سعت إيران خلال الأعوام الأخيرة لتقوية وجودها ونفوذها في سوريا، والأمر في محصلة ما يظهر، كأنها حققت نتائج تُعادل - أو تفوق - ثمار مساعيها طوال أكثر من 3 عقود مضت من العلاقات الإيرانية - السورية، التي ازدهرت بعد وصول الملالي إلى السلطة عام 1979، حتى اندلاع ثورة السوريين في عام 2011.
ولا يحتاج إلى قول، أن تعزيز نفوذ إيران في الأعوام السابقة، جرى بتأثير عوامل كثيرة، أبرزها إرث طويل من علاقات متواصلة، شهدت تحالفاً سياسياً وعسكرياً عميقاً بين نظامي الملالي والأسد، وكان أبرز تعبيرين لتحالفهما أمران: الأول، ما ظهر في الحرب الإيرانية – العراقية، حيث تطابق بصورة ضمنية موقفا الطرفين ضد العراق. والآخر، اتخاذ الطرفين موقفاً متماثلاً حول القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، حيث تبنى الطرفان فكرة المقاومة والممانعة، وجعلاها محور سياستهما الإقليمية.
والعامل الثاني اندلاع ثورة السوريين ضد نظام الأسد (الابن)، والتي مثلت تحدياً عميقاً للنظام، وهدّدت استمراره، وفي الوقت نفسه شكلت تحدياً لاستراتيجية إيران في المنطقة، وهددت بفقدها قاعدة أساسية لامتداد سياستها في المجال العربي أولاً، وفي المجال الفلسطيني والصراع العربي – الإسرائيلي ثانياً.
العامل الثالث والأهم، امتلاك إيران القدرة على فعل كل ما تريد في سوريا برضا وموافقة النظام، سواء كانت أفعالها تصبّ في سياق ما بنت أساساته في المرحلة السابقة من علاقتها مع النظام، أو كانت الأفعال في جملة خطوات جديدة، فرضتها مرحلة ما بعد ثورة السوريين، ووقوف إيران إلى جانب نظام الأسد إلى الحدود القصوى.
العامل الرابع، عدم وجود أي جدية إقليمية أو دولية في مواجهة تنامي نفوذ إيران. بل إن ما حصل كان يشجع إيران، كلما خطت خطوة في هذا الاتجاه، أن تشرع في تنفيذ الخطوة التالية دون أي ردة فعل إقليمية ودولية، بما في ذلك محاسبتها على جرائمها بحق السوريين.
وسط البيئة الأفضل تنامى النفوذ الإيراني في سوريا وتزايد، وأخذت تتوالى في الواقع الأهم ملامحه، وبينها قوة نفوذ إيران وتأثيرها السياسي على نظام الأسد، بحيث لم يعد لديه أي قدرة على اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى الإيرانيين، ومما يدعم ذلك جملة مؤشرات أبرزها وجود القوات الإيرانية، خصوصاً قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وانخراطها في الحرب على السوريين، بمشاركة جيش من الخبراء والمستشارين العسكريين والأمنيين، إضافة إلى وجود ومشاركة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، وأبرزها أربع: «حزب الله» اللبناني، و«الفاطميون» الأفغانية، و«الزينبيون» الباكستانية، و«كتائب أبو الفضل العباس» العراقية، وقد توج هذا الخط من نفوذ إيران بالإعلان عن إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من دمشق.
كما أن بين مؤشرات تزايد النفوذ الإيراني نمو أنشطة إيران في المجالات الاستثمارية لا سيما في المجالات النفطية والتجارية والعقارية، والتي بين مؤشراتها اتفاقات عقدها نظام الأسد مع إيران في قطاع النفط، بالتوازي مع ارتفاع حجم السلع الإيرانية في الأسواق السورية، وتواصل الهجمة الإيرانية لشراء العقارات في دمشق وريفها وفي السويداء ومناطق الساحل السوري.
وثمة مؤشرات أخرى بينها توسع عملية تشييع سوريين في مناطق سيطرة النظام، لا سيما في أوساط العلويين، ونشر الثقافة الشيعية الإيرانية، وممارستها في الأماكن العامة على نحو ما حصل مؤخراً في سوق الحميدية قريباً من الجامع الأموي وسط دمشق القديمة.
ورغم أهمية مؤشرات تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، فإنه لا بد من جملة ملاحظات بصددها، أبرزها أربع: الأولى، أنه يتم في مناطق خاضعة للنظام ولا يتعداه إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، مما يعني محدودية انتشاره في الجغرافيا السياسية والبشرية. والثانية، أن أغلب الوجود الإيراني مرتبط بالنظام وبالعلاقة معه، وما ارتبط بالسوريين منه يكاد يكون محصوراً في الأوساط المؤيدة للنظام والحلقات النافذة فيه. والثالثة، أن هذا الوجود يتوسع في ظل حرب تشارك فيها إيران على السوريين، مما يعني أنها تنمو في ظل عداء الأكثرية السورية لإيران ووجودها وممارساتها على مختلف الأصعدة. والرابعة، أن تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، يترافق مع نمو وتصاعد الاعتراضات الإقليمية والدولية عليه، مما يجعله بين أسباب تصعيد مواجهات أطراف إقليمية ودولية مع إيران وأدواتها في سوريا، ولا تنفصل حالة العداء المتصاعدة مؤخراً لوجود «حزب الله» عن تلك الاعتراضات.
وبطبيعة الحال، فإن الملاحظات السابقة، تؤشر إلى صعوبة استمرار وتكريس النفوذ الإيراني على المدى البعيد في سوريا، ليس فقط لارتباطه بنظام الأسد، وإنما بفضل الجرائم التي ارتكبها نظام الملالي طوال السنوات الماضية، الأمر الذي يعني أن مصير وجود إيران ونفوذها مرتبط بمستقبل النظام الذي قال المجتمع الدولي، إنه لا دور له في مستقبل سوريا، وإن السوريين الذين صنفوا نظام الأسد وحلفاءه من الإيرانيين والروس، لن يقبلوا ما صار إليه موقع إيران في سوريا، وسيحاربونه بكل الطرق والوسائل.
بغض النظر عن قرارات «الاجتماع الموسع الثاني للمعارضة السورية» الذي اختتم اجتماعاته في الرياض أمس، وكذلك عن المعنى الاعتراضي لاستقالات رئيس الهيئة العليا للمفاوضات والكثير من أعضائها، فالواضح أن الاجتماع عُقد ضمن إطار التفاهمات الدولية والإقليمية التي تتّجه بوصلتها، كما هو واضح، نحو مدينة سوتشي الروسية التي سيعقد فيها مؤتمر ضخم لـ»شعوب سوريا» بين 2 و4 الشهر المقبل، أما مفاوضات جنيف، التي ستجري قبلها بأيام، فستكون، كما قال بوتين لـ»إضفاء اللمسات الأخيرة» على التسوية السياسية في سوريا.
مؤتمر سوتشي المقبل المخصص لـ»الحوار الوطني السوري» سيكون إعلانا كاشفاً من موسكو عن إمساكها بالأوراق الإقليمية الكبرى فيما يخص الوضع السوري، وهو ما جسّده وجود الرئيسين، التركي رجب طيب إردوغان، والإيراني، حسن روحاني، وقبلهما بيوم، الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما تناظر، ببلاغة، مع لقاء فصائل المعارضة السورية، في الوقت نفسه، في العاصمة السعودية الرياض.
أما ما يقال عن التفاهم الأمريكي ـ الروسي الأخير الذي جرت آخر فصوله خلال لقاء الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في فييتنام في 11 من الشهر الجاري، فهو إعلان آخر عن محدودية الأثر الأمريكي على مستقبل سوريا، والذي يقوم على عمودين رئيسيين، الأول هو موقف ترامب الأصلي الداعم لبقاء نظام الأسد، والثاني هو التراجع المنتظم لإرادة التدخّل الأمريكية في المنطقة العربية بعد وضوح فشلها الذريع في أفغانستان والعراق، وانحسار تأييدها للثورات العربية بعد التدخّل في ليبيا، وانتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، بحيث أصبحت الحرب على التنظيمات الجهادية، وخصوصاً بالطائرات من دون طيار، هي استراتيجيتها الوحيدة للمنطقة.
يضاف إلى كل ذلك، بالطبع، مسألة الجغرافيا، فباستثناء علاقة واشنطن الخاصة مع إسرائيل، واهتمامها بالنفط وأموال دول الخليج وصفقات التسلح العربية، فإن كل المنطقة العربية لا تشكّل خطراً قريباً عليها.
أما بالنسبة لسوريا نفسها، ولروسيا وإيران وتركيا، فإن الجغرافيا هي أهمّ العوامل التي تفرض أثرها الهائل على العلاقات بين الأطراف المتصارعة، وبالتالي فإنها ستكون العامل الحاسم الذي سيحدّد معالم «التسوية السياسية» المقبلة.
لقد كانت مسألة من سيكون سيد آسيا الوسطى عامل النزاع الكبير بين إيران وتركيا قبل الإسلام، وهو أمر لم يتغيّر كثيراً بعد ظهور الدول الإسلامية، فسقوط الخلافة الأموية كان على يد أبو مسلم الخراساني الفارسي، كما جاء سقوط الدولة العباسية على يد السلاجقة الأتراك، وما يجري في سوريا حاليّاً، يظهر أثر المطحنة الجغرافية على السياسة.
لكن الجديد في المعادلة القديمة هو العملاق الروسيّ، الذي أثّر وزنه العسكري الكبير وبطاقة «الفيتو» الأممية بحوزته، على طرفي الصراع، أما حضور الإسلام، بأشكاله الأيديولوجية عبر فصائل المعارضة، وبالنظم السياسية التي ورثت جزءا من رمزيته، كالسعودية ودول الخليج، كما بالصراع السنّي ـ الشيعي المحتدم، فلا يستطيع أن يموّه أثر الجغرافيا السياسية الكاسح إلا عبر كشفه ضعف السياسات وانحناءاتها الشديدة عندما تواجه هذه المعادلة وتضطر، صاغرة، للخضوع لها.
يفسّر هذا المنظور، إلى حد كبير، الانخراط الروسيّ الكبير في الشأن السوري، والنجاحات التي حققها الكرملين، كما سيكشف لاحقاً، حدود التنازلات التي اقترح بوتين على الأطراف المتصارعة، بما فيها النظام السوري، القبول بها، لكن الأهم طبعاً، هو ما سيكشفه عن مدى رغبة الكرملين نفسه بالتنازل.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2015، حين كانت القاذفات الروسية تستكمل هبوطها وانتشارها على مدارج مطار حميميم العسكري، جنوب شرق اللاذقية، شاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد لقاء مباشر مع الرئيس السوري بشار الأسد، لإبلاغه بأغراض موسكو من التدخل العسكري لصالح النظام. وكان اللقاء بمثابة تعاقد حول المستقبل المنظور والبعيد معاً، واقتضى أن يقدم الأسد بموجبه تعهداً أقرب إلى تفويض شامل لوزارة الدفاع الروسية، برهنت على حسن الالتزام به سنتان ونيف من العمليات العسكرية الروسية على أرض سوريا وفي أجوائها.
ومساء الإثنين الماضي شاء بوتين تكرار اللقاء المباشر مع الأسد في سوتشي، ليشدد على ما كان وزير خارجيته سيرغي لافروف قد صرّح به سابقاً، من أن التدخل الروسي هو الذي أنقذ النظام حين كانت دمشق على وشك السقوط، ولكي يُسمع جنرالات الجيش الروسي آيات المديح والامتنان من فم الأسد شخصياً. ومن جانب آخر أراد بوتين الإعلان عن أنّ «مهمة» مكافحة الإرهاب قد أوشكت على الانتهاء، و«حان الوقت للانتقال إلى العملية السياسية» في سوريا.
الزيارة استغرقت أربع ساعات ولم يُعلن عنها إلا على الموقع الرسمي للكرملين، صبيحة اليوم التالي. ولكن تلك الساعات اليتيمة كانت كافية لكي يتلقى الأسد الرسالة واضحة صريحة، حول المرحلة المقبلة من استحقاقات روسيا في سوريا، أي حيازة تفويض شامل سياسي هذه المرة، يحمله بوتين إلى قمة سوتشي الثلاثية التي ستجمعه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني. وهو كذلك تفويض للكرملين ببحث «التسوية السياسية والسلمية على الأمد الطويل» مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقادة قطر والعراق والسعودية ومصر والإمارات والأردن، كما أعلن بوتين نفسه.
لكن واقع الحال على الأرض لا يطابق احتفاء بوتين بمهمة عسكرية توشك على الانتهاء، إلا إذا كان الرئيس الروسي يقصد التلميح إلى أن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» كان هو الهدف الاستراتيجي وراء التدخل الروسي في سوريا. وهذا افتراض خاطئ ومضلل، لأن عمليات الجيش الروسي استهدفت فصائل المعارضة في المقام الأول، وساندت ما تبقى من وحدات جيش النظام التي لم تقاتل التنظيم إلا خلال الأسابيع القليلة الماضية.
كذلك جربت موسكو الشروع في تسويات سياسية وتفاوضية، سواء من خلال ما سمي «مناطق خفض التصعيد» في حمص وإدلب والغوطة الشرقية والسويداء، أو على امتداد سبعة مؤتمرات شهدتها أستانة تحت إشراف روسي مباشر، وانتهت جميعها إلى نتائج عجفاء أو معاكسة. هذا بافتراض أن الأسد ما يزال يقبض على أعنة السلطة كاملة في سوريا، بما يمكنه من فرض أية تسوية على مراكز القوى داخل نظامه. أو بافتراض أن الأطراف الأخرى، من التنظيمات الجهادية والفصائل والميليشيات المختلفة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، سوف تتلاقى مع أي «عملية سياسية» يتوصل إليها الكرملين في قمة سوتشي الثلاثية.
والأصل في المسألة هو ثورة الشعب السوري ضد نظام استبداد وفساد عائلي وراثي يواصل حكم سوريا منذ 47 سنة، وأي مقاربة لتسوية سياسية لا تبدأ من هذا المعطى الجوهري سوف تنتهي إلى وضع عالق، وفشل ذريع.
الأسد في روسيا مرة أخرى. وبلاده أمام منعطف حاسم جديد. لم تختلف ترتيبات الزيارة كثيراً عن سابقتها قبل عامين. إذ نقل الرئيس السوري في شكل مفاجئ ليلاً ومن دون مرافقين، إلى سوتشي على متن طائرة عسكرية روسية. وأدخل وحيداً إلى قاعة لم يرفع فيها علم دولة الضيف. على رغم ذلك، وبعيداً من الشكليات البروتوكولية التي لم تعد موسكو توليها أهتماماً وهي تتعامل مع الرئيس السوري، فإن توقيت الزيارة ومجرياتها عكست توجهاً روسياً لوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة حالياً لطي صفحة العملية العسكرية في سورية وإطلاق المسار السياسي.
في زيارته السابقة قبل عامين وضع الأسد أمام خيار صعب. التدخل الروسي لإنقاذ «السلطة الشرعية» ثمنه ترتيبات واسعة لوجود عسكري روسي دائم في سورية.
إضافة إلى أن موسكو أرادت فرض رؤيتها الخاصة لمسار الصراع الميداني. حتى لو تعارض أحياناً، كما ظهر لاحقاً في أكثر من موقع، مع خطط النظام والحليف الإيراني.
وعلى رغم أن العملية العسكرية الروسية أنجزت «غالبية أهدافها» في سورية وفق الكرملين، فإن الأسد بدا في زيارته الثانية أمام خيارات صعبة أيضاً. وعبارات الشكر التي ردّدها خلال لقائه «الجنرالات الذين أنقذوا سورية» لا تغطّي حقيقة انحسار نفوذه ودرجة تأثيره في تطورات الأحداث إلى أضيق مساحة منذ اندلاع الأزمة في سورية، إلى درجة أن تعليقات الخبراء ووسائل الإعلام الروسية قلما تذكر اسم الرئيس السوري عند الإشارة إلى «المنتصرين».
وتوقيت ترتيب الزيارة عشية القمة الحاسمة لرؤساء البلدان الضامنة وقف النار في سورية، عكس استعجال موسكو رسم ملامح المرحلة المقبلة التي سيكون عنوانها الأساسي الإعلان عن انتهاء الجزء النشط من العمليات العسكرية في سورية والانتقال إلى مسار سياسي.
المطلوب من الأسد إعلان موقف واضح يؤيد الترتيبات الروسية لعقد مؤتمر الحوار السوري، ويؤكد الاستعداد للتعامل في شكل إيجابي مع نتائجه. وهذا يوفر لموسكو مساحة أوسع للتأثير في إيران باعتبارها الطرف القادر على وضع عراقيل أمام التوجه الروسي.
في المقابل، لا تمانع موسكو في تقديم ضمانات بتقليص تأثير «اللاعبين الخارجيين» في مسار المفاوضات السورية- السورية. كما أنها ستواصل الضغط لتأجيل طرح ملف مصير الأسد خلال المرحلة الانتقالية.
والاستعجال الروسي لدفع الترتيبات المقبلة على رغم التعقيدات الكبرى التي تواجهها له أسباب داخلية ضاغطة. إذ يحتاج الكرملين بشدة وهو يستعد لإطلاق حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى الإعلان قبل حلول نهاية العام عن نصر حاسم على الاٍرهاب، وتقديم إنجازات كبرى تبرّر للناخب الروسي قرار التدخل في سورية.
لكن العقبات التي تسعى موسكو إلى تجاوزها وهي تضع ترتيبات المرحلة المقبلة، لا تقتصر على ضمان انخراط النظام في المسار المرسوم، إذ تبدو المهمة الأصعب الحفاظ على توازن العلاقات مع الشريكين التركي والإيراني. كما أن غياب التنسيق مع واشنطن يزيد من تعقيدات المسار الروسي للتسوية. ناهيك بغموض الفكرة التي تسعى موسكو إلى تثبيتها حول «تكامل» مسارَي جنيف وسوتشي. بهذا المعنى، فإن الطرف السوري بمكوّنَيه الموالي والمعارض بات الحلقة الأسهل في المعادلة الروسية مهما بدت هذه العبارة غريبة. إذ لم تخفِ روسيا وهي تستقبل الأسد بهذه الطريقة وهذا التوقيت، ارتياحها لما وصفته: ابتعاد «العناصر المتشدّدة» في المعارضة السورية عن تشكيلة الوفد المفاوض. المعضلة التي تواجه موسكو باتت تقتصر وفقاً لقناعة نخب روسية على آليات إدارة توازنات المرحلة المقبلة مع الأطراف الإقليمية والدولية.
في الشكل تبدو تركيا وروسيا وإيران في تحالف واحد، لعل الهدف منه هو كيفية إبعاد الولايات المتحدة عن الأزمة السورية عبر مسار إقليمي، انطلق من آستانة على أن يتوج في سوتشي، لكن في الجوهر ثمة تناقضات عميقة في رؤية كل طرف إزاء مستقبل الصراع في سورية، ولعل هذا التناقض استدعى قمة سوتشي ومن ثم مؤتمر سوتشي (للحوار الوطني السوري) لتحديد أدوار كل طرف في مرحلة ما بعد «داعش» وشكل الحل السياسي.
في تطلع موسكو إلى هندسة الحل السياسي تواجه عقبة كبيرة بعد دعوتها حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي لحضور مؤتمر سوتشي، إذ أظهرت هذه الدعوة خلافاً روسياً – تركياً، على شكل اختبار حقيقي للعلاقة بينهما، وقد كان لافتاً قبل فترة قول ميخائيل بوغدانوف إن هؤلاء الأكراد مواطنون سوريون وليسوا إتراكاً، وذلك رداً على إعلان تركيا رفضها حضور حزب الاتحاد الذي تصنفه تركيا إرهابياً بوصفه الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، وهو ما فجر جدلاً بين البلدين على شكل تصريحات متبادلة، بين تأكيد تركيا رفضها مشاركة الحزب المذكور في أي مؤتمر دولي وبين تأكيد موسكو على ضرورة أوسع مشاركة في مؤتمر سوتشي بما في ذلك هذا الحزب، ولعل تمسك تركيا بموقفها هذا له علاقة بقدرتها على إفشال هذا المؤتمر أو على الأقل إفراغه من تحقيق هدفه مسبقاً، نظراً إلى تأثيرها القوي على فصائل المعارضة السياسية (الائتلاف) والعسكرية (فصائل الجيش الحر) حيث يشكل حضور هذه الفصائل قيمة أساسية للمؤتمر، وقد أعلنت رفضها حضور المؤتمر بوصفه يعيد إحياء النظام ويجري خارج رعاية الأمم المتحدة ومرجعية جنيف والقرار الدولي رقم 2254.
الجدل الروسي – التركي بشأن مشاركة الأكراد أدى حتى الآن إلى تأجيل مؤتمر سوتشي أكثر من مرة، واللافت هنا هو أن إعلان التأجيل يأتي غالباً من أنقرة وليس من موسكو صاحبة الدعوة إلى عقده، وهو ما يجعل من مشاركة الأكراد عقدة سوتشي خلال القمة الروسية التركية الإيرانية، وبالتالي السؤال عن كيفية حل هذه العقدة.
الثابت أن روسيا وتركيا تشعران بلحظة ذهبية في علاقاتهما، فالأولى تشعر بأهمية استثمار التوتر في العلاقات الأميركية- التركية لإبعاد تركيا عن المنظومة الغربية وجلبها إلى حضن الدب الروسي أولا، وثانياً لأسباب اقتصادية لها علاقة بصفقات النفط والغاز والسلاح وبناء مفاعلات نووية، فيما تركيا المنزعجة جدا من الدعم الأميركي للأكراد في شمال شرق سورية تريد من وراء التقارب مع موسكو توجيه رسالة للغرب بشقيه الأميركي والأوروبي أن لديها خيارات أخرى، وأنها لن تقبل بتهديد أمنها القومي حتى لو اقتضى الأمر انقلاباً على خياراتها التقليدية. في الواقع، إذا كان الدعم الأميركي لأكراد سورية أصبح مساراً صدامياً مع تركيا، فإن الأمر مختلف بالنسبة إلى العامل الروسي، إذ تدرك تركيا ومنذ انقلابها على شعار إسقاط النظام صعوبة أي تحرك من دون أخذ هذا العامل بعين الاعتبار، فعلى الأقل جرت عملية «درع الفرات» في 24 آب (أغسطس) من العام الماضي في هذا الإطار، كما أن العملية التركية المستمرة في إدلب جاءت في إطار تفاهمات آستانة، ولعل هذا المسار يضع نفسه على طاولة سوتشي لحل العقدة الكردية، والسؤال هنا: هل سيكون ثمن موافقة تركيا على مشاركة الأكراد في سوتشي موافقة روسيا على عملية تركية في عفرين لضرب نفوذ حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب؟ أم أن «القيصر» الروسي يعرف كيف ينزع صولجان السلطان المرفوع في وجه الأكراد؟ ربما لدى «القيصر» الكثير من الحجج لإقناع «السلطان» بذلك، ولعل أهمها أن فك التحالف بين الأكراد والإدارة الأميركية يمر عبر احتضانهم ودفعهم إلى الحوار مع النظام الذي لم تعد أنقرة تطالب بإسقاطه، بل ربما يكون ثمن قفز روسيا فوق مشاركة الأكراد في سوتشي عبر إلغائه مقابل قبول تركيا التعايش مع النظام شرط تهميش الأكراد وربما التحرك معاً ضدهم على غرار ما حصل في كركوك عقب الاستفتاء الكردي.
وإذا كان هناك من توافق روسي– أميركي حول الأزمة السورية، فبالتأكيد هو توافق غير كامل، بل هناك توافقات جزئية، تتفهم واشنطن بعضها، لكن حليفها الاستراتيجي الإسرائيلي لا يستطيع إغماض العين عن العديد منها، لا سيما تلك التي تتعلق بتواجد القوات الإيرانية وقوات حزب الله والميليشيات الطائفية الأخرى، القريبة قليلاً أو بعيداً من حدود الجولان.
فكل ما تسعى إليه روسيا اليوم سواء عبر استراتيجيتها العسكرية أو عبر تسويتها السياسية، أو بناء توافقات وتوازنات جديدة إقليمياً ودولياً، لا يتعدى تلك المحاولة المحمومة لإعادة إنتاج نظام الأسد مرة أخرى، والاحتفاظ به ذخراً لروسيا البوتينية وهي تستعيد بعض مجد غابر، في زمن يغادر فيه الأميركيون مواقع عظمتهم الامبراطورية فعلياً، مستبدلين إياها بنوع من جنون العظمة.
على أن غياب الثقة المتبادلة بين روسيا والمعارضة السورية، ستبقى تطرح العديد من علامات الاستفهام، وتعمق من شروخ التسوية الممكنة، المتنقلة بين استانة وسوتشي وجنيف، حتى أن مؤتمر الحوار الوطني الذي سوف يكون بديلا لـ «مؤتمر الشعوب السورية» الذي طرحته موسكو وتراجعت عنه قبلاً، لن يكون من اليسير انعقاده في ظل الخلافات والتباينات القائمة بين أطراف المعارضة نفسها، وبين الأطراف الراعية الإقليمية والدولية، طالما أن مهمة التسوية الروسية تناور في اتجاهات تعيد انتاج وترسيخ سلطة النظام الأسدي، وكأن شيئا لم يكن منذ سنوات الأزمة الأولى، سوى القتل المجاني من دون حساب أو عقاب.
من جنيف إلى سوتشي، تستمر المعارضات على حالها، ويستمر النظام في ظل حماته وداعميه على حال التواكل من قبل حلفائه لضمان استمراره وتواصل استبداده، وذلك خدمة لمصالحهم ولمصالحه في النهاية، فيما يستمر حال الانقسام الإقليمي والدولي، بانحياز كل طرف لمصالحه الخاصة، بعيداً من مصالح الآخرين، بينما التسوية الروسية تحاول التوصل إلى منطقة في الوسط تتيح لكل الأطراف الاجتماع تحت الخيمة الروسية، فهل تستطيع موسكو جمع الأكراد وتركيا والنظام وبعض المعارضة، وهل يمكن للإسرائيليين بلوغ الرضا عما يسعى إليه الروس من إبقاء شراكتهم مع الإيرانيين وميليشياتهم الطائفية قريباً من الجولان وفي سورية عموماً؟ وإلى أي حد يستمر التنسيق الروسي – الأميركي في تجاهل المطالب الإسرائيلية؟ وما مدى تأثير كل ذلك على تسوية الأزمة السورية بترتيباتها الروسية؟
هذا هو مربط الفرس، فهل يستطيع اجتماع قمة سوتشي أن ينجح في تفعيل مفاوضات مباشرة وفعلية بين النظام والمعارضة السورية، وبالتالي تقديم العون اللازم للتسوية الروسية التي تحاولها موسكو، في غياب العديد من قوى المعارضة السياسية، فهل تنجح؟
منذ البداية، أي منذ انطلاق الثورة السورية (آذار/ مارس 2011)، وعلى مدار ستة أعوام، شهد الصراع السوري تغيّرات، أو منعطفات عديدة، كان لكل واحدة منها سماتها وأدواتها وخطاباتها وتداعياتها الخاصّة، سيما أن الحديث يدور عن ثورة عفوية، وعن افتقاد السوريين كيانات سياسية جمعية، أو تجارب كفاحية سابقة، وعن واقع شديد التعقيد ومفتوح على مصراعيه على التدخلات الخارجية.
في هذا الإطار قد يمكن تعيين تحولات الصراع السوري بعديد من النقلات، التي تجسّدت: أولاً في التحوّل من الثورة الشعبية السلميّة ضد النظام، في الأشهر الأولى، ضمن معادلة شعب أو أغلبية الشعب ضد النظام، إلى حصر الصراع في المواجهات المسلحة، التي يتحمّل النظام مسؤوليتها بسبب إصراره على الحل العسكري، وإدخاله قوى خارجية (ميليشيا «حزب الله») في هذا الصراع، خاصة منذ صيف 2012. ثانياً، بدخول قوى أخرى، وخلق طبقات، ومعادلات أخرى للصراع، نتيجة بروز تنظيمات إرهابية، وذات أجندة خارجية تختلف عن أجندة الثورة السورية المتعلقة بالحرية والمواطنة والديموقراطية، مثل «داعش» و «جبهة النصرة» وأخواتهما من جهة، وقوات «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» اللبناني وألوية زينبيون وفاطميون ونجباء وعصائب الحق وأبو الفضل العباس وغيرها من ميليشيات طائفية ومذهبية عراقية وباكستانية وأفغانية من جهة أخرى. ففي خضم هذه المرحلة، التي تجسّدت منذ صيف العام 2014، تمت إزاحة أهداف الثورة جانباً، وتغليب الصراع العسكري، واضفاء طابع طائفي وديني على الصراع الدائر، بحيث نجم عن كل ذلك تشريد ملايين السوريين وتدمير عمرانهم. ثالثاً، بدخول روسيا مباشرة كطرف فاعل في الصراع العسكري في سورية (أيلول/ سبتمبر 2015)، الأمر الذي ساهم بمنع انهيار النظام وتعويمه، وتمييع مفاوضات جنيف، وكما شهدنا فإن هذا الوضع أدى، أيضاً، إلى تغير معادلات الصراع السوري، بإعادة تموضع القوى فيه، وهو ما تمثل بتوافق روسيا وإيران وتركيا على مسار آستانة وعلى خطة «المناطق المنخفضة التصعيد»، بدءاً من مطلع العام الحالي.
وربما أننا الآن إزاء المرحلة الرابعة من الصراع السوري، مع هزيمة «داعش» والمنظمات الإرهابية في سوريا (والعراق)، ومع التحول التركي نحو إيجاد توافقات مع روسيا وإيران بخصوص المسألة السورية، وهذا ما قد تفصح عنه نتائج القمة الثلاثية المرتقبة غداً (22 الشهر)، في سوتشي، والتي دعا إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسيشارك فيها الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني.
على ذلك، وبعد كل هذه التجربة، وكل هذه التحولات، قد يجدر التنويه هنا إلى بروز مسألتين: أولاهما، أن الوضع الصراعي في سورية لم يعد يشتغل وفق معادلة ثورة في مواجهة نظام، إذ باتت ثمة طبقات أخرى في الصراع. فحتى مع إزالة الطبقة المتعلقة بالصراع ضد القوى الإرهابية ثمة الطبقة الأخرى المتعلقة بالصراعات الدولية والإقليمية على سورية، التي باتت هي المقررة في مآلات الصراع الدائر، بحكم ضعف الثورة السورية، وغياب بعدها الشعبي (بعد تشرد الملايين)، وبواقع ارتهان أو اعتماد معظم كيانات المعارضة السياسية والعسكرية على الأطراف الخارجية. وثانيتهما، تغيّر تموضع الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في هذا الصراع، وخاصة التحوّل الرئيس، والمؤثر على المعارضة، وعلى مستوياتها، والمتمثل بانتقال تركيا من التخاصم أو التنافس إلى التوافق أو التنسيق مع كل من روسيا وإيران، سيما بعد أن أضحت المسألة الكردية هي الشغل الشاغل لتركيا، وليس دعم ثورة السوريين أو دعم المعارضة لإسقاط نظام الأسد، لأسباب رؤيتها لذاتها ومكانتها ومصالحها وأمنها.
القصد أن ما قبل التوافق الروسي- التركي- الإيراني، الذي قد يترتب في قمة سوتشي، ليس كما بعده، مع معرفتنا بمدى التأثير التركي على الثورة السورية، وعلى طابعها وأشكال عملها وتموضع كياناتها. والقصد أيضاً أن أوساط المعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية والمدنية، وبغض النظر عن العواطف والرغبات، معنيّة بعدم تجاهل المتغيرين المذكورين، أو الاستهانة بتأثيراتهما، بل إنها معنية بالتصرّف على أساس إدراكها لهما، مع محاولة إيجاد التقاطعات، وبناء المعادلات التي تخفف من وطأتهما عليها، باعتبار أنها معنية أساساً بتحقيق تطلعات الشعب السوري، وليس بأي اعتبارات أخرى لا تفضي إلى ذلك.
والفكرة هنا أن المعارضة السورية باتت إزاء وضع جديد ومعقد وحرج، فإما أن تراجع تجربتها، وتدرس التحولات الحاصلة فيها، بطريقة نقدية، لتأهيل ذاتها، وتطوير أوضاعها، ما يمكنها من تدارك ما يحصل، وهو ما لم تقم به حتى الآن. وإما أنها ستجد نفسها مضطرة، بإرادتها، أو رغماً عنها، للتكيف مع الواقع الجديد، ومسايرته، وهو ما حصل في تجربة سابقة، في رفض مسار آستانة ثم القبول به (لمن يتذكر)، وبالتالي المساهمة في إضعاف مسار مفاوضات جنيف (المتأسس على بيان جنيف -1)، وهو ما يخشى أن يتكرر مع مسار سوتشي في قادم الأيام، ما يعني الانزياح عن أهداف الثورة، وتقويض مكانة المعارضة، والتحول إلى مجرد أداة في لعبة إقليمية.
في الغضون يفترض الانتباه أيضاً، إلى أننا إزاء إعادات تموضع لمختلف الأطراف المنخرطة، أو المتورطة في الصراع السوري. فمثلاً، هذه روسيا التي باتت تتصرف وكأنها صاحبة الربط والحل في هذا الصراع، وفقاً لاعتقادها أنها هي التي أنقذت النظام من السقوط، وهي في ذلك باتت تنافس إيران على هذا الموقع، فبعد أن كانت تتوسل التوافق مع الولايات المتحدة، على الأقل في ما يتعلق بخفض التصعيد في جنوب غرب سورية (بالتوافق مع إسرائيل أيضاً)، فإذا بها تعلن تنصّلها من هكذا توافق، بل واعتبار الوجود الأميركي في سورية غير شرعي. وقد شهدنا تبعات ذلك في ثلاثة فيتوات روسية في مجلس الأمن في غضون شهر واحد، بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وفي دعوة روسيا إلى مؤتمر «شعوب سورية» أو مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، في محاولة لخلق بديل عن مسار التفاوض في جنيف، وكتتويج لمكانة روسيا الجديدة في سورية.
في المقابل، فإن الولايات المتحدة الأميركية، التي استثمرت في التورط الروسي والإيراني والتركي في سورية، تبدو وكأنها أقرب إلى وضع استراتيجية جديدة لها، الأمر الذي يتضح في استهدافها إيران، إن عبر التبرم من الاتفاق النووي معها، أو عبر الشروع في وضع قوات «الحرس الثوري» الإيراني والميلشيات التي تتبع به في قائمة الإرهاب، كما يتضح ذلك في تصريح وزير الدفاع الأميركي ماتيس الذي اعتبر أن الوجود الأميركي في سورية سيبقى حتى بعد انتهاء الحرب على الإرهاب («داعش»)، بانتظار تحقيق التسوية السياسية وفق مسار جنيف (وليس غيره)، كما يتمثل ذلك بوضع الولايات المتحدة خطوطاً حمراً لمنع اقتراب قوات إيرانية أو قوات حليفة لها نحو الجنوب أو نحو الشرق مع الحدود العراقية، كما يأتي ذلك ضمن المحاولات الأميركية لإضعاف النفوذ التركي في الصراع السوري.
وبديهي أن إعادة التموضع هذه تشمل تركيا، أيضاً، العضو في الحلف الأطلسي، وهو ما يظهر في تضعضع الثقة بينها وبين الولايات المتحدة، وفي محاباة هذه الأخيرة لـ «قوات سورية الديموقراطية»، التي يديرها حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي (الكردي) ، والذي يعتبر عند تركيا امتداداً لحزب العمال الكردي (التركي)، والذي تتعامل معه كمنظمة إرهابية، كما أن التموضع التركي الجديد محاولة لإيجاد مقاربات سياسية للمسألة السورية مع روسيا وإيران. أما في ما يخص إيران فإن إعادة تموضعها في الصراع السوري يظل ثابتاً بالقياس لغيرها، باستثناء شعورها بالتنافس مع الوجود الروسي، وهذا يشمل محاولاتها خلق توافقات مع تركيا في الشأن السوري. ويستنتج من ذلك أن إعادة التموضع، الأكثر تأثيراً ربما في الصراع السوري، تتعلق بتحول تركيا نحو التوافق مع كل من روسيا وإيران، أي الدولتين الضليعتين في وأد الثورة السورية، وقتل الشعب السوري وتدمير عمرانه، من منظور رؤيتها لأمنها القومي، وبحسابات تخوفها أو ريبتها من تبعات الموقف الأميركي في الصراع السوري (والعراقي).
قصارى القول، أن الصراع السوري يدخل مرحلة جديدة، وفي تعقيدات مغايرة، من أهم علاماتها التوافق الروسي الإيراني التركي، وهو وضع لا بد سيفضي إلى تغيرات كثيرة، وإلى طرح تحديات غير مسبوقة على المعارضة والثورة السوريتين.
كان الله في عون السوريين...
ثمة شيء لم يُتنبه له في العاصفة السياسية التي تضرب لبنان هذه الأيام، والمتمثلة باستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض، ثم مغادرته إلى فرنسا ونيته العودة إلى لبنان في عيد الاستقلال. هذا الشيء هو انعدام تأثير النظام في سورية في هذا الحدث اللبناني والإقليمي. سورية هي أحد موضوعات الاستقالة، وأحد شروطها وظروفها، والنظام السوري هو أحد العوامل الدافعة إليها، إلا أن ذلك لا يعني أنه مؤثر فيها. أما القول إن طهران هي تقوم بالمهمة عنه، فلم يعد يخفى على أحد عدم صحته، ذاك أنها تقوم بالمهمة عن نفسها فقط، وهو أيضاً ما تقوم به في سورية أيضاً. لقد صار من الواضح أن الشرط الإيراني في الحرب السورية يتقدم في حساب طهران الشرط السوري، ويبدو أن ذلك يتم على كل المستويات، وصولاً إلى نوع الحضور «الثقافي» والمذهبي لإيران في سورية، وأكثر ما دل على ذلك عجز نظام البعث عن الحد من الحضور الطقسي الشيعي في شوارع دمشق خلال مناسبات عاشوراء والزيارة الأربعينية، وما ترافق مع هذه المناسبات من رغبة إيرانيه في الإمساك بالمشهد في دمشق.
النظام في سورية عديم التأثير في الحدث اللبناني الراهن. والقول إن «حزب الله» يمثله في التفاوض حول مستقبل الحكومة لم يعد دقيقاً على الإطلاق، بل إن علاقة النظام بأركان في السلطة اللبنانية مثل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لا يمكن تحويلها تأثيراً في الحدث. فالأرجح أن عون وبري إذ يديران التوتر والتفاوض تتقدم في حساباتهما الشروط الإيرانية، ولا يلوح شرط النظام بصفته حداً من حدود المشهد. وإذا كان من حضور للحساب السوري في الواقع اللبناني، وهو قتال «حزب الله» في سورية دفاعاً عن النظام فيها، فهذا يُعزّز فكرة انعدام تأثير النظام في هذا الحدث، ذاك أن لبنان، أو قواه الإقليمية، هي من صار لاعباً في مستقبل النظام، وليس العكس. لا يشمل هذا الاستنتاج سورية كبلد، ذاك أن لبنان ليس بحجم الحدث السوري، إلا أن النظام فيها تقلص إلى حد يمكن فيه رصد انعدام حضوره في الحدث اللبناني.
سورية بهذا المعنى وبصفتها حدثاً ومسرحاً صارت أكبر من نظام بشار الأسد. ليس الحدث اللبناني قرينة هذا الاستنتاج الوحيدة، فمشهد شوارع دمشق تجوبها المجالس العاشورائية التي ندبت الحسين باللغة الفارسية علامة أخرى على عجز النظام على ضبط النفوذ الإيراني فيه. وخريطة انتشار «حزب الله» في سورية أيضاً تحددها الحاجة الإيرانية، لا حاجات النظام الدفاعية والهجومية، وإذا كان من ضابط لهذه المعادلة فهو روسي وليس سورياً.
لكن انعدام قدرة النظام على التأثير في الحدث اللبناني يطرح تساؤلات أخرى. فهذا النظام نشأ بصفته قوة إقليمية، وهو ضبط التناقضات الداخلية السورية بعنف من خلال الوظيفة الإقليمية التي طرحها على نفسه. لبنان كان جزءاً من استقراره الداخلي كنظام، مثلما كان «العدو الإسرائيلي» أيضاً. واليوم إذ يبدو عاجزاً عن لعب دور في حدث لبناني، فهذا يعني أنه عاجز في سورية أيضاً، وأن من يدير الدفة في دمشق، وإن كان هو نفسه من يديرها في بيروت، إلا أنه هذه المرة ليس بشار الأسد، إنما قاسم سليماني.
النظام في سورية هُزم. ليست الثورة من هزمه، فالأخيرة هُزمت أيضاً. البحث عن هوية المنتصر وسط هذه الهزائم لا تتوافر شروطه في هذه اللحظة، فبين موسكو وطهران تلوح عواصم أخرى، واشنطن واحدة منها إذا ما وقعت المواجهة، وتل أبيب ليست بعيدة أيضاً. لكن الأكيد أن انكفاء نظام الرئيس بشار الأسد عن الحدث اللبناني يؤشر إلى أن هذا النظام يحتضر وأنه لم يعد يستطيع القيام بالمهمة المؤسسة لوجوده.
لو أن فكرة ادعاء احتجاز الرئيس سعد الحريري في السعودية عُرضت على إبليس كسيناريو يتم من خلاله إلهاء اللبنانيين عن مضمون استقالته، فإنه -أي الشيطان- لم يكن «ليقبل بها»، وأظن أنه كان سينظر إلى صاحبها بشيء من الازدراء والاستغراب من التجرؤ ولو بالمزايدة على علاقة السعودية بالحريري، والعكس. إلا أن خبراً ملفقاً كهذا أخذ في الواقع حيزاً كبيراً من الزخم السياسي والإعلامي خلال الأيام الماضية، بعد أن استغلت فئة ترتيب السعوديين بيتهم الداخلي لتضرب ضربتها التي لم تكن في الحسبان، متخذة من تلك العلاقة الممتدة، بتاريخيتها ورمزيتها، ذريعة لوصم السعودية بالمراوغة، الشيء الوحيد الذي يعلم حتى «ألد» أعدائها بأنها لا تجيده، فلا أتصور أن الإيرانيين -على سبيل المثال- وهم يستمعون لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حين قال: «سننقل المعركة إلى أرضهم»، أنهم فهموا شيئاً آخر، سوى أن السعودية عاقدة العزم على دحر مشروعهم وفي عقر دارهم.
بالعودة إلى الرئيس الحريري، الذي كان يشير في خطابه إلى لبنان، فيما كان هناك من ينظر إلى يده بحثاً عن ساعته! فإنني شخصياً لا ألومه عندما بكى في لقائه التلفزيوني، فالذي «سُلب» من لبنان هو الحكمة، والعقل، وذلك أكبر من محاولات التعافي التي سعى إليها الحالمون. لذلك، فإن السياسة السعودية الحالية تجاه لبنان تبدو واقعية جداً بالنظر إلى منحنى الأحداث التصاعدي، الذي دعا السعوديين إلى أن يقرروا أخيراً رفع أيديهم بشكل كامل عن الذي لم يعد يسبب «وجع راس»، بل تعدى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. لبنان اليوم أصبح مبضعاً في غرفة جراحة إيران التي تقطّع جسد الدول العربية! لقد حوّل الإيرانيون تلك الشمعة التي كانت تضيء عتمة المنطقة برمتها إلى مكب للأحقاد، بإشراف مباشر من «حصان طروادة» أو «حزب الله» الذي استطاع الهرب إلى الأمام عبر نافذة الفهلوة السياسية التي يجيدها، فلم يبدُ مضطراً للإجابة عن دوافع استقالة الحريري، وأهمها أن الدولة تم اختطافها بسلاح الحزب الإرهابي الجاثم على صدر لبنان.
إن محاولات شيطنة السعودية التي يتبنّاها لبنان الرسمي هذه الأيام، لن تضرها في شيء، والأزمة القطرية خير شاهد، لكنها نكأت جرح الجحود العميق، الذي سعى السعوديون على مدار تاريخ العلاقة التي تربطهم بلبنان إلى تضميده، على رغم مدلولاته المهمة، وأبرزها أن النيات الحسنة لا مكان لها بين ألاعيب السياسة والمصالح الضيقة.
مثّلت استقالة الرئيس سعد الحريري طوق نجاة للسياسيين اللبنانيين، لو أنهم تعاملوا معها بعيداً من حظوظ النفس، التي من الواضح أنها تأتي عند أولئك في مرتبة أعلى من مرتبة لبنان، بلدهم! لقد أرادها الحريري أزمة انعتاق للبنان من طغيان «حزب الله»، وأدارها رسميو الدولة بعيداً من المسؤولية وفي شكل أزمة احتجاز، قبل أن يُسقط في أيديهم، عندما طار الحريري بملفات لبنان المثخنة إلى العالم أخيراً، بحثاً عن «التسوية» بمفهومه هو، وبدعم مباشر من السعودية، نحو لبنان جديد، منزوع المخالب الإيرانية.
اختلفت تقديرات المحللين والمعلقين حول الهدف من دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عقد قمة تجمعه إلى نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني في مدينة سوتشي على البحر الأسود يوم الأربعاء في 22 الجاري. ففي حين ذهبت تقديرات إلى القول إن الهدف من عقدها هو تطمين تركيا وإيران بعد صدور البيان الرئاسي الأميركي الروسي الذي لم يأت على ذكر دوريهما على الساحة السورية، ما يعني أن وجودهما هناك غير مرغوب فيه، عبر مناقشة الملف السوري معهما على الصعيدين الميداني والسياسي، واعتبار ذلك خير دليل على الاعتراف بدورهما ومتانة التنسيق الثلاثي ورسوخه، ذهبت تقديرات أخرى إلى أن الهدف من عقدها تعزيز الموقف الروسي في مواجهة التوجهات الأميركية الجديدة على الساحة السورية، التي عكستها إشارات عدة عبرت عن رغبة واشنطن في لعب دور وازن على الساحة السورية، عبر حصر الحل بمسار جنيف للمفاوضات، والإعلان عن بقاء قواتها هناك حتى يتحقق السلام، واقتراح آلية للحل تبدأ بنزع السلاح منطقة فمنطقة كي يسود الأمن والاستقرار، وفق إعلان وزير الدفاع الأميركي، عبر الاستقواء بهذه القمة ونتائجها.
لكن، وبغض النظر عن الهدف الحقيقي للدعوة إلى عقد هذه القمة، فإن مشكلتها ونقطة ضعفها ليست في طبيعة الهدف الكامن وراء الدعوة إلى عقدها بل في ضعف فرص الاتفاق على نتائج قوية وصلبة في ضوء الخلافات العميقة التي تخترق التفاهم الظاهر وتجوفه، والتي عكستها المواقف المعلنة للأطراف الثلاثة. موسكو، صاحبة الدعوة، القوة الرئيسة في الميدان، والموجه الفعلي لمسار آستانة، تناقش الوضع على الساحة السورية مع شريكيها وعينها على واشنطن، حيث الهدف الإستراتيجي إقناع الأخيرة بالقبول بروسيا دولة عظمى شريكة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، وهذا يدفعها إلى التعاطي مع شريكتيها بذرائعية وانتهازية فجة، تستخدمهما في ساحة المساومة مع واشنطن وتعمل على تحجيم دوريهما وتقليص حصتيهما من الكعكة السورية، إن لم يكن إخراجهما خاليي اليدين منها، لذا اتفقت مع واشنطن على إبعاد القوات الأجنبية، الإيرانية تحديداً، عن جنوب غربي سورية، وأنكرت ذلك عندما أعلنت واشنطن فحوى الاتفاق. اتفقت مع تركيا على خطة خفض التصعيد في محافظة إدلب وتصرّ على دعوة حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، يوم 2 كانون الأول (ديسمبر) المقبل وفق وكالة سبوتنيك، وهي تعلم أنها خطوة مرفوضة تركياً، وإن تركيا قد ارتضت تحمّل تبعات الانتشار في محافظة إدلب لأنها تمنحها فرصة تطويق قوات حماية الشعب في عفرين. تريد منهما موقفاً قوياً ضد الانتشار العسكري الأميركي على الساحة السورية، وهذا مغزى مشاركة رؤساء الأركان في الدول الثلاث في القمة، كي تصبح القوة الرئيسة والمقرر فيها.
تركيا بدورها تريد استثمار مسايرة شريكيها، وبخاصة روسيا، ولعب دور في موازنة الحضور والدور الأميركي في سورية في الحصول على ضوء أخضر روسي- إيراني في مهاجمة قوات حماية الشعب في عفرين ومنبج، وفق تصريحات الرئيس التركي والناطق باسمه إبراهيم كالين، والضغط عليهما في آن، لذا أشهرت في وجهيهما أوراقاً قوية بالدعوة إلى خروج كل القوات الأجنبية من سورية، وتحفظها على طبيعة دوريهما على الساحة السورية، قال الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين: «إن كلاً من موسكو وطهران تحاربان «داعش» بهدف ضمان بقاء نظام الأسد في الحكم»، و«إنه لا يعد شخصاً قادراً على منح السوريين حكومة ديموقراطية تمثل الجميع»، هذا إضافة إلى عملها على تقليص الهامش أمام روسيا في استثمار القمة عبر الإعلان عن «أنها امتداد لمحادثات آستانة، وليست بديلاً عن محادثات جنيف، ويجب تقييمها بوصفها عنصراً مكملاً لها»، وفق تصريح كالين، وذلك رداً على تلميحات روسية ببحث اعتماد مسار سياسي خاص بالدول الثلاث.
أما إيران، المتوجسة من تفاهم أميركي روسي يحد من دورها على الساحة السورية، تمهيداً لإخراجها منها، فتريد استمرار تنسيقها الميداني مع روسيا للحفاظ على زخم عملياتها العسكرية الذي يوفره الغطاء الجوي الروسي، من جهة، وتريد إضعاف مفاعيل اتفاقات خفض التصعيد، لأنها تضرب توجهها نحو حسم عسكري للصراع، بإطلاق عمليات عسكرية في تخومها أو عمقها، العملية العسكرية الواسعة في المثلث شرق سكة حديد الحجاز والغوطة الشرقية، أو الالتفاف على بنودها عبر تشكيل قوات مقاتلة تعمل تحت إمرتها في هذه المناطق مثل اللواء 313 في درعا، من جهة ثانية، وضرب فرص التفاهم الأميركي الروسي عبر التلويح بشن عملية عسكرية ضد قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً في الرقة، من جهة ثالثة، توافق على تحرك تركيا ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) لأن مشروعه يحد من هيمنتها على سورية، وتلوّح بالقيام بعملية عسكرية في محافظة إدلب وتسابقها على منطقة سنجار، من جهة رابعة، وهذا سيجعل الاتفاق مع شريكي القمة سطحياً وهشاً.
في بعض الأوقات يكون اندهاش المؤسسة الإخبارية، ببساطة، من الأشياء التي لا تخطئ. حصل ذلك قبل يومين عندما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية وللمرة الأولى إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الوجود الإيراني في سوريا "شرعي" جنبا إلى جنب، بطبيعة الحال، مع الوجود الروسي هناك – على النقيض من تواجد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا، والذي بحسب ما صرح به لافرورف، لا يعتبر شرعيا. أضفى إعلان لافرورف ذاك نوعا من المصداقية على فكرة أن السيناريو المهدد الذي حذر منه المعلقون الإسرائيليون في السنوات الأخيرة بات الآن يتحقق أمام أعيننا على الأرض.
وبذلك يكون المحور الذي يبدأ في إيران وينتهي على ساحل المتوسط في لبنان، والذي تسيطر عليه قوى طالما وصفتها إسرائيل بأنها أعداء شيطانية تسعى لتدميرها – إيران وحزب الله ونظام الأسد وغيرها – قد حصل الآن على ختم شرعية رسمي وعلني من قوة مثل روسيا. يصعب من وجهة النظر الإسرائيلية تخيل سيناريو أسوأ من هذا السيناريو.
يأتي التهديد المباشر والآني من طرف حزب الله. لم تتبدد بعد ذكريات حرب لبنان الثانية التي وقعت في عام 2006. حينها، وعلى مدى ما يزيد على شهر، لم يتمكن عشرات الآلاف من الجنود الإسرائيليين من التغلب على ما يقرب من ألف من مقاتلي حزب الله لمنعهم من الاستمرار في إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل وشل القطاع الشمالي بشكل كامل.
صحيح أن هناك في إسرائيل اليوم من يحاول تصوير تلك الحرب على أنها تكللت بالنجاح، بدليل أن حزب الله منذ ذلك الوقت لم يتحرك ضد إسرائيل عبر الحدود الشمالية، ولكن لا يعرف على وجه التأكيد ما إذا كانت القيادات العسكرية العليا في إسرائيل تعتقد ذلك بالفعل.
إلا أن المؤكد أن حزب الله، خلال ذلك الوقت، أصبح أقوى وأقدر. صرح مؤخراً وزير الإسكان يواف غالانت، الذي كاد أن يصبح رئيسا لهيئة الأركان، بأن حزب الله يمتلك مائة ألف صاروخ جاهزة للإطلاق، وهناك تقديرات أخرى تشير إلى أن العدد وصل إلى مائة وخمسين ألفاً. ما من شك في أن هذا رقم ضخم جدا.
من الواضح أنه حتى لو تمكنت الأنظمة الإسرائيلية المضادة للصواريخ من اعتراض بعضها، فإن كثيراً من هذه الصواريخ، فيما لو نشبت حرب حقيقية، سيصل إلى أهداف حيوية داخل إسرائيل. ويذكر أن حماس، التي تملك عدداً أقل بكثير من الصواريخ وبجودة أدنى بكثير، تمكنت من إغلاق مطار بن غوريون لمدة ثمانية وأربعين ساعة خلال الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014. لا يحتاج المرء لأن يكون متشائما حتى يفترض أنه فيما لو نشبت حرب حقيقية مع حزب الله الآن فإن النتيجة ستكون أسوأ بكثير.
عندما تورط زعيم حزب الله حسن نصر الله في القتال في سوريا لإنقاذ نظام الأسد، شعر المحللون الإسرائيليون بالارتياح. كانوا حينها يقولون: دعوه يبلي نفسه بنفسه، حيث أنه بذلك سيخسر مقاتليه ويفقد شعبيته، وبذلك لن يعود مصدر خطر على إسرائيل.
جاهز للحرب
ولكن يبدو اليوم أن النتيجة جاءت معاكسة تماما لما توقعوه أو تمنوه. صحيح أن حزب الله فقد ما يقرب من ألف مقاتل، وخسر بعضاً من الدعم الشعبي الذي كان يتمتع به في مختلف أرجاء العالم العربي حينما كان يقاتل إسرائيل، ولكنه يخرج من الحرب الأهلية السورية قوة عسكرية مجربة وقادرة على شن حرب حقيقية، وليس فقط مجرد قتال من النوع الذي يخوضه الفدائيون.
طفا على السطح قبل شهرين ما يمكن أن يعتبر دليلاً على أن حزب الله يُنظر إليه في إسرائيل على أنه "جيش صغير". وذلك حينما أجرى الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية وصفها بأنها "الأكبر خلال العشرين عاما الماضية"، بحسب ما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بمشاركة عشرات الآلاف من الجنود الذين كانت مهمتهم في تلك المناورات التعامل مع وضع افتراضي ينفذ فيه حزب الله اجتياحاً داخل الأراضي الإسرائيلية سعياً منه لاقتحام بعض البلدات الإسرائيلية.
نقل موقع واي نيت الإخباري عن ضابط إسرائيلي كبير القول بأن إسرائيل لن تسمح أبداً لحزب الله بأن يسيطر على أي أراض داخل إسرائيل. إلا أن مجرد أن يناقش الجيش الإسرائيلي مثل هذا الاحتمال يثبت مدى الجدية التي يتعاملون بها مع التهديد الذي يشكله حزب الله.
إلا أن المشكلة من وجهة النظر الإسرائيلية تكمن في أن ذلك لا يقتصر على حزب الله. فمنذ سنوات، ما فتئت إسرائيل تحذر من أن إيران هي مصدر الخطر الأكبر الذي لا يهدد وجود إسرائيل فحسب وإنما يهدد السلام في العالم بأسره.
هذا هو المنطق الذي اعتمده رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو طوال حياته المهنية، بل وحوله إلى حجر الزاوية في سياسة إسرائيل الخارجية وفي سياستها الدفاعية. والآن، وبعد إخفاقه في المحاولات التي بذلها لإفشال أو إبطال الاتفاق النووي مع إيران، يجد نتنياهو نفسه أمام قوات إيرانية تتواجد على مسافة لا تبعد عن حدود مرتفعات الجولان أكثر من خمسة كيلومترات.
مع ذلك، مازال لا يوجد داخل سوريا انتشار ذو بال للقوات العسكرية الإيرانية، ولم ينشئ سلاح الجو الإيراني قواعد له فيها. إلا أن نظرة خاطفة على الخارطة، وخاصة بعد أحدث انتصارات حققتها قوات الأسد في شرق سوريا وبعد سقوط تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، تظهر خطاً مباشراً يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا ثم إلى لبنان.
لا يفوت معلقو القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الفرصة كلما أمكنهم ذلك لاستعراض هذه الخارطة وشرح ما فيها من تهديد. وبدلا من أن يبقى نظرياً ومقتصراً في وجوده على خطابات نتنياهو في الأمم المتحدة، ها قد أصبح التهديد الإيراني واقعاً ملموساً وعلى مرمى حجر.
فشل الصداقة مع بوتين
رأي نتنياهو هذه المشكلة تقترب، ويبدو أنه اعتقد بأنه سينجح في موازنة قوة إيران المتزايدة من خلال روسيا. ولذلك استثمر في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر مما استثمر في أي زعيم آخر في العالم، حيث اجتمع به ما يزيد عن ست مرات خلال العامين المنصرمين.
وعلى الرغم من أن العلاقة الشخصي بين الرجلين قد تكون جيدة، وهذا ما تفاخر به نتنياهو في كل فرصة سانحة، إلا أن ذلك لا قيمة له من الناحية السياسية. لا يملك المرء إلا أن يخمن ما الذي شعر به نتنياهو وهو يسمع وزير الخارجية الروسي يتحدث عن "شرعية" الوجود الإيراني في سوريا. لربما أفضل وصف لذلك هو ما يتولد لديك من شعور حينما يبصق أحدهم في وجهك.
وخلاصة القول هي أن الخيار الذي تواجهه إسرائيل الآن ليس بسيطا. الانطباع السائد هو أن ائتلاف حزب الله وإيران مصدر خطر حقيقي، وحينما تستقر أوضاع نظام الأسد، وكل المعطيات تشير إلى أن ذلك حاصل لا محالة، فسوف يصبح الجيش السوري عاملاً آخر يضاف إلى هذه المعادلة التهديدية. ثم تأتي المظلة الروسية لتعزز من قوة هذا المحور. في هذه الأثناء، يمكن للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يستمر في التغريد عبر تويتر، وبشكل متزايد، حول إيران، إلا أن تهديداته لا أثر لها إطلاقاً في عالم الواقع.
بحسب ما يمليه المنطق البسيط، ينبغي على إسرائيل أن تتصرف الآن، وقبل أن يستمد هذا المحور مزيداً من القوة والتمكين. ما فتئت إسرائيل ترسل إشارات تفيد بأن ذلك بالضبط هو ما تنوي فعله. وكانت تلك هي الرسالة المقصودة من عشرات الهجمات التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف سورية على مدى العامين الماضيين.
أعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان فقط هذا الخميس بأن إسرائيل لن تسمح لإيران بأن تبقى في سوريا ولن تسمح لسوريا بأن تتحول إلى موقع متقدم ضد إسرائيل. لم يعط ليبرمان تفاصيل حول الآلية التي ستمنع إسرائيل هذه العملية من خلالها، مع أن التهديد باستخدام القوة واضح في كلامه.
فهل إسرائيل على طريق شن حرب ضد حزب الله في لبنان أو ضد القوات الإيرانية في سوريا؟ بناء على ما يرد في التغطية الإخبارية للتلفزيون الإسرائيلي، هذا ما ترغب المملكة العربية السعودية في أن تقوم به إسرائيل، وتلك هي الطريقة التي فسر بها المعلقون الإسرائيليون التهديدات السافرة التي صدرت عن المملكة العربية السعودية ضد حزب الله وضد لبنان بعد "استقالة" سعد الحريري من موقعه كرئيس لوزراء لبنان. فالجيش السعودي، الذي يتكبد الهزيمة في اليمن المجاورة، ليس بإمكانه في الواقع أن يشكل أي تهديد للبنان عن بعد. أما إسرائيل، فبإمكانها أن تفعل ذلك خدمة للسعوديين.
ما يوجد لدينا هنا في الظاهر هو عبارة عن فرصة نادرة: حرب إسرائيلية ضد بلد عربي بدعم كامل ومكشوف من المملكة العربية السعودية، ومن الدول الخليجية وربما أيضاً من مصر.
يندر لمثل هذه الحالة أن تتكرر. في عام 1982، ظن رئيس الوزراء مناحيم بيغن أنه كان يملك الحرية الكاملة في أن يعمل ضد الدول العربية الأخرى كيفما شاء، وكان ذلك أحد الأسباب التي سمحت له بشن حرب على منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. أما في الظرف الحالي، فلا يبدو مؤكداً ما إذا كانت إسرائيل على وشك استغلال هذه الفرصة.
مع كل التقدير والاحترام لأهمية العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لا تجد في إسرائيل من يتحمس لسفك الدماء خدمة لمصالح ولي العهد محمد بن سلمان. كما أن نتنياهو يدرك جيداً أنه حتى لو لم تكن الحكومة السعودية تأبه في واقع الأمر بالفلسطينيين إلا أن الرأي العام في المملكة العربية السعودية وفي العالم العربي قاطبة لن يسمح للسعوديين بإبرام تحالف وثيق مع إسرائيل دون أن تقدم الأخيرة تنازلات من نوع ما، حتى لو كانت شكلية ورمزية، لصالح القضية الفلسطينية. وبالنظر إلى وضعه السياسي الحالي في إسرائيل، لا يملك نتنياهو دفع مثل ذلك الثمن في الوقت الراهن.
إنهاء السلام
ومن وجهة نظر سياسية، هناك شيء آخر لا يقل أهمية عن ذلك. إن من أبرز إنجازات نتنياهو – فيما يتعلق بالرأي العام الإسرائيلي - الوضع الأمني الهادئ نسبياً الذي تحقق لإسرائيل خلال السنوات الثمان الماضية، أي منذ أن استلم السلطة للمرة الثانية.
ففيما عدا عملية الجرف الواقي في عام 2014، أحجم نتنياهو طوال فترات حكمة على مدى أحد عشر عاماً (بما في ذلك فترته الأولى ما بين عام 1996 وعام 1999)، عن القيام بأي حملات عسكرية واسعة النطاق. ولنقارن ذلك بما فعله سلفه في رئاسة الوزراء، إيهود أولمرت، الذي شن حربين كبيرتين خلال عامين، إحداهما في لبنان عام 2006 والأخرى في غزة عام 2008، وتمخض عنهما مقتل ما يزيد عن 2500 لبناني وفلسطيني وإسرائيلي.
وكما تم التنويه به، من شأن أي مواجهة عسكرية مع حزب الله أن تضر بسجل نتنياهو، وليس فقط لأن حزب الله طور قدراته وعزز من إمكانياته وليس فقط لأنه تمكن من الحصول على عشرات الآلاف من الصواريخ.
وإنما لأن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه إذا ما هوجم حزب الله في لبنان، فإن رد الفعل لن يأتي فقط من لبنان بل وأيضاً من سوريا حيث يتواجد حزب الله هناك بكثافة. ولعله لهذا السبب لم تعد إسرائيل تتحدث عن "الجبهة اللبنانية" وإنما عن "الجبهة الشمالية"، أي لبنان وسوريا معاً.
إذن، نعود ونكرر التأكيد على أن المعضلة ليست بسيطة. فرغم كل المصاعب والأخطار، تتمتع إسرائيل حاليا بتفوق عسكري واضح على حزب الله، طالما أن الجيش السوري بقيادة الأسد لا يكاد يتواجد هناك، وطالما أن إيران لم تنشئ بعد قواعد لها في سوريا. إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير خلال العامين أو الثلاثة أعوام القادمة لغير صالح إسرائيل، وبناء عليه فثمة منطق في اغتنام الفرصة والتحرك على المدى القريب.
والعامل الآخر الذي يؤثر في صناعة القرار هو الاحتمال الكبير بأن تنظم انتخابات خلال النصف الأول من عام 2018 بسبب التحقيقات الجنائية التي تجري ضد نتنياهو، الأمر الذي قد يدفعه إلى المجازفة وخوض مواجهة عسكرية، ظنا منه بأن الرأي العام سيتوحد من ورائه وسيدعم الحكومة أثناء الحرب. ومع كل ذلك، ولو كان للمرء أن يخمن، فالأغلب أن إسرائيل ستختار الانتظار، فالمراهنة على الحرب في هذا الوقت بالذات يمكن أن تكون تكاليفه باهظة.
تبرق وترعد إسرائيل، لكن المطر في حالة احتباس. ومرّت فصول كثيرة ما بين صيف وربيع كانت إسرائيل خلالها تضرب مواعيد الحرب القادمة ضد إيران وحزب الله، وكانت في كل مرة توحي بأن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، فالخطر الإيراني صار محدقا، بل إنه بات يقرع أبواب إسرائيل الشمالية.
إسرائيل لم تعد دولة حروب كبيرة. عسكرها ومجتمعها تغيرا كثيراً، وجيل الحروب رحل ولم يبق منه أحد يروي للأجيال الجديدة حماس ذلك الجيل لتوسيع مساحة إسرائيل وإخضاع العرب المجاورين.. حينذاك كان الإسرائيلي يعمل بأكثر من محرك، ديني وقومي واستعماري، ومحرك إثبات تفوق الشعب اليهودي عن غيره، وربما استنساخ تجربة الرجل الأبيض الذي كان يحارب من أجل تحضير الشعوب المتخلفة وتطويرها.
يدفع فائض القوّة، أو فائض الضعف لدى الخصم، إلى ترف البحث عن مبررات لشن الحروب، حيث تصبح المبادرة بحد ذاتها دلالة تفوّق. وعلى العكس من ذلك، يدفع الضعف إلى البحث عن معوقات المبادرة ومبررات القعود وتضخيمها إلى أبعد الحدود، ثم التلطي خلفها بانتظار أن تتغير المعطيات وتنحرف المقادير.
نعم إسرائيل ضعفت، ولم تعد قادرة على حمل أعباء حرب أو الالتزام بالاستحقاقات التي ترتبها. ثمّة أعطاب كثيرة بنيوية أوصلتها إلى هذه المرحلة؛ تبدأ من المتغيرات الإيديولوجية وانخراط المجتمع الإسرائيلي بمجتمع العولمة العالمي وشبكاته المتداخلة واندماجه في هموم وطموحات هذا المجتمع، ولا تنتهي عند المتغيرات الإقليمية والدولية في ساحة الصراع الشرق أوسطية.
ولا يمكن القياس على نشاط إسرائيل، في السنوات السابقة، عبر تنفيذ ضربات هنا وهناك ضد مواقع حزب الله وقوافله، ذلك أن إسرائيل كانت تدرك ان نسبة الأمان تتجاوز نسبة الخطر بكثير، كما أنها كانت تعرف أن تحالف إيران يخوض حربه المقدسة الحقيقة في قتل خصومه الإيديولوجيين في سوريا والعراق. وليس المقصود هنا تنظيم الدولة الإسلامية، بل شعوب سوريا والعراق التي ثارت ضد الأنظمة التي تدعمها إيران. وبكلام أدق: الأنظمة القريبة من العقيدة الدينية لإيران.
ولا يعني ضعف إسرائيل وترددها أن الطرف الخصم بات أكثر قوّة منها. على العكس من ذلك، فجميع الأطراف التي انخرطت في الحرب السورية مستهلكة ومستنزفة إلى حد بعيد، وهي تتجنب أي صدام مع إسرائيل في الوقت الراهن، وربما بعد سنوات، ذلك أن قوتها باتت بحاجة إلى إعادة ترميم طويل المدى لتصبح قادرة على إستيعاب أي هجوم إسرائيلي محتمل وتقليل خسائرها بمواجهته. لكن الفارق أن هذه الأطراف ليست مضطرة لخوض حرب على إسرائيل، وهي تجد البدائل من خلال تعزيز وجودها في سوريا وزيادة هواجس إسرائيل ودفعها إلى وضعية الاستنفار الدائمة. ووفق هذه المعادلة، فإن إسرائيل تصبح خاسرة ومستنزفة فيما وضعيتها الاستراتيجية تتراجع، ومعها تنخفض قوّة ردعها.
لم تخف إسرائيل، سواء عبر تقديراتها الاستراتيجية أو من خلال تحليلات صحفها، هذه الحقائق، وتعرف أن كل يوم زيادة في البقاء ضمن هذه المعادلة هو خسارة كبرى لها، حيث يتم قضم مساحة الأمان التي كانت تمتلكها وتضييقها إلى أبعد الحدود. ويقوم الطرف الآخر (إيران وحزب الله) بهندسة مسرح العمليات السوري بشكل ممنهج وتراكمي، عبر تشكيل ألوية وكتائب جديدة، وبناء خطوط دفاعية وقواعد عسكرية، والتي من الممكن تحوّلها إلى معطيات ثابتة في الجبهات المقابلة لإسرائيل.
ومن الواضح، أن إسرائيل، وبالإضافة للمعوقات الداخلية التي تمنعها من شن حرب لتغيير المعادلة؛ حيث لم تعد الغارات المنفردة كافية لتغيير هذه المعادلة بعد أن وسّع تحالف إيران نشاطاته في سوريا، تراهن أو تنتظر تحقّق أمرين لا يبدوان متاحين في التحليل الواقعي:
تنتظر إسرائيل تحقّق أمرين لا يبدوان متاحين: تكفّل أمريكا باستحقاقات الحرب، دبلوماسيا وعسكريا، والحصول على مكافأة إقليمية من الدول العربية
- تكفّل أمريكا باستحقاقات الحرب، أو الجزء الأكبر منها، دبلوماسيا وعسكريا، وحتى بشريا إن أمكن، عبر المشاركة بألوية عسكرية، وذلك لسد النواقص والثغرات الموجودة في قطاعات الجيش الإسرائيلي، والتي كشفت عنها المناورات الأخيرة، وخاصة قطاع السلاح البري وقوّة الاقتحام. وهذا أمر لا يبدو ممكناً في الظروف الحالية، وفي ظل انشغال أمريكا بأزمات عديدة، وحالة الفوضى التي تضرب نظامها السياسي، فضلا عن المزاج الأمريكي الذي لم يعد يفضل الحروب، وبات يبحث عن أي ذريعة للابتعاد عنها، حتى لو مع خسائر معنوية وسياسية.
- انتظار حصول إسرائيل على مكافأة إقليمية من الدول العربية، كأن يتنازل لها العرب بشكل نهائي عن المطالبة بحقوق الفلسطينيين والاعتراف لها بالسيادة عن الجولان، وهو أمر لا يستطيع أحد من العرب التعاطي معه بالبساطة التي تطرحها إسرائيل. وبالرغم من تحمّس نخب وقطاعات عربية كثيرة لقمع التمدد الإيراني في المنطقة، لكن شرط ألا يكون ثمن ذلك إطلاق يد إسرائيل في المنطقة.
على ذلك، فإن حال المراوحة في المنطقة باقية لأجل طويل، وقد تتكيف جميع الأطراف مع حالة الصراع المضبوط بدرجة كبيرة ولا تنزلق إلى حرب ساخنة، إلا في حال وقوع أحد الأطراف في خطأ تقديري أو حصول حادث خارج عن السيطرة.