مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٧ فبراير ٢٠١٨
ثلاث هزات لروسيا في سوريا

في أقل من شهر، تلقت موسكو ثلاث هزات في سوريا. الأولى كانت عسكرية، عندما تعرضت قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية لهجوم بالطائرات المسيرة عن بعد (درونز)، حيث أكدت وسائل إعلام روسية أن الهجوم حقق إصابات مباشرة في حميميم، وتسبب بإخراج سبع مقاتلات جوية من الخدمة. واللافت أن الهجوم جاء بعد أسابيع من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقاعدة، وإعلانه النصر في الحرب السورية، ما يسمح باعتبار الهجوم رسالة للكرملين بأنه استعجل إعلانه الانتصار العسكري، في الوقت الذي تستطيع فيه المعارضة السورية المسلحة - لو توفرت لها الإمكانيات - أن تكسر ربما هيبة موسكو العسكرية، بالوصول إلى قواعدها الرئيسية.

أما الهزة الثانية، فكانت سياسية بامتياز، بعدما رفضت الدول الكبرى، ومعها الدول الإقليمية المؤثرة، إعطاء شرعية دولية لمؤتمر سوتشي للحل، الذي قاطعته الهيئة العليا للمفاوضات، ما أدى إلى تحويله لمؤتمر بين موالين للنظام ومعارضين له، يجمعهم في سوتشي تأييدهم للتدخل الروسي، وقبولهم بالحل تحت سقف الأسد. وقد واجهت موسكو تحديات سياسية من قبل المجتمع الدولي قبل وصول الوفود المشاركة إلى سوتشي، بعد إعلان أميركا وفرنسا وبريطانيا ودول إقليمية أخرى عن مشروعها للحل في سوريا، الذي يعيد الاعتبار لمفاوضات جنيف ولقرارات الشرعية الدولية.

وعلى الرغم من أن مشروع الدول الخمس ربط رحيل الأسد بالمرحلة الانتقالية والانتخابات، فإنه طالب بنقل صلاحيات الرئيس إلى الحكومة والبرلمان، وهو ما يرفضه الروس لاعتبارات تربط مصالحهم في سوريا بمنظمة أمنية عسكرية تتطلب أن تبقى تحت إشراف رئيس الجمهورية. فبالنسبة لموسكو، فإن قبول إبقاء الأسد من دون صلاحيات لا يوازي القبول بحكومة وبرلمان لا يمكن ضمان موقفهما من الدور الروسي في سوريا ومستقبله، لذلك اعتبرت الدبلوماسية الروسية أن العرض هو محاولة استباقية لإفراغ مؤتمر سوتشي من محتواه.

أما الهزة الثالثة، فاعتباراتها استراتيجية لدى القيادة الروسية، وستؤدي إلى فتح جدل داخلي حول التحديات المقبلة، في حال تكررت عملية استخدام الصواريخ المضادة للطائرات في سوريا، وهو ما سيضاعف الهم الروسي من المقتلة السورية، في حال أثبتت التحقيقات أن الصاروخ الذي أسقط القاذفة الروسية «سو-25» من نوعية «ستينغر» الأميركية، ما يثير التساؤلات حول كيفية وصول هذا النوع من الصواريخ للمعارضة، وما سيجبر الروس على تغيير كثير من تكتيكاتهم العسكرية التي ستجبر طائراتهم الحربية على التحليق على ارتفاعات شاهقة، خوفاً من التعرض لهذا النوع من الصواريخ الفتاكة، ما سيفقدها عامل المناورة والقدرة على ضرب أهدافها بسهولة، وهذا ما قد يؤمن للمعارضة المسلحة وضعية دفاعية جيدة تساعدها على الصمود بوجه الهجوم الذي تنفذه روسيا جواً، وإيران براً، ضد محافظة إدلب. والمقلق لموسكو الآن أنه يمكن للطرف الذي زود المعارضة بهذا النوع من الصواريخ، أو سمح لها باستخدامها، أن يعتبر أن ذريعة الخوف من وصول الـ«ستينغر» إلى «داعش» أو «القاعدة» قد انتهت بعد هزيمة الإرهابيين في سوريا، وأن الطيران الروسي بات يؤمن غطاءً جوياً لطرف آخر تعتبر كثير من الدول أنه يشكل خطراً إرهابياً لا يقل خطورة عن تهديد «داعش».

في سنة 2012، اعترض وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل على البيان الختامي لمؤتمر «أصدقاء الشعب السوري»، الذي عقد في تونس بمشاركة أكثر من 100 دولة، بعدما لمس رفض الدول الغربية تزويد الجيش السوري الحر بسلاح نوعي يساعده على مواجهة آلة القتل التي يستخدمها الأسد بغطاء روسي إيراني، والتي تسببت بكم هائل من الدمار، وسمحت للأسد بالقيام بعملية إبادة جماعية تعرض لها الشعب السوري أمام مرأى الدول الغربية، التي بررت رفضها تزويد المعارضة بصواريخ أرض - جو بذريعة الخوف من وقوعها بيد متطرفين، ما أدى إلى تفوق الأسد جوياً، وقيامه بتدمير المدن فوق رؤوس قاطنيها، بمساعدة روسيا التي استخدمت قوتها الضاربة، ما أدى إلى قلب المعادلة العسكرية على الأرض لصالح إيران والأسد، إلا أن حادث «السوخوي» يأخذ بعداً جديداً يجعل الروس من جديد أسرى التجربة الأفغانية، التي استطاع فيها الأفغان قلب المعادلة، وهزيمة الجيش السوفياتي بعد 7 سنوات من احتلاله أفغانستان، عندما قررت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان تزويد المجاهدين الأفغان بصواريخ «ستينغر» التي قلبت المعادلة العسكرية، وأدت إلى خروج السوفيات مهزومين من أفغانستان.

الأيام المقبلة حبلى بالمفاجآت، ما بين الرد الروسي على الـ«ستينغر» وما تهيئه واشنطن من رد على استخدام الأسد لغاز الكلور، فيما باتت اتفاقيات خفض التصعيد ومناطق النفوذ بين القوى المتصارعة على كف عفرين وما بعدها.

اقرأ المزيد
٧ فبراير ٢٠١٨
ما بعد سوتشي: سقوط «السوخوي» والانتقامات الروسية

لم تنتظر موسكو اختتام مؤتمر سوتشي لتبدأ تنفيذ «تهديد حميميم» بالعودة رسمياً إلى التصعيد العسكري، خلافاً لنظرية «مناطق خفض التوتّر» التي روّجتها عنواناً لإنهاء الصراع في سورية، بضمانتها إلى جانب إيران وتركيا. وجاء إسقاط طائرة «سوخوي 25» ليطيّر صوابها، إذ يدشّن مرحلة جديدة في الحرب، وإذا رُبط بهجمات مطلع السنة لطائرات من دون طيار فوق قاعدتها المركزية فإنه مؤشّر إلى بداية استهداف مباشر للوجود الروسي في سورية. ولعل إعلان «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) مسؤوليتها عن العملية يزيد الأمر تعقيداً ويضع الروس في مواجهة مع تنظيم «القاعدة»، وقد يعيدهم بصيغة أو بأخرى، إذا تكرّرت الهجمات وتنوّعت أساليبها، الى أيام افغانية جهدوا كي يطردوها من ذاكرتهم. لا تعتقد موسكو بأنها إزاء «كابوس أفغاني» آخر، فالأطراف الإقليمية (إسرائيل، تركيا، إيران...) منخرطة في تعاون وتنسيق معها دفاعاً عن مصالحها، وظروف التدخّل الأميركي مختلفة لا تنافسها ولا تبحث عن مواجهة معها، إلا أنها لا تستطيع استبعاد استراتيجية أميركية لتوريطها في سورية، ولو بالتغاضي عن أسلحة نوعية تصل إلى أيدي إرهابيين تابعين بـ «القاعدة».

مع انتهاء مؤتمر سوتشي، الذي لم يكن «حواراً» بين السوريين بمقدار ما كان مبارزات كواليسية بين المتدخّلين الخارجيين، ولم يكن «سورياً» إلا بمن دُعوا الى حضوره بانتقاءات اعتباطية في معظمها، والأكيد أنه لم يكن محطة فاصلة بين الحرب والسلم بل يبدو على العكس كأنه دفع موسكو أكثر فأكثر إلى اعتماد الخيار العسكري الذي كان ولا يزال الخيار الأسدي- الإيراني الوحيد ولن يعارضه الروس، إلا أنهم أخضعوه لحساباتهم الخاصة سواء في التعاطي مع اللاعب الأميركي الذي لا يمكنهم تجاهله أو مع الأطراف الإقليمية. فمع كل جولة عسكرية بمجازرها وغازاتها السامة ودمارها الشامل كانت روسيا تعطي فرصة لـ «داعمي» المعارضة كي يقنعوها بالذهاب إلى جولة مفاوضات في جنيف لإبداء القبول بالتراجع والاستسلام وخصوصاً بالعودة إلى كنف نظام بشار الأسد، أي الى كنف الاحتلال/ الوصاية الروسي– الإيراني. وعدا أن هذه صيغة لا يمكن أن تقبلها أي معارضة، فإن «الداعمين» لا يرون فيها معادلة متوازنة. وبما أن مفاوضات جنيف تعرّضت لإفشال روسي مبرمج فقد دفعت موسكو بـ «البديل» في سوتشي، لتجد أن لدى شريكيها «الضامنين» التركي والإيراني وحليفها نظام دمشق من التحفّظات ما يفوق اعتراضات الدول الخمس التي أنذرتها بوجوب التزام مسار جنيف وبأنها لا تستطيع وحدها فرض حل سياسي.

لذلك اكتفت روسيا من مؤتمر سوتشي بـ «مكسب» عقده ولو فشلت في تحقيق الهدف الذي رسمته له، ولئلا يكون الفشل كاملاً فإنها أبرزت حضور «مبعوثها» الأممي ستافان دي ميستورا على أنه «رعاية» من الأمم المتحدة و»شرعية دولية» للمؤتمر، كما أظهرت «الاتفاق» على تشكيل «لجنة الاصلاح الدستوري» وكأنها تنازل تمكّنت من انتزاعه. لكن أحداً لا يعرف مَن اتفق مع مَن على هذه اللجنة، وهل المعني بها «اصلاح» دستور الأسد أم إعداد دستور جديد يتضمّن «تنازلات» في صلاحيات الرئيس لاجتذاب الدول الخمس المناوئة. هذه التساؤلات وغيرها تعني أن كل شيء سيتوقّف على كيفية استغلال موسكو هذه اللجنة، فالأرجح أنها ستستخدمها لاختراق مسار جنيف للتحكّم بالدستور واستطراداً بالانتخابات من دون «انتقال سياسي» يُتّفق عليه بالتفاوض وفقاً للقرار 2254، أو لمواصلة عرقلة المفاوضات والدفع عسكرياً وسياسياً إلى توافق جديد مع واشنطن لإطاحة القرار 2254 والتخلّي عن «هيئة الحكم الانتقالي». في الحالَين يبقى هدف روسيا واضحاً، وثابتاً لم يتغيّر: إمّا أن ترضخ المعارضة أو تستمرّ تصفيتها عسكرياً... وهذا ما يفسّر خلو البيان الختامي من أي إشارة إلى وقف إطلاق النار وفكّ الحصارات والإفراج عن المعتقلين وإيصال المساعدات الانسانية.

في ضوء ما تقدّم، ووسط نذر المواجهات التي تلوح في الأفق السوري، لم يعد أحد قادراً غداة مؤتمر سوتشي على توقّع استئناف مسار جنيف أعماله. فالرؤية السياسية تشوّشت، وليس واضحاً كيف سيوفّق دي ميستورا بين استكانته الطويلة للإملاءات الروسية ومتطلّبات مواءمة مهمته مع توجيهات «اللاورقة» التي تبنّتها الدول الخمس (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والسعودية والاردن). كان الصوت الأكثر خفوتاً، قبل محطة سوتشي وبعدها، هو لإيران ونظام الأسد اللذين اكتفيا بالتنسيق السرّي مع الروس، وبمعزل عن تركيا التي حدّدت لها موسكو مهمّة مختلفة تتمثّل خصوصاً بـ «إحضار» المعارضة الى سوتشي، وقد فعلت أنقرة ما تستطيعه فأرسلت وفداً لحضور المؤتمر، لكن بشروطه التي لم يقبلها الروس فبقي في المطار ثم غادر. لكن الضمانات المسبقة التي حصل عليها الأسد والإيرانيون لم تنعكس على المؤتمر بعدما خفّض الروس سقفه، أو في بيانه الختامي الذي تمكن قراءة العديد من نقاطه على أنها نقدٌ لـ «الدولة السابقة» وإدانة ملطّفة لسياسات الأسد وفشلها على أكثر من صعيد. وفي أي حال كان النظام أرسل ألفاً ومئتَين من مواليه و «معارضيه»، آملاً بأن يساهم المؤتمر في تلميعه واعادة تعويمه، لكن البنود المتعلقة بـ «الإصلاحات» المطلوبة خصوصاً في الجيش والأجهزة الأمنية والمؤسسات كافة لم تكن ملائمة لطموحات الأسد.

لا يزال التقاء المصالح والتوافق مع طهران ودمشق على شكل الحل السياسي وتهميش المعارضة أجدى وأعمق من أن تخضعه موسكو للمساومة مع واشنطن طالما أنها لا تعرض أي صفقة، أو مع أنقرة التي تحافظ على أوراق لها عند أميركا وروسيا وتتعايش مع المحدّدات التي تضعانها لتدخّلها في سورية أو تحاول التمرّد عليها. وفيما يتقاطع بيان سوتشي و «اللاورقة» عند ترجيح أولوية الدستور (ثم الانتخابات)، كذلك عند تجاهل «هيئة الحكم الانتقالي» كما تطالب بها المعارضة، فهذا يعني بالنسبة إلى روسيا أن الدول الخمس اقتربت من أطروحتها بتخطّيها عقدة «مصير الأسد» وقبولها ضمنياً ببقائه. لكن الخلاف قائم على تصوّر «المرحلة الانتقالية»: فالروس يراهنون على «إصلاح دستوري» طفيف يحفظ للرئيس (أي الأسد) صلاحياته الجوهرية ويمكّنه من الاشراف على الحكومة وعلى الانتخابات، ما يطمئنهم الى التلاعب الحتمي بنتيجتها وبالتالي إلى أن مصالحهم مضمونة. أما الولايات المتحدة وحلفاؤها فيريدون دستوراً يوزّع جزءاً كبيراً من صلاحيات الرئيس بين رئيس الحكومة والبرلمان، ويفهمون الانتخابات كـ «إطار للانتقال السياسي»، بل يشترطون لإجرائها تهيئة «البيئة الآمنة والمحايدة» بوقف النار واطلاق المعتقلين و»انسحاب الميليشيات الأجنبية».

في أي حال، لم يثر الشعب السوري على استبداد النظام للحصول على نصٍّ دستوري جديد، فالمشكلة ليست في النصّ بل في تطبيقه لمنع الحاكم من مصادرته لتبرير استفراده مع عائلته وطائفته بالسلطة، بل هي في آلة القتل التي أنشأها النظام وحكم سورية بها محتقراً كل دستور أو قوانين. هذه الآلة لا تزال أولى المشكلات وستكون كفيلة بتبديد أي «بيئة آمنة» لإجراء انتخابات حقيقية. والمتعارف عليه أن أي دستور يتفق عليه بالمفاوضات سيكون بالضرورة لمرحلة انتقالية، أما الدستور النهائي والدائم فهو الذي يُصار إلى إعداده بعد الانتخابات. ليس هناك أي أساس جدّي أو هدف جوهري لمسار جنيف، إذا أتيح استئنافه، سوى الشروع في تفاوض مباشر للتوافق على مبدأ الانتقال السياسي وآلياته.

هذا ما تعرفه روسيا وإيران وتخشيان أن يمسّ لاحقاً بمصالحهما، وهذا ما يعرفه النظام مدركاً أن أي تفاوض حقيقي ومباشر سيطلق العدّ العكسي لنهايته. لذلك كان الخيار الأول والوحيد لهذه الأطراف الثلاثة أن تكون جولات جنيف لكسب الوقت والاعتماد على دي ميستورا للعبث بأجندة التفاوض وخلط أوراقها، تارةً بإثارة مشكلة تمثيل المعارضة وكأنها غير معروفة، وطوراً باشتراط أولوية البحث في مكافحة الارهاب وكأن المعارضة- وليس النظام- مسؤولة عن استشراء الإرهاب ومستفيدة من انتشاره، وأخيراً بمحاولة سوتشي لفرضها بديلاً من مسار جنيف، والمؤكّد أن محاولات أخرى ستُبذل، إذ لا يراد لهذه المفاوضات أن تنجح.

اقرأ المزيد
٧ فبراير ٢٠١٨
من الذي يواجه تركيا في شمال سوريا؟

"من الذي يقاتل ضد القوات التركية في عفرين؟"، و"من الذي يقتل جنودنا المشاركين في العملية العسكرية؟"، و"من هو عدونا في الحقيقة؟".. مثل هذه الأسئلة يطرحها الرأي العام التركي منذ انطلاق عملية غصن الزيتون، ويبحث عن أجوبتها، ويدور حولها نقاش ساخن في مختلف الأوساط. وما يدفع الأتراك إلى هذا التساؤل؛ هو الدعم السخي الذي تتلقاه وحدات حماية الشعب الكردية من جهات عديدة.

الأغلبية الساحقة في تركيا ترى أن الولايات المتحدة تأتي على رأس القوى التي تواجهها تركيا في شمال سوريا، وأن وحدات حماية الشعب الكردية ما هي إلا أداة من الأدوات التي تستخدمها الإدارة الأمريكية لتحقيق أهدافها في المنطقة. وهذا الرأي ليس مبنيا على معاداة أمريكا لأسباب أيديولوجية، بل يستند إلى أدلة قوية وقرائن ملموسة.

الإدارة الأمريكية، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي أطلقتها القيادة التركية، دعمت وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية بكل الوسائل، وساعدتها في توسيع نفوذها وبسط سيطرتها على مناطق واسعة في الأراضي السورية. وأرسلت إلى الإرهابيين حوالي خمسة آلاف شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر، بما فيها الأسلحة المتطورة، بحجة أنهم يقاتلون ضد تنظيم داعش الإرهابي. وها هي تلك الأسلحة تُوَجَّه اليوم ضد القوات التركية المشاركة في عملية غصن الزيتون، بل ويتم استخدامها في قصف المدن التركية المتاخمة للحدود.

رئاسة الأركان التركية أعلنت، السبت الماضي، استشهاد خمسة جنود أتراك، جراء استهداف الإرهابيين دبابة تركية في منطقة "شيخ خورز"، شمال شرق مدينة عفرين. وهناك آراء مختلفة حول منشأ الصاروخ الذي استخدمه الإرهابيون ومن الذي زوَّدهم به. هل هو صاروخ أمريكي أم روسي؟ وهل حصلوا عليه من الأمريكيين أو الروس أو النظام السوري؟

رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات صحفية أدلى بها قبيل زيارته لإيطاليا والفاتيكان، ذكر أن لدى السلطات التركية معلومات، ولكن التحقيقات لم تنتهِ بعد حول نوع الصاروخ الذي استخدمه الإرهابيون في استهداف الدبابة التركية، ووعد بكشف نتائج التحقيقات للجميع.

الصاروخ الذي استهدف به الإرهابيون الدبابة التركية في شمال سوريا قد يكون أمريكياً أو روسياً، أو من إنتاج أي بلد آخر، ولكن المسؤول الأول من مقتل الجنود الخمسة هو الجانب الأمريكي الذي أرسل إلى الإرهابيين خمسة آلاف شاحنة من الأسلحة والذخائر. وليس من المستبعد أن تكون بين تلك الأسلحة صواريخ مضادة للدبابات؛ تم شراؤها من بلاد أخرى، لإرسالها إلى وحدات حماية الشعب الكردية.

استطلاعات الرأي التي أجريت في تركيا مؤخرا؛ تشير إلى أن كراهية الولايات المتحدة في الشارع التركي بلغت ذروتها. وفي آخر استطلاع للرأي أجرته شركة "أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث" التركية، أكد 71.9 في المئة من المشاركين معارضتهم للولايات المتحدة، في ردهم على سؤال "هل تعتبر نفسك معارضا لأمريكا؟"، في حين ذكر 22.7 في المئة منهم أنه "معارض نوعا ما"، فيما أجاب 5.4 في المئة فقط بأنه "ليس معارضا" للولايات المتحدة الأمريكية.

أنقرة ستستقبل خلال أيام مسؤولين أمريكيين. ومن المتوقع أن يصل مستشار الأمن القومي الأمريكي هربرت ماكماستر العاصمة التركية نهاية الأسبوع الحالي، كما سيزورها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الأسبوع القادم. ومما لا شك فيه أن ملف عملية غصن الزيتون والتدخل التركي في شمال سوريا؛ هو الأول من بين الملفات التي سيبحثها الجانبان التركي والأمريكي خلال زيارتي ماكماستر وتيلرسون. وليس متوقعا أن تشهد العلاقات التركية الأمريكية المتأزمة أي تحسن في ظل انعدام الثقة. وهذا ما أشارت إليه تصريحات المتحدث باسم رئاسة الجمهورية التركية، إبراهين كالين، في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء في القصر الرئاسي بأنقرة، حيث قال إن الجانب التركي يبذل جهودا لإعادة بناء الثقة مع الولايات المتحدة، وأضاف أن إعادة الثقة بين البلدين منوطة بالخطوات الملموسة التي ستتخذها الإدارة الأمريكية على الأرض.

إن كانت الإدارة الأمريكية ترغب في إعادة الثقة بين أنقرة وواشنطن، وترميم العلاقات التركية الأمريكية، فالخطوات المطلوبة منها واضحة. ويمكن أن تبدأ بسحب الأسلحة التي قدمتها إلى وحدات حماية الشعب الكردية، من أيدي الإرهابيين، وإعادة هؤلاء من مدينة منبج إلى شرق الفرات.

اقرأ المزيد
٦ فبراير ٢٠١٨
مطلوب وقف الجرائم في سورية

من يتابع كوارث نتائج الحرب السورية على البلد وشعبه وجرائم رئيس اتفق العالم أنه باق في هذه المرحلة ولا يجب التطرق إلى رحيله من أجل الحل، يتساءل عن جدية قرارات مجلس الأمن وإلزامها بشأن استخدام السلاح الكيماوي. سمعنا في ٢٠١٣ أن الرئيس الأميركي باراك أوباما امتنع عن ضرب القواعد الجوية السورية وأنه في المقابل اتفق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن بشار الأسد وحكومته سيدمران السلاح الكيماوي. وتم تبني قرار في مجلس الأمن وضع جدول زمني لتسليم وتدمير السلاح الكيماوي تبعاً لقرار منظمة منع التسلح الكيماوي. وكما هو متوقع، لا بشار الأسد ولا فلاديمير بوتين يباليان بأي التزام دولي.

فمنع استخدام السلاح الكيمياوي في سورية كما قرارات اجتماعات آستانة حول ما سمي بالعمل من أجل تخفيف التصعيد في أماكن الحرب السورية القاتلة أصبحت أوهاماً. مراسل مجلة «بلد» الألمانية جليان روبكي الذي يغطي الحرب السورية غرد أن ٢٢ مدنياً معظمهم أولاد قد اختنقوا في شرق الغوطة جراء استخدام نظام الأسد غاز الكلورين الذي تم قصفه بصواريخ كاتيوشا روسية. وقد لعب النظام الإيراني دوراً مهماً في تزويد النظام السوري بغازات السارين والخردل. وقالت ممثلة الأمم المتحدة لشؤون نزع التسلح أمام مجلس الأمن أول من أمس أن منظمة منع استخدام السلاح الكيمياوي تدقق في استخدام النظام السوري السلاح الكيمياوي.

لكن في هذه الأثناء يقع الشعب السوري تحت قصف طائرات وصواريخ النظام الكيمياوية وغيرها. ويقول الدكتور زياد أليسا رئيس اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية لسورية، إن المدن السورية تتعرض لهجوم بمعدل كل ٢٤ ساعة وهي جرائم حرب تستهدف الأطباء الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى والمرضى. وتعرضت منطقة سراقب في إدلب إلى هجوم بالكلور.

وحدها فرنسا تحركت من أجل جمع دول تتخذ قرارات صارمة ضد استخدام السلاح الكيمياوي. وكان الرئيس ترامب قد أعلن لدى تسلمه منصبه أراد أن يظهر أنه مختلف عن سلفه أوباما وقصفت قواته مركزاً عسكرياً في سورية انطلق منه هجوم كيمياوي. بعد ذلك توقفت الولايات المتحدة عن الضغط ومنع الهجمات الكيماوية مكتفية بانتقاد الجانب الروسي لأنه لم يف بالتزامه.

إن ترك بشار الأسد يتصرف بمثل هذه الوحشية من دون أي رادع ما دامت روسيا وإيران راضيتين يمثل شكلاً من الإجرام العالمي بحق الشعب السوري. وينبغي أن يدرك التحالف الدولي ضد «داعش» أن هذا التنظيم من صناعة نظام سوري وحشي اعتمد القتل والتعذيب نهجاً له وأن «داعش» تعلم على أيديه الملطخة بالدماء، فالحرب ضد «داعش» لا يمكن أن تنتهي ما دام العالم يقبل بقاء الأسد وممارساته واستخباراته التي عرفها لبنان لعقود مريرة. وأمس، عندما كانت بريفي إيرينياك تتحدث أمام الرئيس ماكرون عن جريمة قتل زوجها كلود إيرينياك في كورسيكا، واستشهاد ماكرون بقول صديق زوجها إن نسيان الجريمة هو جريمة بحد ذاته كانت أذهان المراقب العربي تعود إلى جرائم النظام السوري القائمة في بلده حالياً والتي سبقتها جرائم شهداء لبنان الذين قاوموا عائلة الأسد منذ جريمة كمال جنبلاط أيام الأسد الأب ثم جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري في عهد الأسد الابن. ولسوء حظ سورية ولبنان فإن محاسبة المجرمين لم تتم ولن تتم لأن العالم يفضل التناسي لكن، وكما قال صديق كلود إيرينياك نسيان الجريمة هو جريمة. فليعِ المجتمع الدولي أن مسؤوليته إيقاف هذه الجرائم بقوة وحزم وليس عبر مؤتمرات عقيمة مثل سوتشي وآستانة وغيرهما من مسرحيات روسية عنوانها بحث عن حل سلمي وهي بالفعل تكريس موقع روسيا في سورية. أخطأ المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بالمشاركة في مسرحية سوتشي وكان التصعيد على الأرض في ذروته. فالمرجو من الإدارة الأميركية أن تعود إلى حزمها السابق عندما قصفت مراكز استخدام الكيمياوي لأن العقوبات لم تعد تكفي.

اقرأ المزيد
٦ فبراير ٢٠١٨
سورية الديموقراطية غير الطائفية!

منذ انطلاق الثورة السورية، وعلى امتداد منعطفاتها الصعبة ومحطاتها الحرجة، طرحت عشرات الأفكار والمبادرات ونوقش العديد من «السيناريوات» المحتملة، وكان «التقسيم» حاضراً في كل ذلك، يتقدم ويتأخر بحسب الوقائع على الأرض وزاوية النظرة وما تعتمده من مدافعات ومرافعات، وكان «سيناريو» التقسيم يستند في تحليله على فشل المعارضة والنظام في تحقيق انتصار يرغم المهزوم على الإذعان لشروط المنتصر، وزاد من قوة حجة القائلين به انتقال القضية من مسألة شعب ثار ضد جلاديه إلى «ملف دولي» دخل في تعقيد «المقايضات» الإقليمية والدولية، ولم يعد الهدف الأساس معالجة التناقض بين تلبية حق الشعب السوري في رفض الظلم وتمسك النظام بالبقاء.

ومن الواضح غياب العرب عما يجري الآن في سورية، كما تغيب المعارضة المستقلة عن المشاركة في تمثيلية «سورية الديموقراطية غير الطائفية القائمة على المواطن المتساوية» كما أعلن عنها «محركو العرائس» في سوتشي الروسية. وبات الحديث عن حلول تضمن وحدة الأراضي تحت ظل نظام ديموقراطي كلام لا يستحق الالتفات إليه، بل يثير الشفقة والاشمئزاز من رافعي لافتاته، فالواقع السوري يقول إن مشروع التقسيم يجري تنفيذه، عملياً، على أرض الواقع، فالمنطقة الشمالية، غرب نهر الفرات بين إقليم اسكندرون وجرابلس، تعمل فيها تركيا بهمة ونشاط للسيطرة عليها حماية لحدودها ومنع قيام أي وجود يتعارض مع هذه السيطرة، ومنطقة الساحل أصبحت تحت الوصاية الروسية بعد أن بنت فيها قواعدها البحرية والجوية، والولايات المتحدة تعمل، من خلال أدواتها الكردية، لإحكام سيطرتها على منطقة شرق الفرات لتبقى قريبة من العراق الذي لا تريد الخروج منه على رغم تغلغل إيران في مفاصله، وبقي نظام بشار، وغطاؤه الإيراني، مسيطراً على غالبية المدن الكبرى، على رغم ما يواجهه من جيوب مقاومة لم تمكنه روسيا من القضاء عليها قبل «ترتيب» الصورة الختامية وتوزيع المكاسب على العاملين النشطاء في الميدان، وهناك، على هذه الخريطة الممزقة، ندوب المنظمات الإرهابية والمتطرفة المتعاونة مع النظام، تعاطفاً أو خوفاً أو حاجة، موزعة على أكثر من بقعة، والجزء الوحيد الذي يبقى متأرجحاً حيران هو الجزء الجنوبي الذي لم يتقرر مصيره بعد، وهو أكثر أجزاء سورية تأثراً بما يجري على الساحة الفلسطينية.

هذه الخريطة الجغرافية والديموغرافية، هي ترجمة للمواقف السياسية للدول الموجودة على الأرض، فمنذ التحرك الروسي وخطواته العملية وتراجع الدور الأميركي وتبدل الموقف التركي، بعد سوء العلاقة مع واشنطن وآثارها على دول المنطقة ومواقعها من القضية وما يتصل بها من مسائل إقليمية، تحركت القوى الثلاث (روسيا - تركيا – إيران) لترتيب ملفات القضية، وتولت روسيا زمام المبادرة وجلست في مقعد القيادة للالتفاف على قرارات المجتمع الدولي ولحماية حلفائها الجدد والأقدمين من قرارات مجلس الأمن، ووعدهم بالحصول على ما يطمحون إليه، وكان من الواضح أن المرحلة اقتضت من كل طرف إعادة حساباته وتعديل مشاريعه وفق المعطيات الجديد، فطهران ستكتفي «بجائزتها» التي استماتت في سبيلها وجوعت الشعب الإيراني من أجلها وهي المحافظة على نظام الأقلية في دمشق، الذي يصل أسبابها بالضاحية الجنوبية في بيروت ويضمن استمرارها مع تثبيت الجسور الممتدة من بغداد، وهي في هذه المرحلة بدت وكأنها مقتنعة بما حصلت عليه من «القيادة الروسية» بعد أن كانت تريد «التهام» كل شيء وإظهار انتصارها على مفهوم «الأمن العربي» الذي فقد حقيقته وتأثيره على الواقع بسبب حال الضعف التي مزقت أوصاله وأوهنت عزائم أهله وفرقت كلمتهم.

وتركيا، التي أعلنت مراراً أنها لا تريد التوسع، سمح لها بالتحرك على الأرض السورية لتأمين ما تقول إنه ضرورة لأمن حدودها الجنوبية، وهي الحركة التي تضيف إلى علاقاتها مع الولايات المتحدة، عقداًَ جديدة تشجعها المواقف الروسية والإيحاء الإيراني الذي يستفيد من توتير العلاقة بين أنقرة وواشنطن في ظل التصعيد الذي يلوح به ترامب، وبدت أنقرة، في هذه المرحلة، بعد اختفاء العرب من المشهد، أنها مناصرة لجيش سورية الحر الممثل للمعارض المستقلة، وهي، في الحقيقة، لا تطمع في أكثر من تأمين حدودها الجنوبية والاحتفاظ بتفهم روسيا لهذا الهدف والالتقاء مع إيران في الموقف المعارض لقيام أي كيان كردي على حدودهما. وتبدو واشنطن، هي الأخرى، تريد نصيبها من «سورية المقسمة» في الواقع، المحتفظة بعنوان: «وحدة الأراضي»، على رغم أنها عملياً ماضية في سياسة أوباما الذي سلم كل الملف إلى بوتين في صفقة تتصل بأوروبا الشرقية.

ولا يحتاج المراقب إلى كبير جهد ليفهم لماذا اقتصرت المرحلة الأخيرة من ترتيب أوضاع سورية على روسيا وتركيا وإيران؟ ولماذا اختفى الصوت العربي من المشهد؟ الأمر في غاية الوضوح: القضية دخلت مرحلة «التصفية» وتقسيم الغنائم ومن ليس له قدرة على أخذ سهم فليس له مكان، حتى إن مسار المفاوضات الجديد «المفروض» على السوريين الذي بدأ بآستانة وذهب إلى «سوتشي» لم تراع فيه موسكو أصدقاءها العرب القدماء والمتطلعين إلى بناء علاقات جديدة معها، وتدعوهم إلى هذا المسار الذي ألغى، واقعياً، «مسلسل جنيف» الذي رعته الأمم المتحدة، وإذا بها تذهب لتعطي مؤتمر «سوتشي «مشروعية» أممية ما كان يتمتع بها، وتمهد ليكون بديلاً ينسف المبادئ المقررة منذ «جنيف1»!

أمام هذه الصورة يصبح الحديث عن سورية الديموقراطية الموحدة غير الطائفية المعتمدة على المواطنة المتساوية ضرباً من الأحلام والأماني أو العبث المراد به «الاستهلاك» والتغطية على عجز الأمم المتحدة وإطلاق يد روسيا، ومن قبل أن يسير في ركابها بحكم المصالح أو الظروف، لتمرير أجندة باتت ملامحها واضحة.

سورية «الديموقراطية القائمة على المواطنة المتساوية» تتطلب أكثر مما يجري حالياً على أرضها، تحتاج عودة الملايين المهجرين إلى بيوتهم ومناطقهم وإعادة بسط الأمن وتوفير الاستقرار إلى ربوعهم قبل الحديث عن أي ترتيبات تفضي إلى انتخابات، وإذا توافرت الأسباب الموضوعية لانتخابات حرة نزيهة فإن نتائجها، قطعاً، ستخالف التقسيم الواقع على الأرض، وهذا معناه، عملياً، أن «جوائز» المنتصرين ستذهب من أيديهم وهو مخالف لطبيعة الأشياء، فلن تفرط روسيا في مكاسبها، ولن تتنازل طهران عن «جائزتها»، وستتمسك تركيا بنصيبها، وتتشبث واشنطن بحق حلفائها الأكراد في ما تحت أيديهم. وهكذا يبدو التقسيم هو الواقع حتى وإن تغطى بعناوين الوحدة والمساواة.

اقرأ المزيد
٦ فبراير ٢٠١٨
كيف تُصاب دباباتنا بصواريخ صنعها "حلفاؤنا"؟

في الحقيقة نتلقى الضربات من الخلف..

لا أتحدث هنا عن الضربات في ميدان القتال، وإنما الضربات التي نتلقاها في الحقيقة من "حلفائنا".

على سبيل المثال، الصاروخ المضاد للدبابات "ميلان"، وهو إنتاج ألماني فرنسي مشترك..

قدمت الحكومة الألمانية ثلاثين قطعة من هذا السلاح إلى قوات البيشمركة في شمال العراق. وكتبت مجلة دير شبيغل في 2015 إن هذه الأسلحة انتقلت إلى يد حزب العمال الكردستاني.

وبحسب خبير الشؤون الدفاعية التركي محمد آغار فإن الحزب الإرهابي يمتلك 150 قطعة من هذا السلاح. فهل من الممكن تفسير الفارق الكبير في العدد بأن الحزب اشترى هذه الصواريخ من تجار السلاح؟

بحسب خبراء متابعين، فإن هذا النوع من الأسلحة لا يمكن أن يصل إلى أي تاجر سلاح كان، وحتى ما يصل منها لا يمكن بيعه إلى أي جهة دون إعلام ألمانيا.

فماذا يمكن أن يكون رد برلين، التي رفضت تحديث دبابات تركية بسبب عملية غصن الزيتون، على هذا التعليق؟ أم أن برلين لا تشعر بالإنزعاج حيال إصابة دبابات باعتها لحليف لها، على يد مجموعات إرهابية تستخدم سلاحًا من صنع ألمانيا؟

ليلة السبت الماضي نشر موقع "Anha" وهو من مؤسسات الدعاية التابعة لحزب العمال الكردستاني، مشهدًا ظهرت فيه مؤخرة أحد الأسلحة المضادة للدبابات، التي استخدمت في استهداف إحدى الدبابات التركية. ومن خلال هذا المشهد أُتيحت الفرصة لتحديد ما هية السلاح. الشيء الملفت للانتباه أن الموقع الرئيسي للدعاية للحزب الانفصالي نشر المشهد نفسه لكن دون أن يظهر السلاح المذكور فيه.

فما السبب يا ترى؟

يبدو أنه بات من الضروري إضافة صواريخ تاو أمريكية الصنع، وكونكروس روسية الصنع، والصواريخ الصينية إلى صواريخ ميلان.

من المعروف أيضًا أن الولايات المتحدة اشترت الأسلحة الروسية من بلدان حلف وارسو السابق، ومنحتها إلى حزب العمال الكردستاني.

يقف في مواجهتنا تنظيم إرهابي مقر قناته التلفزيونية في سلوفينيا، وموقع الدعاية الخاص به في هولندا، وتنتشر الجمعيات التي تؤمن له الدعم المالي والبشري في فرنسا وألمانيا.

