مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ يونيو ٢٠١٦
عن «حصة الأسد» للأسد والباقي... تقسيم!

في الكتابة التحليلية عما يجري في سورية بعد ما يقرب من ست سنوات من الحروب على اختلافها، هناك من يفضل التزام الحد الأدنى من الموضوعية والحياد لكن يخشى أن يؤخذ بجريمة الفكر، على رغم هذه الأجواء البركانية السائدة من المحيط إلى المحيط ومن الخليج إلى الخليج.

ويبقى أن الأمر محاولة موضوعية مع احتمال الوقوع في الخطأ، مقابل اجتهادات أخرى تنطوي على بعض النسبية من الصحة.

بعد انقضاء هذا الوقت الطويل من اشتعال الجبهات وتعدد أطراف المشاركين أصبح بالإمكان التحدث عن «الحال السورية». ومع تقادم الزمن يتزامن طرح الكثير من علامات الاستفهام والتعجب!؟
وبعض الأمثلة والشواهد كثيرة وشديدة التعقيد: من يقاتل من؟ ومن يتحالف مع من؟ ومن يتآمر مع من؟ في السر أو العلانية أو خلف الكواليس؟

وجديد الوضع هو قديمه. آخر الوسطاء الأمميين كان قبل الوسيط الحالي ستيفان دي ميستورا الديبلوماسي الجزائري «المعتق» الأخضر الإبراهيمي، والذي أسقط في يده بعدما استنفد كل المحاولات لإحداث اختراق في جدار الحرب المستعرة. سئل الإبراهيمي أخيراً: ما تقديرك لما ستؤول إليه الأوضاع؟ أجاب: أخشى ما أخشاه «صوملة» سورية.

إننا نسوق هذا الكلام ليس من قبيل تظهير الوضع المأسوي في سورية، بقدر ما هو للتوقف عند ملامح الأوضاع الآتية على بلاد الشام ودول الجوار المشتعلة بدورها، وللحديث عن فشل جميع المحاولات التي بذلت لوقف أتون الحرب الذي لا ولن تقتصر حدود اشتعاله على جغرافيا محددة، ولبنان ليس ببعيد عن مآسي تواصل الحروب الضارية، بين بلدان أخرى يزحف إليها الصراع في مختلف أبعاده.

وسنعرض لآخر المستجدات السورية وتوابعها وفق التبويب التالي:
أولاً: كلما تزايد الكلام عن تقدم الحل السياسي ازداد القتال تأجيجاً، ما يؤكد أن لا جدوى من التوصل إلى حل سياسي بعد كل تعقيدات هذه الحرب والنتائج الممتدة لخمس سنوات ويزيد. وقد ظهر الرئيس بشار الأسد قبل أيام أمام مجلس الشعب (الجديد) طارحاً عرضه للسلام، وبدا وكأن تصوره للحل يختلف كلياً عن «الحل الدولي المقترح» لإنهاء الأزمة.
لقد ظهر الرجل وكأنه ما زال يمسك بزمام المبادرة في مسألة الحرب والسلام، وظهر بوضوح وجلاء الاختلاف البين في الطروحات السلمية المتداولة.

كذلك بدا واضحاً الاختلاف في تبويب الأولويات، فالمعارضات السورية تريد الدخول مباشرة في محادثات تسلم السلطة القادمة، فيما أجندة الأسد تدعو إلى إنهاء الإرهاب أولاً، ثم العمل على تأليف حكومة وحدة وطنية تضم سائر الأطياف. وهذا التباعد لا ينبئ بالتوصل إلى أي حل، ما يؤكد بوضوح أن الحروب في سورية مستمرة.

ثانياً: إن استمرار الاختلاف في سلم أولويات الحل يؤشر إلى المزيد في تصاعد الأعمال العسكرية، سواء من جانب الجيش السوري مدعوماً من الطائرات العسكرية الروسية، أو الأفرقاء والمعارضين من «داعش» إلى «جبهة النصرة» وما يعادلهما.

إن «توقف» مسار جنيف يمثل إشارة واضحة لتعثر المحادثات، واستناداً إلى معلومات لمصادر مواكبة للوضع السوري، فالحل ما زال بعيد المنال وسط المعطيات القائمة. وتؤكد هذه المصادر لــ»الحياة» أن المحادثات السياسية في جنيف أو في فيينا ليست إلا غطاء لاستمرار القتال والمزيد من فصول النزاع المدمر.

ثالثاً: هناك الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة المواقف الأميركية والروسية حيال تواصل الأزمة، ويبدو التباعد بين الموقفين واضحاً.

فالرئيس فلاديمير بوتين ماضٍ في استغلال عدم قدرة أو عدم رغبة الرئيس باراك أوباما التورط العسكري وهو يوضب حقائبه لمغادرة البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية المقرر أن تجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

رابعاً: استناداً إلى المعطيات المتوافرة تبدو المشهدية السورية على الشكل التالي: النظام بقيادة الأسد لم يتمكن من استرداد المواقع التي خسرها في القتال مع كافة أنواع المعارضات والجنسيات المتعددة التي تشارك في الحرب. وفي المقابل لم تتمكن القوى الأخرى المسلحة من السيطرة على كامل أرجاء التراب السوري. وحيال إصرار كل فريق على موقفه يتجه الحل إلى الآتي:
لأن الرئيس الأسد لم ولن يتمكن من استعادة السيطرة على الجغرافية السورية فسيكتفي بالبقاء ضمن حدود جغرافية معينة محددة الأعراق والطوائف والمذاهب. أما الجواب الآخر الخطير فيتمثل في أن عديد الدراسات التي قدمت للأمم المتحدة والتي حملها دي ميستورا تؤكد أن الأقسام الخارجة عن سلطة الأسد ستكون موضع نزاع بين مختلف الأطراف المتقاتلة، ما يعني عملياً استمرار النزيف السوري الحاد، وأيضاً اتجاه سورية نحو «تقسيم ما» جغرافي وعرقي ومذهبي.

وفي سياق متصل لوحظ في الآونة الأخيرة ظهور أطراف مقاتلة كالفريق الكردي مثلاً، والذي يقاتل بشراسة مدعوماً من بعض الجهات الدولية وفي طليعتها الولايات المتحدة. وتكمن خطورة هذا التطور أن ذاك الفريق الذي يقاتل بشراسة تحت مسمى القوى الديموقراطية، يعمل بموجب مبدأ: قاتلوا... واحتلوا الأراضي التي تتمكنون من تحريرها.

وهذا يعني التوصل إلى المشهدية التالية: حصة الأسد ستقتصر على مناطق نفوذ النظام حالياً وقاعدتها العسكرية الروسية في الحميميم، وتضم إليها بعض المناطق المجاورة. لكن ماذا عن الباقي من الأراضي السورية!

وثمة من يشير إلى أن وحدة سورية لا يمكن العودة إلى ما كانت عليه، ويبقى «التقسيم» لا بوصفه الحل المفضل، بل الحل المتاح المتمثل في المعطيات القائمة حالياً.

وهذا يعني استطراداً أن «حصة الأسد» تذهب للأسد، أما الباقي من الجغرافيا السورية فموضع «تناتش» من جانب القوات المعارضة أو المعترضة على البقاء في ظل الأسد.
قد تبدو هذه الصورة غير مقنعة لبعض المراهنين على التطورات في سورية، ولكن لا يكفي نفي قيام التقسيم حتى لا يحصل. كذلك فهذا «التقسيم» ليس «الحل الأفضل»، بل على العكس هو «أبغض الحلال»، لكنه الحل المتاح حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

وهناك أمر مريب يتصل بالعلاقات الروسية – الأميركية حيال سورية. فهناك العديد من القرائن الحسية على «تفاهم ضمني» حتى لا نسمي ذلك «تواطؤاً» ينتزع فيه المكاسبَ اللاعب الروسي بوتين عبر عسكره وعبر ديبلوماسيته المتمثلة بوزير الخارجية سيرغي لافروف.

وهنا يلاحظ أن «القيصر الروسي» يلعب بمهارة على المسرح السوري الدامي وهو يعلم أن الرئيس أوباما أصبح كـ»البطة العرجاء» قبل رحيله عن البيت الأبيض بعد شهور فقط.

ويعلم بوتين أن أوباما لم يعد يريد حرق أصابعه في النار الشرق أوسطية وبخاصة بعد العراق. وعلى رغم ذلك هناك معلومات تؤكد وجود بعض «التقنيين الأميركيين» ممن يعرّف عنهم بالمستشارين الذين يقدمون الخدمات للعمليات العسكرية في سورية والعراق. وقد كشفت فرنسا خلال الساعات الماضية عن وجود قوات فرنسية في الداخل السوري يقتصر دورها على «تقديم الاستشارات» على حد تعبير مصادر باريس.

وفي المحصلة الأخيرة لا بد من التوكيد على النقاط الرئيسية التالية:
لا يكفي تطوع بعض الأصوات التي تؤكد في شكل قاطع «عدم تقسيم سورية» كي لا يقع التقسيم، وفي الرد على هذا المعطى نقول أننا لا نسوق لتقسيم سورية، أو إعطاء الانطباع بأنه الحل الأفضل، لكن استمرار الحرب والعمليات العسكرية خمس سنوات أدى إلى بروز واقع جديد لم يعد معه ممكناً تعايش سائر الأفرقاء في حدود واحدة موحدة.

والنتيجة: ما كتب لسورية قد كتب!

ومن هذا المعطى يذهب الأخضر الإبراهيمي إلى توقع سقوط سورية في «الصوملة» وفق المخطط التالي: يبقي نظام الأسد سيطرة ولو جزئية على ما تبقى لديه من واقع جغرافي محدد، وتقدم روسيا له الدعم العسكري والسياسي. أما سائر المناطق فتبقى عرضه للاقتتال بين أكثر من طرف. وحدث خلال الأيام الأخيرة أن خاضت القوى الكردية قتالاً مع «داعش» و»النصرة»، حيث تقتضي «الخطة» سيطرة الأكراد على الأراضي التي يحررونها من «العناصر الإرهابية».

لقد أظهر التباين في سلم الأولويات واقعاً تقسيمياً واضحاً: الأسد في اللاذقية ودير الزور والعاصمة دمشق، فيما سائر المناطق لمن ستكتب له الغلبة في القتال الضاري والمشتعل.

فالكلام عن فيلم أميركي روسي طويل ليس ببدعة بل هو حقيقة واقعة. وبناء على ما تقدم فأي قرار فعلي يتصل بمسار «الحال السورية» سيكون حصراً بين طهران وواشنطن وموسكو والبقية تأتي.
وهكذا فمصائر شعوب المنطقة رهن تضارب وتقاطع المصالح سواء في الإقليم أو في عواصم القرار الأخرى.

والصورة الماثلة أمامنا تقول: سيبقى الرئيس الأسد على رأس «سورية ما» فيما يستمر الصراع المصلحي على كل ما عداه، وسيتولى «تنظيم الدولة» والنصرة» ما تبقى.

لقد بدأت الأحداث في سورية بشكل محدد وتطورت إلى أشكال شديدة التعقيد، وسوف تنتهي البراكين بشكل آخر يختلف عن سائر الطروحات التي أظهرتها هذه الحرب الضروس.

ولا يمكن ختام المقال من دون التعرض إلى التداعيات الإقليمية والدولية التي أسفرت عنها النيران السورية المشتعلة، وللحديث ولو بشكل خاطف عن حروب الإحالة وحروب الوكالة. وهذا سياق متصل لا بد فيه من التوقف عند اجتماع طهران الذي ضم إيران وسورية وروسيا، وهذا موقف شديد الوضوح بتعقيداته وتداعياته المرتقبة نظراً للأدوار المحورية التي تتحكم بأزمة حل الأزمة السورية. وفي هذا المجال، قال أوباما في توصيفه للوضع: «إن ما يجري في سورية حرب أهلية في جانب وحرب بالوكالة في جانب آخر». صدق أوباما هذه المرة... وعليه يبقى أن أي تعديل أو تبديل في مسار الحرب سيكون في إيران وروسيا، وباقي التفاصيل تأتي لاحقاً.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٦
سُنّةُ الإمام عليٍّ والنواصب من الشيعة في سوريا

أحد السوريين دُعي في رمضان منذ سنين إلى مجلس ٍحافلٍ في العراق جلس فيه عشرات من الشيعة العرب يستمعون إلى شيخ شيعيٍ معمَّمٍ سيِّد وكان يذكرُ قصصاً ورواياتٍ عن المعاناة الشديدة التي كان آل البيت الأطهار يقاسون منها من الصحابة الكبار الأوائل وكان يُثْبِتُ ويُثَبِّت وجود حقد شديد متبادل بين كبار الصحابة وبين الإمام علي وآل بيته فذكر كيف كسر عمر ضلع السيدة فاطمة وذكر مصادرة الخلفاء الأوائل لأملاك آل البيت وذكر رواياتٍ متلاحقة عن اضطهادهم وتجاهلهم وإغماط حقوقهم الاعتبارية والاجتماعية والسياسية وذكر أموراً مؤلمةً كثيرةً بإيقاع حزين  بدا واضحاً أن الحاضرين قد سمعوها مراراً وتكراراً ولكنهم كانوا يشحنون من خلالها عواطفهم ويستذكرون في ليالي رمضان ما قيل لهم أنه عبادة خاصة أقوم من قيام الليل...

وساد في المجلس سكوت وسكون عدة مرات كان الحاضرون يلتفتون للسوري يترقبون منه اعتراضا أو تعليقا ولكنه بقي مستمعا جيداً هادئاً وفي آخر مرة طال السكوت والسكون حتى قطعه صاحب المكان وقال للسوري: لقد تعمدتُ دعوتك إلى هذا المجلس لتستمع فتهتدي أو تعترض, ولكنك ساكت تُصغي ولا تُعقب, فاعتدل السوري وقال: ولماذا أعترض إذا كان قصد السيِّد الراوي في كل ما رواه أن الصحابة الكبار لم يألفوا عليا وآل بيته ولم يحبوهم وعليٌّ لم يألفهم ولم يحبهم فليس عندي في ذلك اعتراض , والتفت إلى السيد المعمم الراوي وسأله عن كنيته فقال: أبو منتظر وقد سمّيتُ ابني  منتظراً  لدلالتين: لينتظرني وكنتُ في ايران من التوّابين أحارب مع الحرس الثوري ضد العراق وتيمناً بالإمام المنتظر.

فهتف السوري مخاطبا المجموعة كلها وقال: فعلا إن في تسمية الأبناء لدلالاتٍ وإشاراتٍ لدى الحكماء... هل تعلمون رجلاً بين الأولين أو الآخرين في كل المعمورة جمع في أسماء أبنائه باقةً فيها: أبو بكر وعمر الأكبر وعمر الأصغر وعثمان الأكبر وعثمان الأصغر...مجموعة أبناء بتلك الأسماء لرجل واحد؟...هل تعلمون ؟... ولم يجب أحد فقال السوري: أيها السادة إنه علي بن أبي طالب... الرجل الوحيد من الصحابة الذي فعل ذلك...والأنساب لا تُزور بسهولة بل قل الأنساب عند العرب كانت أقل أمر دخله التحريف والعبث.

والحسن سمّى من أبنائه أبا بكر وعمر,  والحسين سمّى من أبنائه أبا بكر وعمر, ومن ذريتهما في الأحفاد وأحفاد الأحفاد ثلاثة عشر "عمراً" وخمسة "أبي بكر" في ثلاث طبقات فقط...

عليٌّ وآل بيته حقاً لم يكونوا يحبُّون الصحابة الكبار حباً عاديا إنما كانوا لا يحبون أحدا بعد النبي سواهم وقلوبهم قد تعلقت بهم بحبٍ في الله عظيم.

ولم يُصدّق الحاضرون ما سمعوه والتفتوا للمعمّم يستنبئونه :أحقٌ هو أم قد زوّرَ السنّةُ الأنسابَ... فراحت كلماته وأنظاره تلف وتدور ولم يُفهم منه وقتها إلا: " نعم هو صحيح ولكن من قال أن الإمام علي سمّى تيمناً بهم...لقد سمّى تيمناً بآخرين ...ثم هذه الأسماء كانت جذابة دارجة في تلك الأيام وليس بالضرورة أن تكون في التسمية دلالات, وحتى لو قصدهم فالتقية واجبة..."وكرَّر وتلعثم وحاول أن يستمر في الشرح والتبرير لكن الحاضرين ضجُّوا وأسكته ضجيجهم, لقد صُدموا وتبين أمامهم أنهم قد غُرر بهم وتفككت أمامهم دفعة واحدة الأسطورة...أسطورة تباغض الصحابة وآل البيت وتباعدهم وأعلن أحد الحاضرين: "أنا سيّد من أحفاد رسول الله والله لأسميَّن أول مولود قادم لي باسم عمر" وقد فعل.

والأمر أكبر من ذلك وأغلظ...فلن يجد باحث واحد مهما بذل أن هناك من سمّى أو كنّى هو و ذريته من بعده في خمس طبقات أسماءاً لأبي بكر وعمر وعثمان كعلي بن أبي طالب لا في عصره ولا في عصر تلاه...يبدو أنها كانت طريقة ونهجاً اتبعها عليّ وأوصى بها أبناءه من بعده.

"عليّ" هو الذي لم يقبل أن يُفضّله أحد على أبي بكر وعمر وقال قولّته الغاضبة المشهورة: "من فضّلني على الشيخين حددته حد الفرية".

و"علي" هو الذي وضع الحسن والحسين حارسين على باب عثمان لحمايته أيام الفتنة الكبرى.

لقد سجّل علي بذلك وغير ذلك براءة كاملة مما اختلقوه و ابتدعوه وروّجوه وأسقط الأسطورة بحرص وفراسة...

 ويندر في أنواع التاريخ المزوَّر أن يُذكر أمر لا يكون له أي أصل أو مناسبة ولكن هذا الأمر الذي أُلصق بالصحابة و الإمام عليّ كان فعلاً لا أصل له بل هو قلبٌ كاملٌ مقصودٌ للحقائق بما يعاكس ما حدث وما يعاكس طبع علي والصحابة  وأخلاقهم.

والذين وفروا الأدلة الكثيرة الحاسمة القاصمة ضد أسطورة "بغض أهل السنّة لآل البيت" على مدى مئات السنين هم  أهل السنة والجماعة  أنفسهم, الأولون والآخرون ...السابقون والمعاصرون الذين حرصوا بنفس طريقة الإمام علي أن يُسمّوا أبناءهم  بكثرة بأسماء علي والحسن والحسين ويندر أن لا تجد في اسم الواحد من أهل السنة حتى الجد السابع اسم علي أو الحسن أو الحسين وصارت هذه الأسماء أكثر الأسماء عند أهل السنّة بعد ما حُمِّد وعُبِّد من الأسماء عبر القرون.

وفي خلاف "عليّ" مع معاوية ...كل أهل السنّة المعتبرين يقولون بأن الإمام علي كان على الحق ويخطِّئون معاوية في ذلك ولكنهم لا يكفِّرونه ولا ينبذونه كما يشتهي مؤسسو أساطير الفتنة... فعليٌّ نفسه لم يكفر معاوية, و لمعاوية فضائل في الفتوح وغيرها.

وتكاد لا تخلو خطبةٌ على منابر أهل السنة من الذكر الحسن الطيب لعلي والسبطين.

ومن ظنّ أن أهل السنة يسمحون لبشرٍ أن ينتقص من واحد من آل البيت فليجرِّب ذلك فينظر أيسلم أم يُهان.

أهل السنّة  إذا وصفهم باحث أنهم "سنّة الإمام عليّ" أو لقّبهم "بأهل السنّة وجماعة عليّ" فقد  وصل وصدق بل هم شيعة علي الصادقون...الذين  شايعوا علياً فعلاً في العقيدة الصحيحة والنهج والطريقة.

والذين ادعوا أنهم شيعة لعلي وخالفوه في كل شيء وفي كل حين وفي كل زمان و وصلت بهم المخالفة المديدة لعليّ إلى مقاتلة أهل الشام المظلومين المنتفضين اليوم...أهل الشام الذين لم يَذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضل أحد مثلهم...أهل الشام الذين انتفضوا ضد الظلم والاستبداد الظاهر المبين يُرسلُ المُدَّعون لقتالهم وقتلهم الأفواج تلو الأفواج باسم الإمام عليّ وباسم الحسين الذي قال عما يفعلون :"العامل بالظلم، والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم,...ومن عذر ظالماً بظلمه سلط الله عليه من يظلمه..." وفي وصية لأصحابه:" إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم, فيوم القيامة يأتي رجل إلى رجل حتى يُلطِّخَه بدمه، فيقول: يا عبد الله مالك ولي؟ فيقول أعنت ضدي يوم كذا وكذا بكلمة فقُتلت ".

وأقوال كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصى لآل البيت في رفض الظلم وردع الظالمين وأعوانهم....أقوال ومواقف تجعل الباحث المتمعن يقول :هؤلاء الذين اجتاحوا سوريا ليقتلوا شعبها وينتهكوا كل الحرمات فيها بمسمّى شيعة آل البيت  إنما هم في الحقيقة يخالفون قيم ووصايا وأخلاق آل البيت وعندما يهتفون باسم علي والحسين وسائر آل البيت ويرفعون رايات عليها أسماؤهم فهم يلصقون أبشع الأعمال المنكرة الفاسدة بتلك الأسماء ... وأصحابها بلا ريب منهم براء...إنه التشويه والتلويث الذي يوصل من يفعله لمرتبة من يناصب آل البيت العداء فعلاً....هؤلاء فعلاً ينطبق عليهم أن يقال لهم :"أنتم النواصب الحقيقيون" ..."نواصب الشيعة" الذين جلبوا لعليّ وآل بيته الألم والمعاناة في حياتهم وبعد مماتهم...

يبدو أن عليّاً ذا الفراسة قد قصدهم في عصره وعصرنا بقوله وهو يخاطبهم: "أخلاقكم دقاق، وعهدكم شقاق، ودينكم نفاق، وماؤكم زعاق، والمقيم بين أظهركم مرتهن بذنبه...قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً ، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً ، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان... من فاز بكم فاز بالسهم الأخيب..".

 وعن قيمتهم قياسا بقدر أهل الشام في نظر الإمام عليّ يقول لهم: "و الله! لوددت لو أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم, عشرة منكم برجلٍ من أهل الشام"....عشرة منكم برجلٍ من أهل الشام...عشرة منكم برجلٍ من أهل الشام.

نواصب الشيعة هم الذين يُموّلون ويُناصرون ويُقاتلون في سوريا إلى جانب أبشع الطغاة ويتحالفون لذلك مع كل شياطين الأرض...

"نواصب الشيعة" فئة كاذبة أتقنت الدجل وتسييسه وجَرَّت وراءها فئة ساذجة عمياء غُرر بأتباعها جماعات ووحداناً.

وفي سوريا اليوم يقول الحسين لنواصب الشيعة الذين اجتاحوا الأرض المباركة :"من سلّ سيف البغي قُتل فيه"

ويُبشر "عليٌّ "سنّته "أهل السنّة" في سوريا فيقول:

"إذا رأيتم الظالم يستمر في ظلمه فتأكدوا أن نهايته محتومة وإذا رأيتم المظلوم مستمراً في مقاومته فتأكدوا أن نصره محتوماً"

فأبشروا "سنّة محمّدٍ وأبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ" بهزيمة نواصب الشيعة في سوريا.

 

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٦
ماذا لو بقي الأسد رئيساً لفترة انتقالية .. فهل سيؤثر ذلك في شيء؟

تحاول هذا الفكرة الدخول عنوة و بنعومة في رأسي و رأس الجميع ، كحل مؤقت لوقف سيلان دم الشعب السوري، الذي لم يبقى فيه من الدم الكثير ليسال، و يحاول طارحوه إيجاد مخارج لها و تخريجات لأن تجد لها قبولاً أو رضا أو على الأقل عدم نفور و بالتالي الهروب بالاتجاه المعاكس لها.

و لو تساءلنا بسذاجتهم و وأخذنا الفكرة بشيء من العقل المجرد من كل مشاعر و أحاسيس، و الأهم تغييب الإرث الذي نحمله في كل جوارحنا، وقلنا : ما المشكلة في أن يبقى الأسد لفترة انتقالية و بالتالي سنتخلص منه بيسر و سهولة، و سيكون خلاصنا منه كخلاص المرأة من حمل دام لخمس سنوات تلفظ معها جنين (سوريا الحلم) و كذلك كل ما احتواه رحمها من دم و أمور تؤذي..!؟

منطقية السؤال جيدة و البحث فيها مشجع أكثر و الغوص في تفاصيلها يجعل الأمر شيق و جدير في الدراسة، فلم لا ، و لم لانفعل و لم لا نقدم على ذلك، فهي بالنهاية فترة مؤقتة يتلوها فترة فيها الدوام في الجو الذي خرجنا لأجله .

نعم السوق السابق هادئ و يفهم منه أنه متوافق مع الجميع من دول و منظمات و هيئات، و لكن أين الخطأ فيه حتى يجد هذا الكم من الرفض داخل العقل المجرد مما سبق ذكره .

الانقلاب العسكري الذي أوصل حافظ الأسد للحكم، هو حالة مؤقتة تحولت إلى "الأبد"، قانون الطوارئ الذي أعلن لمواجهة بضع هزات في المجتمع تحولت لحقبة تمتد من أواسط القرن الماضي و إلى الآن لازالت جاثمة.

و لكن الوضع الآن مختلف نعم ، فالمجتمع الدولي يطلب و يتعهد بالتنفيذ.
و لكنه توعد طوال السنوات العجاف الخمس الماضية و لازال و سيبقى دون أن يحرك شيء ، إلا تلك الألعاب التي يرمي بها هنا و هناك ليعمل بشيء مخالف.

و العقل المجرد سرعان ما يستيقظ من ذلك الوهم ليؤكد أن: بقاء الأسد لمرحلة انتقالية يعني أن نسلم سلاحنا له، و نسير تحته لنحارب الارهاب، و كذلك سيكون على المهجرين و المشتتين أن يسلموا خيمهم و ينتقلوا لعراء الأسد بغية محاربة الإرهاب، و على المحاصرين أن ينتفضوا و يحركوا ما تبقى من أجسادهم الهزيلة من الجوع و الحرمان، ليقطعوا بقايا أجسادهم ليقتات الأسد منها و ذلك أيضاً لمحاربة الإرهاب ، و الأهم على الأمهات و الآباء و الأبناء و الأرامل كذلك أن يخفوا شواهد جثامين أحبابهم و يمنحوا دموعهم للأسد ليشرب منها و حتماً لنحارب الإرهاب، و سيخرج المعتقلون هرولة من ظلمات السجون إلى نور الأسد دعماً له في محاربة الإرهاب، بالمختصر نحن سنؤد كل التاريخ بغية تلك "اللحظة التاريخية الانتقالية".

الحقيقة و أن أكتب هذه السطور خطر في بالي سورة "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل" فدفعتني لانتظار "فجعلهم كعصف مأكول"، و و أتبعتها بـ "لإلاف قريش" فلم أجد إلا "آمنهم من خوف"، فليس هناك منطق يحكم الانتقال بشكل متسلسل و إنما التغيير يكون عبر طريق شائك ينتقل بشكل كلي من فيل إلى العصف...

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٦
سوريا و..حرب الإرادات!

اجتماع وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا في طهران، ليس اجتماعاً عادياً. إنه اجتماع يقع في توقيته، عند مفترق خطير ودقيق للحرب في سوريا، لذلك يجب متابعته ومراقبة ما سينتج عنه علناً وما ستتم ترجمة قراراته السرية ميدانياً في سوريا وحتى العراق. لو لم يكن الأمر مهماً وتتداخل فيه المواقف السياسية بالعسكرية كان يمكن الاكتفاء بعقد اجتماع بين أركان الجيوش الثلاثة أو مديري وزارات الخارجية.

الحرب في سوريا تتحول تدريجياً الى حرب دولية، تضع المنطقة كلها ومن دون استثناء على حافة هاوية أقل ما يُقال فيها من يخرج منها بلا دمار ولا تشوهات إنسانية - ديموغرافية وجغرافية يصبح أعجوبة. هذا التوصيف، ليس أدبياً ولا عاطفياً، وهو يُقال على أعلى المستويات. والى الوقائع:

قد يُقال نعلم أنه توجد قوات عسكرية ومخابراتية لكل الدول الأعضاء في الحرب في سوريا، لكن يوجد فرق بين التسريبات المخابراتية والإعلامية وبين الإعلان الرسمي. الفرنسيون كشفوا أنهم أرسلوا وحدات كمندوب الى سوريا، وقد سبقهم الى ذلك الإنكليز والأميركيون والروس والأتراك وبطبيعة الحال إيران ومجموع ميليشياتها الشيعية بقيادة الجنرال سليماني، وقد تزوج من سورية ما يخوّله الإقامة من دون دعوة رسمية. هذا، من دون تناسي الدور الإسرائيلي الواسع والفعال بالتعاون وبالتكافل والتضامن مع موسكو ومباشرة مع «القيصر» فلاديمير بوتين، جواً وبراً.

كل هذا أمر يمكن التعامل معه بدراية، ولكن الإعلان عن النزول الثلاثي الأميركي والإنكليزي والفرنسي للقتال جنباً الى جنب مع الأكراد الآملين بالانفصال وهم الذين يقولون: «إن كردستان محتلة من العرب» ولا تخضع لمبدأ تقرير المصير. بهذا التدخل، يتم تغيير كل المعادلات، ولم يعد معروفاً ماذا سينتج عن هذه الفوضى التي قد لا تبقى منظمة، مما يضع سؤالاً كبيراً حول مستقبل سوريا كدولة أولاً والمنطقة خصوصاً العراق ولبنان ثانياً.

أيضاً وهو مهم جداً. حتى الآن يجري ضبط المواجهات بما فيها الاشتباك الجوي التركي ـ الروسي، ولكن ماذا سيحدث إذا وقع صدام بالصدفة أو عن سابق تصور وتصميم؟ في قلب هذا الخطر توجد تركيا التي تعاني يومياً من تفجيرات «الاٍرهاب الكردي». مجرد فكرة استقلال «كردستان» سوريا، تثير كل الكوابيس التركية. ما يقلق تركيا خطر تفاهم ولو ضمني بين موسكو وواشنطن. في المعارك الأخيرة في «كردستان التركية»، سقطت هليكوبتر تركية، أعلنت أنقرة أنها سقطت لعطل فني، فما كان من الأكراد وبموافقة روسية إلا أن عرضوا فيديو لإسقاط الطائرة بصاروخ روسي من نوع 9K38-Igle وأرفق الفيديو برسالة روسية: إذا أعطيتم صواريخ أرض ـ جو للمعارضة السورية نعطي للأكراد صواريخ مماثلة. رغم هذا التحذير يُقال إن الرئيس رجب طيب اردوغان لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين، وأنه قد يُقدم على التدخل المباشر خصوصاً إذا استولى الأكراد السوريون بقيادة المسؤول العسكري والرجل القوي آلدار خليل على منبج.

الصدام المباشر الروسي - التركي يصبح ممكناً ولكن ماذا عن موقف واشنطن؟ وماذا عن إيران المستفيدة الكبيرة من تكسير «أسنان» تركيا في سوريا على المدى القصير؟ ولكن ماذا على المدى المتوسط، خصوصاً أن لديها مشكلة كردية عميقة الجذور تعود الى «جمهورية مهاباد» الكردية التي قامت في العام 1946؟

هذا التدخل الى جانب الأكراد، يطرح على السوريين بجميع فصائلهم، سؤالاً كبيراً: هل فُتح الباب أمام التقسيم أو الفيدرالية في أفضل الظروف؟ وماذا عن مستقبل النظام والمعارضة معاً؟ وهل هذا يتضمن حلولاً للقضية المركزية فلسطين تكون إيران طرفاً فيه مهما كابرت خطابياً؟ وماذا عن مستقبل «حزب الله» الذي مهما حضنته إيران ودللته سيضطر في النهاية إلى الدخول في الترتيبات خصوصاً أن القرار 1701 موجود، لا سيما وأن روسيا ستكون الضامن الكبير لمثل هذه الاتفاقات التي تسمح لها بتثبيت وجودها في المنطقة وإعادة رسم خرائطها فتأخذ بذلك بعد مائة عام من اتفاق سايكس - بيكو مكانهما!!

تصعيد الرئيس بشار الأسد الأخير وإصراره على الحل العسكري ناتج عن استقوائه بالروس والإيرانيين ولكن أيضاً في حشر المعارضة السورية بين «مطرقته» وبين «السندان» الكردي المدعوم غربياً، في حين أنه قادر على تقديم التنازلات تلو التنازلات التي تفتح له أبواب التفاوض.

لا يوجد حسم في المواقف والترتيبات. إنها حرب الإرادات بانتظار انتخاب الرئيس الأميركي القادم. بالتأكيد ستختلف الأمور مع بقاء أهمية المكاسب المسجلة حتى ذلك الوقت في خانة المتفاوضين على طاولة التفاوض.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٦
تهديدات الأسد بقوة غيره

لا حرج عند الرئيس السوري بشار الأسد في القول إن «حمام الدم لن يتوقف»... كأنه يتحدث عن «حمام الهنا» الذي تشتهر به الأحياء الدمشقية والحلبية... طبعاً هو برر ذلك بأنه لن يتوقف عن محاربة الإرهاب.

لم يختلف خطاب الأسد الأخير عن خطاباته السابقة. إنكار كامل للواقع واسترسال في تجاهل وجود معارضين لنظامه المستبد، عبر وصمهم جميعاً من دون استثناء بـ «الإرهاب» الذي يريد «اقتلاع جذوره»، فضلاً عن مساواته الرافضين حكمه العائلي وبطشه، بـ «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية. الإنكار يبلغ درجة تجاهل وجود الخصوم الفعليين في الداخل عندما يقول «لم نرَ أطرافاً أخرى ... لا يوجد أطراف أخرى»، في حديثه عن وفد المعارضة في مفاوضات جنيف - 3 التي أفشلتها براميله المتفجرة ومحاولة جيشه مع الإيرانيين السيطرة على حلب منذ سريان الهدنة أواخر شباط (فبراير) الماضي.

لا جديد في وصف الأسد معارضيه بالخونة، ورفضه «المرحلة الانتقالية» وفق جنيف 2012 ومفهومه لها. فوفق خطته للحل، يطلب استسلام المعارضة، وصولاً إلى مؤتمر وطني للحوار. الجديد أنه ينسف جنيف - 3 وكل المحاولات الروسية - الأميركية لإحيائه، ويتحدث عن أن سورية «لا ترضى الخنوع ولا تقبل الوصاية»، مقرناً ذلك بالإصرار على تحرير حلب وعلى استعادة كل شبر من سورية من الفصائل المعارضة. لكن المضحك في هذا الجديد هو رفضه «الوصاية»، في وقت تجتاح الجيوش بلاده من كل حدب وصوب، والميليشيات المتعددة الجنسيات المستقدمة من إيران، من دون أن ننسى تلك المنضوية تحت لواء «داعش»، وتحول بلاد الشام إلى ملعب عالمي للحروب بالواسطة، نتيجة تمسكه بالتفرد بالحكم، واستدعائه كل أنواع الدعم الخارجي إلى الأرض السورية، منذ تعامل مع تظاهرات الاحتجاج السلمية بالبطش والمجازر والقهر، ثم تعاظم احتلالات الدول الساعية إلى موطئ قدم في سورية، للدفاع عنه، عندما اقتربت المعارضة من دمشق.

مهزلة الاعتداد بالوطنية السورية في خطاب الأسد في ظل مسؤوليته عن استباحة بلاده من الخارج، تطرح الأسئلة عما يقف وراء توعده بتحرير كل شبر وجعل حلب «مقبرة» للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. هل أن اشتراك الجنود الأميركيين مع الميليشيات الكردية و»جيش سورية الديموقراطية»، في تحرير منبج من «داعش»، (انضم إليهم خبراء فرنسيون) والجنود البريطانيين في تأمين الحدود الشرقية مع العراق (عبر إنشاء «جيش سورية الجديدة») في مواجهة التنظيم، والدور التركي على الحدود، أخذا يشعرانه بأن ورقة محاربة الإرهاب التي يراهن على أن تبقيه في الحكم طالما لها أولوية على إزاحته عند المجتمع الدولي، باتت في يد الدول والفصائل التي تساندها؟ وهل أن الإصرار على «السيادة» ناجم عن إحساسه بأن قضم هذه الدول الأرض من «داعش» يفقده الدور الذي اصطنعته له إيران وروسيا تحت عنوان محاربة الإرهاب، لإبقائه في الحكم، فتبطل هذه الحجة بعد التخلص من «داعش»؟ والأسد والمحيطون به غضبوا لمشروع الدستور الذي وضعت روسيا مسودته، مستبقة الاتفاق مع واشنطن على وجوب التوصل إليه في آب (أغسطس) المقبل، والذي يحوي توزيعاً جديداً للسلطة، ونظاماً فيديرالياً، رفضته القيادة الأسدية؟

الوجه الآخر للسؤال عما إذا كان تبجح الأسد بقوة غيره ضد خصومه، قد يكون في مراهنته على أن يقود تصاعد الصراع الروسي - الأميركي على أوروبا الشرقية والذي أخذ بعداً جديداً مع تعزيزات حلف الناتو في دول البلطيق ومناورات القوات الأميركية مع 20 دولة في بولندا، إلى اتجاه موسكو للرد في سورية، بالتصعيد العسكري ضد المعارضة، وإمكان أن يشمل ذلك حلب. فبإسم السيادة سبق للأسد أن وقّع الصيف الماضي مع موسكو المعاهدة التي تجيز لقوات القيصر استباحة سورية لسنوات، بحيث تحوّلت قاعدة حميميم إلى مرجعية الجيش السوري، وبديلاً لدمشق في القرارات حول الهدنة ووقف النار أو استئنافه... فهو سلّم أمره لموسكو وقبلها لطهران.

إذا صح هذا التفسير لخلفية تهديدات الأسد، يقتضي انتظار مفاعيل الاجتماع التنسيقي الذي عقد أمس بين وزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، ليتبين ما إذا كان الثلاثي يتجه إلى تعزيز أوراقه الإقليمية، ومنها في سورية، خلال الأشهر الفاصلة قبل قيام الإدارة الأميركية الجديدة مطلع العام المقبل.

ثمة من يعتقد بأن الأسد أخذ يطمئن إلى مصيره، ويوزع التهديدات نتيجة التقارب الروسي - الإسرائيلي الذي توّجه بنيامين نتانياهو قبل يومين، خلال زيارته موسكو، بالقول إن مسألة بقاء الأسد في السلطة «ثانوية». فلطالما كانت روسيا صلة الوصل بينه وبين تل أبيب.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٦
هدف روسيا: اجتذاب أميركا إلى تصفية المعارضة «المعتدلة»

هي مرحلة اختلاط الحابل المحلي - الإقليمي بالنابل الدولي... وتشهد هذه الحال، كما تتراءى في سورية، تنافساً محموماً لإثبات الوجود والنفوذ من دون تدخّل عسكري مباشر (الولايات المتحدة من خلال الأكراد ومجموعة عربية رمزية في «قوات سورية الديموقراطية»، بل إن بريطانيا سعت أخيراً إلى إبراز دور لها يتمثّل بـ «جيش سورية الجديد»)، أو بالتدخّل المباشر سعياً إلى الحصول على مواقع جديدة على الأرض والتحكّم بـ «الحل السياسي» (روسيا من خلال غطائها الجوي وقوات «صقور الصحراء» وإيران بـ «الحرس الثوري» والميليشيات المستوردة وكذلك ميليشياها السورية المسماة «جيش الدفاع الوطني» بالإضافة إلى قوات النظام السوري)، أو الثبات في مواقع أمكنت السيطرة عليها قبيل التدخّل الروسي (فصائل المعارضة التي تعمل على موجات مختلفة وبمرجعيات متناقضة وغير منسّقة في الجنوب والوسط والشمال).

وفيما يشكّل تنظيم «الدولة الإسلامية/ داعش» عنواناً لتغطية التدخّل الأميركي (والبريطاني) كلياً، والروسي جزئياً، فإن موسكو بادرت منذ غاراتها الأولى (آخر ايلول/ سبتمبر 2015) إلى إبراز «جبهة النصرة» كعنوان رئيسي آخر لتدخلها، لكنها استخدمته تحديداً للتعمية على استهدافاتها الحقيقية: كل الفصائل المعارضة التي تقاتل نظام بشار الأسد. حاولت الولايات المتحدة وضع الدور الروسي في إطار ما عُرف بـ «تفاهمات كيري - لافروف»، لكن التدقيق في خط بلورة هذه التفاهمات منذ مرحلة «كلينتون - لافروف» (حتى بيان جنيف 30/06/2012) ومرحلة «الخبراء» التي سبقتها (2011) يُظهر أنها تغيّرت تصاعدياً لمصلحة موسكو. ولا شك في أنها مرّت بأهمّ مراحلها بين الاتفاق على تدمير ترسانة السلاح الكيماوي (أيلول/ سبتمبر 2013) وانعقاد مؤتمر جنيف (شباط/ فبراير 2014)، إلا أنها انقطعت بالتزامن بين فشل المفاوضات واندلاع الأزمة الأوكرانية. ولم تبادر واشنطن إلى استئنافها في أيار (مايو) 2015 إلا بعدما تأكد فشل الدور الإيراني في حسم الصراع فيما توصّلت فصائل المعارضة بدعم تركي - عربي إلى طرد النظام من مناطق واسعة في الشمال. ولم يقتنع الروس بالدعوة إلى تجديد «التفاهمات»، إلا بعد تقارير عن إجهاض تقدّم للمعارضة من الجنوب نحو دمشق، ما أكد لهم أن الأميركيين جادون في قبول، ولو مشروط، لبقاء نظام الأسد.

منذ ذلك الوقت أصبحت الكلمة الفصل في «التفاهمات» لموسكو، وهو ما تدعّم بتدخّلها المباشر، إلا أنها وضعت محدّدات لدورها مستمدّة من تجربتها الأفغانية ولا تختلف كثيراً عن معارضة باراك أوباما إرسال قوات برّية وعدم توريط جنوده في قتال داخلي. أبدى الروس في البداية اندفاعاً إلى حسم عسكري عاجل لمصلحة النظام، لكن تعرّفهم عن كثب إلى طبيعة الصراع على الأرض، ومعاينتهم وضع الجيش وتبعيّته لإيران وميليشياتها، وكذلك تحليلهم لتشابك المصالح الإقليمية مع القوى المحلية، جعلتهم يتظاهرون بالاستجابة لضغوط ودعوات أميركية وأوروبية والقبول بوضع «عملية سياسية» تضبط الأزمة الداخلية وتشكّل خلفية مناسبة ومساعدة لتفعيل «الحرب على داعش» وعلى «النصرة». وهكذا بدأت لقاءات فيينا رباعية (مع السعودية وتركيا)، ثم وسّعت بطلب روسي وموافقة أميركية على ضم إيران خصوصاً، وهنا بدأت واشنطن مسلسل تراجعات تكيّف معها الأوروبيون بفعل موجات اللاجئين وتصاعد خطر الإرهاب الداعشي. وضعت واشنطن «مصير الأسد» في الواجهة للإيحاء بأنه خلافها الرئيسي مع موسكو، لكنها في الخلفية وافقت على التصوّر الروسي لـ «الحل السياسي»: فلا «هيئة حكم انتقالي» ولا «عملية انتقالية» أي لا مرجعية لـ «بيان جنيف»، بل «حكومة وحدة وطنية» تضم معارضين، ولا شروط على الأسد بل احتكام إلى دستور يعدّ/ و «انتخابات» تُجرى بإشراف «حكومته»، مع «إشراف من الأمم المتحدة» إذا كان هذا لا يزال يعني شيئاً في ظل التعاسة التي بلغتها منظمة بان كي مون ومبعوثيه.

أرادت روسيا من لقاءات فيينا والدول المشاركة فيها أن تسجّل: أولاً، أن تدخلها في سورية أسقط الخيار العسكري للمعارضة وأن هزيمة النظام (وإيران، الموجودة إلى الطاولة) لم تعد هدفاً ممكناً. وثانياً، أن الحل السياسي ينبغي أن يخضع لميزان القوى العسكري، وبهذا المعنى فإن «الحكومة» والانتخابات» هما المخرج الوحيد المتاح للمعارضة، ولداعميها... كان ذلك إيذاناً بأن الروس أصبحوا متحكّمين كلياً بالملف، ولتأكيده واصلوا عمليات القصف المستهدف للمعارضة المصنّفة «معتدلة» كونها العدو الرئيس للنظام ولحليفه الإيراني، ولم يبالوا بالقرار 2254 رافضين البحث في أي «هدنة» أو مساعدات إنسانية قبل الشروع في التفاوض، ووافقوا على تغطية جويّة لهجمات برّية واسعة على حلب متوقّعين أن تكون واشنطن «قامت بما عليها» مع المعارضة والدول التي تدعمها بحيث تكون الجولة الأولى في جنيف بداية تعبير عن استسلام مبكرٍ وعاجل وقبول بصيغة الحل السياسي وشروطه. وعلى رغم إقرارها لاحقاً، وعلى مضض، بوجوب إقامة هدنة تسهيلاً لانطلاق المفاوضات، إلا أنها تركت قوات النظام وإيران لتتولّى عملية الإسقاط التدرجي للهدنة.

طوال الأعوام الخمسة الماضية تبنّت روسيا تصوّرات إيران ونظام الأسد، وبدا كل ما قامت به أشبه بـ «تكليفات» أسدية أو إيرانية، من التربص بأي تدخل أميركي أياً كان نوعه، إلى إدارة الأزمة مع أميركا للتحكّم بأدوار الدول الأخرى، وصولاً إلى إقصاء تركيا وابتزاز الدول الأخرى، وأخيراً الحؤول دون انفراد الأميركيين بـ «الحرب على داعش» والضغط لاجتذابهم إلى حرب متزامنة ضد «النصرة» فتكون هذه الحرب الحاسمة ضد المعارضة. هذا هو الحاصل الآن: إذ بدأ الأميركيون يتعرّفون إلى نتائج رهاناتهم في «الحرب على داعش»، استبعدوا النظام، لكن الروس يفتحون له وللإيرانيين طريقاً إلى الرقّة، واستبعدوا المعارضة التي خذلوها ولا يمانعون ضربها وتصفيتها، واعتمدوا حصراً على الأكراد مع مجموعة «عربية» هامشية، وكلّها خيارات تخلط الأوراق أو تمهّد لتسليم الرقة إلى النظام، لكنها تجازف بصنع البيئة المناسبة لإنتاج حالٍ أسوأ من تلك الداعشية التي يراد إنهاؤها.

لم يكن لروسيا يوماً أي مشروع حل متكامل ومبني على قرارات دولية شاركت في صوغها، وعندما شعرت بأن مقاطعتها للمعارضة تفصلها عن الواقع نظّمت حوارات أدّت إلى استنباط «معارضة موسكو» المطعّمة بشخصيات سمّتها الأجهزة الأسدية والإيرانية، وبعد تدخّلها المباشر تبنّت أيضاً «معارضة حميميم» الموالية كلياً للنظام. لكن التجربة بيّنت لها أن ثمة معارضة واحدة تستطيع أن تقيم هدنة مع النظام، وتستطيع بالتالي أن تفاوض على حل سياسي. فهذا هو الواقع الذي يخالف منطق روسيا وتفاهماتها مع أميركا، وبدل أن تعترفا به فضّلتا منطق الأسد - إيران، أي مواصلة الحرب، وصولاً إلى كيّ هذا الواقع وتغييره ليتلاءم مع المخارج اللامعقولة التي تطرحانها لإنهاء الصراع. فالواقع هو، ببساطة، شعبٌ ضد نظام، وروسيا وأميركا متفقتان مع النظام، ضد الشعب، يتساوى في ذلك أن يقول مسؤولون روس بين حين وآخر إن الأسد لا يهمهم في شيء، أو أن يقول مسؤولون أميركيون أن الأسد فاقد الشرعية. إنهم يعاملونه بعكس ما يقولون، بعدما أدركوا بالتجربة أن النظام هو الأسد والعكس صحيح، أما الدولة فبات الروس يعرفون جيداً ما حلّ بها من تفكك واهتراء وافلاس.

في السابق، كان الأميركيون يحثّون الروس على التخلّي عن سلبيتهم وتشجيع التفاوض بين الطرفين السوريين، وما حصل أخيراً أن لافروف خاطب كيري بلهجة لائمة، لأن واشنطن تتلكأ في الموافقة على أن يدعو المبعوث الأممي إلى جولة جديدة في جنيف، بل إن الوزير الروسي اتهم المعارضة بأنها غير مهتمّة بالتوصل إلى حل سياسي. تكمن المفارقة في أن روسيا تبرهن يومياً أنها، مثل حليفيها نظام الأسد وإيران، اختارت الحل العسكري في شكل واضح، وهو ما تؤكده الوقائع الميدانية وخريطة مجازر القصف بالبراميل فضلاً على الإغارة على سوق العشارة في دير الزور وتعمّد قتل المدنيين فيها. لكن موسكو لا تزال تتوقّع أن تأتي المعارضة إلى جنيف لتوافق على الحل الذي يطرحه النظام، وإذا لم تفعل فإن الروس سيفرضون ذلك الحل بالتعاون مع «المعارضات» الأخرى.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٦
سايكس- بيكو وواقعنا الراهن

من تقاليد الوطنية السورية رفض ما ترتب بعد الحرب العالمية الأولى على اتفاق سايكس - بيكو بين فرنسا وبريطانيا، لكونه قسّم سورية الطبيعية إلى دولٍ وإماراتٍ وكانتوناتٍ وولايات، وحال بين العرب الخارجين للتو من الإمبراطورية العثمانية، وما كانوا يصبون إليه من توحيد مجالٍ عربيٍّ، يبحث عن مكانٍ تحت الشمس، ليكون طرفاً مستقلاً وفاعلاً في المجالين، المحلي والدولي.

كان العرب يعتقدون أن خروجهم من السيطرة العثمانية سيفتح أبواب وحدتهم بقوة ضروراتٍ ذاتيةٍ وموضوعيةٍ متنوعة، وأن قيام دولة عربية واحدة سيعيدهم إلى وضعٍ اعتبروه طبيعياً، آمنوا أنه كان قائماً خلال تاريخهم الإمبراطوري المديد، لكن الدولتين الاستعماريتين الرئيستين كان لهما مشروع آخر آنذاك، عبرتا عنه في اتفاق سايكس - بيكو الذي حال بين العرب وتأسيس كيان دولوي وحدوي يضمهم، وأخذهم إلي ما نراه اليوم من دولٍ وكياناتٍ سياسيةٍ، اتهمها العروبيون بخيانة الأمة لأنها قطرية. وبالتالي، منتجة للتخلف والهزائم، تعادي شعباً عربياً، وتكبت ميله الفطري إلى وحدةٍ لا يستقيم له عيش دونها.

كان قادة الدولة المتهمة ب "القطرية" وطنيين، ناضلوا من أجل استقلال بلدانهم، وآمنوا، كغيرهم، بوحدة العرب كأمة. بهذه الخلفية، عملوا لإضعاف النفوذ الاستعماري على دولهم التي اعتبروها هم أيضا "ناقصة التكوين قوميا"، وقبلوا انفتاحها على الشعب في الداخل، والأمة العربية في المجال القومي، وأرسوا مقدماتٍ واعدةً لتحديثها السياسي عبر الأخذ بنظام برلماني، انتخابي وبالتالي تداولي، فصل السلطات، وسمح بتأسيس نقاباتٍ وأحزابٍ مختلفة الرهانات، وبصحافةٍ حرة إلى حدّ ما، وقضاءٍ شبه مستقل ونزيه، وقام بتنميةٍ زراعية وصناعية نشطة، ومارس سياساتٍ متوازنة نسبياً في علاقة الأجور بالأسعار وتوزيع الدخل، وترك باب المستقبل مفتوحاً على خياراتٍ يضمن اعتمادها تقدماً مستداماً يضبط نمو سورية السكاني ويحفز عمرانها.

في هذه الحاضنة، تزايدت شعبية الاحزاب السياسية المطالبة بالعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والمواطن، وبوحدة العرب وتحرير فلسطين. وقد رجحت كفة هذه التيارات داخل الدولة الوطنية إلى الحد الذي اقنع قياداتها بحلها عام 1958، من أجل دولةٍ عربيةٍ موحدةٍ، نواتها دولة الوحدة مع مصر الناصرية.

بفشل الوحدة عام 1961، تخبطت الدولة السورية، وعجزت عن استعادة هويتها السابقة دولةً وطنيةً، ولم تلبث أن أسقطت عام 1963، بانقلاب استولى حزب البعث العسكري عليه، قبل أن يقيم سطلة حزب واحد شمولية، رفعت راياتٍ قوميةً متشدّدة، استخدمتها للصراع مع العالم العربي، وليس من أجل توحيده، ثم أغلقت نهائياً باب النهج القومي، عبر ربط الوحدة بالاشتراكية، بينما انفردت، في الداخل، انفراداً مطلقاً بالمجالين السياسي والسلطوي، وقضت على ما أنجزه شعب سورية من حرياتٍ وحقوق، على الصعيدين السياسي والاجتماعي، في ظل دولته الوطنية التي لم يتوقف "البعث" عن شتمها ومعاداتها، كدولة سايكس - بيكوية خائنة، وقضى على طابعها الوطني، بحجة أنها "قطرية"، قبل أن يستبدلها منذ عام 1970 بسلطةٍ استبداديةٍ، مهمتها الرئيسة إعادة إنتاج المجتمع السوري ودولته بطرق ألغت حياته السياسية، وأخضعته لمصالح (وأهواء) الممسكين بالحكم الذين أسندوا نظامهم على تكويناتٍ ما قبل مجتمعية، معاديةٍ لوحدة المجتمع السوري، ناهيك عن وحدة الوطن العربي، تطلبت رعايتها تطييف المجتمع والسلطة، وتحويل شعب سورية الواحد إلى جمعياتٍ متناحرةٍ متناقضة المصالح والولاءات، أركعه عنفها تحت أقدام رئيسها، وأفقده حقوقه، وما حققه سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في نظام الحريات البرلماني الذي كان يُدان ويسفّه، باعتباره نظاما "رجعياً معادياً للشعب والأمة، عميلاً للخارج".

ماذا نجد، في حال قارنا أوضاع المسألة الطائفية السورية التي كانت تمر في طور تلاشٍ وتراجع، في دولةٍ وطنيةٍ، فشل سايكس- بيكو في منعها من أن تكون شعبيةً ووحدويةً، مع أوضاعها في ظل سلطةٍ استبداديةٍ أقامها العسكر، ادعت أنها قومية واشتراكية. في الدولة الوطنية، كانت الطائفية تتراجع على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، بفضل الحريات العامة والخاصة التي أتاحتها، في حين استعادت عافيتها وتجدّدت، وتحدّثت أمنياً في ظل سلطةٍ استبداديةٍ أرست وجودها عليها، كتكوين ما قبل مجتمعي، سابق للمجتمع، ونافٍ بالتالي للوطنية سياسة وانتماء، ولوحدة العرب هدفاً، وللعدالة، ناهيك عن الاشتراكية، ولحقوق الإنسان والمواطن، ناهيك عن الحرية. ومع ذلك، هي لم تقلع يوما عن انتقاد "قطرية" الدولة الوطنية و"رجعيتها"، بحجة أنها دولة سايكس - بيكوية.

إلى هذا، أخرجت قوانين الدولة الوطنية وممارساتها وتوازناتها العنف من المجال العام، فلم تستخدمه استخداماً منهجياً أو دائماً لنزع السياسة عن المجتمع، بينما جعله النظام الاستبدادي أداة سياساته الداخلية والخارجية الرئيسة التي لم يتوقف يوماً عن استخدامها، في سعيه إلى السيطرة على المجتمع والمواطن الفرد، وإلى إبطال الشأن العام، بما هو شأن سياسي ومجتمعي في آن معا.

واليوم، يخوض الشعب السوري معركة حياةٍ وموتٍ من أجل استعادة دولته الوطنية، بمبادئها وقوانينها وحرياتها، ولا هدف له غير التخلص من نظام استبدادي/ سلطوي، دمر دولته وقوّض مجتمعه وفكك وطنه، وحوّله إلى كياناتٍ طائفيةٍ وإتنية متعادية/ محتربة، كرّسها وحماها ودعمها، لكي يحول بين الشعب وتجميع قدراته، بما يتيح له التخلص من استبداده ونيل حقوقه.

كنا نعتقد أن تجاوز الدولة الوطنية التي كانت تسمى باحتقار "قُطرية"، سيأخذنا إلى الوحدة والتقدم، وسيكون خطوةً تاريخية مفصلية إلى الامام، فأخذنا غيابها إلى استبداد سلبنا حريتنا وفاقم تأخرنا، وجسّد قفزةً إلى الهاوية: إلى زمن أغلق في وجوهنا أبواب الوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية، عوض أن يفتحها ويمكّننا من تحقيقها، كما كان يعدنا. واليوم، هل صرنا إلى زمنٍ نقاتل فيه للحفاظ على كيانات سايكس- بيكو على عجرها وبجرها، لأنها مهدّدة بالتفتيت والتفكك الذي سيعيدنا إلى وضعٍ ليس فقط ما قبل مجتمعي، وإنما كذلك ما قبل دولوي، ستأخذنا إليه، بين أسباب أخرى، النتائج المريعة التي ترتبت على استبداد قومجيٍّ فعل كل ما هو ضروري لتذرير مجتمعنا، وتقويض دولتنا، ثم، وما أن طالبناه بحريتنا، وبدأنا ثورة لاستعادة دولتنا الوطنية، انتقل إلى تدمير وجودنا المادي، ومارس علينا قدراً من الهمجية، لا تبقى معه دولة، أو يتخلق مجتمع.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٦
أمريكا راعية الطغاة...وعدوة الوطنيين

لا تتفاجأوا أبداً إذا كانت أمريكا تتحالف مع الشياطين من أجل مصالحها القذرة، وتدوس كل القيم والأخلاق والديمقراطيات عندما تتعارض مع مصالحها. لا تتفاجأوا أبداً إذا رأيتم أمريكا تدعم أحقر وأقذر الطواغيت على وجه الأرض، بينما تعادي كل من يحاول أن ينهض بوطنه وشعبه. بعبارة أخرى، فإن الأمريكيين لا يتحالفون مع الأخيار، بل مع الأشرار، لأنهم يحققون المصالح الأمريكية أكثر بكثير من الأخيار الذين غالباً ما يحققون مصالح شعوبهم وبلادهم. وكل من يحاول أن يحقق مصالح شعبه، فسيكون بالنتيجة عرضة للاستهداف الأمريكي.

لقد درج الأمريكيون تاريخياً على احتضان أبشع الطواغيت والجنرالات، وخاصة في أمريكا اللاتينية حديقتهم الخلفية. وذات يوم سأل صحافي أمريكي الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون: «يا سيادة الرئيس أنتم ترفعون شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنكم في الوقت نفسه تدعمون ذاك الطاغية الحقير الذي يحكم شعبه بالحديد والنار. هل يعقل أنكم يا سيادة الرئيس تدعمون حاكماً ابن زنا»، فرد نيكسون ببرود شديد قائلاً: « صحيح أننا ندعم هذا الطاغية النغل (ابن الزنا)، لكنه ابن الزنا بتاعنا». لقد لخص نيكسون السياسة الخارجية الأمريكية ببلاغة عز نظيرها.

ولو أردنا أن نحلل السياسة الأمريكية الآن تجاه بشار الأسد وأردوغان مثلاً، فما علينا إلا أن نسترجع كلمات نيكسون، فالأمريكيون يحتضنون، ويدعمون فقط من يحقق مصالحهم، وليس من يحقق مصالح بلاده. لاحظوا بربكم كيف أن أمريكا تركت طاغية كبشار الأسد يقتل أكثر من مليون من شعبه، ويشرد حوالي خمسة عشر مليوناً، ويحول بلداً عظيماً إلى ركام على مدى خمس سنوات، دون أن يرمش لها جفن. وكل ما فعلته على مدى الأعوام الماضية إطلاق تصريحات سخيفة لم تعد تقنع أطفال المدارس مثل تصريح أن بشار الأسد فقد شرعيته. ليس لدى أمريكا للضحك على ذقون السوريين والعرب سوى ذلك التصريح البائس.

وقد أعلن ضابط كبير من وكالة الاستخبارات الأمريكية قبل أيام أن الوكالة قدمت للرئيس باراك أوباما أكثر من خمسين خطة للإطاحة بالنظام السوري، لكن الرئيس أوباما رفضها جميعها. ويقول أحد الساخرين إن الرئيس الروسي بوتين المفترض أنه حليف بشار الأسد الأقوى استخدم حق النقض الفيتو مرتين فقط في مجلس الأمن لحماية بشار الأسد من السقوط، بينما الرئيس الأمريكي المفترض أنه ليس حليفاً لبشار الأسد رفض أكثر من خمسين خطة لإسقاط بشار. وبالتالي، يمكن القول ببساطة إن الصمت الأمريكي على ما يفعله الرئيس السوري في سوريا والمنطقة منذ خمس سنوات هو بمثابة شهادة حسن سلوك أمريكية لبشار الأسد، على اعتبار أن الصمت علامة الرضا، فلو لم تكن أمريكا سعيدة بما يفعله الأسد، ولو لم يحقق لها ما تريد، لما تركته يعيث خراباً ودماراً وتشريداً منذ خمس سنوات. صحيح أن أمريكا تتخلص بلحظة ما من عملائها وخدمها، لكنها تدعمهم دعماً هائلاً أثناء تأدية واجبهم لصالحها كما تفعل الآن مع النظام السوري.

وبينما نرى أمريكا ترفض المساس بأبشع طاغية في العصر الحديث، نسمع كبار المسؤولين الأمريكيين وهم يؤيدون علناً أي انقلاب يطيح بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي حقق لبلاده المعجزات على الصعيد الاقتصادي والديمقراطي والنهضوي. وقد قال السيناتور الأمريكي ميشيل روبين قبل أيام فقط إن جهات سياسية أمريكية مستعدة بالاعتراف بأي انقلاب يستطيع الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رغم أن أردوغان وصل إلى السلطة بانتخابات شعبية ديمقراطية مائة بالمائة، بينما بشار الأسد وصل إلى السلطة زوراً وبهتاناً، وغيروا له الدستور بدقائق كي يناسب عمره الصبياني آنذاك. واستمر في السلطة عبر استفتاءات مفبركة النتائج في أقبية المخابرات. مع ذلك بدأت أمريكا الآن تقول إن مصير الأسد بيد الشعب السوري. حتى أنها سحبت تصريحاتها السخيفة السابقة التي كانت تقول إن الأسد فقد شرعيته. وعندما نسمع أمريكا وروسيا تقولان الآن إن مصير الاسد يجب أن يقرره الشعب السوري، فهذا يعني حرفياً أن واشنطن وموسكو تدعمان بقاء الأسد أو فرضه على السوريين زوراً في انتخابات مزيفة محسومة النتائج مسبقاً. متى استطاع السوريون ان يختاروا رئيسهم بحرية أصلاً بوجود أجهزة أمن تزوّر حتى درجات الحرارة؟

لم أر منافقين أكثر من الأمريكان أبداً، فعندما زار الرئيس التركي أمريكا قبل فترة، راحوا يهاجمونه هناك بشدة بحجة اعتقال صحافي تركي. بالنسبة للإدارة الأمريكية: أردوغان ديكتاتور، لأن حكومته حققت مع صحافي، أما بشار الأسد الذي قتل أكثر من مليون سوري، واعتقل أكثر من نصف مليون، ودمر ثلاثة أرباع سوريا، وقام بتشريد نصف السوريين، فأمره، بالنسبة لجوقة الكذب والنفاق في واشنطن، متروك للشعب السوري كي يقرره ديمقراطياً. يا للهول! يعني أردوغان الذي انتقل بتركيا إلى العالم المتقدم ديمقراطياً واقتصادياً ديكتاتور صغير كما وصفه أوباما، ويجب تقليم أظافره. أما بشار الأسد الذي انتقل بسوريا إلى العصر الحجري فأمره متروك للسوريين حسب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية. لاحظوا كيف يشيطن الإعلام الغربي «الديموخراطي» أردوغان، ويمجد نيرون العصر وهولاكو الشام بشار الأسد. .

اقرأ المزيد
٨ يونيو ٢٠١٦
التطهير الديموغرافي هدف المرحلة القادمة في سورية

بين معركة الرقة التي تلوح في الأفق، والمعارك التي تخطّط روسيا لشنها في مناطق عدة في سورية، وعلى خلفية التفجيرات التي قام بها تنظيم «داعش» في الساحل السوري وردة الفعل الطائفية، وبالتوازي مع التحضيرات لاقتحام مدينة الفلوجة، يبدو أن العنوان الواضح للحرب في المرحلة المقبلة سيكون التطهير الديمغرافي من دون رحمة.

تتغير أهداف الصراع في المنطقة وتتحرّك بشكل دائم، لدرجة يبدو معها هذا التغيّر المعطى الأكثر وضوحاً في فوضى المنطقة، ويبدو أن هذا التغيّر هو نتاج التطورات التي تحصل في قلب هذا الصراع سواء على مستوى الفاعلين وإمكاناتهم وظروفهم، أو لمدى ملاءمة هذه المتغيرات مع التحديثات التي يجريها الفاعلون على إستراتيجياتهم والتكتيكات التي يتبعونها في إدارة الصراع والأزمة في الوقت ذاته.

ورغم الفارق العلني بين الإستراتيجيتين الأميركية والروسية، إلا أنهما في هذه المرحلة تتقاربان إلى حد التناسخ في بعض المفاصل، سواء على صعيد الأهداف المتداخلة أو في التكنيك الذي يجري استخدامه في تصريف تلك الأهداف، ففي الوقت الذي تحصر إدارة أوباما أهدافها في المنطقة بمحاربة تنظيم «داعش» من دون الالتفات إلى أي تفصيل آخر في التشابكات المعقدة في أزمة المنطقة، تصّر روسيا على محاربة ما تسميه الإرهاب في سورية من دون النظر أيضاً الى الحقائق الصلبة على الأرض، وكذلك يسعى الطرفان إلى تحقيق أهدافهما باستخدام أدوات ذات طبيعة إشكالية في الصراع القائم، مثل اعتماد أميركا على الأكراد واستناد روسيا على إيران وأذرعها في إنجاز مهمتها.

لا شك في أن ذلك ينطوي على معان عديدة أهمها، أن إدارة الأزمة بهذه الطريقة ليس الهدف منها الوصول إلى تسويات سياسية حقيقية لصراعات المنطقة، بقدر ما تهدف إلى إعادة صياغة هيكلة المنطقة جغرافياً وديموغرافياً، والهدف من وراء ذلك إيجاد مخرج للقوى الكبرى من هذا الصراع ينهي مسؤوليتها، الأخلاقية والقانونية، بدرجة كبيرة عن المذبحة التي حصلت تحت ظلال تنافسها الجيوسياسي ويعيد ترتيب عناصر الصراع ونقلها من خانة الصراع السياسي الداخلي إلى صراع بين مكونات مجتمعية وكيانات طائفية وعرقية.

وفي ظل هذا النوع من الصراعات يسقط الكثير من المحظورات والمحرّمات الدولية، وخاصة عمليات التطهير الديموغرافي التي يتم احتسابها في إطار الصراع على المواقع والموارد والحدود ويجري إخفاء الفاعل فيها، وتنتهي بالاحتكام إلى الوقائع الأرضية والمساحات التي يستطيع كل فريق الاستحواذ عليها وتثبيت سيطرته فيها.

على ذلك، فإن الإستراتيجيتين الروسية والأميركية، ومن خلال سعيهما لتحقيق أهدافهما في المنطقة، تصنعان محفزات لدى أدواتهما للقيام بعمليات التطهير العرقي والطائفي، ذلك انه سيتم دمج هذه الأفعال ضمن هدف محاربة الإرهاب، ما يعني أن المرحلة المقبلة ستشهد ضغطاً على الجغرافيا التي يسكنها المكوّن الأكثري في سورية، وستشكل ذريعة القضاء على الإرهاب مساحة خطرة للمناورة والتغطية على أهداف أخرى، خاصة أن الطرفين الكردي والإيراني لا يخفيان أطماعهما الإقليمية في سورية والعراق.

لطالما واجهت إدارة أوباما منتقديها بترددها في التدخل بالأزمة السورية، بأن سبب موقفها هذا هو محدودية الخيارات التي تدفعها إلى الحذر من إحداث تغييرات من شأنها جلب الفوضى إلى سورية، وكذلك قالت روسيا إنها لا تؤيد بشار الأسد لكنها لا تريد حصول فوضى، لكن الطرفين يجريان تعديلاً على مقارباتهما للأزمة بحيث يبدآن ما يعتقدان أنه يشكل العلاج من أحد أخطر نتائج الفوضى وهو التطهير الديموغرافي للأكثرية العربية والسنية ما يدفع إلى التساؤل عن طبيعة تعريفهما للفوضى التي كان يقصدانها، وما هي الصيغة التي يرتبانها لسورية؟

لعل الغريب في الأمر أن أغلب أدوات هذه المرحلة مصنفة إرهابية مثل «وحدات حماية الشعب الكردي» التابعة لـ «حزب العمال الكردستاني» والأحزاب الشيعية المنضوية تحت قيادة قاسم سليماني، وهي التشكيلات التي سيتم الاعتماد عليها لإنجاز المهمتين الأميركية والروسية في سورية والعراق، والمعلوم أن هذه التشكيلات لا تتورع عن القيام بما هو مخالف للقوانين والأخلاق، بل أن البنية التي تتأسس عليها هذه التشكيلات والعقيدة التي تؤمن بها والتكتيكات التي تستخدمها لا تنتج سوى سلوك إرهابي، كما أن لها أهدافاً قومية وطائفية تتعارض مع مصالح الأغلبية ولا تتحقق إلا عبر إحداث تغييرات واسعة تشمل إعادة توزيع السكان والجغرافيا.

ولعلّ ما يرجّح احتمال حصول عمليات تطهير عرقي وطائفي واسع في المرحلة المقبلة، هو المناخ المتوتّر الذي ستتم فيه عمليات «التحرير» المزعومة، ذلك أن القرار الذي يؤسّس لهذه العمليات يجري بناؤه على سياسات رد فعل وعمليات انتقام مع وجود مكوّن انتهازي واضح، ففي الوقت الذي تريد إدارة أوباما أن تجعلها العتبة التي تؤمن فوز مرشح ديموقراطي ونافذة لخروج مشرف لأوباما، تريد روسيا جعلها نوعاً من استعراض القوة رداً على تشغيل منظومات الصواريخ الغربية في رومانيا، فيما تسعى القوى الشيعية للرد على هجمات بغداد وخسائر خان طومان ومقتل قادة كبار، وتعتقد القوى الكردية أنها ترّد على رفضها من المعارضة السورية والقوى الإقليمية كقوى مفاوضة.

اقرأ المزيد
٨ يونيو ٢٠١٦
... عن مصير السوريين وشكل دولتهم المستقبلية

لم يعد خافياً أن مآلات بنية الدولة السورية وشكلها تتأثر بطبيعة وأهداف الصراع الدائر فيها وعليها، بين دول كبرى وأخرى إقليمية. ويرتبط ذلك بمصالح وسياسات الدول ذات العلاقة. وفي الإطار ذاته، يتعلق ذلك بموقف أصحاب القرار المُعبِّر عن بنية السلطة السياسية وآليات اشتغالها ومصالح الفئات المشاركة في صناعة القرار في سورية. ويتقاطع ذلك مع اشتغال دول متعددة في توضيب قضايا المنطقة، خصوصاً سورية، كون تأثيرات شكل الحكم فيها سينعكس على باقي دول الإقليم.

والاشتغال على ذلك يتم في إطار تحجيم وتأطير السوريين. ما يعني أننا أمام لحظة مصيرية تقتضي تمسك السوريين بحقوقهم السياسية، وبدورهم في تحديد ملامح الدولة.

العوامل المذكورة إضافة إلى أزمة النظام العامة والمركبة وإشكالية أدائه السياسي، وكذلك إشكالية أداء المعارضة السياسية وما تعاني من تناقض وتشرذم وتنابذ وفساد، واندماج بعضها بفصائل مقاتلة تربطها علاقة عضوية بفصائل جهادية، وأخرى مدرجة على لوائح الإرهاب، كل ذلك ساهم ولا يزال في تدويل الأزمة السورية ومسارات تحولاتها.

وإذا كانت مصالح القيادة الروسية وطبيعة علاقتها مع النظام في سورية تدفعها إلى أن تقوم به، فإن الأمور نفسها تنطبق على حكومات أخرى متعددة. وجميعها يساهم في أشكال وسويات مختلفة في إطالة أمد الصراع، وإطالة عمر المجموعات الجهادية، إضافة إلى تفاقم الاستعصاء السياسي.

انطلاقاً من ذلك، لم يكن مستغرباً تسريب ما يعرف بـ «مسوَّدة الدستور الروسي لسورية» الذي رأى فيه البعض حصيلة تفاهم وتنسيق بين القياديتين الروسية والأميركية. ولا يقلل من حساسية وإشكالية تسريبه إعلامياً، نفي جهات روسية رسمية مسؤوليتها عنه وتأكيدها حق السوريين في صناعة مستقبلهم، وأن مسوَّدة الدستور المذكورة ما هي إلا وثيقة شارك في صوغها مركز كارتر بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومكتب دي ميستورا وشخصيات من المعارضة السورية. وينسحب ما تقدم على نفي الحكومة السورية معلومات إعلامية أفادت باطلاعها على المسودة المشار إليها، ووضعها ملاحظات عليها.

وفي السياق هذا، تكشف مسوَّدة الدستور المسرَّبة عما يُخطط لمستقبل سورية في كواليس مراكز صناعة القرار، وارتباطه بمجريات الأوضاع السورية والتحولات الميدانية التي تكشف في الآونة الأخيرة عن إعادة تموضع الفصائل المقاتلة قبل استئناف مفاوضات جنيف. وسيكون لذلك انعكاسٌ واضح على الأطر السياسية والدستورية، وعلى شكل الحكم والدولة، ما يعني أننا سنشهد قريباً تسريبات تكشف عن خرائط جيو سياسية جديدة، تتحدد بموجبها آليات تقاسم السلطات ومناطق النفوذ وشكل الحكم. وستكون لذلك علاقة في شكل ما بما جاء في المسوَّدة وتحديداً ما يتعلق بالهوية القومية والدينية للدولة السورية، واللامركزية كأساس لنظام الحكم، ودور الجيش على المستويين الوطني والإقليمي، وطبيعة وآلية توزيع مراكز صناعة القرار، وفي الغالب سيتم اعتماد مبدأ المحاصصة الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والقومية. وسيكون لذلك تأثير ملحوظ في مستقبل الأوضاع في سورية وفي دور سورية الإقليمي.

أما في ما يخص الاقتصاد وبغض النظر عما جاء في المسوَّدة المسرَّبة، فالمرجح أن يتم تمكين اقتصاد ليبرالي حر، يضمن حرية النشاط الاقتصادي وانتقال الرساميل والالتزام بمعايير السوق. ومعلوم أن ذلك يُلغي دور الدولة الاجتماعي، ويرفع الحماية عن المواطن أمام التغوُّل الرأسمالي. ولذلك علاقة مباشرة بمصالح غير دولة تسعى إلى تلبيتها في سياق إدخال تغييرات جوهرية على بنية الاقتصاد وميوله الأساسية عبر ربطه في شكل مباشر بعجلة رأس المال العالمي المعولم.

اقرأ المزيد
٨ يونيو ٢٠١٦
«ديبلوماسية الأزعر»

لم تكن موسكو في حاجة فعلية إلى إعلان حلب خطاً أحمر، لن تسمح لأنقرة ولا للفصائل السورية المعارِضة بإسقاطه. فغارات الطيران الحربي الروسي خلال الأيام الأخيرة رسالة صارخة عنوانها أن لا عودة عن دعم نظام الرئيس بشار الأسد. وإذ بدا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واثقاً من هامش التحرك العسكري الأميركي في سورية بحيث لا يتجاوز قصف أهداف «داعش»، لم يرَ ما يحرج الأميركيين في إطلاقه وعداً بعدم السماح بانهيار ما بقي من سلطة للنظام وجيشه في حلب ومحيطها.

لا مفاجأة لواشنطن، يؤكد لافروف، ثم يلتقط الأسد الرسالة، ليصرّ بعد ساعات على «تحرير كل شبر من سورية، من الإرهاب»، وهو في قاموس النظام يعني أولاً «الخونة» المعارضين كما يعني «داعش» و «جبهة النصرة». وواضح أن الأسد في خطابه أمام برلمان انتُخِب في «مناطق النظام»، كان حريصاً على ثلاث رسائل:
- الأولى موجّهة إلى الروس مجدداً، وفحواها أن «الانتصارات» التي تحققت بمساعدتهم خصوصاً، تستكمل بسحق كل مَن يرفع السلاح، علماً أن مطلب التمييز بين فصائل معتدلة وأخرى «إرهابية»، يتقدّم ويتوارى تبعاً لإيقاع الكرملين في إدارة ملف مسار جنيف التفاوضي.

- الثانية التشديد على نفي وجود اختلافات بين النظام وحليفيه الروسي والإيراني، فيما المرجّح أن المقصود بالدرجة الأولى هو موسكو التي كانت دمشق نفت طرحها مشروع مسودة لدستور سوري جديد. ولم ينسَ الأسد في خطابه الذي نوّه بوقوف الثلاثي الروسي- الإيراني- الصيني معه «لنصرة المظلوم»، أن يخص «المقاومة الوطنية اللبنانية» بتقدير لدورها في الحرب مع «الإرهاب» ولمكافحته.

- الرسالة الثالثة ربما أراد منها الرئيس السوري الشماتة بنظيره التركي رجب طيب أردوغان الذي تهزّ بلاده التفجيرات، فيما تواجه أزمة ثقة مع الأميركيين وأزمة «استعداء» للروس، وثالثة مع الأوروبيين المرتابين إزاء نيات «السلطان» وأهدافه.

تشجَّع الأسد بوعد لافروف الذي يعني عدم السماح بإسقاط حلب في قبضة «السلطان»، وفيما الرئيس السوري مطمئن أيضاً إلى عدم تجاوز الأميركيين خط تمرين العضلات مع «داعش» وحده، تحدى «السفّاح أردوغان» أن يخوض معركة فاصلة في حلب، مستفزّاً إياه بأوصاف مثل «البلطجي الأزعر».

«ديبلوماسية» الأزعر لغة جديدة سهّلتها تعقيدات متاعب يواجهها أردوغان في الداخل والخارج، وإن كان بعضها نتيجة قراءات خاطئة لأحداث استثنائية في ذروة صراعات إقليمية، فالأكيد أن مواجهة الحلف الروسي- الإيراني- السوري- العراقي أكبر بكثير من تنافُس على النفوذ تخوضه تركيا منفردة ضد أركانه.

وبعيداً من «ديبلوماسية» الحملة على «البلطجي والإخونجي» التي استخدمها الأسد في تحدّي «السلطان» ونظامه «الفاشي»، لا يبدو حديثه عن «العملية السياسية» سوى مجرد استجابة لفظية لرغبة الروس، بينما لا يرى مفاوضاً للطرف الآخر في جنيف. فهل مبالغة القول أن قطار جنيف لن يقلع، وهو بلا عربات أصلاً؟

لا مبالغة كذلك في تلمُّس محاولات الروس صوغ نظام آخر في دمشق، يستطيعون حمايته، وإن عنى الأمر «تكييف» صلاحيات الرئيس بدستور جديد يتيح للمعارضة «المدجّنة» ادعاء شراكة في الحكم. وربما عبّر الخطاب عن رفض متجدّد لأي محاولة لتقليص صلاحيات الرئيس، غلّفه الأسد برفض مشاريع الخارج.

والكرملين في سعيه إلى «اختراع» نظام متكيّف في دمشق، ألا يسعى إلى تكرار نسخة من الوصاية الإيرانية على بغداد، ولو معدّلة؟... هجينة في العراق، مهجّنة في سورية؟

من شؤون الحلف الرباعي، أن تجدد طهران عرضها تحويل «الحشد الشعبي» الشيعي في العراق، المتهم بالتنكيل ببعض السنّة، إلى «حرس ثوري» آخر سيكون القبضة الحديد التي تستتبع حتماً مرشداً لبلاد الرافدين، يحكم في رعاية خامنئي.

تلك مجرد محطات في المسار الدموي على أرض سورية والعراق... قتل وإبادة، إرهاب ومجاعة، حشود مشرّدين و «حشود» إيرانية الهوى ما زال «داعش» يقدّم لها الهدايا المجانية.

يخطب الأسد في البرلمان مطمئناً إلى دور الروس في شطب وطنية المعارضة ودور الأميركيين في تكييف مسرح المواجهة مع «داعش». لم يحِن بعد أوان الصفقات ولا رسم الخرائط، وكلما طالت فصول التدمير والمجازر، تضخّم رهان «المستشار» الإيراني على الوصاية الناجزة بين دجلة والفرات. وأما الأطراف بالنسبة إليه، فما عليها إلا أن تتريّث، أو تدفع فاتورة مشاكسة «إمبراطورية» الحلف الرباعي الطامحة إلى رسم ملامح نظام عالمي مختلف.

ومرة أخرى، قد يجوز تفسير مآسي السوريين والعراقيين بالتقاء مصالح ديكتاتورية غبية وطموحات تكاد تكون انتحارية، لولا القرار الأميركي بإخلاء المسرح والتصفيق للضحايا.

اقرأ المزيد
٥ يونيو ٢٠١٦
حلب التي "لايعلم بها إلا الله" .....

"لايعلم بها إلا الله" حقيقة تجد ظهورها الجلي الواضح و الملموس في حلب اليوم، فمهما نقلنا من صور أو رصدنا ما ينشره النشطاء، تبقى الصورة مصغرة جداً لحد أنها لا تعكس شيء من الواقع، فحلب اليوم تتعرض لـ"المحي" عن الخارطة تماماً حجاً و بشراً.

فوسط صرخات مالك على أبيه "يا يوب لاتتركني"، و بحث الأب اليوم عن بقايا "نفس" في صدر ابنته المدفونة تحت الركام، يتلخص وضع حلب ، بين يتيم و مكلوم و ثكلى، و طبعاً لا مكان للحياة، و أصدق ما سمعته اليوم أن حلب "تصوم عن الحياة و تفطر على الموت".

قد يكون الكلام انشائياً و تعبيرياً أكثر منه مهنياً، لكن في وضع مشابه لحلب يجعل من المهنية شيء منهي، فهنا القتل العلني و الفاضح يُذهب القدرة على الجفاء و التلبد بالمشاعر، فرغم السنوات الخمس من القتل و المجازر، لازالت سوريا ولّادة، ليس للأطفال و إنما للآلام، و كلما بدأت تتأقلم مع المشاهد يأتي مشهد أقسى يذيب القلب و الروح.

وسط هذا الكم المتثاقل من الموت، أقل ما يوصف بـ"الشنيع"، لازالت الأحاديث تدور في أروقة الممرات السياسية عن حل سلمي، و في الوقت ذاته تدور في أروقة المؤامرات خطط لقتال "داعش" بغية البحث عن انتصار على "الإرهاب" سعياً من "أمريكا و روسيا" أن يلخصوا الأمر في سوريا بأنه "داعش و ارهابها" و كل ماعدا ذلك عبارة عن أمور ثانوية.

بين تمثيلة الحل السياسي، و مسرحية قتال "داعش"، ينشأ في جنبات سوريا حقد من نوع "الغير مروّض" و الرافض للسيطرة، ينشأ جيل حاقد بشكل كبير و مهول ليس على شرذمة قاتلة و حلفاؤها، و إنما على عالم بأسره، وهناك ألم دفين قادر على حرق كل ما يخطط و حرق نفسه ، فلا تنطفئ النار إلا بالنار "الأكل المزدوج".

في حلب اليوم و قبل يوم من شهر رمضان المبارك، يقتل الجميع جسدياً و روحياً، و يتحول شهر العبادة إلى شهر شهادة عند السوريين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب