مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ فبراير ٢٠١٨
"فصائل الغوطة" احذروا مكر عدوكم وخذوا من عملية "سكة الحديد" عبرة ودرساً

يتشابه المشهد بشكل واضح لما يجري من تهديد ووعيد للغوطة الشرقية مع بدء تحرك القوات العسكرية ونقل الطائرات المروحية، لما حصل في ريفي حماة وإدلب الشرقيين "شرقي سكة الحديد" قبل أكثر من شهر ونصف، مع بدء التجهيزات العسكرية والتهديد والوعيد لميليشيات النظام قبيل انتهاء عملياتها في دير الزور، وتحديد وجهتها لريفي حماة وإدلب، ثم بدء انتقال القوات العسكرية والطائرات الحربية والمروحية، قبل بدء الحملة في 25 كانون الأول 2017.

إن المعطيات الراهنة على الأرض تشير لنية قوات النظام وروسيا شن عملية عسكرية واسعة النطاق في الغوطة الشرقية، فالتعزيزات العسكرية للميليشيات التي بدأت بالتحرك قبل أيام من ريف حماة وإدلب، واليوم الأوامر لمطار حماة العسكري ومدرسة المجنزرات لنقل الطائرات المروحية والحربية باتجاه مطار الضمير العسكري تؤكد التوقعات، يتزامن ذلك مع تجييش إعلامي كبير للحسم العسكري في الغوطة الشرقية بعد انتهاء العمليات في أرياف "إدلب وحماة وحلب".

ومن المؤكد أن فصائل الغوطة الشرقية تملك مقومات عسكرية كبيرة للصمود في وجه أعتى حملة عسكرية وهي من كسرت شوكة الفرقة الرابعة وقوات النخبة في جوبر وعين ترما وحرستا وقادرة على صد ومواجهة أي حملة في حال أدركت الخطر القادم قريباً، وإلا فإنها ستشرب من ذات الكأس الذي شربت منه فصائل الشمال والتي انصاعت لما خطط ودبر لما هو شرقي سكة الحديد واكتفت بعمليات مسكنة لم تعط أي أثر وشاهدنا النتيجة رغم كل التحذيرات التي أطلقناها قبل الحملة والأن لم يعد ينفع الكلام.

فصائل وشعب الغوطة الشرقية صمدوا في وجه أعتى حملات القصف والحملات العسكرية رغم الحصار لإيمانهم بالتمسك بأرضهم وحقهم فيها، تكاتف الجهود العسكرية اليوم والتي تتطلب الإسراع في تشكل غرفة عمليات للجميع وتكاتف الفعاليات المدنية والإعلامية معاً هو المنجي فقط بعد التوكل على الله ... وكل ما هو غير ذلك من تصريحات وبيانات ومناشدات إعلامية لن تغن ولن تنفع فالحل والقرار بيدكم وحدكم ولتعملوا أن الجميع تخلى عنكم وأنتم من تحددون مصيركم في البقاء والصمود أو الخروج من غوطتكم مهزومين بتهجير قسري جديد يرسم لكم "فاحذروا مكر عدوكم"

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
«الحرب أولها كلام» وأيضاً اشتباكات المقاتلات الحربية!

عندما تشهد سوريا إسقاط أربع طائرات؛ إحداها «سوخوي 5» روسية، والثانية «F16» أميركية، وطائرتين تركيتين أميركيتي الصنع... إضافة إلى خامسة إيرانية من دون طيار، وخلال فترة قصيرة، فإن هذا يعني أن الصراع في هذا البلد بدأ يأخذ الطابع الدولي، وأن الدول الإقليمية؛ إسرائيل وإيران وتركيا، التي انخرطت في هذا الصراع مبكراً، هي مجرد واجهات وأدوات محلية لمواجهة كونية بين الروس والأميركيين من الواضح أنها ستأخذ منحى تصاعدياً، وأنها ستجذب إلى هذه المنطقة دولاً كبرى كالصين وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي.

ولعل ما بات معروفاً ومؤكداً أن مصادر الطاقة في شواطئ البحر الأبيض المتوسط، القريبة والبعيدة، هي التي حولت سوريا، نتيجة حماقة من يحكمونها الذين لم يعرفوا كيف يتعاملون مع شعبهم بعد حادثة درعا المعروفة في مارس (آذار) عام 2011، إلى ساحة صراع دولي كما هو عليه الوضع الآن، وهو صراع من المتوقع أن يأخذ بعد كل هذا التصعيد المتعاظم أبعاداً خطيرة، وأن يشمل، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل وتركيا، دولاً عربية وبعض الدول المتوسطية الأخرى كقبرص التي فيها قواعد أميركية وبريطانية، واليونان التي لديها مشكلات جديدة قديمة مع جارتها تركيا.

عندما تحولت حادثة درعا آنفة الذكر إلى حروب ومواجهات متنقلة في كل الأراضي السورية، وعندما استقطبت هذه المواجهات مع الوقت تدخلاً إقليمياً عنوانه الرئيسي إيران وتركيا، وتدخلاً دولياً عنوانه في البدايات روسيا الاتحادية التي التحقت بها الولايات المتحدة، وشاركت فيه كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وإنْ بطرق وأساليب محدودة وغير مباشرة، فإن المفترض أن يدرك المعنيون بهذا الصراع، وفي مقدمتهم العرب بصورة عامة، أن الأمور قد تجاوزتهم كثيراً، وأنه أمر طبيعي أن تفشل كل وساطاتهم وتذهب أدراج الرياح، وأن هذه العقدة التي كانت هناك إمكانية لحلها بالأصابع، قد أصبحت عصية على أي حلٍّ إقليمي حتى بالأسنان والأظافر، وحتى مع الاستنجاد بالوجدان العربي وبالأخوة العربية.

والمشكلة أن هذا النظام «الأخرق»، الذي على رأسه بشار الأسد، لم يتردد في أن يستعين بالخارج؛ ليس بالإيرانيين فقط؛ بل بالروس أيضاً، مما استقطب تدخلاً أميركياً تحت عنوان «داعش» تحول مع الوقت بعد انتقال السلطة من الديمقراطيين إلى الجمهوريين إلى سياسة «استراتيجية» دافعها اعتبار الشرق الأوسط مجالاً حيوياً أميركياً منذ حرب السويس في عام 1956 وحتى الآن، واعتبار البحر الأبيض المتوسط، بما فيه من مصادر طاقة، بحيرة أميركية غير مسموح للروس بالسباحة الحرة فيها، حتى وإن أصبحت سوريا كلها قاعدة عسكرية لهم وليس قاعدتا «حميميم» و«طرطوس» فقط.

والغريب هنا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي دفعه الخوف من حزب العمال الكردستاني - التركي؛ الـ«p.k.k» إلى الارتماء الكيفي في أحضان الروس وإلى التحالف مع إيران، التي هي الأخطر عليه وعلى بلده من أي دولة أخرى، لم يدرك أن سوريا أصبحت ساحة مفتوحة لصراع دولي، وأن عليه؛ حتى تكون لبلده في مصادر الطاقة «المتوسطية» حصة إنْ ليست مجزية فمعقولة، ألا يضع كل بيضه في السلة الروسية، وألا يسلّم رقبة تركيا للإيرانيين، وأن يدرك أن الأميركيين في عهد الإدارة الحالية التي تضم معظم «صقور» أميركا عائدة إلى الشرق الأوسط بكل قوة.

إن هذه هي الحقيقة، وإن هذا هو واقع الحال، ولذلك فقد تحولت أزمة سوريا من أزمة إقليمية إلى أزمة دولية باتت تستقطب؛ ليست حرباً باردة جديدة فقط؛ وإنما حرباً ساخنة أيضاً عنوانها، بالإضافة إلى مصادر الطاقة في «المتوسط»، العودة إلى الشرق الأوسط بكل قوة ووضع حدٍّ فعلي للتمدد الإيراني في هذه المنطقة والحفاظ على أمن إسرائيل التي لا يهدد أمنها «فعلياً» أحد، والتي هي من يهدد أمن إنْ ليس كل؛ فمعظم الدول العربية القريبة والمجاورة وأيضاً البعيدة. وعليه؛ فإن كل وساطات حلّ الأزمة السورية عربياً قد فشلت، لأن هذه الأزمة سرعان ما تحولت أولاً إلى أزمة إقليمية، وثانياً إلى أزمة دولية، فتدخل إيران العسكري والميليشياوي - المذهبي في سوريا الذي اتخذ طابع الاحتلال المباشر قد أحبط كل محاولات حل هذه الأزمة في الإطار القومي - العربي، وهذا ينطبق على التدخل التركي الذي اتخذ مع الوقت طابعاً احتلالياً مثله مثل التدخل الإيراني، وهكذا وبعد دخول الروس في سبتمبر (أيلول) عام 2015 على خط هذه المشكلة وأصبحت الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد ومعه الإيرانيون حربهم، وحيث أصبحت لهم قواعد عسكرية على شواطئ «المتوسط»، تحولت من مشكلة إقليمية إلى مشكلة دولية، وتحول الصراع في هذا البلد العربي من صراع إقليمي إلى صراع دولي، مما جعل مشروعات الحلول السابقة كلها من دون أي أفق؛ لا بل ملغاة، وجعل ما حصل صبيحة السبت الماضي بين الإسرائيليين والإيرانيين بداية مرحلة جديدة قد تأخذ هذه المنطقة كلها إلى صدام دولي على غرار ما حصل بين أميركا والاتحاد السوفياتي بعد حرب السويس (العدوان الثلاثي على مصر) في عام 1956. ولذلك، وبناء على هذا كله؛ فإن ما غدا واضحاً أن الأزمة السورية لم تعد أزمة داخلية بين النظام والمعارضة، وأيضاً لم تعد أزمة إقليمية بين الإيرانيين والإسرائيليين ولا بين تركيا والأكراد ممثلين أولاً بحزب العمال الكردستاني - التركي (p.k.k) وثانياً بما يسمى «سوريا الديمقراطية»... لقد أصبحت هذه الأزمة بعد هذا الصدام الأخير أزمة دولية بين الأميركيين والروس، وحيث سينضم الإسرائيليون إلى أميركا، وسينضم الإيرانيون إلى روسيا، فإن هذه المنطقة كلها ستدفع الثمن غالياً، وستدفع ثمنه سوريا تمزقاً قد يحولها من دولة واحدة ذات سيادة إلى عدد من الدويلات المذهبية والعرقية المتناحرة.

وهنا تبدو الإشارة ضرورية إلى أن إسرائيل كانت قد تبنت، من دون إعلان، خطة لتمزيق هذه المنطقة العربية، عرقياً وطائفياً، وتحويلها إلى دويلات متناحرة بالإمكان أن يتشكل منها؛ إنْ ليس كلها فمن بعضها، «كومنولث» طائفي وعرقي يكون لها، أي للدولة الإسرائيلية، فيه مكانة بريطانيا العظمى في الكومنولث البريطاني الذي كان لعب دوراً سياسياً مهماً في القرن الماضي، لكن دوره أصبح شكلياً وكذلك وجوده.

«الحرب أولها كلام»، لكن في سوريا بدأت الحرب بالمدافع والقنابل والصواريخ وبالأسلحة الكيماوية، وكل هذا بينما الغرب بقي متفرجاً وبقيت الإدارة الأميركية متقاعسة، وذلك في حين أن الروس اتبعوا ومنذ البدايات سياسة اقتحامية أبقت على نظام الأسد حتى الآن، وفتحت الأبواب السورية أمام كل هذا التمدد العسكري الإيراني، وأمام غزو طائفي ومذهبي غير مسبوق منذ الحقبة الصفوية المظلمة وحتى الآن. والمشكلة هنا أن مجلس الأمن الدولي بقي عاجزاً ومشلولاً، وأن الدول الغربية كلها قد بدت كأنها متواطئة مع روسيا الاتحادية وأيضاً مع إيران الخمينية والخامنئية.

الآن، كما يبدو، هناك صحوة أميركية وهناك تصدٍّ متصاعد للروس والإيرانيين، وهناك اهتمام مستجد بالشرق الأوسط وبمصادر الطاقة في البحر الأبيض المتوسط وشواطئه. وهكذا؛ فإن الحرب هذه المرة ليس أولها كلام فقط، وإنما إسقاط طائرات مقاتلة روسية وإسرائيلية وتركية وتحشيد متبادل في هذه المنطقة وفي اتجاهها، وهذا يدل، وبكل وضوح، على أن القادم سيكون أعظم... والله يستر!!

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
إيران في سورية: الأمر لي

أعلنت إيران، ومعها حزب الله، بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية أميركية الصنع "أف -16" السبت الماضي، بكثير من الثقة والزهو بالنفس أن "قواعد اللعبة تغيرت" في المنطقة، وأن "ما كان قائما قبل الطائرة لم يعد قائما بعدها"، بحسب ما جاء على لسان الشيخ نبيل قاووق، أحد القياديين التعبويين في حزب الله. ولكن ما هي تلك "القواعد التي تغيرت" وأين كانت سائدة؟ المفترض في سورية ومحيطها، طالما أن الطائرة الإسرائيلية أصيبت فوق الأجواء السورية، وسقطت داخل الأراضي الفلسطينية. وما الذي كان سائدا؟ ثورة السوريين الذين انتفضوا قبل سبع سنوات ضد نظام مستبد كان يتحكم برقابهم منذ أكثر من أربعين سنة، وانحياز السلطة في إيران إلى جانب النظام وضد الشعب السوري، وكذلك فعل حزب الله بطبيعة الحال. ومع ذلك، لم يتمكن ثلاثي "محور الممانعة" من قهر إرادة السوريين، وإبقاء بشار الأسد واقفا على رجليه. فاضطروا للاستعانة بالحليف الروسي الذي كان يحاول استعادة دور دولي ما يعيد إليه أمجاد الماضي السوفياتي الغابر. فكان أن دمرت سورية وشرّد الملايين وقتل مئات الألوف من شعبها، وتحولت إلى مستنقع وساحة مبارزة بين الجيوش الروسية والتركية والأميركية والإيرانية، وعشرات المليشيات الملحقة بالحرس الثوري الإيراني. فيما كانت إسرائيل تراقب عن بعد وتمارس، من وقت إلى آخر، دور الشرطي بغاراتها الجوية ضد "محور الممانعة"، مستفيدةً من الضمانات التي قدمها لها "القيصر الروسي". فكانت تجري، من وقت إلى آخر، مناوشاتٍ على جبهة الجولان تارة مع قوات النظام، وتارة أخرى مع مقاتلين من فصائل المعارضة. وباتت سورية عمليا بحكم المقسمة، بعد أن تحولت ما اصطلح على تسميتها "مناطق خفض التوتر" الى بؤر توتر وقتال، كما هو حاصل حاليا في الشمال على يد الجيش التركي، وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق على أيدي كتائب النظام، وفي جنوب الغرب من قوات أميركية وأردنية.

بعد نحو أربعين سنة من الحرب الكلامية والهدنة الواقعية بين سورية وإسرائيل، تم إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، وسارعت إيران والممانعون إلى الإعلان أن "قواعد اللعبة تغيرت"! فما هو البديل المطروح؟ إعلان الحرب على إسرائيل زحفا نحو القدس؟ أم الهرب من الحرب السورية الداخلية التي باتت تشكل وزرا كبيرا على أصحابها إلى الحرب الخارجية مع العدو الإسرائيلي؟ في المناسبة، وعلى سبيل التذكير، يحتفل "محور الممانعة" اليوم ويهلل لإسقاط طائرة، وكأنه هزم إسرائيل، أو على الأقل ربح معركة ضدها. علما أنها الطائرة الأولى التي يتم إسقاطها منذ 32 سنة، عندما أسقطت طائرة "الفانتوم" الإسرائيلية عام 1986 فوق الأراضي اللبنانية، وتم أسر الطيار رون أراد الذي لا يزال مصيره مجهولا.

ما تريده إيران هو محاولة خلط الأوراق والعودة إلى ناصية القرار في سورية. وهي ترى بدهائها أن الوقت الآن هو الظرف المناسب لذلك، بعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدود. فإذا كان قد تحقق هدفها، وهدف روسيا، بإبقاء الأسد في السلطة، فهذا بحد ذاته لا يشكل ضمانةً، ولا يمكن الركون إلى من برح يردّد منذ أكثر من عقد أن الرد على الضربات الإسرائيلية "سيكون في الزمان والمكان المناسبين".. كما أنه على الرغم من بقاء الأسد في السلطة، فهو لا يسيطر فعليا إلا على جزء بسيط من سورية، ولم يعد واردا أن يستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية. وهذا أمر لا يحقق رغبات طهران ومطامعها في الإمساك بزمام الأمور، والتمركز على ضفاف المتوسط، بعد كل الجهود التي بذلتها في السنوات الماضية للتمدّد من طهران إلى بغداد، ثم إلى دمشق وبيروت، بالإضافة إلى محاولتها احتواء القرار الفلسطيني. كما أن بقاء الأسد جالسا على الكرسي في دمشق لا يشكل، في المقابل، أكثر من ورقة للتفاوض بالنسبة لموسكو التي تسعى إلى فرض نفوذها، وضمان مصالحها عبر تسوية سياسيةٍ تعرف أنها لا تتحقق من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وموافقتها. فالنصر العسكري الذي حققته موسكو في الميدان، وفرضت من خلاله هيمنتها على القرار ومعادلاتها العسكرية على الأرض، وأعادت إيقاف بشار الأسد على رجليه، لن يمكنها من فرض حل للأزمة كما تريدها هي.

وهنا المفارقة. المعنيون والمؤثرون في الحرب الدائرة في سورية، والمنخرطون بالنزاع عليها كثيرون، ولا يمكن فرض أي تسويةٍ من دون إشراكهم جميعا أو معظمهم. بدءا بالولايات المتحدة، مرورا بتركيا ثم إيران، وبعض الدول العربية مثل السعودية ومصر، وليس انتهاء بدولٍ غربيةٍ سيقع على عاتقها تمويل إعادة الإعمار. فمن يصنع النصر العسكري يبدو بالتالي غير قادر على فرض الحل السياسي. هنا المأزق الروسي. ومن هنا، تحاول إيران الدخول بقوة والإمساك باللعبة من أجل "تغيير قواعدها"، كما تعلن مستفيدة من هذا المأزق. فهي بإعادة تسليطها أولا الضوء على إسرائيل، وتوجيه المعركة نحوها، تكون قد أمسكت بأحد خيوط اللعبة، ورصت صفوف "محور الممانعة والممانعين"، وأحرجت بعض العرب المطبعين أو اللامبالين. فهي تريد القول إن القرار لها في سورية.

وثانيا، تحاول رفع الصوت في وجه أميركا دونالد ترامب الذي يهدد بإلغاء الاتفاق النووي الموقع معها، والذي يعتبرها "راعية الإرهاب الدولي" في المنطقة. كما تسعى إلى وضع العصي في دواليب المهمة الأولى لوزير خارجيته، ريكس تيلرسون، في المنطقة، ملوحة بالمواجهة مع إسرائيل، وبإشعال "مثلث الممانعة العراقي- السوري - اللبناني" في وجه واشنطن. ويصبح واضحا في هذا السياق توقيت إسقاط الطائرة، عشية زيارة تيلرسون التي تشمل مصر والكويت والأردن ولبنان وتركيا.

وثالثا، لا تغيب طهران من حساباتها إحراج الحليف، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي باركت تدخله العسكري في سورية، لكنها تبدي امتعاضا من خططه وتكتيكاته التي تجنح ضمنا باتجاه ملاقاة رغبات واشنطن بتحجيم طهران ودورها في أي تسوية، أو على الأقل تغض الطرف عن المحاولات الأميركية في هذا الاتجاه. كما أنها لا تنظر كثيرا بعين الرضا إلى انصياع الأسد لتعليمات موسكو.

وهكذا، تحاول القيادة الإيرانية إرسال رسائلها في كل الاتجاهات، فهي تريد وضع "إنجازاتها" في العراق وسورية ولبنان في الميزان الإقليمي، وتؤكد للزائر الأميركي إمساكها بناصية القرار في حكومات هذه البلدان. فيما تسعى إسرائيل إلى توظيف ترامب وعداوته إيران في تحقيق رغباتها.. فهل المنطقة ذاهبة إلى مواجهة؟

إذا كانت إيران غير قادرة على فرض ما تريد، فإن في وسعها أن تمنع، أو تعرقل على الأقل، حصول ما لا تريد.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
الدعم الكردي لعملية غصن الزيتون

أعلنت معظم القوى السياسية والشعبية في تركيا دعمها لعملية غصن الزيتون؛ التي أطلقها الجيش التركي لتطهير منطقة عفرين، في شمال سوريا، من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني. وحظيت العملية حتى اللحظة بتأييد واسع من مختلف شرائح المجتمع التركي، بما فيها الأقليات الدينية.
 
البطريركية الأرمينية في تركيا أعربت، في بيان، عن تمنياتها بالنجاح للقوات المسلحة التركية في عملية غصن الزيتون، وقالت: "نصلي من أجل إنهاء النشاط الإرهابي، وإحلال السلام الذي تحتاج إليه البشرية بأسرها، وإرساء السكينة، لا سيما في منطقتنا". كما انتقد رئيس الاتحاد السرياني العالمي، جوني ميسو، الأعمال الإرهابية التي تقوم بها وحدات حماية الشعب الكردية، من خطف أطفال السكان في شمال سوريا وتجنيدهم قسرا للقتال في صفوفها، مشيرا إلى أن تركيا من خلال عملية غصن الزيتون تريد إحلال السلام في سوريا، وترد على ممارسات المنظمة الإرهابية.

ولعل الدعم الأهم لهذه العملية؛ ذاك الذي جاء من الأكراد، ليؤكد أنها لا تستهدف سوى عناصر المنظمة الإرهابية التي تستغلها قوى دولية وإقليمية لضرب أمن تركيا واستقرار المنطقة. وفي أبرز مثال لهذا الدعم، قامت مجموعة من الشباب الكردي، تطلق على نفسها "حملة كفى"، بإصدار بيان أكدت فيه أن عملية غصن الزيتون هي مثل العمليات التي تقوم بها قوات الأمن التركية في ديار بكر وماردين وشرناق ضد المنظمة الإرهابية، مشددة على أن العملية لا تستهدف السكان الأكراد ولا المدنيين في منطقة عفرين.

رئيس حزب الدعوة الحرة، زكريا يابيجي أوغلو، وفي تعليقه على عملية غصن الزيتون، وصف عناصر وحدات حماية الشعب الكردية بــ"جنود الولايات المتحدة" و"القوات البرية لأمريكا"، مشيرا إلى أن العملية انطلقت ردا على عزم واشنطن تأسيس قوات أمن حدودية قوامها 30 ألف عنصر من الإرهابيين، علما بأن يابيجي أوغلو زعيم سياسي كردي، كما أن حزب الدعوة الحرة يتألف معظم أعضائه من المواطنين ذوي الأصول الكردية.

التأييد الشعبي في تركيا لعملية غصن الزيتون التي بدأت قبل حوالي شهر، يمكن وصفه بــ"الإجماع الوطني"؛ لأن الشارع التركي بكل مكوناته وألوانه يرى أن هذه العملية لا بد منها من أجل حماية أمن البلاد ومستقبلها، ويعتبرها "معركة الدفاع عن الوطن". وهذه الرؤية تعكسها نتائج استطلاعات الرأي بوضوح.

نتائج استطلاع الرأي الذي قامت به شركة "A&G" للدراسات، بعد انطلاق العملية، تشير إلى أن 85.4 في المئة من المواطنين في تركيا يرون أن حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) هو حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) نفسه، كما يعتبر 87.9 في المئة منهم حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) تهديدا لبلادهم. ووفقا لذات النتائج، تصل نسبة التأييد الشعبي لعملية غصن الزيتون إلى 89 في المئة.

اللافت في تلك النتائج أن 63.4 في المئة من المواطنين ذوي الأصول الكردية يرون حزب الاتحاد الديمقراطي (ب ي د) تهديدا لتركيا، كما أن 82.8 في المائة منهم لا يعتبرون الولايات المتحدة صديقا أو حليفا للأكراد. وهذا ما يؤكد أن الأغلبية الساحقة من الأكراد لا تثق بواشنطن التي تدعم وحدات حماية الشعب الكردية بالمال والسلاح، وتستغلها لتحقيق أهدافها في المنطقة.

القوات المشاركة في عملية غصن الزيتون تشدد على أن العملية تستهدف فقط عناصر وحدات حماية الشعب الكردية، وتسعى إلى تحرير منطقة عفرين من سيطرة المنظمة الإرهابية. ومع ذلك، تحاول وسائل الإعلام المؤيدة للإرهابيين أن تظهر العملية على أنها ضد الشعب الكردي، وتستخدم أدبيات ومصطلحات تدعم دعاية المنظمة الإرهابية. وهذا أمر متوقع من وسائل الإعلام التابعة للأنظمة المناوئة لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، إلا أن ما يثير الاستغراب والاستياء لدى الأتراك هو استخدام وسائل إعلام محسوبة على دول صديقة لتركيا؛ ذات الأدبيات والمصطلحات التي توحي بأن المنظمة الإرهابية هي الممثل الوحيد للشعب الكردي؟

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
تغيير قواعد الاشتباك تقرّره روسيا أو أميركا

كانت بلا شك مفاجأة صادمة لإسرائيل التي اعتادت طائراتها التنزّه فعلاً في أجواء سورية لاصطياد مواقع للنظام أو لإيران ولديها معلومات من الأرض بأن شحنات عسكرية جديدة أُنزلت فيها. ومعروف أن تفاهمات فلاديمير بوتين - بنيامين نتانياهو منحت إسرائيل «الحق» في ضرب ما تعتبره «خطراً على أمنها»، أكان تمركزاً إيرانياً أو أسلحة وصواريخ متطوّرة تُنقل إلى «حزب الله».

وكانت بلا شك تجربةً وإرهاصاً مثيرين لإيران والنظام السوري و «حزب الله»، فهذه المرة الأولى التي تسمح فيها روسيا باستهداف طائرة إسرائيلية بهدف إسقاطها. وما قيل في آذار (مارس) 2017 أن الصواريخ المضادة التي أطلقت على طائرات إسرائيلية كانت إيذاناً بـ «مرحلة استراتيجية جديدة وتغييراً في قواعد الاشتباك» يتكرّر الآن بعد إسقاط الـ «إف 16»، وفي ظروف مختلفة تتسم بمواجهة روسية - أميركية متصاعدة. ولعل الحدث ساعد الروس والإيرانيين والنظام على تجاوز خلافات كثيرة طرأت على علاقاتهم في الآونة الأخيرة.

إذاً، فالـ «إف 16» مقابل الـ «سوخوي 25»، من دون أن يتضح ما إذا كانت روسيا سلّحت حليفيها أو أحدهما بصواريخ قادرة على إسقاط طائرة أميركية، ولا اتضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة زوّدت أحد الفصائل بصواريخ محمولة لإسقاط طائرة روسية. وقد أظهر الواقع الميداني أن الدولتين الكُبريين تبادلتا الإندارات، فالغارات الروسية استمرّت ولم تتعرّض لأي استهداف جديد، والغارات الإسرائيلية تكرّرت كالمعتاد ما عنى أن «التفاهمات» مع موسكو لم تسقط مع حطام الـ «إف 16».

قد يكون تأكيد إيران ونظام بشار الأسد و «حزب الله» بداية مرحلة مختلفة متعجّلاً، مثله مثل الذين اعتقدوا أن غارة صباح السبت 10 شباط (فبراير) بداية «الحرب» التي تعتزمها إسرائيل على الوجود الإيراني في سورية، بل ربطوا ذلك بلقاء بوتين - نتانياهو عشية مؤتمر سوتشي. فأي تغيير «استراتيجي» يبقى رهن حسابات بوتين وتقديراته، إذ أتاحت القيادة الروسية لإسرائيل ضرب مواقع إيرانية حيوية في ثلاث مناطق متباعدة وربما تولّت وحدة روسية ضرب الـ «إف 16» تاركة للإيرانيين والنظام استثمار هذا الإنجاز.

يبقى حديث «الحرب» جارياً ومن الطبيعي أن يتصاعد الآن، لأن الأسباب التي أعلنتها إسرائيل مراراً لتبريرها لا تزال قائمة: فمن جهة هناك الحشد المتزايد للميليشيات العراقية (الإيرانية) في منطقة الجولان، ومن جهة أخرى هناك «صواريخ حزب الله» ومصنع الصواريخ الذي يعتقد الإسرائيليون أن هذا «الحزب» أقامه في لبنان بدعم إيراني. ولم تخف طهران رغبتها في مواجهة مع إسرائيل على الأرض السورية، بل تعتبرها مواجهة مع الولايات المتحدة التي عبّرت في أكثر من مناسبة عن دعمها أيَّ عملية إسرائيلية يمكن أن تقلّص النفوذ الإيراني في سورية. وفي خطوة غير مسبوقة أوعزت طهران لزعيم ميليشيات عراقية قيس الخزعلي وزعيم ميليشيات سورية حمزة أبو العباس لزيارة جبهة جنوب لبنان، بل إن إبراهيم رئيسي أحد أقطاب النظام الإيراني تفقد أيضاً هذه الجبهة.

سبق لكثر من متابعي الشأن السوري أن قدّموا تقديرات مفادها أن إقدام إسرائيل على ضرب الوجود الإيراني يحقق مصالح لأطراف عدة، بدءاً بروسيا التي يمكن أن تتخفّف من «شريك» صعب لديه أجندة خاصة ولا تتفق معه دائماً في الخطط التي ترسمها لـ «إنهاء الحرب» سياسياً أو حتى عسكرياً. ومع أن نظام الأسد لا يزال يعتمد على الدعم الإيراني ويستخدمه لمواجهة الضغوط الروسية إلا أنه يتعامل مع أي حرب إقليمية محتملة على أنها فرصة لخلط الأوراق لمصلحته وربما لانفتاح بعض الأطراف الدولية والعربية عليه. ولا شك في أن تركيا تنظر بارتياح إلى إمكان إضعاف النفوذ الإيراني في سورية. غير أن الإسرائيليين لا يتطلعون إلى تقديم خدمات إلى الآخرين بل إلى تحقيق مصالحهم أولاً، لذلك فإنهم يريدون لن يتحرّكوا إلا في حال تأمّن لهم توافق ولو ضمني بين الروس والأميركيين.

من الواضح أن توافقاً كهذا مستبعداً، ولا بد أن الإسرائيليين أدركوا بعد إسقاط طائرتهم أن الروس يمكن أن يوافقوا على ضرباتهم المحدودة ويفتحوا لهم الأجواء لكنهم لا يمنحونهم ضوءاً أخضر لعملية واسعة ومتواصلة. أي أن الاشتباك الأخير قد يكون رسم خطّاً أحمر روسياً يمنع إسرائيل من تجاوز «تفاهمات» بوتين - نتانياهو، فموسكو هي التي تتحكّم بوتيرة المواجهات وأهدافها، ومهما كانت مرحّبة ضمنياً بإضعاف النفوذ الإيراني إلا أن أي مساومة عليه يمكن أن تكون مع أميركا وليس مع إسرائيل. هذا الخط الأحمر يفترض أن تكون موسكو متحكّمة أيضاً بالسلوك الإيراني في الجولان، فالمعروف أنها فشلت في إقناع طهران بإبعاد ميليشياتها عشرات الكيلومترات عن تلك المنطقة كما اشترطت إسرائيل لاحترام «منطقة خفض التوتر» في جنوب غربي سورية، أي أن التوتّر هناك يبقى قابلاً للتفجير وفقاً لرغبة الطرفين.

حقّقت إيران من إسقاط الـ «إف 16» ما غدا اعترافاً دولياً بأنها الطرف الآخر في المواجهة، وعلى رغم أن الإنجاز سجّل باسم نظام الأسد إلا أن هذا الأخير كان الأقل تظاهراً به، فالمحتفلون كانوا أولاً وأخيراً من زبانية إيران. ولعل الظاهرة الجديدة أن أوساط الموالين للنظام لم تشعر بأن الحدث يدعم الأسد، كما أن أوساط المعارضة لم تشعر بأن ما حدث يخدم القضية السورية التي تدافع عنها، ومع اختلاف زاوية النظر بدا الموالون والمعارضون مدركين أن اللعبة الدائرة تتخطّاهم. وعلى رغم كل قيل ويقال عن تقليص النفوذ الإيراني، كهدف استراتيجي أميركي وإسرائيلي، فإن الإشراف على جبهة الجولان ومحاولة إقامة توازن ردعي مع إسرائيل وربط هذه الجبهة بجنوب لبنان لا تعزز نفوذ إيران فحسب، بل تؤسس لوضع يصعب تغييره بالقوة أو بالديبلوماسية من دون الاعتراف لإيران بدورها ونفوذها.

ليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا الحدث سيحسّن الجو القاتم الذي هيمن أخيراً على علاقة النظام مع إيران التي ألغت شحنات وقود ومواد طبية مقرّرة سابقاً، وذلك كتعبير عن غضبها من عدم تنفيذ النظام مذكرات تفاهم لمنحها إدارة محطات كهرباء. ونقلت مصادر أن الإيرانيين باتوا يقولون أنهم «سيأخذون ما يريدون بطريقتهم ولن يعطوا النظام ما يحتاج إليه»، إذ يتهمونه بأنه كذب عليهم وظلّ يسوّف في الملفات المتفق عليها ليكتشفوا لاحقاً أنه وقع اتفاقات في شأنها مع روسيا. وسبق للإيرانيين أن طلبوا قاعدة بحرية ولم يوافق الروس عليها، كما اتفقوا مع النظام على حصة في استثمار الفوسفات لكن الروس وضعوا أيديهم على المناجم والمنشآت كلها، كذلك أرادوا إنشاء شركة ثالثة للاتصالات أو حصة رئيسية فيها غير أن «العراقيل البيروقراطية» أبطأت المشروع، والواقع أن الممانعة الروسية هي السبب.

وليس واضحاً أيضاً ما إذا كان الحدث سيلطّف أجواء العلاقة بين الروس والنظام، إذ إنهم يحمّلونه جانباً كبيراً من فشل مؤتمر سوتشي، خصوصاً بتركيبة الوفود التي أرسلها وطبيعة الأشخاص الذين كانوا بمعظمهم من الأتباع المكلّفين إفساد أجواء المؤتمر. أما النظام فكان لديه مأخذ رئيسي على روسيا التي تعرف أن عفرين كانت دائماً في صفّه لكنها تجاهلت ذلك مفضلة تسهيل العملية العسكرية التركية.

أما الخلاف الكبير الذي ثار أخيراً بين دمشق وموسكو فيتعلّق بمنصب «نائب الرئيس»، إذ إن نجاح العطار هي التي تحمل هذا اللقب وقد تدهورت صحتها إلى حدّ استدعى أن يبحث الأسد عن «بديل شكلي»، في حال حصول ما يؤدي إلى غيابه، ريثما تتفق الحلقة الضيقة للنظام على من يخلفه، أو يكون البديل شخصاً جاهزاً لتولّي المنصب. وبعدما استُعرضت أسماء عدة، وجد بشار أن الشخص الوحيد المناسب هو شقيقه ماهر «لتأمين استمرار الشرعية». لكن الروس رفضوا وقالوا لمن استمزجهم بالأمر «هذا غير مناسب ويبعث برسالة سيئة»، وقالوا لآخرين أن «حلفاءنا منفصلون فعلاً عن الواقع».

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
تحرير الشام تُجيش ضد الزنكي ... نذر حرب وغياب لتحكم الشرع ..!؟

يلمس المتتبع لحسابات هيئة تحرير الشام سواء كانت الرسمية أو المناصرة أو حسابات الشرعيين، حجم التجييش الذي تمارسه هذه الحسابات ضد حركة نور الدين زنكي، على خلفية مقتل "أبو أيمن المصري" مسؤول التعليم في إدارة شؤون المهجرين، على يد عناصر تابعة للزنكي بريف حلب.

وتساهم هذه الحملات من التجييش بشكل كبير في تزيكة اشتعال النار أكثر فأكثر، في الوقت الذي يعيبون على غيرهم من خصوصهم الدفاع عن أنفسهم أو مواجهة هذه الحرب "الشيطانية" بحرب مقابلة ومماثلة ولو أنها لم تصل لدرجتها في التجييش فهو بالتأكيد حلال لهم وحرام على غيرهم ..!؟

في كل "بغي" تمارسه تحرير الشام على فصيل ما، تبدأ الماكينة الإعلامية الكبيرة التابعة لها لشيطنة الطرف المقابل وخلق المبررات التي تسوغ لها البغي وتسيير الأرتال في المحرر ونبش الزلات والنزوات لخصومها، من خلال غرف إعلامية وقنوات ومواقع وحسابات وهمية جمة بأسماء متنوعة، مهمتها التجييش الإعلامي وتهيئة الجو للبغي في كل مرة، وإضفاء صورة الهيئة في موقع المدافع عن الأعراض الحريص على حقوق الناس وإنهاء الفساد كيف لا وهم شعب الله المختار.

استغلت في الحرب الإعلامية الشعارات البراقة والتستر بعباءة الدين في محاربة الخصوم، والعمل على إظهار الخير المطلق والحامي والناصر والمحرر والحق الكامل في فصيلهم الوقت الذي تعمم صورة الفساد والعمالة والارتزاق على غيرها من المكونات العسكرية، بهدف تشويه صورتها ودفع الحاضنة الشعبية للتخلي عنها ثم إنهاؤها والسيطرة على مقراتها وسلاحها والظهور أمام الشعب بأنها تحميهم وتدافع عنهم وتبعد الفساد الأكبر.

وفي كل حرب أو بغي تخوضه الهيئة ضد خصم جديد لها تكون دائرة الإنهاء قد أحاكت به، لابد من التذكير بماضي الهيئة المجيد وانها تخوض على ثغور المسلمين الحروب وتزود عنهم وأن الغدر جاءها من الخلف وطعن وغدر بها فكان لابد من التأديب.

ولعل دعوات الإصلاح والتحاكم للشرع التي لم تلق أذانا صاغية لدى هيئة تحرير الشام ليس في قضبة "المصري" فحسب بل في جل القضايا التي لاتزال عالقة في المحاكم ولدى اللجان التي شكلت لذلك بدءاً من أول بغي على أول فصيل في الجيش الحر وصولاً لسلاح الفرقة 13 وسلاح الأحرار والزنكي والعديد من الفصائل التي لاتزال حقوقها ضائعة بين محاكم لم تعرها الهيئة أي أهمية.

اقرأ المزيد
١٧ فبراير ٢٠١٨
"خليف الأسد" ... لم يبق نمراً إلا "سهيل" في جيش الأسد ..!؟

مع انتهاء العمليات العسكرية لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية بريفي حماة وإدلب، بدأت صفحات إعلامية موالية للأسد بتداول أخبار انتقال نمرهم "سهيل الحسن" إلى الغوطة الشرقية، لتولي قيادة العمليات العسكري على جبهة إدارة المركبات بحرستا بعد عجز غالبية قادة النظام وكبار ضباطه في إحراز أي تقدم على حساب الفصائل هناك.

وسبق الحملة العسكرية على ريفي حماة وإدلب التي بدأت في أواخر كانون الأول 2017 أيضاَ الترويج لوصول "النمر سهيل" وقواته للمنطقة، كذلك روجت لذهابه إلى دير الزور وريف حلب وتدمر والساحل وريف حماة الشمالي ودرعا، قبل كل حملة تقوم بها قوات الأسد وكأن جيش النظام بات خالياً من أي قيادي غير "سهيل".

تصدير "سهيل الحسن" بنسخته الثالثة والميليشيات التابعة له والمعروفة باسم "قوات النمر" في كل عملية عسكرية تفشل في تحقيق قوات الأسد أي مكاسب فيها، ليغدو هو المنقذ وهو الشخص القادر على حسم الموقف، تظهر حالة الوهن الكبيرة التي وصل إليها جيش النظام، وعدم قدة قواته على المواجهة العسكرية حقيقة، بعد التفكك الكبير الذي طال جيش النظام طيلة سبع سنوات والخسائر الكبيرة التي أمني بها ويتكتم عنها، حتى بات عماد قوته واعتماده على الميليشيات المحلية والتي حظيت بتدريبات إيرانية لفترة.

قوات "سهيل الحسن" والتي لا يتعدى قوامها 500 مقاتل، باتت الأمل الأخير لنظام الأسد ليفرض فيها سيطرته على المناطق التي يعجز فيها جيشه النظامي المتهالك على التقدم، طبعاً بالإضافة للميليشيات الأخرى التي تساندها، وبالتالي فإن وجود هذه القوات في منطقة ما بات مصدر قوة للنظام، وغيابها يعني الانهيار حتماً، فهل يمكن أن يصل فيه النظام لهذه المرحلة من الوهن والضعف والعجز عن تحقيق أي تقدم رغم الترسانة العسكرية التي يملكها دون الاعتماد على ميليشيات النمر وكأن جيش الأسد لم يبق فيه نمراً إلا "سهيل".

حقيقة الأمر تظهر المعطيات الميدانية أن جيش النظام اليوم بات عاجزاٌ بشكل كبير على تحقيق أي نصر، دون الاعتماد على الميليشيات الإيرانية والمحلية والدعم الروسي جواً وبراً، وما تصدير قوات النمر إلا كواجهة إعلامية لا أكثر، فقواته التي لا تتعدى المئات والتي قتل منها الكثير في معارك عدة هي أيضاَ عاجزة عن تحقيق أي نصر إلا التعفيش، ولكن المقصود بانتقال قوات النمر في كل إعلان حقيقة هو انتقال القوة الإيرانية الروسية للتركيز على منطقة ما بعد أن تفرغ من منطقة أخرى كونها لا تستطيع توزيع كامل إمكانياتها العسكرية على جميع المناطق لتكلفتها الكبيرة ولعدة قدرتها على ذلك فعلياً.

ويتساءل متابع للتطورات الميدانية وما جرى من عقد اتفاقيات لتهدئة جبهات على حساب أخرى لتمكين النظام من الحسم العسكري على الأرض قبل فرض الحل السياسي، في حال أجبرت الميليشيات الإيرانية وروسيا على الخروج من سوريا أو وقف عملياتها لسبب ما، فمن سيساند النظام في عملياته أو بالأحرى كيف سيكون بمقدور النظام الانتشار بشكل كامل في غالبية المناطق التي باتت تحت سيطرته، كون قواته اليوم لا يمكنها الانتشار وضبط محافظة واحدة سواء كان بشرياً أو عسكرياً بمعدات وأليات، وبالتالي فإن "نمر الأسد" المتمثل بالدعم الإيراني الروسي لن يدوم له وستأتي المرحلة التي يفقد فيها هذه الأوراق التي تدعمه ولن يستطيع وقتها ضبط محافظة واحدة وستكون نهايته بعد أن ينفجر البالون الكبير المسمى "النمر" ويعود الأسد لحجمه الطبيعي.

تذكرنا قصة "نمر الأسد" بشخصية ربما تكون واقعية تدعى "خليف" تتداول في سوريا منذ عقود عن عنصر في جيش الأسد الأب يحدثه أحد رفاقه في حرب تشرين المزعومه قائلاً: إن جاءك العدو من الأمام ماذا تفعل يا خليف فأجاب أطخه، وكرر السؤال وإن جاءك من الخلف .. ومن اليمين ومن اليسار وكان جوابه واحداً "أطخه" حتى نفد صبر خليف وصرخ قائلاً " يلعن أبو هالجيش إلي ما فيه غير خليف"، ليغدوا "سهيل الحسن" بنسخته الثالثة هو "خليف الأسد الابن".

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
أميركا ومواجهة إيران في سورية

كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، في أكثر من مرة، ضرورة مواجهة إيران في سورية ومنعها من تحقيق حلمها في بناء القوس الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان عبر سورية، والذي يخضع للسيطرة الإيرانية وميليشياتها خضوعاً مطلقاً وفي كل من هذه الدول الثلاث.

كما تحدث تيلرسون عن الخطر الإيراني في سورية وما يمثله من تهديد على وحدة سورية وقدرتها على إنجاز المرحلة الانتقالية، في شكل يضمن تعافيها وتطبيع علاقاتها مع كل دول الجوار، لكن الولايات المتحدة لم تشر إلى كيفية ضمان تحقيق ذلك على الأرض، هل سيتم دعم الجيش السوري الحر مالياً وعسكرياً بما يمكنه من تحقيق مهمته في محاربة الميليشيات الإيرانية في سورية، بعد أن كشف قادة للجيش الحر المدعوم من الولايات المتحدة خلال زيارة لهم إلى واشنطن، أن الولايات المتحدة نكثت بوعودها عن دعم قوات الجيش الحر الموجودة على الحدود السورية – العراقية التي كانت تقاتل الميليشيات العراقية وميليشيا «حزب الله»، لتمنع عبورها الحدود من العراق إلى سورية وطلبت منها التوقف بل الانسحاب؟!

في النهاية، تبدو المفاجأة الحقيقة في الخطاب الأميركي تتمثل في دعمه موقف تركيا في عمليتها العسكرية في الشمال السوري، والتي بدأت من عفرين، ومن المتوقع أن تستمر حتى منبج وربما إلى أبعد من ذلك.

وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن قوات سورية الديموقراطية التي دعمتها للتخلص من «داعش» في سورية، لكنها، وكما أشار وزير الخارجية الأميركي، إلى أن هذه القوات يجب أن تعكس التنوع الإثني والعرقي في سورية إذا ما أرادت أن يكون لها دور في المرحلة الانتقالية في سورية، في إشارة إلى طغيان المكون الكردي على العربي في مناطق تطغى عليها الغالبية العربية، مثل الرقة ودير الزور وغيرهما من المناطق.

وهو ما يدعم بكل تأكيد الحجة التركية في القيام بعملية عسكرية ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنّفه منظمة إرهابية مثلها مثل الولايات المتحدة. لكن هذه الأخيرة لا ترى في PYD امتداداً طبيعياً لحزب العمال الكردستاني، لذلك لا تصنفه على هذا الأساس كمنظمة إرهابية، وقد شكل هذا الموضوع أساساً لتوتر العلاقات البينية بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حدودها القصوى، في ظل تصاعد الاتهامات التركية وعلى لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الولايات المتحدة تدعم تنظيمات إرهابية في سورية، والتعهد بإفشال المخططات الأميركية في سورية، وعلى رأسها ما أسمته الولايات المتحدة قوة الحدود المكونة من 30 ألف مقاتل عمادها الرئيس مكون من قوات سورية الديموقراطية، ما اضطر وزير الخارجية الأميركي الى التدخل شخصياً وتلطيف الأجواء، عبر القول أن هناك سوء فهم لتشكيل هذه القوات وطبيعة عملها. بل أكثر من ذلك، فقد صرح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بأن الولايات المتحدة تتفهم العملية العسكرية التركية في عفرين ودوافعها، مما نُظر إليه كضوء أخضر أميركي لاستمرار العملية العسكرية التركية، وتخلّ كامل من الولايات المتحدة عن الميليشيات الكردية التي مولتها ودعمتها في سورية للتخلص من «داعش».

ما يمكن قوله بالنهاية، إن سياسة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة في سورية كما أعلنها الوزير تيلرسون، تبدو طموحة إلى أبعد الحدود، لكن من دون مساعدة البنتاغون على تنفيذ هذه الخطة والكونغرس لضمان الأموال الكافية لها، ستبقى مجرد كلمات ونوع من الوعود المعسولة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون بحق سورية، لكنهم لم يستطيعوا تحويلها إلى حقيقة واقعة على الأرض، فيما يبدو أن السياسة الإيرانية والروسية أكثر تحقيقاً على الأرض من أي وقت مضى.

وفي الوقت نفسه، تتحفظ الولايات المتحدة على مشاركة إيران في محادثات أستانة ومشاركتها كمراقب في مؤتمر سوتشي الذي رفضت الولايات المتحدة حضوره، في ما يُعد رفضاً للدور الإيراني في سورية، ورغم ذلك مضت الأمم المتحدة في مشاركتها في المؤتمر الذي يبدو أن نتائجه العبثية بدأت تتجلى على الأرض السورية، فإنشاء اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما أشار دي مستورا الذي شارك في المؤتمر، وضع الأمر تحت إدارته الكلية، فهو المخول بتكوين هذه اللجنة من ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية - السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء كما أشار، كما ستضم تمثيلاً مناسباً للمكونات العرقية والدينية لسورية.

اليوم وبعد التصعيد الإسرائيلي في الأرض السورية واستباحة الطائرات الروسية والسورية إدلب والغوطة الشرقية، تبدو الحرب في سورية كأنها دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي يدفع ضحيتها الشعب السوري، فكما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة فإن التصعيد العسكري الأخير يعد إحدى أعنف محطات هذا الصراع خلال ما يناهز السبع سنوات. ففي شهر شباط (فبراير) وحده، تحدثت التقارير عما يزيد عن ألف ضحية مدنية للقصف الجوي.

لذلك، يبدو الحل السياسي الذي تأمل الولايات المتحدة بالوصول إليه، أشبه بالسراب، وإذا كان المجتمع الدولي ما زال يعول على قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ بوصفه السبيل الأوحد لوقف العنف ووضع حد للمعاناة المأسوية للشعب السوري، فإن هذا القرار يبدو أنه ليس ذا قيمة اليوم مع أزيز الطائرات العسكرية التي تؤكد ما سبق أن جرى خلال الحرب اللبنانية، فكأن الحرب في سورية هي حروب الآخرين على الأرض السورية.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
الحرب في سوريا لم تنتهِ حتى يقال انتصر الأسد!

لم تنتهِ الحرب في سوريا بعد، لا بل بدأت «حروب ما بعد (داعش)»، وتظل سوريا تشكل حلقة وصل خطيرة لتداخل الصراعات الإقليمية فيها والقوى العظمى، على الرغم من هزيمة «داعش» في شرقها. والمواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل في سوريا، ليست سوى واحد من الاحتمالات التي من شأنها أن تغذي المرحلة المقبلة من الحرب الأهلية في سوريا.

فتحت تركيا صراعها المباشر ضد «وحدات حماية الشعب الكردية السورية» في عفرين الكردية شمال سوريا. كما تتنافس تركيا وإيران وروسيا في صراع ثلاثي حول المستقبل البعيد للمعارضة في إدلب، ومن علامات التنافس إسقاط طائرة «سوخوي - 25» في الثالث من فبراير (شباط) الحالي.

ويصادف الائتلاف الأميركي مواجهات مكثفة مع الائتلاف الروسي - الإيراني بعدما صدت أميركا هجوماً ضخماً مؤيداً للنظام في دير الزور في 7 من الشهر الحالي، وكانت إيران و«حزب الله» استغلا شروط تخفيف مناطق التصعيد التي توسطت فيها روسيا والأردن والولايات المتحدة في جنوب سوريا، من أجل تطوير بنية تحتية عسكرية على طول هضبة الجولان، وقد فشلت إسرائيل وأميركا في وقف هذا الاتجاه أو عكس توجهه. وأكدت إسرائيل مراراً «حريتها المطلقة» في العمل كرد فعل للانتهاكات المستقبلية لخطوطها الحمراء من قبل إيران، بما فيها بناء إيران قاعدة عسكرية دائمة في سوريا، ونقلها أسلحة متطورة إلى «حزب الله» عبر سوريا. وتخشى إسرائيل من أن تستخدم إيران الأراضي السورية لشن هجمات، أو إنشاء ممر أرضي من إيران إلى لبنان بعد سقوط البوكمال (على الحدود العراقية - السورية)، يسمح لها بنقل الأسلحة بسهولة أكبر إلى «حزب الله».

إن التزايد المتصاعد لهذه الحوادث ليس من قبيل المصادفة، بل النتيجة التي يمكن التنبؤ بها من تصاعد «الحروب بعد داعش» في سوريا. خصوم أميركا في سوريا يريدون إبعادها من هناك ومن كل الشرق الأوسط على المدى البعيد، وفق ما يعتقدون.

لقد هاجمت روسيا وإيران عمداً القوات الأميركية وشركاءها في شرق سوريا. شن مئات من المقاتلين المناصرين للنظام السوري هجوماً منسقاً ضد «القوات الديمقراطية السورية» الأكثر اعتماداً من قبل أميركا، في مقاطعة دير الزور، فردت الولايات المتحدة بضربات ناجحة لحماية تلك القوات، فقتل أكثر من 100 جندي سوري. وحسب مصادر مطلعة خططت روسيا وإيران والنظام السوري لهذه العملية في وقت مبكر، وبدأوا التحضير للهجوم قبل أسابيع بهدف زيادة الوجود الإيراني شرق نهر الفرات للاستيلاء على حقول النفط والغاز. منذ أشهر تحاول روسيا وإيران عسكرياً وصل مناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها «القوات الديمقراطية السورية» بما في ذلك مدينة الرقة، وكذلك حقول النفط والغاز الطبيعي شرق سوريا، وتسليمها إلى النظام السوري. وتعتبر حقول النفط والغاز حاسمة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد السوري ونظام بشار الأسد، كما أنها توفر مصدراً للإيرادات يدعم الجهود الروسية - الإيرانية. وشارك في الهجوم متعاقدون عسكريون روس من القطاع الخاص، (قتل البعض منهم) و«حزب الله»، في هذه الأثناء أكمل الضباط الروس التواصل المستمر مع العسكريين الأميركيين. روسيا دعمت الهجوم، إنما ادعت بأنها بذلت جهداً لمنعه من أجل إرباك صناع القرار الأميركي.

من جهتها، تنجح تركيا في حملتها ضد القوات الموالية للنظام في شمال غربي سوريا. وقصتها أبعد من عفرين. وستواصل تركيا إعطاء الأولوية من أجل الحفاظ على ملاذ آمن للمعارضة السورية في محافظة إدلب التي يسيطر عليها تنظيم القاعدة ونشرت القوات المسلحة الكردية قافلة تضم أكثر من 100 عربة مدرعة لإنشاء مركز مراقبة بالقرب من مدينة العيس، وهي موقع رئيسي على خطوط المواجهة بين جماعات المعارضة والقوات الموالية للنظام جنوب مدينة حلب. ويجري العمل تركياً على إقامة «نقطتي مراقبة» إضافيتين في مواقع غير محددة شمال سوريا. أيضاً استغلت تركيا خطة تخفيض التصعيد في مقاطعة إدلب وأجزاء من محافظة حلب التي جرى الاتفاق عليها بوساطة من روسيا وإيران وتركيا في محادثات آستانة.

يقول مراقبون إن تركيا تسعى للحصول على ضمانات جديدة من روسيا للحفاظ على سلامة قواتها في محافظة إدلب، غير أن هذه الضمانات لا تزال غير كافية. ويعتزم الرئيس السوري بشار الأسد، حسب المراقبين، وبالاتفاق مع إيران على تعطيل أي اتفاق يكرس وجوداً طويل الأمد لتركيا في سوريا. وتنظر إيران إلى عملية الانتشار التركي على أنها محاولة لعرقلة هجوم مستقبلي من مؤيدي النظام لرفع الحصار عن مدينتي فوعا وكفريا الشيعيتين، قرب مدينة إدلب.

من ناحية أخرى، يمكن أن تحاول تركيا استغلال هذه التوترات لدك إسفين بين روسيا وإيران حول منطقة تخفيض التصعيد في محافظة إدلب الكبرى، وهناك احتمال بأن تصعّد تركيا مشاركتها في محافظة إدلب جزئياً كرد فعل على استمرار تقدم النظام والموالين له باتجاه بلدة سراقب الرئيسية التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة إدلب. وتقع سراقب على طول الطريق السريع إم - 5 الاستراتيجي بين مدينة حماة ومدينة حلب، وتوفر أرضية انطلاق مثالية لعمليات نحو الفوعا وكفريا أو مدينة حلب.

نشرت تركيا قوات في محافظة إدلب بعدما أعلنت حركة تحرير الشام (فرع تنظيم القاعدة في سوريا) مسؤوليتها عن إسقاط السوخوي الروسية في إدلب، وقد تكون تركيا وفرت منظومات الدفاع الجوي المحمولة، للإشارة إلى عدم رضاها عن الحملة الجوية الروسية المستمرة لدعم قوات النظام في إدلب. وكانت قدمت من قبل معدات عسكرية لقوات المعارضة في محاولة لوقف الهجوم المتواصل للنظام باتجاه قاعدة «أبو الظهور» الجوية في محافظة إدلب الشرقية. وستواصل تركيا إعطاء الأولوية لجهودها لحماية عملياتها الجارية ضد «وحدات حماية الشعب الكردية السورية».

أيضاً يبدو أنه رغم كل التصريحات المطالبة بضبط النفس، فإن إسرائيل والائتلاف الروسي - الإيراني على استعداد للمواجهة في المستقبل على مرتفعات الجولان. ونجحت إيران و«حزب الله» في تشكيل شبكة من المقاتلين الأجانب والمحليين، عبر سوريا تحت مظلة القوات المسلحة الروسية، كما استغلت إيران و«حزب الله» شروط خفض التصعيد في المناطق المتاخمة للجولان. كل طرف يعمل لمصلحته في سوريا، ولا يهم أي طرف استمرار قتل السوريين أو تدمير البلاد. ضمانة روسيا لبقاء بشار الأسد غير مضمونة، إذا كانت مصالحها تتطلب ذلك، قد تكون ضمانة إيران أكثر صدقاً لأنها لن تجد بديلاً عنه يسمح لها باستباحة سوريا. كذلك فإن علاقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لن تتفوق على مصالح روسية في سوريا. وما كان باستطاعة إيران و«حزب الله» إقامة قواعد لهما في الجنوب السوري لولا غض النظر الروسي، رغم قول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي إنه لم يكن يعلم بوجود قاعدة إيرانية في تدمر.

إذن، إن الحرب الأهلية السورية لم تنتهِ بعد، إذ بدأت حروب ما بعد «داعش» فيها. وحاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة أن تركز على قتال «داعش»، متجاهلة السياق الأوسع للحرب الأهلية الإقليمية في سوريا. وأثبتت الأحداث الأخيرة أن هذا الفصل الاصطناعي، ليس بمستدام.
القوات الأميركية الخاصة موجودة في سوريا، وقال «البنتاغون» يوم الاثنين الماضي ببقاء 6 آلاف جندي أميركي في العراق وسوريا. إن الوضع يستدعي من الولايات المتحدة أن تضع استراتيجية متماسكة لمواجهة هذا الواقع الجديد كي لا ترى نفسها متورطة في المرحلة المقبلة من الحرب في سوريا.

والغريب أن حلفاء بشار الأسد يقولون إنه انتصر في الحرب، ليت أحداً منهم يعطينا تفسيراً لمعنى هذا الانتصار.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
سورية: أكثر من اعتداء وأقل من رد ... ونصف موقف

بدّدت «الهيئة العليا للمفاوضات»، المنبثقة عن قوى الثورة والمعارضة السورية، شكوك النظام ومؤيديه، في ما يتعلق بموقفها من الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، في البيان الذي أصدرته عقب انتهاء اجتماعها (الرياض - 12/2)، والذي رفضت فيه أن تكون سورية ساحة للنزاعات الإقليمية، وبتأكيدها أن إسرائيل هي عدوة لكل السوريين، أي للمؤيدين والمعارضين، على حد سواء، متجاهلة بذلك زيارات متباعدة لبعض المحسوبين على المعارضة إلى الكيان الصهيوني، ما أعطى النظام على الدوام مادة حية لشن هجماته على أوساط المعارضة جميعها، باتهامه لها بأنها جزء من مؤامرة على النظام وحلفائه المشكلين لمحور المقاومة.

وعلى رغم أن البيان جاء في سياق ارتدادات إسقاط الطائرة الإسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية، إلا أنها- أي الهيئة- وجدت الفرصة متاحة لها للتعبير الضمني المؤيد والمساير للمشاعر الشعبية المتعلقة بهذا الحدث الجلل في المنطقة العربية.

ربما من المفيد القول إن إسرائيل عدوة للسوريين، والعرب جميعهم، على الأقل شعبياً، لكن، ورغم ذلك، فإن دولة الاحتلال، وهي دولة استعمارية وعنصرية وتمارس أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين وتنتهك سيادة سورية، بغاراتها المتكررة بضرب القواعد العسكرية السورية والإيرانية، هي في الوقت ذاته ليست من ساهم بتحويل سورية إلى ساحة للنزاعات الإقليمية، إذ ظلت تنأى بنفسها عن ذلك، على الأقل بصورة علنية أو مباشرة.

هكذا فإن الجيش الإسرائيلي ليس بين الجيوش التي انتشرت قواعده على امتداد أرض سورية، كحال الدول الضامنة للحل السياسي، و «خفض التصعيد» في مناطق سورية عديدة، ومنها إدلب وريف دمشق، حيث تقصف القوات الروسية والإيرانية والتركية (إضافة إلى الولايات المتحدة)، كل على حدة، هذه المناطق، لأسباب تخصّ أجندة كل دولة، ما يخلف مئات الضحايا، شهداء وجرحى، وعشرات آلاف المشردين من منازلهم، وهدم أحياء في المدن والقرى، بما في ذلك مستشفيات ومدارس ودور عبادة.

إلى ذلك، فإن البيان الصادر عن الهيئة التفاوضية، على أهمية تضمينه الموقف من إسرائيل، يجاري إعلام النظام، إلى حد ما، بتحميله هذا الكيان المغتصب أراضينا الفلسطينية والسورية وزر كل ما يحدث، تحت بند المؤامرة، في تجاهل متعمد لأدوار الدول الداعمة لمكونات هذه «الهيئة»، لا سيما روسيا وتركيا، وفي المقابل ثمة تخفيف لمسؤولية النظام وحليفته إيران ومعهم «حزب الله» كمحور مقاومة.

وفي الواقع فإن ما أحدثه التدخل الإيراني في سورية من انعكاسات سلبية على الصراع، من حيث تغيير بنيته بين طرفين سوريين، أحدهما يمتلك السلطة، ويتغول من خلالها على الطرف الآخر، الذي واجهه باحتجاجات شعبية واسعة، تطورت بفعل انتهاج النظام الحل الأمني، الذي دعمته إيران، إلى ثورة شملت معظم الجغرافيا السورية، ثم توالت التدخلات على الجانب الآخر، الذي اعتبر تصريحات الدول التي سميت لاحقاً «أصدقاء الشعب السوري»، بمثابة وعود قطعية، ستؤدي إلى إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة نظام ديموقراطي ينهي مأساة الحكم الأمني، الذي استمر خمسة عقود متتالية، وهو العامل الأبرز في تحويل سورية إلى ساحة صراع إقليمي مسلح، تمرر من خلالها إيران رسائلها الاستفزازية إلى دول الجوار كلها، وتعمل من خلال موقعها الاحتلالي لسورية على تعبيد طريقها المفتوح، من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، من دون أن تنسى إيران «المقاومة» زرع الفتن والحروب الداخلية في اليمن والبحرين لزعزعة استقرار الخليج العربي كاملاً.

وعلى الجانب الآخر فقد تجاهلت هيئة التفاوض في بيانها ذكر حقيقة ما يحدث في سوريا من مجازر، تقوم بها الدول الضامنة لمسار آستانة، الذي وقع اتفاقيات خفض التصعيد في المناطق التي تشهد أعنف تصعيد في سورية، خلال سنوات الحرب الماضية، فحيث روسيا الدولة الضامنة للنظام تقصف مع شريكيها (النظام وإيران) بكل أنواع الأسلحة مناطق «خفض التصعيد» في ريف دمشق وإدلب، بينما تدك المدفعية التركية والطيران منطقة عفرين، من دون أي اعتبار لسورية هذه المناطق جغرافياً، وسكانياً، بغض النظر عن تنوع القوميات التي تسكن تلك المناطق من عرب وكرد وآخرين سوريين.

لقد تعاملت «الهيئة» مع الحرب في عفرين من مبدأ الحيادية حيث أقرت أهمية التهدئة، من دون التطرق إلى جوهر القضية بأن تركيا، الدولة الداعمة للائتلاف وكثير من الفصائل المسلحة- تتعاطى مع الوجود الكردي في سورية كأحد أخطار وجود حزب العمال الكردستاني، المحظور والمصنف إرهابياً في تركيا، من دون أن تعطي فرصة التعاطي مع حل النزاع السوري مع بعض أطياف الأحزاب الكردية ضمن الحل الساسي الشامل، لكل ما يحدث في سورية، ما يدفع اليوم الكرد للاستعانة بالنظام في وجه حرب لجيش دولة كبرى كتركيا يشن هجوماً على ما تسميه تركيا ذاتها ميلشيات، ما يعني حرباً غير متكافئة تعيد الكرد إلى النظام، كملجأ أخير لهم، أمام تقدم الجيش التركي مصحوباً ببعض الفصائل السورية، في حرب لا تخدم أجندة الثورة السورية، ولا تدخل ضمن معطيات المعارضة التي تتحدث عن دولة واحدة وشعب واحد!

هنا يمكن السؤال بجدية عن المغزى من أنصاف المواقف حول القضايا التي يناقشها اجتماع «هيئة التفاوض»، فمن جهة هو ممانع مع النظام ضد العدو الإسرائيلي، وهذا جيد، من دون التصريح عن موقفها من الخسائر أو الأخطار الناجمة عن تدخل إيران عبر هذا الاستهداف، ومن جهة أخرى، يتعامل البيان «بخفر» مع جرائم موسكو ضد الشعب السوري. أيضاً، وفي مكان آخر، في البيان، يتم التهرب من تصريحات أعضاء في الهيئة التي سبقت انعقاد مؤتمر سوتشي بالرعاية الروسية، والتي أكدوا فيها غير مرة أنهم: «غير معنيين بما ينتج عنه»، ليكشف البيان الصادر عن اجتماعهم أنهم منخرطون بمناقشة اللجنة الدستورية التي أقرها «سوتشي»، متناسين تصريحاتهم السابقة، بأن اللجنة الدستورية هي من اختصاص الهيئة الانتقالية، ما يهيئ للقول أن تجنّب انتقاد جرائم موسكو يدخل في صلب أنصاف المواقف، التي تتيح لبعض الهيئة ومنهم «منصة موسكو» تمرير ما لا يتماشى مع بيان الرياض 2، من خلال الهيئة، من دون أن تكلف هذه الأطراف نفسها عناء تحمل الغضب الشعبي من مواقفها.

من الملاحظ، في هذه المرحلة، وجود تقاطع في المصالح بين تركيا وروسيا وإيران في الصراع على سورية، ما يبرر تمرير مثل هذه البيانات الهشة من الهيئة، والتي تعبر عن توافقات باطنية بين الضامنين لمكونات الوفد، قبل أن تعبر عن واقع تعيشه المعارضة السورية، وينقسم بين رغبتها في المحافظة على موقعها التفاوضي مقابل النظام، وهذا يظنه بعض محدثي العمل السياسي قائم على: «التنازلات لمصلحة التبعيات»، وبين ما يحتاجه موقعها الوطني من مشروع سوري يجمع تحت جناحيه مصالح السوريين في دولة ديموقراطية، مع إبعاد شبح التدخلات الخارجية في صياغة التفاهمات حول هذه الدولة من خلال ادواتهم اللاوطنية، وبين المنقسمين ثمة من يعمل بالتوافق، الذي ينتج نصف الموقف حيث لا يمكن البناء عليه، كما لا يمكن التمسك به.

في معركة إسقاط الطائرة الإسرائيلية انتصر النظام على النظام، من دون أن يمرر هذا الانتصار أي هزيمة لإسرائيل، التي استباحت سوريا مرات ومرات إثر ذلك، ما يعني أن الانتصار كان على النظام ومنه وليس أكثر، وأن علينا أن نعترف بأن ما يحدث اليوم أكثر من اعتداء، وأقل من رد، وأنصاف مواقف من المعارضة.

اقرأ المزيد
١٦ فبراير ٢٠١٨
صراع الكبار بدأ في سوريا ... مواجهات تمهيدية بمشاركة سورية ضعيفة

أصيبت العمليات السياسية المتعلقة بسوريا بنوع من الفتور والتوقف، وإن كان بشكل غير تام، لكن بمدى يكفي لتوسيع الخيارات العسكرية بين الأطراف على الأرض، توسع هذه المرة بعيداً عن الأدوات والانتقال إلى المواجهة المباشرة.

اشتباكات دير الزور التي لازالت مستمرة، ويستمر معها كشف حجم الخسائر المتلاحقة للأطراف، فاليوم روسيا تبلغ عن وجود أكثر من 300 شخص روسي بين قتيل وجريح، في هجوم 7 شباط، الهجوم الذي يبدو أنه سيشعل فتيل المواجهة المباشرة الأولى بين روسيا وأمريكا، في صراع على الطاقة والثروات الباطنية في حقول النفط والغاز شرق دير الزور، الخاضع لأمريكا وحلفائها على الأرض.

بوادر الاشتباك المباشر لا يبدو أنها ستقتصر على اللاعبين الكبار في سوريا، إذ امكانية امتداده ليطال لاعبين أقل حجماً، ألا هما تركيا وإيران، اللذين يحاولا انتهاج أسلوب ضبط النفس، محاولات لا يبدو أنها ناجحة سيما مع التصعيد المتواتر، والذي شهد مناوشات هنا وهناك وسيكون بعدها تبعيات أكثر توسعا في قليل الأيام القادمة.

المواجهة التركية – الإيرانية، التي بدأت شرارتها ابان عملية اخلاء مدينة حلب في كانون الأول من عام 2016، عندما عرقلت طهران عملية الاخلاء، وبالأمس تكرر مع الانتشار التركي في العيس مع قصف المباشر للجيش التركي، ولكن الشرارة الأكبر التي لا يمكن التغاضي عنها، هو ما يحدث في عفرين، فبعد سلسلة التصريحات الرافضة للعملية برمتها، بدت ملامح التدخل الحقيقي الإيراني من خلال ارسال قوات من نبل والزهراء لمواجهة الجيش التركي، إضافة لظهور آليات وأسلحة نوعية مع الوحدات الكردية، مع وجود شكوك جدية لدى أنقرة أن المروحية التركية التي أسقطت، كانت بسلاح إيراني، هذه التطورات انعكست على درجة التنسيق بين الطرفين، فقطعت سلسلة اجتماعات استانا في الوقت الراهن، مع التحضير لرد في مكان قد يكون ذا قيمة عالية لطهران، وربما يكون نبل والزهراء، أو يتم الاكتفاء بإطباق حصار كامل ونهائي حول كفريا والفوعة.

في التطورات الراهنة، يوجد حالة من غياب العناصر السورية في المواجهة، صحيح أن الغياب ليس تام، ولكن هذه المرة ليس الطاغي على المشهد إذ يتصدر المشهد بدلات عسكرية متنوعة وذات طابع رسمي ونظامي.

اقرأ المزيد
١٥ فبراير ٢٠١٨
طهران ـ تل أبيب وخيارات موسكو الصعبة

بين معضلة احتواء إيران وضبط إسرائيل، تحاول موسكو تجنب الوقوع بالفخ الذي نصبته لها الدول الغربية في سوريا، التي تطالبها بالحد من نفوذ طهران والضغط من أجل انسحاب جميع الميليشيات التابعة لها من سوريا، وهو ما بات طلباً ملحاً لدى دوائر صنع القرار الغربي تجنباً لوقوع اشتباك إقليمي واسع بين إيران وإسرائيل، ستؤدي نتائجه إلى خسارة موسكو جزءاً من مكتسباتها السورية. معضلة مصيرية تحاول موسكو احتواءها من خلال دبلوماسية التوافق المستحيل بين خصمين، جمعتهما جغرافيا النزاع وتقاطعت مصالحهما على فكرة الحفاظ على النظام، ولكن من خلفيات متناقضة، كشفت الأحداث الأخيرة صعوبة تعايشها تحت السقف الروسي، ما جعل موسكو لأول مرة منذ تدخلها المباشر في الصراع على سوريا خريف 2015 أن تكون مجبرة على الاختيار بين طهران وتل أبيب.

تدرك موسكو جيدا أنها من خلال 25 طائرة حربية وعدة قطع بحرية إضافة إلى 3 آلاف جندي ومستشار وعدة شركات أمنية خاصة لا تستطيع تغطية الميدان السوري، وبأن القيادة السياسية والعسكرية ليست في وارد إرسال قوة عسكرية كبيرة من الجيش الروسي إلى سوريا تجنبا لتكرار سيناريو أفغانستان، لذلك هي مجبرة بالاعتماد كلياً على الميليشيات الإيرانية من أجل السيطرة على المساحات التي تم انتزاعها من المعارضة والحفاظ عليها بعدما فقدت الثقة بالوحدات العسكرية التابعة للأسد، وقناعتها بصعوبة إعادة ترميم جيش النظام، وهذا ما جعل الوجود الإيراني في سوريا أحد عوامل القوة الروسية. في المقابل تستفيد طهران من هذه المعادلة الميدانية من أجل ترسيخ نفوذها وحماية مصالحها وفرض وجودها على طاولة الحل، ورغم وجود امتعاض روسي من محاولات طهران ممارسة سياسة مستقلة في سوريا وإصرارها على تخطي الخطوط الحمر التي وضعتها التفاهمات الروسية الإسرائيلية، استطاعت الحفاظ على موقعها الاستراتيجي في معادلة موسكو الجيوسياسية، التي تدفعها إلى مراعاة الحساسيات الإيرانية على حساب هواجس الأمن القومي الإسرائيلي المستفز من محاولات طهران الاقتراب من حدوده الشمالية وتثبيت وجودها هناك.

وهذا لا يعني أن موسكو في وارد التقليل من موقع إسرائيل في الأزمة السورية، لكنها لم تعد قادرة على التغاضي نهائياً عن ضربات الطيران الإسرائيلي لمواقع عسكرية سورية إيرانية روسية مشتركة مثل مطار تي4. وقد نبهت موسكو تل أبيب على ضرورة الانتباه إلى سلامة جنودها وحذرتها من أن تكرار الضربات القاسية ضد مواقع نظام الأسد كما حدث منذ أيام قد تؤدي إلى إضعاف سيطرته كثيراً، وسيجعل إسرائيل في مواجهة مباشرة إما مع فصائل إسلامية متطرفة وإما مع ميليشيات إيرانية، ما قد يؤدي إلى دخولها في حرب إقليمية مكلفة غير مضمونة النتائج.

تعلم تل أبيب جيداً أن حادث إسقاط طائرة إف 16 الإسرائيلية عبر كمين جوي سوري إيراني مشترك لا ينجح دون تواطؤ روسي محدود من خلال شبكة الرادارات التابعة لقاعدة حميميم، التي تستطيع تحديد إحداثيات الطائرات المُغيرة وإعطائها للدفاعات الجوية التابعة للأسد التي استطاعت إسقاط طائرة وإصابة أخرى، لذلك اعتبر الحادث رسالة روسية لواشنطن وتل أبيب بأن موسكو ليست بوارد السماح في استفراد إيران في سوريا مراعاة للمصالح الغربية، لكنها مستعدة لتسوية تُجنب المنطقة حرباً إقليمية، خصوصاً أن تل أبيب ليست مستعدة لخوض حرب بالوكالة عن واشنطن من أجل تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة الذي جاء نتيجة مواقف باراك أوباما من الاتفاق النووي ومن الثورة السورية. وهذا ما عبر عنه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي للشؤون الدبلوماسية مايكل أورين، الذي اعتبر أن «روسيا تمسك بأوراق الوضع في المنطقة بين إسرائيل وسوريا وإيران وأنها الجهة القادرة على وقف المواجهة التي نشأت عند الحدود».

تراهن موسكو على تحويل التصعيد العسكري الأخير إلى فرصة من أجل إعادة رسم حدود الاشتباك بين حليفيها الأعداء إيران وإسرائيل من خلال التوصل إلى تفاهم غير مباشر بينهما، يقوم على إقناع إيران بالابتعاد مسافة 30كلم عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مقابل أن تتراجع تل أبيب عن اعتراضها على النفوذ الإيراني في سوريا. وهي معنية في التوصل إلى تسوية بين الطرفين لأنها على يقين بأنها الخاسر الأكبر من أي مواجهة مقبلة في سوريا خصوصا أن خياراتها أصبحت صعبة بعدما ارتبط جزء من نفوذها بالموقف الميداني الإيراني وربطت الدول الغربية اعترافها بدورها مقابل فك ارتباطها بطهران.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال