مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ يونيو ٢٠١٧
لمن سيؤول حكم الرقة؟

مع اقتراب معركة الرقة من نهايتها تتجه الأنظار إلى اليوم التالي لتحرير المدينة من قبضة تنظيم «داعش»، في ظل صراع علني/ مضمر بين أطراف محليين وإقليميين ودوليين على تركة التنظيم، ليس في المدينة فحسب، وإنما في عموم المحافظة.

الصراع على الرقة يختلف عن غيرها من المحافظات مثل ما جرى في حلب وما سيجري في دير الزور. المسألة هنا مرتبطة بالسيطرة السياسية/ المدنية.

بدأت ملامح الصراع مع استبعاد «لواء ثوار الرقة» التابع لـ «الجيش الحر» من المشاركة في عملية تحرير مدينة الرقة بسبب أجندته الثورية الواضحة، في وقت سُمح لـ17 فصيلاً المشاركة في تحرير المدينة، لكن هذه القوى تنتمي في معظمها إلى الأقليات الدينية والإثنية، وليس لها أي وزن عسكري يعتد به.

حتى القوى العربية المشاركة في العملية، معظمها مكون من أبناء القبائل الرحّل وليس من العشائر ذات المكانة والمستقرة تاريخياً في المحافظة، والفصيلان العربيان الأبرز المشاركان في عملية التحرير («قوات النخبة» التابعة للرئيس الأسبق للائتلاف الوطني أحمد الجربا، مجلس دير الزور العسكري المشكل في 19 آذار (مارس) الماضي من أبناء عشيرة الشعيطات)، لا ينتميان إلى محافظة الرقة، أي ليس لهما طموح ولا حظوظ في حكم المدينة.

أما «لواء صقور الرقة» المكون من بعثيين وموالين للنظام، فلا يعدو أن يكون له مجرد حضور رمزي، وهكذا تعتمد الوحدات الكردية تكتيكاً يقوم على الاستعانة بقوى عربية رمزية تكون بمثابة غطاء للهيمنة الكردية، ويجب على هذه القوى أن تمتلك أجندات متباينة حتى لا تشكل كتلة عسكرية قادرة على إحداث التغيير.

وما جرى مع «قوات النخبة» و «قوات صناديد شمر» التابعة لحميدي دهام الجربا، حين تم تطويقهما من قبل الوحدات الكردية منذ شهرين، وما جرى مع «لواء صقور الرقة» حين تم قصفه من قبل التحالف، يؤكد أن الوحدات الكردية لن تتسامح مع أي فصيل يحاول التفكير والعمل خارج الحدود المرسومة له.

هنا تبرز المخاوف التركية، ومع أن الولايات المتحدة نجحت في احتواء الأتراك وإبعادهم عن معركة الرقة، وتطمينهم أكثر من مرة بأن تحالفهم مع الوحدات الكردية يقتصر على محاربة التنظيم، وأن الإدارة الأميركية لن تسمح بهيمنة كردية مطلقة على المحافظة، إلا أن الأتراك يراقبون بدقة ما يجري، سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي، مع محاولات «الاتحاد الديموقراطي الكردي» فرض مجالس محلية كردية ذات تلوينات عربية.

سيكون اليوم التالي لتحرير مدينة الرقة الاختبار الأهم والأصعب بين أنقرة وواشنطن، وفي حين تبدو الولايات المتحدة عاجزة إلى الآن عن تقديم خيار واضح ومحدد، تبدو تركيا عاجزة أيضاً عن بلورة خطوات على الأرض تحول دون هيمنة الإدارة الكردية الذاتية على مجمل المحافظة.

ويزداد المشهد تعقيداً مع دخول قوات النظام إلى الجنوب الغربي من المحافظة، في خطوة تبدو ظاهرياً منع «داعش» من الهروب نحو البادية، لكنها تحمل أبعاداً أعمق من ذلك، فالنظام لا يريد أن يصبح مصير الرقة بين الثلاثي الأميركي- الكردي- التركي.

المسألة الآن هي أن مرحلة ما قبل «داعش» تختلف عن مرحلة ما بعده، وإذا كانت المرحلة الأولى تتطلب تحييد تركيا وإبعاد النظام لمصلحة الوحدات الكردية، فإن المرحلة الثانية تتطلب حواراً وتفاهماً مع تركيا، وربما تفاهمات غير مباشرة مع النظام، إضافة إلى التفاهم مع الوحدات الكردية التي لا تزال تشكل ورقة مهمة بيد الولايات المتحدة.

ثمة ثلاثة احتمالات لمصير الرقة:

* إبقاء الولايات المتحدة على الهيمنة الكردية المطلقة في المحافظة، لكنه احتمال بعيد، لأن هذا الوضع سيؤدي إلى انفجارات محلية تضاف إلى البعد التركي. والأكراد أنفسهم يدركون أخطار ذلك، ويدركون حقيقة قوتهم في هذه المحافظة التي تختلف عن وضع الحسكة، وهم أعلنوا أكثر من مرة أنهم لن يضموا الرقة إلى منطقة الحكم الذاتي.

* انسحاب الوحدات الكردية تماماً من المحافظة، وهذا أمر مستبعد بسبب تأثيراته السلبية على محاولاتهم الحثيثة للسيطرة على وادي الفرات في محافظتي حلب والرقة، فضلاً عن أن الرقة تشكل الجسر الجغرافي الضروري للتواصل بين أذرع الإدارة الذاتية في الشرق والغرب.

* توسيع مروحة المشاركة في عملية الحكم لتضم مختلف الأطراف مع غلبة المكون العربي على الحكم، ممن ليسوا على علاقة مباشرة مع الأتراك ولا على علاقة مباشرة مع النظام، وهذا الطرح تقبل به كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية.

ومع أن الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى التطبيق، إلا أن اختلاف أهداف الفرقاء وطبيعة التحالفات المعقدة في الشمال السوري، قد تدفع الأمور إلى مسارب أخرى، فالوحدات الكردية التي وجدت نفسها خلال السنوات الماضية أقرب إلى النظام، قد تجد نفسها في المرحلة المقبلة بعيدة عنه، في ظل اقتناع «الاتحاد الديموقراطي الكردي» أن النظام لن يقبل بأية محاولات للحكم الذاتي.

كما أن الوحدات الكردية لا تثق كثيراً بالولايات المتحدة، وهي تعلم أن الاختيار الأميركي لها جاء بعيد فشل واشنطن في استحصال حلف مع القوى العربية، مثلما حصل مع «جبهة ثوار سورية» و «حركة حزم» و «الفرقة 30».

والأمر ينطبق على تركيا التي قد تقبل بتواجد للنظام في مدينة الرقة وفي عموم المحافظة على حساب الوحدات الكردية، متقاطعة في ذلك مع دمشق وطهران في مخاوفهما من تضخم القومية الكردية.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٧
تحالف النهب الدولي في سورية

في سورية المخطوفة، تحالف نهب دولي يدير تقاسم أراضيها، فيحولها إلى إقطاعات وقواعد ومحميات، وينظم نهب إرادة شعبها، فيحوله أتباعاً وأدوات. لقد مرَّت إدارة النهب بتعرجات كثيرة، وحرص الناهبون الدوليون على تغطية عملياتهم بآليات أمنية استخباراتية، وبمناورات تضليل سياسية، هذا قبل الآن، لكن كل ذلك صار من الماضي، وكما يقال، بات اللعب مكشوفاً بعد استنفاد المقاربة من بعد، والمباشرة من «خلف»، والالتفاف على الخطوط البعيدة.

الدور الأميركي هو الناهب الأول، وأشكال نهبه «أنيقة»، والقاتلون يرتدون بزّات ديموقراطية ويضعون ربطات عنق حضارية، وبعيداً من الموت الفج، على الطريقة الداعشية، يقتل الأميركي قتلاً رحيماً. نعم الأميركي رحيم في مفاجأته، فلا توجس قبل الموت، بل الدخول فيه دونما توقع، وهو رحيم في صعقه، مما لا يشبه جزع العين من التماع السكين.

الدور الروسي هو الناهب الثاني، وهذا يختبئ خلف حليفه الشرعي، نظام الأسد، فيأخذ بطاقة المرور إلى أمكنة النهب المشروع، وما أكثرها عندما يتعلق الأمر بالسياسي الروسي الذي يقتل قتلاً مشروعاً، ويسلب مظاهر القرار الرسمي سلباً قانونياً، ويفاوض على حدود الاقتطاعات التي اتخذها شركاؤه ومنافسوه غنيمة لتدخلهم، تفاوضاً رسمياً، ويصوغ دستوراً ويدعو إلى مؤتمرات، ويبعث برسائل اطمئنان إلى إسرائيل التي كانت عدواً، وكل ذلك بتفويض مشروع ثمنه تأمين الحماية للنظام.

الدور الإيراني هو الناهب الثالث، وهذا عاث في الأرض السورية خراباً باسم معاداة الاستكبار، وتصاغر كلما كان الأمر ضرورياً أمام المستكبرين، خدمة لطموحات نفوذ يتجلبب بديماغوجيا العقيدة، ويستر مناوراته بستر الدفاع عن الأمة الإسلامية، ولم يقتصر الأمر على الأرض، بل إن الخراب الأكبر أصاب بنية الشعب، وكان للإيراني اليد الطولى فيه، فما حصّله السوريون من وحدة، بدَّد الأساسي منه الحلف «المذهبي» بين المتدخل الإيراني والمتحكمين بسورية، وما كان عروبة صار مذاهب وقوميات، واستمرأ السياسي الإيراني سهولة تصنيف أراضٍ بدل الأرض، وشعوباً بدل شعب، ووطنيات بدل الوطنية. هكذا نهبت الوحدة المجتمعية، ومن ممرات تصدعها تسربت كل مياه وأصابع سياسات الخراب الإيرانية.

الناهب الرابع، محجوز للدور التركي، فهذا عاد أولاً بشبح عثمانيته، أو بوهم إحيائها، ولم يطل الانتظار حتى ارتدى عباءة «إخوانيته»، وعندما انقشع ليل التحاصص، سارع إلى حجز مقعده الأمامي في معاداة الكردي، ولما لم ينفع غطاء «داعش» كتبرير للحملة التركية في سورية، أدلى اللاعب التركي بمطالبه في الميدان، ومارس لعبة القفز فوق الحبال، فتارةً تكون لغته روسية، وطوراً فارسية، وعند الحاجة عربية، وخلف الستار عبرية، ولا تنقصه الحصافة ليشعر حليفه الناهب الأميركي، أنه سيظل أطلسياً.

ماذا تفعل الأمة العربية وهي ترى لعبة الناهبين؟ قلنا أمة عربية، وهذا قول بات غير مطابق لواقع الحال، لكن اقتضته ضرورة الحديث بالجملة، حتى لا يصير الحديث شأن دول يتم تداول أوضاعها ومواقفها بالمفرّق، الجواب عن السؤال: لا تفعل الأمة شيئاً، إذا كان الفعل مرادفاً للتأثير في تحديد وجهة الأحداث ورسمها. وفقاً لذلك، الأمة العربية متفرجة ولو ساهمت، وخاسرة ولو زينت لها سياساتها أنها رابحة، ومُهمَلة ولو ظنت أنها موضع اهتمام. لقد باتت الأمة تلك ميدان رمي، وساحة مواجهات، وخزينة مال للهدر ومجموعات سكانية مرشحة للقتل، ودياراً منذورة للخراب. لماذا؟ لأن ضرورات الحضارة الأخرى تقتضي ذلك، وغالباً ما عرف التاريخ أضراراً جانبية لكل حضارة.

الصراع في سورية اليوم يدور على خواتيم الصراع عليها، ولا يبدو أن مواقيت الخواتيم تلك قد حانت، بل لعل الأرجح أن يكون ربع الساعة الأخير، الذي ما زال يفصل اللاعبين عنها، هو الفصل الأشد وطأة على مصير السوريين، وعلى مصائر سائر العرب، الذين عرفوا معنى خسارة بغداد عام 2003، ومن بعدها كرّت سبحة الدمار التي انفرطت حباتها على طول المساحة العربية.

حتى ذلك التاريخ، ما زال التمهل صفة لحركة اللاعب الأميركي، الذي يُقدم أو يُحجم بمقادير محسوبة، وما زال الارتباك سمة لحركة اللاعب الروسي الذي يريد ثمن استثماره من مصارف السياسة الأميركية، وما زال الاندفاع المحسوب طابعاً لحركة اللاعب الإيراني الذي يتكئ على البنية الداخلية السورية، وما زال التطلب المأزوم لغة للسياسة التركية، التي جرى تقييدها بقيود حلفاء الأمس وأصدقاء اليوم...

وفي مواكبة كل ذلك، الحيرة والعجز يظلان صفتين عربيتين، بينما ينهار الهيكل على الرؤوس العربية وحدها... فقط الرؤوس العربية.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٧
سوريا والتدخلات الكارثية

أعادت تصريحات الرئيس الفرنسي الأخيرة حول سوريا، طرح الموقف في موضوع الرئاسة السورية على بساط البحث. وقال الرئيس ماكرون، إنه لا يرى بديلا شرعيا لبشار الأسد، وإن بلاده لا تعتبر أن رحيل الأسد شرط لحل الصراع في سوريا، وأضاف ماكرون إلى ما سبق قوله، إن «الأسد عدو للشعب السوري، لكن ليس عدوا لفرنسا».

موقف ماكرون في أحد جوانبه، يتقارب مع الموقف الروسي الداعم لبشار الأسد باعتباره «رئيساً شرعياً ومنتخباً»، وبالتالي وضعه خارج أي سياق للحل في سوريا، لكن الموقف الروسي يبدو أكثر تماسكا في أنه لا يرى أن الأسد «عدو للشعب السوري» كما يقول ماكرون.

وبغض النظر عن الاختلافات بين الموقفين، فإن فكرة شرعية أي رئيس تستند في الأساس إلى مسار وصوله إلى السلطة وإلى محتوى سياساته التي تحافظ على بلاده ومصالح شعبه، والأخيرة قضية لا تحتاج إلى نقاش بعد أكثر من ست سنوات من الصراع السوري، حيث كرست سياسة الأسد التوجه منذ البداية إلى حل عسكري أمني بدلا من الحل السياسي في الرد على مطالب السوريين السلمية والمدنية، ووسعت في سياق الحل العسكري الأمني، عمليات القتل والاعتقال والتهجير للسوريين في بلدهم وإلى خارجه، ثم زادت إليها فتح الأبواب أمام ولادة وتكاثر الجماعات الإرهابية المتطرفة، سواء من خلال إطلاق سراح معتقلين متطرفين ومجرمين من سجون النظام وتنظيمهم وتسليحهم، وفتح البوابات الحدودية للبلاد أمام المتطرفين وجماعاتهم للدخول إلى سوريا بعد انسحاب قواته وأجهزته من تلك البوابات، ثم أضاف إلى ما سبق خطا ثالثا في سياسته، وهو استدعاء قوى إقليمية ودولية في مواجهة السوريين الثائرين على النظام من ميليشيات طائفية متطرفة إلى إيران ذات المطامع المعلنة بسوريا إلى روسيا الباحثة عن موطئ قدم على شواطئ المتوسط، والراغبة في استعمال سوريا ورقة مساومة في صراعاتها الإقليمية والدولية، مما أدى إلى رهن مستقبل البلاد بيد من استدعاهم، وصار نظام الأسد الطرف الأضعف بينهم في أي قرار يتعلق بسوريا، وصار هؤلاء في عداد قوى الاحتلال في سوريا.

ولا يحتاج إلى تأكيد، أن مجمل تلك السياسات أفقدت الأسد أي شرعية حصل عليها لاحتلاله موقع الرئاسة السورية، رغم أن شرعيته قبل ثورة السوريين كانت محط اعتراض، ليس بسبب سياق التوريث الذي حمله إلى سدة الرئاسة فقط، إنما أيضا بسبب فشله عبر السنوات العشر الأولى من رئاسته في تحقيق أي خطوات إصلاحية،

فقدان شرعية الأسد في الرئاسة لا تحتاج إلى تأكيد من أي قوة خارجية، إذ هي مستمدة من إرادة السوريين، ومن المسار الذي مضى عليه بشار الأسد ونظامه، وفي الحالتين فإن الوقائع أثبتت أن الأسد ونظامه لا شرعية لهما، وأن أطروحات غير السوريين في هذا لا قيمة لها، وغالباً، ما يتم طرحها لتبرير سياسات ومواقف تتخذها هذه الدولة أو تلك، أو يطلقها رئيس أو زعيم لإحدى الدول المهتمة أو المتدخلة في سوريا.

البحث عن بديل للأسد في إطار مستقبل سوريا أمر يتعلق بالسوريين وطموحاتهم وأهدافهم، وهو لا يتعلق بشخص، ولو كان الأمر كذلك، فإن أي سوري يمكن أن يكون أحسن من الأسد، لأنه لم يذهب في مشوار الدم والدمار والتهجير بالقدر الذي ذهب فيه الأسد، بل الأمر أبسط من ذلك حتى، فقد مضى على تأسيس الكيان السوري الحديث نحو ثمانين عاماً، تولى فيها الرئاسة السورية عشرات الأشخاص، وكلهم كانوا أفضل من الأسد وأبيه في مسؤوليتهم الوطنية وفي مستويات الأداء السياسي والأخلاقي، ولم تصل أبشع أخطاء أحدهم إلى عتبة الحد الأدنى من جرائم ارتكبها الأب والابن في نحو أربعين عاما من رئاستهما المشكوك في شرعيتها، مما يعني أن السوريين قادرون على إيجاد كثير من الأشخاص ممن يستطيعون تولي منصب الرئاسة،

الأمر الثاني في موضوع الرئاسة السورية وبديل الأسد، هو برنامج الرئاسة القادم، والمفترض، أن يضمن انتقال السلطة من نظام رئاسي ديكتاتوري إلى نظام ديمقراطي تعددي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة لكل السوريين، ويعالج تداعيات ما صار إليه حال سوريا والسوريين في سنوات الحرب، والتدخلات الإقليمية والدولية، ومعالجة قضايا المعتقلين والمختفين قسرا والمحاصرين والمشردين والمهجرين واللاجئين، ومحاسبة المجرمين والمرتكبين، وإعادة تطبيع الحياة السورية، وتتطلب محتويات البرنامج وضع إعلان دستوري، وخلق هيئات ومؤسسات لها مهمات، ووضع آليات تنفيذية لعملها وطرق لمراقبة حسن الأداء، وعندها لن تكون هناك مشكلة في أي شخص يختاره السوريون رئيساً، لأنه سيكون قابلا للتغيير والاستبدال، ما لم يلتزم وينفذ محتويات برنامج السوريين.

إن تدخلات الأطراف الخارجية في القضية السورية تفرض على المتدخلين، ليس فقط وقف تدخلاتهم الكارثية، التي أطالت عمر نظام الاستبداد والإجرام، وعززت قوة جماعات التطرف والإرهاب، ووضعت السوريين في أتون أكبر كارثة إنسانية، وحملت العالم جزءا من تداعيات تلك الكارثة. إن واجبهم هو المساعدة على خروج سوريا من النفق المظلم، لا إصدار الفتاوى حول شرعية الأسد ونظامه، أو تجزئة الملف السوري، وغير ذلك من سياسات ثبت فشلها طوال السنوات الست الماضية.

اقرأ المزيد
٢٩ يونيو ٢٠١٧
القانون الإسلامي بين النظرية والتطبيق

بعيداً عما يحمل هذا القانون أو تلك الوثيقة أو ذاك الدستور - الذي اعتمد من قبل البعض كمرجعية - في طياته من مواد تتناسب مع هذا الواقع أو تتناقض معه ولا تصلح للتطبيق فيه. وبعيداً عن أي انعكاسات متوقعة سلبية كانت أم إيجابية، وعن أي اتهامات متبادلة بالخيانة أو العمالة أو الرقبة، وبعيداً عن المهاترات والرفض أو القبول.

بعيداّ عمن يرى في هذه الصيغة حبل نجاة للأمة ومن يرى فيها ردة تستوجب الحرب والقتال… بعيداً عن كل ذلك...

فإن الناظر إلى الغاية التي لا زالت تجمع كل من في واقعنا المحرر، هي واحدة ولا يكاد يختلف عليها أحد على اختلاف أسمائهم وألوانهم. فالكل يدعي وصلاً بالمشروع الإسلامي العظيم الذي سيعيد للأمة الإسلامية دورها في ريادة العالم وسيادة البشرية وإقامة دولة الحق، وملء أرضنا عدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً.

وما أكثر من يسعى جاهداً (بأقواله) ليصحح المسار إن صح التعبير، ويعيد الثورة إلى طهرها الأول لتكون بداية الطريق الصحيح لتحقيق ذلك المشروع المعلن.

لكن رغم كل ذلك فإننا إذا ما نظرنا إلى أرض الواقع لا نكاد نرى شيئاً من ذلك سوى مزيد بيانات وتوضيحات وتبريرات لا تسمن ولا تغني من جوع لا بل وأحيانا تصل الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير فنرى أرتال تسير وحروب هنا وهناك بين من يحملون ذات الغاية...فيقف إزاء ذلك الحليم حيراناً.

ولا نكاد نرى تفسيراً لذلك سوى تلك الفجوة الأزلية بين النظرية والممارسة التي وجدت مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم ولا زالت حاضرة إلى يومنا هذا ولربما هي باقية مالم تقم الساعة.

فجميعنا كمسلمين متفقين بشكل أو بآخر على نظرية تعد من المسلمات بالنسبة لنا وليس هناك من إشكالية فيها، فالكل متفق على شرع الله كمبدأ في حياته ومنطلق يحكم من خلاله على أصغر الأمور وأكبرها والقضية في ذلك محسومة نظرياً ولا تحتاج منا لأن ننشغل في الصراعات الفكرية والإيديولوجية التي لطالما انشغل بها غيرنا من الأمم، فالإسلام نموذج حياة متكامل لا نقص فيه.

ولكن لب القضية يكمن في إشكالية تطبيق هذه النظرية وإسقاطها على أرض الواقع، هذه الإشكالية التي كانت سبباً في نشوء هذه الحركات والجماعات المتناحرة المتخاصمة التي لا يعترف بعضها بالآخر مع أن لديها الهدف ذاته (إقامة شرع الله على أرض الله) ومصالحها في ذلك مشتركة ولاشي بينها سوى أن كل طرف ارتأى في نفسه الحق وحصر في ذاته الصواب فلا يريد أن يري الغير إلا ما يرى، فطريقته هي المثلى وسبيله سبيل الرشاد وطريقة وسبل غيره ضلال.

فنجد بناء على ذلك أن مثل أولئك ساهموا من حيث يدرون أو لا يدرون بتعطيل التطبيق عملياً على أرض الواقع.
فهناك من عطل تطبيق أحكام الشرع من حيث يدري (لدنيا يصيبها أو لاتباع هوى)، وهناك من فعل ذلك من حيث لا يدري عندما تعصب لرأي آخر رأى فيه بوابة لمدينة العلم، أما البعض الآخر عطلها بفهمه وتصوره الخاطئ لطبيعة المجتمع المسلم الذي رأى فيه مجتمع السيوف المشرعة والسكاكين القاطعة فجهل بذلك مراد الشرع أصلاً.

تنوعت الأسباب لكن النتيجة واحدة حيث أصبحنا اليوم أشبه ما نكون بأمس غابر من تاريخنا كان اسمه عصر ملوك الطوائف، يومها كان لكل أمير دولته ورجاله ومناصروه ممن يحتمي ويلوذ بهم ضد أخيه، والذين ما فتئوا ينفخون على جمر الفتنة لتستعر نارها أكثر فأكثر حتى تأتي على كل شيء.
لا شك أن ما نجده اليوم من نتائج قائمة وحاضرة على الأرض من تشرذم وتشتت وتصادم ومناوشات تصل لإعلان الحروب وسفك الدماء بين أخوة المنهج ماهي في حقيقتها إلا انعكاس لفقدان الفهم الصحيح لآلية التطبيق.

ذلك الفهم الذي ينظر لتطبيق أحكام الإسلام ككل لا يتجزأ ويرى فيها منظومة حياة كاملة، فلا يجتزئ منها ما يريد ويترك مالا يهوى، فيرى بذلك العدل والمساواة والفضيلة وتحريم الاحتكار والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي و... كما يرى إقامة الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني و…

إذاً فلا بد من بناء التصور الصحيح عن آلية التطبيق وفهم الواقع المراد تقويمه فهماً دقيقاً، فكم من ساعٍ لتطبيق شرع الله بفهمٍ معوجٍ لم يكن في حقيقته إلا محارباً لهذا الشرع، وعاكساً الصورة المشوهة عن أحد نماذج مدعي تطبيق الشريعة.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٧
عن الرؤية الروسية للتسوية في سوريا

يكثر هذه الأيام وبعد مرور كل هذه السنوات على الأزمة السورية، الاستخدام المكثف لمفردتي «التسوية» و»الإنهاء» دون كلمة الحل. في اعتقادي أن الأمر هنا ليس من قبيل العبث أو المصادفة أو تنويع المترادفات، فهناك فارق كبير بين الحل الذي يرد الكرامة والحقوق ويأخذ على يد الظالم والمعتدي، ومجرد إنهاء الأزمة، حيث أن هذه «النهاية» قد تأتي عبر قضاء أحد الأطراف، الأقوى غالباً، على الآخر وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يكون حلاً.

كذلك هو الحال فيما يتعلق بالتسوية، فهي مفردة تعبر عن ضيق ما يسمى بالمجتمع الدولي بمشكلة إقليمية معينة، وتعكس رغبته في إنهائها، خاصة إنهاء الجانب المزعج منها، كمسألة اللاجئين وانتشار الفوضى والهشاشة السياسية التي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مصالح ذلك المجتمع الدولي.

الوصول إلى تسوية مقنعة هو أمر مهم بالنسبة لدول الإقليم، كما هو مهم بالنسبة للدول الكبرى، التي تحب أن تظهر أمام نفسها وشعبها، على الأقل، بمظهر المهتم بالأزمات الإنسانية والقلق على مستقبل الشعوب.

كل ما سبق ينطبق بشكل تام على الأزمة السورية التي يمكن أن تعد، خاصة في جانبها الإنساني، من أكبر المآسي التي مرت على البشرية بعد الحروب العالمية الكبيرة، وهو ما فرض على أطراف دولية كثيرة التدخل من أجل لعب دور في إنهاء ما بدا وكأنه صداع حاد لا يستطيع أحد تجاهله. للحل الشامل والحقيقي خطوات معروفة، أهمها تقديم المسؤولين عن هذه المعاناة إلى محاكمة عادلة، والعمل على إغلاق الثغرات التي قد تساعدهم على الفرار بجرائمهم. مثل هذا الحل، ولسبب أو لآخر، صعب أو غير مرغوب فيه، ولذلك فقد اكتفت القوى الإقليمية بالحديث عن التسوية وإنهاء الأزمة بأي ثمن، ولو كان عبر إجراءات للقضاء على ما تبقى من الشعب الثائر، أو الذي قد يثور مستقبلاً.

إذا كان هذا يمثل حال معظم اللاعبين الإقليميين، فلماذا التركيز على الرؤية الروسية دون غيرها؟ في الواقع فإن السبب يعود لأهمية الدور الروسي الذي أصبح رئيساً، فيما يتعلق بحاضر ومستقبل الدولة السورية، بعد تراجع الأطراف الأخرى، خاصة التي تملك رؤى بديلة ومناقضة لوجهة نظر موسكو وطريقتها في إدارة الأمور. هنا يجب الاعتراف بأن الرؤية الروسية، ظلت إلى حد كبير متسقة مع نفسها وثابتة، مقارنة بالتحركات المنافسة التي كانت على شكل خطوات مرتبكة ومتراوحة بين الأمام والخلف. على سبيل المثال فإننا نذكر كيف كانت الولايات المتحدة جادة في عزمها مساعدة الثوار وتنحية بشار الأسد خلال العام الأول للأحداث، بل إن الأنباء نقلت أن عام 2012 قد شهد مقترحاً من مجلس الأمن القومي الأمريكي بتسليح المعارضة، وآخر من المخابرات الأمريكية متعلقاً بوضع تصور لكيفية تنحية الأسد. إلا أن هذا العزم سرعان ما تبدل بعد وضوح سيطرة «الإسلاميين» على المشهد، وهناك قال السيناتور ريتشارد بلاك، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، مقولة شهيرة، مفادها أن سوريا هي مركز الثقل الذي إن سقط بيد الإسلاميين فإن ذلك سيعني سقوط أوروبا الحتمي، ونهاية الحضارة الغربية على يد المسلمين.

لم تكن خشية بلاك والتيار المتطرف الذي يمثله، تنبع من قلقه بشأن انتشار الإرهاب والفوضى، بقدر ما كانت تنبع من الكابوس الذي تمثله الرايات الإسلامية، والدعوات لإحياء المجد التاريخي، واستعادة الدور الحضاري للإسلام، عبر الانتقال من دول الخضوع لنظام عالمي ظالم، إلى دول تبحث عن مصالح شعوبها وتطلعاتها، التي من أهمها حق الغالبية في حكم نفسها وممارسة دينها وعقيدتها.

أما تنظيم «الدولة» الفوضوي فقد قدم خدمة كبيرة لتيار الخوف من الإسلام ذاك، ففي حين كان ذلك الاتجاه يبحث عن وسيلة لتشويه الدين الإسلامي والتشكيك في دوره الحضاري واتهام ممثليه، فإذا به يفاجأ بجماعة تطلق على نفسها «الدولة الإسلامية» وتمعن في احتراف القتل وأعمال الترويع مما شكّل هدية مجانية، خاصة أن أولئك الأدعياء استخدموا الكثير من المال والدعاية لإظهار أنفسهم كممثل شرعي ووحيد لحقيقة الإسلام. هكذا لم يعد مطلوباً من «الاسلاموفوبيين» نشر الأكاذيب أو محاولات التشويه الكاذبة أو المفضوحة، فما عليهم سوى الترويج لما ينشره ويكتبه ممثلو «الدولة الإسلامية» الذين لم يسلم من شرهم حتى أبناء جلدتهم من المسلمين.

تم توظيف هذا التنظيم بشكل جيد، وسواء كان أفراده من الواعين بذلك أو المخدوعين، فإنهم إنما كانوا تروساً في ماكينة كبرى، كان من أهدافها الوصول إلى هذه الحالة الرمادية، التي أصبح أقصى طموحها تسوية المسألة السورية عبر تبديل الأولويات وإظهار دحر الإرهاب كهدف رئيس.

أما ما ميّز الرؤية الروسية فهو تجاهلها لكل هذه التعقيدات، وثباتها على منطق واحد يتم تكراره بشكل أو بآخر على مدى السنوات الماضية، وهو المبني أولاً على أن الأحداث في سوريا ليست ثورة، وإنما محاولة غربية امبريالية من أجل تغيير نظام صديق لروسيا لمجرد أنه لا يعجبهم. هذا يعني أن القائمين على هذه «الأحداث» هم مجرد عملاء، أو على تقدير آخر مجرد مخربين ومغرر بهم.

من هنا يأتي ربط موسكو محاولات التدخل الغربية في الشأن السوري بتدخلاته سيئة الصيت في العراق وليبيا، التي أفضت إلى حالة مركبة من الفوضى. يأتي هذا مع التحذير، خاصة في إطار العالم الثالث، من مغبة تمرير النوايا الأمريكية في تغيير الأنظمة التي لا تروقها. هذا المنطق خلق انقساماً لدى المتعاطفين مع المسألة السورية، فهم من ناحية يريدون إنهاء معاناة الشعب الأعزل، الذي يرونه يعاني القتل والحصار والتجويع، ومن ناحية أخرى لا يريدون دعم خيار التدخل والإطاحة بالنظام، حتى لا يتم تثبيت ذلك كسابقة قانونية قد ترتد على دولهم لاحقاً.

ثانياً، يشدد المنطق الروسي على إثبات شرعية النظام السوري، واعتباره ممثلاً لسوريا، وبهذا فإن كل من خرج على الدولة هو مجرم أو إرهابي يستحق العقاب وكذلك فإن كل الأطراف التي تدعم المعارضة المسلحة هي أطراف داعمة بشكل أو بآخر للإرهاب. وأخيراً، يرى الروس في تبسيط، هم أعلم من غيرهم بعبثيته، أنه إذا كانت المسألة مسألة حرية وديمقراطية فإنه يجب العودة إلى طاولة المفاوضات، ثم الدعوة لانتخابات حرة ونزيهة واحترام نتائجها، وهذه هي الوسيلة الوحيدة المقبولة لتغيير النظام.

بين ذلك كله كانت المسألة بالنسبة للروس هي مسألة تحدٍ وإثبات وجود خاصة في الفترة الأولى، التي بدا الغربيون فيها، خاصة الأمريكيين، داعمين للثورة فقد أرادت موسكو إثبات أنها ليست من دول الهامش وأن بإمكانها أن تغيّر مسار الخطط الغربية. هذا طبعاً قبل أن يتغير ذلك المسار بشكل تلقائي، وتصبح الولايات المتحدة غير جادة أساساً في حسم المسألة السورية بشكل عادل.

تعيش روسيا اليوم نشوة الانتصار، بعد أن استطاعت فرض رؤيتها للتسوية في سوريا، لكنه في الواقع انتصار زائف، فالولايات المتحدة لم تتراجع عن محاولات إسقاط النظام السوري، بسبب صموده وبسالته، أو بسبب الخوف من ردود الأفعال الروسية، كما يروّج إعلام «المقاومة» الذي يدعي الانتصار على الامبريالية والصهيونية، ولكنها تراجعت بسبب إعادة تفكيرها في مصالحها وعلاقاتها في تلك المنطقة المسماة بالشرق الأوسط، خاصة بعد أن اتضح للعيان أن الكيان الصهيوني ليس قلقاً من استمرار النظام الأسدي كجار، بقدر خشيته من مستقبل مجهول على يد قادة جدد قد لا يصبرون على احتلال أراضيهم وعلى مجاورة مغتصبها.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٧
«حزب الله» وزوّارنا «المجاهدون»

ذات مرّة كتب الشاعر اللبنانيّ الراحل محمّد العبدالله: «ونظرت من الشبّاك فإذا هي حرب أهليّة». فهل سننظر من الشبّاك هذه المرّة لنجد «عشرات، بل مئات الآلاف من المجاهدين» اليمنيّين والعراقيّين والإيرانيّين والأفغان والباكستانيّين يتدفّقون على لبنان، وفقاً لخطاب حسن نصر الله، الأمين العامّ لـ «حزب الله» في «يوم القدس»؟

هذه الفقرة في الخطاب قد تكون تهويلاً محضاً من النوع المعتاد، وقد تكون مسايرة للوجهة التي افتتحها «حزب الله» في سوريّة، حيث حضرت جيوش وميليشيات لا تُعدّ لقهر الشعب السوريّ، وقد تكون رفعاً لمعنويّات ليست في أحسن أحوالها.

لكنْ تبقى مسألتان يثيرهما خطاب الأمين العامّ، بل يثيرهما كلّ خطاب يلقيه علينا: ما موقف الدولة اللبنانيّة، وحكومتها التي يشارك فيها الحزب، من كلام كهذا؟ ثمّ إذا كان مئات الآلاف من هؤلاء سيأتون لإنجادنا، فإلى من تعود هذه الـ «نا»؟ هل تشعر أكثريّة اللبنانيّين بأنّها عشيّة حرب تستدعي استقبال «مجاهدين» بمئات الآلاف، أم أنّ هذه الأكثريّة ستتساءل، وهي تسمع خطاب الأمين العامّ: خير إن شاء الله؟

أكثريّة اللبنانيّين الكبرى مهتمّة اليوم بإنجاح مواسم السياحة والاصطياف. يوم الأحد الماضي أقيم مهرجان لإحياء شارع الحمرا في بيروت (ولو أنّ عنوانه كان سمجاً ولا يمتّ بصلة إلى كوزموبوليتيّة الحمرا التي يراد إحياؤها: «لبنانيّ قحّ»). شوارع أخرى في العاصمة وبلدات ومدن في لبنان سبق أن أحيت مهرجانات مماثلة. اللبنانيّون، عن خطأ أو عن صواب، يريدون استقبال آلاف السيّاح والمصطافين، «بل مئات آلافهم» إن أمكن ذلك. الأمين العامّ يريد لهم أن يستقبلوا مئات آلاف «المجاهدين».


مرّة أخرى يتّضح أنّ حروب «حزب الله» هي، بالضرورة والتعريف، من نوع تآمريّ: تُفرض على المجتمع من وراء ظهره وضدّاً على إرادته. إنّها حروب الوظيفة الإقليميّة غير المعنيّة بهذا البلد لا من قريب ولا من بعيد. لهذا تبدو تلك الحروب شبيهة بأفلام الكوارث والرعب: زلزال أو طوفان غير متوقّعين بتاتاً يضربان الحياة اليوميّة والعاديّة للسكّان.

فوق ذلك فإنّ تلك الحروب ذات طابع ملحميّ، إن لم يكن في الواقع الفعليّ، ففي الصورة المخيفة التي تُرسم لها: تخيّلوا مئات آلاف «المجاهدين» وهم يتدفّقون على البلد «للدفاع عنه»!

إنّ الحروب التآمريّة مضطرّة، كي تُكسب نفسها بعض الواقعيّة وبعض التبرير، إن لم يكن بعض الشعبيّة أيضاً، إلى استعارة هذه المبالغات الملحميّة. ضعف التمثيل، في أمر يعادل الحياة والموت، يستدعي نفخ كلّ شيء آخر: نفخ الخطر. نفخ العداوة. نفخ الأعداد التي ستقاتل. نفخ معنى الانتصار...

لكنْ إذا كانت مأساة «حزب الله» أنّ عليه تغيير المجتمع نفسه من أجل أن يضفي الشرعيّة على حروبه، فإنّ مأساة هذا المجتمع هي أنّه، في آخر المطاف وفي ما هو أساسي، محكوم بـ «حزب الله»!

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٧
الغرب وطبيعة النظام الإيراني

هناك مشكلة كبيرة عند المفكرين العرب أنهم مقصرون بعض الشيء في التعريف بالنظام الإيراني وساساته، وذلك في علاقاتنا بمراكز الأبحاث الغربية وبجامعاتها ومفكريها، فالشعور الذي أخرج به دائماً هو أن الغربيين لديهم معلومات غير متكاملة عن طبيعة النظام في ذلك البلد وعن سياساته الخارجية الحقيقية. والمستشارون في مجال السياسات الخارجية الذين أراهم مع جل الرؤساء الحاليين ابتداء من الرئيس ترامب، مروراً بالمستشارة الألمانية ميركل، وصولًا إلى الرئيس الفرنسي الشاب ماكرون، هم من خريجي ومزاولي التدريس الجامعي. فجلهم جامعيون مختصون مثلنا في العلاقات الدولية، وهم الذين يقضون الوقت في كتابة القصاصات الاستراتيجية، بل ورسم السياسات الخارجية الرسمية لبلدانهم.

وهؤلاء رجال متشبعون بالنظريات في سوسيولوجية العلاقات الدولية، ولهم علاقات وطيدة بالمفكرين من كل دول المعمورة قبل أن تكون لهم علاقات برجالات الدولة. وعندما تتواصل معهم وهم في دوائر القرار تجدهم أصحاب أفكار مسبقة أو جاهزة ورثوها من أيام التدريس والبحث العلمي في الجامعات! والمصيبة الكبرى أن الكتابات الفكرية المتزنة القادمة من عندنا قليلة إن لم نقل منعدمة، فلا يكون إلا ما يؤمنون به لوحدهم.. وإذا سألتهم مثلاً عن تشخيص حقيقي لطبيعة النظام في إيران، وعن المؤسسات النافذة، ستجد منهم أجوبة غير مقنعة... وإذا سألتهم عن أسباب تواجد أتباع ملالي طهران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان فسيخوضون معك في تفسيرات جيوسياسية عقيمة... وإذا تفضلت وقلت لهم إن التقية عندهم تسمح لهم بفعل كل شيء، وإن مسألة السيادة الممنوحة من القانون الدولي لكل دولة منعدمة في إيديولوجيتهم، إن قلت كلذلك ابتسموا لك وغيروا الموضوع.

يا سادة إن النظام في إيران قائم على الشخصنة السلطوية، وأعني بذلك «الولي الفقيه»، والذي وصفته المادة 107 من الدستور الإيراني بأنه «المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني، الذي اعترفت الأكثرية الساحقة من الناس بمرجعيته وقيادته». فالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأئمة (المادة 57)... فمهمته مهمة مركزية في نظام الحكم الإيراني، وهو المتفرد بالمرجعية الدينية لكل الشيعة في العالم، دون اكتراث بالحدود الجغرافية أو السيادة الوطنية. ولحماية هذا النوع من التواجد السلطوي في دواليب الدولة، فإن للقائد ممثلين يعينهم يبلغ عددهم نحو ألفي ممثل في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها وفي الوزارات والسفارات والمراكز الثقافية، كي تتمكن أسس الثورة من البقاء انطلاقاً من «ممثلي الإمام»! وهذه السلطات والصلاحيات أتاحت للقائد إنشاء «دولة داخل دولة»، مع ما يعنيه ذلك من سريان نظام وقواعد غير مكتوبة، وأخرى مكتوبة، تكون فوق القانون والصلاحيات المشروعة المتعارف عليها، وبلباس ديني ثوري مطلق!
إن النظام قائم على مؤسسات نافذة موضوعة مباشرة تحت سلطة «الولي الفقيه»، منها: مجلس صيانة الدستور، وهذا المجلس له صلاحيات حساسة بما فيها الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة ورئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي وعلى الاستفتاء العام. ومجلس تشخيص مصلحة النظام. ومجلس الخبراء. ومجلس الأمن القومي الأعلى. ومجلس إعادة النظر في الدستور. ولجنة الثورة الثقافية، التي تعنى بخلق أجيال جديدة تتبنى قيم الثورة وتكون مصدر قوة للدولة. ثم يجب أيضاً ألا ننسى «الحرس الثوري» المنبثق من «اللجان الثورية»، وهو الجهاز العسكري الموازي للجيش، الذي يخضع خضوعاً مطلقاً لإيديولوجية الثورة والتوجيهات العليا للدفاع عن خط القائد داخل إيران وخارجها، والدفاع عن «المستضعفين في الأرض» أينما كانوا، عبر عملية تصدير الثورة التي تتيح كل شيء بما في ذلك خلق الفتنة، وزعزعة أركان الاستقرار للدول والشعوب.

وإذا أفهمنا زملاءنا في الدول الغربية من خلال هذه الإطلالة السريعة نوعية النظام القائم في إيران، سيفهمون كل شيء. وسيفهمون أن لعب إيران على الوتر الطائفي مسألة وجود إيديولوجي لإيديولوجية ولاية الفقيه. وسيفهمون أن تصدير مشروع الثورة الإيرانية لن يكون إلا من خلال استعمال أدوات مذهبية باستغلال وتجييش طائفي لبعض الشيعة العرب وغيرهم في المنطقة العربية لنشر مبادئ ومرتكزات الثورة. وكل ذلك لتعزيز المصالح القومية الإيرانية، والتمركز داخل النظام الإقليمي وابتزاز الخصوم والأنداد.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٧
صواريخ دير الزور: حين تستجدي طهران المواجهة الكبرى

لم تعد الحرب بالوكالة التي تشنها إيران في المنطقة كافية للدفاع عن نظام الولي الفقيه قي طهران. بات استراتيجيو الجمهورية الإسلامية يشعرون بأن رياحاً أخرى تهب في المنطقة وبات وقعها يقرع أبواب البلد ويهزّ عرشاً كان يمنّي النفس بالنفخ بإمبراطورية غابرة عاصمتها بغداد.

تبدل التوازن الإقليمي برمّته. لم تعد العواصم العربية الأربع التي أعلنت طهران أنها تحت السطوة الإيرانية كافية للدفاع عن العاصمة الإيرانية نفسها. انتقل الإرهاب «الداعشي» إلى طهران ليضرب داخل البرلمان، حجر الزاوية للنظام السياسي للجمهورية، وليضرب ضريح الإمام الخميني، رمز تأسيس هذه الجمهورية. لم تعد دولة الفقيه بمنأى من أورام التطرّف التي ما برحت منابر إيران وأجهزتها تنفخ فيه شرقاً وغرباً، علناً وخلف الكواليس، فينتج ميليشيات طائفية تنافس «داعش» في غيّه وتتقاطع معه في غاياته.

ليس بالأمر افتراء ومبالغة، فالتقارير دقيقة في التحدث عن تورّط إيران المباشر مع تنظيم «القاعدة» واستضافة قياداته، كما في التواطؤ لتحرير قيادات التطرّف الإسلامي من سجون سورية والعراق الذي لم يكن سيؤدي إلا لإنشاء تنظيم أبو بكر البغدادي الشهير. كما أن التنظيم نفسه راعى هذه «المكرمة» فلم يتوجه بعد سقوط الموصل عام 2014 إلى بغداد، بل إلى مناطق الأكراد والإيزيديين، كما أنه كشف عن تعاون يشبه التحالف مع نظام دمشق ضد المعارضة السورية المعتدلة.

كان ذلك في ما مضى. فالمنطقة تشهد فصولاً أخرى تتغير فيها القواعد والمسلّمات. تعبّر عملية «داعش» الإرهابية في طهران عن ذلك تماماً. لم يضرب التنظيم قبل ذلك أي هدف داخل إيران، ولذلك أسباب من دون شك. وأن يضرب التنظيم في هذا الشكل وتلك الأهداف وفي هذا التوقيت، فلذلك أسباب من دون شك. وأهم تلك الأسباب أن تفاهماً ما بين طهران و «داعش» جنّب إيران صولات البغدادي، قد سقط، وأن سقوط هذا التفاهم فتح نيران الإرهاب ضد طهران.

هكذا هي المعادلة بكل بساطة.

تلتقط إيران وجبات متدفقة من الأعراض المقلقة هذه الأيام. تستنتج علاقة ما بين سقوط «داعش» القريب في الموصل وهجماته في طهران. وتستنتج أن عواصم العالم كما عواصم المنطقة تستعد للتموضع في حقبة ما بعد «داعش». وما بعد «داعش»، أي ما بعد سقوط التطرّف والإرهاب الإسلاميين، سيتّسق منطقياً مع حقبة تسحب البساط من تحت تيارات التطرّف الديني كافة سنية كان أم شيعية. وفي ذلك تماماً أن خدمات طهران ومواهبها في هذا الصدد لم تعد تتوافق مع ذائقة السوق الدولية في تقليعاتها الجديدة.

لن يجهد المراقب كثيراً لملاحظة أن سعي إيران لحفر «هلالها الشيعي» وتأمين تواصل بري بين طهران وبيروت يكشف عن إدراك إيراني بتصدّع سطوتها في ميادين نفوذها التقليدي على ذلك الطريق. تفرج معركة الموصل ونزوع الأكراد إلى توسّل الاستفتاء طريقاً للانفصال عن مشهد عراقي آخر لن تعود به إيران سيدة الموقف. وتشي زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السعوديةَ بتوق عراقي، بدعم ورعاية أميركيين، لإعادة وصل العراق بمحيطه العربي والتحلل آلياً من تبعية لإيران، تمت منذ غزو عام 2003 بتشجيع أميركي أيضاً.

وإذا ما صعّب على المراقب استيعاب ملامح التغير المقبل في العراق، فإن ملامح ما قد يقترب من الانقلاب جلية في الميدان السوري. باتت إيران «فصيلاً» من بين الفصائل التي تتقاتل داخل هذا البلد منذ عام 2011، وحتى أن دفعها بالميليشيات الشيعية المقبلة من لبنان والعراق وأفغانستان ودول أخرى، كما دفعها بالآلاف من «مستشاري» الحرس الثوري، لم يحسّن من شروط هيمنتها على النظام السوري وحوّلها إلى عامل مساعد تستخدمه روسيا وتهمله وفق أجندة القيصر لا وفق توصيات المرشد.

تكاد إيران تفقد نفوذها في سورية المستقبل، أياً كان هذا المستقبل، حتى لو حققت ميليشياتها إنجازاً هنا واختراقاً هناك. تعرف طهران أن لإدارة دونالد ترامب خطة عمل وأجندة كانتا غائبيتين في عهد الإدارة الأميركية السابقة، وأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة في سورية التي تتنافس مع تلك الروسية قد تتوصل إلى شراكة مع موسكو، لكنها غير مهتمة بأي شراكة من أي نوع مع طهران. تدرك إيران أيضاً أن قرار واشنطن بمنع أي نفوذ إيراني على الحدود الشرقية لسورية هو خيار استراتيجي نهائي على ما تكشف تطورات التنف جنوباً وحراك قوات سورية الديموقراطية في الرقة، وعلى ما يكشف تدخل طائرات التحالف لحسم أي محاولة تسعى لغير ذلك.

لم تستخدم طهران قواها النارية منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. لم يكن من حاجة لذلك والجوائز تأتيها مجاناً منذ حرب الكويت مروراً بحصار العراق انتهاء بغزوه غرباً وغزو أفغانستان شرقاً. فأن تستخدم إيران صواريخها الباليستية، فإن في ذلك اعتراف أن الحرب بالوكالة لم تعد تفي بالغرض، وأن صواريخ إيران التي لطالما أثارت قلقاً لدى عواصم العالم تجاوزت مهماتها التجريبية ودخلت في منظومة العمل المهدِّد الأهداف المحتملة.

لم يصدر عن البنتاغون أي تعليق أو تأكيد لرواية الصواريخ الإيرانية. أخطأت إيران في الإعلان عن استخدام صواريخ يفهم منها تهديد لكل دول المنطقة كما لمصالح دولية، في مقدمها تلك الروسية - الأميركية، في المنطقة. وإذا ما ثبتت رواية الصواريخ وثبتها إعلان أميركي دولي ما عنها، فإن المجتمع الدولي الذي رفض البرنامج الصاروخي الإيراني وتجاربه، سيكون له موقف جدي آخر ضد ما انتقل من موسم نظري إلى دائرة الفعل بالنار. لا يمتلك المجتمع الدولي إلا الحزم إذا ما أراد تجنيب المنطقة حرباً كبرى ضد إيران تشنها عواصمها، حتى تلك المتخاصمة تقليدياً في ما بينها.

اقرأ المزيد
٢٨ يونيو ٢٠١٧
التقسيم المغمس بـ”الدم” .. هل ينتظر “بشار” مصير “صدام” و ما هي المناطق التي سيطالها الكيماوي المنتظر !؟

يتشابه السيناريو الذي يتم تطبيقه حاليا اتجاه الأسد ، بذلك الذي لاحق صدام حسين قبل قرابة الـ ١٥ عاما ، من حيث الحديث و المعلومات الاستخباراتية الغير قابلة للدحض عن أسلحة كيميائية أو دمار شامل ، تمهيداً لعمل عسكري مضاد قد نشهده في قريب الأيام .

فمع اجماع المؤسسات الأمريكية الثلاث الرئيسية في أمريكيا (البنتاغون - المخابرات - البيت الأبيض) ، على ذات المعلومات المتعلقة بوجود نشاط مشابه لذلك الذي شهده مطار “الشعيرات” في حمص ، قبيل ارتكاب مجزرة الكيماوي في خان شيخون نيسان الفائت ، هذه المعلومات التي تلاها تهديد بدفع "ثمن باهظ جدا" ، سرعان ما انضم إليه مؤيداً و مسانداً كل من بريطانيا و فرنسا ، يجعل السيناريو القريب جداً ، يصل حد التطابق في حال اكتمال الحبكة وصولاً للفعل الحقيقي ، الذي يكون كنوع عقابي للأسد ، وفقا ما تسير باتجاهه وسائل الاعلام الأمريكية.

و صحيح أن الحديث السابق ، هو محتمل و بنسب عالية جداً ، ولكن يبقى هناك احتمالية لو ضئيلة لانعدام مصداقيته ، وبالتالي وجود تهديد جدي و فعلي اتجاه المناطق المحررة التي تشهد معارك أو هي مقبلة على حملات جديدة.

قراءة الساحة السورية الحالية ، من حيث  توزع خارطة الاشتباك تنحصر امكانية تنفيذ المرحلة التي تستبق عملية الاستهداف الجدي للأسد ، ألا وهي استخدام الكيماوي ، فإن أقرب الساحات لهذا الاستهداف هو ريف دمشق الشرقي ، الذي يشهد حاليا اشتباكات غاية في الخطورة ، ومحصورة في قطاع واحد ، ألا هو جبهة عين ترما ، اذ الهدف الأبرز “جوبر” ، تم تأجيله لمرحلة ما بعد الفصل عن الجسد المتبقي من الغوطة الشرقية.

في حين لا تعد جبهة درعا و معركتها الشهيرة “الموت ولا المذلة” بعيدة عن خريطة الاستهداف المتوقع ، اذ تعد هذه الجبهة الأكثر خطورة على النظام في حال ما واصل الثوار معاركهم (الهادئة حالياً نتيجة اتفاق يعتبر كبادرة تمهيداً لاتفاق دولي حول المنطقة ، الاتفاق الذي يبدو أنه لم يحقق النجاح) ، و المعلومات الواردة من مصادر دقيقة تجعل من الأمر (الكيماوي) قريبا جداً من تلك المنطقة.

و ليس ببعيد عن درعا ، قد تكون القنيطرة هدفاً محتملاً بعد الهجوم الذي قاده “جيش محمد” ، اتجاه أكثر النقاط قرباً للنظام و المليشيات الايرانية ( مدينة البعث) لاسرائيل ، وما رافقه من تشدد اسرائيلي وحسمية في الرد ، و في ذات الوقت تحويله لأمر كبير مع اعلان المناطق المقابلة للمعارك ، منطقة عسكرية لا يسمح الاقتراب منها ، مما يضعها في مركز متقدم في قائمة الاستهداف  الكيميائي.

باب المناطق التي من المحتمل أن تكون هدفاً للكيماوي ، اذا ما صدقت بالفعل التقارير الاستخباراتية ، هو باب عريض سيما مع معلومات ميدانية تقول إن النظام و حلفاءه يقومون بحركة نشطة و كبيرة في منطقة سهل الغاب ، وهي حركة لا تشهدها المنطقة إلا في حال حدوث معركة باتجاه المناطق المحررة في ريف حماه الشمالي و جنوب ادلب.


و السؤال الأبرز الذي يدور حول : ما سبب الرغبة باللجوء إلى العنف لفرض التقسيم السوري .. في حين تم الأمر بيسر و سهول إبان سايكس بيكو !؟ ، وهنا الجواب يقودنا للقول أن المساحة المتبقية من سوريا بعد اعتماد كل طرف على القوة لانتزاعها ، حيث استحصلت روسيا على مما أسمته “سوريا المفيدة” ، و ايران باتت على أبواب الولوج لحلمها بوصل طهران بالمتوسط عبر طريق بري آمن ، وتركيا استحوذت على أجزاء من طلبها وهي مقبلة على المرحلة الثانية ، وصولاً للخمسة آلاف كيلومتر المطلوبة لضمان أمنها و تمزيق الحلم الكردي الانفصالي ، في حين بقي اللاعبون في الجنوب بلا حصة مجزية سيما الأردن و اسرائيل ، و بالتالي لابد من عمل سريع وحاسم يضمن الحصول على النصيب “المغمس بالدم”.

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٧
فورد وسورية: طابخ السم آكله

في مقابلة مطولة مع مطبوعة عربية، أطلق السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد لخياله العنان في عملية إعادة تصوير المشهد السياسي السوري ودوره فيه، بحيث يحقق هدفين رئيسين: رسم صورة إيجابية لدوره، وتصفية حساب مع الإدارة الأميركية السابقة.

لم تكن محاولة رسم صورة إيجابية لدوره بالعملية السهلة لأن في الملف صفحات تقود إلى نتيجة أخرى، مختلفة، إن لم تكن مناقضة، لما حاول السفير ترويجه. ثلاث قضايا رئيسة، بعضها تجاهل هو الاقتراب منها وقفز الصحافي عنها، تناولها يمكن أن يعيد التوازن إلى الصورة التي رسمت ويسمح بإطلاق أحكام مختلفة على موقف السفير والإدارة أكثر دقة وموضوعية، وبتحديد المسؤوليات على النتائج وتبعاتها. أولى تلك القضايا موقف السفير من الثورة كفعل شعبي هدفه تغيير الواقع السياسي القائم في سورية. فقد عكست حواراته، وتحركاته في دمشق، قبل إغلاق السفارة، وفي الخارج، أنه ليس مع الثورة، وأنه تحفظ عليها منذ البداية، وقد تجلى ذلك في سؤال تشكيكي وتحريضي طغى على أسئلته لمن التقاهم من المعارضين: الأخطار التي تنطوي عليها الثورة على الأقليات الدينية والمذهبية. بدأ بالسؤال حين كانت تظاهرات السوريين تصدح بشعار «واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد».

وقد اعتبر في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ عام 2013 أن «عدم تقديم ضمانات للأقليات، العلويين بخاصة، سبب رئيس في فشل الثورة، كرر الموقف ذاته في مقالة له في جريدة النيويورك تايمز. وقد تصاعد تحفظه مع ظهور المنظمات والفصائل الإسلامية كاشفاً عن أعراض إسلاموفوبيا عميقة. وقوله في المقابلة: «في 2013، قلت للمعارضة السورية: يجب أن تكونوا منفتحين إزاء الأسد. إذا أقنعتم الأسد بتغيير رئيس المخابرات الجوية والعسكرية والأمن السياسي والاستخبارات العامة. إذا تغير رئيس المصرف المركزي ووزير المال٬ ثم يعيَّن مستقلون بدلاً منهم من دون سيطرة الأسد يمكن قبول بقائه»، لا يعكس حقيقة موقفه من الثورة والتغيير فقط بل ويكشف مدى سطحية فهمه للنظام السوري. وأما ثاني تلك القضايا فموقفه من «المجلس الوطني السوري» حيث ناصبه العداء وحرض عليه ومارس ضغوطاً على أعضاء وتكتلات فيه محاولاً دفعها إلى الانسحاب منه، وقدم إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تقارير سلبية عن أدائه، قبل أن يكلف باحثاً في مركز بروكنز في الدوحة بوضع خطة وإصلاحه خلال أسبوعين أو حله وتشكيل بديل سياسي له، ما حصل عندما شكل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، المؤسف أن معارضين ممن تصدروا المجلس والائتلاف قد ساعدوه في ضرب «المجلس» وتشكيل «الائتلاف»، وهاهم الآن يدعون إلى إصلاح «الائتلاف» وعدم تشكيل بديل بذريعة أنه يحظى باعتراف دولي يجب أن لا نهدره متناسين أن «المجلس» كان يحظى بالاعتراف ذاته عندما طالبوا بتجاوزه.

وقد ختمها في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة عام 2016 بتقديم شهادة سلبية عن المعارضة المعتدلة، ناهيك بما قاله في محاضراته في مراكز البحث والجامعات ضدها. وأما ثالثة الأثافي، كما تقول العرب، فموقفه من تسليح الجيش السوري الحر، حيث تقلب في موقفه من رفض التسليح والوقوف ضد اقتراح هيلاري بيترايوس بينيت عندما كان على رأس عمله، إلى تبني التسليح بعد خروجه من وظيفته، شباط 2014، ومطالبته في مقالة له في النيويورك تايمز يوم 10/6/2014 تحت عنوان «سلحوا المعارضة السورية» بتزويده بأسلحة ثقيلة بما في ذلك صواريخ مضادة للطائرات، قال في المقالة: «من المؤكد أنه لا يوجد حل عسكري، ولكن من الممكن إنقاذ شيء في سورية من خلال تهيئة الظروف لإجراء مفاوضات حقيقية تجاه حكومة جديدة. وهذا يتطلب تمكين المعارضة المسلحة المعتدلة». وعودته إلى معارضة التسليح، فقد نقلت عنه صحيفة ماكلاتشي، بعد اجتماعه مع قادة من الجيش السوري الحر في تركيا، قوله: «إن أمام المعتدلين فرصة ضئيلة ليصبحوا قوة قابلة للحياة، سواء ضد الأسد أو المتطرفين، قدر عددهم بعشرين ألفاً، وأضاف باختصار «ليس من المنطقي الاستمرار بإرسال المساعدة إلى الجانب الخاسر». هنا يمكن أن نذكر واقعة دالة بهذا الخصوص، فبعد ضربة الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية زار عدد من نشطاء دوما وداريا، خلال جولة لهم على الأمم المتحدة والإدارة الأميركية لتقديم صورة عن الهجوم الكيماوي، الخارجية الأميركية والتقوا بالسفير الذي ترك الحديث عن الهجوم الكيماوي وأجرى مع الدارانيين تحقيقاً أمنياً عن عملية إسقاط مروحية للنظام فوق داريا يريد أن يعرف نوع السلاح الذي أسقطها ومن أين حصلوا عليه، وقد بلغ به الموقف حد اتهام مقاتلي داريا بالتواصل مع المتطرفين.

يبقى حديثه عن احتمال خسارة الكرد مراهنتهم على أميركا جديراً بالانتباه وأخذه على محمل الجد لأن السياسة الأميركية تتبنى في تعاطيها مع الملفات وإدارة الأزمات فحوى نظرية «التقاطع» التي طرحها زبغينيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة كارتر، في كتابه «أميركا في العصر التكنتروني» الذي نشره عام 1966، والتي تقول «بإجراء تحالفات وتعاون مع أية دولة أو قوة تتقاطع مصالحها مع المصالح الأميركية في ملف أو قضية ما، لأن محصلة التحالف ستصب في طاحونة الطرف الأقوى فيه».

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٧
تزاحم أميركا وإيران في سورية يعطل دور روسيا؟

لم تقع الحرب بين الأميركيين والروس في سورية. انتهت تهديدات موسكو بالعودة إلى اتفاق التنسيق مع واشنطن في الأجواء السورية. لا يعود غضبها إلى إسقاط «التحالف الدولي» طائرة «سوخوي 22». أزعجها أكثر أن قيادة التحالف لا تُعلمها بتحركاتها الميدانية أو الجوية ولا ترغب في التنسيق. أي أنها تتجاهل مصالحها. في حين أنها كررت في أكثر من مناسبة استعدادها للتفاهم في الحرب على «داعش». ما حدث احتكاك طبيعي متوقع. وقد يتكرر كلما اقترب يوم تحرير الرقة بعد الموصل، أو كلما ازداد انخراط الرئيس دونالد ترامب في الإقليم، من اليمن إلى العراق بحدوده الغربية وبلاد الشام بشرقها وجنوبها. علما أنه تعهد أن لا حروب جديدة في الشرق الأوسط. ومثله أعلن الكرملين قبل أيام أن الحرب في سورية توقفت! وهو يستعجل مسارَي آستانة وجنيف لتأكيد هذا «التوقف». ويسعى إلى التفاهم على آليات مراقبة «مناطق خفض التوتر». ذلك أن تصعيد المواجهة بين إيران والولايات المتحدة يقوض استراتيجيته ويطيح مشروعه لإنهاء الحرب. لذلك رفع سقف خطابه بعد تعرض قوات النظام والميليشيات الحليفة لأكثر من ضربة أميركية أثناء تقدمها نحو قاعدة التنف والمثلث الحدودي مع الأردن والعراق. أوحى بعزمه على الرد، لأنه لا يريد لدمشق أو طهران أن تديرا اللعبة أو تبدلا قواعدها. وساهم في إشعال بعض الجبهات، وساهم أسطوله في المتوسط ببضعة صواريخ، وأعاد نشر بطاريات...

الاحتكاك متوقع إذاً ما دام السباق قائماً على تقاسم النفوذ في سورية. ويمكن هذا السباق أن يؤدي إلى إطالة الحرب على «داعش». بل قد يطيل عمر الأزمة في بلاد الشام بعد القضاء على التنظيم الإرهابي. روسيا تجهد لوقف القتال بترسيخ فكرة «مناطق خفض التوتر». أي أن تنشر هي وتركيا جنوداً في منطقة إدلب، وتتولى وإيران مراقبة المناطق المحيطة بدمشق، وتراقب الولايات المتحدة والأردن المنطقة الجنوبية في درعا. هذا ما أوضحه أحمد كالين الناطق باسم الرئيس رجب طيب أردوغان. بالطبع تبقى هذه الخريطة ناقصة. فالصراع هو على الرقة وعلى تركة «داعش» عموماً. الرئيس ترامب أقفل قناة الحوار مع طهران وأطلق حلفاً واسعاً في الإقليم لمواجهة نفوذها وتمددها. لكنه لم يطلق خطة أو يقدم استراتيجية لتحقيق هذا الهدف. تماماً كما يتعامل مع حربه على الإرهاب. فهو على خطى الإدارة السابقة لا يملك خطة لما بعد «داعش». ولا يملك أجوبة عن مستقبل سورية ومستقبل دور روسيا وإيران في هذا البلد. ما يستعجله هو إنجاز نصر في تحرير «عاصمة الخلافة». كما أن الرئيس السوري الذي لا يروقه تقاسم، بل يريد تحرير الرقة لتوكيد «شرعيته» وأهليته في محاربة الإرهاب! مثلما ترغب حليفته إيران في المشاركة في هذا التحرير لتوكيد حضورها الكبير في الإقليم وقدرتها على إدارة شؤونه. ومثلها تفعل تركيا التي تريد حضوراً يضمن لها قطع أوصال مناطق الكرد وأحلامهم.

هذا الازدحام ،أو بالأحرى التزاحم، في أرض سورية وسمائها، كما رأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يجعل من الصعب على اللاعبين الكبيرين، روسيا وأميركا، أن يقررا وحدهما مسار الأزمة. القوى الإقليمية والمحلية لا تنتظر نتيجة النقاش في الكونغرس ودوائر الإدارة في الاستراتيجية المنتظرة. لا تتوقف عند تحذير قوى في واشنطن من مغبة الانخراط في حروب المنطقة وإصرارها على قتال «داعش» أولوية. ولا تتوقف أيضاً عند دعوة قوى أخرى إلى رفع وتيرة المواجهة مع إيران باعتبارها معركة مصيرية لمستقبل مصالح الولايات المتحدة وعلاقاتها ودور حلفائها في المنطقة. وتعتقد هذه القوى أن غياب الخطة الاستراتيجية يتيح للأطراف الآخرين في الملعب السوري كسب مزيد من الأرض، كما هي الحال اليوم. ولا شك في أن النظام وإيران يحرزان تقدماً في كثير من المناطق على حساب الفصائل المعارضة. ويسعيان إلى تقويض مشروع «مناطق خفض التوتر». ولم تكتف طهران بإطلاق صواريخ باليستية على منطقة دير الزور حاملةً جملة من الرسائل الواضحة، بل بدأت ببناء قاعدة قرب تدمر تتضمن مطاراً ومهبطاً لإطلاق طائرات من دون طيار ومحطة مراقبة أرضية. وهدفها والنظام تقويض تفاهم موسكو وواشنطن على هدنة طويلة توفرها صيغة «مناطق خفض التوتر» التي قد تكرس لاحقاً أقاليم في نظام فيديرالي. في المقلب الآخر تحشد تركيا قواتها مهددة بضرب عفرين، وتتوعد بتقويض حلم الكرد في حكم ذاتي بعدما دفعت البنتاغون إلى التعهد باستعادة كل الأسلحة التي يمد بها «وحدات حماية الشعب» بعد انتهاء معركة الرقة.

في خضم هذه الأجندات المختلفة، لا تملك إدارة الرئيس ترامب استراتيجية تمكّنها من التغلب على خصومها في سورية. أو فرض رؤيتها وأجندتها. كما أن رفع عديد قواتها أو توسيع رقعة انتشارها في شرق البلاد وشمالها لن يغيرا في مآل الصراع، أو يَحُولا دون انتصار خصومها في المعركة في النهاية. ذلك أن عشرات الآلاف من جنودها الذين غزوا العراق لم ينجحوا في فرض المشروع السياسي الأميركي في بلاد الرافدين. وقبل ذلك لم تقطف الولايات المتحدة وشريكاتها في حرب أفغانستان ثمار جهودها العسكرية في هذا البلد بعد إسقاط نظام «طالبان» وتشتيت قيادات «القاعدة». إلا أن بعض داعمي هذه الإدارة يعتقد بأن انخراطها في المسرحين العراقي والسوري سيمكنها عاجلاً أم آجلاً من إرهاق اللاعبين الآخرين وتحويل الحضور الإيراني خصوصاً مكلفاً وصعباً، على غرار ما حدث في أفغانستان إبان الاحتلال السوفياتي. لكن الوقائع على الأرض لا تشي بذلك، على رغم أن من المبكر الجزم بمآل حرب الحدود وتقاسم الجغرافيا السورية، فالإيرانيون حتى الآن يقيمون على طرفي الحدود العراقية- السورية، على رغم أن واشنطن طلبت من بغداد إبعاد ميليشيات «الحشد الشعبي» عن هذه الحدود وتسليم أمنها إلى القوات الشرعية من حرس حدود وجيش. وجاءت الصواريخ الباليستية الإيرانية على دير الزور لتقول لقاطني قاعدة التنف أن يد الجمهورية الإسلامية طويلة وقادرة على إزعاجهم. كما أن النظام في دمشق يقترب من استعادة درعا والسيطرة على منافذ الحدود في الجبهة الجنوبية مع الأردن. لذلك تبدو الجمهورية الإسلامية في الميزان العسكري هي الأقوى انتشاراً على المسرحين العراقي والسوري. لكنها تبقى دون تفوق الولايات المتحدة وروسيا وقوتهما وترسانتهما. وهذا واضح في المسرح السياسي حيث تترجم الموازين فعلياً، فموسكو مثلاً هي من يقود ويقرر في آستانة، كما في دمشق وإلى حد كبير في جنيف، أضف إلى ذلك أن اتساع خريطة انتشار القوى الإيرانية يفوق حجمها وقدرتها في الإقليم. كما أنها ليست دولة متقدمة تتمتع باقتصاد راسخ وقوي. وهي تواجه مقاومة لا يستهان بها من اليمن إلى سورية. لذلك يستحيل التنبؤ بمسار الصراع.

إلى هذه القوة الإيرانية على الأرض هناك تركيا، التي تشكل تهديداً لمكتسبات الكرد في شمال شرقي سورية، خصوصاً إذا تخلى عنهم الأميركيون مرضاة لهذا الحليف المفترض في «الناتو»، كما هو واضح اليوم من تعهداتهم لها بإطلاعها على لوائح المعدات التي تسلح بها «قوات سورية الديموقراطية»، والتزامهم استعادة هذه المعدات والأسلحة بعد القضاء على «داعش». وعلى رغم ذلك، لا تملك حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان خيارات واسعة. وإذا غامرت بتنفيذ وعيدها للكرد فإنها ستغامر بفتح معركة واسعة متعددة الجبهات تعم كل مناطق انتشار حزب العمال الكردستاني وفروعه في شمال سورية ومناطق سنجار فضلاً عن مناطق ديار بكر ومناطق انتشار الكرد الأخرى. ثم إن إطالة الحرب على الرقة، كما يتضح اليوم، تتيح للاتحاد الديموقراطي الكردي تعميق تعاونه مع الأميركيين وترسيخ حضوره في مناطق انتشاره الواسعة. وهو يتمتع بشبكة علاقات تتيح له خيارات عدة إذا شعر بتخلي إدارة ترامب عنه. يمكنه الرد على خصومه بإحياء تفاهمات مع النظام في دمشق، كما حصل في حلب، حيث ساهم في طرد الفصائل المعارضة. وكما فعل في مناطق وجبهات تخلى فيها عن مواقعه لمصلحة دمشق وحلفائها.

في ضوء هذه الوقائع، لا مجال للحديث عن تسوية في آستانة ولا في جنيف. كان منطق المعارضة و «أصدقائها» في الجلوس إلى طاولة المفاوضات، هو الرهان على إرغام الرئيس الأسد ونظامه على تقديم تنازلات بعد إضعافه وتقليص مناطق نفوذه. فمن يستطيع اليوم دفع هذا النظام إلى التنازل؟ ألا يكفي ما تحقق له الآلتان العسكريتان لروسيا وإيران؟ ألا يكفي أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بات لا يرى «أي بديل شرعي للنظام»، وأن رحيل الأسد لم يعد أولوية بل محاربة «داعش». سيبقى الحل إذاً رهن ميدان الحرب ونتائجها. من هنا لم يعد مآل الأزمة رهن تفاهم بين أميركا وروسيا ينتظره الجميع. بات لكل ناحية في خريطة سورية دينامية خاصة ومعقدة، من الشمال إلى الجنوب مروراً بالبادية والحدود الشرقية. لم تعد هناك قواعد ثابتة وعامة لإدارة اللعبة.

اقرأ المزيد
٢٧ يونيو ٢٠١٧
إنه الجنوب السوري... يا أذكياء!

بانتظار ما ستقرر واشنطن فعله إزاء الطموحات القومية الكردية المزمنة، أقله في شمال سوريا، يتركز الاهتمام من دون كلام كثير عن البؤرة الأخطر في منطقة الشرق الأدنى اليوم... ألا وهي جنوب سوريا.

بالأمس نشرت «الشرق الأوسط» قراءات إسرائيلية للوضع في المنطقة الممتدة من البوكمال على الحدود العراقية إلى خط الهدنة في هضبة الجولان مروراً بمعبر التنف الحدودي. وكان مثيراً بعض ما ورد، مع أن التجارب علمتنا أن جوهر السياسة الإسرائيلية يكمن في ما يحصل على الأرض لا ما يُقال. بل، في معظم الأحيان، تكون المواقف المعلنة محاولات متعمدة للتمويه كي لا نقول التضليل.

ولندع، لبرهة ما قيل وما زال يُقال، وننظر إلى حقائق جنوب سوريا.

الحقيقة الأولى أن النظام - بالأصالة أو عبر ميليشيات حماية القرى المحلية - موجود عسكرياً في أقصى جنوب غربي سوريا. ولئن كانت إسرائيل تتقبل مبدأ حماية القرى لأسباب إنسانية وطائفية غير مدفوعة الثمن سياسياً واستراتيجياً، فإن للنظام وميليشيا حزب الله - واستطراداً، إيران - حضوراً عسكرياً في المنحدرات الشرقية لجبل الشيخ وسفوحه. والصمت يعني أن إسرائيل لا تجد في هذا الحضور تهديداً لها بصيغته الراهنة.

الحقيقة الثانية، أنه يوجد في جنوب غربي محافظة درعا (جنوب منطقة الجيذور وغرب حوران) «جيب» يضم بضع بلدات يسيطر عليه تنظيم داعش. وهذا الجيب يُفترض به أنه معزول جغرافياً عن باقي محافظة درعا (قلب حوران) وأنه معرّض للغارات الجوية. مع هذا، ما زال «داعش» يسيطر على «الجيب»، وما زال طيران النظام الذي دمّر حلب وحمص وضواحي دمشق متمنِّعاً عن قصفه. والشيء نفسه يُقال عن طيران إسرائيل.

الحقيقة الثالثة، أن إسرائيل ضمّت في أواخر عام 1981 الأجزاء التي كانت قد احتلتها من هضبة الجولان عام 1967. وهي تعتبرها اليوم جزءاً لا يتجزأ من «أرض إسرائيل». وكانت المناورات السياسية المتبادلة بين الرئيس السوري السابق الراحل حافظ الأسد وقادة إسرائيل حول «تحرير الجولان» والتفاوض على الهضبة، تتمحوَر حول «مبرّرات» الطرفين للهروب من الحل. وكان من المبرّرات حدود محيط بحيرة طبريا (بما في ذلك أرض البطيحة والحِمّة) وحدود الجزر والمد بالنسبة لمياهها. وذات يوم أخبرني أحد الخبراء المائيين العرب المطّلعين على ملف طبريا أن هدف حافظ الأسد كان الإبقاء على حالة «اللاحرب واللاسلم» - بما في ذلك بقاء هضبة الجولان محتلة – بوصفه ذريعة لعداء «ممانع» مصطنع مع إسرائيل يستفيد منه النظام لأنه يخدم غاية رفض أي توجه نحو الديمقراطية والحريات الدستورية السليمة. وفي المقابل، تستفيد إسرائيل من تحوّل النظام السوري إلى مظلة مزيفة للرفض العربي و«الممانعة» و«المقاومة» اللفظيتين، بينما يحقق فعلياً الأهداف الاستراتيجية لتل أبيب.

الحقيقة الرابعة، أنه منذ «حرب التحريك» العربية الإسرائيلية في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، الهادفة إلى تسليم كل ملفات المنطقة لواشنطن، ظل خط الهدنة في هضبة الجولان أهدأ «خط جبهة» في عموم الشرق الأوسط. وحقاً، ما كان «العداء» لإسرائيل يترجَم قتالاً إلا في لبنان تمهيداً لضمه إلى «الهلال الإيراني»، والأراضي الفلسطينية لشق الصف الفلسطيني وافتعال «حرب أهلية» فلسطينية... والمسلسلات التلفزيونية والأغاني الوطنية. ومعلوم، أن دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 ومن ثم تصفيتها المقاومة الفلسطينية وقوى اليسار اللبناني كانا جزءاً من خطة أميركية تحظى بمباركة إسرائيلية. فقط تغيّرت تفاصيل التفاهم «التعايشي» بين دمشق وتل أبيب مؤقتاً عام 1982 مع غزو القوات الإسرائيلية لبنان، إلا أن الأمور سرعان ما عادت إلى طبيعتها بعد غزو العراق للكويت عام 1990؛ ذلك أنه بعد مشاركة حافظ الأسد في الحرب على نظام صدام حسين، أطلقت واشنطن - ومعها تل أبيب، طبعاً - يده في لبنان. وكانت النتيجة تسريع عملية إلغاء الدولة اللبنانية لصالح «دولة المقاومة».

الحقيقة الخامسة، أن إسرائيل ارتضت منذ انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، و«إعلانها» انتصار «حزب الله»، التعايش مع لبنان يسيطر عليه هذا الحزب المرتبط ارتباطاً عضوياً بإيران وحرسها الثوري. ثم إن إسرائيل، التي تعرف جيداً طبيعة الحزب وارتباطاته وما فعله في نسيج المجتمع اللبناني، حرصت على إهدائه انتصاراً «علنياً» آخر عام 2006 كي تضمن له مزيداً من «الشرعية»، عندما شنّت حرباً ضروساً على لبنان تعمّدت أن تدمر فيها كل شيء إلا البنى التحتية للحزب. وبعدها، ظهر التفاهم الضمني على أن الحزب يمكن أن يستخدم سلاحه في أي مكان في الداخلين اللبناني والعربي، ولكن ليس ضد إسرائيل.

الحقيقة السادسة، أنه بعد خوض «حزب الله» معركة إنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا، في إطار «الجهود الحربية» الإيرانية، اكتفت تل أبيب بالتعامل معه بأسلوب تعاملها مع نظام الأسد نفسه... أي «توجيه الرسائل» لا أكثر. وعملياً، قامت الاستراتيجية الإسرائيلية حتى الآن على اعتبار أن بقاء نظام الأسد و«حزب الله» «هدف استراتيجي» لها... ولكن وفق شروطها أيضاً، لا شروط طهران وحدها. وكما نرى منذ 2011، فإن إيران وتوابعها خصّصوا لـ«تحرير القدس» الخطب التحريضية الرنانة والاستعراضات العسكرية، بينما استخدموا أفتك الأسلحة داخل سوريا «لتحرير» كثير من مدنها وقراها من سكانها، واحتلوا أربع عواصم عربية.

وعليه، إذا ما نظرنا إلى خريطة ما تبقى من سوريا، نستشف معالم صفقة كبرى تعبّر عنها «مناطق تخفيف التصعيد»، والواضح أن مشروع «الهلال الإيراني» يلعب دوراً محورياً. ولئن كانت الإشارات من واشنطن وموسكو إلى كل من تركيا والجماعات الانفصالية الكردية في الشمال السوري تبدو متناقضة، فالصمت الإسرائيلي الطويل في الجنوب لا يعني أن تل أبيب غير مكترثة.

إسرائيل، التي حمت نظام الأسد لسنوات من وراء الستار في العواصم الغربية، تريد الآن حصتها في الكعكة السورية، بل والكعكة الإقليمية أيضاً. وهي تطمح لأن تكون حوران الطبيعية التي تقع دمشق على أطرافها الشمالية... تحت جناحها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان