مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ أغسطس ٢٠١٧
العرب من تحت الدلف إلى تحت المزراب!

من بركات الربيع العربي أنه أثبت لنا بما لا يدع أي مجال للشك بأن مصير الحكام العرب والأنظمة العربية ليس بأيدي شعوبها أبداً، بل بأيدي كفلائها في الخارج. لقد كنا نعلم أن معظم الأنظمة الحاكمة والحكام العرب مرتبطون بالقوى العظمى، وأن تلك القوى كان لها رأي بوصول هذا الحاكم أو ذاك إلى السلطة في بلاده، لكننا لم نكن ندرك أن الرأي الأول والأخير في تعيين الحكام في بلادنا هو بأيدي القوى الخارجية وليس بأيدي الشعوب ولا القوى الداخلية. لقد اكتشفنا متأخرين أن الشعوب مثل الأطرش في الزفة كما يقول المثل الشعبي، وأن لا حول ولا قوة لها، وهي مغلوبة على أمرها، ولا تستطيع أن تختار حتى مختار القرية، فما بالك زعيم الدولة.

لا تحلموا بتغيير أنظمتكم. لا تحلموا بتغيير حكامكم. لا تحلموا بتغيير سياسات بلدانكم. لا تحلموا بتغيير ثقافاتكم ولا حتى تحديث أو تعديل مناهجكم الدراسية ولا الدينية. أنتم مجرد عبيد أيها العرب. نحن نختار لكم كل شيء، وإن حاولتم التمرد على إرادتنا فسنجعلكم تلعنون الساعة التي فكرتم فيها بالتمرد علينا أو بتحسين شروط عبوديتكم. تلك هي الرسالة الدولية للشعوب العربية. وقد وصلت تلك الرسالة القذرة واضحة الآن بعد أن انقشع غبار الثورات العربية وذاب الثلج وبان المرج. حتى لو ضحيتم بالملايين من شعوبكم، وحتى لو تشردتم بالملايين بين لاجئ ونازح. وحتى لو خسرتم ملايين البيوت في أوطانكم، فلا تحلموا بالتغيير إلا بشروطنا. انظروا ماذا قدم السوريون في سبيل التغيير من شهداء وضحايا ولاجئين ونازحين ومعاقين ومدن مدمرة. ماذا حققوا؟ لا شيء أبداً سوى الخيبة والحسرة. أنتم أيها العرب لستم جبناء كما يعيركم البعض، بل أنتم رمز للتضحية والشهادة في سبيل تحقيق الحرية والكرامة، لكن مع ذلك لن نسمح لكم بجني ثمار تضحياتكم. هكذا يقول لنا ضباع العالم. وفروا شهداءكم وتضحياتكم، فلن تحققوا مرادكم.

هل حققت الشعوب العربية أياً من طموحاتها في بلاد الربيع العربي؟ بالطبع لا. وقد تراوحت خساراتها بين العودة إلى المربع الأول كما في تونس ومصر، أو العودة إلى العصر الحجري كما في سوريا واليمن وليبيا. في تونس عاد النظام القديم لكن بشرعية جديدة لم تكن متوفرة لنظام بن علي، وكأنك يا بو زيد ما غزيت. لقد عاد النظام القديم بكل أركانه السياسية والأمنية والإعلامية والاقتصادية. لا بل عاد بشكل أكثر شراسة وفجاجة بدعوى أنه جاء هذه المرة عبر صناديق اقتراع حقيقية. وفي مصر، بات الكثيرون يترحمون على نظام مبارك اقتصادياً وأمنياً وإعلامياً وسياسياً، لا بل إن البعض بات يعتبره عصراً ذهبياً. وحدث ولا حرج عن سوريا التي لم يكتف ضباع العالم بتحويلها إلى قاع صفصف وتجريدها من أبسط بنيتها التحتية، بل أصروا على بقاء النظام الذي ثار السوريون لتغييره. وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن الشرق والغرب باتا يؤكدان على ضرورة بقاء النظام والرئيس على رأس السلطة وكأنهم يرشون الملح على جروح ملايين السوريين. وبمجرد أن نسمع القوى الدولية والإقليمية والعربية تقول إن الرئيس السوري باق، فهذه وصمة عار في جبين السوريين جميعاً مؤيدين ومعارضين، لأنها تقول للسوريين بصريح الكلام: نحن من نقرر بقاء رئيسكم أو رحيله. كما أنها رسالة واضحة للنظام وللشعب السوري بأنكم جميعاً مجرد أدوات في أيدينا. نحن من نعين هذا الرئيس أو ذاك، ونحن من يتحكم ببقائه أو سقوطه.

وفي ليبيا أيضاً لم يكتفوا بتحويل ليبيا إلى ساحة حرب وتصفية حسابات داخلية ودولية، بل راحوا يعيدون كل أشكال النظام القديم. هل ثار الليبيون لاستبدال العقيد القذافي باللواء حفتر؟ لاحظوا الآن أن الجنرال الليبي الجديد يحظى بدعم عربي ودولي لا تخطئه عين.

وفي اليمن بات اليمنيون يتحسرون على أيام الشقاء والطغيان الخوالي بعد أن تحول بلدهم إلى ساحة حرب دولية وإقليمية وعربية. لا بل إن ضباع العالم يدعمون النظام الذي ثار عليه الشعب اليمني بطرق مختلفة، فلو كان العالم يريد مساعدة اليمنيين لما سمح ببقاء الرئيس اليمني وأركان نظامه الأمنيين والعسكريين والاقتصاديين داخل اليمن بعد الثورة.

هذه القصة القصيرة تلخص لنا الوضع العربي الحزين: «ذات يوم استأجر فلاح بسيط شقة ذات غرفة واحدة من إقطاعي، وعاش في تلك الغرفة الصغيرة مع زوجته وأولاده السبعة. وكانوا يعانون معاناة شديدة من صغر الغرفة. وبعد مدة جاءه الإقطاعي وقال له يا فلاح: عندي عنزتان وديك وقرد لا أجد لهم مكاناً، وأريد منك أن تسكنهم معك في الغرفة، فاضطر الفلاح إلى قبول الطلب مرغماً، فزادت معاناة العائلة أضعافاً مضاعفة من العنزتين والديك والقرد المزعج الذين حولوا الغرفة إلى كارثة. وبعد مدة عاد الإقطاعي وأخذ العنزتين والقرد والديك، ثم اتصل بالفلاح بعد ايام ليسأله عن حاله: فقال الفلاح: حالنا عال العال، ممتاز، فنحن في نعمة، والبيت كبير ومريح ولا ينقصنا من هذه الدنيا شيء.» هذا ما فعلوه مع السوريين والمصريين والليبيين والتونسيين واليمنيين والعراقيين بعد أن ثاروا. لقد سلطوا عليهم كل صنوف العذاب والشقاء والقهر والفقر كي يحنوا إلى أيام الطغيان الخوالي.

اقرأ المزيد
١٤ أغسطس ٢٠١٧
زمن «حزب الله»؟!

التطبيع الرسميّ مع النظام السوريّ تتويج لإنجازات راكمها «حزب الله» على مدى سنين. لكنّه أيضاً تتويج لإخفاقات خصوم الحزب والنظام، المحليّين وغير المحليّين، ولانقلاب الثورة حرباً أهليّة مصحوبة بتنازع إقليميّ وتخلٍّ كونيّ.

ولا يُعرف بالضبط كم سيدوم زمن «حزب الله»، وكم ستدوم وحدة القاعدة الشعبيّة التي ينهض عليها. لكنّنا نعيش اليوم زمناً قد يطول أو يقصر، ونعيش الحقيقة الخطيرة التي هي اندماج البندقيّة بالتأييد الشعبيّ العابر للطوائف. وهذا تحوّل كبير: مثلاً، يوم 14 آذار (مارس) 2005 أيّدت الأكثريّةُ الشعبيّة مَن يقتلهم السلاح. الآن، انحازت هذه الأكثريّة إلى من يقتلون غيرهم، في لبنان ثمّ، على نطاق أكبر، في سوريّة. انحازت إلى من يملكون حقّاً هو واجب على سواهم. قبول واقع كهذا، ناهيك عن تجميله، ينطوي على شيء من أخلاق العبيد.

هذا الانحطاط في الوطنيّة اللبنانيّة، وانبثاق الزمن الحزب-اللهيّ، ليسا صدفة تتحدّى التأويل. أسباب ذلك كثيرة ومعروفة، تراكمت سنة بعد سنة. لكنْ لا بأس بتكرارها في حزمة واحدة: 1- دعم إيران الكبير، وحتّى 2011 دعم «سوريّة الأسد». 2 - الاحتلال الإسرائيليّ حتّى انسحاب 2000، وقضيّة فلسطين منذ 2000: الاستحواذ على هذه القضيّة (والتواجد الحدوديّ مع الدولة العبريّة) جعل «حزب الله» أهمّ استثمار إيرانيّ خارج إيران. 3 - الصراع في سوريّة والطابع المذهبيّ الذي انقلب إليه، ثمّ الهديّتان الثمينتان: «النصرة» و «داعش». في هذا المناخ تحوّلت مشاركة الحزب في الحرب السوريّة عنصر تصليب لقاعدته وامتصاص لتناقضاتها، وهذا جاء معاكساً لما ظنّه الذين يعدّون خسائره البشريّة ويبنون عليها: مقتل الحزبيّين يقوّي الأحزاب التي من هذا الصنف ولا يُضعفها. هم يموتون. هو تتعاظم ثروته بالشهداء. هنا، حالة مصغّرة عن الخدمة التي أسدتها الحرب العراقيّة– الإيرانيّة للنظام الخمينيّ. 4 - ودائماً: ضعف الدولة اللبنانيّة واستضعافها. دولة الطائف قوننت ذاك الضعف ودَسْتَرتْه عبر تشريعها سلاح الحزب. لقد تبيّن أنّ مقاتلة إسرائيل تجعل التراب ذهباً، والميليشيات مقاومة. كذبة مزارع شبعا ما لبثت أن سحرت البلد كلّه وجعلته، هو نفسه، مزارع شبعا مكبّرة يريد الحزب أن «يحرّرها». إلى ذلك: الوصاية السوريّة ضغطت صلاحيّات السلطات اللبنانيّة: «الترويكا» مرّة. ترئيس من لا يمثّل مرّة. اغتيال من يمثّل مرّة ثالثة... السقف فوق رأس الجيش أبقي بالغ الانخفاض.

لكنْ هناك سبب آخر، اسمه حسن نصر الله: الوجه السياسيّ الوحيد غير التافه في صحراء السياسة اللبنانيّة. ذاك الرجل بنى موقعه بالعمل والجدّ والسهر، والعيش تحت الأرض، وطبعاً بكلّ ما يلازم الأحزاب النضاليّة والسرّيّة ممّا ينكره أصحابه أو يتكتّمون عليه. نجله قضى، لا اغتيالاً، بل في معركة. نظريّاً، يستطيع أيّ لبنانيّ «يناضل» في حزب، ولأجل «قضيّة»، أن يصير حسن نصر الله. أحدٌ لا يستطيع أن يصبح «ابن جنبلاط» أو «ابن الحريري» أو «ابن الجميّل»... في خطاباته سلّح، ويسلّح، جمهوره بالحجج التي تغذّي سجالهم السياسيّ. سواه محترفو «بهورة» وزجل وسمعة سيّئة. يخطب نصر الله فيُشتقّ موقف سياسيّ من خطابه. يعرف أنّه باقٍ حيث هو وأنّه، إن وقعت عليه الواقعة، لا يملك الذهاب إلى جنوب فرنسا أو جنوب إيطاليا. جمهوره يفتخر به وجمهور خصومه يخجل بهم. هو قائد حركة توتاليتاريّة. هم قادة حركات صبيانيّة. قياساً بهم، هو مثل الخميني للشاه.

بمواصفات كهذه، وبتوازن قوى كهذا بين حزب ساحق وبلد مسحوق، لا يتلبنن الحزب أبداً، على عكس ما توهّم البعض أو لفّقوا. الاحتمال الأكبر أن يصاب لبنان نفسه، وإلى حين، بالحزب-اللهيّة.

شيء من سافونارولاّ لبنانيّ إذاً؟ ربّما. هذا مخيف بالطبع. ولهذا، فإنّ الوضع كلّه مخيف، بل زمننا ذاته، زمن «حزب الله».

اقرأ المزيد
١٤ أغسطس ٢٠١٧
بديهيات الشرف يا "أشرف الناس"

يقف المراقب مدهوشاً حيال الحملة المسعورة التي شنها الحزب الإلهي وصغاره وأبواق نظام الأسد على النائب عقاب صقر.  حملة غير مسبوقة شنها "فرسان الممانعة" عبر كل قياداتهم وأتباعهم وجمهورهم ،ولَم يتبق إلا أن يستأجروا جمهوراً من أفغانستان أو نيجيريا لمشاركتهم في حمام القذف والعار، تماما كحمام الدم السوري الذي أسالوه في سوريا بعدما استجلبوا كل مرتزقة الأرض ليستبدلوا بهم طرفي صراع داخلي بين شعب يطالب بحريته ونظام يرتكب كل الفظائع.
 
اشتعلت حملة "الحزب الإلهي"  قبيل المؤتمر الصحفي للنائب صقر بأيام، وتفاعلت بقوة كبيرة بعده، لم تتحل بأي صفة من صفات الأخلاق، ولَم توفر أي مفردة من قاموس الشتائم والسباب الذي تمتلئ به عقولهم ويعبر عن حقيقة أخلاقهم في الرد على ماورد في مؤتمر صحفي أجزم أن صاحبه لم يكلف نفسه عناء التحضير له أكثر من بضع دقائق لوضوح كل معطياته وحقائقه. وبعاصفة من الجنون تسابق "كبارهم" مع صغارهم بمستوى الانحدار باختيار العبارات والأوصاف التي لايعرفون غيرها، حتى لم يعودوا ليجدوا مايزيد به أحدهم على الآخر إلا أن يضيفوا أرقاماً قبل تكرار نفس الشتائم ليعبروا عن ألمهم وعمق جرحهم وفضيحتهم بما واجههم به النائب صقر. حتى وصلت الأمور بشيخ معمم من الحزب الإلهي ونجلٌ لقيادي كبير وأخٌ لمستشار حسن نصرالله أن يهدد علناً النائب صقر بقطع راْسه.
 
لم يكن مستغرباً من "رئيسٍ" سابقٍ لأحد الأجهزة الأمنية السورية وسفير "مطرود" أن يشتم النائب اللبناني بكل ما أوتي من إسفاف، وينسى الإجابة عن سؤاله الكبير حول كيفية الإفراج عن أبومالك التلي من سجون النظام، وهو للسخرية كان معتقلاً في إدارة "أمن الدولة" التي كان يرأسها هذا المرتكب على مدى عقد من الزمن، ولَم يجب "صبيه" الذي كان يرأس جهازاً في لبنان عن جلبه بسيارته برفقة زميله وثاني "الاثنان" ميشيل سماحة للمتفجرات من عرين المقاومة دمشق لزرعها في لبنان، كما ولَم يوضح لنا "رئيس حكومة الحزب الإلهي" كيفية تغلغل الإرهاب في عهده من سوريا إلى لبنان وبالعكس عندما كان مشغولاً بتشريع نقل المحروقات من لبنان إلى نظام الأسد لتستخدم وقوداً لدبابات الأسد التي تفتك بالشعب السوري. وبالتأكيد لم يقدم لنا أي من إعلامييهم المختصون بالتزوير والفبركة والذين شاركوا بمهرجان "الآلام والعويل" وهم نفسهم من كانوا يغطون أحداث ما أسموه "بمعركة عرسال" أي إيضاح حول ماجرى في هذه المعركة وأسباب الصفقة التي عقدها الحزب الإلهي مع "إرهابيي جبهة النصرة المهزومين المستسلمين والمحاصرين" حسب وصفهم في مساحةٍ لاتسمح لأحدهم حتى بالجلوس، شبيهةٍ بزنازين معتقلات قائد محور "المقاومة" بشار الأسد.
 
كل ماسبق لم يمكن مفاجئاً أو حتى مستهجناً صدوره عن رموز وناشطي وحتى جمهور "محور التشبيح وعبادة الأحذية" في سوريا ولبنان ضمن سياسة الإرهاب والترهيب لكل صوت مخالف لهم، أو فاضح لإجرامهم، أو كاشف لكذبهم في حالة "وهمية" من فرط القوة التي يعيشونها بكل جوارحهم. وما زاد من حدة حملتهم المجنونة الصمت من قبل ناشطي وجمهور الطرف الآخر الذي يقف بمواجهة هذا المحور الإجرامي في دمشق وبيروت، حتى توهموا أنهم نجحوا بإخافة الجميع ولجمهم، عبر سلاح الإجرام، والقتل، والتهديد، والوعيد، والشتم، والسباب.
 
لا أيها "السادة"، لم تصمت الأصوات خوفاً منكم، بل صمتنا ترفعاً عن مستوى أخلاقي لم تعرفه البشرية يوماً في أي درجة من درجات الاشتباك السياسي أو العسكري. صمتنا لأن درجة انكشافكم وفضيحتكم لم تعد تحتمل المزيد من الإيضاح والتوضيح، فقد وصلتم للدرك الأسفل من اللاأخلاق بعد أن كُنتُم قد وصلتم منذ زمن إلى الدرجة الأعلى من اللاإنسانية والإجرام. صمتنا لأن رمزكم صار للأسف مجرد حذاء تتغنون به ليل نهار وتستحضرونه بوجه كل من يخالفكم، بل وتجلسون مايشبه هذا الحذاء والذي يرتديه الإيراني والروسي وكل من يريد في قصر الشعب بدمشق وتتخذون منه قائداً ورمزاً. صمتنا لأن خزانكم الفكري واللغوي والذي تتفوقون به من الشتائم والسباب والسفاهة والإسفاف قد استبدلتم به لغة العقل والمنطق ليتحكم بتصرفاتكم، وكلامكم، وكتاباتكم بوجه كل من يخالفكم بالرأي ولو حتى بموقف أو كلمة ولاتوفرون حتى عائلات من يختلف معكم وأعراضهم كما لا توفر براميل حقدكم المتفجرة بشراً أو حجر.
نعم لقد صمتنا لأن الحقائق لايحتاج سردها نبرات عالية متشنجة هيستيرية، ولا لعبارات سوقية مبتذلة. فالأفكار والصدق لايحتاجان لحالة الجنون والهيجان التي أصابتكم كخفاش يحتضر ولم يبق له إلا الوَط بكل طاقته دفاعاً عن حياته التي عاشها كاملةً في ظلام الكهوف.
 
"وإن عدتم عدنا" عبارة كررتموها في معظم ردودكم وبياناتكم وللحقيقة فإن إنجاز حملتكم الوحيد والذي يحسب لكم، هو أنكم قد وصلتم إلى درك سفلي لن نستطيع أن نعود معكم إليه في أي حال لصعوبة الوصول إليكم في قاع القاع.

اقرأ المزيد
١٣ أغسطس ٢٠١٧
مناطق لخفض التصعيد في سوريا أم «تأجيل التصعيد»؟

كل ما فعلته تفاهمات وقف إطلاق النار في مناطق «خفض التصعيد» في أستانة، ليس سوى مساهمة سياسية من حلفاء النظام «رعاة أستانة»، لتخفيف الضغط العسكري على قواته من مناطق أقل أولوية في أهميتها الجيوسياسية، لحين الانتهاء من المناطق الأكثر أهمية.أي أنه جهد سياسي من حلفاء النظام يكمل الجهد العسكري للحلفاء أنفسهم في سوريا، من خلال استمالة وترويض المعارضين الأقل خطورة، لحين الانتهاء من مواجهة المعارضين الأكثر خطورة كالجهاديين، بل حتى بين الجهاديين انفسهم.

أدار النظام وحلفاؤه خطة العمل العسكري بطريقة، الأكثر خطورة والأقل خطورة، فتجده ترك النصرة في إدلب لحين الانتهاء من مواجهة تنظيم «الدولة» في دير الزور ومحيطها، وليس فقط المقارنة على أساس خطورة التنظيمات، بل هي ايضا بأهمية المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، فدير الزور أكثر أولوية من إدلب، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بحسابات النظام الداخلية، وهي تلك المرتبطة بثروة الدير النفطية والزراعية، وكذلك وجود عدة وجوه موالية للنظام من تلك المناطق العشائرية القادرة على خلخلة واختراق بعض القرى، خصوصا في الريف الغربي للدير والشرقي للرقة، حيث كانت بعض هذه القرى معارضة للتمرد على النظام من بدايات الثورة، أضف لذلك وجود قوة للنظام محاصرة منذ أكثر من عامين في دير الزور، تتمركز في المطار ومحيطه، وأجزاء من جنوب المدينة، ويريد النظام تكرار ما فعله في سجن حلب المركزي ومطار كويريس، عندما نجح في فك حصار قواته المحاصرة هناك، بعد عمل عسكري دؤوب استمر لأشهر طويلة.

وأيضا وفي إطار الحسابات الداخلية للنظام، فإن النظام عادة ما يهتم بالحفاظ واستعادة مراكز المحافظات في سوريا، وإن ترك الأرياف، لذلك تراه يهتم بإضافة مركز محافظة جديد لقائمة المراكز التي يهيمن عليها منذ بدء الثورة المسلحة. أما إذا تحدثنا عن الحسابات الإقليمية، أي تلك المرتبطة بعلاقات النظام بقطب الرحى في حلفه، أي طهران، فإن دير الزور محافظة حدودية مع العراق، وبات معروفا مدى الاهتمام الذي يوليه حلفاء دمشق لإدامة التواصل الجغرافي مع بغداد عبر الحدود، لذلك كان لاعتبار دير الزور أولوية في العمليات العسكرية اعتبارات داخلية وإقليمية، جعلتها أكثر الحاحا من إدلب، ومن باقي المناطق المؤجلة في «خفض التصعيد».

وهكذا فإن خطة مناطق خفض التصعيد الأربع، وهي غوطة دمشق الشرقية، وريف حمص وجنوب سوريا، وإدلب، جاءت لتمكن التنظيم من تركيز جهده الاكبر على عملياته في دير الزور، فكانت كأنها مناطق مؤجلة الحسم العسكري حسب سلم الاولويات، ورغم ذلك تجد ان النظام يواصل هجماته المتقطعة والقصف على كل مناطق خفض التصعيد تقريبا، وهذا دليل آخر على أنه ينظر لها ليس كمناطق مشمولة بوقف حقيقي لإطلاق النار، وإنما مناطق مشمولة بتخفيف إطلاق النار، اذا صح التعبير. وهذه السياسة هي التي اتبعها النظام على مدار عامين، منذ اتفاقات جنيف الفارغة، وقبلها الرياض، حيث كان يخفف من ضغط جبهات، من خلال اتفاهمات لوقت محدود، ليركز على جبهات أكثر أهمية، وبينما يواصل جهده العسكري في الجبهات التي تسيطر عليها فصائل عنيدة، لا تقبل التسويات، فإن جهده السياسي وجهد حلفائه، كما قاعدة حميميم الروسية، ينصب على باقي مناطق «خفض التصعيد» لكي يتم إقناع فصائلها المعارضة بالتسوية وتسليم المناطق للنظام، مقابل خروج آمن، إذ أن الأسلوب المتبع مع هذه المناطق المشمولة بخفض التصعيد، أو وقف إطلاق النار سابقا، هو القصف والحصار، بدون بذل جهد حملة عسكرية كبيرة للاقتحام، كون هذه الفصائل غالبا ما تقبل بالانسحاب بتسويات تحت ضغط الجوع والحصار والقصف، وهذا ما تم في المعضمية وداريا وغيرها، خلال اجتماعات المفاوضات السابقة، وهذا ما تم قبل أيام في جنوب سوريا، عندما انسحب جيش العشائر من كامل الحدود السورية الأردنية في محافظة السويداء، وأدخل قوات النظام لمواقعه، وإن كانت بعض المناطق كعين ترما مثلا تشهد محاولات اقتحام وتقدم من قبل النظام، ومقاومة من قبل المعارضة، فإن هذه العمليات هي خطوة أخيرة لإكمال الضغط والحصار للوصول لتسوية، بدون مزيد من المعارك، وهذا ما حصل في حلب، حيث انهارت كل فصائل المعارضة ما عدا النصرة وحليفها الزنكي، وسيطر النظام على كامل حلب الشرقية في أيام معدودة، بعد عمليات حصار ومواجهات استمرت لعامين كاملين في محيط حلب لإكمال طوق المدينة، كان معظمها مواجهات مجاميع جهادية في أحرار الشام والمهاجرين والأنصار وجند الخلافة وجبهة أنصار الدين.وما يحصل مؤخرا من تفاهمات مع جيش الإسلام سيجعل الغوطة في طريقها للمصير نفسه، رغم خلافه مع فيلق الرحمن.

هذه إذن السياسة المتبعة في مناطق خفض التصعيد، حصار ومساومات وقصف ومناوشات لا تصل إلى حملة عسكرية ضخمة، ثم تسوية ودخول آمن، لتوفير هذه الحملات العسكرية البرية الواسعة، للمناطق التي يعرف النظام أنه لن يستعيدها سوى بحملات عسكرية وجهد حربي خالص، وهي التي يسيطر عليها النصرة والتنظيم في إدلب ودير الزور.

فحوى القضية إذن، هي أن النتائج العسكرية على الأرض في هذه الحروب الأهلية هي التي تحدد المسار السياسي، وليس العكس، وكل ما دون ذلك من تفاهمات وصيغ هلامية ما هي إلا محاولة لكسب الوقت لحين إتمام المهمة العسكرية، حسب الأهم فالمهم.

وحين تتم السيطرة على المناطق الأصعب، يدرك النظام أن بعض فصائل المعارضة الصغيرة في مناطق «خفض التصعيد» لن تقبل فقط ببقاء الاسد، بل ستنضم لصفوف الجيش النظامي لمحاربة «الإرهاب»، وهذا ما حصل فعلا من بعض المجموعات التي خرجت بعد حصارها لأربعة أعوام في ريف دمشق لتهتف بـ»الوطن» وتنضم للفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري، بل إن هذا ما فعله قائد مؤسسة المعارضة السياسية السابق المدعوم سعوديا الجربا، الذي أعلن رفض مواجهة النظام عسكريا، وانضم للعمليات العسكرية شمال سوريا لمحاربة «الإرهاب» بدعم من حليف الأسد.. روسيا، لذلك لن يجد النظام طريقة أفضل للتعامل مع مناطق خفض التصعيد، سوى بمنطق تأجيل التصعيد لحين إتمام التفاهم مع من يوفر عليه الجهد العسكري.. مثل الجربا.

اقرأ المزيد
١٣ أغسطس ٢٠١٧
الفلسطينيون والمأساة السورية التي تشبههم

شكلت الحياة في سورية نموذجاً مقبولاً لحياة المنفى الفلسطيني، قياساً بحالات أخرى أكثر تطرفاً في إذلالهم، بخاصة في لبنان. فقد وجدوا حالة احتضان شعبية سورية عالية التضامن، وصلت في الكثير من الحالات الى الاندماج في الحياة السياسية الفلسطينية، فهناك الكثيرون من السوريين اختاروا الانضمام إلى الفصائل الفلسطينية، وقدموا حياتهم من أجل فلسطين في صفوفها. كذلك هناك فلسطينيون اختاروا الانخراط في الحياة السياسية السورية، منهم من انضم إلى حزب البعث وحصل على امتيازات، ومنهم من انتمى لأحزاب المعارضة ودفع ثمن ذلك سنوات طويلة في السجن.

وفي الحالتين لم يكن الانتماء الفلسطيني الى قوى سورية ظاهرة تهدد العمل السياسي الفلسطيني وفاعليته في الأوساط الفلسطينية، ولا كان الانتماء السوري إلى الفصائل الفلسطينية، يدفع هذه القوى للتدخل في الشأن السوري، على رغم التدخل السوري المستمر في الشأن الفلسطيني، ولا كان العمل السياسي الفلسطيني في صفوف المعارضة السورية، يعطيهم وزناً في تقرير السياسة السورية، التي يقررها رجل واحد.

عانى الفلسطينيون في سورية ما عاناه المواطن السوري، سواء على مستوى الحياة والمتاعب الاقتصادية، أو على مستوى القبضة الأمنية التي حكمت المجتمع، والتي شملت المخيمات في شكل طبيعي. فالمخيمات في سورية لم تكن معازل أمنية كما هي المخيمات الفلسطينية في الجنوب اللبناني التي لا تخضع للأمن اللبناني. في سورية الموضوع مختلف، كل شيء تحت القبضة الأمنية، وما يخضع السوريون له من تدقيقات أمنية، يخضع الفلسطينيون له بالقدر ذاته.

لم يشعر الفلسطينيون بتهديد الاقتلاع من سورية، على رغم تحرك هذا الشعور أحياناً، عندما تعرضت تجمعات فلسطينية لهذا التهديد. كان الاستقرار السمة البارزة لحياة الفلسطينيين في سورية، وكانوا يعتقدون أن مساراً واحداً يمكن أن يجعلهم يغادرون سورية، وهو مسار العودة الى فلسطين.

فجأة، تبين أن الثابت يهتز، فلا يمكن لوضع اللاجئ أن يبقى ثابتاً، في الوقت الذي يهتز البلد الذي يقيم فيه، ولم يكن من الممكن أن يبقى الوجود الفلسطيني على حاله، في الوقت الذي تشهد سورية صداماً دامياً في كل المناطق بفعل الاحتجاجات التي اجتاحت البلد وقمعها النظام بوحشية.

يكتشف اللاجئ في حالة التهديد المباشر والداهم، أنه لا ينتمي إلى المكان المقيم فيه، أو أن هناك من يُفهمه ذلك، ومن يُذكره بأن المكان ليس مكانه، ويطلب منه أن لا يتدخل، وأن ليس له الحق في التعبير عن رأيه في قضايا لا تخصه، وكل طرف يتهمه بالعمالة للطرف الآخر! عند ذلك، يكتشف من جديد هشاشة وجوده في المنفى. وأن الثبات وهم، وأن الاستقرار قناع مزيف لكارثة تنتظره في أول انعطافة، أو في أول صدام. لذلك، كان الفلسطينيون أول من اتهمهم النظام بأنهم يفتعلون الصراع في سورية.

وبتمزيق المخيمات وتدميرها سكانياً وعمرانياً، فإن الوجود السابق للمخيم لم يعد موجوداً، ولن يعود في المستقبل الى ما كان عليه. كما أن سورية التي كانت قائمة قبل 2011 لم تعد موجودة، ولن تكون في المستقبل. شكلت المأساة السورية فصلاً جديداً من فصول الدراما الفلسطينية، لكنها هذه المرة مجدولة مع مأساة سورية أوسع تستعيد محطات التجربة الفلسطينية في الكثير من التفاصيل، ليس أولها التهجير والمذابح، وليس آخرها منافي احتضنتهم وسرعان ما انقلبت عليهم.

إن التاريخ السوري الراهن في جانب من جوانبه تكثيف حداثي وسريع للمأساة الفلسطينية. ما اختبره الفلسطينيون خلال أكثر من ستة عقود، جربه السوريون في أقل من ست سنوات، إنهم في جانب من مأساتهم ضحايا لعنة التاريخ السريع.

 

اقرأ المزيد
١٣ أغسطس ٢٠١٧
دير الزور إذ تنتظر قدرها

لا تتميز محافظة دير الزور بكونها ثاني أكبر محافظة سورية من حيث المساحة وحسب، بل بكونها خزان النفط والغاز السوريين، حيث تحتوي على 40 في المئة من احتياطياتهما، ناهيك عن إنتاجها الزراعي والحيواني الكبير. وقد منحها موقعها الجغرافي أهمية إضافية، فهي عقدة مواصلات بين معظم المحافظات السورية ومعبر إلى دول الجوار (العراق والأردن والسعودية والكويت) عبر البادية السورية المترامية الأطراف (ثلث مساحة سورية)، وهذا جعلها مركز جذب وساحة تنافس على مناطق نفوذ بين قوى إقليمية ودولية عدة في سياق صراعها على سورية، وأجج التنافس تحولها إلى ميدان المواجهة الأخيرة مع مشروع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في ضوء حسم معركة الموصل واقتراب حسم معركة الرقة.

دفع التحضير لمعركة دير الزور من قبل قوى إقليمية ودولية عدة إلى الدخول في سباق ميداني (نشر قوات، تشكيل تحالفات، طرح خطط)، وسعي إلى تفاهمات على تقاسم النفوذ، أو تفاهم عسكري يجنب قواتها اصطداماً مباشراً بالاتفاق على تركيز الجهد على قتال قوات «داعش»، والتسابق على ملء الفراغ الذي سينجم عن دحرها. فالولايات المتحدة، ومن خلال رعايتها لقوات سورية الديموقراطية ولكتائب من الجيش السوري الحر، تعمل على تجميع قوات موالية في منطقة الشدادي، وتشكيل تحالف عسكري تحت عنوان «جيش وطني»، وتجهيزه لخوض معركة دير الزور، في ضوء قرار واشنطن السيطرة على المحافظة لقربها من شمال سورية، حيث القواعد الأميركية، ولما تحويه من نفط وغاز، ولوقوعها على طريق بغداد، كانت قد أبلغت روسيا بقرارها السيطرة على منطقة شرق الفرات وحصلت على موافقة الأخيرة ببقاء الشمال والشرق تحت سيطرتها هي وحلفاؤها من الكرد والعرب، وعملت على تحصينها وحمايتها من خلال إغلاق طرق الوصول إلى الحدود السورية- العراقية في الجانب العراقي من الحدود عبر سيطرة قوات البيشمركة على معبر الوليد العراقي، مقابل معبر اليعربية السوري في محافظة الحسكة، ونشر قوات أميركية خاصة في محافظة نينوى، لقطع الطريق على قوات الحشد الشعبي العراقي، الموالية لإيران، التي دفعتها إيران لفتح ممر من العراق إلى سورية بحيث تستكمله الميليشيات الموالية في الجانب السوري من الحدود بإيصاله إلى لبنان فالبحر الأبيض المتوسط، وقطع الطرق على القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها في الجانب السوري من الحدود عبر إقامة قواعد عسكرية في التنف والزكف في البادية السورية. بموازاة هذا التحرك الأميركي، سعى الروس إلى ما أسموه «تحديد حدود مناطق النفوذ» كمدخل لمنع أميركا من السيطرة على كامل منطقة الحدود السورية- العراقية، وفق تصريح لمسؤول روسي أكد «أنه ليست هناك نية لدى بلاده للدخول في صدام عسكري مع الأميركيين»، لكنها «ترسم حدود المناطق». وهذا دفع الروس إلى تقديم غطاء جوي لقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في زحفها باتجاه شرق سورية وصولاً إلى الحدود السورية- العراقية، من جهة، والعمل، من جهة ثانية، مع الولايات المتحدة على الاتفاق على مناطق خفض التوتر، وتنفيذ وقف إطلاق نار، في الجنوب الغربي (محافظات درعا القنيطرة والسويداء)، والبحث في الصيغة المناسبة لمحافظة إدلب، وإلى عقد اتفاقات خفض توتر مع الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، لتوفير غطاء لنشر قواتها في هذه المناطق، من جهة ثالثة، وهذا وضعها في موقف حرج بين حاجتها لإيران وميليشياتها لموازنة الثقل العسكري للولايات المتحدة واحتواء قدرتها على استنزافها وإنهاكها، وإدراكها لطبيعة التحرك الإيراني وسعي إيران والنظام السوري لتقويض التفاهم مع واشنطن على مناطق خفض التوتر وتنفيذ وقف إطلاق نار دائم، لما يترتب عليه من ضرب لنفوذ إيران واحتمال فرض حل سياسي على النظام لا يحقق تطلعاته وتصوراته لمستقبله، بدفع قواتهما إلى شرق سورية وسعيهما للدخول على خط معركة تحرير دير الزور من «الدواعش»، وحاجة روسيا للتفاهم مع الولايات المتحدة لتكريس دورها ومصالحها، بعد أن أدركت استحالة تمرير حل سياسي وضمان الهدوء والاستقرار في سورية، بحيث تتخفف من تبعات تدخلها وتنفذ إستراتيجية خروج مع تكريس مصالحها في سورية، بما في ذلك حصة من تركة «داعش» الجغرافية، حصة من نفط وغاز وفوسفات البادية السورية، من دون مباركة واشنطن، وما يتطلبه ذلك من الموافقة على تحجيم دور إيران ونفوذها تمهيداً لإخراجها هي وميليشياتها من سورية في مرحلة ما بعد «داعش».

وهذا فرض على واشنطن وموسكو تحركاً عسكرياً حذراً وبحسابات ميدانية دقيقة في ضوء توجس الطرفين من رد فعل إيران على إخراجها من المعادلة وتمسكها بإقامة الممر البري الذي يربط بين إيران ولبنان مروراً بالعراق وسورية، وفرض على أبناء المحافظة استقبال أقدارهم القاسية والعيش تحت رحمة قصف عشوائي مدمر من طائرات التحالف الدولي وطائرات روسيا والنظام، ما دفعهم إلى النزوح إلى العراء والعيش تحت لهيب الشمس بلا طعام أو ماء أو دواء، و «النفير العام» الداعشي الذي ألزم من هم في عمر بين العشرين والثلاثين بالقتال إلى جانبه تحت طائلة العقوبة التي تجيزها مصفوفته الفقهية تحت عناوين الردة والفرار من الزحف التي خبروها في ظل خلافته المزعومة.

اقرأ المزيد
١٢ أغسطس ٢٠١٧
شروح تكميلية

طرح صديق علي سؤالا عمّا إذا كان بالإمكان حقا تقييد دور إيران في الغوطة وحمص، بامتدادها الجغرافي الواسع الذي يصل إلى العراق، وإسرائيل باعتبارها أكثر منتفع من اتفاق الجنوب بين واشنطن وموسكو.

من غير الجائز نسيان أن اتفاق الدولتين الكبيرتين على التهدئة في محافظات الجنوب السوري الثلاث خطوة أولى وحسب، لكنه يلفت النظر إلى أنها ترسم خطوطا حمراء للوجود الإيراني في المحافظات الثلاث التي طالما اعتبرها كبار مسؤوليها جزءا من محافظة سورية الخاضعة لسيادتها، ورقمها 35. وهذه لفتة تحمل دلالاتٍ مهمة، أبرزها أن أهداف إيران تختلف عن أهداف جميع القوى الأخرى المتصارعة في سورية وعليها، حتى إنها تعتبر غير مألوفةٍ في سياسات الدول، بما أنها ترسم مواقفها انطلاقا من، وفي ضوء، اعتبارات طائفية/ مذهبية دمجية الطابع، تستهدف تحويل دولة أجنبية (سورية) إلى جزء تكويني من نظامها الداخلي، استنادا إلى عاملٍ يستحيل اعتماده دوليا لتقرير مصير الدول، هو انتماء إحدى أقلياتها التي لا تتجاوز نسبتها 10% من مواطنيها إلى مذهبٍ قرّرت طهران أنه يفوّضها بتحديد مصير سورية، بل ودمجها في كيانها السيادي الفارسي الخاص، ضاربة عرض الحائط بما سيترتب على سياستها هذه من فوضى وصراعاتٍ سبق أن عرفها العالم في أحلك حقبةٍ، وأكثرها انفجارا للعنف وخروجا على القانون والأعراف والقيم الضامنة لسيادة الدول والشعوب واستقلالها. والغريب أن طهران أوكلت تنفيذ غرضها إلى جهة عسكرية، هي حرسها الثوري الذي غزا سورية، وشرع يشنّ الحرب على شعبها، ويعمل على اختراق مجتمعها مذهبيا، بما أفضى إليه ذلك من شحن للوضع، المحلي والإقليمي والدولي، بصراعاتٍ دينية ومكاسرات طائفية، ستلحق ضررا بالغا بجميع شعوب عالمنا، وستخدم القوى التي تخطط لتدمير منطقتنا بواسطة حروبٍ وصراعاتٍ مذهبية/ طائفية، لا تقبل تسوياتٍ وحلولا وسطا، وتنازلات متبادلة بسبب طابعها الأيديولوجي الحامل لعنفٍ لا يعرف حدودا، وتمليه خلفيات تتصل بالتناقض بين الإيمان والكفر، وبحتمية استمرار الصراع بينهما، إلى أن ينتصر الإيمان أو يموت المؤمنون دونه.

لن تتحقق أهداف طهران في ظل ما قرّرته روسيا وأميركا من خطوط حمراء، تضع لها حدودا لا يمكنها تخطيها، تحميها الدولتان، وبالأخص منهما روسيا التي لن تكون لها اليد العليا في سورية، إن حضرت إيران أو غيرها فيها من دون تنسيق معها يضعها تحت إشرافها، ويحول هدفها العام إلى أهداف فرعية أو جزئية، تندرج ضمن أهداف الدولتين الكبيرتين، ولا تتعارض معها. بهذا المعنى، يعتبر الخط الأحمر الدولي الذي رسم لإيران بداية سقوط خطتها حيال سورية، ويرجح أن يجبرها على استبدالها بعلاقاتٍ طبيعيةٍ، تحترم استقلال وسيادة سورية.

... يخدم الاتفاق إسرائيل ويخدم السوريين أكثر، فليست إسرائيل، لمن لا يعلم، مهدّدة من إيران أو من حسن نصرالله، هي في أمانٍ تحسد عليه، مذ شرع الأسد يدمر سورية دولة ومجتمعا، بمعونة نصرالله الذي جرّ إلى فخٍ لن يخرج منه سالما أو بإرادته. ثم إن إسرائيل فرضت، من طرفٍ واحد، قواعد اشتباك ضد إيران وتابعها المرابط في لبنان، لم يتمكنا من تحدّيها ولو مرة، إلا في خطابات حسن نصرالله، على الرغم من أنها أغارت عليهما مرات عديدة، من دون أن يجرؤ أي منهما على رميها بحصاة. أفادت إسرائيل من اتفاقٍ لم يكن أمنها مهدّدا قبله، فهل أفادت قدر ما أفاد السوريون المجوّعون والمحاصرون والمعتقلون والمقصوفون والمقتولون والمغيبون... إلخ، العاجزون أكثر فأكثر عن مواجهة آلة حرب روسية/ إيرانية/ أسدية، تفتك بهم من دون أن يتمكّنوا من صدّها أو ردعها. السوريون هم المنتفع الأول من الاتفاق، وانتفاع إسرائيل به لا يجوز أن يعني رفضه أو اعتباره موجها ضدهم. ومن يتابع موقف إيران والنظام الأسدي منه سيضع يده على حقيقتين: أن استراتيجية إيران السورية رُفضت، وانهارت على الأرجح، بقرار مشترك من دولتين تتحكّمان بمصير سورية، وأن على المعارضة العمل لتسريع انهيارها. وأن سيف النظام رفع عن أعناق ملايين السوريين في المحافظات الثلاث، فهل هذا قليل الأهمية في صراعٍ أقرت الدولتان في اتفاقهما أن طرفه الأقوى، النظام، لا يجوز أن ينتصر على من ثاروا عليه وقاتلوه، وأنزل بهم هزائم جدّية في العامين الماضيين؟

أخيرا، سيسأل السوريون عن مصير الأسد، وسيكون هناك جواب.

اقرأ المزيد
١٢ أغسطس ٢٠١٧
كارلا: في سوريا كلهم أشرار!

السيدة كارلا بونتي هي المسؤولة عن لجنة تحقيق مكلفة من الأمم المتحدة في جرائم الحرب بسوريا. بدأت مهمتها منذ بداية الحرب، وأخيراً استسلمت وأعلنت فشلها. رغم نصف مليون ضحية بريئة لم تستطع أن تقدم اسم قاتل واحد للمحاكمة، لهذا تقول إنها محبطة وقدمت استقالتها!

بخروجها لن يتبقى في اللجنة الخماسية سوى عضوين، حيث ذهب كل في طريقه، وتركت أبشع حرب في التاريخ المعاصر بلا حسيب أو رقيب. المسؤولة المستقيلة ولجنتها عجزت عن تفعيل المحاكمة، رغم خبرتها الطويلة، حيث عملت في التحقيق في جرائم يوغوسلافيا ورواندا. وعما شاهدته في سوريا، تقول إنه أعظم بشاعة منها جميعاً!

ومع أننا لا نستطيع سوى أن نشكرها، والفريق الدولي، على مساعيه ومحاولاته، رغم فشله، وندرك أن القوى الدولية منعت الملاحقات والمحاكمات، وليس لأنه لا يرغب أو لا يوجد مجرمون ولا توجد أدلة. فالجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري ما كان لها أن تقع لولا تكالب قوى الشر في العالم عليهم، وتقاعس قوى الخير عنهم. المأساة السورية من عمل هذه القوى والمؤسسات، ولم تكن حرب سوريا مثل يوغوسلافيا؛ شعوب متقاتلة نتيجة سقوط النظام، أو في رواندا حرب قبلية. ما حدث في سوريا جرائم ارتكبها النظام مباشرة ضد التجمعات المدنية في المناطق الثائرة. كانت قواته تتعهد بقصف الأحياء بالقنابل والبراميل المتفجرة والمدافع، لأنه، بحكم ضعف قواته وانشقاقات جنوده وتقليصه لخسائره، لا يستطيع مواجهة المقاتلين مباشرة. المشترك بين سوريا والبوسنة، أن المدنيين استهدفوا بذاتهم من أجل تهجيرهم، وإلغاء أي إمكانية لإقامة سلطة على أي أرض محررة. الفارق بين المأساتين أنه في سوريا فعلها النظام القائم ولا يزال موجوداً، ولم يهب لنجدة المستهدفين سوى القلة.

وتبرر مسؤولة الأمم المتحدة استقالتها، أيضاً، بأن الساحة السورية خلت من الأخيار، ولم يعد يتقاتل فيها سوى الأشرار، وأنهم جميعا مجرمو حرب. وهذا جزئيا صحيح، خصوصا في المرحلة الأخيرة، لكنه تبرير لفشل المنظمة الدولية، ولا يعطيها العذر للتخلي عن واحد من الواجبات الرئيسية التي ألزمت المنظمة الدولية نفسها به. وبدل الانسحاب، والتخلي عن الواجب، لماذا لا تحاكم كل المتورطين، من حكومة ومعارضة، إن وجد بينهم مرتكبو جرائم حرب؟

محاكمة القتلة لا تنقصها الأدلة، فكثير من الجرائم في سوريا موثقة، وببراهين أجمعت عليها مؤسسات دولية معتبرة. «لو حكى الموتى: قتلى ومعذبون في الجرائم الجماعية في مرافق الاحتجاز السورية» هذا عنوان تقرير دولي، جمع قبل ثلاث سنوات، فيه 28 ألف صورة صدمت العالم، أعظم بشاعة من كل ما شاهده العالم في الخمسين سنة الماضية. جميعهم لم يقتلوا في ساحات الحرب بل في أقبية سجون النظام. وجميعها تم تصويرها من قبل النظام السوري نفسه، في سجونه، حيث كان يوثقها سرا للتثبت من أن موظفيه، من مسؤولي التعذيب وآمري الحبس، كانوا يقومون بمهامهم كما طلب منهم! لكن تم تهريبها من قبل أناس لم يستطيعوا السكوت عن تلك الجرائم المخيفة، وهي وثائق دولية معترف بها. وقد تحرت حقيقة الصور والمعلومات منظمات دولية، بعضها يتبع الأمم المتحدة نفسها، وأكدت صحتها. في الثورة السورية لا يوجد عذر للمحققين، توجد جرائم مصورة ومثبتة تكفي لإدانة النظام السوري. وهناك غيرها من الوثائق تدين كذلك بعض المعارضة السورية المتطرفة، تستحق هي الأخرى المحاسبة نفسها.

يصعب عليّ أن أتخيل أن يفلت الفاعلون في الحرب السورية من دون حساب مهما تقلبت مواقف الحكومات وتغيرت حساباتها فيما بينها. لا يوجد عذر لمحاسبة مجرمي الحرب، والذريعة التي تحدثت بها مسؤولة اللجنة المستقيلة بأن المعارضة لم تعد بأفضل من الحكومة ليس مبررا يجيز غض النظر، والهروب من المسؤولية.

والذين يتحدثون اليوم بثقة وسرور عن حل سياسي، ونهاية للحرب السورية، ودفن الماضي؛ واهمون إن كانوا فعلا يصدقون أن ملايين من السوريين يستطيعون العودة إلى منازلهم وينسون، وكأن جرائم السنوات الست الماضية، ونصف المليون قتيل، مجرد مسلسل تلفزيوني يمكنهم أن يناموا بعده. كثيرون في عالمنا لن تغفو لهم عين، ولا يمكن لما حدث أن يغتفر، فقط لأن الحكومات قررت النسيان والغفران، وكافأت القتلة بالمناصب والصلاحيات.

ومن سيضع اسمه على اتفاق ظالم كهذا، من معارضة وحكومات، سيكون اسمه ملطخا مثله مثل نظام دمشق وإيران وحلفائهما.

اقرأ المزيد
١٢ أغسطس ٢٠١٧
ترامب يكرر سياسة أوباما في سورية

اختتمت الجولة السابعة من محادثات جنيف في سورية من دون أي اختراق. لم يكن من المستغرب إطلاقاً أن يحدث هذا، فالجميع عبروا عن ذلك، بمن فيهم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا نفسه في ملاحظاته الافتتاحية، لكنه ما يزال يريد الاستمرار في هذا النوع من أسلوب المفاوضات بالوكالة لانعدام أي بديل آخر، في الوقت ذاته لا تبدو محادثات آستانة بأحسن حالاً أيضاً. أما الشيء الوحيد الذي يعمل في سورية الآن، فهو الاتفاق الثنائي بين الولايات المتحدة وروسيا.

اتفاق هامبورغ، كما أطلق عليه البعض، أو اتفاق وقف النار في جنوب سورية لا يزال محترماً بحده الأدنى، ويبدو أن الروس يضغطون على النظام السوري لاحترامه بهدف الحصول على الثقة الجديدة من الرئيس ترامب.

ومنذ أن وصل ترامب إلى السلطة في كانون الثاني (يناير) عام 2017 لم يلق أي خطاب رئيسي عن المأساة السورية، بل على العكس من ذلك، حملت كل جمله وعباراته الخوف من التورط في الأزمة السورية بسبب تعقيدها وبسبب التدخل الروسي هناك. لذلك أكد أكثر من مرة أن الأولوية هناك هي لمحاربة التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» والقاعدة وغيرهما، وهذا هو السبب في عدم استغراب أن يقترح عدة مرات خلال الحملة، التنسيق مع روسيا من أجل «إنهاء» الأشرار هناك.

عندما أصبح ترامب رئيساً ظلت القضايا ذاتها في سورية كما كانت في عام 2016 مع الفارق الوحيد أنه جرى فتح تحقيق جنائي رسمي في ما يسمى «التواطؤ» بين روسيا وحملة ترامب ودور روسيا في التدخل بانتخابات الرئاسة الأميركية للعام 2016، وفي وقت لاحق، عينت وزارة العدل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق روبرت مولر ليكون المستشار الخاص لقيادة التحقيق في هذه المسألة.

وبالتالي، فإن أي خطوة للرئيس ترامب باتجاه روسيا ستكون عكسية هنا في السياسة الأميركية الداخلية، وربما تؤخذ ضده بشكل دائم، وهذا هو السبب الوحيد لمعرفة لماذا كان ترامب حريصاً جداً على الإعلان عن اتفاق جنوب سورية ولو لم تكن المرة الأولى التي يتوصل فيها الطرفان إلى اتفاق حول سورية وليست المرة الأولى التي يعلن فيها الجانبان وقف النار من دون أن يصمد فترة طويلة.

الرئيس ترامب يريد أن يظهر للجمهور الأميركي أولاً أنه يستطيع التعامل مع روسيا من أجل الخير، وهذا الاتفاق «الذي ينقذ الأرواح في سورية» كما كتب على حسابه على موقع «تويتر» هو مثال جيد على ذلك.

لقد أدى استخدام حكومة الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون في شباط (فبراير) إلى ظهور ترامب آخر مختلف عما كان عليه في الحملة الانتخابية، صحيح أن السبب اضطراره لفعل ذلك وليميز نفسه عن «الخط الأحمر» الشهير للرئيس السابق باراك أوباما الذي لم ينفذ وعوده أبداً، على الرغم من أن النظام السوري قد تجاوز هذا الخط الأحمر في أغسطس 2013، لكن أوباما قرر عقد اتفاق مع روسيا لارغام الحكومة السورية على التخلي عن جميع ترسانتها الكيميائية مقابل عدم ضرب المواقع التي يعتقد أنها أدت إلى المأساة التي نعيشها في سورية اليوم.

لو اتخذت إدارة أوباما الإجراءات اللازمة في تلك الفترة لما كانت لدينا سورية المجزأة كما هي اليوم، ولأمكن حينها إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح في سورية التي قتلتها الحكومة باستخدام البراميل المتفجرة بعد توقيع هذه الصفقة التي لم تنفذ بالكامل حيث بدأت الحكومة السورية باستخدام غاز الكلور بدلاً من ذلك على نطاق ضيق ثم استخدمت غاز السارين مرة أخرى في نيسان (أبريل) 2017 الذي أثبت أنه لا يزال لدى الحكومة السورية العديد من انواع هذه الأسلحة المحظورة وانها على استعداد لاستخدامه مراراً وتكراراً ضد شعبها.

وهذه ثمرة واحدة من الاتفاقات العديدة التي عقدتها روسيا والولايات المتحدة في سورية ولم تنفذ أبداً على الرغم من قرارات مجلس الأمن العديدة التي جرى اعتمادها لدعم هذا الاتفاق، وقد وضعت العديد من آليات الأمم المتحدة لرصدها وتنفيذها.

فإذا انتقلنا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، فقد جاء هذا الاتفاق بعد اتفاقين على الأقل بين الأميركيين والروس بهدف فرض وقف لإطلاق النار في سورية أو في أجزاء منها، والسماح بالمساعدات الإنسانية إلى مناطق القتال أو المناطق المحاصرة، وعلى الأخص اتفاق 27 شباط 2016 (على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ). والآخر في 9 أيلول (سبتمبر) 2016 (في جنيف)، الذي توصل اليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري.

في ذلك الوقت، توصل الوزير كيري إلى اتفاق مع روسيا حول «وقف الأعمال العدائية» في سوريا، وكانت الفكرة هي الحصول على المساعدات الإنسانية في المناطق المحاصرة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2268، وفي الوقت ذاته لوقف استخدام البراميل المتفجرة ضد المدنيين في سورية من قوات الاسد الحكومية، بالطبع، لم يستمر الاتفاق طويلاً، حيث إن روسيا والحكومة السورية واصلتا معركتهما ضد المعارضة المسلحة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون ولا وجود لداعش أو القاعدة فيها، مثل حلب الشرقية، في نهاية المطاف نجحت روسيا وقوات الرئيس بشار الأسد في إجلاء جميع المقاتلين والمدنيين الذين يعيشون شرق حلب إلى شمال سورية بعد حملة عسكرية استهدفت جميع المستشفيات وتم استخدام غاز الكلور بكثافة من أجل إجبار المدنيين على مغادرة منازلهم وأحيائهم.

لقد أوضح وزير الخارجية الروسي أن الفارق بين مفهومي «وقف الأعمال العدائية» و«وقف إطلاق النار»، الأول هو «وقف موقت للقتال الذي عادة ما يكون غير ملزم ويحدث عادة في بداية عملية السلام». في حين يشير الثاني إلى «وقف العنف المرتبط بإطار عملية سلام يجري التفاوض بشأنها».

وهذا هو السبب في عدم استغرابنا عدم تنفيذ الاتفاق الجديد تنفيذاً تاماً لأنه لا توجد أولاً آليات للإنفاذ وثانياً لا توجد عقوبات على منتهكي هذا الاتفاق السابق.

الاتفاق الجديد وفقاً للوزير لافروف، ينص على وقف إطلاق النار على طول الخطوط المتفق عليها بين النظام السوري من جهة وقوات المعارضة المسلحة من جهة أخرى، والهدف من هذا الاتفاق هو التوصل إلى خفض دائم للتصعيد في جنوب سوريا، ووضع حد للأعمال القتالية والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى هذه المنطقة. وينص الاتفاق أيضاً على إنشاء مركز للرصد في العاصمة الأردنية عمان، ورصد الهدنة من خلال المركبات الجوية غير المأهولة. ومن اجل الحفاظ على الامن تقوم روسيا بنشر عناصر من الشرطة العسكرية في المنطقة.

يبدو أن ترامب يكرر الاتفاقات ذاتها مع روسيا التي وقعها سلفه أوباما، لهذا السبب ليس من الغريب أن يطلب من الرئيس الفرنسي وضع خطة للنزاع في سورية بعد تعليقاته المثيرة للجدل حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد وعدم كونه عدواً للشعب الفرنسي، وهذا هو الاستنتاج ذاته الذي وصل إليه ترامب، أن الوقت الآن ليس للتخلص من الأسد وإنما مكافأته على قتله أكبر عدد ممكن من السوريين.

اقرأ المزيد
١٢ أغسطس ٢٠١٧
واشنطن تعتمد على موسكو لكبح النفوذ الإيراني

تتصادم الطموحات القومية الكردية بعوائق إيرانية وتركية وعربية، كلٌّ منها لأسبابه الوطنية والإقليمية. تتزايد النعرات والخلافات الجذرية بين المشاريع المتضاربة وسط ضجيج الكلام عن تقسيم في العراق وتقاسم في سورية. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدأ تشييد جدار على الحدود التركية- الإيرانية لمنع تسلل ناشطين أكراد إلى تركيا، ووعد بجدار آخر على الحدود مع العراق مشابه لجدار يشيده على الحدود السورية. رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، أوضح ما اعتبره «استحالة» العودة عن تنظيم الاستفتاء على استقلال الإقليم وتعهد بأنه لن يسمح بدخول «الحشد الشعبي» الذي تدعمه إيران إلى كردستان. تحدث بارزاني عن المشروع الإيراني وقال إن «المسؤولين الإيرانيين أعلنوا صراحة نجاحهم في تحقيق برنامجهم في فتح طريق طهران- بغداد- دمشق- بيروت»، رافضاً تحميل الكرد مسؤولية تقسيم العراق، لافتاً إلى أن «الحرب الطائفية موجودة، ولا سيادة للدولة» العراقية المقسَّمة.

بغض النظر إن كان تقسيم العراق آتياً رسمياً عبر الاستفتاء على استقلال كردستان، فقد سبق وأتى عبر حرب جورج دبليو بوش في العراق وعلى يد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الموالي لطهران ومن خلال «الحشد الشعبي» الطائفي الذي هو الطبعة العراقية لنموذج «الحرس الثوري» الموازي للقوات النظامية في إيران. وكان لافتاً هذا الأسبوع قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني بسحب حقيبة الدفاع من قادة «الحرس الثوري» للمرة الأولى منذ نحو ربع قرن وعهد بها إلى ضابط في صفوف الجيش النظامي. إنما هذا الإجراء يبقى أكثر رمزية طالما لا يتخذ النظام في إيران قرار سحب ميليشياته وحشوده وأحزابه المسلحة من الأراضي العربية، علماً أنها كلها تابعة لأوامر «الحرس الثوري» ومشروعه التوسعي المتطرف. هنري كيسنجر حذّر هذا الأسبوع من أن سيطرة إيران على المناطق التي يتم تحريرها من «داعش» يمكن أن تؤدي إلى قيام «إمبراطورية إيرانية متطرفة» وتكون النتيجة «حزاماً إقليمياً يمتد من طهران إلى بيروت». إدارة ترامب ليست واضحة في ما إذا كانت تنوي الخضوع لحزام الإمبراطورية الإيرانية المتطرفة كأمر واقع، أو إذا كانت تعتزم التعرّض له ومنع قيامه ميدانياً. حتى الآن، يبدو أن إدارة ترامب كلّفت روسيا بقيادة ملف مصير إيران وميليشياتها في سورية. اللافت هو ازدياد التسريبات الروسية إلى الكتّاب والباحثين في المؤسسات الفكرية الروسية لأفكار حصيلتها: أن موسكو الساعية لحل سياسي في سورية تعرقل جهودها إيران التي تريد استمرار الحرب في سورية. رسالة رفع عتب هي هذه، أو توزيع أدوار، أو جدية في الخلافات واختلاف الأولويات الروسية- الإيرانية، أو أنها نتيجة جدية الضغوط الأميركية كشرط لإتمام الصفقة المرجوّة بين موسكو وواشنطن؟

خبير الشؤون الإسلامية والدولية، كيريل سيمينوف كتب في موقع «رجيوبوليتيكا» تحت عنوان «إيران تعرقل حلاً روسياً في سورية» نشرته «الحياة» الأربعاء الماضي يرافقه مقال آخر لرئيس قسم دراسات نزاعات الشرق الأوسط في معهد التنمية الابتكارية، أنطون مارداسوف، عن الموقف ذاته عنوانه «طهران مع استمرار الحرب، وموسكو مع حل سياسي». عموماً، أن تصدر مقالات روسية في الاتجاه ذاته يعني إما أن هذا هو توجه السياسة الروسية، أو إن هذا ما تود القيادة السورية تسويقه لغاياتها الاستراتيجية والسياسية.

فحوى ما كتبه سيمينوف لافت، إذ إنه تحدث عن قيام إيران بشق «الممر الشيعي» (بين إيران والمتوسط عبر العراق وسورية ولبنان) و «نقل الصراع في سورية إلى مواجهة من مستوى جديد». قال: «لا تريد موسكو، وهي التزمت تسوية سلمية للصراع السوري، أن تتحول سورية إلى مستعمرة إيرانية متشيّعة تدريجاً على أيدي آيات الله الإيرانيين، مع الإشارة إلى أن الصراع المذهبي- العرقي هو أحد العوامل التي تستند إليها دعاية المتطرفين الإسلاميين».

وتابع: «في دوائر العلن، مؤشرات واضحة وجلية إلى تناقضات بين روسيا وإيران». وأشار إلى أن الاجتماعات التي عقدت في عمان والقاهرة لم تدع إليها طهران «لكن الإيرانيين قادرون على إحباط الاتفاقات هذه، وعلى إبرام اتفاقات منفصلة في سورية، كما فعلوا في آذار (مارس) مع الهدنة، ستقع اللائمة على روسيا، اللاعب الأكبر، وسيؤخذ عليها أنها لم تؤثر في حلفائها على أفضل وجه»، وقال إن طهران «تريد أن يتواصل القتال».

ما كان لافتاً بصورة خاصة هو ما دعا إليه الخبير الروسي في إدلب بالذات إذ قال: «على روسيا وتركيا أن تسارعا إلى الاتفاق على تدابير دعم المعارضة المعتدلة في نضالها ضد المتطرفين في إدلب، قبل أن تبدأ طهران ودمشق الهجوم على إدلب بذريعة أن مواقع المتطرفين هناك تتعزز». وختم: «ترى إيران أن حل الصراع يقتضي التغلب على المعارضة المسلحة وتريد أن تدعمها روسيا في هذا المسعى. لكن موسكو ترمي إلى تسوية سلمية وسياسية».

أما أنطون مارداسوف فافتتح مقاله: «تسعى طهران إلى جر موسكو إلى جولة جديدة من الحرب الأهلية». وأشار إلى تقارب الأهداف الروسية- الإيرانية في مطلع التدخل الروسي في سورية «لكن هوة التباين بين البلدين بدأت تتسع تدريجياً على وقع سعي روسيا إلى التفاوض مع المعارضة السورية المسلحة في سبيل وقف إطلاق نار ثابت».

مارداسوف تحدث عن التنافس الروسي- الإيراني في شرق حلب حيث تسعى موسكو إلى «بسط الأمن وإرساء الاستقرار» بحسب قوله، فيما «بادرت طهران إلى تعزيز نفوذها في شرق حلب وتوسيع صفوف الميليشيات الموالية لها»، وفتح مراكز دينية إيرانية في حلب «تؤجج الصراع على أساس عرقي وديني».

مثل هذه الرسائل موجّه، ربما، إلى واشنطن كي تتفهم الصعوبات الروسية في احتواء الطموحات الإيرانية وكي تدرك إدارة ترامب أن الثمن غالٍ إذا قررت روسيا قطع التحالف الميداني مع إيران.

والثمن في القرم حيث تصر موسكو على إقرار واشنطن بأنها استعادت في القرم أراضي روسية. موسكو، تختلف مع طهران بما يتعدى الرسالة الروسية إلى واشنطن لأن المشروع الإيراني في سورية يختلف فعلاً عن المشروع الروسي. إنما موسكو ليست جاهزة للاستغناء عن علاقاتها الاستراتيجية مع طهران ما لم تكن واثقة تمام الثقة بأن المشروع الإيراني سيورِّطها في مستنقع حرب أهلية في سورية، وما لم تكن جاهزة للصفقة الروسية- الأميركية.

واشنطن تعتمد على روسيا لكبح الهيمنة الإيرانية في سورية. تفعل ذلك إما ثقة منها بأن موسكو قادرة لو شاءت، أو لأنها ترى أن المشكلة هي مشكلة روسيا وليست مشكلة الولايات المتحدة. فالأهم لإدارة ترامب حالياً هو تحقيق السحق المرجو لـ «داعش» وأمثاله بشراكة مع أي كان، ومن ثم، لكل حادث حديث. فاستعادة القوات السورية النظامية دير الزور وتسليمها الحدود السورية- العراقية إلى «الحرس الثوري» الإيراني لم يلقيا اعتراضاً أميركياً مسموعاً، بل الانطباع هو أن واشنطن «طنّشت» وبالتالي أجازت ذلك. فدير الزور منطقة رئيسية للممر الأساسي بين طهران والبحر المتوسط. وحتى الآن، لم تتخذ واشنطن أي إجراء فعلي لاعتراض إنشاء تلك القاعدة لمشروع «الهلال الفارسي» الذي تزعم هي وإسرائيل أنهما تعارضانه.

هامش الثقة بالولايات المتحدة ضيّق لجميع من تعاون معها وهم جميعاً يتأهبون لإمكانية الاستغناء الأميركي عنهم بعد تحقيق الأهداف الأميركية- فهذه هي السمعة الأميركية. «قوات سورية الديموقراطية» تعي تماماً أن الحاجة الأميركية لها موقتة، وأن دعم واشنطن لها لن يدوم ولا هو مضمون بعد الانتهاء من معركة الرقة الأساسية لتحقيق هدف سحق «داعش». لذلك، وبما أن «قوات سورية الديموقراطية» هي أساساً كردية، ترى أن مصلحتها تقتضي التركيز على الاحتفاظ بأراضي المناطق الكردية عبر تفاهمات مع النظام في دمشق ومع موسكو. فالصفقة مع بشار الأسد أضمن من الاعتماد على الوعود الأميركية التي قد تتقلب مع رياح العلاقة مع تركيا.

كذلك، تصبو «قوات سورية الديموقراطية» إلى صفقة تسليم الرقة للقوات النظامية في مقابل وعد الأسد بإدارة كردية ذاتية في المناطق الكردية السورية. فالكرد يشككون بالتعهدات الأميركية وهم يشكّون بأن تكون الأولوية الأميركية كردية في مقاييس العلاقات مع تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي والتي قد تحتاجها واشنطن، كما يقول البعض، لضبط التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، كما قد تحتاجها في تحديد مصير إدلب.

روسيا تخشى أن تستغل طهران ودمشق الوضع في إدلب بهجوم مسلح يسفر عن تحالفات جديدة بين المعارضة المعتدلة والمتطرفة. فالفكرة الروسية تقوم على إيلاء مهمة القضاء على المعارضة المتطرفة إلى المعارضة المعتدلة وهي تريد قطع الطريق على أية اجتهادات إيرانية ومغامرات نظامية في إدلب.

تركيا تمتلك أدوات عدة في مصير إدلب، إذ إنها متهمة بأنها راعية الملاذ للمتطرفين هناك. روسيا تحاول التنسيق مع تركيا مما يترك الانطباع بأنها على خلاف مع إيران، لكن هذه شراكات انتقالية موقتة في ساحات المعارك السورية.

فحتى الآن، وعلى رغم التسويق الروسي لتباينات مع المشاريع الإيرانية في سورية، ليست هناك إثباتات على أية نقلة نوعية في التحالف الميداني الروسي- الإيراني باتجاه الاختراق استراتيجياً. وطالما تتعايش واشنطن مع أية تحالفات في سورية تحت عنوان محاربة الإرهاب- وهو عنوان تبنته دمشق أساساً- تتولى روسيا مهمة إدارة التطورات وهي التي تقرر إن كان في مصلحتها التقارب مع تركيا أو التباعد مع المشاريع الإيرانية في سورية. وهي التي تقرر مصير المعارضة السورية برمتها. لذلك، يتوجه إليها الكرد وتتقارب معها «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة أميركياً. إنما في نهاية المطاف، إيران ليست مسألة عابرة في مصير سورية، فمشاريعها العابرة للحدود تحتاج الجغرافيا السورية، ولن يوقفها عن تنفيذها سوى قرار روسي- أميركي- إسرائيلي لم يتخذ بعد.

اقرأ المزيد
١١ أغسطس ٢٠١٧
فيما تعود سوريا إلى لبنان

على وقع نتائج معركة جرود عرسال اللبنانية، يجتهد «حزب الله» في الظاهر لإعادة بشار الأسد إلى لبنان، أو إعادة لبنان إلى سوريا الأسد. في خطابه الشهير عام 2005، المؤسس للانقسام اللبناني الأطول بين معسكري «8 آذار» و«14 آذار»، قال حسن نصر الله التالي: «لا يستطيع أحد أن يخرج سوريا من لبنان، ولا من عقل لبنان، ولا من قلب لبنان، ولا من مستقبل لبنان». والحديث طبعاً عن سوريا الأسد التي بدأ بشكرها يومها حافظاً وبشاراً وجيشاً وشعباً.

في الأيام والأسابيع الماضية بدأ المحور الذي تدور حوله حركة «حزب الله» العسكرية والسياسية هو «التطبيع» مع سوريا الأسد. إعلامه استفاض في تظهير «الإيجابية» السورية حين قبلت دمشق أن تستقبل مقاتلي «النصرة» وعائلاتهم على أرضها. ونصر الله ونواب حزبه والوزراء، لم يتعبوا من تكرار مقولة التنسيق مع الأسد، في ملف النازحين السوريين تارة، وفي العمل العسكري المقبل ضد جيوب «داعش». وعلى طاولة مجلس الوزراء أعلن وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن، أنه ذاهب إلى سوريا للمشاركة في فعاليات معرض دمشق الدولي المتوقفة منذ عام 2011، والمستعادة اليوم على وقع تدمير أحياء جوبر القريبة من موقع المعرض لضمان انعقاده بلا قذائف تأتي من هناك!

لا نجح «حزب الله» في استدراج الدولة اللبنانية إلى التنسيق مع جيش وحكومة الأسد، ولا نجح في انتزاع تكليف حكومي لبناني لزيارة وزيره إلى دمشق، ولا في الحقيقة هو معني بالأمرين.

يعلم «حزب الله» أن تعويم الأسد والعودة بعقارب الساعتين السورية واللبنانية إلى الوراء مسألة مستحيلة، وإن كان يحتاج للأسد ولو ظلاً في قصر المهاجرين كغطاء لمعركته ومعركة إيران في سوريا.

المسألة هنا تتعلق بجغرافيا النفوذ الإيراني على الساحة السورية، التي تعج بالروس والأميركيين والأتراك والإسرائيليين، بلا حضور عربي إلا في «سوريا الشتات»!

عسكرياً ومن خلال معركة جرود عرسال، تخلص «حزب الله» من جيب يزعج طريق دمشق حمص، ويتصل بالامتداد الجغرافي لشمال العاصمة دمشق، أي بعضاً من سوريا الإيرانية المفيدة. وسياسياً يحاول أن يعزز ويزيد النفوذ الإيراني داخل حكومة لبنان، باعتباره منطقة صراع ونزاع بين إيران والخصوم أنفسهم الذين تصارعهم وتنازعهم في سوريا. إنها عملية عسكرية سياسية متكاملة في سوريا ولبنان لتقول إيران: «أنا هنا، وهذه أوراقي على طاولة التفاوض حول سوريا»، في لحظة إقليمية ودولية معقدة.

إيران رضخت لنتائج الحضور الأميركي المباشر على الأرض السورية، والتزمت، بهدوء، بالحدود التي تسمح أو لا تسمح بها أميركا، وتأكدت من جدية ذلك عبر اختبارات أودت بطائرتين إيرانيتين من دون طيار، وبمجموعة تقاتل إلى جانب الأسد، وترتبط بخبراء الحرس الثوري الموجودين في سوريا.

وهي تراقب بحذر تصاعد التنسيق بين الجيش اللبناني والأميركيين، ووجود الخبراء، وتطور قاعدة رياق وغرف العمليات المشتركة، كما ترصد تنسيقاً مماثلاً مع البريطانيين.

في المقابل تستثمر إيران في التغيير الذي يطرأ بارتباك على مواقف الدول من الأزمة السورية، والبناء على نتائج هذه المواقف لتعزيز أوراقها. منذ سنة تغيرت أولويات تركيا في سوريا وتصدرتها أولوية منع ولادة كيان كردي على حساب أولوية إسقاط الأسد. ومع وصول الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه تبدد عنوان إسقاط الأسد الذي رفعته فرنسا.

واشنطن أعلنت قبل أيام أنها أوقفت برامج مهمة لدعم المعارضة المسلحة، وانتشرت أنباء مربكة عن احتمال مغادرة الأميركيين قاعدة التنف في سوريا على الحدود مع العراق، سرعان ما نفتها قوات التحالف الدولي ضد «داعش». وكان سبق موقف لوزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، قال فيه إنه «لن يكون هناك دور لعائلة الأسد على المدى البعيد»، مشيراً ضمناً إلى أن رحيله اليوم غير وارد.

ونسب مؤخراً موقف لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال لقاء له مع المعارضة السورية فُسر خطلاً على أنه تهيئة للقبول ببقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية وليس رحيله في بدايتها كما هو الموقف السعودي التقليدي، قبل أن يعيد مجلس الوزراء التأكيد على «مستقبلٍ جديدٍ لسوريا لا مكان فيه لبشار الأسد». زد على ذلك مواقف عربية كثيرة متوجسة من سقوط عشوائي للأسد، يفاقم الجحيم السوري ويوسع دائرة ارتداداته على أمن المنطقة واستقرارها.

كل هذه مؤشرات تقدمها إيران على أنها حاضر ثابت ومستقبل لن يأتي، وتسعى لاستثمارها في لبنان، قبل غيره.

والحقيقة أن لبنان متروك إلى حد بعيد؛ إعلامه متروك، على ما ظهر في التغطية المشينة لمعركة جرود عرسال، ولبنان ساحة إعلام قبل أي شيء. الجيوب والتكتلات المناهضة لإيران وسوريا متروكة بلا أي سقف يحميها. والأخطر الفكرة الآخذة في التبلور والقائمة على أن يُترك لبنان ليحكمه «حزب الله» ويبنى على الشيء مقتضاه.

العرب غائبون عن سوريا، لكن غيابهم عن المعادلة اللبنانية غير مبرر. والتذرع بأن لبنان لا يقدم الكثير استراتيجياً، لا يعني أن يترك البلد بلا مقومات صمود. لبنان ليس ساحة لتحقيق الانتصارات على إيران صحيح. لكنه ساحة صمود في مواجهة إيران، بل ساحة الصمود في مواجهة إيران.

اقرأ المزيد
١١ أغسطس ٢٠١٧
حل غير تقليدي في سوريا

تقسيم سوريا ليس حتمياً، وقد لا يكون مرجحاً، رغم المعطيات التي تدفع بعض المراقبين للاعتقاد بأنه قادم لا محالة. لا تتوفر مقومات حياة مستقلة في أي من المناطق التي لا يسيطر عليها نظام الأسد. وينطبق ذلك على الأقاليم الثلاثة التي أعلن «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» إجراء انتخابات محلية وتشريعية فيها خلال الفترة بين سبتمبر ويناير المقبلين. فالرغبة في الاستقلال لا تكفي لانفصال أية منطقة إذا لم يتوفر فيها حد أدنى من المقومات الاقتصادية.

كما أن التقسيم متعذر عملياً لأن الحرب خلقت، وما زالت، تداخلاً في مناطق نفوذ الأطراف المتحاربة، والقوى الدولية والإقليمية التي تدعمها أو تقف وراءها.

لذلك يظل ممكناً التوصل إلى حل يحافظ على وحدة سوريا، رغم أن المسافة بين نظام الأسد ومعظم الأطراف المعارضة ما زالت أبعد من أن تسمح بفتح ثغرة في الجدار السميك الذي يمنع الانتقال إلى مفاوضات جدية. وهذا يفسر تحول لقاءات جنيف إلى «طقس» سياسي تقتصر وظيفته على إبقاء الأمل في الحل، وتركيز لقاءات آستانة على خفض التصعيد في بعض المناطق.
ورغم أن المنهج الذي اتُبع في أستانة قوبل باستهانة في البداية، بدأت النظرة إليه تتغير بعد إنجاز اتفاقية لخفض التصعيد في الجنوب (درعا والقنيطرة والسويداء) ثم في دمشق والغوطة الشرقية. ولعل أهم ما يُبشر به هذا المنهج هو إمكان الوصول إلى حل تدريجي للأزمة السورية عبر اتفاقات منفصلة في المناطق التي يتيسر فيها ذلك.

فقد ثبت عقم محاولة حل الأزمة من أعلى عبر صفقة شاملة، وأصبح ضرورياً البحث عن حل يبدأ من أسفل، أي من القرى والبلدات والمدن. ويبدو أن منهج الحل من أسفل بات ممكناً بعد التوصل إلى اتفاقين لخفض التصعيد في منطقتين واسعتين. لكن تفعيله يتطلب صيغة جديدة تقوم على بناء ترتيبات لامركزية انطلاقاً من اتفاقات خفض التصعيد، وكذلك التسويات المحلية التي عُقدت منذ أوائل 2016، في إطار تصور لتطويرها تدريجياً. ومن شأن هذه الصيغة أن تترك مساحات من سوريا تحت سيطرة فصائل المعارضة المعتدلة، لكي تديرها بطريقة مستقلة مع ربطها رسمياً بمركز الدولة في دمشق، والذي يصير في هذه الحالة مركزاً رمزياً لا يملك صلاحيات مطلقة، ويفتقد القدرة على فرض إرادته في المناطق المستقلة ذاتياً. وينبغي تصميم هذه الصيغة بطريقة تضمن عملاً مشتركاً عبر وسطاء أميركيين وروس بين هذا المركز والوحدات المستقلة ذاتياً في محاربة الإرهاب.

ويمكن أن يؤدي نجاح هذا العمل المشترك في الحرب على الإرهاب إلى تقويض ذرائع بقاء الميليشيات التابعة لإيران. وعندئذ يصبح إخراجها ضرورة لنجاح الترتيبات الجديدة في سوريا، والحرب على الإرهاب، في آن معاً. ويمكن لهذا العمل المشترك أن يؤدي أيضاً إلى إعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن بشكل تدريجي. كما يتيح فرصة لبناء الثقة بين الوحدات المستقلة ذاتياً والمركز على نحو يمكن أن يُسهل إعادة ترتيب الأوضاع في دمشق، ويُتيح إمكانية لتشكيل سلطة انتقالية تكون –والحال هكذا– نتيجة متغيرات كبيرة ومعطيات جديدة توفر لها أسساً واقعية، وليست مصنوعة من أعلى.

وعندما نتأمل هذه الصيغة نجد أنها ليست غريبة بالنسبة لروسيا التي قامت بالدور الرئيس في اتفاقات التسوية المحلية التي أدارها ضباطها من قاعدة «حميميم» طوال أكثر من عام. كما أن اتفاقات خفض التصعيد التي تبنت فكرتها منذ إطلاق مسار أستانة، يمكن أن تكون أساساً لتوسيع تلك التسويات التي تقوم على وقف القتال ومنح البلدات والقرى استقلالاً ذاتياً في إدارة شؤونها.

وحين يراجع أركان إدارة ترامب ما طرحته مراكز التفكير الأميركية في الفترة الأخيرة سيجدون فيه أفكاراً في هذا الاتجاه بشكل أو بآخر. فقد أصدر معهد راند في العام الماضي تقريراً مهماً حول تقليص صلاحيات السلطة المركزية في دمشق، ومنح سلطات واسعة لمجالس محلية في إطار حكم ذاتي.

كما قدم معهد بروكينجز في مطلع العام الجاري تصوراً مؤداه أن تسعى واشنطن إلى إقامة مناطق متمتعة بحكم ذاتي واسع في شمال سوريا وشرقها، على أن تبقى مرتبطة بالمركز ولا تنفصل عنه، في إطار خطة لمرحلة انتقالية تقود إلى مؤتمر دستوري لبناء اتحاد يتم الاتفاق على إطاره القانوني وترتيباته العملية.

لقد حان الوقت لحل غير تقليدي لأزمة استعصت على الحلول التقليدية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني