مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٣ يوليو ٢٠١٦
عن التفاهمات الأميركية الروسية في سورية

على الرغم من إعلان الكرملين أن لقاء وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو أخيراً، لم يتطرّق مباشرةً إلى مسألة التعاون العسكري بين البلدين في سورية، وإعلان البيت الأبيض عدم وجود تنسيق عسكري بين البلدين، إلا أن المعطيات تفيد بأن الجانبين قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى اتفاق حول هذه المسألة. فموافقة واشنطن أخيراً على وضع جبهة النصرة في مرمى النيران الأميركية ـ الروسية المشتركة، بحسب ما كشفته "واشنطن بوست"، وألمحت إليه الخارجية الأميركية ليس بالتطور العادي، خصوصاً بعد أشهر من رفض الولايات المتحدة توجيه ضرباتٍ قوية للجبهة، بسبب تداخل وجودها على الأرض مع فصائل أخرى تعتبر معتدلة، وأملاً في أن تنزع الجبهة عن نفسها عباءة "القاعدة".

من شأن هذا الاتفاق إن طُبق عملياً أن يغير المشهد الميداني في الشمال الغربي لسورية بالكامل، ويعيد بناء تحالفاتٍ عسكرية جديدة، ستؤثر سلباً على فصائل المعارضة في حلب وإدلب وحماة، وهي المناطق الثلاث التي تحظى فيها المعارضة المسلحة بثقل عسكري. وستجد الفصائل الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، بما فيها حركة أحرار الشام، نفسها بين سندان الابتعاد عن "النصرة" مع ما يعنيه ذلك من انهيار "جيش الفتح"، وخسارة فصيل عسكري في غاية القوة، ما سيؤثر سلباً على مسار المعارك، وبين مطرقة الوقوف إلى جانب "النصرة"، مع ما يعنيه ذلك من تعرّض هذه الفصائل للصواريخ الأميركية ـ الروسية.

وقد بدأت ملامح هذا التوجه بالظهور، على الأقل لدى حركة أحرار الشام، وليس مصادفةً أن تنأى الحركة بنفسها عن المعركة التي شنتها الفصائل، بما فيها "النصرة" لاستعادة السيطرة على طريق الكاستيلو في حلب، والحجة التي رفعتها الحركة، لتبرير عدم مشاركتها غير منطقية (معركة خاسرة)، فهذه أول مرة لا تشارك الحركة في عمليةٍ بهذه الأهمية، وليس مصادفةً أيضاً أن تؤكد الحركة، في معرض ردّها، على منظمة العفو الدولية على ضرورة التميز بينها وبين جبهة النصرة.
ومع ذلك، لن تكون هذه الخطة المتفق عليها من حيث المبدأ في المحادثة الهاتفية، في 6 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين بوتين وأوباما، سهلة التطبيق، في ضوء التراجع العسكري للمعارضة في حلب.

عند هذه النقطة، يكمن الخلاف الروسي ـ الأميركي، فالولايات المتحدة تريد مقابل وضع "النصرة" في ميزان تنظيم الدولة الإسلامية أن تضمن عدم تعرّض الفصائل الأخرى للقصف من روسيا والنظام السوري (أحرار الشام، جيش الإسلام المدعومين إقليمياً وبعض الفصائل مثل فتح حلب ونور الدين زنكي وفصائل الجيش الحر).

تتفق واشنطن مع موسكو على أهمية فصل المعارضة المعتدلة عن جبهة النصرة، حيث كشفت الأشهر الماضية صعوبة ذلك، من دون تدخل أميركي مباشر، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن يؤدي هذا الفصل إلى انهيار المعارضة وتدميرها، فهذا لا تتحمله دول الإقليم الداعمة للمعارضة، وهو أحد الهدفين الأساسيين اللذيْن حرصت واشنطن على عدم اختراقهما، منذ بدء الأزمة، إلى جانب الهدف الثاني المتمثل في منع إسقاط النظام عسكرياً.

تريد واشنطن قوة عسكرية معتدلة من المعارضة ذات أجندة وطنية، وتقطع مع أي توجّهٍ إسلامي راديكالي، تمهيداً للوصول إلى المرحلة الانتقالية السياسية والعسكرية التي تتطلب إعادة هيكلة وصياغة المنظومتين العسكرية والسياسية معاً، من دون أي انفصال، بما يحفظ للمعارضة وجوداً مهماً في المنظومة الجديدة. ولذلك، تطالب الإدارة الأميركية بإعادة تثبيت الهدنة، وإقامة مناطق خالية من القصف، في تطويرٍ جديد لاتفاق الهدنة العسكري الأساسي بين موسكو وواشنطن.

أما روسيا، فتريد أكثر من ذلك، حيث تطالب فصائل من المعارضة بالانخراط في جهود النظام وروسيا والأكراد في محاربة التنظيمات الإرهابية، وهذا مطلبٌ لن يجد تجاوباً من الفصائل، خصوصاً القوية منها، كما تدعو موسكو هذه الفصائل إلى الانخراط في مجلسٍ عسكريٍّ، لا يكون منبثقاً عن هيئة الحكم الانتقالية بموجب الشرعة الدولية، وإنما في إطار مجلسٍ يكون منبثقاً عن تفاهماتٍ مع النظام بوساطة روسية، بحيث يشكل جانباً عسكرياً من منظومةٍ متكاملةٍ، مضمونها حكومة وحدة، تجمع النظام وقوى تابعة له، أو مستقلة إلى حدٍّ ما.

وعلى عكس ما تروّجه سياسياً وإعلامياً، تبدو موسكو مستعجلةً كثيراً إلى إنجاز اتفاقٍ مع واشنطن، قبيل بدء العملية الانتخابية الأميركية، في محاولةٍ للاستعجال في استثمار النجاحات العسكرية على المستوى السياسي، وقد حدث تطوّران، يوضحان الرغبة الروسية في استعجال التسوية:

عودة قاذفات توبوليف بعيدة المدى إلى قصف أهداف لتنظيم الدولة، من أجل منع أي محاولةٍ لتغير الواقع الميداني القائم، ولإيصال رسائل إلى الأميركان أن موسكو جادّة هذه المرة في ضرب التنظيم. وتصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قبل أيام، حين رفض تصريحات المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، التي ربط فيها نجاح التسوية السياسية في سورية بما سيؤول إليه التفاهم الأميركي ـ الروسي، وأصر لافروف على ضرورة أن تمارس الأمم المتحدة مهامها في إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات سريعاً.

يكشف هذان التطوّران التكتيك الروسي للمرحلة المقبلة، فالجولة المقبلة من المفاوضات ستكون حاسمة من وجهة نظرها، ليس على صعيد الصيغة النهائية للتسوية، فهذه الشروط ما تزال غير ناضجة، وإنما على صعيد إعادة ترتيب المسار التفاوضي وهيكلة الوفد التفاوضي معاً، اللذين يتكاملان مع مسارٍ عسكريٍّ جديد، يقطع نهائياً مع المسارات السابقة خلال المرحلة السابقة.

اقرأ المزيد
٢٢ يوليو ٢٠١٦
المعارضة السورية بحاجة إلى علاج نقاط ضعفها

يجدر بي التنويه في البداية إلى أنني عندما أتحدث عن حال المعارضة السورية من موقع مسؤوليتي فيها، فإن حديثي يأتي من باب الحرص عليها، ومن إدراكي أهمية تطويرها، لذا فإن نقدي لا يعني تحميل المعارضة مسؤولية كل ما يجري، فالنظام هو الذي يتحمل المسؤولية عن كل ذلك وعن المأساة التي يعيشها السوريون، كما أن الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة تتحمل المسؤولية عن هذه المأساة، بسكوتها عن جرائم النظام (القتل والتدمير والتشريد)، وبعدم تقديمها الدعم اللازم والمناسب للسوريين ولثورتهم. ولا أريد أن أحمّل المعارضة فوق ما تحتمل، فلا إمكاناتها تسمح لها، ولا موازين القوى، ولا التدخلات الخارجية تمكّنها من ذلك.

إن نقدي المعارضةَ ينبثق من رؤيتي جوانب التقصير عندها، والطريقة التي تفكّر وتعمل على أساسها، باعتبار النقد ألف باء العمل السياسي، وترشيد الأفكار السياسية، ودلالة على حيوية الأحزاب السياسية، وطريقة لترسيخ الديموقراطية التي ندعو إليها.

ويأتي هذا الحديث بعد أكثر من خمسة أعوام على نشوء هيئات المعارضة التي توالدت تباعاً، أي بعد تجربة طويلة وشاقة وغنية وباهظة الثمن، كان يفترض أنها أتاحت للمعارضة مراجعة طريقها ومفاهيمها، وليس البقاء عليها، وإعادة إنتاج أخطائها وقصورها كما هو حال ممثليها، فما كان يمكن غض النظر عنه في البدايات لم يعد مناسباً الآن.

كلنا يعلم أن التجربة السياسية السورية المعاصرة قامت مع الثورة، وتمثلت في الكيانات السياسية التي تألفت ضمن إطاري «المجلس الوطني» وبعده «الائتلاف الوطني»، وهذه التجربة مع الأسف لم تقم نتيجة جهود قوى حزبية لديها تجربة سياسية سابقة، ولا على قوى معارضة منظمة لها امتدادات قوية في مجتمع السوريين، ثم إن عملية البناء هذه جاءت فوقية، ومن قوى خارجية، ما جعل مشكلة التكوين تشكل محور أزمة المعارضة، التي لم تستطع حلها أو تجاوزها حتى الآن.

ما زاد الطين بلة أن هذه التجربة لم تستطع أن تفرض ذاتها ومكانتها في تمثيلها السوريين، وفي تعبيرها عنهم، أو في قيادة كفاحهم ضد الاستبداد، إذ ظل طريقها محفوفاً بالمشاكل والتقصيرات، الناجمة عن ضعف تكوينها، وعن غياب روح الفريق فيها، وضعف إدراكها أهمية العمل وفق رؤية وطنية، بعيداً من الحساسيات والمصالح الخاصة أو الحزبية. وقد تفاقم الأمر -وليسمح لي الجميع بهذه المصارحة مع الهيئة التي أنتمي إليها، وهي «الائتلاف»- مع اعتبار المعارضة نفسها ممثلاً حصرياً للسوريين، في وقت كان مطلوباً منها الانفتاح على مجمل القوى والشخصيات الوطنية الفاعلة في المجتمع السوري في الداخل والخارج، إذ ثمة مئات من الناشطين الذين يمتلكون خبرات حزبية معارضة سابقة، ومعارف سياسية، ولديهم تاريخ نضالي مشرف، ما زالوا لا يجدون طريقاً، أو إطاراً، تفرزه المعارضة كي يعبروا من خلاله عن أنفسهم، أو يشاركوا من خلاله في الكفاح من أجل حرية شعبهم، وبخاصة أن المعارضة لم تستطع تقديم الحماية أو الدعم لكثيرين منهم، حتى في المناطق «المحررة»، ما اضطرهم للمغادرة إلى الخارج. وليتهم اكتفوا بذلك، بل دفع الأداء المتواضع للمعارضة هؤلاء الناشطين إلى الوقوف في مواجهة الكيانات المعارضة كمعارضين لها ولأدائها الذي دلت عليه نتائجها.

ما أود أن أؤكده هنا هو أن معارضتنا يعتورها الكثير من التقصير والمشاكل والثغرات النابعة منا، ومن نمط تفكيرنا، ومن طرق عملنا التي عفا عليها الزمن، مع أن مخلصين كثراً بذلوا وحاولوا، ولكن كل ذلك ظل بمثابة جهود فردية لم تستطع أن تفرض نفسها على مؤسسة المعارضة، التي نشهد كثيراً من مظاهر الانفلاش والمزاجية والفردية في عملها، مع غياب روح الفريق، وتفشي العلاقات الكيدية. ولعلي أعتبر ما حدث مؤخّراً في الحرب الكيدية ضد شخصية معارضة كسهير الأتاسي، مثلاً، موجهاً ضد كل السيدات في المعارضة، وبغض النظر عن تقييم أدائها، ولكن للتأكيد على أن الحرب جاءت ضد المكون النسائي السوري في المعارضة.

لا بد هنا من تكرار الحديث أيضاً، عن تقصير آخر للمعارضة السياسية يتعلق بضعف دفاعها عن المبادئ والأهداف التي انطلقت الثورة على أساسها في البدايات، والتي كانت تتلخص بإنهاء نظام الاستبداد، وتمكين كل أفراد الشعب السوري، بكل مكوناتهم الطائفية والإثنية، من الحرية والكرامة والديموقراطية والمواطنة المتساوية، في وطن يضمن التعددية والتنوّع. إذ إن تخلّي المعارضة السياسية، لأي سبب، عن أهداف الثورة لصالح خطابات فرضتها الجماعات المتطرفة، التي لم تحسب نفسها على المعارضة السياسية، ولم تنضوِ في أطرها، أضعف من مكانة «المجلس الوطني» ثم «الائتلاف»، لصالح الجماعات العسكرية، المتباينة المواقف بدورها، الأمر الذي جعلنا نتخبّط في أدائنا السياسي وفي أدائنا العسكري، ووضع علامة شك حول صدقية المعارضة، وأضعف من التفاف السوريين من حولها.

ولعل هذه الأوضاع بالذات، أي ضعف مكونات المعارضة، وضعف العمل كفريق، والافتقار إلى خطابات واضحة، والفجوة بينها وبين الشعب، هي التي ضعضعت مكانة المعارضة في تقرير مستقبل سورية والسوريين، بحيث بات هذا المستقبل يتقرر بيد القوى الخارجية، حتى من دون أن تعلم المعارضة بما يجري!

ليس المطلوب أن نندب هذا الواقع، ولا أن نعتب على هذه الدولة أو تلك، ولا أن نشتغل بالمناكفة مع بعضنا، أو أن نشمت ببعضنا في المعارضة، وإنما المطلوب وقفة صراحة مع الذات، وأن نقف بشجاعة أمام مسؤولياتنا، وأمام الواقع الذي وصلنا إليه، وأن نستخلص الدرس والعبر اللازمة، فالزمن لا يرحم، وتضحيات شعبنا تستحق منا ذلك وهو أضعف الإيمان.

آن لنا كمعارضة أن نخاطب شعبنا، وأن ننقد أنفسنا على تقصيراتنا، وأن نوضح للسوريين التعقيدات والصعوبات التي تحيط بقضيتهم. آن لنا أن ننتزع أنانياتنا وحساباتنا الشخصية وأن نذهب إلى معالجة تقصيراتنا، وإعادة بناء مؤسسات وهيئات المعارضة، على أساس الكفاءة والنزاهة والروح الثورية.

وباختصار، آن للذين ثاروا على الاستبداد وعلى احتكار السلطة وتهميش الشعب، ومن ساندهم في ثورتهم وتبنى أهدافها، أن يضعوا حداً للاستئثار بمؤسسات المعارضة، وأن يفتحوا هيئاتها للمخلصين والمجربين وأصحاب الكفاءات، وأن نعتمد في علاقاتنا مع شعبنا على قواعد التمثيل والديموقراطية والانتخاب حيث استطعنا إلى ذلك سبيلاً، في الداخل وفي الخارج.

لا بد من طرح موضوع استبدال القائمين على مؤسسات المعارضة جميعها لتتمكن هذه المؤسسات، عبر الدماء الجديدة، من عبور مأزقها وتجاوز عثراتها، فليس مقبولاً أن نتحدث عن تداول المناصب وتمثيل الشعب بينما نحن نمارس احتكاره عن قصد أو عن غير قصد.

اقرأ المزيد
٢٢ يوليو ٢٠١٦
هل بدأت الخطة «ب» في سوريا؟

لم أثق بوجود الخطة «ب» رغم كثرة الحديث عنها، وتحديد موعدها في شهر أغسطس القادم، ولكن حالة الغموض التي رافقت اتفاق الولايات المتحدة وروسيا (الأخير) وعرضه على الاتحاد الأوروبي يعيد إلى الأذهان ما قيل عنها. وقد قرأت ما نشر في الصحافة عن الاتفاقية الجديدة التي سرعان ما كشفت الأحداث المأساوية ملامحها فيما حدث من مجازر مريعة في منبج ثم في الأتارب، وبعدهما إدلب التي ستكون ساحة مجازر يومية لكونها تخضع عسكرياً لـ«جبهة النصرة»، مع «جيش الفتح».

وتبدو «جبهة النصرة» مصرّة على ارتباطها بـ«القاعدة» رغم كل النصائح التي وجهت إليها كيلا تكون إدلب هدفاً لعمليات التحالف الدولي، وسبباً في تعرض مئات الآلاف من المواطنين للخطر ممن يسكنون في هذه المحافظة المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي تقدر مساحتها بأكثر من نصف مساحة لبنان، والغالبية العظمى من سكانها مسلمون سُنة، مع وجود قرى صغيرة شيعية وأخرى درزية ومسيحية وعلوية عاشت منسجمة آمنة مع محيطها قروناً دون حدوث أية مشكلات قبل أن تهب رياح الطائفية المدمرة.

ويرتاب السوريون في أن تنظيم «داعش» صناعة خارجية محضة هدفها تشويه صورة الإسلام وتقديمه دين عنف وقتل ورعب وإرهاب، كما يرتابون في الصمت الدولي على نمو هذه «الدولة» السنية الدينية المزعومة التي تحارب أهل السنة أكثر مما تحارب سواهم، ومنحها فرصة التمكن منذ أن احتلت الرقة إلى أن تمكنت بطريقة مثيرة للأسئلة من احتلال الموصل، كما كان خروج قواتها من الحجر الأسود في دمشق براياتهم السوداء مثار تساؤلات أيضاً، فضلاً عن العقود النفطية وعن استلام تدمر وهدم آثارها وصولاً إلى إعادة تسليمها والخروج منها وتمددها إلى «الضمير» بوابة دمشق عبر طرق صحراوية آمنة من أية ملاحقة أو قصف جوي.

وقد أشرت مرات إلى ما طلبته روسيا حين قصفت العديد من الأحياء السكنية في سوريا وكان الضحايا أطفالاً ونساء مما جعل صورتها سوداء، فاقترحت حلاً غير منطقي، هو إبعاد المواطنين والفصائل المعتدلة عن «جبهة النصرة»، والمفارقة أن العالم لم يوافق سابقاً على اقتراح تركيا بإنشاء منطقة آمنة يلجأ إليها السكان، فقد رفضت الولايات المتحدة وروسيا هذا المقترح، بل إن روسيا طالبت بإغلاق حدود سوريا مع تركيا، وحين تصاعد القصف الروسي دعماً للنظام وحلفائه وصار عدد الضحايا المدنيين ضخماً واستخدمت فيه أسلحة محرمة دولياً، بتنا أكثر حاجة إلى مناطق آمنة واقترحت إقامتها بعيداً عن الحدود التركية حيث يمكن أن تكون بين إدلب وحماه فالناس لا يعرفون إلى أين يلجؤون حين يسمعون دوي الطائرات القادمة لقتلهم وتدمير مساكنهم، والحدود التركية مغلقة أمامهم، والعبور تهريباً قد يكلفهم حياتهم، ولا يملكون غير الفزع والرعب وهم لا يعرفون من منهم سيودع الحياة بعد لحظات.

ونحن في الهيئة العليا للمفاوضات وجهنا رسالة إلى بان كيمون نطالبه فيها بالتدخل الدولي لحماية المدنيين، فهم الذين يشعرون أنهم مهددون بالإبادة، وإذا كان بوسع المقاتلين أن يلجؤوا إلى الجبال المحيطة وإلى مواقع يأمنون فيها فإن سكان المدن والأرياف من النساء والأطفال والمسنين والمرضى والعجزة سيكونون هم الأهداف العسكرية كما حدث ويحدث كل يوم.

ولئن كان الاتفاق الروسي الأميركي يبشر السوريين بجدية بدء مفاوضات تفضي إلى هيئة حكم انتقالي وبنهاية دور الأسد في المستقبل فإن الدم الذي ستغرق فيه سوريا تحت يافطة مكافحة الإرهاب لن يسمح للمفاوضات بأن تستمر لأنها تحتاج إلى بيئة شعبية داعمة، ولن يتحقق ذلك مع هدير الطائرات وأصوات الانفجارات ورائحة الجثث المتراكمة تحت الأنقاض، وهذا ما يعرفه النظام وحلفاؤه حيث يصعدون هجماتهم على المواطنين مع بدء كل جولة تفاوضية لإفشالها.

وربما تكون الولايات المتحدة تريد إنجازاً سريعاً بالقضاء على الإرهاب في سوريا قبل رحيل أوباما، ولكن الثمن الذي سيدفعه الشعب السوري سيكون باهظاً وسرعان ما سيتحول عالمياً إلى إدانة دولية لإبادة ممنهجة سيكون ضحاياها أهل السنة بالضرورة.

ينبغي أن تدرس عملية مكافحة الإرهاب ضمن خطة ناضجة لحماية المدنيين، وأن تسعى الدول المعنية إلى إنهاء الملف الأخطر وهو الحل السياسي الذي سينهي مأساة وفواجع السوريين وسيتيح للشعب أن يتنفس الحرية بعد ست سنوات عجاف، وعندها ستتحول قضيته إلى مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار، ولا بد أن توكل المهمة إلى المجلس العسكري الذي يفترض أن تشكله هيئة الحكم الانتقالي التي تؤول إليها الصلاحيات التنفيذية دون أن يكون للأسد دور فيها.

اقرأ المزيد
٢٢ يوليو ٢٠١٦
إيران «والسورنة»!

هل تنزلق إيران نحو «السورنة»؟

سؤال شرعي ومشروع، حتى لو كان جارحاً. منذ قمع «الانتفاضة الخضراء» قبل سبع سنوات، ردد النظام الايراني، أن ضرب الفتنة بقسوة، جرى لمنع إشعال «النار» داخل البلاد، وعندما بدأ «الربيع العربي» مزهراً، ثم «أكلته» النيران، وتحوّل الى مسلسل من الحروب الأهلية والدمار، أعلن قادة النظام الإيراني وعلى رأسهم المرشد آية الله علي خامنئي، «أن تدخل إيران في دول الجوار هو لإبعاد المواجهات عن الحدود الايرانية وداخلها«. باختصار ابعاد شبح «السورنة» بالحرب في سوريا والعراق واليمن ولبنان (حرب باردة في اشغال اللبنانيين بالفراغ حتى اليأس وقبول ما يطالب به حزب الله).

نظام الولي الفقيه، لم ينتبه الى أمرين وهو منشغل في ارسال المقاتلين الى سوريا والمستشارين الى العراق واليمن:

[لا توجد دولة في الشرق الأوسط لا تكمن فيها «فيروسات القومية والمذهبية والفوارق التنموية الجهوية. لذلك فإن التعامل مع هذه «الفيروسات» في المنطقة وكأنها محصنة من الاصابة، يمكن أن يستمر فترة زمنية مهما طالت، فإنها في النهاية ستسقط أمام أي اختراق لأنه لا يوجد «لقاح» يقيها الإصابة به. توجد في إيران بؤر خطيرة وأخطر ما فيها أنها تشكّل «بوابات» حدودية مفتوحة على قضايا قومية ومذهبية في دول مجاورة، مما تؤدي إصابة «بؤرة» واحدة الى عدوى قاتلة، في إيران منطقة كردية وثانية عربية في خوزستان (عربستان الأهواز) وثالثة في بلوشستان المحاذية لبلوشستان الأفغانية والباكستانية. منذ سنوات والمناطق الثلاث تعيش على وقع «زلازل» خفيفة لكن متواصلة. الآن وقد اشتعلت مناطق كردستان في سوريا وتركيا وبوجود كردستان العراق، عادت كردستان إيران الى التحرّك والمواجهات العسكرية ولو المحدودة. أما في بلوشستان فقد مضت عدة سنوات على وجود أعمال عسكرية وُصفت دوماً بأنها إرهابية. أما في الأهواز فإن الشعور القومي العربي زائد التخلف الاقتصادي رغم أن المنطقة هي التي تنتج أكثرية النفط الايراني (المرشد خامنئي زار قبل مدة قصيرة المنطقة ووعد السكان بالتنمية بعد أن اعترف بتخلّف منطقتهم اقتصادياً وتنموياً) تشكل برميل نفط قابلاً للاشتعال في أي لحظة. بدورها بلوشستان تشهد تصعيداً غير مسبوق في المواجهات المسلحة، وعندما يعترف وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فضلي بأنه «تم اعتقال أربعين عنصراً كانوا يعملون لمهاجمة مركزين عسكريين وأمنيين، بعد حفر نفق طوله أربعون متراً بعمق عشرين متراً، يعني أن المواجهات تجاوزت العمليات المحدودة سابقاً.

*ان «صبّ الزيت على النار الكامنة أو المشتعلة»، عملية سهلة وكلفتها بسيطة، خصوصاً إذا ما طبّقت الأساليب المعمول بها من الطرف الآخر. إتهام إيران للسعودية بتغذية الناشطين في هذه المناطق الثلاث، لا يضير السعودية، خصوصاً بعد أن قررت «الحسم» والمواجهة. لكن مثل هذه الاتهامات لا تحل شيئاً، بالعكس توسع دوائر المواجهات وتهدد بتحوّل المواجهات بالوكالة الى مواجهات مباشرة.

الجنرال محمد جعفري كان قد هدد سابقاً أمام اجتماع لقادة «الحرس» بإمكانية «وقوع حرب مع دولة أو دول عربية». مثل هذه «الحرب» إن وقعت فلن تحلّ شيئاً.

إيران تعتقد أن الثورة حلّت المشاكل القومية والمذهبية. لكن عندما تتراجع الثورة أمام الدولة، ولا تعمل الدولة على حل مشكلات التنمية والعدالة الاجتماعية ولا حتى حق المشاركة (لا يوجد وزير سني حتى قبل الثورة وبعد جهد شخصي من الرئيس حسن روحاني تمّ تعيين أوّل سفير كردي سني) فإن الانفجار الشعبي لا بدّ أن يقع.

أخطر ما في انزلاق إيران نحو «السورنة»، أن الكلام عن رسم حدود جديدة في المنطقة بعد اسقاط اتفاق سايكس-بيكو، لن يرحم أحداً، وليس بالضرورة أن تقسم دول المنطقة وإن كانت مثل هذه الفرضية قائمة. الأهم أن الدول الموجودة لن تبقى كما كانت في السابق. حتى لو بقيت سوريا موحدة فإن سوريا التي نعرفها انتهت على جميع الصعد، الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. والعراق كذلك.

لذلك كله، فإن انزلاق إيران نحو «السورنة»، يشكّل سقوط «الحلقة» الصعبة، ويصبح مصير كل الدول من أفغانستان الى الجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي، وصولاً الى تركيا فالعراق وغيرها، معلقاً وسط المجهول. ما سيحصل أن هذه الدول ستغرق في الفقر وعدم الاستقرار، والأسوأ، أن تقع هجرة عفوية أو منظمة «للعقول»، فتنتهي منطقة الشرق الأوسط وإن بقيت جغرافياً.

لا يكفي أن تصرح ايران وكل الدول المعنية ان المنطقة تتعرض «لمؤامرة» خارجية. هذا هو أهون الحلول للتخلص من المسؤولية التاريخية. ما زال أمام الجميع، خصوصاً ايران، الوقت للعودة الى الوراء، ومعالجة الأخطار في العمل لإطفاء النار. مسؤولية ايران أكبر من الآخرين، لأنها هي التي بدأت بإشعال «النار»، سواء للتمدد ولقيام «إيران الكبرى»، أو «الهلال الشيعي» أو للضغط على الدول الكبرى خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية في المفاوضات النووية.

اللعب بالنار خطير، خصوصاً إذا جرى ذلك في منطقة مليئة ببراميل النفط والبارود!

اقرأ المزيد
٢٢ يوليو ٢٠١٦
أيتها الفصائل الإسلامية.. فتّشي عن الطريق السليم.!!.

عملية ذبح أي إنسان مهما كانت حيثياتها ودوافعها، تُعد عملاً قبيحاً ومستنكراً من الصديق قبل العدو، فكيف إذا صُورت على شريط فيدو وانتشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المحلي والعربي والعالمي.!!.. وكيف إذا قام إعلام النظام بخبرته ودهائه في استغلال الحادثة وإعطائها نكهة إنسانية كاذبة..!!..
هذا ما حدث في منطقة حندرات شمالي حلب حين قام عنصر من حركة نور الدين الزنكي بذبح الأسير عبد الله العيسى التابع لقوات النظام، وبعد انتشار الفيديو قام إعلام النظام بتوظيف هذه الحادثة، وذكر أن المذبوح هو طفل لا يتجاوز عمره اثني عشر عاماً، وإنه فلسطيني، وليس سورياً.. هذا الادعاء الكاذب كان كافياً ليصب الزيت على النار..
ويهدف إعلام النظام من هذه الأكاذيب الإضافية إلى ثلاثة أمور كافية لتصبح القضية عالمية بامتياز.. الأمر الأول هو التركيز على حادثة الذبح كعملية مستنكرة من قبل العالم كله، والثاني، هو أن المذبوح طفل لا يتعدى الثانية عشرة، وهو فلسطيني، وليس سورياً، وهو من أبناء مخيم حندرات، وخُطف من مستوصف في المخيم لأن والده من مقاتلي " لواء القدس "، وكان يدافع عن مخيم "حندرات" ضد " الجماعات التكفيرية "..هذا ما أذاعه ونشره إعلام النظام..
لنتمعن جيداً بالمعطيات التي قدمها إعلام النظام، فالمقتول فلسطيني وهو طفل صغير، واختطف من مستوصف المخيم بحجة أن والده ينتمي إلى لواء القدس الفلسطيني، وهذا يعني أن الطفل أُخذ بجريرة والده، ليس إلا.. كل هذه المعطيات كفيلة بان تهيّج الكرة الأرضية كلها، وهذا دليل على خبث إعلام النظام ومقدرته على توليف الحقائق الكاذبة..
وقبل أن تتبين الحقيقة، هب الإعلام في مشارق الأرض ومغاربها مستنكراً أشد الاستنكار هذه الجريمة ذات الأبعاد الثلاثة، وخرج أحد أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ليتباكى على ذبح الطفل الفلسطيني.!!. ونسي هو ومنظمته أن " لواء القدس الفلسطيني " يقف إلى جانب النظام، ويمارس القتل الشنيع ضد شعبنا في تلك المنطقة..
طيب.. يا عضو منظمة التحرير.. أما كان عليك قبل التباكي والنواح أن تتأكد من أن المذبوح هو فلسطيني من أبناء جلدتك.!!.. أما كان عليك أن تتصل وتتأكد من هو هذا الطفل الفلسطيني الذي ذبحه المجرمون.!!. ومن هم أهله، وأين يقيمون، ولا أظن ذلك بالأمر الصعب.. ولكنك يا عضو منظمة التحرير ظهرتَ على قناة تابعة للنظام السوري، ولا بد لك أن تتحدث بما يتوافق مع أهداف النظام..
أما منظمة اليونسكو التي تعنى بحقوق الطفل، فبحسب ما اعتادت عليه، هي والمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، فقد سارعت إلى إدانة هذه الجريمة الشنعاء بحق الطفل الفلسطيني..!!. دون أن تعي الحقيقة كاملة، وتغافلت عما يفعله النظام من سفكٍ لدماء الآلاف من الأطفال السوريين إضافة للنساء والرجال..
لقد انكسرت الزجاجة، والزجاجة كِسْرها لا يُجبرُ مطلقاً، وترسخ في أذهان الناس أن الطفل المذبوح هو فلسطيني وأنه طفل صغير.. ثم فيما بعد ظهرت حقيقة " الطفل الصغير"، فهويته العسكرية الصادرة بتاريخ 9 / 8 / 2015 موقّعة من إدارة المخابرات العامة قسم العمليات الخاصة، وتتضمن عمر صاحبها الحقيقي، وتبيّن أنه سوري الجنسية، وليس فلسطينياً، وأنه من مواليد 1997.. وهذا ما أكدته إحدى قريباته حين كتبت على صفحتها: إن الشاب الذي شغل الدنيا هو ابن خالها وهو من قرية " غور العاصي " في ريف حماة، وكان يسكن في حمص، وأنه سوري وليس فلسطينياً، وعمره تسعة عشر عاماً، وبما انه مصاب بمرض التلاسيميا فقد ظهر كأنه أصغر من ذلك بكثير..
وهكذا ظهر الجزء الهام من الحقيقة، ولكن بعد أن انكسرت الزجاجة.!!. وحقق إعلام النظام ما يريد..

ونأتي الآن إلى حيثيات الحادثة، وكيف جرت، ولماذا جرت، وما السبب في حدوثها في هذا الوقت بالذات.!!.
بعيداً عن نظرية المؤامرة أو قريباً منها، لا فرق، نشير إلى المعطيات التالية:
ــ إن حركة نور الدين زنكي هي من الفصائل المعتدلة، والتي ترضى عنها الولايات المتحدة، وبحسب بعض المصادر، فإن هذه الحركة موعودة بأسلحة نوعية من الولايات الأميركية وبريطانيا.. فهل يمكن الربط بين هذا وذاك، أي بين الوعد بالتسليح وبين ذبح الطفل ـ الرجل.!!. لا سيما أن الناطق باسم الخارجية الأميركية صرح أنه في حال ثبت ذبح الطفل من قبل حركة الزنكي، فسوف نقطع الدعم عنها.. وهكذا يتم تشويه حركة نور الدين زنكي، وينقطع الدعم العسكري الموعود..
ــ من يشاهد الفيديو، ما قبل عملية الذبح وأثناءها، ويرى الحركة المتصنعة للمشجعين على الذبح وطريقة الذبح، يشعر، بل يتأكد أن العملية مفبركة ومقصودة وتوحي بأن هناك تعمّداً واضحاً من قبل المجموعة لارتكاب الجريمة وتصويرها وإشهارها وعرضها عبر التواصل الاجتماعي، لغاية في نفس يعقوب.. وهنا أحب أن أؤكد على أن جميع الفصائل الإسلامية التي تقاتل على الأرض السورية هي مخترقة حتى العظم من مخابرات النظام وإيران وروسيا وأميركا والاتحاد الأوروبي.. دعوني أكمل رجاء، ومخترقة من دول الخليج كلها ومن الأردن ومصر والجزائر، وحتى مخترقة من بلاد الواق واق.!!.. فهل أبالغ في ذلك..!!..
ــ قبل حدوث هذا الفعل بيوم أو يومين، ارتكب طيران التحالف جريمة كبرى، فقد استهدف قرية " التوخار " التابعة لمدينة منبج، وكانت الضحايا مائتي شهيد ومئات الجرحى.. أليست هذه إبادة شبه كاملة لسكان قرية صغيرة.!!. ومع ذلك لم تأخذ هذه المجزرة الشنعاء من التغطية الإعلامية سوى أقل من 1% مما أخذته جريمة حندرات.. كما أن المجازر التي يرتكبها الحشد الشعبي في المناطق العربية في العراق، ولا سيما ما حدث في الفلوجة قبل أسابيع، ليس ببعيدة عنا، فهي كغيرها، تمت تمييعها إعلامياً، ومرت كما مر غيرها من مجازر بحق الشعبين السوري والعراقي..
ــ ويبدو أن حركة نور الدين الزنكي وقعت في حيرة من أمرها، ولم تعرف كيف تتصرف، فبعد أن انكسرت الزجاجة، أعلنت القيادة العامة للحركة في بيان لها استنكارها الشديد للواقعة، وأنها أحالت القاتل إلى لجنة قضائية مستقلة للتحقيق معه..
ومع احترامنا لهذا الإجراء إلا أن الفصائل الإسلامية المعتدلة والمتشددة صدّعوا رؤوس السوريين بقضائهم الشرعي المستقل الذي لا يملك من الأمر شيئاً إلا بما توحي له بندقية قائد هذا الفصيل أو ذاك.!!!..
كما أن الناطق العسكري باسم الحركة حاول التخفيف من وقع العملية، حين قال إن العنصر الذي قام بالفعل المدان، يعاني من مشاكل نفسية بعد استشهاد أحد أشقائه، وعدد من أقاربه خلال قصف قوات الأسد على المدينة وريفها ".. وهذا يذكرنا بعمليات القتل التي تحدث في الغرب، فإذا كان الفاعل مسلماً، اتهم بالإرهاب، وإن كان إفرنجياً غير مسلم، اتهم بأنه يعاني من اضطرابات نفسية.
وما أن يخرج الناطق العسكري باسم حركة زنكي من مطب حتى يقع في مطب آخر، فحين سئل عن عدم إعلان هوية المقتول وانتمائه وعمره بعد قتله مباشرة، لتفويت الفرصة على النظام، سارع لإنزال السبب عن كاهله وإلقائه على كاهل غيره، حين قال إن كل ما كان بحوزة المقتول تم تسليمه إلى اللجنة القضائية للنظر في القضية..
وهذا في الواقع عذر أقبح من ذنب، فلو تم إعطاء محتوى هوية المقتول إلى الوسائل الإعلامية مباشرة، لربما فوت الفرصة على إعلام النظام، وما تركه يكذب هذه الكذبة الخبيثة..
والمستغرب، ولا أريد ان أقول المستقبح، أن حركة نور الدين الزنكي حين صرحت في نهاية بيانها؛ أنها تحترم مبادئ حقوق الإنسان وتلتزم بالمعاهدات والمواثيق الدولية، وهذه مسألة جيدة، تنطّعت إحدى الحركات الإسلامية المتشددة وأدانت البيان بحجة أن الإقرار باحترام مبادئ حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية، يعد مخالفاً للشريعة الإسلامية.!!!..
وأنا أقول لمثل هذه الفصائل المتشددة، المتبعثرة، المتخالفة، إنكم لا تعرفون من الشريعة الإسلامية سوى قطع الرؤوسن وصياح " تكبييييييير "، واتهام المسلمين بالردة وإطلاق التكفير على كل من هب ودب من الناس، وأنتم في الواقع تخالفون الشريعة في أوضح وأبسط صورها، ويكفي أن أشير إلى واحدة منها، وهي قوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا.. ".. أنتم متخالفون، متشرذمون، متناحرون.. إذن أنتم تخالفون شرع الله..
لو تعودوا إلى رشدكم أيها الفصائل الإسلامية المتشددة، وتتحدوا في جيش واحد وتحت قيادة واحدة، وراية واحدة، وتبتعدوا عن التزمت والانتقائية في الأحكام، وتطرحوا عن أجسادكم المظاهر الشكلية، وتسعوا إلى " سد الذرائع " وهو واحد من الأحكام الفقهية المعروفة في الإسلام.. لو فعلتم ذلك، وتوكلتم على الله، فلسوف تنتصرون بإذن الله..
ولكن فيما يبدو أن " العودة إلى الرشد " هي أشبه بتحويل الخرافة إلى حقيقة..

اقرأ المزيد
٢٢ يوليو ٢٠١٦
إدلب "الحمراء" التي انتزعت حريتها ودافعت عن الجميع وحضنت المستضعفين

لايمكن لأحد أن ينكره الدور الرائد الذي قدمته محافظة إدلب بسواعد أبنائها وتضحياتهم، ومازالت تقدم، من بطولات الأمر الذي جعلها في مواجهة غطرسة آل الأسد وحلفائه الروس في محاولة للانتقام من هذه المحافظة التي عرفت وتميزت بخضارها، فحولت هذا الخضار الدائم للون الأحمر القان بعد آلاف الشهداء ومئات المجازر بحق الشعب الأعزل الذي روى بدمائه تراب هذه الأرض المعطاء.

كانت محافظة إدلب السباقة في مواجهة نظام الأسد الأب "حافظ"، فهي التي واجهته في ساحاتها الرئيسية ورفضت استقباله، بل قام أبنائها بضربه بالطماطم والأحذية، لتتابع مسيرة نضالها ضد خلفه بشار المجرم، رغم كل التضييق الأمني والملاحقات والاعتقالات، فكانت شرارة الثورة التي انطلقت في درعا تجد صداها في إدلب، لتكون من أولى المحافظات الثائرة في وجه نظام الأسد، ومن أولى المحافظات التي تصاعدت حدة الثورة فيها بشكل كبير وانتقلت للمسلحة، ملقنة نظام الأسد دروساً في البطولة والتضحية لأجل الحرية ونصرة المستضعفين.

إدلب التي أخرجت أول الضباط لأحرار الذين رفضوا الخنوع لنظام الأسد وقتل الشعب فكانوا من أوائل المنشقين عن نظامه ليشكلوا كتائب وفصائل ألقت على عاتقها حماية المستضعفين ونصرته، فكانت البذور الأولى بتشكيل حركة الضباب الأحرار على يد المقدم المغيب حسين الهرموش، تلاها تشكيل الجيش السوري الحر على يد العقيد رياض الأسعد، وأول كتيبة عسكرية تحمل السلاح بشكل علني كانت في جبل الزاوية على يد الملازم أول علاء الحسين، وغيرها من التشكيلات وعشرات الضباط من رتب عالية وصف ضباط انشقوا عن نظام الأسد وعادوا لحضن الشعب والثورة.

وقدم ثوار إدلب أمثلة كبيرة في التضحية ونصرة المحافظات السورية فوصلت طلائهم تحرر الأرض وتنصر المستضعفين إلى الرقة ودير الزور والحسكة وريف حمص الشرقي وحلب واللاذقية وحماة وريف دمشق، قبل أن تبدأ اولى مراحل التحرير للمحافظة في 15 - 4 - 2014 بالسيطرة على معسكر الخزانات في خان شيخون والذي قطع دابر الارتال العسكرية المتوجهة شمالاً إلى إدلب وحماة، لتبدأ معارك استنزاف طويلة على طريق الموت وحول معسكرات وادي الضيف والحامدية والتي نالت حريتها في شهر كانون الأول من عام 2014 قاسمة ظهر النظام في المحافظة، بتحرير أكبر الثكنات العسكرية فيها.

وبعد أشهر قليلة بدأت المرحلة الأولى من معارك تحرير المدينة مركز المحافظة لتنال حريتنا وتنفض عنها غبار الظلم والاستعمار في شهر آذار من عام 2015، فتقهقرت جحافل قوات الأسد إلى المسطومة والقرميد ومدينة أريحا والتي تحررت بعد أقل من شهر، ثم تحرير مدينة جسر الشغور في الشهر الخامس من عام 2015، لتكلل عمليات التحرير لمطار ابو الظهور العسكري فلي الشهر التاسع مع نفس العام.

محافظة إدلب والتي باتت المحافظة الأولى المحررة بنسبة التسعين بالمائة، مع وجود بلدتي كفريا والفوعة محاصرتين شمال المحافظة، هي اليوم من أكبر الخزانات العسكرية للثوار والداعم الأكبر لجبهات القتال في حماة وحلب واللاذقية، إذ لاتخلوا معركة على جميع هذه المحاور إلا وتسيل فيها دماء من ثوار إدلب، تزف يوميا العديد من شهدائها مدافعين عن أهلهم وجيرانهم في المحافظات الأخرى.

كما غدت محافظة إدلب المقصد الرئيسي للألاف النازحين الهاربين من بطش الأسد في ريفي حلب واللاذقية وحماة وريف دمشق، حيث تغص مناطق المحافظة بعشرات الألاف من العائلات التي باتت اليوم أمام خيار مر بعد أن دمرت مناطقها ولاحقها القصف إلى محافظة إدلب، ليكون الموت هو الوحيد الذي يواجههم مع سكان المحافظة، فلا مهرب من طائرات الأسد والروس التي تعمدت استهداف المدنيين، وإجبارهم على النزوح لتفريغ المدن وتغيير الديمغرافية السكانية في مناطق عديدة وفق مخططات مدروسة ومدعومة دولياً لكسر إرادة الشعب السوري وإنهاكه بالقصف والتشريد.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
محاصرة الدور الإيراني

يست التغيّرات الحاصلة على مستوى العلاقات في المنطقة مجرد أحداثٍ تجري مصادفة، وعلى الرغم من الخلفيات الاقتصادية التي تقف وراءها، والمحفزات السياسية التي دفعت إلى إحداثها، غير أن ذلك لا يخفي البعد الجيوسياسي للاعبين الذين ينضوون في صناعة هذه الأحداث.

روسيا وتركيا وإسرائيل أبطال المشهد الجديد في الشرق الأوسط، وأطراف اشتغلت، منذ فترة، على عملية تموضعها الشرق أوسطية، بما يتفق والمتغيرات السياسية الجارفة على المستوى الدولي، وقد انخرطت هذه الأطراف في البحث عن مقاربةٍ تستطيع من خلالها تأمين تموضعها في بيئة شرق أوسطية، تمتاز بسيولة الأحداث وتحرّك دائم للمواقع والمواقف، ما دفعها إلى اتباع سياسة التجريب واختبار السياسات وسبر الأوضاع، لمعرفة التكاليف المترتبة والإمكانات المتاحة لتطبيق الرؤى السياسية، وإمكانية تحويلها إلى إجراءاتٍ وترتيباتٍ على الأرض.

اصطدمت سياسات هذه الدول الثلاث، كما سياسات أغلب الأطراف الإقليمية مع إجراءات اللاعب الإيراني وسياساته على الأرض، فبخلاف الجميع، استثمرت طهران سياسياً وعسكرياً، من أجل تأسيس بيئة فوضوية في سورية والمنطقة، لا يستطيع غيرها إدارتها، ولا يستطيع أي لاعبٍ التعايش معها، ولا إمكانية التحرّك في وسطها، من دون العمل ضمن مجال النموذج الإيراني، بما يعنيه من اتباع أنماط سياسية وعسكرية، قائمة على الاستقطاب العميق، طائفياً وأيديولوجياً، وهو ما لم يكن ممكناً، على الرغم من وجود بعد ديني واضح في سياسات روسيا وتركيا، لكنه ظلّ يحتل درجةً متأخرةً في سياسات هذه الدول، لتعارضه مع الدور الإقليمي والدولي الذي تقدم موسكو وطهران نفسيهما من خلاله، بخلاف طهران التي لا تملك من أشكال القوة سوى جانبها الصلب، القائم على عمليات الإبادة والتهجير، لا تستطيع العمل في الساحات الإقليمية التي تقاوم نفوذها وهيمنتها، إلا ضمن سلّة خياراتٍ ضئيلةٍ، ترتكز بدرجة كبيرة على العنف.

اعتقدت إيران أنها كلّما أمعنت في تخريب مسرح العمل في الشرق الأوسط استتبّت الأمور لها، بدرجة أكبر. وانطلاقاً من هذه القاعدة، استثمرت في قوتها العسكرية والاستخبارية إلى أقصى حدود، ملأت الحيز الجغرافي في سورية والعراق بمليشيات عديدة، بعضها أساسي يقاتل ويخرّب، وبعضها رديفٌ كاستثمار مستقبلي، لنقل الفوضى إلى بقية الإقليم، حال إنهاء الترتيبات في سورية والعراق وانتصار أذرعها، وثمة دول كثيرة كانت تضعها إيران على خارطة العمل في مقبل الأيام، خصوصاً وأن البيئة الدولية، وفق قناعات الإيراني وحساباته، مؤاتية لصناعة العالم الإيراني الذي يقوده قاسم سليماني، ويسبح بحمد المرشد الأعلى علي خامنئي.

وضع هذا الأمر إيران على صدامٍ مع جميع الأطراف التي لها مصالح في سورية، أو تضعها في إطار مشاريعها الجيوسياسية، أو تعتبرها جزءاً من نطاقها الأمني، ولا شك أيضاً أن أول الأطراف المعنية كانت روسيا وتركيا، وحتى إسرائيل نفسها، فعلى الرغم من اختلاف أهداف هذه الأطراف، على مستوى المصالح والتصورات للوضع المستقبلي في سورية، إلا أنها واجهت حقيقة أن إيران صنعت عالماً من الفوضى، يستحيل على هذه الدول أن تحقّق مصالحها من خلاله، كما لا يمكنها منع تداعياته السيئة من أن تطالها بشكل أو بآخر، حتى إسرائيل التي لمحت أكثر من مرّة أنها تفضل سورية مقسّمة، وتقاطعت مع السياسة الإيرانية عند هذه النقطة، وجدت نفسها أمام مخاطر محتملة، جراء هذه السياسة، تستدعي منها تغيير مقاربتها الوضع السوري، عبر إعادة تشكيل تحالفاتها.

لم يختلف الأمر بالنسبة لروسيا كثيراً، إذ باكراً بدا التصادم يظهر مع إيران في ساحة العمل السورية، ولم يكن ممكناً مسايرة النهج الإيراني، ولا العمل في ظل الأسلوب الذي تتبعه طهران، ذلك أن حسابات موسكو تختلف، كما أن شبكة مصالحها وعلاقاتها تتناقض مع الطريقة الإيرانية. ولم يكن أمامها سوى الرضوخ والعمل تحت جناح إيران، بما يعنيه ذلك من انخراط أكبر في الحدث السوري، ومعاداة طيف واسع من الأطراف، وخصوصاً دول الخليج، والدخول تالياً في صراعاتٍ مكلفة على أكثر من صعيد، وهو ما لا يتناسب وتوجهات موسكو، ولا طاقاتها وإمكاناتها.
وبالتأكيد لم تكن تركيا بوضعية أفضل للعمل في الساحة السورية، كما أن التداعيات بدأت تمسّها بدرجة خطيرة، وهو ما دفعها إلى إعادة حساباتها، وتجاوز ما كان يعتبره الرئيس رجب طيب أردوغان تنازلاً، أو مسّاً بالكرامة التركية، خصوصاً أن إيران استفادت كثيراً من توتّر العلاقات التركية الروسية، عبر محاولتها تغيير الأهداف الروسية في سورية، وتحويلها إلى سياساتٍ تصب في مصلحتها، وتحييد الدور التركي نهائياً.

ثمّة مؤشرات عدة على أن المرحلة السورية المقبلة تنطوي على متغيراتٍ كثيرة، منها وفي مقدمتها ضبط الدور الإيراني التخريبي، وتحجيم مفاعيله، بعد أن بلغ ذروته في الخراب والدمار، ولا شك أن ذلك سيتم بتقليم أظافر أذرع إيران عبر رفع الدعم الروسي عنها، وتحديد مساحة حراكها، خصوصاً بعد أن انكشف مقدار ضعفها وقدرتها بدون الدعم الروسي. ولا شك أن ذلك مصلحة إيرانية، فإيران التي استنزفت في سورية والعراق، ولم تحقق ما تشتهيه من قضاءٍ على المكونات المعارضة لها ستكون رابحة، إذا أجبرت على عقلنة سياساتها، والخروج من هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه، ولو بذريعة عدم قدرتها على معاندة القوى الكبرى الإقليمية والدولية.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
عن خرافة تحكّم موسكو بمصير الأسد

مثل كل الخرافات التي بنتها روسيا، في عهد القيصر فلاديمير بوتين، عن حجم تأثيرها ومدى فعاليتها، لا تخرج القضية السورية عن محيط عالم الوهم المؤسس على دعاية سياسية تنطوي على بعض أشباه حقائق وتكمل بقية بنيتها بسردية رغبوية، لا تختلف عن سرديات الخرافة سوى ان الأخيرة تدّعي أنها جرت في عالم مضى في حين أن سردية موسكو تحكي عن عالم سيأتي تحدّد روسيا ليس ملامحه وحسب بل شخوصه وميادينه وطبيعة النقلات التي ستحصل على رقعته.

نحن نستطيع إزاحة بشار الأسد، لكننا يستحيل ان نفكر في إجراء هذا الأمر في الوقت الحاضر، وقد يستغرق ذلك سنوات. والسؤال: لمن هذه الرسالة؟ بالنسبة الى الأطراف الخصوم لروسيا يتوجب عليهم أن يأخذوا الشطر الأول ويبنوا سياساتهم تجاه روسيا فوق هذا المدماك، وبناءً عليه يجري تأسيس مناخ تفاوضي بما فيه من أوراق تفاوض للأخذ والعطاء مع موسكو وتحديد العناصر التي يجب التنازل عنها مقابل هذا الطرح ونوع المكافأة التي ستحصل عليها موسكو بالإضافة إلى إعادة التفكير بصياغة انماط الصراع في سورية وشكل التحالفات. اما الشطر الثاني من التصريح فلا يحمل أهمية كبرى وهو ليس أكثر من لزوميات التفاوض، او حتى مجرد لازمة تقال في مثل هذه المناسبات.

بالنسبة الى حلفاء نظام الأسد، فإن الكلام الروسي واضح ولا لبس فيه: لن نتخلى عن بشار الأسد لسنوات مقبلة، وعلى ذلك فإن عليهم الآن أن يعيدوا ترتيباتهم اللوجستية والنفسية حيث لم يعودوا محكومين بأفق زمني قصير يثبّتون خلاله أوضاعهم وإلا فإن السياق سوف يتغير والأمور ستأخذ منحنيات مختلفة. إذاً كل الجهود يجب ان تكرّس من اجل تعطيل عملية السلام الجارية والاستعداد للحرب الطويلة تحت مظلّة الحماية الروسية، الشطر الأول لن يعني كثيراً هنا، ليس أكثر من محاولة للتغطية على الصدمة التي يتضمنها الجزء الآخر من التصريح.

يقع هذا النمط من التصريحات السياسية بين التذاكي السياسي الذي يحاول جر الأطراف الأخرى إلى فخاخ تفاوض غير ملزم، وبين الذهاب بعيون مفتوحة إلى الدخول في مأزق الحرب السورية التي طالما تحاول روسيا إدارتها عن بعد وتتجنب الغرق في مستنقعها، وبدل أن تجني روسيا ثمار هذا التذاكي من طرفي الأزمة، وفق تقديرات خبرائها، فإنها تضع نفسها بين مطرقة الخصوم الذين سيتعاملون بجدية مع كلامها بأنها تستطيع تنحية بشار الأسد وأن كل مجزرة سيرتكبها بعد هذا التاريخ وكل خراب سيحصل في سورية ستكون شريكة فيه لأنها كانت تستطيع وقفه ولم تفعل، وبين سندان حلفاء النظام الذين سيطالبونها بالوفاء والتزامها بضمان بقاء الأسد لسنوات وسيحثونها على تقديم ترجمة فعلية على الأرض، ذلك ان استمراره يتطلب مساعدته في السيطرة على كل سورية وفقما يرغب الأسد ويريد.

لكن دع عنك ما تسوّقه روسيا عن نفسها وهو يدخل في تقنيات بناء السردية أكثر من كونه توصيفاً حقيقياً لحجم التأثير والفعالية. هل تملك موسكو بالفعل مفاتيح التحكم بماكينة الحرب السورية وتستطيع تالياً وقف آليات تشغيلها والسيطرة على مفاصلها؟ الوقائع تقول إن رقعة الشطرنج السورية أعقد من قدرة لاعب أو إثنين على التحكم بنقلاتها، وإن أكثر اللاعبين تأثيراً لا يستطيع تحريك أكثر من عدد محدود من الأحجار، وأن اللعبة لو كانت بالسهولة التي تدعيها روسيا لانتهت قبل حضورها وإنخراطها بمجرياتها، ثم ان التأثير والفعالية الروسية تنحصران ضمن قطاعات محدّدة ولا تتجاوزانها، تماماً مثل بقية اللاعبين الذين لديهم قوة وفعالية في قطاع معين ويفتقدون أي تأثير في قطاعات ومناطق أخرى.

الكلام الروسي يثبت وجود إشكالية لم يلتقطها الخبراء الروس جيداً وأوهموا إدارتهم بها، وهي حجم الفوضى التي تنطوي عليها الحرب السورية، وقد وصل إلى حد أن من صنع خريطة الفوضى في سورية لم يعد يعرف مسالك الطرق فيها، حتى بشار الأسد نفسه الذي يتحدث الروس عن إزاحته لا يملك هو ورجاله السيطرة المطلقة على العاصمة دمشق، حيث وضمن مساحة لا تتعدى عدداً محدوداً من الكيلومترات بجانب قصره تتوزع السيطرة بين أفرع مخابراتية سورية عدة، وميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وأحزاب ومتطوعين من البلاد العربية، وكل منطقة لديها إدارة وخطط وأوامر منفصلة عن الأخرى، وفوق هذا وذاك، لديها أهداف وأولويات ليست واحدة، يجمعها فقط عدو مشترك، لكنها تختلف في كل شيء، وهي ليست ملتزمة بالحل السياسي في سورية، كما انها استطاعت وبفضل الفترة الزمنية التي قضتها في مناطق تواجدها ونفوذها تشكيل بيئات حاضنة وموالية لها وتجذّرت هي نفسها في الصراع وغدت جزءاً من نسيجه.

هل تستند روسيا إلى واقعة مفاجأة بشار الأسد بدخول وزير دفاعها سيرغي شويغو قصره من دون علمه؟ عليهأ ان تتذكر ان قاسم سليماني دخل في التاريخ نفسه إلى حلب وخرج منها من دون معرفة الأسد أيضاً، كما ان الأسد نفسه لا يعلم شيئاً عن القادة الأفغان والباكستانيين الذين يحكمون قطاعات واسعة من دمشق، فذلك ليس مؤشراً كافياً عن مدى تأثير الروس وسطوتهم في سورية.

الواقع أن روسيا ربما تستطيع بعد سنوات من الآن ان يكون لها حجم التأثير والفعالية الذي تدّعيه، لكن شرط أن تكثف انخراطها أكبر بكثير مما عليه الآن، وبعد ان تعمل على تفكيك خريطة الفوضى الهائلة في الميدان السوري، وبعد أن تتكبد عناء وجهداً لا يستطيع أحد تقديرهما، أما في هذه اللحظة فإن خبراءها لا يستطيعون التحكّم بأكثر من بوابات مطار حميميم.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
«شريط حدودي» يشمل حلب لحماية «دولة حزب الله»

يرى محللون دوليون أن القوات الإيرانية في سورية وصلت إلى وضع شبيه بوضع القوات السوفياتية في أفغانستان في العام 1985، عندما عجز السوفيات عن تحقيق انتصار حاسم على «المجاهدين» الأفغان، مع فارق مهم، هو أن الإيرانيين لا يملكون خيار الانسحاب مثلما فعل السوفيات عندما بدأت خسائرهم تتصاعد وموازنتهم تتقلص.

ولهذا، يرى المحللون أنفسهم أن المنحى الحالي للهجوم الذي تشنه إيران وتوابعها في منطقة حلب سيستمر في التصاعد مستفيداً من الدعم الجوي الروسي، وسيشمل تطهيراً مذهبياً يؤدي إلى تدفق كبير وجديد للاجئين إلى كل من تركيا التي تم «تحييدها»، وإلى لبنان والأردن.

ومع أن هذا التحليل يحاول تبرير سعي واشنطن الحثيث للتوصل إلى اتفاق مع موسكو، باعتبار أنها تمسك بورقة التفوق الجوي، على «خريطة طريق» للحل قبيل انتهاء ولاية أوباما بأشهر، فإنه يصيب في توقعه استمرار معركة حلب وتصاعدها، لأن هدف الوجود الإيراني في سورية في المقام الأول ليس ضمان استمرار نظامها، بقدر ما هو حماية «حزب الله» في لبنان، ولأن انسحاب طهران سيعني فشلاً تاماً لمشروع فرض نفسها طرفاً مهيمناً في المعادلة الإقليمية، والذي بدأ مع وصول «آيات الله» إلى السلطة في 1979.

فالاتفاق الذي تحدث جون كيري عن التوصل إليه مع نظيره لافروف يندرج في مصاف التمنيات، مستنداً إلى مبدأ «تبادل الخدمات»، من دون أي ضمان بالتزام روسيا تنفيذ الجزء المتعلق بها، تماماً مثلما حصل في توافقات سابقة (بيانا جنيف 1 و2)، سرعان ما خرج الروس بتفسيرات لها تتباين مع التفسير الأميركي، ولم يأخذوا منها سوى الجزء الذي يصب في مصلحتهم ومصلحة حلفائهم السوريين والإيرانيين.

وجاء كلام كيري عن الاتفاق كأنه صادر عن مسؤول منظمة للإغاثة، ليقتصر على «تعزيز وقف الأعمال القتالية» و «تحسين إيصال الطعام والدواء والاحتياجات الإنسانية»، بالإضافة إلى «تنسيق العمل العسكري المشترك ضد جبهة النصرة وداعش».
وفي حين قدم الجانب الأميركي تنازلاً عملياً بإعلان التنسيق مع الروس في الحرب على «النصرة»، بعدما كان يتمنع عن ذلك بسبب تداخل مواقعها مع مواقع المعارضة المعتدلة، بقي الحديث عن معركة حلب في مجال «ضرورة إنهاء محاولات حصار المدينة»، فيما هي باتت محاصرة بالفعل.

وهذا ما دفع الأوروبيين إلى محاولة لجم الاندفاعة الأميركية نحو «الحل الروسي» الذي يرفض أي نقاش حول مصير الأسد ونظامه ويمنح موسكو هامشاً واسعاً في تحديد مسار التطورات على الأرض.

فإدارة أوباما التي تسلم الراية قريباً إلى رئيس جديد، لن تقدم على أي تغيير مفاجئ في استراتيجية الاكتفاء بالحرب الجوية على «داعش» وتجنب أي ضغط على الجيش النظامي وطيرانه أو على حلفائه. والواقع أن الأميركيين ميالون كثيراً منذ البداية إلى الأخذ بحجج الروس التي تدعي أن رحيل الأسد سيعني انهيار ما تبقى من مؤسسات في سورية، وهي حجج تتقاسمها معهم إسرائيل التي لا تعارض استنساخ إيران لتجربتها في جنوب لبنان، عندما احتلت شريطاً حدودياً وحولته منطقة عازلة لحماية مناطقها الشمالية، لأن سجل النظام السوري في الجولان يطمئنها.

فالهدف الأساس للقوات الإيرانية حالياً إقامة شريط مماثل في سورية يشمل حلب بالطبع، ويحيط بلبنان من الشرق والشمال، تكون وظيفته، بالإضافة إلى منح العلويين «دويلة» أو «حكماً ذاتياً»، حماية «دولة حزب الله» القائمة في لبنان من «خطر الاجتياح السني». أما الروس فيرون في قيام هذا الشريط ضمانة لبقاء قواعدهم العسكرية، القديمة والمستحدثة، في سورية، فيما الأميركيون منهمكون بإقناع حلفائهم بأهمية أن يتلاءم توسيع الحرب على الإرهاب مع قائمة المطالب الروسية المرشحة للازدياد.

اقرأ المزيد
٢١ يوليو ٢٠١٦
أيهما أولى بالتغليب "النصرة" كتنظيم أم السوريون كشعب !؟

بعد ساعات على تأكيد الاتفاق الأمريكي – الروسي ، عبر نشر المسودة و تداولها ، خرجت جبهة النصرة عن صمتها معلنةً أن استهدافها هو استهداف للثورة السورية، داعية لموقف "تاريخي" لفصائل الثوار اتجاهها، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة ، و أكثرها إلحاحاً لماذا يطلب من الجميع التوحد لنصرة الثورة السورية ، بينما ترفض "النصرة" التنازل و التماهي مع سواد الشعب السوري !؟

لعل الإجابة على هذا التساؤل بحاجة لبعض التوضيحات سواءً من جهات طبيعة الاتفاق الأمريكي – الروسي ، أم من جهة ما تم تداوله عندما كان الاتفاق عبارة عن تسريبات التي فُسرت كجس نبض.


الاتفاق الذي كان معادياً تماماً للثورة السورية ،منح قوات الأسد صفة المشارك في العمليات العسكرية المشتركة ضد جبهة النصرة و تنظيم الدولة ، مما يعني إخراجه من دائرة الأعداء إلى دائرة الحلفاء ، في حين أكدت المسودة ضرورة "هزيمة" جبهة النصرة و تنظيم الدولة ، من خلال التنسيق الكامل بين الطرفين ، و تركز المسودة على محاربة النصرة والتي ذُكرت في أكثر من سبع فقرات بينما ذُكر تنظيم الدولة في فقرتين فقط، في حين لم يتم ذكر حماية المعارضة السورية إلا في بند واحد .

أما رد الفعل على التسريبات فكان أهمها من أبرز منظري الفكر السلفي الجهادي أبو محمد المقدسي الذي قال في إحدى تغريداته أن " مسمى(جبهة النصرة)أو غيره إن صار عائقا أو سببا لاستهداف أهله فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلا عن قرآن وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه"

في حين بيّن الباحث الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي ، في سلسلة تغريدات تحت عنوان "أدركت" ، منهجاً يجب اتباعه في الوقت الراهن بقوله :”وأدركت الآن أن ( المواجهه) مع ( النظام الدولي) غير متكافئه وتقود إلى الهزيمه . وأن ( التعايش) معه و( التفاوض) معه ربما هو ( المخرج) الوحيد”

إلا أن الأمور لم تسر وفق تسلسل اقترحه أشخاص أرادوا العمل بسياسة شرعية تمكنهم من تجاوز هذه العاصفة ، التي عتت و قويت بالاستفادة من اجرام داعش ، فخرجت اليوم جبهة النصرة برد عبر الناطق باسمها "أبو عمار الشامي" الذي بيّن أن الهدف من استهداف النصرة هو استهداف الثورة السورية ، و أن إنهائها لن يرضي أمريكا بعده سوى الإذعان لحل سياسي يرجح في كفة الأسد وحلفائه.

رسائل أبو عمار حملت في طياتها طلب مؤازرة و تقديم الدعم من الفصائل و عدم " الخذلان لإخوانكم وإضعاف لقوتكم" ، و لكن دائماً ما تطالب النصرة من الجميع المساندة و الدفاع عنها أمام العالم بأسره ، و حتى في المعارك ، دون أن تلزم نفسها بأي شيء أو تقبل أو ترضخ للمطالب العديدة سواء أكانت شعبية أو فصائلية أو شرعية و ليس بخافٍ على أحد و حتى دولية ، لخلع ثوب القاعدة ، والاندماج مع سواد الشعب السوري ، الذي قررت الدفاع عنه ضد نظامه "الفاجر".

كثيراً هم من سيخرجون ليس دفاعاً عن النصرة ، و إنما للهجوم على شخصي أو المكان الذي سينشر فيه هذا الكلام ، دون أن يكلفوا أنفسهم و لو للحظة أن يتساءلوا متى انتهجت النصرة مساراً يرضي الغالبية العظمى من الشعب السوري ، و قررت تغليب مصلحته على مصلحة التنظيم الذي يملك خطط و مشاريع لم يتمكن من تحقيقها على مر التاريخ .

اقرأ المزيد
٢٠ يوليو ٢٠١٦
تحالف «داعش» وبشار

على السطح يبدو التحالف بين بشار وتنظيم «داعش» الإرهابي غير محتمل وحتى غريباً، فالطرفان ليسا فقط خصمين ولكن الاختلاف بين ماهية كل منهما قوي.. على الرغم من استخدام البعض لمصطلح «الدولة الإسلامية» الذي يطلقه البعض على التنظيم، فإن «داعش» ليس بالمرة دولة، بل هو في نظر الجميع منظمة إرهابية وحتى بربرية بسبب ممارستها للذبح على شاشات التلفزيون، وبسبب شعور عناصر التنظيم بالفخر بسبب هذه البربرية.. ومع أن ممارسات بشار في قتل شعبه تُثير الاشمئزاز أيضاً، إلا أن سوريا ليست فقط دولة معترف بها، ومع أن مقعد سوريا في الجامعة العربية لا يزال شاغراً حتى تتغير الحكومة، بل إن هذه الحكومة لا تزال ممثلة في الأمم المتحدة، وتتمتع بحلفاء أقوياء إقليمياً ودولياً مثل إيران وروسيا.

علاقة التحالف في هذا المقال هي غير صريحة أو علنية ولكنها قوية، ونسميها في العلوم السياسية Freind Enemy أو الأصدقاء الأعداء، والتعبير الإنجليزي الدارج والأكثر شيوعاً هو Strange Bedfellowrs أو رفاق الفراش الغرباء، ويتفق التعبيران على أن رفاق الفراش هؤلاء هم فعلاً أعداء، ولكن في النهاية تقوم أعمالهم، عن عمد أو عن غير عمد، بتقوية ما يبدو الخصم والذي ينبغي القضاء عليه، هي ظاهرة عامة في العلاقات الدولية وحتى الشخصية.

ولنوضح هذه الظاهرة بتطبيقها على حالة «داعش» وبشار، عندما بدأت الاحتجاجات السورية ضد نظام بشر ثم تطورت إلى حرب أهلية منذ نحو خمس سنوات، توقع غالبية المحللين بقرب سقوط النظام السوري، مثله مثل سقوط بن علي في تونس أو مبارك في مصر أو القذافي في ليبيا أو صالح في اليمن، وحتى مع استمرار هذه الحرب لتكون أكثر دموية، فإننا نحن المحللين لم نغير من توقعاتنا واعتقدنا أن سقوط الأسد أو هربه خارج البلاد كما فعل بن علي ما هو إلا موضوع وقت.

في عامه الخامس من هذه الحرب الدامية، لا يبقى الأسد فقط في مكانه، بل إن مقاومة نظامه بدأت تقل، خاصة خارجياً، هناك بالطبع التدخل الإيراني والروسي على الأرض، فإذا لم يكن هناك جنود «حزب الله» وكذلك بعض قوى الجيش الثوري الإيراني لما استطاع بشار المقاومة كل هذه المدة، ثم جاء الدعم الروسي المباشر أيضاً بالسلاح والمستشارين ليس فقط لضمان بقاء الأسد، ولكن أيضاً لدعمه دولياً بحيث إنه الآن في اجتماعات جنيف أو غيرها ليس مستعداً لتقديم أية تنازلات.

ما يحدث حالياً هو أن جبهة المقاومة الدولية ضد بشار بدأت تضعف وحتى تتفتت، وآخر مظاهرها هو الموقف التركي، حتى قبل محاولة الانقلاب في أول الأسبوع، وتصريح رئيس الوزراء بما يعني عدم اشتراط مغادرة بشار الحكم فوراً للوصول إلى حل للأزمة السورية، أعتقد أن فرنسا، حتى قبل مذبحة نيس، قد تكون هي الأخرى في الطريق، بقيت الولايات المتحدة، وهذا يعتمد على نتائج زيارة كيري الحالية إلى موسكو.

نظرية موسكو التي تلقى قبولاً أكثر وأكثر هي أن الخطر الأكبر في سوريا ليس نظام بشار ولكن وجود «داعش» واستمراره، بمعنى آخر أن الأولوية الكبرى هي مواجهة داعش وهزيمته دون تفتت قوى المقاومة بين محاربة بشار ومحاربة «داعش»، بل تذهب موسكو أكثر من ذلك وتقول إنه لمواجهة «داعش» يجب التحالف حتى مع الشيطان، وأنه على الأرض السورية هناك احتياج كبير إلى قوى النظام السوري وجيشه فعلياً وقتالياً، وهكذا يتم رد الاعتبار لنظام بشار بل محاولة العمل معه كحليف في المعركة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي البربري.

صراحة بالنسبة إلى نظام مثل بشار (أو ترامب واليمين الأميركي والأوروبي عامة)، لو لم يكن هناك «داعش» لتبرير سياساتهم وتوجهاتهم التي لا تقل سوءاً أحياناً عن «داعش»، لحاولوا بالوسائل المختلفة قيام «داعش» ومثيلاتها، فهل سيستطيع المستقبل القريب كشف الستار عن تعاون ما على الأرض بين نظام بشار و«داعش»، بمعنى أن غرباء الفراش تجمعهم بعض المصالح المشتركة؟

اقرأ المزيد
١٩ يوليو ٢٠١٦
ماذا لو كانت إيران مسالمة؟

منذ قيام ثورة الملالي والعالم لم يهدأ ولم تمضِ سنة على المنطقة بسلام دون أن تكون فيها حرب ساخنة، أو باردة، بين الملالي وكل من يجاورهم من مختلف الأطراف والأطياف التي لا تنتهج نهج طهران، ولا تقبل تدخلاتها، وثورتها، ولا توجد لديها قناعة بتصديرها للخارج.

إن تأجيج الحروب والصراعات المذهبية، والتدخل في شؤون الغير، وتمويل المليشيات الإرهابية، أعمال انخرط فيها النظام الإيراني لزمن مديد، والسؤال هنا: ماذا لو كانت إيران دولة سلام؟ ماذا لو راهنت على خيار التعايش والتعاون، وابتعدت عن كل أشكال التدخل والتغول ومحاولات التمدد الإقليمي على حساب الآخرين؟ دعونا نتخيل شكل المنطقة من دون مشاكل إيران، التي أدخلت أنفها في كل شاردة وواردة، ولم تدع بلداً قريباً منها ولا بعيداً، إلا وسعت فيه بالخراب والدمار.

إن الاستقرار والسلام الذي تطمح إليه المنطقة غير ممكن مع إيران في ظل وجود أجندات خفية وأيدٍ عابثة في حياة شعوب ودول المنطقة، رغبة في السيطرة وفرض نفوذ طهران، وسعياً لتغيير كل مفردات معادلة النظام الإقليمي بما يتماشى مع معتقدات الملالي وطموحاتهم.

وبالأمس القريب انفضت وانقضت فعاليات مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخير بمشاركة أكثر من 100 ألف من أبناء الجاليات الإيرانية المنتشرة في مختلف دول العالم، الذين طالبوا فيها ورددوا بصوت واحد وواضح أمام الملأ «الشعب يريد إسقاط النظام».. وأي نظام كانوا يطالبون بإسقاطه؟ نظام «ولاية الفقيه»، بما هو، ومن حيث هو، جملة وتفصيلاً.

وبعبارة أخرى، فهذه السلطة المذهبية التي حكمت إيران وجرّت البلاد والعباد فيها نحو وحْل الصراعات والنزاعات ودعم الإرهاب، مع ممارسات أخرى لا تغتفر في حق الشعب الإيراني نفسه وشعوب الدول المجاورة بغية الوصول لأهداف استيطانية توسعية، لم تكترث ولم تبالِ بحق الجيرة، ولا حتى بالحقوق الإنسانية الأساسية، وأولها الحق في الحياة والأمان والعيش الكريم.

بل على العكس فنظام الملالي منذ قيام الثورة في عام 1979 وهو يرتكب ممارسات بالغة القسوة بحق الشعب الإيراني، مع نزعة ومسحة طائفية طاغية ومحاولة تشييع كل الشعب، طوعاً أو كرهاً، وتطهير طائفي في كثير من المناطق من السُّنة، بالجبر والإكراه. والحجم السكاني للسُّنة في إيران، حسب الإحصاءات المعلنة، أنهم يشكلون 10% من السكان، إلا أن المعلومات غير المعلنة، والمرجّحة، تؤكد أنهم يشكلون ثلث حجم السكان البالغ عددهم أكثر من 70 مليون نسمة، متوزعين بين التركمان والبلوش والأكراد، والعرب في الأحواز العربية.

ارتكب نظام الملالي الكثير من الانتهاكات بحق الإيرانيين من أبناء المجموعات العرقية والمذهبية الأخرى، فبدأ بالتنكيل بهم والسعي لتغيير ديموغرافية أراضيهم، بما يتماشى مع أهوائه، فسجلت وتيرة الإعدامات أرقاماً قياسية بحق كل من يخالفهم في الأحوازيين مثلاً بتهم واهية غير منطلية على أحد، ودون استيفاء أي شروط للمحاكمات القانونية أو المحاكم المستقلة.

وبدلاً من ذلك تتفشى الاعتقالات العشوائية ومحاولات فرض الثقافة الفارسية على الفئات الأخرى، واستقدام مئات آلاف المستوطنين من العمق الفارسي، وبناء المستوطنات لهم، وتوفير فرص العمل، وكل مستلزمات الحياة الكريمة، وفي المقابل شد الوثاق وخنق الرقاب ضد كل من يختلف عن مذهبهم. هذا عدا التدمير المتعمد للبيئة، عبر تجفيف وحرف مسار الأنهر الأحوازية، ما تسبب في العواصف الترابية في الفترة الأخيرة، وانتشار الأمراض المستعصية، مثل السرطان بكل أنواعه. وكذلك اغتصاب الأراضي الزراعية وتوزيعها على المستوطنين الفرس، وبناء مشاريع استيطانية إحلالية عليها، ونشر المخدرات بين الشباب الأحوازي، وحرمان الأحوازيين من فرص العمل.

وعلى صعيد نشاطها العالمي فقد نجحت في نشر التطرف الديني، وإشعال نار الطائفية في بعض الدول المحيطة بها، وتأجيج الصراع المذهبي، واحتضان الإرهابيين ودعمهم ومدهم بالسلاح والعتاد واستخدامهم كوكلاء حرب بدلاً عنها.

ولو جاء نظام عصري متطور يواكب العالم الحديث ويسعى للبناء والتعمير وتحقيق الحضارة، فدون أدنى شك، سيكون المستقبل أفضل لشعوب المنطقة والعالم، وسيضمن ذلك استقراراً حقيقياً وتنمية مستمرة وتحقيق نهضة مستدامة في جميع القطاعات. والعراق بلا شك سيهدأ ولن تجد الجماعات الإرهابية داعماً أو ممولاً للخراب والإرهاب، وستنتهي في الواقع كل مظاهر الصراع والنزاع في بلاد الرافدين. كما أن سوريا سيكون مصيرها أيضاً إلى الاستقرار بعد حرب أهلية طال أمدها وتجاوزت عامها الخامس بسبب دعم الملالي للإرهاب فيها، ومحاولة تأجيج الفتن لأغراض مذهبية عنصرية، وتحقيق أهداف توسعية على حساب الطرف الآخر راح ضحيتها أكثر من 11٪ من الشعب السوري، فضلاً عن إصابة الملايين ونزوح 45٪ من عدد سكان سوريا بحثاً عن مأوى أو ملجأ آمن.

وحتى الوضع في اليمن لم يسلم من عبث الفرس، حيث زرعوا الفتنة ودعموا رؤوس الإرهاب «الحوثيين» وعاثوا فيها فساداً إلى أن حولوها إلى جحيم، ولولا تدخل التحالف الحازم الحاسم لكانت البلاد الآن في عداد الخراب، كما آلت إليه حال بعض البلدان الأخرى التي ابتُليت بالتدخلات الإيرانية، وشرور الصراعات والحروب الأهلية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان