مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ يوليو ٢٠١٦
"الجزيرة" سنوات دعم الثورة السورية و زوبعة "الملاح" !؟

تركزت الأنظار خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية على قناة الجزيرة عموماً و الجزيرة نت على وجه الخصوص، بشأن تعاطيها مع الملف السوري في الآونة الأخيرة، و تحديداً خلال معركة الأمس التي أطلقتها الفصائل في حلب بكامل اشكالها لفك الحصار عن المدينة التي تدخل الحصار لأول مرة منذ انطلاق الثورة السورية.

الانتقاد الذي شهدناها على كافة المستويات الشعبية أو الفصائلية و حتى السياسية و طبعاً الزخم الأكبر كان شعبياً، و وموجة الانتقاد كانت مركزة في الاخبار العاجلة التي تم بثها من معرفات الجزيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي ، و تركيزها على جبهة النصرة و تهميش كامل الفصائل التي كانت مشاركة و التي زادت عن تسع فصائل دخلت بثقل كبير ، الأمر الذي رأى فيه المتابعون من كافة المستويات بأنه مؤذ لحد وصل إلى تحميلها استباحة قصف المدنيين على اعتبار أن أي مكان موجودة فيه النصرة هو مسموح الاستهداف بدعم دولي.

ولا يمكن أن الغاء أو تهميش الغضب الموجود في صدور السوريين في كيفية تناول الخبر ، والذي يصب حتماً في مصلحة النظام و يضر بالشعب السوري و ثواره ، و لكن هل كان هذا العمل الذي شهدناه لأول من شبكة الجزيرة هو مقصود أو مدروس و يهدف إلى الحد الذي ذهب إليه البعض بأنه تنفيذ لأجندة تدمير الثورة السورية !؟

واذا ما قررنا الابتعاد قليلاً عن يوم أمس ، ونعود للماضي السحيق أي قبل سنوات ست أو إلى الماضي القريب أي قبل معركة الأمس في الملاح ، هل كانت الجزيرة سند و داعماً للثورة أو مواجهه لها ؟ ، هل كان الملف السوري في أروقة الجزيرة هو ملف اعتيادي أو ثانوي أو كان مركزي و محوري ، و في صلب الاستراتيجية البرامجية أو التغطية الإعلامية ؟

متيقين أن الهجوم سينتقل من الجزيرة ليطال شخصي ، بأني ادافع عن الجزيرة ، و سأجد من يتهمني بالاستفادة و الحصول على المنفعة منها وما إلى ذلك من عبارات التخوين ، و لكن من خلال تجربتي البسيطة مع الجزيرة و ببعض كوادرها المشرفين علي الملف السوري لم ألمس أي تخاذل أو تهاون بالدم السوري ، بل على العكس تماماً كان التركيز و المتابعة من قبلهم للملف السوري بشكل يفوق المنصات السورية ، و طبعاً ليس انتقاصا من الأخيرة و لكن التفوق المالي و المهني جعل من الجزيرة مهما حدث هي منبر مهم من منابر الثورة السورية، و حملت راية الثورة منذ بدايتها و تنقلت بكافة مراحلها و لم تتغير قيد أنملة اتجاه القضية المركزية الأساسية للثورة السورية الأسد و حلفاءه، و لم تحييد عن البوصلة في محاولات صناعة أمواج مغناطيسية كداعش على سبيل المثال.

و لكن مع القاء اللوم على الجزيرة كنت أتمنى أن يكون هناك لوم على أنفسنا لأننا فشلنا رغم كل أنهر الدماء التي تسيل ، لم نستطيع أن نتوحد ضمن منظومة عمل عسكري أو سياسي موحد ، و لاحتى في اطار منظومة إعلامية أو بيان موحد، إذ الجميع يلعب لعبة الظهور و البيانات المنفردة ، ولا أظن أن معركة كمعركة فك الحصار عن حلب تتطلب من أي جهة التنطح و التركيز على التسابق بالتبني و الظهور كأنه المنقذ الفذ .

اليوم الجزيرة هفت و لكن هفوتها لا تعني نسف التاريخ كله و ووضعها في ذات السلة أو المقام مع شبكات عالمية لعبت بدماء السوريين و أثرت في الرأي العام الغربي و الأمريكي، فيكفي أن الجزيرة عبر كافة منصاتها لم تتغير حتى الآن، ولازالت .

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
المقرات والأجهزة الأمنية في عهد المقبور حافظ الأسد ونجله المعتوه!

في دول العالم التي تحترم شعوبها تكون المقرات الأمنية أبنية لها عناوين محددة وليست سرية، وينحصر عملها في أرشفة وجمع المعلومات الخاصة بأمن تلك الدول، وأحياناً تكون مقراً لإجراء التحقيقات، والاحتجاز المؤقت (غالباً 48 ساعة بالحد الأقصى) دون ان تتحول إلى سجون ومعتقلات، ودون أن يفقد المواطن فيها حق الدفاع عن نفسه، وحفظ كرامته، وإن حدث غير ذلك فإن الاحتجاجات تتصاعد، وتكثر المطالبات لمحاسبة من يرتكب فعلة كهذه، وقد يطاح برؤوس كبيرة عقاباً على هذه الجريمة إن حدثت!.

تخضع هذه المقرات الأمنية -عادة- للقوانين في تلك الدول، مثلها مثل مؤسسات الدولة الأخرى، ومهما كان حجم المشكلة التي تتابعها، فإنه لا يمكن لهذه الأجهزة أن تحيد عما رسمه لها القانون، كما هو الحال في لانغلي واسكوتلانديارد وغيرها من المقرات الأمنية المعروفة في العالم.

الأمر في سوريا "الأسدين..المقبور والمعتوه" مختلف جداً!

المعلن من هذه المقرات هي سجون، وأماكن اعتقال، ومراكز قتل وتعذيب -لم يشهد التاريخ مثيلاً لها- قبل أي شئ آخر، وهي، من جهة أخرى، شاملة لا تقتصر على المعروف منها أو المجهول الذي يتبع لهذه الجهة أو تلك، بل قد تتحول الكنيسة والجامع وغرف المحاكم إلى مقرات أمنية، تستخدمها هذه الأجهزة لإذلال مواطنيها وهدر كرامتهم، مثلما تتحول المدارس ودور السينما، كما حدث حين حولوا سينما العباسية بدمشق إلى معتقل، وعندما تحولت مدرسة فايز منصور إلى معتقل في سبعينات القرن الماضي، والبيوت الأثرية في الشام، ومنها بيت الشيخ الحسيني في الحلبوني، الذي تحول إلى معتقل شهير.

من المعروف أن خطة كارلوس التي وضعها لتنظيم الأجهزة الامنية السورية بتكليف من حافظ الأسد، تتضمن شقين: الأول منهما إنشاء أجهزة أمنية متنوعة الاختصاص (عسكري - جنائي - سياسي - جوي - أمن دولة ... الخ)، تراقب أنفاس الناس وتحركاتهم وعلاقاتهم وحياتهم الاجتماعية، وفي الوقت نفسه -وهذا هو الشق الثاني- تراقب هذه الأجهزة بعضها بعضاً، فالمطلوب من علي دوبا بوصفه رئيس إدارة الأمن العسكري لا يقتصر على مراقبة الحالة الأمنية العامة، بل يتجاوزها إلى معرفة حركات وسكنات زملائه جميل حسن أو علي مملوك أو محمد الخولي، بدوره الخولي يراقب دوبا والبقية، وعلي مملوك يراقبهما مع البقية، وهكذا دواليك مع البقية.. وكلهم في النهاية يرفعون تقاريرهم بالشعب وببعضهم إلى رأس الهرم المقبور ومن بعده نجله المعتوه.

يجدر التنويه هنا بأن مراقبة الفروع لبعضها لا تعني مراقبة أدائها وسلوكها تجاه الشعب، لمعاقبة المسيء، بل إنها مراقبة لمدى ولاء هذه الأجهزة لعائلة الأسد الحاكمة، أما إجرامها تجاه الشعب فلا يرتب عليها أي مسؤولية.

الأمر نفسه ينسحب على المحافظات، إذ تراقب كل جهة أمنية الجهة الأخرى، وكل رئيس فرع يراقب حركة زملائه، ويعمل على معرفة كل ما يفعلونه، سواء في إطار أعمالهم، أو في حياتهم الشخصية، وممارستهم لفنون الفساد، هم وعائلاتهم، بدءاً من تشفيط أبنائهم بسيارات الدولة، وليس انتهاء بـ"سلبطة" زوجاتهم على محلات الذهب، ومحلات اللانجري، لاختيار أفضل أساور الذهب، وأجود أنواع السوتيانات والمكياجات، مروراً بمحلات الأجهزة الكهربائية وغيرها!.

هذا كله من أسباب بقاء كل الخيوط بيد المقبور حافظ الأسد ونجله يتحكمان بها كيفما أرادا!.

كما قلنا.. كل التقارير ترفع للأعلى؛ حيث تؤرشف وفق أحدث أساليب الأرشفة، وتحفظ لساعة الحاجة، وتظهر إن صدف وإن نسي بعضهم نفسه فظن أنه يستطيع العيش وأخذ الإتاوات دون رضا وعلم المقبور ونجله، فتخرج التقارير ويرمى الذي كان قبل دقائق "عتريسا" رمي الفأر الميت في المزبلة. ويحفل تاريخ العصابة الحاكمة بمئات الأمثلة، وكلنا يذكر محمود الزعبي الذي بين ساعة وأختها تحول من رئيس وزراء إلى منتحر بخمس رصاصات، ومثله مصطفى التاجر الذي عفن في السجن بعد أن كان يلعب برقاب الناس، ومن الطرائف التي تروى في هذا الشأن، أنه كان يجري تجهيز وزير السياحة محمد أمين أبو الشامات لاستلام رئاسة الوزراء، وشاء حظه السيئ أنه خلال ممارسته رياضته الصباحية في شاليهات ميرديان اللاذقية، كان رفعت الأسد المغضوب عليه آنذاك، جالساً يشرب قهوته الصباحية أمام الشاليه.. مرّ أبو الشامات من أمامه، فدعاه رفعت لفنجان قهوة، فلبى الدعوة على مضض، لكن قبل إكماله شرب فنجانه وصله أمر إقالته من وزارة السياحة، وأرسلت له أغراضه الشخصية قبل أن يصل العاصمة!.

ولكي لا ينسى هؤلاء"العتارسة الأمنيون" ذيليتهم، وأن العصابة الحاكمة هي من يتحكم بالهواء الذي يتنفسونه، فقد دأب حافظ الأسد على تذكيرهم بحجومهم الصغيرة بين فترة وأخرى، وكل السوريين يعرفون كيف أن حافظ الأسد - سيد الإجرام العالمي - سلخ علي دوبا كفاً أمام الملأ؛ لأنه حاد قيد أنملة عن الخط المرسوم له، رغم كل خدمات الإجرام التي قدمها دوبا لهذه العائلة وإسهاماته الكبرى في إدامة تحكمها في رقاب السوريين ومعاشهم اليومي.

في إطار هذه الهيكلية والتراتبية الأمنية، وكي يبقى الأمر ممسوكاً، كان لا بد من توسيع المقرات والأجهزة الأمنية، وربطها بإحكام، خاصة بعد مجازر حماة في بداية ثمانينات القرن الماضي، والتي راح ضحيتها نحو أربعين ألف مدني بريء، في واحدة من أفظع جرائم القرن الماضي، ذلك أن نظام عائلة الأسد، أيقن بعد المجزرة أنه نظام مكروه، وأن حاضنته لا تتعدى المستفيدين من فتاته، وأن ثمة هوة كبيرة بينه وبين الشعب الذي يحكمه.

مع بداية الثمانينات، ما عادت المقرات والأجهزة الأمنية مقتصرة على المعلن منها، فتحولت الوزرات والمديريات والمؤسسات إلى مقرات أمنية فيها مسؤول أمني يحل ويربط أكثر من الوزير نفسه، أحياناً بمسمى وظيفي كمدير مكتب للوزير، وأحياناً تحت يافطة "المسؤول الأمني" وهذا المنصب قد يتقلده "بوفجي" الوزارة، إن كان قريبا لمدير هذا الفرع الأمني أو ذاك، أو ناشطاً في توريد التقارير، وتكون لهذا "البوفجي الأمني" الكلمة العليا في الوزارة، فيما يكون طموح أكبر وزير الحصول على استدعاء - ليس دعوة - من رئيس فرع أمني لشرب القهوة معه!

الأمر نفسه ينسحب على الإدارات العامة، فالمسؤول الأمني كلمته هي العليا، وهو قادر على التدخل في كل شؤون المؤسسة الإدارية منها وحتى الفنية التي تحتاج إلى خبرة واختصاص، وكم من حملة شهادة ابتدائية تم تسليمهم مهام فنية تحتاج إلى معرفة واختصاص، لمجرد أن المسؤول الأمني راض عنهم، وتمكن من رسم صورة وردية عنهم لدى الأفرع التي يتعامل معها.

المسؤول الأمني صاحب الكلمة الأهم، نراه في القيادة القطرية وفروع الحزب، وفي المنظمات الشعبية، وفي الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وفي مقرات الصحف، وفي مؤسسة الأعلاف، وفي قصور العدل، وفي معمل الشحاطات.. إنه ظاهر بمسدسه المتدلي على جنبه، لكنه مرصود من أمني آخر سري يراقبه ويراقب ضحاياه!

حتى الجوامع والكنائس تحولت إلى بقع أمنية غالبا ما يكون خطباؤها مرتبطين بهذه الأجهزة، تأتيهم الخطب جاهزة، ومطالبون بأن تكون عيونهم 10/10 في مراقبة المصلين وأحاديثهم بعد الصلاة، بل وحتى طول لحاهم!

الأمر نفسه نجده في الجيش، حيث يبرز الدور الكبير للمقر الأمني، الذي يديره ضابط تحت مسمى "ضابط التوجيه المعنوي"، سيارته لا تقل رفاهية عن سيارة قائد القطعة حتى لو كانت رتبته متدنية، وأمره مجاب في كل الشؤون، يخافه قائد الثكنة مثلما يهابه حاجبها، يتدخل في كل شاردة وواردة، إنه عين الأجهزة الأمنية ومراسلها، ترفيعه من رتبة إلى أعلى سلس، وتقريره يحدد ترفيع زملائه من عدمه.

وفي هذا الصدد قد يترقى ضابط الأمن إلى مسؤول أمني إذا كانت خدماته جليلة، وولاؤه كلبياً، كما حدث مع رستم غزالة، الذي كان ضابط أمن كتيبة، ثم ترقى إلى أن وصل لرئاسة الأمن العسكري، لكنه حين "لعب بذيله" قليلاً، قاموا بشقه إلى نصفين، وسجلت الحادثة ضد مجهول.

هذا الكلام ليس نوعاً من التبلي أو الإجحاف بل وصف لواقع، عاشه السوريون عقودا في ظل دولة عصابة لا مؤسسات.. دولة عائلة فاسدة لا دولة قانون!

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
هذا الرهان السوري على هيلاري كلينتون

يحظى السباق الانتخابي الأميركي، الموصل في النهاية إلى البيت الأبيض، في أيامنا هذه، باهتمام سياسي وإعلامي كبير، على المستوى العربي، حيث تنال أنشطة المرشحين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وتصريحاتهم قسطاً وافراً من التغطية التي تقوم بها مختلف وسائل الإعلام العربية، وخصوصاً قنوات التلفزة الفضائية التي تقدم تغطية واسعة، ومبالغاً فيها في بعض الأحيان. غير أن للرهان على أحد المرشحين، سواء هيلاي كلينتون أو دونالد ترامب، مبرراته، بالنظر إلى أن الولايات المتحدة قوة عالمية عظمى، يؤثر أي تغيير في تركيبتها السياسية الحاكمة على أمن العالم، والبلاد العربية خصوصاً. وبالتالي، من المهم معرفة مواقف المرشحين من القضايا العربية بشكل عام، والقضايا ذات الملفات الشائكة والملتهبة في المنطقة بشكل خاص، كالمسألة السورية والقضية الفلسطينية والوضع في كل من العراق ولبنان ومصر.

ومن المهم كذلك، في هذا السياق، أن يتحكّم بعلاقتنا بالولايات المتحدة الأميركية مدى وكيفية مقاربة المرشحين للرئاسة الأميركية هذه القضايا، بل ومقاربة الإدارة الأميركية منها، مع أن منصب الرئاسة، على أهميته، لا يحدّد من يعتليه وحده المواقف والسياسات، كونه يخضع لجملة من الاعتبارات والعوامل التي تتحكّم في السياستين، الداخلية والخارجية، للولايات المتحدة، وفي مقدمتها المصالح الأميركية والشركات الكبرى، ومجموعات الضغط واللوبيات المؤثرة على صانعي القرار.
ويخطئ كل من يراهن على نتائج الانتخابات الأميركية، وخصوصاً الساسة العرب، لأن وصول رئيس أميركي جديد، لن يفضي إلى أي تغييرٍ جوهري في الموقف الأميركي المنحاز بشكل سافر إلى إسرائيل، بسبب الإطار المرجعي الذي تشكّل فيه العقل السياسي الأميركي حيال القضايا العربية، وبسبب وجود جماعاتٍ مواليةٍ وداعمة لإسرائيل وسياساتها، وغياب أي تأثير عربي على صانعي القرار، على الرغم من أهمية المصالح الأميركية في منطقتنا.

فيما يخص المسألة السورية، يلاحظ أن مشتغلين في الحقل السياسي لا يخفون حماستهم لوصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، معتقدين أنها ستفوز في الانتخابات الأميركية المقبلة، وأنها ستساهم في إيجاد حلّ سياسي للمسألة السورية، من جهة أنها لن تترك الملف السوري بيد الروس، بل ستمارس ضغطاً قوياً باتجاه إيجاد حل سياسي، وإلا فإنها قد تعمد إلى التلويح والانحياز إلى حل عسكري للمسألة.

وقد أسرّ لي أحد أعضاء قيادة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن "هنالك ما يشبه التصميم، أو القرار، الأميركي، على أن يبقى الملف السوري في حالة من الجمود، مع الحرص على عدم إحداث تغييراتٍ كبرى على الأرض، إلى حين مغادرة الرئيس باراك أوباما، وأن كل المؤشرات تفيد بأن لهيلاري كلينتون الحظ الأوفر في الوصول إلى البيت الأبيض. لذلك، أضحت الاتصالات قائمةً مع طاقم كلينتون الانتخابي، لترتيب المرحلة المقبلة، ومعروفة مواقفها من المسألة السورية، وأنها ستدعم المعارضة السورية بالأسلحة النوعية، على الأقل، في حال عدم التوصل إلى حلّ سياسي. وبالتالي، هذا يفسر القول إن "على الأسد أن يرحل عبر حلّ سياسي، وإلا فإنه سيرحل بالقوة العسكرية".

يخفي هذا الرهان على هيلاري كلينتون، أماني كثيرة، مع انسداد الأفق السياسي، إضافة إلى الإصابة بالعجز، والتعويل على التمنيات. ولعل الدرس المفيد هو عدم المراهنة على ما يقوله، ويعد به، المرشحون للرئاسة في حملتهم الانتخابية، لأن الأقوال والوعود شيء، والواقع والمتحقّق بعد انتهاء الحملة الانتخابية شيء آخر، إذ ما أن يعتلي أحدهم كرسي الرئاسة، حتى تأتي السياسات متناقضةً، في غالب الأحيان، مع الوعود. ولا شك في أننا سمعنا وعوداً أميركية كثيرة حيال المسألة السورية، على لسان مسؤولين أميركيين عديدين، وذهبت كلها هباءً، وقبل ذلك، سمعنا غيرها من الوعود حيال القضية الفلسطينية، إذ نتذكّر، على سبيل المثال، ما عرف بـ"وعد بوش أو رؤيته" بخصوص إقامة الدولة الفلسطينية، إذ غادر دبيلو بوش البيت الأبيض، قبل أكثر من سبع سنوات، ولم يبذل، في فترتي رئاسته الولايات المتحدة، أي جهد حقيقي من أجل تحقيق رؤيته في إقامة دولة فلسطينية.

ومعروف أن القضايا والأزمات والكوارث الخارجية، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لا تبدو أساسية، وقد تحتل حيزاً صغيراً، من منطلق عام، يخص السياسة الخارجية، وتطاول مكانة الولايات المتحدة، القوية أو الانعزالية. صحيح أن لدى بعض الساسة خشية كبيرة على مكانة الولايات المتحدة في العالم، بسبب سياسات باراك أوباما المنكفئة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، لكن إعادة الانخراط تحتاج إلى إدارة جديدة، تملك الرغبة والمحرّض والوقت الكافي لذلك، وليس هناك ما يؤكد أن مواقف هيلاري كلينتون، إذا ما وصلت إلى البيت الأبيض، ستختلف عن مواقف أوباما، بالرغم من مواقفها التي يمكن استخلاصها من مذكّراتها، أو من مواقفها عندما كانت وزيرة خارجية، حيال الأزمة الليبية، وما يُحكى عن محاولاتها إقناع أوباما بالتدخل في سورية. يضاف إلى ذلك أنها أظهرت في حملتها الانتخابية مواقف حيال أزمات (وملفات) المنطقة العربية، لا تبتعد كثيراً عن سياسة الانكفاء التي مارسها، وما يزال، الرئيس باراك أوباما.

ولا يعدم الأمر إمكانية تخلي الرئيس القادم عن سياسات أوباما في المنطقة العربية، خصوصاً المسألة السورية، لكن الرهان قد لا ينجح، إذا علمنا أن كلاً من كلينتون وترامب، إذا وصلا إلى كرسي الرئاسة الأميركية، فإنهما سيعملان وفقاً لما تمليه عليهما مصالح الولايات المتحدة. لذلك، على بعض المشتغلين في السياسة، سوريين وغير سوريين، ألا ينتظر عصا الحل السحرية من الرئيس الأميركي القادم، خصوصاً أن هناك مشكلات وأزمات عالمية عديدة متراكمة أمام صانعي السياسة الخارجية الأميركية، وبالتالي، من المهم جداً التسليم بأن العلاقات الدولية تبنى وفق موازين قوى، ولا تتحقق بالتمنيات أو الأحلام، بل ببناء عناصر القوة، عبر تشكيل مجموعاتٍ ضاغطة على صانعي القرار، وبناء صلاتٍ مؤسساتية، وإيصال معاناة السوريين بشكل صحيح إلى الرأي العام الأميركي.

ولا شك في أن الناخب الأميركي سيقترع، في انتخابات الرئاسة المقبلة، لمن يطلق وعوداً أو يطرح برنامجاً، يلبي مطالبه في تحسين ظروف حياته ومعيشته، ولا يكترث معظم الناخبين بالمسألة السورية، وبسواها من المسائل العربية، في حين أن ما يهم السوريين أن يكون الرئيس المقبل أكثر واقعية في تعامله مع مطالبهم في الحرية والديمقراطية والخلاص من الاستبداد، وحين قاموا بثورتهم، قبل أكثر من خمس سنوات، لم يراهنوا على أحد، بل على أنفسهم.

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
حديث الحل في سوريا

رواية أن تركيا تميل للقبول بحل يرضى ببقاء بشار الأسد رئيسا للنظام السوري، من دون صلاحيات، ولمدة تحدد بستة أشهر، لا تبدو قابلة للتصديق. السبب أن هذا الطرح نفسه سبق وقبلت به معظم الدول الموالية للمعارضة السورية منذ أكثر من عام ونصف، وأعتقد أن تركيا بينها، الذي رفضه إيران وساندتها روسيا.

المبادرة موجودة على الطاولة، وتعكس ما كان يجري على أرض المعركة. فقد طرحت بداية في أعقاب محاصرة النظام، وقدمت كحل يوقف الضغط ومناورة لكسب الوقت. إيران وروسيا حينها رحبتا بفكرة نظام مختلط، وأعلنتا استقبالهما لوفود المعارضة للبحث في حلول مناسبة. وخلال الأشهر التالية رفع البلدان مستوى تسليح قوات الأسد، وأغرقتا سوريا بميليشيات مسلحة جلبت من العراق وأفغانستان، إضافة إلى قوات الحرس الثوري الإيراني، وكذلك «حزب الله» الموجودين مبكرًا.

في نفس الوقت لعب تنظيم داعش دورًا تخريبيًا خطيرا حرف الثورة السورية عن مسارها، وشوه سمعتها، بعمليات الذبح والحرق الدعائية، واستهدف الأكراد والأجانب، كما هاجم مناطق الجيش الحر المعارض الذي استولى عليها خلال السنتين الماضيتين من حربه مع النظام. يضاف إليه استهدفت روسيا تركيا في محاولة لتحييدها. بسبب ذلك صار الحل السياسي غير ضروري لمحور طهران، اعتقادا منه أنه عسكريا نجح وأضعف الجيش الحر، وعطل نفوذ تركيا إلى حد كبير. كما أن الغرب خاف من دعم التغيير بسبب جرائم «داعش» المروعة، وبعد جحافل المهاجرين التي غزت أوروبا، في أكبر عدد يدخل القارة بلا إذن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ورغم تتابع النكسات، فإن العالم رأى بالدليل الدامغ أن نظام الأسد رغم كل ما حصل عليه، مثل مريض بالسرطان، عاجز عن الانتصار، وعاجز حتى عن الاحتفاظ وإدارة المناطق التي استعادها. يبدو نظاما متآكلا، إداريا وعسكريا وأمنيا، وفوق هذا كله لا يزال مكروها من غالبية الشعب. لم تفلح القوات الروسية الجوية، ولا الأرضية الإيرانية، ولا ميليشيات «حزب الله» والعراقية والأفغانية، في السيطرة على الأرض، وحلب مثال على ذلك رغم ما أصابها من دمار مريع.

حلفاء الأسد، الذين يدفعون بالدم والمال، يدركون جيدا اليوم أن الانتصار بعيد، ويعرفون أن ثمن الاستمرار في الدفاع عنه سيطول وسيستنزف مقدراتهم. هل هذا كاف لإقناعهم بالتخلي عن الأسد من خلال حلول تحفظ لهم ماء وجههم، وتحافظ على معظم مكاسبهم؟ لا أظن ذلك. هذه الأنظمة الفردية تعطي أهمية للاعتبارات السياسية والإصرار على الانتصار أكثر من حسابات الربح والخسارة.

عندما طرح حل يقترح الأسد رئيسا مؤقتا بلا صلاحيات، في وقت تجرى فيه انتخابات لمرحلة انتقالية وحكم مختلط من النظام والمعارضة، مشروط بإحالة الأسد للتقاعد، فإنه كان يعتبر تنازلا كبيرا من المعارضة والدول الحليفة لها. هذا الطرح لا يزال مناسبا آخذين في الاعتبار أنه لا أحد من الفريقين قادرا على حسم الحرب. لكن إن قبلت المعارضة بما هو أقل من ذلك، ستكون هزيمة مغلفة. نعرف أن الضغوط هائلة على حلفاء المعارضة، وهم يضغطون عليها. اللاعبان الرئيسيان روسيا و«داعش» تحديدا، وبسببها عبرت الحرب جزئيا الحدود إلى تركيا، حيث إن تكرار الانفجارات داخل أراضيها هو تطور خطير يهدد سياحتها وتجارتها واستقرارها.

لا أتصور أن تركيا، ولا دول الخليج، تقبل أن تنحني لإيران وروسيا في سوريا، لأن تبعاتها تتجاوز الأزمة السورية وتقوية المعارضة الحل الوحيد أمامها.

اقرأ المزيد
١٠ يوليو ٢٠١٦
نصرالله.. كارت محروق

بعد أيام قليلة تحل الذكرى العاشرة للحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على لبنان عام 2006، في أعقاب هجوم نفذه حزب الله اللبنانى وأسر خلاله جنديين إسرائيليين، في ذلك الوقت كانت القضية الفلسطينية لا تزال تتصدر وهج الإعلام العربى ويلتف حولها التعاطف الشعبى، كانت القضية في بؤرة الاهتمام حتى ولو باليسير من الجهد، وكان حزب الله بمثابة الأمل في قوة عربية مقاومة للاحتلال الإسرائيلى ترفع راية النضال والعمل المسلح رغم عدم التكافؤ في القوة والعتاد، غير أن حزب الله كان له بريق آسر لقلوب الشعوب العربية لأنه كان يعبر عن مكنون ذاتهم ونبضهم في مجابهة إسرائيل التي كاد أن يطمسه خنوع الأنظمة وجنوحها للتطبيع تحت عنوان السلام.

حزب الله كان يتصدر مانشيتات الصحف العربية والاجنبية وحتى العبرية، قام بعمليات نوعية ضد جيش الاحتلال جعلت منه ايقونة لمقاومة كادت أن تختفى من القاموس السياسى العربى، أو على أقل تقدير تتوارى إلى أن تندثر، ومع كل صيحة انتقام كانت تنفذها المقاومة اللبنانية وحوب الله ضد الجيش الاسرائيلى أثناء الحرب، كانت السماء ترعد بالهتاف والتكبير معلنة التأييد لحسن نصرالله ورفاقه في المقاومة، ورغم أن الحرب كان لها أثمانها الباهظة على لبنان واللبنانيين، وكان لها أيضا معارضوها، غير أن الالتفاف الشعبى العربى كأن الأكثر وضوحا في المعادلة، وكانت الأصوات المؤيدة لحزب الله أكثر ارتفاعا وصخبا.

الآن وبعد مرور عشر سنوات على الحرب كثر خلالها الجدل والانتقاد والتحليل حول جدواها ومن الكاسب والخاسر فيها، تغيرت الخريطة وطفا على معالم جغرافيا المنطقة العربية مستجدات خطيرة وعلى سياسات الدول منعطفات حادة وعلى حماس الشعوب خفوت ملحوظ وصل لحد اللامبالاة، فالربيع العربى الذي ضرب عصب المنطقة العربية بأسرها مثل إعصار أجهز على الأخضر واليابس، غير ملامح العلاقات السياسية بين الدول تماما مثلما غير ملامح الجغرافيا، ومع حلول ذكرى الحرب العاشرة وتقارير وتحليلات إسرائيلية تتحدث عن أنها كانت فشلا مدويا، وحديث هامس عن حرب قادمة، إلا أن الواقع يؤكد وجود ردع متبادل وأن حربا جديدة ستكون كارثة على الجميع بما في ذلك إسرائيل.

ومع ذلك لايزال الإسرائيليون يوجهون انتقادات للجيش والحكومة بسبب أدائهما خلال هذه الحرب التي سقط خلالها أكثر من مئة صاروخ يوميا على إسرائيل إضافة إلى إخفاقات الجيش الذي وصف زورا بأنه «الجيش الذي لا يقهر أبدا»، وجاءت الحرب لتدحض هذه الخرافة وتعرى سوءة جيش الاحتلال الإسرائيلى وتثبت أن القوة ليست بالعتاد، بل الإيمان بعدالة ما نحارب من أجله ونضحى بالغالى والنفيس في سبيل تحقيقه، فما الذي تغير خلال السنوات العشر؟

المتغيرات كثيرة ومتشابكة سقطت أنظمة وارتقت أخرى، انهارت دول واعتلى عروشها الإرهاب وتكالبت دول أخرى على جاراتها لتنفذ أجندات خارجية تمنحها هامشا من التحرك بحرية لتكون خارج بؤرة الخطر، سيطر الإسلام السياسى على دول وتحولت إلى ساحات حروب ضارية، والتهمت شعوبها في وجبات طازجة كان يجهزها مطبخ الدول الكبرى، تاركة مخلفاتها من الهدم والتدمير والتشرذم والأخطر تفتييت وحدتها وارتكانها إلى الطائفية، ولا أعتقد أن حزب الله الذي كان يحظى بالتأييد والإعجاب مازال يمسك بخيوط اللعبة، فقد أصبح في بؤرة الجدل والهجوم والتشكيك في ظل عنفوان الحرب الدائرة في سوريا، أصبح ينظر له بعين الريبة بعد أن تغيرت تحالفاته وانحرف مسار سياساته، أصبح يغرد خارج السرب بعد أن ضرب زلزال الطائفية المنطقة العربية برمتها فدمر بنيتها التحتية وفرق بين شعوبها، وبدأ التعامل على الهوية، انفض الإجماع حول المقاومة وأصبح لها أكثر من معنى وتفسير، ولو قدر لحزب الله أن يخوض معركة جديدة ضد إسرائيل لن يلقى الحفاوة أو التأييد الذي كان يحظى به في حرب 2006 التي كان وقودها الشعب وليس النظام، أصبح حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله كارتا محروقا تتقاذفه الأيدى يمينا وشمالا، ويكفى أن تراهن إسرائيل على أن حربا قادمة مع حزب الله قد تكون في مصلحة تل أبيب خاصة وأن حزب الله منشغل بالحرب الدائرة في سوريا، ومشاركته في الحرب في سوريا قد غيرت من طبيعته، وبالتالى فإن الأولوية بالنسبة لحزب الله وإيران الداعم الرئيسى له هي الحفاظ على نظام بشار الأسد، ومن شأن فتح جبهة مع إسرائيل أن يصرف حزب الله جل جهوده عن سوريا، والخسائر التي سيتكبدها حزب الله في مواجهة جيش الاحتلال الاسرائيلى ستضعف سيطرة النظام السورى وايران في الأجزاء التي بقيت تحت سيطرتهم بالإضافة إلى تعرض حزب الله لانتقادات وهجوم شرس من جانب خصومه ومعارضيه في لبنان.

ويظل الأهم والأخطر أن جذوة المقاومة التي كان يدغدغ بها حزب الله مشاعر الشعوب العربية قد تآكلت ولم يعد لها الصدى الذي كان، وأى حرب محتملة يخوضها حسن نصرالله مع إسرائيل لن تحدث التأثير الذي يعزف على مشاعر الناس التي طالما جمع بينها وبين إسرائيل كره عتيد وثأر لابد من أخذه مهما طال الزمن، لأن تسارع القفزات السياسية التي غيرت استراتيجية المنطقة العربية ومن ثم تغير التحالفات وتبدل الاهتمامات جعل من أيقونة المقاومة جمرة نار ربما يحترق بها الجميع.

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
متى يدخل لبنان في عين العاصفة؟

يوم الأربعاء الموافق 4 نيسان (ابريل) الماضي، أرسل الصحافي والمخرج اندريه فليتشيك رسالته الروتينية لقراء نشرته التي تحمل عادة توقعاته لمستقبل الأحداث الجارية. وبعد أن قدم تغطية سريعة لانتصار قوات بشار الأسد وفلاديمير بوتين في سورية، حذر من خطورة حشر «داعش» في الزاوية، وتساءل عن المكان الأنسب لانسحاب عناصر «الدولة الإسلامية»!

وبعد أن اختار فليتشيك لبنان كملجأ أخير، زعم أن القوى التابعة لـ «داعش» لا تضطر الى الهرب أو الانتقال من العراق وسورية بسبب وجودها المضلِّل تحت سماء الوطن الذي اختارته محطتها الأخيرة!

ويزعم هذا الصحافي أن عناصر «داعش» منتشرة من سهل البقاع حتى المخيمات المحيطة ببيروت وصيدا وطرابلس. ولقد سهلت لغالبيتها الحرب الأهلية السورية فرصة تسلل أعداد تُقدَّر بمليون ونصف المليون نسمة. إضافة الى وجود 450 ألف لاجئ فلسطيني.

التوقعات التي أشار اليها هذا الصحافي الأجنبي في نيسان تحققت في آخر حزيران (يونيو) عندما تسلل أربعة انتحاريين الى بلدة القاع في أقصى شرق البقاع، وقتلوا خمسة مواطنين، وجرحوا خمسة عشر آخرين.

ومع أن القتيل الأول كان مسلماً في بلدة غالبية سكانها من المسيحيين، لذلك تصور المحقق أن العملية تهدف الى ضرب صيغة العيش المشترك. وبسبب تكتم الجهة المخططة لعملية فاشلة في هذا الموقع النائي، أطلق السياسيون والعسكريون اللبنانيون العنان للمخيلة بحيث فسّرها كل فريق وفق مزاجه ورؤياه:

فريق سارع الى حمل السلاح كبديل من الجيش بغرض توفير الأمن الذاتي، وذلك تحسباً لاختراقات أخرى. ولما أعلنت قيادة الجيش أنها وحدها ملزمة بحماية المواطنين، ذكـّرهم سكان القاع بالمجزرة التي افتعلتها القوات السورية سنة 1978، وذهب ضحيتها أكثر من ثلاثين مواطناً. وكانت غاية النظام السوري من وراء افتعال تلك الحادثة إشعار المسيحيين بأنهم مهددون، وبأن القوات السورية هي ضمانتهم الأمنية شرط المبادرة الى دعوتها.

ويُستدَل من وقائع التحقيق أن طلال مقلد سأل في العتمة عمَّنْ يتحرك في الحديقة، فجاءه الجواب: «نحن من مخابرات الجيش اللبناني». واعترض على الادعاء الكاذب بالقول: «أنتم غرباء. لأن لهجتكم ليست لبنانية!». وشكـّل جواب طلال مقلد المدخل لتوسيع التحقيقات على طول الحدود اللبنانية المتاخمة لسورية، فإذا بحصيلة المخالفات تتعدى كل التوقعات.

ففي منطقة عكار دهمت وحدات الجيش مخيماً للنازحين السوريين، أوقفت على أطرافه 124 سورياً دخلوا الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية. وضبطت معهم 44 دراجة نارية من دون أوراق قانونية.

وعلى أطراف زحلة ضبطت في ذلك اليوم 12 سورياً يتجولون داخل الأراضي اللبنانية بصورة غير شرعية. وضبطت معهم ثلاث دراجات نارية من دون أوراق قانونية، وكمية من حشيشة الكيف.

ومن الأوصاف التصويرية التي كان الإمام المغيَّب موسى الصدر يطلقها على لبنان قوله: «هذا البلد المُستباح... المشرّع الأبواب». وربما ظل هذا الوصف أفضل صورة رمزية يعبر اللبنانيون بواسطتها عن حدودهم المشرّعة على الجارتين، الصديقة والعدوة.

بقي السؤال المتعلق بتوقيت عملية القاع، وما إذا كان تزامنها مع وقوع عمليات أخرى تبنّاها تنظيم «داعش» يشير الى محاولة إنقاذ مستقبله من الانحدار المتواصل.

وقد ظهر هذا الانحدار جليـّاً في عدة مظاهر أبرزها ضمور حجم دولته بنسبة 47 في المئة من أراضيه في العراق، وعشرين في المئة من أراضيه في سورية. وكان من الطبيعي أن يستتبع هذا التحول انخفاضاً في عدد المقاتلين من 33 ألف انتحاري الى حوالى 18 ألفاً فقط. كذلك قلصت الغارات الاميركية المتواصلة من عائدات النفط بحيث انتهت الى 150 مليون دولار سنوياً.

يقول المحللون أن الجرائم الجماعية التي ارتكبها تنظيم «داعش»، في القاع وبغداد ومطار إسطنبول وبنغلادش والسعودية، لم تكن أكثر من ردود فعل غاضبة حيال خسارة الأرض والموقع الاستراتيجي المميز في الفلوجة. إضافة الى خسارة الأرض والعناصر البشرية، فإن الغارات الجوية دمرت حوالى 260 آلية، وقتلت 150 عنصراً أثناء محاولتهم الفرار من الفلوجة.

وعندما احتفل رئيس وزراء العراق حيدر العبادي بالنصر، أعلن أن الخطة العسكرية المقبلة تستهدف تحرير مدينة الموصل. أي المدينة الأساسية التي انطلق منها أبو بكر البغدادي ليعلن دولة «الخلافة».

كل هذه المتغيرات تعتبرها قيادة «داعش» مقدمة لاستعادة الأرض التي أعلنت فوقها كياناً له حدود مرسومة، بعكس منظمة «القاعدة» التي تفتقر الى حيازة أرض معينة لعناصرها.

وفي تسجيل صوتي أعلن محمد العدناني، الناطق باسم التنظيم والمشرف على العمليات الخارجية، أن البغدادي سيضطر الى حل نظام الدولة والعودة الى حرب العصابات ضد أعدائه أينما كانوا. وهذا يعني، وفق مفهومه، إحياء نظام الخلايا السرية في بريطانيا وألمانيا وايطاليا، على أن تتم الاستعانة بمنظمي هجمات باريس وبروكسيل. وفي ضوء الاستراتيجية الجديدة يُصار الى التركيز على نشاط عشرين ألف مقاتل يرفعون راية التنظيم في ليبيا ومصر وأفغانستان وباكستان ونيجيريا.

وتشير بعض التحاليل الى العلاقة الوثيقة بين توقيت عمليتي إسطنبول والقاع، على اعتبار أنهما نابعتان من الضائقة الأمنية التي يمر بها «داعش» في أكثر من مكان. لذلك قام بعمليتَيْن بعيدتين في تركيا ولبنان من أجل تخفيف الضغط عليه في سورية والعراق.

الصحف الأوروبية والعربية ألمحت مراراً الى انتقام «داعش» من تركيا التي لعبت دوراً أساسياً في قيام التنظيم. وكانت المساعدة التركية له تتم بطرق ملتوية تشمل الدعم المادي لشراء النفط المهرَّب، وتزوير الدولارات الاميركية، وتهريب قوافل الأسلحة والسيارات اليابانية، وإرشاد المقاتلين الى الممرات المفتوحة الى سورية، بهدف تسهيل تسلل المتطوعين القادمين من الخارج.

وكان وزير خارجية بريطانيا السابق، فيليب هاموند، قال لصحيفة «دايلي تلغراف» أن بلاده تمكنت من منع 600 مواطن من التوجه الى تركيا للانضمام الى التنظيم الجديد. ولكنه اعترف بأن 800 آخرين تمكنوا من الوصول الى سورية عبر تركيا.

وبسبب تغيير موقف رجب طيب اردوغان، قرر «الخليفة» البغدادي التعامل مع النظام التركي على أنه كافر. ومعنى هذا أن كل وسائل إسقاطه أصبحت مسموحة، تماماً مثلما استخدم خالد الاسلامبولي (الإخوان المسلمين) هذا المنطق لقتل الرئيس أنور السادات.

المفاجأة التي أطلقها اردوغان خلال حفلة إفطار يوم الأحد الماضي أثارت بعض التكهنات حول غايته من منح الجنسية التركية لمَنْ يرغب من مليونين وسبعمئة ألف نازح سوري. وقال في هذا السياق: «أنتم إخواننا وأخواتنا. لم تبتعدوا عن وطنكم، وإنما عن منازلكم فقط، لأن تركيا هي أيضاً وطنكم».

وعلى الفور اتهمه معارضوه بأنه يريد تسجيل مزيد من الناخبين في حال نجح في تعديل الدستور وتحويل بلاده الى نظام رئاسي، إضافة الى العامل الانتخابي، إلا أن نشر هذه الأعداد من المجنسين السوريين على طول الحدود مع سورية يؤمن له المنطقة الآمنة التي طالب بها سابقاً. أي قيام رقعة جغرافية تمتد الى عمق عشرة كيلومترات من حدود بلاده، وتشمل منطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي. ويرى اردوغان في وجود هذا الحائط البشري سياجاً واقياً يحمي تركيا من هجمات الأكراد و «داعش».

وقد تركت مبادرة اردوغان ردود فعل غاضبة في لبنان والأردن، خوفاً من أن تتحول الى مشروع حل للنازحين في البلدين. وربما لمس البطريرك الماروني بشارة الراعي هذا المنحى السياسي أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة، الأمر الذي دعاه الى إعلان رفضه ورفض الدولة اللبنانية لهذا الخيار.

بقي السؤال المتعلق بأمن لبنان، وما إذا كانت عملية القاع ستتكرر في وقت آخر.. وموقع آخر؟!

الجواب عن هذا السؤال الصعب يمر عبر التصريحات التي يدلي بها قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي يفاجئ المواطنين بين حين وآخر باكتشاف عملية سارع الجيش الى إحباطها. هذا الاكتشاف «الغامض» مرده الى معلومات ترِد من استخبارات أجنبية، ومن الولايات المتحدة بالذات، حول احتمال وقوع عملية ما في مكان ما. وهذه المعلومات هي حصيلة التنصّت على كل الهواتف، وكل المكالمات الداخلة الى لبنان والخارجة منه. وهذا لا يعني بالطبع أن واشنطن حريصة على استقرار لبنان، بقدر ما يعني أن الرئيس باراك اوباما حذر اسرائيل من افتعال حادثة تبرر تورطها في ضرب لبنان. لذلك جاءت عمليات التنصت الأميركي كجزء من المراقبة الدائمة.

والمؤسف أن «داعش» يحذر عناصره من استخدام الهاتف، قبل تنفيذ العمليات، وبعدها.

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
التتريك والتجنيس.. وتمزيق السوريين!

اختار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان محافظة كيليس على الحدود السورية ليعلن، خلال إفطار حضره عدد من اللاجئين السوريين، أن الحكومة التركية تعمل على مشروع يمنح الراغبين من هؤلاء اللاجئين الجنسية التركية، لم يلتفت إلى السوريين الجالسين أمامه، بل تعمّد النظر إلى الحدود السورية ليقول: سأزفّ إليكم خبرًا سارًا، سنساعد أصدقاءنا السوريين من خلال منحهم الفرصة، إذا كانوا يرغبون في الحصول على الجنسية التركية. إن وزارة الداخلية ستعلن الإجراءات التي يتوجب اتخاذها للحصول على الجنسية.

عندما قرأ أحد السياسيين في بيروت قول إردوغان للسوريين: «نعتبركم إخواننا وإخوتنا، لم تبتعدوا عن وطنكم، لكن فقط عن منازلكم وأراضيكم، لأن تركيا هي أيضًا وطنكم»، حبكت معه النكتة فقال: إردوغان لا يسطو على السوريين الذين فروا إلى تركيا فحسب، بل يسطو أيضًا على شعار حافظ الأسد، الذي كان يقوله للبنانيين: «نحن شعب واحد في بلدين»، رغم أنه كان يعتبر اتفاق سايكس بيكو مؤامرة سلخت لبنان عن سوريا.

يوم الثلاثاء الماضي، كرر إردوغان في إسطنبول طرح خطته لمنح الجنسية التركية لمليونين وسبعمائة ألف من الذين فروا من سوريا، وخصوصًا أولئك الذين تتوافر لديهم مؤهلات قد تفيد تركيا، وقال إن «الدول الغربية تفتح أبوابها لأمثال هؤلاء الأفراد الموهوبين، وليس لدى هؤلاء أي خيار سوى الذهاب إلى الغرب، عندما لا نفتح لهم أبواب المواطنة، نحن نودّ أن ننتفع من علمهم»!

ومرة جديدة حبكت النكتة مع السياسي اللبناني، فقال: سواء كانت دعوة إردوغان تجنيسًا أو توطينًا أو تتريكًا للسوريين، فإنها تذكّرنا تحديدًا بلواء الإسكندرون السوري، الذي ابتلعته تركيا وصار يُسمى مقاطعة هاتاي، والذي ظل النظام السوري يطالب دائمًا باسترجاعه، ولم يتردد بعض المقربين منه في القول، بعدما اشتبك فلاديمير بوتين مع إردوغان، إن روسيا ستساعدنا في استرجاع لواء الإسكندرون السليب، ولكن يبدو أن المصالحة بين إردوغان وبوتين فتحت الباب أمام تتريك ثلاثة ملايين من اللاجئين السوريين!

وفي حين أثار اقتراح إردوغان عاصفة معارضة على وسائل الاتصال الاجتماعي، ترفض هذا الأمر وتعتبره مناورة لمصالح سياسية شخصية تخدم إردوغان، لأن منح الجنسية ينبغي أن لا يكون وقفًا على إرادة شخص واحد، ولو كان رئيس الجمهورية، بل هناك حاجة إلى إجراء استفتاء، كان هناك في المقابل من يصفّق بحرارة لهذا الاقتراح!

التصفيق لم يقتصر على اللاجئين السوريين في تركيا الذي فروا من جحيمين؛ جحيم النظام منذ أربعين عامًا، وجحيم حرب النظام على الشعب منذ خمسة أعوام، ويجدون في التجنيس متنفسًا يفتح أمامهم أفقًا جديدًا، بدلاً من ركوب خطر الموت غرقًا في الطريق إلى الدول الأوروبية التي تمضي الآن في تضييق بواباتها، بل كان التصفيق حماسيًا عند بان كي مون الذي وضع أمام الأمم المتحدة تقريرًا من 39 صفحة ستدرسه في 19 سبتمبر (أيلول) المقبل، ويدعو صراحة إلى توطين اللاجئين، وأثار زوبعة من الغضب في لبنان وفلسطين تحديدًا، وكان تصفيق النظام السوري وراء أبواب مغلقة، فحتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد فعل أو تعليق على اقتراح إردوغان الذي يقتطع الشعب السوري كما تُقطع الأرض وتُمزق!

قبل الحديث عن اقتراح بان كي مون الذي يفتح بابًا لإسقاط حق العودة للفلسطينيين مثلاً، من الضروري النظر في الأبعاد التي دفعت إردوغان إلى اتخاذ قرار التجنيس أو التتريك؛ ففي نظر عدد من الخبراء والباحثين، ومنهم آيكان أردمير من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، فإنه لا علاقة قطعًا بين تفهّم أوضاع اللاجئين والتعاطف معهم، وإعلان إردوغان الذي يمثل رهانًا واضحًا لخدمة مصالحه السياسية الشخصية على مستويات عدة:
1- إردوغان يبحث عن المزيد من الأصوات التي يمكن أن تضمن لحزب العدالة والتنمية أكثرية الثلثين في مجلس النواب، بعد أن فقد أصوات الأكراد، ومن أصل ثلاثة ملايين سوري، يمكنه أن يحصل على خزّان من مئات آلاف الأصوات المؤيدة بالضرورة، وخصوصًا بعدما أمّن لهم حياة جديدة.

2- إن حصوله على مئات آلاف الأصوات الإضافية، سيتيح له الحصول على أغلبية ساحقة تساعده على تحقيق ما فشل فيه سابقًا، أي تعديل الدستور الديمقراطي البرلماني لجعل النظام رئاسيًا، أو الدعوة إلى استفتاء لتحقيق هذا.

3- إردوغان يريد أن يرسم لنفسه صورة مشرقة أمام الغرب، وخصوصًا بعد الاتهامات التي طالما وُجّهت إليه بأنه يدعم «داعش» ويفتح أمامه الحدود التركية للوصول إلى سوريا فالعراق، وفي هذا السياق يعلّق الدكتور جان ماركو أستاذ العلوم السياسية في جامعة غرونوبل الفرنسية، بالقول إن إردوغان يريد تحسين صورته أمام المجتمع الدولي، من خلال تسويق صورة تركيا كبلد منفتح على الهجرة، وخصوصًا أن الدول الأوروبية عانت ولا تزال من موجات الهجرة، التي كانت أحد الأسباب التي أدت إلى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.

4- تجنيس إردوغان اللاجئين السوريين يساعد تركيا على دخول مرحلة أكثر استقرارًا بعد ترتيب العلاقات مع روسيا وإسرائيل، ويمكن لسوق العمل التركية أن تكسب المزيد من الأيدي العاملة والخبرات، خصوصًا أن حقبة «المجتمع الشاب» في تركيا تكاد تنقضي، لهذا يمكن أن يساعد دمج مئات آلاف يكدحون بجدٍ وحيوية ونشاط لبناء حياة جديدة، أن يعطي دفعًا للاقتصاد التركي المتعثر.

بالعودة إلى تقرير بان كي مون الذي وضعه بعد جولته في المنطقة تحت عنوان «بأمان وكرامة.. التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين»، من الواضح أنه لا علاقة لمضمونه بالكرامة ولا بالأمانة، لأنه يسهل عليهم التخلي عن حقهم في الاحتفاظ بهويتهم، وفي بعض الحالات مثل فلسطين أصلاً، ومثل لبنان والأردن أخيرًا يمكن أن يصبح مُدمّرًا تمامًا.

يطلب التقرير من تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر تطبيق «النهج الأفضل»، أي استيعاب اللاجئين في كل مجالات الحياة، لأن «الاستيعاب في مصلحة كل الأطراف، بلدان المنشأ والمضيف واللاجئ، وأن الإدماج يعني الاستيعاب الذي يجب أن يبدأ فورًا»، ويبدو واضحًا من خلال القانون الدولي وتحديدًا اتفاقية 1951 الخاصة بوضع اللاجئين (لبنان لم يوقّع عليها) أن الاستيعاب يعني تمامًا التجنيس، الذي فعلاً سيكون مدمرًا لبلد مثل لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه أربعة ملايين ونصف المليون، لكنه يستضيف مليوني سوري، وأكثر من نصف مليون فلسطيني، إضافة إلى ثلاثمائة ألف من جنسيات مختلفة.

يبلغ عدد سكان تركيا 80 مليونًا يستطيعون استيعاب ثلاثة ملايين سوري أي بنسبة 0.375 في المائة، أما في لبنان فتصل نسبة اللاجئين إلى اللبنانيين 45 في المائة، والأمم المتحدة لم تفِ بمتوجباتها للمساعدة على تحمّل الأعباء، لهذا يعود السياسي اللبناني الظريف إيّاه ليستكمل حبكته: لماذا لا يأخذ إردوغان المليوني سوري من لبنان ويجنّسهم في إمبراطوريته؟

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
الاستدارة التركية ومفاعيلها على المسألة السورية والمشهد الإقليمي

“ليس في السياسة صديق دائم ولا عدو دائم”، مقولة من الثوابت لا يشذ عنها “القيصر الجديد” فلاديمير بوتين، وكذلك “السلطان – الرئيس” رجب طيب أردوغان الذي أقر، ولو متأخرا، بغلبة الواقعية السياسية على الأيديولوجيات. وهكذا فإن تسريع استئناف العلاقات بين تركيا وإسرائيل، والتطبيع التركي مع روسيا، يثيران تساؤلات مشروعة حول دوافع الانقلاب الأردوغاني ومكاسب أنقرة وإسرائيل وإنجازات روسيا في خلط الأوراق والتحالفات الإقليمية. ومما لا شك فيه أن الترتيبات الإقليمية الجديدة ستنعكس على المسألة السورية والطموحات الكردية والمصالح الاقتصادية للأطراف المعنية.

للوهلة الأولى، يظهر أن الرئيس التركي أخذ يخشى خطر العزلة وأن تكون بلاده مستبعدة من الحلول التي سترتسم في المرحلة القادمة أو لإعادة تركيب الإقليم. أردوغان المسكون بالتاريخ سعى للتحكم بقطار “الربيع العربي” بعد حذر في بداياته، وكان يريد بعث “العثمانية الجديدة” ولعب الدور القيادي في المنطقة من خلال “منظومة الإسلام السياسي” التي برزت في 2011 – 2013، لكن التطورات في مصر وسوريا وبروز داعش والرهان الأميركي على الأكراد، ووصول الفوضى التدميرية إلى تركيا، دفعت بالسياسي العنيد الحماسي أن يعود إلى أرض الواقع بعدما حلق عاليا مع سحر الكلمات والرهانات الخائبة، إذ اتضح له أن الانتقال من طموح تركيا الأوروبي إلى مسعى ممارسة الزعامة الإقليمية وتقاسم النفوذ في العالم العربي “الرجل المريض” (لقب السلطنة العثمانية منذ قرن من الزمن) لهذه الحقبة ليس مضمونا. وكان الأدهى عدم وقوف حلف شمال الأطلسي إلى جانب أنقرة بعد حادث الطائرة الروسية، وخيبة الأمل التركية من الموقف الأميركي المتباين، والذي لا يعنيه في المقام الأول الحفاظ على مصالح تركيا أو بالأحرى زعامتها الإقليمية.

إزاء تغيير موازين القوى في النزاع السوري وتهافت الكبار على لعب الورقة الكردية ضد داعش، ومع تبلور التقاطعات الروسية مع إسرائيل وإيران تحت عين واشنطن، أدرك أردوغان أنه لا بد له من لعب كل أوراقه خاصة وأن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي حول اللاجئين والصلة مع ألمانيا لا تعيدانه إلى المربع الإقليمي الأول بسبب أخطاء التقدير والنهج التي ارتكبها إن في المسألة السورية (عدم دعم الجيش الحر في اللحظة المناسبة) أو في تحويل وجهة الربيع العربي كي يصبح إسلامي الطابع، أو بالنسبة إلى العلاقات مع إيران، والأهم كان في عدم استيعاب أهمية العنصر الكردي في المعادلة الإقليمية. وإضافة إلى كل ذلك ساد عدم الثقة مع واشنطن ووصل الرئيس التركي إلى الحائط المسدود. بالرغم من أن البعض يريد أن ينسب إخفاقات السنوات الأخيرة والتشدد إلى أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة السابق، فإن في ذلك مجافاة للحقيقة في ظل هيمنة أردوغان الذي يبدو أنه قرر الاستغناء عن رفيق دربه وتحقيق هدف داخلي لأنه لا يتحمل وجود شخصية قوية تلجم سعيه لتركيز نظام رئاسي. وفي نفس الوقت تم تقديم داود أوغلو صاحب نظرية “صفر مشكلات” مع الإقليم بمثابة القربان أو الضحية كي يبرر الرئيس التركي تراجعاته أو يمهد لنهج تكتيكي جديد بدأه عبر البوابة الإسرائيلية.

 

منذ خمسينات القرن الماضي تعاونت إسرائيل وتركيا، وهما قوتان إقليميتان غير عربيتين في الشرق الأوسط، وتصرفتا كأنهما في حلف طبيعي،غير أن سياسة أردوغان في الانخراط مع العالم العربي وإيران، وموقفه من اجتياح غزة في العام 2009 وحادث سفينة مرمرة في مايو 2010، أدت إلى قطع العلاقات بين شريكين استراتيجيين سابقا في الإقليم. لكن في موازاة حصاد سلبي في المجمل لتركيا منذ 2011، تحسنت علاقات إسرائيل مع مصر واليونان وقبرص وهي دول في شرق البحر الأبيض المتوسط وكلها متخاصمة مع تركيا.

إن هذا الواقع، بالإضافة إلى التوتر مع روسيا والحذر من الغرب والخوف من العزلة، حفز الرئيس التركي على تقديم التنازلات اللازمة والتوقيع على الاتفاق. استغرقت المفاوضات وقتا طويلا لأن أردوغان كان يطالب باعتذار إسرائيل والتعويضات وفك حصار غزة، وقد نال فقط المطلبين الأوليْن واهتزت صورته بشدة لأنه أراد تقديم نفسه للعالم الإسلامي باعتباره المدافع القوي عن الشعب الفلسطيني، والمنافس لإيران في لعب دور البطل بالوكالة عن العالم العربي.

كل هذا لا يعني أن كل الملفات الخلافية أغلقت بين إسرائيل وتركيا إذ لا يزال هناك حذر في إسرائيل بسبب علاقات حزب العدالة والتنمية مع حركة حماس، وإزاء التعاون الأمني الكبير بين أنقرة وطهران في مناسبات عديدة، ولذلك ستتطلب عودة التعاون الأمني والعسكري مرحلة اختبار بين الجانبين. بيد أن أهم الخلاصات الاستراتيجية لهذا التحول تتمثل في التفاهم على احترام مصالح الطرفين في الساحة السورية، والتوافق على إيصال أنابيب الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى تركيا.

إنها الحاجة المتبادلة بين الدولتين على ضفاف المتوسط، التي فرضت النقلة الجديدة وتليين جموح نتنياهو وأردوغان لأن الأيديولوجيا السياسية تسقط أو تتوقف أمام مصالح الدول ومستقبلها، وهذا درس يتوجب على اللاعبين العرب تأمله مليا للحفاظ على مصالحهم وإنهاء زمن الانكشاف الاستراتيجي العربي.

في استكمال التحولات، قام السلطان وطرق على باب القيصر وهنا أيضا كانت الحاجة متبادلة بالرغم من شدة لهجة الخطاب السياسي بين أنقرة وموسكو في الأشهر الأخيرة. وهنا شرب أردوغان “كأس السم” واعتذر عن حادث إسقاط الطائرة، ويبدو أن خصم الأمس نتنياهو هو الذي سهل إخراج اللحظة الأخيرة من التطبيع التركي – الروسي كي تتكامل لعبة المصالح بين أطراف تشعر بقوة تأثيرها في غياب سطوة القوة الأميركية المتراجعة في الإقليم. ربما ترتسم أمامنا صورة متكاملة تبين مكانة الموقع التركي، إذ أن خط الغاز الإسرائيلي التركي إلى أوروبا، يوازيه خط روسي تركي ومرور للطاقة الإيرانية عبر تركيا، وهكذا فإن إيران وإسرائيل وروسيا بحاجة للممر التركي، وبالتالي يتضح أن الجغرافيّتَيْن السياسية والاقتصادية تفرضان وقائع لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولذا ستبذل أنقرة ما بوسعها لإعادة العلاقات مع دول البحر المتوسط والبحر الأسود.

بالنسبة إلى الانتعاش مع موسكو، هناك مصلحة سياسية اقتصادية وأمنية لكلا الطرفين؛ إذ أن بوتين الذي يخوض مبارزة مقننة مع حلف شمال الأطلسي، يرى في هذا التحول التركي فرصة للغمز من قناة واشنطن. واقتصاديا عانى البلدان من القطيعة إذ كانت روسيا في 2011 أول شريك تجاري لتركيا وبلغ حجم المبادلات بينهما 30 مليار دولار. وعلاوة على ذلك، تحتاج أنقرة إلى موقف روسي معتدل من المسألة الكردية، وفي المقابل تحتاج موسكو إلى التعاون الأمني مع تركيا بخصوص الحركات الجهادية في الجمهوريات الإسلامية في الجوار الروسي، خاصة أن آخر الأخبار تشير إلى نجاح تنظيم داعش في المزيد من تجنيد المقاتلين في آسيا الوسطى والقوقاز وجوار روسيا.

ستنعكس النقلات النوعية لأنقرة على المشهد الإقليمي وفيها تهميش للاعبين العرب، ووضع إسرائيل في قلب اللعبة الشرق أوسطية، واحتكاك غير مباشر مع المصالح الإيرانية وحماية في المقام الأول لطموحات أردوغان ومصالح أنقرة. وبالطبع، لن تكون هناك مصالحة بين أردوغان وبشار الأسد فهي ليست على جدول أعمال صناع القرار، بل في حال تعذر تركيب الحل الروسي ربما يبدأ تقاسم النفوذ بين مناطق مكونة عمليا في سوريا، وهنا يكمن كل جهد أردوغان في السعي لتحطيم الحلم الكردي.

من المبكر إعطاء أجوبة حاسمة لأن مخاض ولادة المشهد الإقليمي الجديد ستنتظر الرئيسة القادمة أو الرئيس القادم إلى البيت الأبيض، وكذلك نتائج الصراع المفتوح على أكثر من جبهة. في المختصر، لملم أردوغان أوراقه للبقاء لاعبا مؤثرا، ونجحت إسرائيل في تسجيل اختراق، وجرى التسليم لبوتين في موقعه الجديد في المشرق، واستمر الكسوف الأوروبي. ويتضح أن إنهاك القوى العربية الفاعلة بالصراعات من العراق إلى اليمن وليبيا سيحرمها، إن لم تبلور حلف الضرورة بينها، من الجلوس على طاولة التفاوض وإعادة التركيب الإقليمية في مرحلة لاحقة.

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
 حماية لـ "الجهاد الشامي" .. جبهة النصرة تدعو لقتال فصائل كما "داعش" تحت بند المشاريع "المشبوهة" !؟

يشكل اطلاق جبهة النصرة اليوم دعوتها إلى محاربة من وصفتهم بـ"المشاريع المشبوهة" ، في اشرة إلى فصائل الجيش الحر الذين سبق و أن أنهت وجودها، معتبرة أن هذه المهمة شبيهة تماماً بمحاربة "مشروع الخوارج" في إشارة إلى داعش، في خطوة تبدو في غاية الخطورة و تشكل تهديداً لكافة فصائل الجيش الحر التي توجد على قائمة الازالة التي نفذت منها جبهة النصرة حتى اليوم ١٤ فصيلاً.

بيان جبهة النصرة الذي جاء ظاهرياً رداً على دعوة تشكيل محكمة للفصل في اعتداء النصرة على جيش التحرير و اعتقال قائده، حمل في طياته أمور توضح الخطة التي تعمل النصرة على تطبيقها و التي يبدو لن تستثني أحداً، و أنها تتم تحت بند "حماية الجهاد الشامي" ، الأمر الذي يمنحها صلاحيات كبيرة دون أي مراجعة من أي جهة ، و كما قال البيان "دون أن يثنيه ما سيقال عنه طالما كان الحق حاديه"، وطبعا لكل من يقف معها في الحق الذي تراه النصرة وحدها بشرعييها و قضاتها و أمرائها.

لم توفق جبهة النصرة ، كما هي العادة ، في بيانها اليوم الذي جاء بأسلوب استعلائي و وصائي على الجميع ،حيث تسرد جهودها في توحيد القضاء ، و القصد القضاء التابع لها و وجوب خضوع الجميع له، كما هو الحال في المناطق التي تتواجد بها ، وهو مشهد  سبق و أن شاهدناه عند داعش قبيل إعلانها الحرب على الجميع تحت مبدأ "أنا على حق و الجميع عبارة عن باطل يجب أن يزهق".

تجارب جبهة النصرة الـ١٣ و التي اشتهر منها جيش ثوار سوريا و حركة حزم و مؤخراً الفرقة ١٣ و أخيراً جيش التحرير ، لم تفضي إلى أي شيء مفيد للثورة ، بل على العكس تماماً فانهيار تشكيلات بأكملها ، و تبعثر عناصرها بين داعش و الفصائل الكردية الانفصالية ، إضافة لهروب الآلاف من سوريا ليس خوفاً من القتال دفاعاً عن الأرض ، و لكن خوفاً من القمع و الانهاء و الاقصاء.

لايمكن تبرير انضمام الكثير من عناصر الفصائل المنحلة إلى داعش و الفصائل الكردية ، و لكن في الوقت ذاته لايمكن قبول فرض مشروع عليهم و وصاية تحمل طابع "ديني" متحجر رافض لكل شيء أو فكر، و حتى رافض لأي نقاش أو حوار ، و أعيد تكرار المبدأ المسيطر "أنا على حق و الجميع عبارة عن باطل يجب أن يزهق".

نظرة الاستعلاء و رفض الاعتراف بالخطأ و الأهم عدم قبول أي محكمة أو محاكمة لها ، أمر في غاية السوء و المفضي إلى افراغ القاعدة الشعبية من جهة ، كذلك الشريك في المعارك ، فالغريب هو قتال النصرة إلى جانب الفصائل التي تتهما بأنها تنفذ "مشاريع مشبوهة"، و في الوقت ذاته تخطط لإنهائها، والأكثر غرابة هو تنصيب النصرة لنفسها كحكم و في حين أنها خصم ، و أعود لسؤال طرحته منذ أيام : من يردع النصرة إذا بغت !؟

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
لا يزال هناك من يتغنى بمحور المقاومة والممانعة

في ظل انتشار الإعلام غير المحدود، وعبر سنوات الثورة السورية، كُتبت عشرات الآلاف من المقالات والتحليلات التي تعبر عن موقفها المتوافق أو المعادي للثورة، وهذه مسألة طبيعية، ما دام هناك طرفان معاديان يتصارعان، فلا بد أن تقف الأقلام إلى جانب هذا أو ذاك، لكن القارئ يتوقف أحياناً أمام بعض ما يُكتب، فيحرضه على التساؤل والتفكير بالرد  المناسب..

وهذا ما حدث معي حينما قرأت مقالة بعنوان " مصير داعش يحسم في سوريا… وكذلك مخططات شركائه " للدكتور عصام نعمان الوزير اللبناني السابق، والقانوني البارز، وحالياً والرئيس الحالي للمجلس المركزي للحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي "..

المقالة قرأتها في شبكة شام الإخبارية، وهي منقولة عن جريدة القدس العربي.. وأقول الحق إنني تفاجأت وتساءلت، كيف أن الشبكة، وهي المشهود لها بمواقفها الثابتة ضد النظام السوري، والمؤيدة للثورة السورية، بل تُعد جزءاً من الثورة في المجال الإعلامي.. كيف قامت بنشر المقالة، مع أنها تحمل بشكل موارب فكراً معادياً للثورة السورية، ومتعاطفاً مع نظام الأسد والمحور الذي يقف إلى جانبه ويساهم معه بقتل الشعب السوري من روسيا إلى إيران وحزب الله والميليشيات الأفغانية والعراقية المذهبية.. لكنني التمست العذر للشبكة، ففي زحمة المتابعة والعمل المتواصل، لابد من الوقوع أحياناً في مطب السهو والتقييم غير السليم.. وهذا ما يحدث مع مئات الجهات الإعلامية..

على كل حال، بعد تجاوز هذه المسألة، والالتفات إلى مقالة د. عصام نعمان، فقد ظهر لي أولاً أن المقالة ضعيفة في صياغتها الحِرفية، وتعتمد في إصدار الأحكام على مواقف مسبقة، مع أن كاتبها يُعد من الشخصيات السياسية والحقوقيين البارزين.. والملفت هو أن المقالة نشرت في العديد من الصحف والمواقع، وربما يعود السبب يعود في جزء منه إلى أن د. عصام نعمان شخصية لبنانية معروفة، وحقوقي على مستوى عربي وعالمي..

ولكن الملفت أيضاً أن أغلب الجهات الإعلامية التي نشرت المقالة تنهج منهج الأحزاب القومية واليسارية والمذهبية التي وقفت موقف المعادي من ثورة الشعب السوري، ومنها جريدة البناء اللبنانية التي لا تختلف في توجهاتها الحاقدة على الثورة السورية عن قناة الميادين أو أية جهة إعلامية رسمية تابعة للنظام..

والمعلوم أن  ناصر قنديل يكتب مقالاً أسبوعياً في هذه الجريدة " البناء "، وأظنه يرأس تحريرها.. والكل يعلم من هو ناصر قنديل، فهو عبارة عن بوق عالي النبرة يستخدمه النظام السوري في كل مناسبة وكل حين، وقد كتب قنديل مقالاً في الجريدة المذكورة منذ نجو أسبوع، عنوانه "  العثمانية  والاتحاد الأوروبي جناحان مكسوران للإمبراطورية الأميركية "، وهي مقالة تتقاطع في بعض مضمونها مع مضمون مقالة نعمان.. من هنا يمكن القول: إن مقالة نعمان ليست بريئة على الإطلاق من وجهة نظر الشعب السوري المنكوب..  

  يبدأ الكاتب مقالته بصياغة فقرة تذكرنا بأسلوب الأساطير أو الكتب الوضعية المقدسة عند بعض الشعوب، حيث يقول: لفظ فلاديمير بوتين حكمه على «داعش»: حسم مصيره في سوريا ميدانياً. حيثيات الحكم الضمنية وفيرة: كَبُر «داعش» وتجبّر وأصبحت له ذراع طويلة تطاول كبرى العواصم والمرافق في شتى أنحاء العالم " .

ثم يقرر الكاتب " أن التعاون قائم ومتفاقم بين داعش والولايات المتحدة وتركيا.. هؤلاء باتوا شركاء في توليف وتنفيذ مخططات وعمليات في عمق سوريا والعراق.. " .. أما أدلته وبراهينه على التعاون المزعوم فهي تحوّل " الحدود التركية – السورية على مدى نحو 900 كيلومتر مدخلاً لإمرار الرجال والسلاح والعتاد لتنظيمات شتى.. "  

وهذه التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا، كما يقرر الكاتب، جاءت " لتقاتل جيشيّ سوريا والعراق.!!. ويتوقع أو يتنبأ.!! بأنه سيَحدثُ انخراطٌ روسي متزايد في معمعة الحرب في سوريا وعليها، سياسياً وعسكرياً، وتعاونٌ أوسع على هذين الصعيدين مع سائر أطراف محور المقاومة "..

وهنا يتبين أن الكاتب ينتمي بشكل شبه صريح إلى " محور المقاومة والممانعة " الذي يتشكل من إيران وحزب الله والنظام السوري، ومن معهم من الأحزاب اليسارية والقومية، كالحزب الشيوعي والقومي السوري، والذين انخرطوا بشكل فاضح إلى جانب الحرب ضد الشعب السوري وثورته.. من هنا لا نستغرب أن نشاط د. عصام نعمان الذي يرأس المجلس المركزي لـلحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي، يتجسد في الداخل اللبناني على التلاقي والتحاور مع الحزب الشيوعي والحزب الناصري بقيادة اسامة سعد وغيرهم، ممن يقفون علناً مع للنظام السوري، ويرفعون راية المقاومة والممانعة، هذه الراية التي استُهلت حتى تمزقت وتمزقت، ولم تعد تقنع أحداً سوى حامليها..

أما قناعة الكاتب بأن الولايات المتحدة تقف ضد نظام الأسد فهي عنده قناعة راسخة ومؤكدة، مع أن القاصي والداني يعرف جيداً أن إدارة أوباما وقفت من ثورة الشعب السوري موقفاً خبيثاً، فهي لفظياً تدعي الوقوف إلى جانب المعارضة، أما عملياً وعلى أرض الواقع، فهي التي أطالت عمر النظام وشجعته على تدمير سورية وقتلِ مئات الآلاف وتشريد الملايين، وهي الآن أشد وضوحاً في وقوفها إلى جانب الأسد وتريد أو تسعى مع روسيا وغيرها لكي يبقى على العرش السوري إلى الأبد، إن لم نقل إنها تعمل على تمزيق سورية إلى كانتونات هزيلة، تتصارع فيما بينها..

وللتأكيد على وقوف أميركا ضد الأسد يأتي الكاتب بحجة لا تغني ولا تسمن من جوع، فهو يرى أو تبين له " ان السبب الرئيس، وليس الوحيد، لوقوف ادارة اوباما موقفاً معادياً لحكومة الاسد هو رغبتها في تعويض اسرائيل خسائرها جرّاء اتفاقها النووي مع ايران ومخاطره على أمنها القومي " أما تعويض إسرائيل الذي يراه نعمان فـ " يكون في محاولة إضعاف حلفاء ايران، سوريا وحزب الله اللبناني، بطريق إدامة الحرب في بلاد الشام لاستنزاف مكوّناتها الوطنية والاقتصادية والعسكرية.. "..

ومع احترامنا للدكتور عصام نعمان، فإن هذا البرهان على إثبات عداء أميركا للأسد، لا يقنع أحداً، لا سيما وإن الكاتب نفسه يتمنى متسائلاً في نهاية مقاله بعد أن يتحدث عن الشراكة العسكرية الجديدة بين أمريكا وروسيا، " هل يتشارك القطبان الدوليان لحسم مصير «داعش» في سوريا؟ "..

لا شك أن هناك العديد من الملاحظات على مقالة نعمان التي تستدعي التوقف عنها، ولكن حسبنا إشارات مختصرة التالية:

يتبين للمطلع على المقالة أن الصراع في سوريا هو بين محورين اثنين: محور المقاومة والممانعة ضد العدو الصهيوني..!!.. ومعهم روسيا، والمحور الثاني يتكون من الولايات المتحدة وتركيا ودول الخليج وداعش.. نعم داعش..!!.. أوليس نعمان هو القائل: إن التعاون قائم ومتفاقم بين «داعش» والولايات المتحدة وتركيا.."  أوليس هو الذي يقول عن داعش " له شركاء دوليون وإقليميون أقوياء وأثرياء يزودونه المال والسلاح والدعم السياسيين " ويقصد بذلك أيضاً بعض الدول العربية ومنها دول الخليج

الملاحظة الثانية، أن الكاتب لم يشر لا من قريب أو بعيد إلى دخول ميليشيا حزب الله وقوات إيرانية من الحرس الثوري، مع ميليشيات أفغانية وعراقية، لأن هذه الميليشيات في رأيه هي من قوى محور المقاومة..

والملاحظة الثالثة: في نظر الكاتب، لا وجود للشعب السوري ولا المعارضة ولا يوجد قصف بالأسلحة الفتاكة، ولا قتل وتدمير وتشريد.. فقط في سورية يوجد محور الشر المتمثل في داعش وجبهة النصرة والفصائل المتعاونة معها، ومحور الخير المتمثل في قوى المقاومة والممانعة، والذي يضم نظام الأسد وإيران وحزب الله وأحمد جبريل و " قيادته العامة " ولواء القدس الفلسطيني الذي يقاتل في حلب إلى جانب النظام.. هذا المحور يهدف لمحاربة إسرائيل وتحرير فلسطين ولكن لكي يتحقق النصر المبين، لابد أن  يمر هذا المحور عبر القصير والزبداني وحلب وغيرها من المدن السورية المدمرة.!!!..، 

والملاحظة الرابعة: يؤكد الكاتب، اعتماداً على ثقته العمياء بقوة روسيا وقوى محور المقاومة، أن مصير داعش سيحسم في سورية، ونحن نتمنى ونعتقد أن مصير داعش ونظام الأسد وروسيا وغيران وحزب اللهن سيحسم في سورية، ولكن بإرادة الشعب السوري وصبره وتصميمه على النصر..

  

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٦
بين بائع "الأقلام" وهارب بـ"روح" ابنته يتكشف ازدواجية الإنسانية في العالم على حقيقته

لا قبح يضاهي قبح "الانسانية" التي يدعيها العالم ككل و ذلك المتحضر و كذلك الذي يضع نفسه في مرتبة المثقف، فهنا للإنسانية كل الأسماء المشينة و ليس لها من حروفها أي معنى إلا "المذمة" و "الاهانة"، فالمشهد ذاته يتغير و يتلون تبعاً للمصالح و البرستيج لا تبعاً للحالة و الحاجة.

أثار قبل زمن صورة لرجل سوري حاملاً لطفلته النائمة على كتفه وهو يبيع الأقلام باحثاً عن ما يسد به رمق عائلته، أثارت موجة من التعاطف العابر للقارات و تم التجييش و التجميع للأموال ، في مشهد انساني مهيب و مجلل أعطى ثمراته من خلال انتقال الرجل من باحث عن لقمة عيش تسد رمق الحياة إلى مانح لها، في وقت تناطحت الرؤوس بحثاً عن ظهور في لوحة الإنجاز وكمشاركين في صورة التخليد، في وقت لم تجد هذه الرؤوس مكاناً لها إلا تحت التراب أمام مشاهد أخرى من القسوة ما تجعل قضية بيع الأقلام عبارة عن "سياحة" هادئة على شاطئ الرغد.

اليوم و أمام صورة أحد رجالات حلب و هو حامل لابنته المذعورة و التي وصلت لأطراف الموت نتيجة القصف، أمام هذا المشهد الذي ينتزع قلوب الفقراء و المستضعفين المشتركين في ذات المصاب ، بينما يغيب المشهد تماما أمام أؤلائك الذي استنهضوا جيوشهم الإعلامية وملأوا صفحاتهم ندباً و ألماً على مشهد من القسوة قد نشهده في أي زمان و مكان و بات اعتياد على الشعب السوري، و لكن مشهد الموت مهما بات روتينيا يبقى غير اعتيادي و يحتاج لنقل دائم و متصاعد لا يعرف التباطؤ أو التراجع ، أو الانشغال عنه بأمور تخف أهمية كمشهد سحب فلذة كبد من فك موت فتك بمئات الآلاف دون رحمة أو شفقة و الأهم دون وجود أو إيجاد رادع، بل دائما المحفز هو الحاضر.

أمام مشهد بائع الأقلام و هذا الذي يحمل ابنته ماراً من بين أسنان الموت، تتكشف الانسانية "القذرة" للعالم أجمع الذي قرر أن يصم آذانه و يعمي عيونه عن الأسباب و يركز على البكاء على الأسباب و يعمل على تخفيفها بشكل مؤقت و جزئي دون أن ينهيها أو يوقف أسبابها.

ونعود لسؤالنا الذي بات هو المؤرق الأكبر لنا ماذا لو كان هذا مشهد حامل ابنته اليوم في حلب قد حدث في انقلاب لشاحنة في احدى الدول الأوربية، و ما ذا لو كان هذا الرجل من طائفة ما أو دين ما ، وطبعاً لا أقترب اطلاقاً من "السنّة" خصوصاً و "المسلمين" عموماً و "العرب" بعموم أشمل.

اقرأ المزيد
٨ يوليو ٢٠١٦
إنهاء «داعش» والدور العربي

لم يكذّب النظام السوري خبراً حين اعتمد الخديعة بموازاة إعلانه هدنة الـ72 ساعة والتي بدأت أول يوم من عيد الفطر، أي الأربعاء الماضي وتنتهي اليوم، بعدما وافق عليها «الجيش السوري الحر» وفصائل أخرى.

أعلن النظام الهدنة لكنه واصل هجومه في ريف حلب الشمالي لقطع الطريق الوحيد الذي يربط المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بمناطق سورية أخرى، لإحكام الحصار الذي يسعى إليه منذ أشهر على حلب. وتبين أمس أن المعركة للسيطرة على المعبر الوحيد للمعارضة هي معارك كر وفر.

ولم تكن الفصائل المسلحة أقل استعداداً لخرق الهدنة لأنها كانت تتوقع أن يبادر النظام إلى الإفادة منها لتحسين مواقعه.

جاءت هدنة اللاهدنة هذه بعد مستجدات ميدانية وسياسية، لتزيد من حال الفوضى والتناقضات في الحرب اللامتناهية التي دمرت سورية، وأبرزها التقارب الروسي- التركي، الذي سيؤثر في الطموح الكردي باقتطاع إقليم في إطار فيديرالي لسورية، وليعيق هذا التوجه بعدما كانت موسكو فتحت باباً لقبول هذا الطموح الكردي في مشروع الدستور الذي أعدته على أساس فيديرالي. وزاد الأمر تعقيداً حين أعلنت التشكيلات الكردية في شمال شرقي سورية عن مشروع دستور للإقليم الكردي، فتقاطعت مصلحة المعارضة السورية مع مصلحة النظام في رفض الاستقلال الذاتي الكردي على طريقة كردستان العراق. بل أن هذا التقاطع شمل إيران التي اندلعت اشتباكات بين قواتها وبين المسلحين الأكراد الإيرانيين الذين يلوذون بكردستان العراق، وأخذت موقفاً حاسماً بقطع الطريق على انتقال عدوى الاستقلال الكردية إليها.

لكن الأهم في ما سبق الهدنة أن مواجهة «داعش» بعد الهجمات غير المسبوقة التي نفذها من لبنان إلى إسطنبول والمدينة المنورة وجدة، وقبلها أورلاندو في أميركا مع المخاوف من اعتداءات في أوروبا، أخذت تثقل على المجتمع الدولي الحاجة إلى تسريع إنهاء دور التنظيم المتوحش، بعدما باتت الدول الكبرى متهمة بالتلكؤ في القضاء عليه، في العراق وسورية، إضافة إلى ليبيا واليمن وغيرها.

باتت غرفة العمليات الدولية التي تأسست لاحتواء التنظيم ثم القضاء عليه تحتاج إلى خطط مختلفة. ومع أن بعض الجهات الأوروبية، ومنها إيطاليا، تعتقد أن أولوية القضاء على «داعش» تتطلب تنسيقاً مع بشار الأسد مثلما ترى موسكو، فإن دولاً أخرى ما زالت على قناعتها بأن الأسد برهن أنه يقوم بالقليل في مواجهة التنظيم، وأن الدول المصرة على بقائه في السلطة في المرحلة الانتقالية تريد مقايضة تشريع وجوده بالحرب الفعلية على «داعش». ولطالما طرحت روسيا المعادلة القائلة بأن المناطق التي يطرد منها «داعش» يتسلمها النظام لا المعارضة، على رغم مشاركة الأخيرة في الاصطدام بالتنظيم في مناطق عدة بعضها استفاد منها النظام. لكن ظهور أسلحة متطورة في يد الفصائل المعارضة في ريف دمشق والتي أسقطت 5 طائرات للجيش النظامي في غضون زهاء 10 أيام، يدل إلى أن انفتاح أجهزة أمنية أوروبية على النظام لا يعني التسليم بأرجحيته على المعارضة. وفي المقابل يدل سجل العمليات العسكرية التي تخوضها إيران و»حزب الله» إلى أن معظمها يطاول فصائل غير «داعش» على رغم رفعها شعار محاربته.

باتت أولوية محاربة «داعش» تفرض نفسها على إدارة باراك أوباما خشية أن يستفيد من هجماتها المرشح الجمهوري دونالد ترامب في السباق بينه وبين المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. وثمة من يعتقد أنه خلافاً للاعتقاد السائد بأن الأشهر الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض تكبله وتحول دون اتخاذه قرارات كبرى، فإن باستطاعته اعتماد خطوات حاسمة لمصلحة الإدارة المقبلة التي يؤيدها بقوة، بدلاً من أن يثقل عليها عبء التخلص من «داعش» في السباق الانتخابي الذي قد يستغل ترامب أعماله، كما أظهرت الاستطلاعات بعد عملية أورلاندو في فلوريدا الشهر الماضي.

كيف تلائم الدول الكبرى بين هذه الأولوية وبين إعادة إطلاق الحل السياسي الذي أبرز استحقاقاته إعلان الدستور الجديد لسورية في آب (أغسطس) المقبل وقيام سلطة انتقالية، وفق سعي الأميركيين مع موسكو؟ فإنهاء سلطة «داعش» الميدانية في سورية (في وقت هناك توافق دولي على السلطة التي تتولى المهمة في العراق، على هشاشتها) يتطلب تحديد ماهية السلطة التي تحل مكانها، بموازاة السعي إلى المرحلة الانتقالية السورية.

باتت هذه الملاءمة تفرض الأخذ بالاقتراح السعودي اشتراك قوات سعودية وعربية، تحت عباءة التحالف الدولي، لتساهم في التخلص من التنظيم في شرق سورية وغرب العراق. ألا تحقق هذه الخطوة الملاءمة بين ضرب «داعش» وبين التمهيد للحل السياسي السوري، إذا كان بين مفاعيل التقارب الروسي التركي، الحد من نفوذ طهران؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان