بعد ٢٤ ساعة من "جموح" الخيال .. "يلدريم" يكشف ما في الصدور
شهدنا في الساعات الأربع و العشرين الماضية حالة من "الهياج" الفكري و "جموح" بالخيال ، في اطار تفسيرات تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حول عودة العلاقات مع سوريا ، و كنا في حفلة "مجون" تناول فيها الجميع المسكرات ليظهروا على حقيقتهم قبل أن يصحوا فجأة أن ما قيل عبارة "زوبعة" مفتعلة .
حتمية اعادة العلاقات مع سوريا للقضاء على الإرهاب ، هي المحور الأساسي لتصريحات "يلدريم" ، و التي انطلق معها سلسلة من التحليلات و السيناريوهات حول هذه "الحتمية" ، ووصل الأمر بالبعض لتخيل طيران الرئاسة التركي يحط في دمشق و حاملاً رجب طيب أردوغان أو يلدريم على أقل تقدير، ويتم استقباله من قبل مبعوث من الأسد ، كون الأخير أكبر من هذا الاستقبال.
في حين ترفّع موالو الأسد عن التعبير بالفرح بـ"النصر" ، و بدأوا بإعداد الشروط و تحضير قوائم الهدايا المحبذة و المحببة ، مع تفضيل أن تكون العلاقات الجديدة تحت فكرة "البوط العسكري" أي اعتراف واضح بأن المنتصر هو القاتل .
لاشك أن التغير الكبير في السياسة التركية أصاب العقول بتلبك كبير ، و جعلها بحالة لا توازن تصدر عنها أصوات لا يعرف منشأها و لا اتجاها ، و الأكيد أنها تظهر روائح كريهة تزكم الأنوف ، و تكشف ما تحتويه من سوء تدبر و جهل بالتعامل مع التطورات.
رغم وجود أصوات طالبت بالتريث ريثما يكتمل المشهد العام إلا أن الإصرار كان واضحاً بانتهاج "الهجوم"، فوحده الطريقة المثلى ليقال أننا على يقين بكل ما تخفيه الصدور و يدور في فلك الدهاليز، و لكن على الأقل نستطيع القول أن هذا التخبط أوجد شرخ جيد بين مدعي الصداقة أو الوطنية ، اذ مجرد كلام تم تصويبه جعل بوصلتهم تتغير ٣٦٠ درجة ، تتيه كما جرت العادة عن المشكلة الأساسية للسوريين ، ألا وهو الأسد كشخص و نظام ، و بدأنا بحملة على ثانويات و هجوم على الجميع ، كما حدث عندما خُلقت داعش فعلى الرغم من أنها وهم إلا أن الكثيرون يصرون على أنها الخطر الأكبر و يكاد يكون الأوحد ، مخفضين درجة الأسد لما بعد الدرجة الثالثة أو الرابعة .
التغييرات السياسية تحكمها مصالح الدول و لا تحكمها أمور إنسانية ، ففي السياسة كما تعلمنا قاعدة ذهبية لا تشذ عنها "على المرء أن يسير مع مصالحه لا مبادئه"، و "يلدريم" لن يخرج عنها ، فكلامه موجه لروسيا و ليس للأسد ، ورسالته دفينة بأن سوريا هي مهمة لهم أيضاً و أن التقريب و التقارب بينهما جائز و ممكن و لو حتى وصل الأمر للقبول بالأسد لأشهر قد تصل للستة و قد تزيد لتصل ١٨ شهراً ، و لكن في النهاية لن يكون أكثر من ذلك ، بمقابل الحصول على تطمينات كافية بأن لا كيانات و لا فيدراليات "قومية" هنا أو هناك ، وهو ما يكون التقريب الأفضل بين المصالح و المبادئ.