الوضع في سورية في حالة استعصاء، وهذا بات معروفاً، فلا النظام يستطيع القضاء على الثورة، على الرغم من كل ترسانة الأسلحة التي يمتلكها، والإسناد العسكري اللامحدود له (فوق السياسي والمالي) من روسيا وإيران والمليشيات التابعة لها. في المقابل، أيضاً، ما زالت الثورة لا تستطيع إسقاط النظام، على الرغم من كل معاناة السوريين وتضحياتهم وبطولاتهم.
وصلنا إلى هذا الوضع المؤسف، أولاً، بسبب بطش النظام، وانتهاجه سياسة الأرض المحروقة في مواجهة البيئات التي يعتبرها حاضنةً للثورة، ما نجم عنه إضعاف طابعها الشعبي، بعد تشريد الملايين، أو وضعهم تحت الحصار والقصف العشوائي الوحشي والمجنون، والتحول تالياً إلى الصراع المسلح مع كل ما يتبع ذلك من مخاطر وتبعات وارتهانات.
ثانياً، ضعف البيئة العربية المؤيدة، لاسيما بعد انتكاس الثورة المصرية، وتضارب إرادات الدول المؤيدة للثورة، والمداخلات المضرّة في شؤونها.
ثالثاً، عدم حسم المعسكر الدولي موقفه من ثورة السوريين، ووقوفه موقف المتفرّج إزاء حالة القتل المستمر التي ينتهجها النظام، ومعه، فيما بعد، القوات الحليفة له المشاركة في قصف السوريين.
لكن هذا القول، أي الحديث عن الظروف الموضوعية الصعبة، لا يعفي المعارضة من مسؤولياتها، فهي على الرغم من كل ما قامت به، وما تنوي أن تفعله لتطوير أوضاعها، مازالت بحاجة إلى توسيع إطاراتها لتشمل أوسع قطاع من السوريين المؤيدين للثورة، كما أنها بحاجة إلى تطوير أحوالها، وهيئاتها، ومد الجسور بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل، وفي الشتات، كما أنها بحاجة إلى استعادة خطابها الأول المتعلق بإسقاط النظام الاستبدادي، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية، تكفل لجميع الأفراد من مواطنيها العيش بحريةٍ ومساواة، في نصوصٍ يتم تأكيدها في الدستور، وتكفل استعادة سورية دولة تعدّدية متنوعة.
بيد أن مشكلة السوريين لا تتحدّد بواقع المعارضة فقط، على أهميته، إذ باتت، منذ زمن تتحدّد بناء على المعطيات المحيطة، أو بناءً على صراعات القوى الدولية والإقليمية في سورية، وعلى سورية، وهذا يعني أن الوضع خرج من كونه صراعاً محلياً على السلطة، وأن القرار بشأن سورية بات بأيدي الخارج، أي لا النظام ولا المعارضة. وفي نقاشنا الوضع الدولي، أو البيئة الدولية، المحيطة بالوضع والثورة السوريين، يجدر لفت الانتباه إلى الجوانب الآتية:
1 ـ ليس لدى القوى الدولية، ولاسيما الإدارة الأميركية، قرار الحسم بخصوص سورية، وهذا يفيد بأنها ستحافظ على "الستاتيكو" القائم، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب، لا المعارضة ولا النظام. وهذا يعني، أيضاً، أن الصراع سيدوم إلى حين وصول القوى الدولية إلى قرارٍ بشأن مستقبل سورية.
2 ـ لا ينبغي أن نستنتج مما ذكرناه أن القوى الدولية (خصوصاً الولايات المتحدة) تشتغل على إعادة تأهيل النظام، فهذا غير صحيح، ولا ينبغي الوقوع في فخ هذه المقولة التي يروجها النظام وحلفاؤه، فما يجري لا علاقة له بذلك، بقدر ما له علاقة بترتيب الأوضاع في سورية، بما يتناسب مع القوى الدولية الفاعلة. ونحن نتحدّث، هنا، عن الولايات المتحدة بشكل خاص وبعدها روسيا.
3ـ واضح أن الولايات المتحدة، في إدارتها الوضع السوري، اشتغلت على توريط كل الأطراف من روسيا وإيران وتركيا والسعودية في هذا الصراع. في حين تقف هي في موقع الحكم والمتفرج، أي أنها بحكم قدرتها، تقف في مكان موزّع التناقضات، وموزع الغنائم، من موقعها في إدارة الوضع ومكانتها قوة مقرّرة، مع ملاحظتنا أنها تفعل ذلك بأقل أثمان ممكنة.
4 ـ على هذا الأساس، يبدو أن المصلحة الأميركية في الوضع السوري تتمثل بالحفاظ على بيئة استراتيجية آمنة لإسرائيل، عقوداً، وهذا يشمل عدم قيام وضعٍ يمكن أن يهدّدها للمستقبل، من العراق إلى سورية، ما يفسر السكوت الأميركي أو اللامبالاة إزاء ما يجري في سورية والعراق منذ سنوات، وضمنه تفكك عرى الدولة والمجتمع في هذين البلدين الأساسيين في المشرق العربي.
أخلص من ذلك كله إلى القول إن هذا الوضع يفترض أن يأخذنا إلى اتجاهين. أولهما، إعادة بناء أوضاعنا الذاتية، بما في ذلك توسيع إطار الائتلاف (فلنفعل ذلك بأنفسنا، قبل أن يفرضه أحد علينا، أي لننفتح على الأطراف الأخرى والشخصيات ذات المصداقية التي تقف مع موقفنا السياسي، بما يتعلق بإنهاء النظام الاستبدادي الحالي وبناء نظام جديد). كما يفترض ذلك منا تطوير خطابنا السياسي، بالتأكيد على مقاصد ثورتنا الأساسية، وهي تغيير النظام، وإقامة دولة ديمقراطية مدنية، دولة مواطنين متساوين وأحرار، من دون أن ندخل في جدالاتٍ عقيمةٍ مع هذه الجهة أو تلك، فهذه هي هوية ثورتنا السورية العظيمة والنبيلة. أما ثاني الاتجاهين، فيتمثل بضرورة الانفتاح على مجتمعات السوريين في الداخل والخارج، وإقامة هيئاتٍ تمثيليةٍ تنبثق من مؤتمراتٍ عامة، وهذا وضع ينبغي الاشتغال عليه، على أسسٍ وطنية، وليس على أسسٍ حزبية، ولتكن هذه تجربتنا الديمقراطية لسورية المستقبل، بعيداً عن العصبيات والأنانيات الحزبية والمناطقية.
بعد كل مجزرة يرتكبها نظام الأسد الإرهابي أو حليفه الإرهابي الروسي يصبح لدى الفضائيات مادة جديدة إضافية.
قناتا «فرانس 24» و«بي بي سي» ذكرتا هذه المرة أن الطائرات الروسية هي من قامت بمجزرة إدلب الأخيرة ولكن لم تستطيعا إلا أن تبررا إجرامها و إرهابها ذاك بحديثهما عن أن المدينة تقع تحت سيطرة جيش الفتح الذي يضم جبهة النصرة و كأن ذلك يبرر قصف وقتل الأطفال والمدنيين.
ربما هناك من يقول أن الفضائيات تنقل معاناة السوريين وتسعى الى ايصالها، وكنت لفترة أتفق مع هذا الرأي ولكن لمن تنقل هذه المعاناة؟ هل تنقلها إلى السوريين في المخيمات أو بلدان اللجوء ممن يمزقهم البحث عن لقمة العيش أم الى العرب أم إلى المسلمين على اختلاف ظروفهم ومعاناتهم وحتى تخاذلهم أيضا أم إلى عالم جرب سابقا بالكثير مما يماثل ما يحدث في سوريا فوقف مع الجاني ضد الضحية كما يحدث الآن في سوريا، لا يهم أن أشاهد والملايين من أمثالي المجازر اليومية التي يقترفها نظام الأسد وحلفاؤه بدم بارد بحق السوريين إذا كنا لا نملك أن نفعل لها شيئا.
رفع اردوغان شعار رابعه خلال احتفاله بذكرى فتح القسطنطينية هذا أكثر ما تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، مع كل التضامن والتقدير لثوار ومعتقلي وشهداء مصر لكن احذروا فقد تعهد نفس الرجل في بدايات الثورة السورية بعدم السماح بتكرار مجازر حماة وحمص التي اقترفها الهالك حافظ الأسد لكن للأسف لم يستطع أن يفعل شيئا تجاه المجازر اليومية التي يقترفها الابن الذي لم يكن سر أبيه بل فاقه إجراما وإرهابا، حتى إدانة تركيا لمجزرة إدلب الأخيرة ومطالبتها المجتمع الدولي لأخذ موقف تجاه روسيا كانت متزامنة مع طلب تركي بإعادة العلاقات التركية الروسية إلى ما كانت عليه قبل إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي ربما ندموا كثيرا على اسقاطها؛ يبرهن على ذلك اعتقال تركيا لمواطنها الذي قتل الإرهابي الروسي قائد تلك الطائرة.
لا أحد يملك أن ينكر على أي دولة أن تسعى وراء مصالحها ولكن ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب استمرار المحرقة في سوريا التي تعجز الكلمات عن وصفها فمن أجل أهداف اقتصادية أو حتى في سبيل حماية مناصب بعض زعماء المنطقة وإبقاء الحرب بعيدا عن مضاربهم يضحى بشعب بأكمله.
ما أبلغ وصف كلمات مارتن لوثر كينغ لما يشابه هذا التخاذل بقوله: لست محاسبا على ما تقول أنت أيضا محاسب على ما لم تقل حين كان لابد أن تقول.
أكلت حين أكل الثور الأبيض عبارة لا شك أن السياسيين يعرفونها جيدا ولكن لم يستفيدوا منها ويصرون على عدم الاستفادة منها ربما حتى يلقوا مصير ذلك الثور نفسه. إخراج صدام من الكويت وضع حكام الخليج أمام مصيرهم الحالي وكان نذير شؤم بإطلاق يد إيران في المنطقة كما هي الآن ولكن إلى الآن لما يتعظ أحد فما يقترف في سوريا لم يكن ليتخيله أكثر السوداويين تشاؤما ولكنه لم يحدث فقط بل ويزداد الأمر سوءا.
وهذا ما ليست أية دولة في المنطقة ببعيدة عنه، بل لا ريب أنه سيتكرر في كل دول المنطقة ولو بعد حين وهذا الحين ليس بالبعيد.
أمام الأمريكيين حوالي العقدين ستكون أسعار النفط فيها رخيصة نسبيا كما الآن؛ يسعون خلالها لإعادة تقسيم منطقة الشرق والخليج العربي وترتيب المنطقة حيث سيتبقى القسم الأكبر من إحتياطي النفط العالمي سهل الإستخراج ومنخفض التكاليف بعد أن ينفد خلال هذه الفترة النفط في الكثير من الدول وكذلك سينتهي النفط الصخري الأمريكي ذو العمر القصير جدا، ترغب الولايات المتحدة بإعادة ترتيب المنطقة على نحو جديد يتوافق مع مصالحها وهذا ما تستغل في سبيله السكين الطائفية إضافة لورقة الدولة الكردية وهي القومية الوحيدة التي لم تمنحها سايكس بيكو دولة، حيث يشكل غلاة الاكراد والإيرانيون رأس حربة المشروع الأمريكي لتقسيم المنطقة من جديد.
ففي سوريا يسعى النظام لكسب الوقت ويهجر ويحاصر عددا من المناطق ويفرغها يوما بعد يوم من سكانها السنة، كما تدور الحرب في مناطق السنة لتبقى مناطق العلويين خارج دائرة الدمار ولكن هل كان سيستمر نظام الأسد إلى الآن لو نقلت الحرب إلى مناطق العلويين؛ الجميع يعي أنه لن يسقط إلا في مناطق أنصاره لكن أقصى ما يفعله من يدعي مناصرة الثورة السورية هو التنديد بارهاب نظام الأسد وقد أصبح ذلك التنديد ترفا لا يحظى به الشهداء السوريون عقب كل مجزرة.
أين هي الخطة الأمريكية «ب» في حال فشل مفاوضات جنيف وقد فشلت. و أين هي الطائرات والقوات السعودية التي تقاطرت إلى تركيا بالتزامن مع بدء أولى جولات تلك المفاوضات؟ يستطيع أي أحد إضرام النار ولكنه قد لا يتمكن من إطفائها وقد تحرقه، فحريق بحجم هذا الذي يستعر في سوريا والعراق وما يخفي الرماد المصري من نيران لا يغيب عن أحد تزايد إضطرامها يوما بعد يوم ينبئ بمستقبل غير سار لأعداء الأمة، تحتم قدومه حركة التاريخ لا محالة و الله غالب على أمره لكن أكثر الناس لا يعلمون.
يحوم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول موسكو كما يحوم الطائر حول عشه، إلى درجة زيارته موسكو أربع مرات منذ التدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد علناً في سبتمبر أيلول الماضي.
ووفقاً للصحف الإسرائيلية، وبيان صادر عن ديوان نتنياهو، فإن بوتين ورئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي سيبحثان الملف السوري تحديداً، والتعاون الأمني بين البلدين، ومسألة مدفوعات التقاعد للمهاجرين الروس الذين هاجروا إلى «إسرائيل»، وتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات مختلفة. كم بحث الرجلان طلب إسرائيل من روسيا عدم تزويد إيران و«حزب الله» بأسلحة متطورة، والمخاوف الإسرائيلية من وصول هذه الأسلحة الكاسرة للتوازن إلى أيادي حزب الله.
في الزيارة الأولى التي أجراها نتنياهو بعد نشر القوات الروسية في سوريا، اتفق الطرفان على إنشاء خط ساخن بينهما للتنسيق من أجل تجنب وقوع حوادث في الأجواء السورية. ما يزال ذلك الخط مشفراً، ويحرص الطرفان على عدم كشف الأحاديث التي تجري عبره في هذه المرحلة.
رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد كشف في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، عن خرق المقاتلات الروسية للمجال الجوي الإسرائيلي؛ واقع الأمر هو لم يقل خرقاً، بل سماه «عبوراً للمجال الجوي الإسرائيلي»، وأكد أن «إسرائيل» تدرك «الخطوات التي يجب القيام بها وكيفية منع التصعيد». عقب تصريح جلعاد، وقبل الاجتماع الاسرائيلي ـ الروسي الأخير في 6 حزيران/ يونيو، زار نتنياهو بوتين مرتين.
ويلاحظ بعد ذلك أن العملية العسكرية الروسية رسمت حدوداً واضحة لها، لم تتجاوز حدود محافظة حمص نحو الجنوب إلا مرات نادرة.
وفي مقابل ذلك، تم إخماد الجبهة الجنوبية قرب الجولان بشكل فعال، بعد إقامة خط ساخن مع الأردن وغرفة الموك، فتوقف إطلاق الرصاص في تلك الجبهات. وانتقلت المليشيات الإيرانية، وحزب الله، إلى الحرب في الشمال، بغطاء جوي من المقاتلات الروسية.
الرئيس الروسي أكد خلال اللقاء مع نتنياهو أن الوضع الصعب في الشرق الأوسط بما في ذلك في سوريا يفرض على البلدين «الحليفين» روسيا وإسرائيل مواجهة الإرهاب معاً، ، وأكد أنه يتواصل مع نتنياهو دائماً، واعتبر أن هذا الأمر «يؤكد على المستوى العالي للعلاقات بين روسيا وإسرائيل»، متوقعاً تعزيزها في المستقبل. واشار بوتين إلى أن روسيا تولي اسرائيل «أهمية كبيرة»، ووصفها بأنها «دولة محورية بالنسبة للشرق الأوسط»، وأثنى على «الجسور» التي تربط الجانبين عبر يهود الاتحاد السوفيتي سابقاً، الذين هاجروا إلى اسرائيل إبان احتلالها الأراضي الفلسطينية.
لكن نتنياهو فجر قنبلة إعلامية من العيار الثقيل عندما كشف عن موقف حكومته من نظام الأسد والذي تطابق فيه مع الموقف الروسي، رغم حرص كيان الاحتلال الإسرائيلي على تجنب اتخاذ أي موقف مما يجري في سورية، حيث أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو عن قناعته بضرورة تسوية ما سماها الحرب في سورية، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن مسألة مصير بشار الأسد ستكون ثانوية وأن بلاده لن تتدخل فيها. وأشار نتنياهو في تصريحات تداولتها وسائل إعلام روسية، إلى أنه تم التوصل إلى نتيجة مفادها أنه يجب القيام بكل شيء ممكن حتى لا يؤدي الوضع في سورية إلى حدوث مأساة جديدة وقيام تهديدات لدول. وأضاف خلال لقائه الجالية اليهودية في موسكو: «في هذا السياق، فإن المستقبل الشخصي للرئيس الأسد، من وجهة نظري أمر ثانوي».
ولفت إلى أن معظم الدول حول إسرائيل تفككت، وذلك في إشارة إلى سورية والعراق وليبيا واليمن.
نتنياهو أعرب عن قناعته أن إسرائيل لها أعداء كثيرون في سورية. وقال: «نهتم بألا تتحول سورية إلى بؤرة للهجمات على إسرائيل، سواء من القوات السورية أو الإيرانيين أو «حزب الله» أو القوى الإسلامية التي تعمل على الأراضي السورية».
نتنياهو الذي التقى بوتين في إطار زيارته الرسمية إلى روسيا بمناسبة ذكرى مرور 25 عاماً على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يدرك تماماً أن حليفه الأمريكي مشغول بانتخابات الرئاسة، وهو يفضل الآن الحليف الروسي لنيل ما يريده في سورية من دون الاقتراب من طبخة العملية السياسية أو العسكريةن وبالمقابل، تدرك موسكو ان وجود إسرائيل إلى جانبها وموافقتها على كل تحركاتها العسكرية والسياسية في سورية يشكل أكبر ضامن سياسي لها في المنطقة وأمام المجتمع الدولي لما لها من وزن لدى الدول الغربية واللوبيات الموجودة فيها.
إذن.. تحقق هدف نتنياهو وحكومته في سورية والدول المحيطة بها، وتم تفكيك كيانات كانت تمثل خطراً على دولة الاحتلال من مثل سورية والعراق وليبيا، فيما تنشغل دول أخرى بمشاكلها الداخلية كمصر وتونس والجزائر وحتى الأردن ودول الخليج، أما مسألة مصير الأسد، فهي لا تشغل بال نتنياهو الذي يستمتع بتعذيب حليفه «الصغير» في محلة «المهاجرين» الذي ينتظر موقف نتنياهو من مصيره على أحر من الجمر!
يتبلور الصراع في سورية، يوماً بعد آخر، صراعاً جغرافياً خالصاً، وتكاد الأبعاد الأخرى تتحوّل إلى مجرد أدواتٍ تخدم البعد الجغرافي، فعلى الرغم من كل ادعاءات أطرافٍ كثيرة عن وحدة سورية الإقليمية، أو الحفاظ عليها موحّدةً ضمن نسقٍ سياسيٍّ، إقليمي ودولي، فإن ذلك لا يعدو أن يكون أداةً تفاوضية تكتيكية، من أجل تعزيز المواقف الهادفة أصلاً إلى كسب مزيدٍ من الجغرافية المفيدة والنافعة.
وتكتشف أطراف الصراع، وخصوصاً نظام الأسد والأطراف الداعمة له، وعبر التجربة العملية، أن ما كانت تعتبره سورية المفيدة لا يمكن أن تكتمل فائدته إلا إذا أضيفت إليه الأقاليم الأخرى، ذلك أن كل إقليم يتمتع بمزايا اقتصادية وطبيعة استراتيجية تجعل السيطرة عليه أمراً لازماً، تهون أمامه التكاليف البشرية والمادية، بالإضافة إلى الحاجة الأمنية التي تفرضها طبيعة التداخل الجغرافي، وقرب المناطق من بعضها، وصعوبة الفصل بينها.
ينطبق الأمر نفسه على أطراف الصراع الإقليمية والدولية التي تنخرط في الصراع السوري، حيث تشكّل الجغرافية عنصراً مقرّراً وشارطاً لبلورة النفوذ وتظهيره في الحيز السوري والغلاف الإقليمي المحيط به، بل أكثر من ذلك، تصبح الجغرافيا العامل الذي يرسم حدود السيطرة وحجم النفوذ، ومن دونه تبقى تلك المسائل معلّقة وضبابية، وذات قابلية للتأويل والتفسير.
شكل إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في نهاية أبريل/ نيسان الماضي بزيادة عدد القوات البرية الأميركية في سوريا مقدمة تمهيدية لإطلاق معركة الرقة التي تأخرت كثيرا. وجاء إعلان "قوات سوريا الديمقراطية" في 24 من الشهر الماضي إطلاق معركة الرقة تتمة لإعلان الرئيس الأميركي.
لكن فجأة تتغير المخططات، وتقرر الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية وقف المعارك في الرقة والانتقال إلى ريف حلب الشرق وفتح معركة منبج ضد تنظيم الدولة.
هذا التغير ترافق مع تغير آخر في الخطط لدى النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني، فبعد أن كانت دير الزور عنوان المعركة المقبلة عقب استعادة تدمر، يتحول الزخم فجأة نحو الرقة من ناحية جنوبها الغربي عند الحدود الإدارية لحلب وحماة.
ما هي الأسباب التي دفعت المحورين إلى تغيير خططها؟ وهل ثمة تنسيق خفي غير معلن يتقاسمان بموجبه محافظة الرقة؟ أم أن الرقة عنوان للصراع بينهما خلال المرحلة المقبلة؟
الأكراد وأميركا
تأسست قوات سوريا الديمقراطية في 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بهدف الاستعداد لتحرير الرقة من تنظيم الدولة، ولكن سرعان ما أوقفت معركة الرقة وفتحت معركة الحسكة.
كان السبب وراء ذلك عدة اعتبارات، منها: رفض قوات حماية الشعب الكردي خوض معارك في بيئة ديمغرافية غير حاضنة لها (الرقة) أولا، والخوف من دفع عرب السنة إلى الانضمام لتنظيم الدولة بعيد تجربة الأكراد في تل الأبيض شمالي الرقة ثانيا، فالأكراد ليس لديهم قاعدة شعبية في الرقة، بل عكس ذلك أدت تجربتهم في الحكم داخل مدن الرقة ومنها تل أبيض على سبيل المثال إلى وجود شرخ بينهم وبين السكان العرب الذين وجدوا أنفسهم أقرب إلى التنظيم من الأكراد نتيجة الأخطاء التي ارتكبها الأكراد في المحافظة.
وثالثا، عدم وجود قوة عسكرية كافية لمواجهة التنظيم في معقله، فالوضع في الرقة يختلف تماما عن الموصل في العراق، فلا يوجد جيش نظامي حليف في الرقة، وقوة الأكراد وبعض العرب لا تكفي لشن عملية تحرير واسعة لمحافظة الرقة، كما أن التنظيم مازال يحتفظ بدعم بعض العشائر العربية كعشيرتي السبخة والعفادلة.
ورابعا، لأن الأكراد وجدوا في معركة الجيش العراقي مع التنظيم في سنجار فرصة مهمة لا يمكن تفويتها في الحسكة، من أجل قطع تواصل التنظيم بين العراق وسوريا.
استمرت الاستعدادات الأميركية والكردية لأشهر عدة، حتى 24 من الشهر الماضي حين أعلنت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة الرقة، غير أن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر، فقد اكتشفت القوات التي يغلب عليها الطابع الكردي أن التنظيم قوي جدا في الرقة، وكشفت المعارك حجم الخسائر في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ولهذا السبب تم التراجع عن العملية العسكرية والاكتفاء بالإعلان أن هدف العملية تحرير شمالي الرقة فقط.
ربما تكون هذه الأسباب وراء وقف العملية العسكرية في الرقة والانتقال إلى ريف حلب الشرقي والشمالي وفتح معركة منبج، ولا يتعلق الأمر هنا بالسعي لتحقيق أهداف الأكراد المتعلقة بوصل كانتون عفرين غربا بإعزاز في الشمال تمهيدا لربط مناطق غربي الفرات بشرقها، والسيطرة على كامل الحدود الشمالية السورية مع تركيا، فهذا الهدف وإن كان قائما بالفعل وسيظل نصب عين حزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم، إلا أنه لا يكفي وحده لنقل المعركة نحو الريف الحلبي بعد الاستعدادات التي تمت في الرقة.
ولعل الصمت التركي حيال ما يجري في حلب مؤشر على وجود ضمانات أميركية بأن المعركة جزء من الحرب على تنظيم الدولة، وليس لها أهداف أخرى، وتصريح رجب طيب أردوغان بأن الجزء الأكبر من قوات سوريا الديمقراطي عربي يؤكد الضمانات الأميركية.
يتعلق الأمر بنقطتين أخريين بالغتي الأهمية:
1ـ الخوف من أن تؤدي معارك الرقة وهجوم قوات سوريا الديمقراطية من شمال المحافظة نحو (مدينة الرقة) إلى دفع التنظيم للهروب نحو ريف حلب الشرقي، وتحديدا نحو مدينتي منبج والباب، وفي حال حصل ذلك، فإن تداعياته على مجمل الخارطة الإستراتيجية في حلب ستكون كارثية لكل أطراف الصراع المحليين والإقليميين، باستثناء تركيا التي ستجد في ذلك فرصة لمعركة كبرى ستكون على حساب الأكراد في حلب، وهو أمر لا تستطيع واشنطن السماح به.
2ـ ولذلك كان الهدف هو فصل خطوط الترابط للتنظيم بين الرقة وحلب. ومدينة منبج هي الخطوة الأولى في تحقيق ذلك قبيل الانتقال نحو مدينة الباب معقل التنظيم في محافظة حلب.
الهدف الأميركي الكردي يتمثل في إطباق الحصار على التنظيم داخل حدود محافظة الرقة التي تبلغ مساحتها نحو عشرين ألف كيلو متر مربع، وهي مساحة كبيرة ترتبط بحدود إدارية مع خمس محافظات (حلب، حماة، حمص، دير الزور، الحسكة)، قبيل الانتقال إلى المعركة الكبرى (تحرير الرقة).
النظام وروسيا
بعد استعادة النظام السوري لتدمر بفعل الدعم الجوي الروسي توجهت الأنظار إلى دير الزور كعنوان رئيسي للمعركة المقبلة، خصوصا أن قوات النظام بدأت إعادة ترتيب وضعها شمال تدمر، غير أن اشتداد المعارك في حلب دفع النظام وروسيا إلى تثبيت الوضع في تدمر ومحيطها وتأجيل معركة دير الزور التي تتطلب تجهيزات كبيرة لا إمكانية لها في هذا الوقت، فضلا عن بعدها وضعف تأثيرها الإستراتيجي على طبيعة الصراع في سوريا مثل حلب أولا والرقة ثانيا.
الأولوية بالنسبة للنظام وروسيا وإيران -كل حسب أهدافه- هي إحراز أكبر قدر ممكن من الانتصارات في محافظة حلب على حساب فصائل المعارضة أولا ثم على حساب تنظيم الدولة ثانيا.
لكن إعلان قوات سوريا الديمقراطية فتح معركة الرقة ثم الانتقال إلى منبج لقطع أوصال التنظيم، جعل النظام وروسيا يعيدان ترتيب أولوياتهما، فأصبحت معركة الرقة، أو على الأقل الحدود الجنوبية الشرقية لمحافظة الرقة جزءا لا يتجزأ من معركة حلب، حيث يخشى النظام والروس كما الأكراد والولايات المتحدة من خسارة المكتسبات التي تحققت في حلب إذا ما قرر تنظيم الدولة الهروب من الرقة تحث ضغط المعارك والتوجه غربا نحو معاقله في حلب (منبج، الباب).
هدف النظام كما هو واضح من خط سير قواته هو السيطرة على المناطق الجنوبية الغربية من محافظة الرقة وصولا إلى مدينة الطبقة، وهو بذلك يكون قد حقق أهدافا عدة:
أولا، تأمين خط خناصرـ إثريا الذي يعتبر خطا إستراتيجيا (200 كلم) كونه يربط عمق ريف حلب الجنوبي الشرقي بريف حماة الشمالي الشرقي.
ثانيا، تأمين منطقة واسعة تمتد من الرقة شرقا إلى خناصر غربا، وهي منطقة ستسمح للنظام بالتحرك شمالا نحو مدينة الباب في حلب، والتحرك إلى الجنوب الشرقي نحو السخنة في ريف حمص الشرقي.
ثالثا، الوصول إلى الطبقة سيسهل على النظام استكمال السيطرة على ريف الرقة الجنوبي خلال المرحلة المقبلة، وهي خطوة ضرورية لتطويق التنظيم في دير الزور من جهتين (جهة الرقة، جهة تدمر).
فضلا عن ذلك، يحاول النظام أن يكون له تواجد في جغرافية الرقة وأن لا يتركها للأكراد والقوى العربية المتحالفة معها، لا سيما بعيد كشف حزب الاتحاد الديمقراطي عن مخططاته لتشكيل فيدرالية لن تكون ممكنة من دون الرقة، وقد زاد من اهتمام النظام بالرقة تصريح صالح مسلم بأن الأكراد لن يسلموا المحافظة للنظام عقب تحريرها من تنظيم الدولة.
وأغلب الظن أن يستغل النظام وروسيا عجز قوات سوريا الديمقراطية عن التقدم من شمالي محافظة الرقة نحو مدينة الرقة، ليستكمل طريقه إلى المدينة بعد مرحلة استعادة مدينة الطبقة التي يبدو أنها ستسقط بفعل القصف الروسي الكبير.
وإذا كانت محافظة حلب عنوانا للتفاهم الأميركي الروسي المضمر، فإن محافظة الرقة إما أن تكون العنوان الأكثر تنسيقا بين الطرفين، أو تتحول مستقبلا إلى عنوان للصراع بينهما.
يتوجه «حزب الله» بالوعد والوعيد لحاكم مصرف لبنان ولمصرف لبنان وللقطاع المصرفي اللبناني، بعد انتهاء فترة من «الواقعية المتبادلة»، تمكن الحزب من خلاله أن يجمع بين صفته كـ»خارج عن القانون» بالنسبة الى كتلة الدول الغربية، وبين بقائه «متصلاً»، ولو مواربة بالنظام المالي العالمي الذي تسيطر عليه المؤسسات المالية لأعدائه العالميين هؤلاء، وفي المقدمة منهم الولايات المتحدة الأميركية. يريد الحزب الآن الشيء ونقيضه: الاحتقان والسخط بوجه المعادلات المصرفية والمالية اللبنانية لأجل اعادة نسج شبكة حمائية جديدة له، لأجل التفتيش عن حيل جديدة تمكنه من الإبقاء على رئة اتصاله بالنظام المالي العالمي.
يبقى ان هذه اللعبة لا تنحصر في الحزب والمصرف المركزي، كما أنّ الحزب والمصرف المركزي على حد سواء لا يستطيعان الافلات من منطق له، غربياً وعربياً، ترجمات عدة، تلتقي جميعها في ان الحزب عليه ان يساعد نفسه، كي يتمكن الاخرون، في الداخل والاقليم والخارج من مساعدته على الخروج من دائرة معاملته كتشكيل ارهابي. أما أن يكون الباب الى ذلك هو الترهيب فهذا، بقطع النظر عن الموقف منه، لن يخدم كثيراً. يفترض ان الحزب يعي بما فيه الكفاية ان الكرة ليست في ملعب النظام المالي اللبناني، وان هذا النظام سعى حقيقة، لتجنب عواقب الامور، والبحث عن حلول توفيقية ما أمكن، لكن هنك حدود لك شيء، ولم يعد من الممكن ايجاد غطاء لبناني للحزب لا ديبلوماسياً ولا مالياً ولا من اي نوع، طالما ان الحزب لم يقم بعد بأي جهد يذكر لاظهار انه قادر على التكيّف، بانعطافة، نحو الهدوء.
التضييق على الحزب من النظام المالي العالمي ليس بالأمر السهل حتى بالنسبة للبنانيين من أخصام الحزب كونه يفرض عليهم اعباء جديدة، مالياً واقتصادياً وسياسياً وامنياً، ولهم بهذا المعنى مصلحة في موقف براغماتي في هذا الجانب، لكن لهذا الموقف شروطه، وهي لم تعد، والى حد كبير، تتعلق بالنظام المالي اللبناني، الذي كشف نفسه اكثر من اللازم للنظام المالي العالمي في السنوات الاخيرة، لجهة انه ساهم في تأجيل التصادم بين الحزب والعالم.
بطبيعة الحال، سيجد الحزب مصلحة له في التعطيل والتفريغ هنا ايضاً، كما وجدها حيال كل مسألة متعلقة بالمؤسسات والعلاقات في ما بينها في الدولة. لكن السلوك التعطيلي او الشغوري بازاء وظائف الفئة الاولى، كحاكمية المصرف وقيادة الجيش، وفي ظل شغور متمدّد لموقع رئاسة الجمهورية، يزيد الامور خطورة ومدعاة للقلق.
ليس بالمستطاع معالجة المشكلة الراهنة ببدعة «المقاومة النقدية» اي فائض القوة العنفية للحزب في نزاعات الداخل، هذا الفائض المستنزف بشكل دموي متواصل في سوريا. فائض القوة يبطش بالسياسة، لكنه هش أكثر حيال المعادلات المالية، تماماً مثلما كانت هذه المعادلات مطواعة أكثر معه في وقت سابق، وهو ما يجعل الحزب يعتقد انه برفع السقف الخطابي يمكنه ان يستعيد هذا «الزمن المصرفي الجميل» بالنسبة له. لكن هذا الزمن «الجميل» انتهى، ولن يرجع اذا بقي «حزب الله» على حاله، وما لم يسعَ، وبدلاً من ابتزاز مؤسسات الدولة والقطاعين العام والخاص، والحلفاء والاخصام، كي يؤمن له كل هذا شبكات تواصل غير مباشرة مع النظام العالمي، لا سيما النظام المالي العالمي، إلا الاستفادة من «فائض قوته» قبل فوات أوانها بغية تحويلها لأشياء أخرى ومفيدة، ولا يكون ذلك إلا بإعادة حصر نطاقه بلبنان: اذ لا يمكن الحزب ان يكون حزباً «عالمياً»، يحارب فوق كل ارض، وتكون مشكلته مع مصرف لبنان انه لا يتوسط له لدى النظام المالي العالمي. عندما يعود فيعطي الاولوية ثم الحصرية لعمله اللبناني تصير «الوساطة اللبنانية» له في الخارج مقنعة اكثر، وممكنة اكثر، وتصير طوعية اكثر، وليست حاصلة بالابتزاز. لكن من قال ان الحزب يريد كذلك؟ يريدها وساطة داخلية بشروطه الخطابية والأمنية هو، بما يعرف هو ان يؤديه ويحركه وينطق به.
هناك حد أقصى لما يمكن للمصرف المركزي ان يفعله، والحزب يعي ذلك ويكابر بدلاً من إعادة التموضع، بدءاً من القضايا المالية.
كان الخطاب الذي ألقاه رئيس النظام السوري بشّار الأسد في الجلسة الأولى لمجلس الشعب السوري الجديد (مجلس النوّاب) في غاية الأهميّة. كان الخطاب منعطفا تاريخيا، لا لشيء سوى لأنّه جاء ليعكس جديد سوريا. يأتي هذا الجديد بعد خمس سنوات ونصف السنة على اندلاع الثورة الشعبية فيها.
جديد سوريا أنّ رئيس النظام يعتبر أنّه وجد معادلة جديدة للبقاء في دمشق، أي لاستكمال عملية تفكيك البلد وتدمير كل مدينة وبلدة وقرية فيه. تقوم المعادلة الجديدة على التخلي عن الجولان نهائيا لإسرائيل من جهة وعلى الاستعانة بالروسي والإيراني من جهة أخرى. يحدث كلّ ذلك من أجل البقاء في السلطة ولا شيء غير ذلك. إنّها السلطة العارية من أيّ شرعية من أيّ نوع، خصوصا أن الانقلابات العسكرية لم تكن يوما أساسا صالحا لأيّ شرعية في أيّ بلد من بلدان العالم.
قبض حافظ الأسد ثمن تسليم الجولان إلى إسرائيل في العام 1967 عندما كان وزيرا للدفاع. ليست معروفة، إلى اللحظة، الظروف التي أدّت إلى احتلال إسرائيل للجولان بسرعة البرق، خصوصا بعد صدور أوامر للجيش السوري بالانسحاب من الهضبة بكل الوسائل المتاحة. هذا ما حصل بالفعل وذلك قبل أن يصل الإسرائيليون إلى الهضبة.
لم تحصل وقتذاك أيّ مقاومة. ارتدى الجنود والضباط السوريون ملابس مدنية وخرجوا من الجولان بالتي هي أحسن على الرغم من أن الموقع الطبيعي للهضبة والتحصينات المقامة فيها، كانت تسمح بالمواجهة، إضافة إلى أن الاندفاع والوطنية والشجاعة والاستعداد للتضحية لم تكن تنقص العسكري السوري في تلك الأيّام.
في كلّ الأحوال، بعد تسليمه الجولان في العام 1967، صار سهلا على حافظ الأسد احتكار السلطة في العام 1970، خصوصا بعدما تبيّن أن خصومه هواة من المنتمين إلى اليسار الطفولي في حزب اسمه حزب البعث. لم يكن هذا الحزب بفكره المتخلّف سوى مطيّة لمجموعة من الانتهازيين الذين قضوا على كلّ ما هو حضاري في سوريا، بما في ذلك الحياة السياسية الطبيعية فيها.
سمح تسليم الجولان لإسرائيل، بطريقة حبيّة، لحافظ الأسد بحكم سوريا بطريقة مطلقة ثلاثين عاما بالتمام والكمال. سعى إلى اكتساب شرعية لنظامه غير الشرعي في العام 1973 عندما شارك أنور السادات في شنّ “حرب تشرين” أو “حرب أكتوبر” في التعبير المصري.
في حين استطاع أنور السادات توظيف “حرب أكتوبر” في استعادة سيناء، بما في ذلك حقول النفط والغاز فيها، بقي الجولان المحتلّ الهمّ الأخير لحافظ الأسد الذي فضّل المتاجرة بالهضبة المحتلّة على أيّ شيء آخر. توصّل إلى اتفاق فكّ الارتباط مع إسرائيل في العام 1974 وانطلق من ذلك في اتجاه السيطرة على لبنان مستغلا الوجود الفلسطيني المسلّح فيه وبداية ظهور ميليشيات مسيحية معادية لهذا الوجود في ظلّ رئيس للجمهورية، هو سليمان فرنجية الجدّ، لا يعرف شيئا عن المعادلات الإقليمية وتعقيدات المنطقة.
كان الجولان المحتلّ رأسمال حافظ الأسد. كانت إسرائيل تعرف ذلك تماما لذلك لم تقدم يوما على خطوة جديّة يشتمّ منها أيّ عداء لنظامه. في المقابل، لم يبق أمام بشار الأسد من رأسمال سوى تسليم الجولان نظرا إلى أنّه لم يعد ورقة مساومة لديه في اللعبة الإقليمية التي خرج منها.
كانت بداية النهاية للنظام السوري خروجه من لبنان بالطريقة التي خرج بها في نيسان ـ أبريل من العام 2005. ضاقت أمامه كلّ الخيارات، خصوصا بعدما أكّد السوريون بأكثريتهم الساحقة أن ليس في استطاعتهم القبول بنظام لا يتقن سوى الابتزاز ولعبة الإرهاب مع الخارج ومع جيرانه من جهة وقمع شعبه في الداخل وإفقاره من جهة أخرى.
كان خطاب بشّار الأسد في مجلس الشعب بداية لمرحلة جديدة تقوم على تناسي وجود الجولان المحتل. ليس صدفة أن يلقي رئيس النظام السوري خطابه، أمام مجموعة من النوّاب المهرّجين، فيما بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يؤدي زيارة لموسكو في مناسبة مرور ربع قرن على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين روسيا الحالية (الاتحاد السوفياتي سابقا) وإسرائيل.
ألقى الأسد الابن خطابه الذي اعتبر فيه الشعب السوري مجموعة “إرهابيين” مؤكّدا أنّه سينتصر عليهم، بينما كان فلاديمير بوتين يقدّم لـ”بيبي” ما يمكن وصفه بالرمز الجديد للعلاقات الوثيقة بين روسيا وإسرائيل على حساب كل الاعتبارات الأخرى ذات الطابع الإقليمي.
كان هذا الرمز دبابة إسرائيلية غنمتها القوات السورية في معركة بين الجانبين في بلدة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني. كان ذلك في العام 1982 في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي كشف حجم التواطؤ بين النظام السوري وإسرائيل ووجود اتفاقات كان على الجانب الإسرائيلي احترامها، بما في ذلك عدم تجاوز خطوط معيّنة. وكان أن التزمت إسرائيل تلك الخطوط بدقّة متناهية في مرحلة ما بعد معركة السلطان يعقوب التي سقط فيها قتلى إسرائيليون، بينهم ثلاثة جنود ما زالت جثثهم مفقودة. ستكون الدبابة الإسرائيلية بمثابة مزار لعائلات هؤلاء الجنود تعويضا عن فقدان العسكريين الثلاثة.
سلّم بوتين الدبابة إلى نتانياهو، علما أنّها هدية سورية كان يجب أن تبقى في متحف روسي خاص بمثل هذا النوع من الهدايا. لكنّ موسكو فضّلت إعادة الدبابة إلى أصحابها لتأكيد عمق العلاقة الجديدة بين روسيا وإسرائيل، فضلا عن طبيعة التعاون القائم بين الجانبين في سوريا.
بات هذا التعاون الجديد الروسي ـ الإسرائيلي في سوريا جديد التطورات في هذا البلد حيث يرفع النظام المتحالف مع ايران وذراعه اللبنانية ، أي “حزب الله”، شعاري “المقاومة” و”الممانعة”.
هل لا يزال في الإمكان الحديث عن “مقاومة” و”ممانعة” بعد انكشاف حقيقة العلاقة الروسية ـ الإسرائيلية وبعدما تبيّن بكلّ وضوح أن هناك وظيفة جديدة للجولان. تتمثّل هذه الوظيفة في عدم لعب إسرائيل أيّ دور في سوريا خارج التفاهم مع روسيا والتنسيق معها، ما دام مصير الهضبة صار معروفا. إلى إشعار آخر، تبدو موسكو متمسكة ببقاء بشّار الأسد في دمشق إلى أن يأتي اليوم الذي تجد فيه الصفقة المناسبة التي تسمح لها بالمقايضة على رأسه، في مقابل الثمن المناسب.
جديد سوريا كان الجولان. كشف الخطاب الأخير لبشار أن الجولان لم يعد سوى ورقة تصلح لإقناع إسرائيل بدعم النظام أو باتخاذ موقف محايد منه. الواقع أن إسرائيل حصلت على ما تريد بعدما عقد “بيبي” مجلس الوزراء في الهضبة المحتلة قبل بضعة أسابيع وبعدما اطمأنّ إلى أنه لن تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام ما دام بشّار موجودا في دمشق.
من حافظ الأسد، إلى بشّار الأسد، تغيّرت وظيفة الجولان. هل التخلي عن الهضبة كاف لبقاء النظام، ولو على جزء من الأرض السورية؟ من الصعب تصوّر ذلك. لو كان النظام الأقلّوي قادرا على الاستمرار، لما كانت إيران قبلت بأن يكون لها شريك في قصر المهاجرين. كانت تريد أن يبقى بشّار تحت وصايتها وحدها. لم تعد هذه الوصاية حكرا عليها، بل صار فلاديمير بوتين يمتلك في سوريا من النفوذ ما يجعل هديته السورية لإسرائيل حدثا أقلّ من عادي، خصوصا لدى المتشدّقين بـ”المقاومة” و”الممانعة”!
نشرت «الشرق الأوسط» في عدد أمس السبت نقلاً عن مصادر دبلوماسية غربية أن ستافان دي ميستورا، المبعوث الدولي لسوريا يتعرّض إلى ضغوط روسية أميركية الغاية منها دفعه لعقد جولة مفاوضات جديدة في جنيف.
في وضع طبيعي لا حاجة إلى ضغوط، لكن ما تعيشه الأزمة السورية تجاوز كل الحدود. واضطرار الأمم المتحدة لتوسّل نظام بشار الأسد و«قوى الأمر الواقع» فقط للسماح بإدخال الغذاء والدواء للمناطق المحاصرة – وبعضها محاصر منذ 2012 – دليل دامغ على هذا الوضع.
ثم ما عاد مفهومًا المعنى الحقيقي لمسمى «المجموعة الدولية لدعم سوريا». أي «سوريا» هذه المراد دعمها؟ وما هو مستوى التجانس والتنسيق بين أعضاء هذه «المجموعة»؟ وما هي أهمية أن تكون «دولية» عندما تتحوّل روسيا – إحدى القوى العظمى الراعية إلى قوة تدخل واحتلال، وتمنحها القوة الأخرى، الولايات المتحدة: «شيكًا على بياض» لتفعل ما تشاء، وتفسّر القرارات الدولية على هواها، ثم تبارك لها ما تفسره وتنفذه!
بمرور الأيام، وتساقط «الخطوط الحمراء»، انتهت أكذوبة «أصدقاء الشعب السوري» بعدما تبيّن أن عدد هؤلاء بالكاد يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
واليوم مع التماهي الروسي - الأميركي والتواطؤ الصيني المطلق مع موقف موسكو، والإحباط والعجز الأوروبيين إزاء سياسة واشنطن السورية ها هي صدقية «المجموعة الدولية لدعم سوريا» تنهار.. لاحقة بـ«أصدقاء» الجعجعة بلا طحين.
لقد كان الكثير من اللوم قد ألقي على المبعوث دي ميستورا خلال السنتين الأخيرتين، لكن من الواضح أن الرجل يعمل مغلول اليدين في جوّ غير مساعد على الخروج بأي نتيجة. ذلك أن موسكو ما عادت مستعدة للتخلي عن «أفضلية» ميدانية وسياسية كسبتها في منطقة استراتيجية كانت إلى عهد قريب شبه محظورة عليها.
ولا واشنطن فيما تبقى من عهد باراك أوباما راغبة في إحداث أي تغيير يمس في تفاهمها مع قيادة إيران، لا في الجوهر ولا في التفاصيل، حتى على حساب استقرار الشرق الأوسط ووحدة أراضي دوله. ولا طهران، المحكومة بغطرسة الملالي ودموية «الحرس الثوري»، والمستفيدة من تفاهماتها مع الروس والأميركيين، في وارد التفريط في فرصة تاريخية سانحة للثأر من العرب ومسابقة الأتراك على زعامة العالم الإسلامي.
على أساس المعطيات هذه.. كيف يلام نظام قاتل على الاستقواء بمناخين إقليمي ودولي للمضي قدمًا في جرائمه؟
ثم هناك، في خلفية كل ما ذكرناه، الموقف الإسرائيلي الملتبِس في «براغماتيته»، وهو يقوم على سلسلة اعتبارات لا تعوزها الفطنة، أبرزها:
أولاً، أن إسرائيل كانت دائمًا «مرتاحة» في تعاملها مع نظام آل الأسد الذي مرّت يوم أول من أمس الذكرى السنوية السادسة عشرة على وفاة مؤسسه حافظ الأسد، مبتكر مفهوم «التعايش» الفعلي مع إسرائيل وراء واجهة «ممانعتها» منذ 1973. والقيادة الإسرائيلية، من واقع الخبرة الطويلة، تجيد التمييز بين الأقوال والأفعال، وبالأخص، عندما تأتي من أولئك المزايدين لفظًا في عدائها... والراغبين ضمنًا في التعايش معها.
ثانيًا، أن سوريا اليوم باتت أقرب ما يكون إلى كيان خاضع لحكم مشترك condominium، ذلك أنه ما عاد هناك وجود فعلي لنظام آل الأسد من دون دعم إيران وروسيا، طبعًا بمباركة أميركية وإسرائيلية. وما زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتتالية إلى موسكو، وسط الصمت المطبق لـ«ممانعي» دمشق و«مقاومي» بيروت، سوى تأكيد للسقوف والتفاصيل التي ترسم المحاذير وهوامش المناورة.
ثالثًا، أن إيران ما كانت في يوم من الأيام بعيدة عن المزايدة في موضوع «المقاومة»، وهي منذ الثورة الخمينية عام 1979، ثم فضيحة «إيران كونترا»، ما كانت تسعى لمواجهة إسرائيل بقدر سعيها لإسقاط الأنظمة العربية عبر «تصدير الثورة». وهذا ما أثبتته وتثبته الأيام والتجارب.. من العراق وسوريا ولبنان واليمن.. إلى قلب فلسطين ذاتها، حيث رعت طهران وما زالت ترعى تمزيق النسيج الفلسطيني من الداخل لضمان انعدام أي فرصة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
رابعًا، لن تُقلق اليمين الإسرائيلي المتشدّد «حرب» مذهبية إسلامية على مستوى الشرق الأوسط بأسره بين السنة والشيعة، لأنها ستخدم مصلحته سواءً لجهة صرف الأنظار عن مشاريع التهويد والاستيطان و«الترانسفير» المتحمس لها، أو لجهة إنهاك وتفتيت جبهة معادية محتملة تهدّد تلك المشاريع. وبالتالي، لا مصلحة لهذا اليمين – تحت قيادة «الليكود» وزعيمه نتنياهو – في رحيل نظام يعرفه جيدًا ولا يخشاه، بل كل ما يريده راهنًا هو التحكم في توزيع حصص النفوذ الإقليمي عن طريق ضبط حصة إيران أو وضع حدود لمطامعها برعاية كل من موسكو وواشنطن.
عودة إلى الضغوط على دي ميستورا، تبدي المصادر الدبلوماسية الغربية تشاؤمها من فعالية أي تحرّك دولي في ضوء ما تصفه بالسياسة الأميركية «الرخوة» إزاء إمساك موسكو بالكثير من الأوراق السورية. وتذهب بعيدًا للقول: إن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «سلّم» عمليًا الملف السوري للروس، وإن كيري ومعه الرئيس باراك أوباما ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» يمثلون اليوم توجّهًا لا يرى في الشرق الأوسط سوى خطر لتنظيم داعش. ومن ثم، فهم يعتبرون أن كل الجهود يجب أن تصب لقتاله ولو اقتضى الأمر التعاون مع موسكو، لا بل، وربما، حتى الموافقة على بقاء الأسد إذا كان هذا هو الثمن الذي تريده موسكو لهذا التعاون. مقابل هذا الموقف – حسب المصادر ذاتها – هناك موقف وزارة الدفاع (البنتاغون) الذي لا يقتنع بصحة مقاربة البيت الأبيض، ولا يثق بالكرملين بل هو على قناعة تامة بأن محور «طهران – موسكو – نظام الأسد» يسعى للحل العسكري ويعمل على تطبيقه.
وهكذا، في ظل استبعاد أي تبدّل في موقف أوباما مع تسارع العد العكسي لرئاسته، وتزايد ملامح التقسيم الفعلي لسوريا وتعمّد القضاء على الاعتدال
داخل المعارضة، من المرجح تفاقم معاناة السوريين.
... وفي ظل السلبية الأميركية والعجز الدولي، لم يعد أمام السوريين إلا انتظار انتهاء عهد أوباما قرب مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في ماضي العلاقات السورية - التركية السابق للحرب التي نشبت عام 2011، محاولة قام بها رجب طيب اردوغان وكان عامذاك رئيسا للوزراء للتوسط بين دمشق وتل ابيب، وتوقفت مع هجوم الكومندوس الاسرائيلي على سفينة "مافي مرمرة" في مياه المتوسط التي كانت تقود قافلة انسانية لفك الحصار عن قطاع غزة.
ما يستدعي الان التذكير بالدور التركي في حينه، هو الدور الذي يقوم به الان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يتمتع بعلاقات جيدة الآن مع كل من سوريا واسرائيل، والزيارات المتكررة التي يقوم بها نتنياهو لموسكو والحفاوة التي يلاقيها في الكرملين وهو ما افتقده في البيت الابيض في عهد باراك أوباما حيث تميزت علاقات الرجلين بالجفاء على رغم مواصلة السخاء الاميركي في المساعدات العسكرية لاسرائيل، فقط كان مطلوباً من أوباما ان يهاجم ايران عسكرياً، الامر الذي امتنع عنه فاستحق عدم الود من نتنياهو.
وباستثناء الكلام العمومي عن العلاقات الروسية - الاسرائيلية وضرورة تعزيزها وخصوصاً مع وجود أكثر من مليون روسي يهودي في اسرائيل وعن مستلزمات التنسيق العسكري الروسي - الاسرائيلي فوق السماء السورية كي لا يحصل تصادم عرضي بين الجانبين، لا يصدر شيء محدد عن قيام روسيا بدور محدد أو ما يشبه الوساطة بين سوريا واسرائيل على غرار ما فعل اردوغان في يوم من الايام. أما الكلام عن الدور الروسي في ما يتعلق بالمساعدة على ايجاد حل للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، فيبدو من قبيل الشكليات التي تقال في كل مناسبة، وربما أدركت روسيا ان ما يطلق عليه عملية السلام في الشرق الاوسط هي حكر على الولايات المتحدة على رغم ان روسيا عضو في اللجنة الرباعية وكانت تربطها علاقات تاريخية بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي غياب أي مؤشر لحقيقة هذا الود بين روسيا واسرائيل، الذي يتجاوز حكماً كل ما يقال عن ضغط اسرائيلي لعدم تسليم روسيا صواريخ "اس 300" الى ايران او عن التنسيق الجوي في السماء السورية، تبقى الاسئلة معلقة حول هذه المسألة على رغم انه يجب ألا يغيب عن الذهن ما اذا كانت روسيا تجد في اسرائيل تعويضاً عن تركيا بعد تدهور العلاقات الروسية - التركية عقب اسقاط مقاتلات تركية مقاتلة "سوخوي" روسية على الحدود السورية الخريف الماضي. وربما كان بوتين يحاول أيضاً تفادي مزيد من الحصار الاميركي والاوروبي المطبق عليه بسبب أوكرانيا أو انه يحاول ألا يزيد دائرة الاعداء لا في الشرق الاوسط ولا في العالم.
كلها تساؤلات تحاول تلمس حقيقة هذا التطور المتسارع في العلاقات الروسية - الاسرائيلية. ولن يطول الوقت قبل ان تبدأ الامور بالانجلاء.
سرد مقدم البرامج الأكثر نجاحاً أحمد الشقيري القضية السورية ، بسريالية الجاهل للسبب و العالم بأدق تفاصيل النتائج من جوع و حصار ، قتل و تدمير و تهجير ، مجازر و مذابح، و ملايين المهجرين، مستخدماً فيديوهات من نتاج الاعلام الثوري، لكنه عجز عن تسمية القاتل و اكتفى بالمأساة نسى المسبب.
حمص دمرت و حلب محيت و آثار نسفت و تساءل أين يذهب الشعب السوري، ناقلاً قصص من معاناة اللاجئين، و المهاجرين العابرين للبحور و الغابات باتجاه الآمان المفقود في سوريا، و كل هذا و لم يعرف السبب.
تسير الحلقة "السادسة" بخطى متسارعة، مع سردية الألم و الموت في طريق الهجرة .. ولك ينسى اظهار الدموع و القهر الذي عاشه و عايشه المهاجرون و المهجرون، و أيضاً لا سبب واضح لذلك.
دراسات و أرقام حول هول المجزرة السورية من قتلى و مهجرين ، مع المقارنة بين الطبيعي و اللامنطقي الذي يحدث في سوريا، و كذلك السبب غائب.
نقل آمال و أحلام الأطفال ، في المخيمات و في طرق الهجرة، وكذلك عرج عن أسباب الهجرة ، و رأى أن المشكلة أصعب اذا لم تحل "الأزمة" في بلادهم، لكن لم يحدد هوية هذه الأزمة و طبعا و حتماً المسبب بدون اسم ، فهو مجهول للمعد و المنتج و المخرج و المقدم التاريخي.
وكالعادة التي جرت برامج يقدمها الشقيري تم تسلطي الضوء على التجارب التي نجح بها السوريون سواء في الاندماج و المشاركة في رفع المعاناة عن أشقائهم، و لم يتحدث عن اهمال الدول العربية و الإسلامية لقضيتهم و انشغالهم بترتيب مصالحهم و ممارسة دورهم التاريخي في خدمة المخططات الأمريكية و الروسية.
ولم يشك الشقيري بأن الحل في سوريا هو سياسي، و ريثما يتم هذا الحل طالب بالتبرع فلا حجة لعدم ذلك، و لكن في الوقت ذاته هل يملك حجة لعدم ذكر السبب.
الشقيري سقط كما سقط جميع من مدعي الحق و الحقيقة و المثالية ، فظهر بمظهر الرماديين و لم يبق له إلا القول "الله يطفيها بنوره" و "مادخلنا حولينا ولاعلينا"، و بالفعل أنهى حلقته بالدعاء "الله يديم نعمة الأمن لدى الجميع".
و في الختام أستعير قول أحد الأصدقاء "سمير المطفي الذي قال "اذا بهيك برنامج ومقدم عم يشتغل للتغيير من عشر سنين ما قدر غير يعرض الضحايا بدون الاشارة للمجرم المتهم , فعلى شو بدنا نتأمل بالتغيير اذا ما بدك تحكي عن القاتل فلا تحكي عن المقتولين والمتضررين ".
و أستذكر هجومه المستمر عل البلاد العربية و مقارنتها بتطورات الدول من اليابان و غيرها، في حين يقف أصماً أبكماً أمام الملايين الذين سحقوا في سوريا على يد الأسد و حلفاءه.
تتسارع التطورات إبان الشهور الصعبة في النزاع السوري، وتُسلط الأضواء الإعلامية على معركة منبج تمهيدا لمعركة الرقة. لكن الوقائع السياسية، هذا الأسبوع، وأبرزها زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو، والاجتماع الثلاثي لوزراء الدفاع الروسي والإيراني والسوري في طهران، تعتبر فائقة الأهمية لأنها تكشف عن القفز الروسي على الحبل المشدود في الساحة السورية ما بين أطراف يفتـرض أنهـا متخاصمة، وكل ذلك تحت سقـف تنسيق جـون كيري – سيـرجي لافروف.
هل يستفيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (لاعب الجودو) من نهاية ولاية باراك أوباما كي تكسب استراتيجيته الملتبسة بالنقاط ويزهو عندها القيصر الجديد بغنيمته السورية؟ أم تبرز الاستحالة لأن تبديد شبح تنظيم داعش سيضع الكل أمام مسؤولياتهم وعندها يتضح من يريد الحل السياسي فعليا، ومن يناور للاحتفاظ بالسلطة أو للإمعان في الاهتراء والتفتيت، وصولا إلى إعادة تركيب الإقليم في فترة لاحقة؟
قبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى موسكو (ثالث زيارة له إلى روسيا منذ سبتمبر 2015) قام الكرملين بخطوة رمزية تمثلت في إعادة دبابة إسرائيلية شاركت في معركة السلطان يعقوب، التي وقعت خلال حرب لبنان في العام 1982. ويبدو أن إعادة “الغنيمة السورية” من المعركة إلى إسرائيل تأتي في إطار تحسين العلاقات بين روسيا وإسرائيل، خصوصا بعد الدخول الروسي المباشر للحرب السورية. وبالفعل، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف “أن زيارات نتنياهو المتكررة إلى موسكو هي ثمرة لعلاقات الثقة القائمة”. ولم يقتصر الأمر على التعبير عن مخاوف الجانبين وطمأنة أحدهما الآخر، ولا على التعاون في مجالي الزراعة والتكنولوجيا المتقدمة، بل تعداه إلى تنسيق استراتيجي لتفادي الصدام، كما بالنسبة إلى موقع حزب الله في سوريا وتسليحه، أو كما في نزاع أذربيجان – أرمينيا ونقاط تعارض أخرى منها بيع السلاح الإسرائيلي لجورجيا وأوكرانيا وأذربيجان، وبيع السـلاح الروسي إلى إيران.
لا بد للمراقب أن يلاحظ أن غياب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن مؤتمر باريس حول الشرق الأوسط في 3 يونيو، واكتفاء موسكو بإيفاد ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ونائب وزير الخارجية الروسي، وهذا يعطي دليلا إضافيا على رغبة موسكو في تجنب أي إزعـاج أو نقـد محدود لإسـرائيل في الملـف مع الجـانب الفلسطيني. وهكذا تبدو العـلاقة الروسية – الإسرائيلية متينة ومستندة إلى مصالح متبادلة كثيرة ووجود ديموغرافي هام لليهود مـن أصل روسي في إسرائيل. وهكذا لم يكن عبثـا وصف أرييل شارون يوما لفلاديمير بوتين بـأنه صديق إسرائيل الكبير. بالطبع تبقـى إسرائيـل مقيـدة بتبعيـة استراتيجية إزاء واشنطن، لكن بالرغم من تدهور العلاقة الشخصية بين أوبامـا ونتنياهو، هـناك قراءة إسرائيلية تركز على أنه أيا كان الرئيس الأميركي الجديد، لن تعود واشنطن بزخم إلى الشرق الأوسط، وأنه لا بد من التعامل مع اللاعب الـروسي بصفته من القوى الدولية المؤثرة في الجوار الإسرائيلي. وبحسب مصادر روسيـة فـإن تفاهـم بوتين ونتنيـاهو على عدم التركيز على مصير الرئيس السوري لأنـه “ليس من أولويات إسرائيل”، بل كان الأهم، بحسب هذه المصادر، هو “التعهد باحتـرام المصـالح الأمنية الإسرائيلية”، مقابل دعم إسرائيل لاستمرار تسليم واشنطن بالدور الروسي القيادي في الملف السوري.
والملفت للنظر أن تتزامن نهاية الزيارة الإسرائيلية إلى مـوسكو مع استضافة طهران لاجتماع رفيع المستوى بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا من “أجل تنسيق المعركة ضد داعش”، كان هذا في ظاهر الأمر حتى لا تربح واشنطن قصب السباق نحو الرقة، لكن في حقيقة الأمر كان ذلك بغاية دراسة تنسيق المواقف بخصوص وقـف الأعمال العدائية وإطلاق النار بعد بروز مواقف روسية رفضت في الأسابيع الماضية مجاراة إيران والنظام السوري في التصعيد حتى لا يسقـط التفاهم مع واشنطن.
كان هناك عتب متبـادل في طهـران (نتيجة التنسيق الروسي – الإسرائيلي يطرح البعض في طهران والضاحية الجنوبية لبيروت تساؤلات عن اختراقات في اغتيال مصطفى بدرالدين القائد العسكري والأمني في حزب الله) نتيجة الخسائر الكبرى في معارك جنوب حلب، لكن ذلك ترافق مع مسعى إيراني لانتزاع وعود من روسيا للقيام بعمليـات مشتركة واسعة تهدف إلى إسقـاط كل الشمـال السوري، ودفـن الحراك الثوري السوري وتعويم النظام، من خلال استغـلال تركيز واشنطن الحصري على الحرب ضد داعش وعلى قرب دخول الإدارة الأميركية “مرحلة البطة العرجاء”.
من خلال القفز على الحبل المشدود، يمسك فلاديمير بوتين بالورقة السورية بشكل عام، مع مراعاة لمصالح إسرائيل وطمأنة إيران ومنظومة بشار الأسد، إضافة إلى الضغط على تركيا، ومحاولة عدم قطع الجسور مع الدول العربية في الخليج.
يرتبط نجاح التوجهات الروسية بالقدرة على عـدم “استفزاز واشنطن” في حال توسيع العمليـات العسكـرية، خاصـة أن جون كيـري يربط اسمه بمحاولة إنقـاذ المسار السلمي حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة.
تأمل واشنطن، كمـا باريس ولنـدن وبرلين، في أن تلتزم موسكو بما وقعت عليه في فيينا في شهر مايو الماضي، حول بدء الحكم الانتقالي في سوريا في الأول من أغسطـس القـادم. لكن من يسمع خطـاب الأسد الأخير ومجريات اجتماع طهران الثلاثي، يتضح له أن الوعود الروسية ستبقى من دون تنفيذ، وأن غبار المعارك ضد تنظيم داعش كفيل بحجب الرؤية عن حقيقة اللعبة الجهنمية الدائرة على الأراضي السورية.