها، ثم بضرب الأمثلة للمجاهدين بصمودها، تلقون المسؤولية عن عواتقكم ثم تكملون بناء ممالككم.


هيهات هيهات، فما انتم إلا جزء من ثورة يتيمة، في عالم لا يعرف إلا منطق القوة، وما قوتكم إلا بامتداد ثورتكم على أرض وطننا، وما بداية انتقاصها إلا بداية نهايتكم، وما ابتلينا بفكرة أغبى من أن كل حركة أو جماعة تظن أن تستطيع إكمال الثورة وحدها.


أتدرون ماهي أكبر مفخرة لداريا، مفخرتها أنها بدأت ثورة وجهاداً لإسقاط النظام، واستمرت ثورة وجهاداً لإسقاط النظام، ولم يخن أحد أمانة الجهاد والثورة ليستغل جهاد هذا النظام في الدعوة لمنهجه أو حزبه أو مذهبه.


ثم مفخرتها الثانية أن مجاهديها لم يقبلوا يوماً أن ينقطعوا عن الثورة الأم ليقبلوا بحلول محلية، رغم كل ما رأوه من قتل وتشريد وقصف وتآمر وشدة وضيق ونقص من السلاح والعدد والعتاد، ما قبلوا إلا إكمال جهادهم لإيلام هذا النظام وإضعافه، على طريق إسقاطه، في الوقت الذي كان كل يدعو لمنهجه ويؤسس لإمارته.


بعملكم و ارتجاليتكم و سوء رؤيتكم، ستكون داريا تجربة مضافة إلى قائمة طويلة من التجارب الجهادية، التي أفشلها قصر نظركم وضيق أفقكم وحظ نفوسكم، لتقرأها الأجيال وترى وتلعن سببها، ثم تخاصمكم عند مالك يوم الدين.

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
"الجزيرة" سنوات دعم الثورة السورية و زوبعة "الملاح" !؟

تركزت الأنظار خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية على قناة الجزيرة عموماً و الجزيرة نت على وجه الخصوص، بشأن تعاطيها مع الملف السوري في الآونة الأخيرة، و تحديداً خلال معركة الأمس التي أطلقتها الفصائل في حلب بكامل اشكالها لفك الحصار عن المدينة التي تدخل الحصار لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية.

الانتقاد الذي شهدناها على كافة المستويات الشعبية أو الفصائلية و حتى السياسية و طبعاً الزخم الأكبر كان شعبياً، و وموجة الانتقاد كانت مركزة في الاخبار العاجلة التي تم بثها من معرفات الجزيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي ، و تركيزها على جبهة النصرة و تهميش كامل الفصائل التي كانت مشاركة و التي زادت عن تسع فصائل دخلت بثقل كبير ، الأمر الذي رأى فيه المتابعون من كافة المستويات بأنه مؤذ لحد وصل إلى تحميلها استباحة قصف المدنيين على اعتبار أن أي مكان موجودة فيه النصرة هو مسموح الاستهداف بدعم دولي.

ولا يمكن أن الغاء أو تهميش الغضب الموجود في صدور السوريين في كيفية تناول الخبر ، والذي يصب حتماً في مصلحة النظام و يضر بالشعب السوري و ثواره ، و لكن هل كان هذا العمل الذي شهدناه لأول من شبكة الجزيرة هو مقصود أو مدروس و يهدف إلى الحد الذي ذهب إليه البعض بأنه تنفيذ لأجندة تدمير الثورة السورية !؟

واذا ما قررنا الابتعاد قليلاً عن يوم أمس ، ونعود للماضي السحيق أي قبل سنوات ست أو إلى الماضي القريب أي قبل معركة الأمس في الملاح ، هل كانت الجزيرة سند و داعماً للثورة أو مواجهه لها ؟ ، هل كان الملف السوري في أروقة الجزيرة هو ملف اعتيادي أو ثانوي أو كان مركزي و محوري ، و في صلب الاستراتيجية البرامجية أو التغطية الإعلامية ؟

متيقين أن الهجوم سينتقل من الجزيرة ليطال شخصي ، بأني ادافع عن الجزيرة ، و سأجد من يتهمني بالاستفادة و الحصول على المنفعة منها وما إلى ذلك من عبارات التخوين ، و لكن من خلال تجربتي البسيطة مع الجزيرة و ببعض كوادرها المشرفين علي الملف السوري لم ألمس أي تخاذل أو تهاون بالدم السوري ، بل على العكس تماماً كان التركيز و المتابعة من قبلهم للملف السوري بشكل يفوق المنصات السورية ، و طبعاً ليس انتقاصا من الأخيرة و لكن التفوق المالي و المهني جعل من الجزيرة مهما حدث هي منبر مهم من منابر الثورة السورية، و حملت راية الثورة منذ بدايتها و تنقلت بكافة مراحلها و لم تتغير قيد أنملة اتجاه القضية المركزية الأساسية للثورة السورية الأسد و حلفاءه، و لم تحييد عن البوصلة في محاولات صناعة أمواج مغناطيسية كداعش على سبيل المثال.

و لكن مع القاء اللوم على الجزيرة كنت أتمنى أن يكون هناك لوم على أنفسنا لأننا فشلنا رغم كل أنهر الدماء التي تسيل ، لم نستطيع أن نتوحد ضمن منظومة عمل عسكري أو سياسي موحد ، و لاحتى في اطار منظومة إعلامية أو بيان موحد، إذ الجميع يلعب لعبة الظهور و البيانات المنفردة ، ولا أظن أن معركة كمعركة فك الحصار عن حلب تتطلب من أي جهة التنطح و التركيز على التسابق بالتبني و الظهور كأنه المنقذ الفذ .

اليوم الجزيرة هفت و لكن هفوتها لا تعني نسف التاريخ كله و ووضعها في ذات السلة أو المقام مع شبكات عالمية لعبت بدماء السوريين و أثرت في الرأي العام الغربي و الأمريكي، فيكفي أن الجزيرة عبر كافة منصاتها لم تتغير حتى الآن، ولازالت .

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
المقرات والأجهزة الأمنية في عهد المقبور حافظ الأسد ونجله المعتوه!

في دول العالم التي تحترم شعوبها تكون المقرات الأمنية أبنية لها عناوين محددة وليست سرية، وينحصر عملها في أرشفة وجمع المعلومات الخاصة بأمن تلك الدول، وأحياناً تكون مقراً لإجراء التحقيقات، والاحتجاز المؤقت (غالباً 48 ساعة بالحد الأقصى) دون ان تتحول إلى سجون ومعتقلات، ودون أن يفقد المواطن فيها حق الدفاع عن نفسه، وحفظ كرامته، وإن حدث غير ذلك فإن الاحتجاجات تتصاعد، وتكثر المطالبات لمحاسبة من يرتكب فعلة كهذه، وقد يطاح برؤوس كبيرة عقاباً على هذه الجريمة إن حدثت!.

تخضع هذه المقرات الأمنية -عادة- للقوانين في تلك الدول، مثلها مثل مؤسسات الدولة الأخرى، ومهما كان حجم المشكلة التي تتابعها، فإنه لا يمكن لهذه الأجهزة أن تحيد عما رسمه لها القانون، كما هو الحال في لانغلي واسكوتلانديارد وغيرها من المقرات الأمنية المعروفة في العالم.

الأمر في سوريا "الأسدين..المقبور والمعتوه" مختلف جداً!

المعلن من هذه المقرات هي سجون، وأماكن اعتقال، ومراكز قتل وتعذيب -لم يشهد التاريخ مثيلاً لها- قبل أي شئ آخر، وهي، من جهة أخرى، شاملة لا تقتصر على المعروف منها أو المجهول الذي يتبع لهذه الجهة أو تلك، بل قد تتحول الكنيسة والجامع وغرف المحاكم إلى مقرات أمنية، تستخدمها هذه الأجهزة لإذلال مواطنيها وهدر كرامتهم، مثلما تتحول المدارس ودور السينما، كما حدث حين حولوا سينما العباسية بدمشق إلى معتقل، وعندما تحولت مدرسة فايز منصور إلى معتقل في سبعينات القرن الماضي، والبيوت الأثرية في الشام، ومنها بيت الشيخ الحسيني في الحلبوني، الذي تحول إلى معتقل شهير.

من المعروف أن خطة كارلوس التي وضعها لتنظيم الأجهزة الامنية السورية بتكليف من حافظ الأسد، تتضمن شقين: الأول منهما إنشاء أجهزة أمنية متنوعة الاختصاص (عسكري - جنائي - سياسي - جوي - أمن دولة ... الخ)، تراقب أنفاس الناس وتحركاتهم وعلاقاتهم وحياتهم الاجتماعية، وفي الوقت نفسه -وهذا هو الشق الثاني- تراقب هذه الأجهزة بعضها بعضاً، فالمطلوب من علي دوبا بوصفه رئيس إدارة الأمن العسكري لا يقتصر على مراقبة الحالة الأمنية العامة، بل يتجاوزها إلى معرفة حركات وسكنات زملائه جميل حسن أو علي مملوك أو محمد الخولي، بدوره الخولي يراقب دوبا والبقية، وعلي مملوك يراقبهما مع البقية، وهكذا دواليك مع البقية.. وكلهم في النهاية يرفعون تقاريرهم بالشعب وببعضهم إلى رأس الهرم المقبور ومن بعده نجله المعتوه.

يجدر التنويه هنا بأن مراقبة الفروع لبعضها لا تعني مراقبة أدائها وسلوكها تجاه الشعب، لمعاقبة المسيء، بل إنها مراقبة لمدى ولاء هذه الأجهزة لعائلة الأسد الحاكمة، أما إجرامها تجاه الشعب فلا يرتب عليها أي مسؤولية.

الأمر نفسه ينسحب على المحافظات، إذ تراقب كل جهة أمنية الجهة الأخرى، وكل رئيس فرع يراقب حركة زملائه، ويعمل على معرفة كل ما يفعلونه، سواء في إطار أعمالهم، أو في حياتهم الشخصية، وممارستهم لفنون الفساد، هم وعائلاتهم، بدءاً من تشفيط أبنائهم بسيارات الدولة، وليس انتهاء بـ"سلبطة" زوجاتهم على محلات الذهب، ومحلات اللانجري، لاختيار أفضل أساور الذهب، وأجود أنواع السوتيانات والمكياجات، مروراً بمحلات الأجهزة الكهربائية وغيرها!.

هذا كله من أسباب بقاء كل الخيوط بيد المقبور حافظ الأسد ونجله يتحكمان بها كيفما أرادا!.

كما قلنا.. كل التقارير ترفع للأعلى؛ حيث تؤرشف وفق أحدث أساليب الأرشفة، وتحفظ لساعة الحاجة، وتظهر إن صدف وإن نسي بعضهم نفسه فظن أنه يستطيع العيش وأخذ الإتاوات دون رضا وعلم المقبور ونجله، فتخرج التقارير ويرمى الذي كان قبل دقائق "عتريسا" رمي الفأر الميت في المزبلة. ويحفل تاريخ العصابة الحاكمة بمئات الأمثلة، وكلنا يذكر محمود الزعبي الذي بين ساعة وأختها تحول من رئيس وزراء إلى منتحر بخمس رصاصات، ومثله مصطفى التاجر الذي عفن في السجن بعد أن كان يلعب برقاب الناس، ومن الطرائف التي تروى في هذا الشأن، أنه كان يجري تجهيز وزير السياحة محمد أمين أبو الشامات لاستلام رئاسة الوزراء، وشاء حظه السيئ أنه خلال ممارسته رياضته الصباحية في شاليهات ميرديان اللاذقية، كان رفعت الأسد المغضوب عليه آنذاك، جالساً يشرب قهوته الصباحية أمام الشاليه.. مرّ أبو الشامات من أمامه، فدعاه رفعت لفنجان قهوة، فلبى الدعوة على مضض، لكن قبل إكماله شرب فنجانه وصله أمر إقالته من وزارة السياحة، وأرسلت له أغراضه الشخصية قبل أن يصل العاصمة!.

ولكي لا ينسى هؤلاء"العتارسة الأمنيون" ذيليتهم، وأن العصابة الحاكمة هي من يتحكم بالهواء الذي يتنفسونه، فقد دأب حافظ الأسد على تذكيرهم بحجومهم الصغيرة بين فترة وأخرى، وكل السوريين يعرفون كيف أن حافظ الأسد - سيد الإجرام العالمي - سلخ علي دوبا كفاً أمام الملأ؛ لأنه حاد قيد أنملة عن الخط المرسوم له، رغم كل خدمات الإجرام التي قدمها دوبا لهذه العائلة وإسهاماته الكبرى في إدامة تحكمها في رقاب السوريين ومعاشهم اليومي.

في إطار هذه الهيكلية والتراتبية الأمنية، وكي يبقى الأمر ممسوكاً، كان لا بد من توسيع المقرات والأجهزة الأمنية، وربطها بإحكام، خاصة بعد مجازر حماة في بداية ثمانينات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها نحو أربعين ألف مدني بريء، في واحدة من أفظع جرائم القرن الماضي، ذلك أن نظام عائلة الأسد، أيقن بعد المجزرة أنه نظام مكروه، وأن حاضنته لا تتعدى المستفيدين من فتاته، وأن ثمة هوة كبيرة بينه وبين الشعب الذي يحكمه.

مع بداية الثمانينات، ما عادت المقرات والأجهزة الأمنية مقتصرة على المعلن منها، فتحولت الوزرات والمديريات والمؤسسات إلى مقرات أمنية فيها مسؤول أمني يحل ويربط أكثر من الوزير نفسه، أحياناً بمسمى وظيفي كمدير مكتب للوزير، وأحياناً تحت يافطة "المسؤول الأمني" وهذا المنصب قد يتقلده "بوفجي" الوزارة، إن كان قريبا لمدير هذا الفرع الأمني أو ذاك، أو ناشطاً في توريد التقارير، وتكون لهذا "البوفجي الأمني" الكلمة العليا في الوزارة، فيما يكون طموح أكبر وزير الحصول على استدعاء - ليس دعوة - من رئيس فرع أمني لشرب القهوة معه!

الأمر نفسه ينسحب على الإدارات العامة، فالمسؤول الأمني كلمته هي العليا، وهو قادر على التدخل في كل شؤون المؤسسة الإدارية منها وحتى الفنية التي تحتاج إلى خبرة واختصاص، وكم من حملة شهادة ابتدائية تم تسليمهم مهام فنية تحتاج إلى معرفة واختصاص، لمجرد أن المسؤول الأمني راض عنهم، وتمكن من رسم صورة وردية عنهم لدى الأفرع التي يتعامل معها.

المسؤول الأمني صاحب الكلمة الأهم، نراه في القيادة القطرية وفروع الحزب، وفي المنظمات الشعبية، وفي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وفي مقرات الصحف، وفي مؤسسة الأعلاف، وفي قصور العدل، وفي معمل الشحاطات.. إنه ظاهر بمسدسه المتدلي على جنبه، لكنه مرصود من أمني آخر سري يراقبه ويراقب ضحاياه!

حتى الجوامع والكنائس تحولت إلى بقع أمنية غالبا ما يكون خطباؤها مرتبطين بهذه الأجهزة، تأتيهم الخطب جاهزة، ومطالبون بأن تكون عيونهم 10/10 في مراقبة المصلين وأحاديثهم بعد الصلاة، بل وحتى طول لحاهم!

الأمر نفسه نجده في الجيش، حيث يبرز الدور الكبير للمقر الأمني، الذي يديره ضابط تحت مسمى "ضابط التوجيه المعنوي"، سيارته لا تقل رفاهية عن سيارة قائد القطعة حتى لو كانت رتبته متدنية، وأمره مجاب في كل الشؤون، يخافه قائد الثكنة مثلما يهابه حاجبها، يتدخل في كل شاردة وواردة، إنه عين الأجهزة الأمنية ومراسلها، ترفيعه من رتبة إلى أعلى سلس، وتقريره يحدد ترفيع زملائه من عدمه.

وفي هذا الصدد قد يترقى ضابط الأمن إلى مسؤول أمني إذا كانت خدماته جليلة، وولاؤه كلبياً، كما حدث مع رستم غزالة، الذي كان ضابط أمن كتيبة، ثم ترقى إلى أن وصل لرئاسة الأمن العسكري، لكنه حين "لعب بذيله" قليلاً، قاموا بشقه إلى نصفين، وسجلت الحادثة ضد مجهول.

هذا الكلام ليس نوعاً من التبلي أو الإجحاف بل وصف لواقع، عاشه السوريون عقودا في ظل دولة عصابة لا مؤسسات.. دولة عائلة فاسدة لا دولة قانون!

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
هذا الرهان السوري على هيلاري كلينتون

يحظى السباق الانتخابي الأميركي، الموصل في النهاية إلى البيت الأبيض، في أيامنا هذه، باهتمام سياسي وإعلامي كبير، على المستوى العربي، حيث تنال أنشطة المرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتصريحاتهم قسطاً وافراً من التغطية التي تقوم بها مختلف وسائل الإعلام العربية، وخصوصاً قنوات التلفزة الفضائية التي تقدم تغطية واسعة، ومبالغاً فيها في بعض الأحيان. غير أن للرهان على أحد المرشحين، سواء هيلاي كلينتون أو دونالد ترامب، مبرراته، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى، يؤثر أي تغيير في تركيبتها السياسية الحاكمة على أمن العالم، والبلاد العربية خصوصاً. وبالتالي، من المهم معرفة مواقف المرشحين من القضايا العربية بشكل عام، والقضايا ذات الملفات الشائكة والملتهبة في المنطقة بشكل خاص، كالمسألة السورية والقضية الفلسطينية والوضع في كل من العراق ولبنان ومصر.

ومن المهم كذلك، في هذا السياق، أن يتحكّم بعلاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية مدى وكيفية مقاربة المرشحين للرئاسة الأميركية هذه القضايا، بل ومقاربة الإدارة الأميركية منها، مع أن منصب الرئاسة، على أهميته، لا يحدّد من يعتليه وحده المواقف والسياسات، كونه يخضع لجملة من الاعتبارات والعوامل التي تتحكّم في السياستين، الداخلية والخارجية، للولايات المتحدة، وفي مقدمتها المصالح الأميركية والشركات الكبرى، ومجموعات الضغط واللوبيات المؤثرة على صانعي القرار.
ويخطئ كل من يراهن على نتائج الانتخابات الأميركية، وخصوصاً الساسة العرب، لأن وصول رئيس أميركي جديد، لن يفضي إلى أي تغييرٍ جوهري في الموقف الأميركي المنحاز بشكل سافر إلى إسرائيل، بسبب الإطار المرجعي الذي تشكّل فيه العقل السياسي الأميركي حيال القضايا العربية، وبسبب وجود جماعاتٍ مواليةٍ وداعمة لإسرائيل وسياساتها، وغياب أي تأثير عربي على صانعي القرار، على الرغم من أهمية المصالح الأميركية في منطقتنا.

فيما يخص المسألة السورية، يلاحظ أن مشتغلين في الحقل السياسي لا يخفون حماستهم لوصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، معتقدين أنها ستفوز في الانتخابات الأميركية المقبلة، وأنها ستساهم في إيجاد حلّ سياسي للمسألة السورية، من جهة أنها لن تترك الملف السوري بيد الروس، بل ستمارس ضغطاً قوياً باتجاه إيجاد حل سياسي، وإلا فإنها قد تعمد إلى التلويح والانحياز إلى حل عسكري للمسألة.

وقد أسرّ لي أحد أعضاء قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن "هنالك ما يشبه التصميم، أو القرار، الأميركي، على أن يبقى الملف السوري في حالة من الجمود، مع الحرص على عدم إحداث تغييراتٍ كبرى على الأرض، إلى حين مغادرة الرئيس باراك أوباما، وأن كل المؤشرات تفيد بأن لهيلاري كلينتون الحظ الأوفر في الوصول إلى البيت الأبيض. لذلك، أضحت الاتصالات قائمةً مع طاقم كلينتون الانتخابي، لترتيب المرحلة المقبلة، ومعروفة مواقفها من المسألة السورية، وأنها ستدعم المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، على الأقل، في حال عدم التوصل إلى حلّ سياسي. وبالتالي، هذا يفسر القول إن "على الأسد أن يرحل عبر حلّ سياسي، وإلا فإنه سيرحل بالقوة العسكرية".

يخفي هذا الرهان على هيلاري كلينتون، أماني كثيرة، مع انسداد الأفق السياسي، إضافة إلى الإصابة بالعجز، والتعويل على التمنيات. ولعل الدرس المفيد هو عدم المراهنة على ما يقوله، ويعد به، المرشحون للرئاسة في حملتهم الانتخابية، لأن الأقوال والوعود شيء، والواقع والمتحقّق بعد انتهاء الحملة الانتخابية شيء آخر، إذ ما أن يعتلي أحدهم كرسي الرئاسة، حتى تأتي السياسات متناقضةً، في غالب الأحيان، مع الوعود. ولا شك في أننا سمعنا وعوداً أميركية كثيرة حيال المسألة السورية، على لسان مسؤولين أميركيين عديدين، وذهبت كلها هباءً، وقبل ذلك، سمعنا غيرها من الوعود حيال القضية الفلسطينية، إذ نتذكّر، على سبيل المثال، ما عرف بـ"وعد بوش أو رؤيته" بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية، إذ غادر دبيلو بوش البيت الأبيض، قبل أكثر من سبع سنوات، ولم يبذل، في فترتي رئاسته الولايات المتحدة، أي جهد حقيقي من أجل تحقيق رؤيته في إقامة دولة فلسطينية.

ومعروف أن القضايا والأزمات والكوارث الخارجية، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا تبدو أساسية، وقد تحتل حيزاً صغيراً، من منطلق عام، يخص السياسة الخارجية، وتطاول مكانة الولايات المتحدة، القوية أو الانعزالية. صحيح أن لدى بعض الساسة خشية كبيرة على مكانة الولايات المتحدة في العالم، بسبب سياسات باراك أوباما المنكفئة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن إعادة الانخراط تحتاج إلى إدارة جديدة، تملك الرغبة والمحرّض والوقت الكافي لذلك، وليس هناك ما يؤكد أن مواقف هيلاري كلينتون، إذا ما وصلت إلى البيت الأبيض، ستختلف عن مواقف أوباما، بالرغم من مواقفها التي يمكن استخلاصها من مذكّراتها، أو من مواقفها عندما كانت وزيرة خارجية، حيال الأزمة الليبية، وما يُحكى عن محاولاتها إقناع أوباما بالتدخل في سورية. يضاف إلى ذلك أنها أظهرت في حملتها الانتخابية مواقف حيال أزمات (وملفات) المنطقة العربية، لا تبتعد كثيراً عن سياسة الانكفاء التي مارسها، وما يزال، الرئيس باراك أوباما.

ولا يعدم الأمر إمكانية تخلي الرئيس القادم عن سياسات أوباما في المنطقة العربية، خصوصاً المسألة السورية، لكن الرهان قد لا ينجح، إذا علمنا أن كلاً من كلينتون وترامب، إذا وصلا إلى كرسي الرئاسة الأميركية، فإنهما سيعملان وفقاً لما تمليه عليهما مصالح الولايات المتحدة. لذلك، على بعض المشتغلين في السياسة، سوريين وغير سوريين، ألا ينتظر عصا الحل السحرية من الرئيس الأميركي القادم، خصوصاً أن هناك مشكلات وأزمات عالمية عديدة متراكمة أمام صانعي السياسة الخارجية الأميركية، وبالتالي، من المهم جداً التسليم بأن العلاقات الدولية تبنى وفق موازين قوى، ولا تتحقق بالتمنيات أو الأحلام، بل ببناء عناصر القوة، عبر تشكيل مجموعاتٍ ضاغطة على صانعي القرار، وبناء صلاتٍ مؤسساتية، وإيصال معاناة السوريين بشكل صحيح إلى الرأي العام الأميركي.

ولا شك في أن الناخب الأميركي سيقترع، في انتخابات الرئاسة المقبلة، لمن يطلق وعوداً أو يطرح برنامجاً، يلبي مطالبه في تحسين ظروف حياته ومعيشته، ولا يكترث معظم الناخبين بالمسألة السورية، وبسواها من المسائل العربية، في حين أن ما يهم السوريين أن يكون الرئيس المقبل أكثر واقعية في تعامله مع مطالبهم في الحرية والديمقراطية والخلاص من الاستبداد، وحين قاموا بثورتهم، قبل أكثر من خمس سنوات، لم يراهنوا على أحد، بل على أنفسهم.

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
حديث الحل في سوريا

رواية أن تركيا تميل للقبول بحل يرضى ببقاء بشار الأسد رئيسا للنظام السوري، من دون صلاحيات، ولمدة تحدد بستة أشهر، لا تبدو قابلة للتصديق. السبب أن هذا الطرح نفسه سبق وقبلت به معظم الدول الموالية للمعارضة السورية منذ أكثر من عام ونصف، وأعتقد أن تركيا بينها، الذي رفضه إيران وساندتها روسيا.

المبادرة موجودة على الطاولة، وتعكس ما كان يجري على أرض المعركة. فقد طرحت بداية في أعقاب محاصرة النظام، وقدمت كحل يوقف الضغط ومناورة لكسب الوقت. إيران وروسيا حينها رحبتا بفكرة نظام مختلط، وأعلنتا استقبالهما لوفود المعارضة للبحث في حلول مناسبة. وخلال الأشهر التالية رفع البلدان مستوى تسليح قوات الأسد، وأغرقتا سوريا بميليشيات مسلحة جلبت من العراق وأفغانستان، إضافة إلى قوات الحرس الثوري الإيراني، وكذلك «حزب الله» الموجودين مبكرًا.

في نفس الوقت لعب تنظيم داعش دورًا تخريبيًا خطيرا حرف الثورة السورية عن مسارها، وشوه سمعتها، بعمليات الذبح والحرق الدعائية، واستهدف الأكراد والأجانب، كما هاجم مناطق الجيش الحر المعارض الذي استولى عليها خلال السنتين الماضيتين من حربه مع النظام. يضاف إليه استهدفت روسيا تركيا في محاولة لتحييدها. بسبب ذلك صار الحل السياسي غير ضروري لمحور طهران، اعتقادا منه أنه عسكريا نجح وأضعف الجيش الحر، وعطل نفوذ تركيا إلى حد كبير. كما أن الغرب خاف من دعم التغيير بسبب جرائم «داعش» المروعة، وبعد جحافل المهاجرين التي غزت أوروبا، في أكبر عدد يدخل القارة بلا إذن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورغم تتابع النكسات، فإن العالم رأى بالدليل الدامغ أن نظام الأسد رغم كل ما حصل عليه، مثل مريض بالسرطان، عاجز عن الانتصار، وعاجز حتى عن الاحتفاظ وإدارة المناطق التي استعادها. يبدو نظاما متآكلا، إداريا وعسكريا وأمنيا، وفوق هذا كله لا يزال مكروها من غالبية الشعب. لم تفلح القوات الروسية الجوية، ولا الأرضية الإيرانية، ولا ميليشيات «حزب الله» والعراقية والأفغانية، في السيطرة على الأرض، وحلب مثال على ذلك رغم ما أصابها من دمار مريع.

حلفاء الأسد، الذين يدفعون بالدم والمال، يدركون جيدا اليوم أن الانتصار بعيد، ويعرفون أن ثمن الاستمرار في الدفاع عنه سيطول وسيستنزف مقدراتهم. هل هذا كاف لإقناعهم بالتخلي عن الأسد من خلال حلول تحفظ لهم ماء وجههم، وتحافظ على معظم مكاسبهم؟ لا أظن ذلك. هذه الأنظمة الفردية تعطي أهمية للاعتبارات السياسية والإصرار على الانتصار أكثر من حسابات الربح والخسارة.

عندما طرح حل يقترح الأسد رئيسا مؤقتا بلا صلاحيات، في وقت تجرى فيه انتخابات لمرحلة انتقالية وحكم مختلط من النظام والمعارضة، مشروط بإحالة الأسد للتقاعد، فإنه كان يعتبر تنازلا كبيرا من المعارضة والدول الحليفة لها. هذا الطرح لا يزال مناسبا آخذين في الاعتبار أنه لا أحد من الفريقين قادرا على حسم الحرب. لكن إن قبلت المعارضة بما هو أقل من ذلك، ستكون هزيمة مغلفة. نعرف أن الضغوط هائلة على حلفاء المعارضة، وهم يضغطون عليها. اللاعبان الرئيسيان روسيا و«داعش» تحديدا، وبسببها عبرت الحرب جزئيا الحدود إلى تركيا، حيث إن تكرار الانفجارات داخل أراضيها هو تطور خطير يهدد سياحتها وتجارتها واستقرارها.

لا أتصور أن تركيا، ولا دول الخليج، تقبل أن تنحني لإيران وروسيا في سوريا، لأن تبعاتها تتجاوز الأزمة السورية وتقوية المعارضة الحل الوحيد أمامها.

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
نصرالله.. كارت محروق

بعد أيام قليلة تحل الذكرى العاشرة للحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، في أعقاب هجوم نفذه حزب الله اللبنانى وأسر خلاله جنديين إسرائيليين، في ذلك الوقت كانت القضية الفلسطينية لا تزال تتصدر وهج الإعلام العربى ويلتف حولها التعاطف الشعبى، كانت القضية في بؤرة الاهتمام حتى ولو باليسير من الجهد، وكان حزب الله بمثابة الأمل في قوة عربية مقاومة للاحتلال الإسرائيلى ترفع راية النضال والعمل المسلح رغم عدم التكافؤ في القوة والعتاد، غير أن حزب الله كان له بريق آسر لقلوب الشعوب العربية لأنه كان يعبر عن مكنون ذاتهم ونبضهم في مجابهة إسرائيل التي كاد أن يطمسه خنوع الأنظمة وجنوحها للتطبيع تحت عنوان السلام.

حزب الله كان يتصدر مانشيتات الصحف العربية والاجنبية وحتى العبرية، قام بعمليات نوعية ضد جيش الاحتلال جعلت منه ايقونة لمقاومة كادت أن تختفى من القاموس السياسى العربى، أو على أقل تقدير تتوارى إلى أن تندثر، ومع كل صيحة انتقام كانت تنفذها المقاومة اللبنانية وحوب الله ضد الجيش الاسرائيلى أثناء الحرب، كانت السماء ترعد بالهتاف والتكبير معلنة التأييد لحسن نصرالله ورفاقه في المقاومة، ورغم أن الحرب كان لها أثمانها الباهظة على لبنان واللبنانيين، وكان لها أيضا معارضوها، غير أن الالتفاف الشعبى العربى كأن الأكثر وضوحا في المعادلة، وكانت الأصوات المؤيدة لحزب الله أكثر ارتفاعا وصخبا.

الآن وبعد مرور عشر سنوات على الحرب كثر خلالها الجدل والانتقاد والتحليل حول جدواها ومن الكاسب والخاسر فيها، تغيرت الخريطة وطفا على معالم جغرافيا المنطقة العربية مستجدات خطيرة وعلى سياسات الدول منعطفات حادة وعلى حماس الشعوب خفوت ملحوظ وصل لحد اللامبالاة، فالربيع العربى الذي ضرب عصب المنطقة العربية بأسرها مثل إعصار أجهز على الأخضر واليابس، غير ملامح العلاقات السياسية بين الدول تماما مثلما غير ملامح الجغرافيا، ومع حلول ذكرى الحرب العاشرة وتقارير وتحليلات إسرائيلية تتحدث عن أنها كانت فشلا مدويا، وحديث هامس عن حرب قادمة، إلا أن الواقع يؤكد وجود ردع متبادل وأن حربا جديدة ستكون كارثة على الجميع بما في ذلك إسرائيل.

ومع ذلك لايزال الإسرائيليون يوجهون انتقادات للجيش والحكومة بسبب أدائهما خلال هذه الحرب التي سقط خلالها أكثر من مئة صاروخ يوميا على إسرائيل إضافة إلى إخفاقات الجيش الذي وصف زورا بأنه «الجيش الذي لا يقهر أبدا»، وجاءت الحرب لتدحض هذه الخرافة وتعرى سوءة جيش الاحتلال الإسرائيلى وتثبت أن القوة ليست بالعتاد، بل الإيمان بعدالة ما نحارب من أجله ونضحى بالغالى والنفيس في سبيل تحقيقه، فما الذي تغير خلال السنوات العشر؟

المتغيرات كثيرة ومتشابكة سقطت أنظمة وارتقت أخرى، انهارت دول واعتلى عروشها الإرهاب وتكالبت دول أخرى على جاراتها لتنفذ أجندات خارجية تمنحها هامشا من التحرك بحرية لتكون خارج بؤرة الخطر، سيطر الإسلام السياسى على دول وتحولت إلى ساحات حروب ضارية، والتهمت شعوبها في وجبات طازجة كان يجهزها مطبخ الدول الكبرى، تاركة مخلفاتها من الهدم والتدمير والتشرذم والأخطر تفتييت وحدتها وارتكانها إلى الطائفية، ولا أعتقد أن حزب الله الذي كان يحظى بالتأييد والإعجاب مازال يمسك بخيوط اللعبة، فقد أصبح في بؤرة الجدل والهجوم والتشكيك في ظل عنفوان الحرب الدائرة في سوريا، أصبح ينظر له بعين الريبة بعد أن تغيرت تحالفاته وانحرف مسار سياساته، أصبح يغرد خارج السرب بعد أن ضرب زلزال الطائفية المنطقة العربية برمتها فدمر بنيتها التحتية وفرق بين شعوبها، وبدأ التعامل على الهوية، انفض الإجماع حول المقاومة وأصبح لها أكثر من معنى وتفسير، ولو قدر لحزب الله أن يخوض معركة جديدة ضد إسرائيل لن يلقى الحفاوة أو التأييد الذي كان يحظى به في حرب 2006 التي كان وقودها الشعب وليس النظام، أصبح حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله كارتا محروقا تتقاذفه الأيدى يمينا وشمالا، ويكفى أن تراهن إسرائيل على أن حربا قادمة مع حزب الله قد تكون في مصلحة تل أبيب خاصة وأن حزب الله منشغل بالحرب الدائرة في سوريا، ومشاركته في الحرب في سوريا قد غيرت من طبيعته، وبالتالى فإن الأولوية بالنسبة لحزب الله وإيران الداعم الرئيسى له هي الحفاظ على نظام بشار الأسد، ومن شأن فتح جبهة مع إسرائيل أن يصرف حزب الله جل جهوده عن سوريا، والخسائر التي سيتكبدها حزب الله في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلى ستضعف سيطرة النظام السورى وايران في الأجزاء التي بقيت تحت سيطرتهم بالإضافة إلى تعرض حزب الله لانتقادات وهجوم شرس من جانب خصومه ومعارضيه في لبنان.

ويظل الأهم والأخطر أن جذوة المقاومة التي كان يدغدغ بها حزب الله مشاعر الشعوب العربية قد تآكلت ولم يعد لها الصدى الذي كان، وأى حرب محتملة يخوضها حسن نصرالله مع إسرائيل لن تحدث التأثير الذي يعزف على مشاعر الناس التي طالما جمع بينها وبين إسرائيل كره عتيد وثأر لابد من أخذه مهما طال الزمن، لأن تسارع القفزات السياسية التي غيرت استراتيجية المنطقة العربية ومن ثم تغير التحالفات وتبدل الاهتمامات جعل من أيقونة المقاومة جمرة نار ربما يحترق بها الجميع.

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
متى يدخل لبنان في عين العاصفة؟

يوم الأربعاء الموافق 4 نيسان (ابريل) الماضي، أرسل الصحافي والمخرج اندريه فليتشيك رسالته الروتينية لقراء نشرته التي تحمل عادة توقعاته لمستقبل الأحداث الجارية. وبعد أن قدم تغطية سريعة لانتصار قوات بشار الأسد وفلاديمير بوتين في سورية، حذر من خطورة حشر «داعش» في الزاوية، وتساءل عن المكان الأنسب لانسحاب عناصر «الدولة الإسلامية»!

وبعد أن اختار فليتشيك لبنان كملجأ أخير، زعم أن القوى التابعة لـ «داعش» لا تضطر الى الهرب أو الانتقال من العراق وسورية بسبب وجودها المضلِّل تحت سماء الوطن الذي اختارته محطتها الأخيرة!

ويزعم هذا الصحافي أن عناصر «داعش» منتشرة من سهل البقاع حتى المخيمات المحيطة ببيروت وصيدا وطرابلس. ولقد سهلت لغالبيتها الحرب الأهلية السورية فرصة تسلل أعداد تُقدَّر بمليون ونصف المليون نسمة. إضافة الى وجود 450 ألف لاجئ فلسطيني.

التوقعات التي أشار اليها هذا الصحافي الأجنبي في نيسان تحققت في آخر حزيران (يونيو) عندما تسلل أربعة انتحاريين الى بلدة القاع في أقصى شرق البقاع، وقتلوا خمسة مواطنين، وجرحوا خمسة عشر آخرين.

ومع أن القتيل الأول كان مسلماً في بلدة غالبية سكانها من المسيحيين، لذلك تصور المحقق أن العملية تهدف الى ضرب صيغة العيش المشترك. وبسبب تكتم الجهة المخططة لعملية فاشلة في هذا الموقع النائي، أطلق السياسيون والعسكريون اللبنانيون العنان للمخيلة بحيث فسّرها كل فريق وفق مزاجه ورؤياه:

فريق سارع الى حمل السلاح كبديل من الجيش بغرض توفير الأمن الذاتي، وذلك تحسباً لاختراقات أخرى. ولما أعلنت قيادة الجيش أنها وحدها ملزمة بحماية المواطنين، ذكـّرهم سكان القاع بالمجزرة التي افتعلتها القوات السورية سنة 1978، وذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين مواطناً. وكانت غاية النظام السوري من وراء افتعال تلك الحادثة إشعار المسيحيين بأنهم مهددون، وبأن القوات السورية هي ضمانتهم الأمنية شرط المبادرة الى دعوتها.

ويُستدَل من وقائع التحقيق أن طلال مقلد سأل في العتمة عمَّنْ يتحرك في الحديقة، فجاءه الجواب: «نحن من مخابرات الجيش اللبناني». واعترض على الادعاء الكاذب بالقول: «أنتم غرباء. لأن لهجتكم ليست لبنانية!». وشكـّل جواب طلال مقلد المدخل لتوسيع التحقيقات على طول الحدود اللبنانية المتاخمة لسورية، فإذا بحصيلة المخالفات تتعدى كل التوقعات.

ففي منطقة عكار دهمت وحدات الجيش مخيماً للنازحين السوريين، أوقفت على أطرافه 124 سورياً دخلوا الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية. وضبطت معهم 44 دراجة نارية من دون أوراق قانونية.

وعلى أطراف زحلة ضبطت في ذلك اليوم 12 سورياً يتجولون داخل الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية. وضبطت معهم ثلاث دراجات نارية من دون أوراق قانونية، وكمية من حشيشة الكيف.

ومن الأوصاف التصويرية التي كان الإمام المغيَّب موسى الصدر يطلقها على لبنان قوله: «هذا البلد المُستباح... المشرّع الأبواب». وربما ظل هذا الوصف أفضل صورة رمزية يعبر اللبنانيون بواسطتها عن حدودهم المشرّعة على الجارتين، الصديقة والعدوة.

بقي السؤال المتعلق بتوقيت عملية القاع، وما إذا كان تزامنها مع وقوع عمليات أخرى تبنّاها تنظيم «داعش» يشير الى محاولة إنقاذ مستقبله من الانحدار المتواصل.

وقد ظهر هذا الانحدار جليـّاً في عدة مظاهر أبرزها ضمور حجم دولته بنسبة 47 في المئة من أراضيه في العراق، وعشرين في المئة من أراضيه في سورية. وكان من الطبيعي أن يستتبع هذا التحول انخفاضاً في عدد المقاتلين من 33 ألف انتحاري الى حوالى 18 ألفاً فقط. كذلك قلصت الغارات الاميركية المتواصلة من عائدات النفط بحيث انتهت الى 150 مليون دولار سنوياً.

يقول المحللون أن الجرائم الجماعية التي ارتكبها تنظيم «داعش»، في القاع وبغداد ومطار إسطنبول وبنغلادش والسعودية، لم تكن أكثر من ردود فعل غاضبة حيال خسارة الأرض والموقع الاستراتيجي المميز في الفلوجة. إضافة الى خسارة الأرض والعناصر البشرية، فإن الغارات الجوية دمرت حوالى 260 آلية، وقتلت 150 عنصراً أثناء محاولتهم الفرار من الفلوجة.

وعندما احتفل رئيس وزراء العراق حيدر العبادي بالنصر، أعلن أن الخطة العسكرية المقبلة تستهدف تحرير مدينة الموصل. أي المدينة الأساسية التي انطلق منها أبو بكر البغدادي ليعلن دولة «الخلافة».

كل هذه المتغيرات تعتبرها قيادة «داعش» مقدمة لاستعادة الأرض التي أعلنت فوقها كياناً له حدود مرسومة، بعكس منظمة «القاعدة» التي تفتقر الى حيازة أرض معينة لعناصرها.

وفي تسجيل صوتي أعلن محمد العدناني، الناطق باسم التنظيم والمشرف على العمليات الخارجية، أن البغدادي سيضطر الى حل نظام الدولة والعودة الى حرب العصابات ضد أعدائه أينما كانوا. وهذا يعني، وفق مفهومه، إحياء نظام الخلايا السرية في بريطانيا وألمانيا وايطاليا، على أن تتم الاستعانة بمنظمي هجمات باريس وبروكسيل. وفي ضوء الاستراتيجية الجديدة يُصار الى التركيز على نشاط عشرين ألف مقاتل يرفعون راية التنظيم في ليبيا ومصر وأفغانستان وباكستان ونيجيريا.

وتشير بعض التحاليل الى العلاقة الوثيقة بين توقيت عمليتي إسطنبول والقاع، على اعتبار أنهما نابعتان من الضائقة الأمنية التي يمر بها «داعش» في أكثر من مكان. لذلك قام بعمليتَيْن بعيدتين في تركيا ولبنان من أجل تخفيف الضغط عليه في سورية والعراق.

الصحف الأوروبية والعربية ألمحت مراراً الى انتقام «داعش» من تركيا التي لعبت دوراً أساسياً في قيام التنظيم. وكانت المساعدة التركية له تتم بطرق ملتوية تشمل الدعم المادي لشراء النفط المهرَّب، وتزوير الدولارات الاميركية، وتهريب قوافل الأسلحة والسيارات اليابانية، وإرشاد المقاتلين الى الممرات المفتوحة الى سورية، بهدف تسهيل تسلل المتطوعين القادمين من الخارج.

وكان وزير خارجية بريطانيا السابق، فيليب هاموند، قال لصحيفة «دايلي تلغراف» أن بلاده تمكنت من منع 600 مواطن من التوجه الى تركيا للانضمام الى التنظيم الجديد. ولكنه اعترف بأن 800 آخرين تمكنوا من الوصول الى سورية عبر تركيا.

وبسبب تغيير موقف رجب طيب اردوغان، قرر «الخليفة» البغدادي التعامل مع النظام التركي على أنه كافر. ومعنى هذا أن كل وسائل إسقاطه أصبحت مسموحة، تماماً مثلما استخدم خالد الاسلامبولي (الإخوان المسلمين) هذا المنطق لقتل الرئيس أنور السادات.

المفاجأة التي أطلقها اردوغان خلال حفلة إفطار يوم الأحد الماضي أثارت بعض التكهنات حول غايته من منح الجنسية التركية لمَنْ يرغب من مليونين وسبعمئة ألف نازح سوري. وقال في هذا السياق: «أنتم إخواننا وأخواتنا. لم تبتعدوا عن وطنكم، وإنما عن منازلكم فقط، لأن تركيا هي أيضاً وطنكم».

وعلى الفور اتهمه معارضوه بأنه يريد تسجيل مزيد من الناخبين في حال نجح في تعديل الدستور وتحويل بلاده الى نظام رئاسي، إضافة الى العامل الانتخابي، إلا أن نشر هذه الأعداد من المجنسين السوريين على طول الحدود مع سورية يؤمن له المنطقة الآمنة التي طالب بها سابقاً. أي قيام رقعة جغرافية تمتد الى عمق عشرة كيلومترات من حدود بلاده، وتشمل منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي. ويرى اردوغان في وجود هذا الحائط البشري سياجاً واقياً يحمي تركيا من هجمات الأكراد و «داعش».

وقد تركت مبادرة اردوغان ردود فعل غاضبة في لبنان والأردن، خوفاً من أن تتحول الى مشروع حل للنازحين في البلدين. وربما لمس البطريرك الماروني بشارة الراعي هذا المنحى السياسي أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، الأمر الذي دعاه الى إعلان رفضه ورفض الدولة اللبنانية لهذا الخيار.

بقي السؤال المتعلق بأمن لبنان، وما إذا كانت عملية القاع ستتكرر في وقت آخر.. وموقع آخر؟!

الجواب عن هذا السؤال الصعب يمر عبر التصريحات التي يدلي بها قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي يفاجئ المواطنين بين حين وآخر باكتشاف عملية سارع الجيش الى إحباطها. هذا الاكتشاف «الغامض» مرده الى معلومات ترِد من استخبارات أجنبية، ومن الولايات المتحدة بالذات، حول احتمال وقوع عملية ما في مكان ما. وهذه المعلومات هي حصيلة التنصّت على كل الهواتف، وكل المكالمات الداخلة الى لبنان والخارجة منه. وهذا لا يعني بالطبع أن واشنطن حريصة على استقرار لبنان، بقدر ما يعني أن الرئيس باراك اوباما حذر اسرائيل من افتعال حادثة تبرر تورطها في ضرب لبنان. لذلك جاءت عمليات التنصت الأميركي كجزء من المراقبة الدائمة.

والمؤسف أن «داعش» يحذر عناصره من استخدام الهاتف، قبل تنفيذ العمليات، وبعدها.

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
التتريك والتجنيس.. وتمزيق السوريين!

اختار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان محافظة كيليس على الحدود السورية ليعلن، خلال إفطار حضره عدد من اللاجئين السوريين، أن الحكومة التركية تعمل على مشروع يمنح الراغبين من هؤلاء اللاجئين الجنسية التركية، لم يلتفت إلى السوريين الجالسين أمامه، بل تعمّد النظر إلى الحدود السورية ليقول: سأزفّ إليكم خبرًا سارًا، سنساعد أصدقاءنا السوريين من خلال منحهم الفرصة، إذا كانوا يرغبون في الحصول على الجنسية التركية. إن وزارة الداخلية ستعلن الإجراءات التي يتوجب اتخاذها للحصول على الجنسية.

عندما قرأ أحد السياسيين في بيروت قول إردوغان للسوريين: «نعتبركم إخواننا وإخوتنا، لم تبتعدوا عن وطنكم، لكن فقط عن منازلكم وأراضيكم، لأن تركيا هي أيضًا وطنكم»، حبكت معه النكتة فقال: إردوغان لا يسطو على السوريين الذين فروا إلى تركيا فحسب، بل يسطو أيضًا على شعار حافظ الأسد، الذي كان يقوله للبنانيين: «نحن شعب واحد في بلدين»، رغم أنه كان يعتبر اتفاق سايكس بيكو مؤامرة سلخت لبنان عن سوريا.

يوم الثلاثاء الماضي، كرر إردوغان في إسطنبول طرح خطته لمنح الجنسية التركية لمليونين وسبعمائة ألف من الذين فروا من سوريا، وخصوصًا أولئك الذين تتوافر لديهم مؤهلات قد تفيد تركيا، وقال إن «الدول الغربية تفتح أبوابها لأمثال هؤلاء الأفراد الموهوبين، وليس لدى هؤلاء أي خيار سوى الذهاب إلى الغرب، عندما لا نفتح لهم أبواب المواطنة، نحن نودّ أن ننتفع من علمهم»!

ومرة جديدة حبكت النكتة مع السياسي اللبناني، فقال: سواء كانت دعوة إردوغان تجنيسًا أو توطينًا أو تتريكًا للسوريين، فإنها تذكّرنا تحديدًا بلواء الإسكندرون السوري، الذي ابتلعته تركيا وصار يُسمى مقاطعة هاتاي، والذي ظل النظام السوري يطالب دائمًا باسترجاعه، ولم يتردد بعض المقربين منه في القول، بعدما اشتبك فلاديمير بوتين مع إردوغان، إن روسيا ستساعدنا في استرجاع لواء الإسكندرون السليب، ولكن يبدو أن المصالحة بين إردوغان وبوتين فتحت الباب أمام تتريك ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين!

وفي حين أثار اقتراح إردوغان عاصفة معارضة على وسائل الاتصال الاجتماعي، ترفض هذا الأمر وتعتبره مناورة لمصالح سياسية شخصية تخدم إردوغان، لأن منح الجنسية ينبغي أن لا يكون وقفًا على إرادة شخص واحد، ولو كان رئيس الجمهورية، بل هناك حاجة إلى إجراء استفتاء، كان هناك في المقابل من يصفّق بحرارة لهذا الاقتراح!

التصفيق لم يقتصر على اللاجئين السوريين في تركيا الذي فروا من جحيمين؛ جحيم النظام منذ أربعين عامًا، وجحيم حرب النظام على الشعب منذ خمسة أعوام، ويجدون في التجنيس متنفسًا يفتح أمامهم أفقًا جديدًا، بدلاً من ركوب خطر الموت غرقًا في الطريق إلى الدول الأوروبية التي تمضي الآن في تضييق بواباتها، بل كان التصفيق حماسيًا عند بان كي مون الذي وضع أمام الأمم المتحدة تقريرًا من 39 صفحة ستدرسه في 19 سبتمبر (أيلول) المقبل، ويدعو صراحة إلى توطين اللاجئين، وأثار زوبعة من الغضب في لبنان وفلسطين تحديدًا، وكان تصفيق النظام السوري وراء أبواب مغلقة، فحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد فعل أو تعليق على اقتراح إردوغان الذي يقتطع الشعب السوري كما تُقطع الأرض وتُمزق!

قبل الحديث عن اقتراح بان كي مون الذي يفتح بابًا لإسقاط حق العودة للفلسطينيين مثلاً، من الضروري النظر في الأبعاد التي دفعت إردوغان إلى اتخاذ قرار التجنيس أو التتريك؛ ففي نظر عدد من الخبراء والباحثين، ومنهم آيكان أردمير من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، فإنه لا علاقة قطعًا بين تفهّم أوضاع اللاجئين والتعاطف معهم، وإعلان إردوغان الذي يمثل رهانًا واضحًا لخدمة مصالحه السياسية الشخصية على مستويات عدة:
1- إردوغان يبحث عن المزيد من الأصوات التي يمكن أن تضمن لحزب العدالة والتنمية أكثرية الثلثين في مجلس النواب، بعد أن فقد أصوات الأكراد، ومن أصل ثلاثة ملايين سوري، يمكنه أن يحصل على خزّان من مئات آلاف الأصوات المؤيدة بالضرورة، وخصوصًا بعدما أمّن لهم حياة جديدة.

2- إن حصوله على مئات آلاف الأصوات الإضافية، سيتيح له الحصول على أغلبية ساحقة تساعده على تحقيق ما فشل فيه سابقًا، أي تعديل الدستور الديمقراطي البرلماني لجعل النظام رئاسيًا، أو الدعوة إلى استفتاء لتحقيق هذا.

3- إردوغان يريد أن يرسم لنفسه صورة مشرقة أمام الغرب، وخصوصًا بعد الاتهامات التي طالما وُجّهت إليه بأنه يدعم «داعش» ويفتح أمامه الحدود التركية للوصول إلى سوريا فالعراق، وفي هذا السياق يعلّق الدكتور جان ماركو أستاذ العلوم السياسية في جامعة غرونوبل الفرنسية، بالقول إن إردوغان يريد تحسين صورته أمام المجتمع الدولي، من خلال تسويق صورة تركيا كبلد منفتح على الهجرة، وخصوصًا أن الدول الأوروبية عانت ولا تزال من موجات الهجرة، التي كانت أحد الأسباب التي أدت إلى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

4- تجنيس إردوغان اللاجئين السوريين يساعد تركيا على دخول مرحلة أكثر استقرارًا بعد ترتيب العلاقات مع روسيا وإسرائيل، ويمكن لسوق العمل التركية أن تكسب المزيد من الأيدي العاملة والخبرات، خصوصًا أن حقبة «المجتمع الشاب» في تركيا تكاد تنقضي، لهذا يمكن أن يساعد دمج مئات آلاف يكدحون بجدٍ وحيوية ونشاط لبناء حياة جديدة، أن يعطي دفعًا للاقتصاد التركي المتعثر.

بالعودة إلى تقرير بان كي مون الذي وضعه بعد جولته في المنطقة تحت عنوان «بأمان وكرامة.. التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين»، من الواضح أنه لا علاقة لمضمونه بالكرامة ولا بالأمانة، لأنه يسهل عليهم التخلي عن حقهم في الاحتفاظ بهويتهم، وفي بعض الحالات مثل فلسطين أصلاً، ومثل لبنان والأردن أخيرًا يمكن أن يصبح مُدمّرًا تمامًا.

يطلب التقرير من تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر تطبيق «النهج الأفضل»، أي استيعاب اللاجئين في كل مجالات الحياة، لأن «الاستيعاب في مصلحة كل الأطراف، بلدان المنشأ والمضيف واللاجئ، وأن الإدماج يعني الاستيعاب الذي يجب أن يبدأ فورًا»، ويبدو واضحًا من خلال القانون الدولي وتحديدًا اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (لبنان لم يوقّع عليها) أن الاستيعاب يعني تمامًا التجنيس، الذي فعلاً سيكون مدمرًا لبلد مثل لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين ونصف المليون، لكنه يستضيف مليوني سوري، وأكثر من نصف مليون فلسطيني، إضافة إلى ثلاثمائة ألف من جنسيات مختلفة.

يبلغ عدد سكان تركيا 80 مليونًا يستطيعون استيعاب ثلاثة ملايين سوري أي بنسبة 0.375 في المائة، أما في لبنان فتصل نسبة اللاجئين إلى اللبنانيين 45 في المائة، والأمم المتحدة لم تفِ بمتوجباتها للمساعدة على تحمّل الأعباء، لهذا يعود السياسي اللبناني الظريف إيّاه ليستكمل حبكته: لماذا لا يأخذ إردوغان المليوني سوري من لبنان ويجنّسهم في إمبراطوريته؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد