ماذا بعد التحوّل التركي.!!؟
ماذا بعد التحوّل التركي.!!؟
● مقالات رأي ١٤ يوليو ٢٠١٦

ماذا بعد التحوّل التركي.!!؟

منذ أن اعتذر طيب أردوغان عن إسقاط الطائرة الروسية، كتبتُ منشوراً على صفحتي بأسلوب ساخر مؤلم، قلت فيه:

الطيب أردوغان، رضي الله عنه، ملّ من التراجع إلى الوراء، وقرر أن يتقدم إلى الأمام..

في بداية الثورة السورية قال: لن نسمح للأسد بحماة ثانية في حمص، ولكنه تراجع إلى الوراء، حتى أصبحت المجازر التي ارتكبها النظام في حمص وبقية المحافظات لا تُعدّ ولا تُحصى..

وحلف برأس جده مؤسس الدولة العثمانية أن ينشئ منطقة آمنة في الشمال السوري، ولكنه تراجع عن هذا القسم حتى أن عظام جده اهتزت في قبره غضباً من هذا التراجع المخجل..

ثم هدد بأنه لن يسمح لقوات الحزب الديمقراطي الكردي أن تتقدم في الأراضي السورية غربي الفرات، ولكنها دخلت وشبعت دخولاً هناك..

من هنا ملّ أردغان من مثل هذه التراجعات، فقرر أن يتقدم إلى الأمام، ولذاااااااا.

قرر تطبيع العلاقات مع إسرائيل.. وطبّعها على خير ما يرضي إسرائيل..

وقرر أن يعتذر لبوتين بسبب إسقاط الطائرة الروسية.. واعتذر بشتى أنواع الاعتذارات، حتى أنه قرر أن يحاكم الطيار التركي الذي أسقط طيارة بوتين..

والآن.. بقي عليه أن يتقدم نحو الخطوة الأشد أهمية، وهي أن يقوم بتطبيع العلاقات مع الأسد..

أنا أعترف مسبقاً بأن لهجة المنشور كانت متوترة، وقد كتبته تحت تأثير الحقيقة المؤلمة، ولذلك يستدعي مني الآن أن أنظر إلى هذه المسألة بواقعية وجدية أكثر، مع أن النتيجة لا تؤدي إلى قناعة جذرية..

علينا أن نسلم أولاً أن تركيا قدمت الكثير للشعب السوري، وهذا لا يمكن نكرانه، وعلينا أن نسلم ثانياً أن تركيا ما قبل تغييب أحمد دواوود أوغلو تختلف كثيراً عن تركيا ما بعد مجيء بن علي يلدريم.. لقد حدث انقلاب شبه جذري في المواقف السياسية للأردوغانية الجديدة..

طبعاً.. هناك من يلتمس العذر لهذا التحول في السياسية التركية، وهو عذر واقعي ومنطقي من حيث المبدأ، فالتغييرات السياسية، كما يقول الكاتب زين مصطفى، تحكمها مصالح الدول ولا تحكمها أمور إنسانية ".. وهذه مقولة تتبناها معظم الدول التي لا تريد الخراب لبلادها، بل تسعى لتأمين مصالحها وأهدافها، ولو على حساب الغير.. ويتبناها أيضاً الكثير من المفكرين والمحللين السياسيين..

تركيا في الآونة الأخيرة ، تم حصرها في زجاجة ضيقة، ولا يبقى إلا تحضير سدادة عالية الجودة لإحكام الإغلاق عليها بحيث يتم اختناقها ببطء، ولكن في وقت قريب لا بعيد..

ليس خافياً على أحد أن الهجمات السياسية والاقتصادية والعسكرية على تركيا جاءت من شتى الجهات.. أميركا سحبت بطاريات الباتريوت، بعد التدخل الروسي في سورية، وحلف الناتو أدار قفاه لتركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية، ونسي أنها عضو في الحلف، وأن بوتين يرغي ويزبد، ويهدد ويتوعد، أما الاتحاد الأوروبي فراح ينبش لها من قبور الزمن مسألة إبادة الأرمن قبل مائة عام،

ولا ننسى أميركا أوباما وروسيا بوتين وملالي إيران والنظام السوري أجمعوا على تحريك الأكراد في الشمال السوري والجنوب التركي، حتى أن حزب العمال الكردستاني المصنّف في قائمة الإرهاب تم تسليحه مؤخراً بصواريخ مضادة للطائرات، أدت إلى إسقاط إحدى الطائرات التركية.. وداعش المصنّع عالمياً التقى من جهته مع حزب العمال الكردستاني، وبدأ نشاطهما التفجيري المكثف في أماكن تركية متعددة، سقط من جرائها المئات من المدنيين بين قتلى وجرحى..

أما إسقاط الطائرة الروسية فقد كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، فهي المقدمة والنهاية لما أشرت وأشير إليه.. فقد جاءت، فيما أرى، بترتيب وتحريض روسي، فكانت كالطعم الذي أوقع السمكة المغفلة في سنارة بوتين..

كل ذلك جرى ويجري، وعرب الخليج كطيور النعام، يدفنون رؤوسهم في ظواهرهم الصوتية الخافتة المرتجفة..

من هنا يمكن القول إن من حق تركيا أن تخشى على نفسها، وأن تحافظ على كيانها حتى ولو أدى ذلك إلى تغيير مواقفها المبدئية، وهذا ما يراه الكثير من المحللين والكتاب..        

ولكن فيما يبدو أن بن علي يلدريم كان مستعجلاً جداً في تطبيق السياسة التي رسمتها تركيا الجديدة، فراح يطلق التصريحات المثيرة للجدل، ومنها تصريحات لا تحتاج إلى نوايا طيبة لتفسيرها، كقوله على سبيل المثال: أنا متأكد من عودة العلاقات مع سوريا إلى طبيعتها، هذا لا مفر منه، حتى يتسنى لنا النجاح في مكافحة الإرهاب "..

إذن تحقق ما قلتُه في منشوري المشار إليه.. وهو : بقي على أردوغان أن يتقدم نحو الخطوة الأشد أهمية، وهي تطبيع العلاقات مع الأسد "..

تصريح يلدريم الذي جاء بطريقة فجة، ولا أريد أن أقول بطريقة مذلة وانبطاحية، جعلت " أربكت السياسة التركية "، وهذا ما دفع بياسين أكتاي نائب رئيس حزب العدالة والتنمية والناطق باسم الحزب إلى القول: لا توجد مشكلة بين الشعبين التركي والسوري، وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق مرتبط بإقامة نظام ديمقراطي في سوريا، لأن بقاء بشار الأسد في الحكم يشكل عائقاً أمام تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا ".. وذكر أكتاي أن يلدريم صحح أقواله حين أكد على أنه لا يقصد تطبيع العلاقات مع سوريا بوجود الأسد..".. وهذه التوضيحات أشبه بمن يلملم اللبن المسفوح فوق أرض مليئة بالرمل والتراب والتبن..

إن هذه الخطوات الإعلامية دفعت بخالد الخوجا سفير المعارضة ورئيس الائتلاف السابق، إلى القول: من السذاجة لجوء الأصدقاء إلى العمليات الإعلامية في ظل عجزهم عن التحرك.. "..

على أية حال.. المسالة لا تزال في نطاق التصريحات الإعلامية، ولم تصل بعد إلى التطبيق العملي على أرض الواقع، ومع ذلك فهذا لا يجعلنا نركن إلى أمل " عدم التطبيع " مع الأسد، فالمؤشرات الميدانية بعد التحول الكبير في سياسة أردوغان أدت بسرعة إلى نتائج شبه كارثية، فطريق الكاستيلو تم قطعه نهائياً، وبدأت حلب المدينة تختنق من الحصار المطبق، وربما يؤدي ذلك إلى سقوطها.. وهذا السقوط، إن تحقق، لا سمح الله، سيؤدي إلى كارثة كبيرة على الثورة السورية والشعب السوري خصوصاً، وعلى الشعب العربي وتركيا عموما.. من هنا يقول الكاتب محمد مختار الشنقيطي: لن تسقط سوريا وحدها، بل سيكون السقوط شاملاً لدول سنية محورية "..

وطالما أن تعليقات المتابعين على صفحات التواصل الاجتماعي تعكس الإحساس الشعبي بشكل او بآخر، لذلك أثبت ما قاله أحد المعلقين: بوتين والنظام الأمني لا يجيد الا مناورات القوة ولن تجدي معه المناورات السياسية والرسائل، لذلك مهما فعلت تركيا تبدو تحركاتها هزيلة ولا تعدو فقاعات سخيفة بالنسبة للشعب السوري الذي مل من أردوغان وعجزه وعدم تحركه الفعلي في كل الأوقات الذهبية".. وبالفعل فقد أضاع أردوغان فرصاً ذهبية كثيرة، أشرت إلى بعضها في نص المنشور السابق..  

وأخيراً.. إذا أردنا أن نقف في وسط المسافة، فيمكن القول إن التحول التركي كبير جداً، وغامض جداً، ووراءه ما وراءه، ولا أحد قادر أن يستشرف ما سوف يجري في الغد القريب.. ولكن يمكن أن نتحدث عن احتمالين في غاية التناقض.. إما أن يؤدي هذا التحول إلى أن يقدم أردغان التحية للأسد على الطريقة الهندية المهذبة.!!.. أو أن يأتي بحل ينتج عنه رمي الأسد في مكب النفايات التاريخية.!!!..

الكاتب: عبد الرحمن عمار
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