الأمر الأكثر هزلية أو خزيًا هو أن جميع هذه الدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي.

ستواصل تركيا كفاحها لوحدها، حتى وإن استمر حلفاؤها بطعنها من الخلف..

اقرأ المزيد
٦ فبراير ٢٠١٨
الرؤية التركية للحل في سوريا

مع ازدحام الأجندات الدولية المتعلقة بحل الأزمة السوريةمن جنيف إلى أستانا إلى سوتشي، وفي ظل تعقّد الوضع الميداني وتعثّر المسار السياسي؛ تبرز أهمية الأدوار التي تلعبها كافة الأطراف الفاعلة والمؤثرة في القضية السورية.

تطور وأولويات


على مدى السنوات السبع الفائتة، بنت تركيا سياساتها إزاء القضية السورية اعتماداً على ثلاثة عوامل رئيسة؛ هي: تطورات المشهد الميداني، وتجليات المقاربة الدولية للأزمة، وانعكاسات الوضع الداخلي في تركيا.

بدأت الأحداث بسوريا في مارس/آذار 2011 على شكل احتجاجات شعبية، ما لبثت أن تطورت سريعاً إلى ثورة شعبية، ثم إلى ثورة مسلحة تأثُّراً بالتعامل الأمني من النظام والدعم الإقليمي الذي وصل إلى السوريين.

ومع تفاقم الخيار الأمني للنظام وارتفاع سقف التدخلات الخارجية؛ تحولت سوريا -بمرور السنوات- إلى حرب بالوكالة، ثم إلى ساحة صراع دولي بأيدٍ محلية وإقليمية، وتفلتت إمكانات الحل من أيدي السوريين وتعلقت بالمنابر الدولية.

وبناء على ذلك، وبالتفاعل مع عوامل أخرى مهمة؛ انتقل الموقف التركي وتدرّج من حث بشار الأسد على الإصلاح في البدايات الأولى مرفقاً مع دعم المطالب الشعبية، إلى تبني المعارضة السورية وتقديم الدعم لها ابتداءً من 2012، إلى المطالبة برحيل الأسد حتى 2015 حين تحولت إلى قبول الحل السياسي المتمثل في مسار جنيف ثم أستانا، بما شمله من رضا ضمني عن بقاء الأسد فترة انتقالية ولكن ليس في سوريا المستقبلية.

ليست تركيا قوة عظمى، لكنها أيضاً ليست دولة عادية وقليلة التأثير في القضية السورية. تملك أنقرة عدة أوراق قوة تجعل من الصعوبة بمكان استبعادها من آلية الحل في سوريا أو تجاهل مصالحها بالكامل.

فهي دولة إقليمية مؤثرة ومجاورة لسوريا، وحدودها المشتركة معها تعطيها الكثير من الميزات، إضافة لاستضافتها ثلاثة ملايين مواطن سوري على أراضيها. وتبقى أهم أوراق تركيا هي علاقاتها الجيدة ونفوذها لدى طيف واسع من المعارضة السورية السياسية والعسكرية، ووجودها العسكري بسوريا عبر "درع الفرات" والآن "غصن الزيتون".

تصوغ أنقرة موقفها من القضية السورية وسبل حلها وفق أولويات ثلاث: أولاها تأمين وقف إطلاق نار يشمل عموم الأراضي السورية، بما يشكّل الأرضية لحل سياسي، ويوقف استنزاف مختلف الأطراف، ويتيح الفرصة لعودة قسم مهم من اللاجئينالسوريين وبدء أعمال الإعمار.

الأولوية الثانية هي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع تفعيل سيناريوهات التقسيم والتجزئة، بما يخدم سوريا ودول الجوار وفي مقدمتها تركيا. بينما تتمثل الأولوية الثالثة في منع تشكيل دويلة أو ممر باسم القومية الكردية يديره حزب الاتحاد الديمقراطي أي الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المُدرَج على قوائم الإرهاب التركية والأميركية والأوروبية.

تعتبر أنقرة مشروع الدويلة الكردية خطراً مباشرا على أمنها القومي، باعتبارها حاجزاً سياسياً وجغرافياً بينها وبين سوريا والعالم العربي، وبما قد تمثله من منصة لإطلاق عمليات للعمال الكردستاني نحو أراضيها، كما حصل في شمال العراق منذحرب الخليج الثانية، إضافة لانعكاساتها السلبية على الملف الكردي داخل تركيا.

وهكذا، أصبح منع إنشاء الدويلة الكردية بوصلة للسياسة التركية بشأن سوريا، والناظم لمختلف القرارات والسياسات المتعلقة بها، خصوصاً عند المفاضلة بين المسارات والقرارات.

تدرك أنقرة أهمية التنسيق مع موسكولاستمرار وجودها على الأراضي السورية بشكل سلس ومقبول ودون تحديات حقيقية، خصوصاً في ظل إطلاقها عملية "غصن الزيتون" الدائرة حالياً، لكنها أيضاً تعرف أن علاقاتها الجيدة مع المعارضة السورية السياسية والعسكرية هي أهم أوراق قوتها على المدى البعيد.

ولذلك فهي تعمد إلى نوع من التوازن أو المواءمات بين تفاهماتها مع روسيا بما لا ينهي المعارضة تماماً، ودعمها للأخيرة بما لا يضر التفاهمات مع موسكو.

كذلك، تعي أنقرة أهمية وقف إطلاق النار واستتباب الأمن فيمناطق خفض التصعيد، لكن ليس على قاعدة غض النظر عن تقدم المشروع الكردي على حدودها الجنوبية، وهو المشروع الذي أثبتت تركيا أنها عازمة على عرقلته بغض النظر عن الظروف ومواقف مختلف الأطراف.

ومن منطلق أولوية مواجهة مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي؛ أتت عمليتا درع الفرات في أغسطس/آب 2016، وغصن الزيتون في يناير/كانون الثاني 2018، لمنع التواصل الجغرافي بين الكانتونات الكردية في الشمال السوري وتضييق مساحات سيطرتها الميدانية، وتأمين الحدود التركية، وتقويض مقومات إنشاء الدويلة، وقفل الباب أمام إمكانية وصولها لمياه البحر المتوسط كشرط رئيسي لاستقلالها التام.

رؤية مستقبلية


تبدو خيارات تركيا بالغة التعقيد على رقعة الشطرنج السورية؛ فهي متوجسة من شريكتها الإستراتيجية أميركا، ومضطرة للتفاهم مع خصمها التقليدي روسيا، ومنفتحة بشأن التعاون مع النظام السوري لمواجهة المشروع الانفصالي الكردي، ومرغمة على الموازنة بين حليفها الميداني (المعارضة السورية) وشريكها السياسي (موسكو)، الذي هو أيضاً وللمفارقة الداعم الرئيسي لخصم حليفها الميداني.

تبدو الأمور متناقضة ظاهرياً في سوريا، إذ يؤكد الجميع ضرورة ووحدانية الحل السياسي، بينما يسعون جميعاً لزيادة المكاسب الميدانية والانتصارات العسكرية، باعتبار أن مساحة السيطرة الميدانية تنعكس بشكل طردي على أوراق التفاوض في جنيف وأستانا ثم أخيراً في سوتشي.

ويبدو مؤتمر سوتشي مثالاً نموذجياً للحسابات الدقيقة التي تجريها أنقرة لمواقفها وكأنها تسير في حقل ألغام؛ فلا هي تريد إفشال المؤتمر ابتداءً بما يغضب الشريك الروسي، ولا يناسبها نجاحه تماماً بما يجمع كل الأوراق في يد موسكو.

والحل كان -فيما يبدو- مشاركة متدنية المستوى، وتنسيق مع المعارضة السورية للمشاركة المشروطة التي استحالت انسحاباً، وهو ما عنى انعقاد المؤتمر لإرضاء روسيا، لكن مع عدم إنجاحه ضماناً لموقف متوازن.

تتفق أنقرة مع موسكو على ضرورة الحل السياسي واستحالة الحسم العسكري، لكنها تريد ذلك وفق مسار جنيف وتحت مظلة الأمم المتحدة، وليس وفق مسار سوتشي وبرعاية روسية متفردة. وهو اختلاف جوهري ورئيسي ألقى بظلاله على مؤتمر سوتشي شكلاً ومضموناً وبجهود تركية واضحة البصمات، وهو أيضا مرشح للاستمرار والتكرر مستقبلاً.

والسبب الرئيسي في ذلك أن التفاهمات والتنسيق مع كل من روسيا وإيرانليسا مبنيّيْن على أسس تحالف إستراتيجي، بل على مصالح ومخاطر وهواجس مشتركة في مقدمتها معارضة السياسة الأميركية في سوريا.

ويعني ذلك أن الإطار الثلاثي بين أنقرة وموسكو وطهرانتكتيكي وليس إستراتيجياً، وسيبقى دوماً معرضاً لاحتمالات الاضطراب والتذبذب، خصوصاً أن التفاهمات مبنية على أسس الاختلاف والتمايز ودعم أطراف متناقضة في المشهد السوري.

ولكن، وفي ظل تمسك واشنطن بإستراتيجيتها القاضية بالبقاء مدة طويلة على الأرض السورية وبالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية؛ فإن الإطار الثلاثي مرشح لمزيد من تعميق التعاون، وهو ما يمكن أن يحمل على المدى البعيد أفقاً لتحالف إستراتيجي لمواجهة أميركا ومحورها في سوريا وربما المنطقة.

وبالعودة إلى أولوية أنقرة في سوريا، أي مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي؛ فإن غايتها حالياً هي تأمين عملية "غصن الزيتون" وإدامة شبكة الأمان السياسية لها، بالتفاهم والتنسيق مع روسيا وبدرجة أقل مع إيران.

إذ لا تستطيع أنقرة التخلي تماماً عن الحذر والركون للعلاقات الجيدة مع موسكو وطهران، باعتبار أن المواقف مرشحة دائماً للتبدل (كما حصل سابقاً) في ظل صراع المصالح والتحالفات المتشابكة. ويبقى سيناريو "التوريط" في عفرين أو غيرها قائماً كاحتمال بالنسبة لصانع القرار التركي، ولذلك تبدو خطواته في "غصن الزيتون" بطيئة بهدف التحوّط والحذر، وتجنباً لخسائر كبيرة في المدنيين كما تقول أنقرة.

ختاماً، تريد أنقرة حلاً سياسياً وفق مسار جنيف وتحت مظلة دولية، يأتي إثر هدوء ميداني شامل في سوريا، لكن دون مشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي المصنَّف لديها منظمة إرهابية. وتدرك تركيا أن عناصر القوة الميدانية، وليس العلاقات الدبلوماسية ولا التفاهمات السياسية، هي طريق الاشتراك في رسم المسار المستقبلي لسوريا.

سوريا المستقبلية بالنسبة لتركيا هي دولة تعددية موَّحدة دون تقسيم أو فدْرلة، بحكومة قوية قادرة على حماية حدودها وتأمين جيرانها، ومعترفة باستحقاقات الأمن القومي للجارة التركية، ومحتضنة لكل لاجئيها ونازحيها.

وإلى أن يتحقق ذلك، تسعى أنقرة لتحصين نفسها بنفسها، وحل مشاكلها بيدها، ومنع استهدافها بقواها الذاتية، والمناورة في مساحات الخلاف والاختلاف بين موسكو وواشنطن، أي بتطبيق القول المأثور الذي ردّده الرئيس التركي مراراً: "تركيا تقطع حبلها السُّرِّيَّ بنفسها".

اقرأ المزيد
٦ فبراير ٢٠١٨
عن سياسة أميركية جديدة في سورية

غابت السياسة الأميركية تماماً في سورية، في ظل هجمة عسكرية ودبلوماسية روسية، عبر سيطرتها التامة على مسار أستانة، وبناء تحالف سياسي – عسكري مع تركيا، لضمان تأثيرها على المعارضة السورية المسلحة في الشمال السوري. ولذلك، حاول وزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، في جامعة ستانفورد يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2018 تقديم ما أسماها سياسة الولايات المتحدة الجديدة تجاه سورية. في خطابٍ، مثل عودة محدودة للسياسة الأميركية في الملف السوري، لكنها تبدو محدودة وجزئية، إذ لم يتطرق الوزير لمسار أستانة، ولو أنه تحدث عن ضرورة الحفاظ على تخفيض العنف في مناطق خفض التصعيد، كما أقرتها مفاوضات أستانة. ولم يشر من قريب أو بعيد إلى مؤتمر سوتشي، في موقف يعكس تحفظاً أميركياً من خطوات روسيا الأحادية في فرض أجندتها السياسية على المسار السوري. حيث عملت روسيا، بشكل منهجي، على إفشال المفاوضات التي تعقدها الأمم المتحدة في جنيف، عبر دفع وفد النظام السوري إلى إثارة قضايا هامشية، وعدم الدخول بجدية في أية مفاوضات سياسية حقيقية بشأن المرحلة الانتقالية، أو الدستور أو الانتخابات، كما أقرها مجلس الأمن في القرار 2254.

 

في المقابل، وكما أن الخطاب حدد أهدافاً سياسية واضحة، مثل العمل على بناء سورية موحدة ومستقلة وديمقراطية، وضمان عودة اللاجئين، وتنفيذ القرار 2254، لم يشر تيلرسون إلى الخطوات التي يمكن أن تتبعها وزارته، لضمان تحقيق هذه الأهداف، في ظل سيطرة الجانب الروسي على المسار السياسي في أستانة، ولا جدوى المحادثات أو عقمها تماماً في جنيف، أظهر تيلرسون دعمه المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، لكنه لم يتحدث، لا بالسلب أو الإيجاب، عن مسار جنيف الذي لم يصبح له أي تأثير أو معنى، وهو حقيقة بحكم الميت، من دون رغبة الأطراف في إعلان ذلك. وفي الوقت نفسه، لم يشر الوزير الأميركي إلى أية خطوات دبلوماسية جديدة، يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة في المستقبل، لضمان تحقيق هذه الأهداف، وهو ما يدفع كثيرين إلى القول إن هذه الأهداف ربما تتحول تماماً إلى سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها الرئيس السابق، باراك أوباما، في أغسطس/ آب 2011، وهي أن الرئيس السوري، بشار الأسد، فقد شرعيته. وما زال المسؤولون الأميركيون يرددون الكلمات نفسها، من دون أن يكون لها معنى على صراع فقد فيه أكثر من نصف مليون سوري حياتهم، كما شرد أكثر من سبعة ملايين لاجئ، فضلاً عن أن نحو ثمانية ملايين نازح شردوا من بيوتهم وقراهم داخل سورية، ويمنع عليهم الخروج أو اللجوء، بسبب إغلاق دول الجوار حدودها مع سورية، ومنع عبور أي لاجئ إلى أراضيها منذ سنتين أو أكثر، بسبب استضافة هذه البلدان ملايين من اللاجئين، ولا تستطيع أن تتحمل أكثر من هذا العدد.

 

ولا شيء يظهر حجم المأساة السورية اليوم أكثر من تعداد الأرقام المخيفة التي تكشف واقع الاقتصاد السوري اليوم، فحسب الموازنة التي قدمتها الحكومة السورية أخيراً، تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 30 مليارا عام 2017. ولترتفع خسائر الحرب عن 275 مليار دولار بحسب إحصاءات سورية رسمية، وكلفة إعادة الإعمار عن 300 مليار دولار، بحسب منظمات دولية. ويقول تقرير للأمم المتحدة، صادر في سبتمبر/ أيلول 2017، إن نحو 85 % من السكان في سورية فقراء، منهم 6.7 ملايين سوري، يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون مساعدة إنسانية طارئة، بعد أن ارتفعت الأسعار بمعدل 1100% وتثبيت الأجور عند 30 ألف ليرة (نحو 75 دولارا). وذكرت دراسة البنك الدولي أن 6 من بين كل 10 سوريين في فقر مدقع. وفي السنوات الأربع الأولى، فقد نحو 538 ألف وظيفة سنوياً، ما نتج عنه وصول عدد السوريين الذين لا يعملون، أو غير المنخرطين في أي شكل من الدراسة أو التدريب، إلى 6.1 ملايين شخص. وبلغ معدل البطالة بين الشباب 78%، لتترتب، وعلى المدى الطويل، على هذا الخمول في النشاط خسارة جماعية لرأس المال البشري، ما يؤدي إلى نقص في المهارات.

 

وتوضح الأرقام أن سورية ربما تحتاج إلى أكثر من 30 عاماً للتعافي، والعودة إلى وضعها الاقتصادي ما قبل عام 2011. هذا إذا توقفت الحرب تماماً هذا العام، وبدأت عمليات إعادة الإعمار على قدم وساق، بعد ضمان الاستقرار الأمني بشكل تام، وفي كل الأراضي السورية. وكل متابع للحرب السورية يعرف أن كل هذه التمنيات هي من ضرب الخيال تماماً. ولذلك يبدو الشرط الذي كرّره تيلرسون أن الولايات المتحدة لن تساهم في جهود إعادة الإعمار في سورية إذا لم تبدأ المرحلة الانتقالية في سورية ما بعد الأسد مؤثراً للغاية، في ظل مؤشرات الاقتصاد السوري، سيما أن الموقف الأوروبي يساند هذا الموقف الأميركي ويدعمه، وهو ما ردّده وزير الخارجية الفرنسي. لكن يبقى السؤال إن نظام الأسد الذي اتخذ قراراً واضحاً في استخدام سلاح الجو السوري، بكل قدراته وإمكاناته لقصف القرى والمدن السورية، هل سيكترث لقدرته أو عدم قدرته على إعادة الإعمار، لا تبدو هذه الورقة ضاغطة بشكل كاف على نظام الأسد، ليقبل بالعروض السخية من الولايات المتحدة وأوروبا، من أجل تمويل عمليات إعادة الإعمار في المدن السورية المدمرة والمهجرة.

اقرأ المزيد
٥ فبراير ٢٠١٨
مساهمات الجيش السوري الحر خلال عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون

صرّح "ميهميت آكف بيركير" نائب الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري في ولاية "كلس" التركية ببيان لصحيفة "نيويورك تايمز" معلّقاً خلاله على عملية غصن الزيتون التي تنفذها القوات المسلحة التركية في بلدة عفرين السورية، وأفصح فيه عن معارضتهم للحرب إلى جانب صعوبة التعبير عن ذلك، لأن التعبير عن أي شعور ضد عملية عفرين في الزمن الذي ارتفع فيه الفخر الوطني سيؤدي إلى ردود فعل كبيرة.

وعند تحليل البيانات الصادرة عن نوّاب حزب الشعب الجمهوري ضد الجيش السوري الحر نتوصّل إلى النتيجة التالية:

يفرغ نوّاب حزب الشعب الجمهوري غضبهم على الجيش السوري الحر لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك تجاه القوات المسلحة التركية، ولا تقتصر المسألة على ذلك، بل يشير وصف نوّاب حزب الشعب الجمهوري لعناصر الجيش السوري الحر بـ "قطيع الكلاب" إلى وجود عداء عميق تجاه العرب أيضاً، إذ لا يوجد تفسير آخر لما وصفه النوّاب بحق الجيش السوري الحر الذي يضحي بدمائه إلى جانب تركيا، في حين لم يسبق أن استخدموا هذا التعبير في وصف بي كي كي الذي سفك دماء الشعب التركي لسنوات عديدة.

بحثت طويلاً عن سبب واقعي يفسر شعور الكراهية الذي ينمّيه حزب الشعب الجمهوري تجاه الجيش السوري الحر، في حين أن الأخير قد حارب إلى جانب القوات التركية في عملية درع الفرات ضد تنظيم داعش الإرهابي وقدم عشرات الشهداء خلالها، كما يستمر في الوقوف إلى جانب القوات المسلحة التركية خلال عملية غصن الزيتون ضد بي كي كي مقدماً العديد من الشهداء أيضاً، كما أنه لم يظهر أي تصرّف يتسبب بإزعاج الحكومة التركية، ويتخذ خطواته في ظل الإدارة التركية وتوقعاتها والاتجاهات التي حددتها مسبقاً، كما أظهرت التحليلات الأخيرة حول التطورات الجارية أن الجيش السوري الحر قد ساهم كثيراً في الحفاظ على أمان الأراضي التركية، ونظراً إلى هذا الواقع لم أتمكن من إيجاد سببا مقنع لهذا الحقد والغضب الذي عمّ في أرجاء حزب الشعب الجمهوري تجاه الجيش السوري الحر والعرب.

نحن نتحدث عن أشخاص يزعمون منذ عشرات السنين إلى الآن أن العرب قد خانوا القوات التركية خلال الحرب العالمية الأولى، ويظهرون عداءهم ل لعرب في كل فرصة، ونتيجة لذلك لا يبدون أي اهتمام للجيش السوري الحر الذي سار في المقدّمة وجعل من نفسه دروعاً بشريةً من أجل حماية القوات التركية خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.

يزعم حزب الشعب الجمهوري أن ذكر القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر في الإطار ذاته لا يليق بالجيش التركي، لكنهم لا يدركون أن تنفيذ عملية غصن الزيتون التي تهدف إلى تغيير النظام في بلدة عفرين يحتاج إلى التعاون مع السوريين أيضاً، لأن ذلك يمثل ضرورةً  سياسية واجتماعية ونفسية ودبلوماسية.

ونقلاً عن زعيم لحزب الشعب الجمهوري "كمال كليجدار أوغلو":

"يريدون تقديم النجاح الذي حققته القوات المسلحة التركية في الآونة الأخيرة لعناصر الجيش السوري الحر، لكن لماذا يختبئ الجيش التركي خلف الجيش السوري الحر؟ هذا أمر مزعج بالنسبة لنا، ونشعر بالأسى تجاه ذكر الجيش التركي إلى جانب الجيش السوري الحر، وإن أرادت الدولة التركية تنفيذ عملية عسكرية فيتوجّب عليها الاعتماد على قواتها المسلحة فقط دون التعاون مع أي جهة أخرى".

خلال عملية درع الفرات قدمت القوات المسلحة التركية ما يقارب الـ 70 شهيداً، في حين قدم الجيش السوري الحر ما يقارب الـ 60، أما خلال عملية غصن الزيتون فقد كان ثلاثة أرباع الشهداء ينتمون للجيش السوري الحر، نحن لا نفرّق بين الشهداء ونعتبرهم جميعاً في سبيل الله والإسلام، لكن حزب الشعب الجمهوري يفرّق بينهم.

لذلك يجدر بنا توجيه هذا السؤال لكليجدار أوغلو: ماذا كنتم ستفعلون لو أن الجيش السوري الحر لم يشارك في هذه العمليات وبالتالي كان جميع الشهداء من القوات التركية؟.. بالطبع كنتم ستلومون الحكومة التركية على دعمها للجيش السوري الحر منذ بداية الحرب في سوريا، كما ستثيرون الفوضى بحجة أن الجيش التركي ينفذ عملية عسكرية في الأراضي السورية بينما يكتفي الجيش السوري الحر بالمشاهدة.

اقرأ المزيد
٥ فبراير ٢٠١٨
أميركياً ... أسبوع ناجح لبوتين

لو كانت هناك حرب باردة بين روسيا والولايات المتحدة، لكان هذا الأسبوع سجل منعطف فوز للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظراً إلى حال التخبط الأميركي داخلياً بين أخطاء دونالد ترامب والانقسامات والسجال الدائر بين الاستخبارات ووزارة العدل من جهة والبيت الأبيض واليمين في الكونغرس من جهة أخرى.

أميركا بقوتها العسكرية والاقتصادية ليست في سباق مع روسيا كما كانت مع الاتحاد السوفياتي منذ أربعة عقود، إنما سياسياً فأن القوة العظمى شهدت تراجعاً ملحوظاً في موقعها سياسياً واستخباراتياً أمام موسكو في الأيام الأخيرة، انعكس في قرارات اتخذها البيت الأبيض ومشهد مليء بالفوضى داخلياً.

الإثنين الماضي كان موعد فرض عقوبات جديدة تطاول صناعات عسكرية روسية وشركات دولية تشتري منها، وذلك بحسب قانون «كاتسا» الذي صادق عليه الكونغرس في آب (أغسطس) الفائت لمعاقبة روسيا لتدخلها في الانتخابات الأميركية. كما دعا القانون إلى فضح أسماء ومسؤولين مقربين من بوتين وإصدار لائحة من وزارة الخزانة لتعريفهم. إنما خلافاً لما طلبه الكونغرس، تراجعت إدارة دونالد ترامب ولم تفرض عقوبات جديدة، واكتفت بإصدار لائحة بأسماء ١٣٦ شخصاً مقرباً من بوتين.

تفسير وزارة الخارجية الأميركية لعدم فرض العقوبات هو أن التهديد بفرضها يكفي اليوم ويشكل رادعاً قوياً بكبح روسيا وحشرها سياسياً واقتصادياً. في اليوم ذاته، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» مايكل بومبيو للإذاعة البريطانية، أن محاولات روسيا للتدخل والتجسس في الولايات المتحدة «لم تشهد تباطؤاً منذ ٢٠١٦» وتوقع أن تستمر هذه المحاولات في الانتخابات النصفية للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وهنا التناقض في منطق الإدارة، كيف تقول الخارجية إن لا حاجة لعقوبات جديدة لأن الحالية تردع روسيا، في حين تؤكد الاستخبارات أن روسيا ليست مقوضة اليوم ومحاولات تدخلها في الشأن الأميركي (السبب الأول للعقوبات) مستمرة؟

التفسير الأكثر إقناعاً لعدم فرض العقوبات هو تحاشي واشنطن التصعيد مع روسيا، وخض الواقع الأمني والحسابات الحالية سواء في أوكرانيا أو في سورية، وهو تزامن مع زيارة مدير الاستخبارات الروسية سيرجي ناريشكين إلى واشنطن ولقائه بومبيو.

مكسب روسيا الثاني هذا الأسبوع كان أقل وضوحاً ويأتي ضمنياً من السجال الداخلي الدائر أميركيا بين الاستخبارات الأميركية والجمهوريين في الكونغرس ومعهم البيت الأبيض حول ملف تدخل موسكو والتحقيق الفدرالي في ذلك. ترامب اختار كما سلفه ريتشارد نيكسون مواجهة مكتب التحقيق الفدرالي (أف بي آي) ورفع السرية عن مذكرة يوم الجمعة تفيد بأن المكتب اعتمد على مذكرة عميل بريطاني سابق موله الديموقراطيون لحوز معلومات حول روسيا وحملة ترامب.

مواجهة البيت الأبيض مع الاستخبارات بهذا الشكل العلني ما كان ليحلم بها بوتين منذ عامين، فهو لم ينجح فقط في التدخل في الانتخابات الأميركية بتغذية الانقسامات الداخلية، بل باتت هذه الانقسامات والمعارك الحزبية أشرس بعد الانتخابات، وأسلوب ترامب يقوض مباشرة عمل «أف بي آي» ووزارة العدل ويهدد صلابة المؤسسات الأميركية.

هذه المؤسسات الاستخباراتية والقضائية صمدت أمام ريتشارد نيكسون وأمام بيل كلينتون في معاركها وكان لها الكلمة الأخيرة، إنما المخاوف الأكبر اليوم هي من تمادي ترامب وسعيه إلى طرد أياً يقف بوجهه سواء كان المدير السابق لـ «أف بي آي» جايمس كومي أو مسؤولين في وزارة العدل أو المحقق روبرت مولر. ترامب يشن هجومه على «أف بي آي» بتغذية الانقسام الداخلي وفي ذلك نهج مثالي لروسيا.

الحصانة الوحيدة لدى الولايات المتحدة اليوم هي في دستورها ومؤسساتها القانونية، والتي لم ترضخ لأي رئيس مهما كان الانتماء الحزبي، وأخرجت نيكسون من البيت الأبيض وفضحت كلينتون حين كذب على الرأي العام. هذه المؤسسات هي الرادع الأقوى بوجه روسيا أو أي قوة أخرى تحاول الاستفادة من هشاشة وفوضى الصورة الداخلية الأميركية.

اقرأ المزيد
٥ فبراير ٢٠١٨
مؤتمر "طبعاً موافقون" في سوتشي

خلال الدقائق الأولى من الجلسة الافتتاحية لمؤتمر سوتشي 29 يناير، دعا رئيس الجلسة، التاجر الدمشقي ورئيس غرفة تجارة دمشق، غسان القلاع، أمام 1300 مدعو من وصفهم باللجنة الرئاسية للصعود إلى المنصة، بدأ الرجل يتلو الأسماء واحداً تلو الآخر، كان واضحاً أن القلاع ذاته لم يطلع على هذه الأسماء العشرة سابقاً، شعر القلاع أمام ألفين وست مئة عين محدقة إليه ومتعجبة من القرار السريع الذي اتخذ على حين غرة بأن ما قام به ولو شكلياً ليس مستساغاً، فطلب منهم أمام عدسات وسائل الإعلام "وعلى ما يبدو بمبادرة شخصية" أن يقولوا نعم إن كانوا موافقين، أجاب العشرات منهم باللكنة السورية "طبعاً موافقين"، هز الرجل رأسه وتمم البيعة بلحظات، ولم ينسَ أن يشيح بيده مقللاً من أهمية موافقة كل مكونات المجتمع السوري" كما وصفتهم روسيا".

عبارة "طبعاً موافقين" دون اعتراض واحد يبدو أنها اختصرت مهام المدعوين الوطنية والتاريخية في سوتشي، فهم - أي المدعوون - لن يعودوا إلى سوتشي لاحقاً، لن تنشر روسيا طائراتها مجدداً لاستقدامهم والاحتفاء بهم بلافتات ترحيبية في المطار وحقائب قماشية تحمل شعار المؤتمر وزعت عليهم ليشعروا بأهمية دورهم الحساس المتمثل بالموافقة، بالنسبة لروسيا ستلعب اللجنة الرئاسية لسوتشي، بدعم منها، دوراً مستقبلياً كبيراً في الحل السياسي، وفقاً لرؤيتها لذلك الحل، وهو ما سيكون على أقل تقدير أكثر استقلالية لها من قدرتها على التأثير على وفدي النظام والمعارضة رغم ما تملكه من نفوذ عليهما، ما جرى هو ولادة مرجعية سورية بيدها مئة بالمئة، عمدتها بـ 1300 موافق، وهو عدد لم يحظَ به أي مؤتمر سوري آخر منذ 7 سنوات، ستستخدم هذه المرجعية لسنوات قادمة بما لا يقف عند البيان الختامي الصوري الذي صدر ويتعدى رعايتها لنظام الأسد.

بدا واضحاً بالنسبة لنا كصحافيين أتينا لتغطية الحدث السوري الروسي بعد اختتام المؤتمر أن المشهد المهيب له كان أكثر أهمية - على عكس ما كنا نعتقد سابقاً - من مشاركة أطراف سياسية بعينها، لا سيما أن جهود روسيا في إشراك المعارضة كان مشكوكاً بها، فروسيا لم تقدم طيلة اجتماعاتها المطولة مع وفد الهيئة التفاوضية السورية في فيينا يومي 25 و26 يناير أي شيء ملموس لتثني المعارضة عن موقفها، واكتفت بإطلاق سيل من التهديد والوعيد في حال لم تشارك، كما لم تخفِ موسكو عدم اكتراثها بالبيان الختامي، وعليه صدر بقالب غزل غير مسبوق لدي ميستورا، جددت فيه روسيا التزامها - سياسياً - بدور الأمم المتحدة بقضية الدستور السوري لإرضاء المبعوث الأممي، وهو ما لم يكن منسجماً مع موقف نظام الأسد، لدرجة أن ممثليه في سوتشي "الكثر" لم يخفوا امتعاضهم، معتبرين ذلك اعترافاً بانتداب أممي لسوريا، لكن امتعاضهم هذا لم يدم طويلاً في وجه القرار الروسي، وعادوا مجدداً للعب الدور المناط بهم بالموافقة.

انتهى المؤتمر ببيان مقتضب من دي ميستورا، أعلن فيه مباركته للطفل الروسي - السوري، ثم توجه المدعوون الـ 1300 بعد ذلك لمأدبة عشاء ضخمة عقدت على شرفهم تقديراً لدورهم الريادي قبل ساعات من مغادرتهم سوتشي.. للأبد.

اقرأ المزيد
٥ فبراير ٢٠١٨
الاستقطاب حول سوريا

ما تظاهر بالرضا من نتائج مؤتمر سوتشي غير روسيا وتركيا. وظلت إيران صامتة، وتكأكأ النظام السوري دونما استحسانٍ أو استهجان، ثم سارع لاتخاذ موقفٍ عنيفٍ ضد الهجمة التركية على عفرين، بعد أن كان قد اتهم الأكراد بالخيانة! أما الأكراد الذين اعتبروا أنّ الروس «خانوهم» وأنّ الأميركان تخلّوا عنهم، فقد طالبوا النظام بالتدخل للدفاع عن السيادة!

أردوغان الذي يهدد من زمان بالتدخل حتى لا تظهر دولةٌ كرديةٌ على حدوده، حصل على الموافقة الروسية، بعد أن اعتبر هو والروس أن الإعلان الأميركي عن تدريب قوة كردية من ثلاثين ألفاً، يعني دعماً من جانبهم للمطامح الكردية في شمال وشرق سوريا، أي على طول الحدود التركية السورية.

وما اتفق معه المراقبون الأميركيون والأوروبيون في البداية، إذ تصوروا أن هذه القوة تعني أنّ الأميركيين سينسحبون بعد سقوط «داعش» وتهديداته. وبخاصةٍ أنّ العسكريين الأميركيين صرَّحوا بأنّ المقصود بالقوة الجديدة حفظ أمن المناطق حتى لا يظهر «داعش» مرةً أُخرى! لكنّ وزير الخارجية الأميركي تيلرسون ما عاد للحديث عن الانسحاب الأميركي، بل ربطه بالتقدم على مسار جنيف، والاتفاق على مصير الأسد. وهكذا يصبح الأمر سياسةً جديدةً في التجاذُب مع الدب الروسي. أو بعبارةٍ أُخرى تظهير الاعتراض على مؤتمر سوتشي. وهو ما تحدث فقط عن العمل على إيصال «داعش» لحدود الانقراض، وعن مصير الأسد، وعن التقدم على مسار جنيف، بل أضاف لذلك كله: محاصرة الوجود الإيراني في سوريا، والحديث عن الاستخدام المستجدّ للكيماوي. وتناغم مع الفرنسيين الذين أدانوا القصف على إدلب والغوطة الشرقية، كما تحدثوا عن الحصار والتجويع.

يعود الأميركيون إذن ومعهم الفرنسيون إلى حدٍ ما، لمعارضة الخطط الروسية لمستقبل سوريا، وتجاهُل الروس للتوافقات. وهذا الأمر أدى بالروس (الذين استحضروا دي مستورا إلى سوتشي لكنْ بشروطه) إلى القول إنّ جنيف تبقى هي الأساس.

عاد التجاذُب الأميركي الروسي إذن إلى الظهور والتفاقُم، مع تجنبٍ شديدٍ من الطرفين للاصطدام. ولدى الطرفين الكبيرين إرغامات. فالتركي والإيراني، كلاهما، مزعج للروس وللأميركيين. الأميركيون بدوا مرتبكين جداً في قصة عفرين، وسيزدادُ ارتباكهم إذا اقترب الأتراك من منبج. وأردوغان عاد ففصل بين العمليتين بعد أن كان قد ربطهما. لكنّ العلاقات بين الأتراك والأميركيين سائرة إلى مزيدٍ من السوء والسلبية. إنما من المؤكَّد أنّ الروس الذين انسحبوا من تل رفعت ليتيحوا مجال الحركة لجيش أردوغان، سيكونون مهتمين بإزعاج الأميركيين من خلال دفع أردوغان باتجاه منبج بعد أن ضربوا صدقية الأميركان بتخليهم عن حلفائهم الأكراد فيها.

أما الإيرانيون فهم مزعجون للروس، رغم التعاوُن معهم في المجال السوري. فهم والنظام يطمحون للسيطرة على إدلب وعلى الغوطة الشرقية. ثم إنهم يُخرجون الروس بالتقدم باتجاه الجولان، وتطوير صناعة الصواريخ في سوريا ولبنان، وهو أمر شكا منه نتنياهو للروس في زيارته موسكو قبل أيام. والإيرانيون (والنظام السوري) ليسوا مسرورين من استمرار ربط موسكو بين سوتشي وجنيف، مما يجدد حديث الانتقال السياسي، والأهم أنه يجدد حديث خروج الميليشيات الأجنبية من سوريا.

على أنّ هذا الإزعاج والانزعاج لا يُخفي حقيقتين، الأولى أنّ الأوراق الرابحة ما تزال بأيدي الطرفين الروسي والأميركي، والثانية أنّ القيد الأميركي على الروس ما عاد قاصراً على التشهير به في المجال الدولي، بل هو يملك قوات على الأرض، لا تقتصر على الأكراد، بل هناك جنودٌ أميركيون يبلغ عددهم الألفين وربما أكثر. ثم إنهم مع حلفائهم يسيطرون على مناطق النفط والمياه في شمال سوريا وشرقها، وعندهم قواعد في تلك المناطق، وعلى الحدود العراقية السورية.

وهكذا ما تزال الأزمة السورية شديدة التعقيد. فقد حقّق الروسي (ومن ورائه الإيراني والتركي) مكاسب على الأرض، وفي أستانا وسوتشي. بيد أنّ الأميركيين ما يزالون على الأرض أيضاً، وازداد تأثيرهم على المعارضة السورية السياسية والعسكرية. ويميل الأردنيون والسعوديون إلى وجهة نظرهم بشأن جنيف، وبشأن وقف النار الشامل والاهتمام بقضايا اللاجئين والمعتقلين، ومسائل الحصار والتجويع.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال