مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٩ يناير ٢٠١٧
ماذا لو وقع انقلاب في سورية؟

ثمّة سيناريو في سورية أعتقد أن التطورات ذاهبة إليه، أرجو أن لا يكون في ما سأقوله حوله كلمة واحدة صحيحة. وإذا كنت أحذر منه، فلاعتقادي أن واجبي الوطني يلزمني بلفت الأنظار إليه، على الرغم من أن علاماته ليست واضحة بعد، وقد تكون نتاج أوهام وأخيلةٍ يمليها عليّ الخوف من مصير تقرّره موازين قوى، لن يحقق الشعب السوري في ظلها بعض ما كان يصبو إليه. هذا السيناريو، يضمر تحولاً انقلابياً عن ما سميناها الثورة، يرجح أن يكون تنفيذه موضوع الفترة المقبلة، بالقوى العسكرية التي تملكها الفصائل وتلك التابعة للنظام، وإليكم الأدلة التي أظنها تؤكد ذلك:

1ـ كان الروس يستطيعون سحق فصائل حلب، لكنهم لم يفعلوا. وكان من المتوقع، والمخطط له إيرانياً وأسدياً، أن تلي هزيمة الفصائل معركة نهائية ضدها في إدلب، تقصم ظهرها وتطوي صفحة الثورة، ولا تبقي منها غير بؤر متفرقة تسهل تصفيتها، سيعجل انهيارها في انهيار غوطة دمشق، لكن هذه المعركة الفاصلة لم تقع، لأن الروس اتفقوا مع الأتراك على منعها.

2ـ إذا كان الروس قد وضعوا خطاً أحمر منع إيران والنظام من تجاوزه حيال عسكر المعارضة، فلأن موسكو بلغت، بما صنعته في حلب، الوضع الذي يجعلها قادرةً على تحقيق ما تريده في سورية، وتحجيم أي طرف يعارضها أو يتصدى لها وإضعافه، وخصوصاً النظام وإيران. بوضعها هذا، لم تعد لروسيا مصلحة في مساعدة الملالي والأسد على تحقيق انتصار نهائي على عسكر الفصائل، بدعم من طيرانها، بما أنها غدت صاحبة قرارٍ بالنسبة لأوساط عسكرية فاعلة ومؤثرة في النظام. وقد تعاونت تركيا مع الروس في ما يتصل بقرار الفصائل التي تحولت بذلك إلى جهة لديها شرعية سياسية، تؤهلها للتفاوض على مصير الثورة، بعد أن كانت للتفاوض مؤسّسة محدّدة هي "الهيئة العليا" بأطيافها المعارضة المتنوعة التي يغلب عليها الطابع السياسي. بهذا التطور، حمت روسيا، بشروط، من كانت تستطيع تعريضهم للهزيمة، وتولت تركيا تقرير مواقفهم بمشاركتهم، وإلا فبالنيابة عنهم، لتكتمل بذلك الشروط الضرورية لنجاح اجتماع أستانة، ولقلب أوضاع الجميع وسياساتهم وأدوارهم رأساً على عقب، بما في ذلك سياسات وأدوار الفاعلين والمتصارعين الرئيسيين في سورية وعليها، روسيا وتركيا وإيران والنظام.

3ـ إذا كان قد تم إعداد المسرح بضمانة روسيةٍ تحمي عسكر الفصائل من حل عسكري، وضمانة تركية تكفل قبولهم ما صارت له الأولوية في أي حل قادم، مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين، ما الذي ينقص لإنجاز "السلام" غير قبول عسكر النظام ما سيقبل به العسكر الفصائلي؟ وماذا سيحدث إن كان هناك مثل هذا القبول، الافتراضي تماماً على الطرف الآخر؟ أعتقد أنه سيكون هناك حل له ضحيتان، بشار الأسد الذي يتمسك به نظامه، وتطالب المعارضة برحيله، والنظام الديمقراطي الذي تطالب المعارضة به، ويرفضه نظامه.

4ـ والآن، إذا دخل عسكر الفصائل وعسكر الجيش إلى مشروع تحمله مؤسسة عسكرية/ أمنية متداخلة، ورحل بشار ترضية للشعب، وسقط الخيار الديمقراطي ترضية للنظام، ما الذي سيبقى من أخطار سورية، تخشاها وترفضها إسرائيل وبلدان عربية شقيقة؟ وعن أية ثورة سيمكن الحديث بعدئذ؟ ألا نكون قد دخلنا نحن أيضاً إلى حلقة النظم الانقلابية التي ترتبت على فشل، أو أفشلت الثورة في مصر واليمن وليبيا؟ ألا يكون الوضع الجديد خير وضعٍ يلبي مصالح روسيا، ويكفل حضورها الدائم في بلادنا، بقبول الطرفين المسلحين، الأسدي والفصائلي؟ وماذا يبقى من صعوباتٍ لإنجاز نمط من الحكم تديره روسيا، لإيران فيه حصة، وإن كانت أصغر بكثير من حصتها الحالية، ولتركيا أيضاً، مع أنها ستكون أكبر من حصتها الراهنة، ولأمراء الحرب من الجهتين السوريتين المتحاربتين حق القرار في معظم ما يتعلق بالشأن السوري، بينما سيتمكن الروس من لي ذراع وعنق كل من يرفض الوضع الجديد أو يقاومه، وسيحافظون على الحد المطلوب دولياً وإقليمياً وعربياً وداخلياً من الاستبداد الذي سمح العالم للأسدي منه بقتل وجرح وذبح حوالي ثلاثة ملايين سوري، لأنهم تمردوا عليه، وطالبوا بتغييره.

5ـ لم يسمح الروس بسقوط مهزومي حلب، لكي لا يسقط مشروعهم المتمذهب، المعادي لحرية الشعب السوري ووحدته، أي لمشروع الثورة الأصلي، والذي تبنى مواقف من الثورة تكمل سياسات الأسد ومواقفه، ولم يحمل السلاح ليبلغ الشعب حريته، بل حمله لكي لا ينالها، فما ومن الذي سيمنع قيام النظام الجديد على هذه الأرضية المشتركة، وسينجح في التقاط الثورة من الهوة التي سقطت فيها، واستئنافها بقوة تيار أو تجمع سوري ينطلق من رهاناتها الأولى، بينما كان سقوط مهزومي الفصائل سيعني فتح الباب لاستعادة الحراك في نسخته الأولى التي رفضها منذ بدء التمرد المجتمعي والسياسي من سيقبلون النظام الانقلابي الجديد؟

6ـ إذا كان عسكر مصر واليمن وليبيا هم الذين احتووا الثورة، أو كلفوا باحتوائها، ما الذي يمنع عسكر النظام والفصائل من القيام بهذه المهمة؟
7
ـ قلت إنني أرجو أن لا تكون هناك كلمة واحدة صحيحة في هذا الذي أقوله. ولكن، إذا كانت الأمور ستذهب حقاً في هذا المنحى، فإنه لن يبقى لنا غير المبادرة بكل جديةٍ لبناء أوضاع ذاتية تعطينا حصتنا المستحقة من وطننا، بعد كل ما قدمه شعبنا من تضحيات. بغير ذلك، لا يبقى لنا إلا أن نصرخ بصوت اليائسين: يا الله، ما لنا غيرك يا الله.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٧
قطار أستانة السوري خط واحد

يبدو أن العاصمة الكازاخية أستانة ستشكل محطة رئيسية على طريق الحل السوري الذي تولت روسيا ترتيب مجرياته، بمساعدة تركيا وإيران. وفي ختام المؤتمر القصير الذي استغرق أقل من 24 ساعة، أعلنت موسكو أن قطار التسوية بات على السكّة، وكشفت عن بعض معالم خريطة طريق، منها ما يتعلق بترتيباتٍ ميدانيةٍ سريعة في إطار التفاهم على مجريات تثبيت الهدنة التي جرى الاتفاق عليها في أنقرة في 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والبعض الآخر يختص بالعملية السياسية اللاحقة التي سقطت منها، كما هو واضح، مرجعية جنيف1 لعام 2012، وحل محلها قرار مجلس الأمن 2254 الذي تولت روسيا صياغته في نهاية 2015، ومن الآن فصاعداً، سيصبح هذا القرار على جدول الأعمال السوري، بداية بمؤتمر جنيف المقرّر أن ينعقد برعاية الأمم المتحدة في الثامن من فبراير/ شباط المقبل.

في ختام مؤتمر أستانة، لم يكن هناك من بين أطراف النزاع من خرج مرتاحاً كلياً، وظهر، من خلال ردود الفعل والبيانات التي أدلى بها وفدا المعارضة والنظام، أنهما لم يتمكّنا من فرض شروطهما على طاولة المفاوضات، وقدّم كل منهما تنازلاً من أجل صدور بيان رسمي نهائي، يتضمن الخطوط العريضة لأهداف المؤتمر، وهي تثبيت هدنة اتفاق أنقرة. وتعبيراً عن عدم رضاها التام عن النتائج، لم تضع المعارضة توقيعها على البيان الختامي، وتركت الأبواب مفتوحةً بانتظار تشكيل آلية تنفيذ الهدنة التي من المفروض أن تباشر عملها بعد ثلاثة أيام.

صحيح أن مؤتمر أستانة لم يتمخض عن نتائج ملموسة مباشرة، لكنه كان أكثر من لقاءٍ من أجل تجديد تعهد الأطراف كافة، المعارضة والنظام والضامنة، على تثبيت وقف إطلاق النار. وعلى ما يبدو، فإن قضية الاجتماع بالنسبة للروس كانت عملية ذات بعد نفسي، من أجل كسر الحاجز، ولذلك أصروا على المشاركة الواسعة من العسكريين الذين يقودون فصائل تقاتل النظام، وكانت عملية وضع هذا العدد الكبير من العسكريين بوجه وفد النظام والجانب الإيراني بمثابة فتح صفحة جديدة في مسار المسألة السورية التي يريد النظام، وحليفه الإيراني، مواصلة القتال من أجل تصفية كل من يرفع السلاح في وجه مشروع الاحتلال الإيراني لسورية. وظهر من ردود أفعال رئيس وفد النظام، بشار الجعفري، أنه جاء بروحية استفزازية، وغادر بمعنويات هابطة، بعد أن تعرّض لتقريع من الروس الذين كان يهمهم نجاح المؤتمر. ولذا حدّ من العنتريات الكلامية التي اتسم بها خطابه في جولات جنيف.

ومن الواضح اليوم أن روسيا مصممة على السير في خريطة الطريق التي وضعتها، وأن أي احتجاجٍ من أي طرف لن يؤثر على مسارها العام. ولذا وضعت جميع الأطراف في قطار واحد، وأمرت السائق أن يسير بالسرعة القصوى، لكي يمنعوا القفز من على ظهر القطار الذين يريدون وصوله إلى جنيف في الموعد المحدد بعد حوالي 12 يوماً. وهم سيعملون، في هذه الفترة، على إعادة خلط الأوراق من جديد، ومثلما كانت أستانة نقلةً في الشكل والمضمون، فإن جنيف مرشحةٌ لأن تحدث صدمةً أشد قوة ذات ارتدادات كبيرة في الداخل والخارج.

بات واضحاً أن موسكو أصبحت صاحبة القرار الوحيدة في الشأن السوري، ولأنها مزمعة على حل يوقف استنزافها عسكرياً، ويؤمن مصالحها الحيوية في سورية والمنطقة، فإنها تتصرّف على أساس رؤية خاصة لإعادة تشكيل المشهد السوري، من خلال خلطةٍ تتيح حالة توازن بين النظام والمعارضة المسلحة، وما يخرج عنهما من أطرافٍ تسميها هي "منصات"، مثل موسكو والقاهرة. وبالطبع، هي لن تتحول إلى طرف محايد، كما وصفها محمد علوش رئيس وفد المعارضة، ولكنها لم تعد أيضاً المدافعة عن مشروع النظام الذي يستمد الحياة من الرعاية الإيرانية.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٧
العرب وإيران والمستقبل

محاولات إيران الدؤوبة لمد نفوذها وتعزيز أوضاعها وزيادة قدراتها وأهميتها وتصدير ثورتها وأيديولوجيتها في كافة دول الخليج العربي ستستمر، وسيتم ذلك انطلاقاً من العراق أولاً، ثم ستمتد إلى بلاد الشام جميعها، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين تمدداً إلى البحر الأبيض المتوسط ثم إلى ما وراء ذلك لو استطاعت إليه سبيلاً. هذا هو منطق التفكير الإيراني كما نقرؤه، وهو أمر لو تمكنت إيران من تحقيقه سيحتاج من جميع العرب العمل على مقاومته بشراسة، فهو فكر يصدر عن قوم تغلب على سلوكياتهم الرغبة في استخدام القوة إن لم يتم شكمهم وتحجيمهم، وتعودوا النظر إلى ذاتهم على أن بلادهم ذات أهمية فريدة منذ قورش الأكبر، وجاء العرب كي يقضوا على تلك العظمة ويحولوهم إلى تابعين على مدى الألف والأربعمئة عام التي انقضت.

وبغض النظر عن حقيقة أن العرب لا يرغبون في التصادم مع إيران في هذه المرحلة فإنه لا يوجد شيء محدد سلفاً أو حتمي، فقد يقع أمر ما أو قد يقع ما هو عكسه، ضمن تداعيات هذا الصدام المحتدم المرتبط بالثقافة السياسية والاجتماعية، وبالمصالح والهوية والبناء والأمن الوطني. وإذا ما كان منحانا هو التفاؤل في علاقاتنا المستقبلية مع إيران فإن التعاون القائم على أسس أمر ممكن، والصدام يمكن تجنبه. إن هذا لا يزال هو الدرس الذي من المفترض أن يكون أصحاب العمائم في إيران قد تعلموه من مآسيهم التي ورثتها لهم الحروب والكوارث التي أدخلوا إيران فيها، رغم أن طبيعتهم هي تجاهل الآخرين واستصغارهم. إن التحدي الآن هو كيف يمكن خلق إطار عمل يمكن ضمنه السيطرة على الصراعات الإقليمية في الخليج العربي، خاصة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي. إن أسس هذا البناء الإطاري قائمة لو أن إيران تخلت عن أوهام العظمة التي تدعيها لنفسها، لكن الأمر الصعب في المسألة هو حقيقة كيف يمكن لإيران جعل ذلك فعالاً وعملياً وبناءً عن طريق التعاون مع دول المجلس انطلاقاً من نوايا حسنة تتبناها.

إن كلاً من دول المجلس وإيران يمكن لهما لعب دور حاسم وبناء في تحقيق ذلك، لكن يبدو أن تاريخ النصف الأول من القرن الحادي والعشرين سيكون متسماً بكيفية رغبة الطرفين في تجاوز عدم الثقة القائم، وتجاوز أولياتهما الوطنية على المدى القصير والانتقال إلى حس جماعي أكثر سعة أفق لتحقيق المصالح. وينطلق مثل هذا القول من أن من مصلحة إيران أن تتصالح مع نفسها أولاً في سياستها الخارجية، وأن تتصالح مع دول المجلس ثانياً، وأن تعرف حجمها الحقيقي المحدود في شؤون الخليج العربي، فرغم كونها أكثر دول الخليج العربي اكتظاظاً بالسكان، إلا أنها في نظر المجتمع الدولي ودول المجلس بشكل خاص، ليست مرشحة لكي تصبح المهيمن الأوحد في الخليج العربي.

ورغم ما تبثه إيران من دعاية إعلامية وشعارات رنانة بأنها القوة الإقليمية المهيمنة، فإنها تعاني وحتى النخاع اقتصادياً، وهي على الصعيد العسكري لا تجاري جيوش دول المجلس تكنولوجياً ومن حيث قوة الأسلحة المتطورة والطيران المتقدم والإعداد القتالي واللوجستي والبنى التحتية والإدارية المتطورة. ومع قيام إيران بتحويل الصراع لكي يصبح قائماً على خطوط طائفية ومذهبية فإن الأيديولوجيا التي تتبناها والقائمة حول الفكر الشيعي الإثنا عشري وولاية الفقيه لا تصلح أسساً للهيمنة في منطقة ذات أغلبية سنية كبيرة. وبعد مرور أربعة عقود منذ قيام الثورة في إيران عام 1979، من المفترض أن يكون قادة إيران مدركين بأنه لا أمل لهم في تصدير ثورتهم إلى دول المجلس. إن هذه الحقيقة تتأكد يوماً بعد آخر على ضوء ما حدث من قلاقل في بعض الدول العربية الأخرى حيث لم يتقمص أي ممن أشعلها الطريقة الإيرانية، أو تتح مجالًا للنفوذ الإيراني الحقيقي. إن عدم الإدراك هذا ينعكس في سياسات إيران الإقليمية التي تقوم على حماية بعض النظم العربية التي لا شعبية أو شرعية لها كـ«البعث» في سوريا والحوثيين في اليمن، فالأول يتضاد إيديولوجياً مع إيران، والحوثيون انقلابيون ضد شرعية ارتضاها الشعب اليمني.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٧
منطقة حظر جوي واستهداف لحزب الله في سوريا ولبنان في عهد ترمب

تواصلت قبل حوالي الشهر مع أحد المقربين من الإدارة الأمريكية مستوضحاً ما تخبئه حقيبة الرئيس ترمب للسياسة الخارجية وتحديداً الشرق الأوسط، فجاء الرد بأن ما سيأتي به ترمب يختلف عن أوباما بأكثر من ١٨٠ درجة وأن السياسة الخارجية الأمريكية للمرحلة القادمة ستعمل على إيجاد الحلول الإيجابية للأزمة السورية وتحديداً اللجوء، فكتبت مقالاً يشرح تفاصيل ما يسعى إليه الرئيس ترمب من إقامة مناطق آمنة داخل سوريا في عدة مواقع على الحدود التركية، والأردنية، واللبنانية، والعراقية لتكون مناطق حظر جوي يُمنع فيها تحليق الطيران أو الاقتراب منها من قبل النظام السوري أو حلفائه ويتم تأمين هذه المناطق بقوات ردع عربية يتم تشكيلها وإرسالها إلى سوريا بالتشاور مع دول عربية ذات تأثير ومقبولة من الشعب السوري وداعمة لثورته منذ انطلاقتها.

‏يعتبر الرئيس ترمب أن سوريا اليوم مفتتة ولا يمكن تحديد من هم الثوار الحقيقيون وأن الائتلاف السوري الحالي مخترق من الإخوان المسلمين والفاسدين والذين فقد الشعب السوري الثقة بهم، وأن أمريكا لن تتعاون معه قبل إعادة تشكيله أو إنشاء ائتلاف جديد يمثل كافة القوى السورية باستثناء الإخوان المسلمين.

‏ويقول المصدر إن المرحلة القادمة ستشهد تباحثاً مع أجهزة أمنية وعسكرية عربية لإنشاء قوات الردع العربية التي ذكرناها لتكون جنباً إلى جنب مع الجيش السوري الحر وتكون هذه الخطة ضامنة لوقف اللجوء إلى دول الجوار وأوروبا وأمريكا وإعادة من لم يحصلوا على اللجوء بشكل دائم إلى سوريا ومساندتهم لبدء حياة جيدة في الداخل السوري والبدء بإعادة إعمار المناطق المحررة التي سيتم إرسال أيضاً قوات ردع عربية إليها إلى جانب فصائل الجيش الحر التي ستقوم بتأمينها.

‏إن الهدف من إرسال ودعم دخول قوات ردع عربية إلى سوريا هو عدم إرسال أي جنود أمريكيين إلى الأرض السورية والاكتفاء بدعم القوات بالمعلومات الاستخباراتية والعسكرية والمستشارين والتمهيد لمفاوضات جادة مع الجانب الروسي لتمهيد تنحية بشار الأسد عن السلطة مع الحفاظ على المؤسسة العسكرية وما تبقى من الجيش السوري الذي تعتبر إدارة ترمب أنه سيعلن ولاءه لأي قوة حاكمة في سوريا حتى لو كانت المعارضة في حال تنحية الأسد وأنه في مرحلة ما سيكون له دور إلى جانب الجيش الحر بحماية المحافظات السورية والإشراف على إعادة الإعمار ومحاربة التنظيمات الإرهابية وحماية المؤسسات الدولية والشركات التي ستدخل سوريا.

‏أما بالنسبة للميليشيات الشيعية الإرهابية التي تقاتل إلى جانب النظام السوري وبالأخص حزب الله فأكد لي المصدر أن إدارة الرئيس ترمب والولايات المتحدة الأمريكية تعتبر حزب الله تنظيماً إرهابياً وتتعهد باستهدافه في سوريا كما تستهدف تنظيم داعش الإرهابي، ويقول المصدر إن الإدارة الأمريكية لن تقبل أن تحارب تنظيماً إرهابياً وتترك آخر ليزداد قوة وهي تعتبر أن حزب الله سببُ جزء كبير من معاناة الشعب السوري وتهجيره وأنه قد حان وقت حسابه في سوريا وبعدها تطبيق قرارات مجلس الأمن بحقه في لبنان وقطع إمدادات إيران بالمال والسلاح عنه ضمن خطة الرئيس ترمب لتعديل الاتفاق النووي معها أو حتى إلغائه بشكل كامل.

‏اذاً وبحسب المعلومات التي وردتنا فإنه يبدو وبشكل واضح أن تغييراً آتياً وسيلمسه الشرق الأوسط خلال الفترة القريبة القادمة وأن اللوبي الإيراني المؤيد للملالي لم يعد له أي اتصال مع إدارة ترمب على عكس باراك حسين أوباما الذي كان مقرباً منهم ودائم الاستماع لنصائحهم بخصوص الشرق الأوسط وسوريا والاتفاق النووي وقضايا لبنان والعراق.

‏بعد كل ما ورد في هذا المقال، أشير إلى أن وكالات عالمية تحدثت الأربعاء عن ظهور وثيقة اطلعت عليها "رويترز" تفيد بأن أمراً تنفيذياً أعد ليوقع عليه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، سيوجه وزارتي الدفاع والخارجية بوضع خطة لإنشاء مناطق آمنة للاجئين المدنيين داخل سوريا وغيرها من الدول القريبة ولكن الوثيقة لم تقدم تفاصيل بشأن المناطق وأين ستقام ومن سيؤمن حمايتها من النظام وحلفائه.

اقرأ المزيد
٢٨ يناير ٢٠١٧
هل تخلت موسكو عن كونها طرفاً في الحرب السورية؟

معيار نجاح، أو فشل، اجتماع آستانة لإنهاء الحرب السورية، وتالياً الديبلوماسية الروسية كلها، يتوقف على الجواب عن سؤال قديم/جديد ما زال يطرح نفسه منذ ستة أعوام: هل توقفت موسكو عن أن تكون طرفاً في هذه الحرب أم لا تزال كما كانت، سياسياً وديبلوماسياً، منذ بدء الثورة ضد نظام بشار الأسد في آذار (مارس) 2011، وعسكرياً، منذ تدخلها في هذه الحرب قبل حوالى عامين؟

لا يبدو أن شيئاً جدياً تغير في موسكو حتى الآن، في ما عدا موافقتها، و «موافقة» دمشق أقله في الظاهر، على وجود معارضة سياسية للنظام وأخرى مسلحة، بعد أعوام من ترديدهما معاً مقولة أن لا وجود لمثل هذه المعارضة انما فقط مجموعات إرهابية لا بد من محاربتها حتى استئصالها وإنهائها من الوجود. لا شيء جدياً تغير في موسكو، لأنه عندما تحدث الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عن توجه لإقامة مناطق آمنة في سورية، لم يجد الكرملين ما يردّ به عليه سوى القول إنه لم يتشاور معه في الأمر من ناحية، وأن مثل هذه المناطق ليست عملية ولا مفيدة في المرحلة الحالية من ناحية أخرى.

أكثر من ذلك، ليست خافية التباينات التي طفت على السطح أخيراً بين روسيا من جهة وحليفيها في طهران ودمشق من جهة ثانية، أقله في ما يتعلق بما يسمى «الأولويات» التي تتحدث العواصم الثلاث كل من وجهة نظرها عنها. اذ لم يتوقف الأسد يوماً، منذ مجزرة حلب وما تلاها في الغوطة ووادي بردى وغيرهما، عن القول انه يريد «تحرير» ما بقي من الأراضي السورية تحت سيطرة المعارضة، وأنه بعد ذلك وحده يمكن الحديث عن تسوية سياسية لإنهاء الحرب. كذلك فإنه، على جبهة طهران، لم يعد يحتاج الى برهان أن ما تسعى اليه هو مواصلة الحرب حالياً، ليس فقط لإبقاء الأسد ونظامه من دون أي تغيير، انما أيضاً لضمان نفوذها وهيمنتها على السلطة في سورية في المرحلة المقبلة. وعندما تضع طهران شروطاً على مشاركة ممثلين عن الولايات المتحدة أو غيرها في اجتماع آستانة، فإنها تقول بالفم الملآن إن موعد التسوية لم يحن بعد وإن معركتها، أقله في وادي بردى الآن، لن تتوقف على رغم ما يقال عن اتفاق لوقف إطلاق النار في عموم سورية واعتبار تثبيته هدفاً وحيداً لاجتماع آستانة هذا.

واذا أضيفت الى ذلك المطالبات المتكررة من قبل المعارضة ومن تركيا بسحب الميليشيات الأجنبية (الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية) من سورية، قبل اجتماع آستانة وفي أثنائه، ورفض النظام وإيران مجرد البحث في المطلب، بل وأصرارهما على إبقاء الحرب على حالها، لاكتملت اذاً الصورة: مواصلة القتال الى حين ما تصفه دمشق وطهران بـ «انتصار» النظام وإعادة الشأن في سورية الى ما كان عليه قبل آذار 2011.

وفي هذا السياق بالذات، ليس من دون معنى إعلان دمشق وطهران معاً عن سلسلة اتفاقات ومعاهدات بينهما لا تقف عند بيع الأسد سورية بالجملة والمفرق، كما قيل في وصفها، بل تتجاوز ذلك الى ربط هذا البلد نهائياً بسلطة «الولي الفقيه» الإيراني وإمبراطوريته الفارسية المشتهاة من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وفق ما أعلن مسؤولون إيرانيون في وقت سابق.

في الاتفاقات الجديدة، ما أعلن في العاصمتين قبل أسبوع عن بناء ميناء نفطي ايراني في الأراضي السورية وإقامة شبكة هاتف نقال، هي ما مجموعه ستة اتفاقات، تنص على تنازل الأسد عن خمسة آلاف هيكتار من الأراضي السورية لزوم بناء الميناء النفطي، وخمسة آلاف أخرى كأراضٍ زراعية (لماذا، ولأي هدف؟!) وفق وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.

وينص أحد الاتفاقات، على أن تستغل إيران مناجم الفوسفات في منطقة خنيفيس التي تبعد نحو 70 كلم عن مدينة تدمر، وإقامة خط ائتماني جديد بقيمة 3.5 بليون دولار (بعد الخطين السابقين اللذين يصلان الى 4 بلايين دولار).

والاستثمارات الإيرانية في حقل الصناعة السورية، كما يقول النظامان، تتصاعد بصورة مضطردة وقد بلغت أكثر من مئة مشروع حتى الآن، مثل معمل الإسمنت في حماة الذي أنجز منه 80 في المئة بطاقة مليون طن سنوياً، إضافة إلى مشروع صوامع الحبوب الـ10 ومشروع إنتاج سيارات ومحطات كهرباء وإعادة تحديث المصفاة والمحطة الحرارية. أما ذروة العلاقات فقد بلغت حداً متطوراً حيث تم التوقيع على عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم لإنشاء مدينة صناعية في حسياء تبلغ مساحتها ثمانمئة كلم مربع ومحطة لتوليد الطاقة بقوة نحو 800 ميغاواط.

لماذا الآن تحديداً يتم توقيع هذه الاتفاقات ويعلن عنها رسمياً في العاصمتين؟

سابقة إعطاء روسيا الأراضي اللازمة لبناء قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم، إنقاذاً للنظام الذي كان سيسقط في خلال أقل من أسبوعين كما أعلن أخيراً وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تشكلان نموذجاً عما يفعله الأسد حالياً مع إيران. في رأيه، ورأي راعيه علي خامنئي طبعاً، أن أي حل سياسي في سورية لن يكون في النهاية الا على حساب النظام ورئيسه والأطراف التي تقف الى جانبه. وهما لا يريدان، الآن على الأقل، الدخول في صدام مع موسكو حول اقتراحها بدء مفاوضات حول التسوية، لكنهما يستعدان للأسوأ في حال إصرار الكرملين، وخصوصاً على إمكان دفعها باتجاه التوصل الى صيغة تسوية ما. وليس سراً أنهما عملا طيلة الفترة الماضية على خرق وقف إطلاق النار، في وادي بردى وفي غيرها، بينما كان ممثل سورية في آستانة، وإن يكن خارج الاجتماع فيها، يقول إن القتال سيتسمر الى أن تعود مياه الفيجة الى منازل سكان دمشق.

ما يبقى في النهاية، أن موسكو فلاديمير بوتين لم تجب عن السؤال المركزي: هل هي طرف في الحرب، كما كانت حتى الآن، أم أنها باتت راغبة في لعب دور الوسيط الحيادي، بعيداً عن حليفيها في دمشق وطهران، لإنهاء الحرب من جهة وفرض تسوية سياسية تكون في مصلحة الشعب السوري من جهة ثانية؟

من شأن اجتماع جنيف بعد أيام أن يقدم جانباً من الإجابة عن السؤال.

اقرأ المزيد
٢٧ يناير ٢٠١٧
المشهد العربي وتحولاته بعد آستانة

فاجأ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، العرب والعالم، بالعرض الذي قدّمه لإمكانيات التعاون الإيراني - السعودي في سوريا واليمن، بعد النجاح في لبنان! وما حمل أكثر المراقبين تصريح الوزير الإيراني على محمل الجدّ. وكان في طليعة الذين أنكروا حصول التعاون رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. وحجته في ذلك ليست قوية، لأنه يريد نسبة «التسوية» على رئاسة الجمهورية إلى نفسه من جهة، وإلى الرئيس الحريري من جهةٍ ثانية. ثم إنه قال بعدم علمه بوجود تواصل بشأن الأزمة اللبنانية.

لكنّ المراقبين العرب واللبنانيين رجّحوا عدم حصول التعاون لأسباب أخرى، أهمُّها أنّ «التسوية» لكي تكتسب هذا الاسم ينبغي أن تمثّل حلاً وسطًا، بمعنى أنّ الجنرال عون هو مرشَّح حزب الله منذ عام 2008، ولذلك كان ينبغي لكي يصحَّ زعْمُ التواصل والتعاون أن يأتي مرشحٌ ثالثٌ غير مرشّح حزب الله (عون)، وغير مرشح سعد الحريري قبل الأخير (سليمان فرنجية). وإذا كانت التسوية التي يقترحها ظريف على شاكلة ما زعم حصوله في لبنان، أي لصالح إيران، فعلى هذا القياس ينبغي أن يبقى بشار الأسد حبيب الخامنئي رئيسًا لسوريا إلى الأبد، وأن يأتي حبيب إيران الآخر باليمن عبد الملك الحوثي مثلاً، رئيسًا أو إمامًا لذلك البلد!

وعلى أي حال، وبغضّ النظر عن صحة التواصل بشأن لبنان، فإن المشهد يتركز الآن على سوريا واليمن والعراق. وقد كانت إيران تفضل ألا يجتمع أحد بأحد بشأن سوريا قبل الاستيلاء على بقية القلمون ووادي بردى وبعض نواحي الغوطة. وأن تحصل حملة على إدلب بدلاً من «داعش»، باعتبار أن «النصرة» متمركزة فيها إلى جانب الآخرين، وهي التنظيم الرئيسي هناك. لكن روسيا وعدت الأميركيين والسعوديين بهذا المسار بعد واقعة حلب الرهيبة. بيد أن المشهد غير مطمئنٍ على الإطلاق. ما حضر في آستانة طرفٌ عربي. وقد قيل صراحةً إنّ المؤهلين للحضور هم الذين لهم قواتٌ على الأرض، أي روسيا وإيران وتركيا! ولأنه ليس لتركيا اليد العليا، فإنه لا قاعَ لتنازُلاتها، لأن همها الرئيسي عدم تمركز الأكراد المسلمين على حدودها، وهو ما تضمنُهُ لها روسيا ولا تحبه إيران.

وهناك أمور أخرى غير واضحة حتى الآن، أولها تثبيت وقف إطلاق النار. والنظام السوري والإيراني لن يلتزما بالطبع، ويستطيعان القول دائمًا إنهما يقاتلان الإرهابيين. فبشار الجعفري ممثل النظام في آستانة سمَّى مفاوضيه من المعارضة المسلحة جميعًا إرهابيين! وثانية المشكلات الأطراف التي ستُدعى لجنيف، والسيناريو الإيراني التلاعُب بين تركيا والسعودية. والطموح الآن أن يتواصل المصريون والسعوديون بحقّ بشأن سوريا، بعد إعلان مصر عن استمرار مشاركتها في اليمن. وينبغي أن يكون للعرب دورٌ في تحرير الرقة من «داعش»، حتى لا يتهجر العرب السنَّة من هذه المدينة أيضًا. وما استطاعت قوات «درع الفرات» التقدم في معركة الباب، ويقال إن روسيا تريد مشاركة النظام السوري، لأن تعاوُنًا يمكن أن ينشأ بين تركيا والنظام ضد مسلَّحي الأكراد. بينما ينبغي النظر إلى المسألة من وجهٍ آخر، هو حصول منطقة مستقرة بيد المعارضة في شمال سوريا، بما في ذلك ما بين الباب ومنبج والرقة، لكي يمكن وجود توازُن يسمح بالتفاوض. فالمعارضة المسلحة والسياسية هي اليوم الطرف الأضعف، وستزداد ضعفًا في جنوب سوريا بعد متغيرات السياسة الأردنية الأخيرة. هناك حاجةٌ لعدم الاختلاف مع الأتراك، وحاجةٌ أخرى للتنسيق السعودي - المصري - الأردني.

ويبقى المتغير أو المجهول الأميركي مع الإدارة الجديدة. ولستُ أرى مجالاً كبيرًا للتغيير ما دامت روسيا تتحمل العبء الأكبر، وما دام ترمب يريد تحسين العلاقات مع روسيا. ولأنّ «داعش» سيقاوم في الرقة ودير الزور بشدة، وكذلك في غرب دجلة بالموصل، فإنّ الحرب ستكون طويلةً في العراق كما في سوريا. وإذا كان «داعش» هو المشكلة في الواجهة فإنّ «النصرة» هي مشكلةٌ أيضًا في سوريا، في نظر أميركا وروسيا وإيران على الأقلّ. أما الحقيقة فهي أنّ المشكلة الأكبر حقًا تبقى في غياب المشروع العربي أو البديل العربي في سوريا والعراق. فالسنة العرب ضعفاء جدًا بالعراق، وما عادت عندهم قيادات معتبرة. والعرب السوريون المسلحون شرذم المتطرفون صفوفهم، أما غير المسلحين فقد صاروا جميعًا في الخارج، أما المشهد الداخلي في المناطق المحررة، فإن المسلحين من شتى الأشكال هم الذين يتقاسمونه. فالتدخل العربي ضروري في سوريا والعراق، لإنهاء الحروب من جهة، ولحفظ الهوية والانتماء من جهة أخرى، ولإعادة الإعمار والاستقرار من جهةٍ ثالثة.

والوضع اليمني مختلفٌ كثيرًا. ففي العراق وسوريا ما عاد يمكن إقصاء إيران، أما في اليمن فلا يزال ذلك ممكنًا، بل هو ضروري. فقوات الشرعية تتقدم على السواحل الاستراتيجية، وينبغي أن تزيل الانقلابيين من المحافظات الوسطى. وإذا تحررت السواحل لجهة باب المندب ولجهة ميدي والطوال، فإنّ وصول السلاح إلى الانقلابيين سيكون صعبًا جدًا، وعندها قد يعود الانقلابيون إلى حجمهم الطبيعي فيمكن التفاوض معهم. وهذا يقتضي بعد ضبط السواحل والمحافظات الوسطى الاستمرار في التضييق على صنعاء وصعدة. وإلى الصبر والدعم والموارد وقوات التحالف، فإنه ينبغي أن يزول هذا الكلام عن الحساسيات بين الشمال والجنوب، ليس من أجل استمرار الوحدة، بل من أجل نجاة الشمال والجنوب، ولارتباط مصيرهما بحرًا وبرًا. إنّ التسوية بين اليمنيين تظل ممكنةً رغم ظهور جيل متأيرن. ولا حاجة لتوسيط الإيرانيين أو إدخالهم إلى بطن اليمن والجزيرة.

آستانة علامة فارقة بعدما حدث في العراق بعد عام 2003. فقد انتهت الغربة عن العالم العربي إلى حدود التفاوُض بين الأميركيين والإيرانيين على انسحاب القوات، دونما إشراكٍ حتى للأمم المتحدة. وقد تراجعت أمورنا في سوريا بين عام 2012 واليوم. ففي العام 2012 وعلى مشارف «جنيف - 1» ما كان مسموحًا بحضور إيران للاجتماعات، وكان الأميركيون والروس يتفاوضون بحضور العرب ثم تركيا. واليوم في آستانة لا يحضر عربي بينما يحضر الإيرانيون. وإذ آل الأمر إلى ذلك، فينبغي أن يكون الحرص العربي شديدًا للعودة إلى العراق، والثبات في سوريا، ولو من طريق إقناع الأتراك والروس والأميركيين، بضرورة العرب للخلاص من «داعش».

يقول الروس إنّ وظيفة لقاء آستانة تثبيت وقف إطلاق النار، وبعدها يكون الذهاب إلى جنيف من جديد. وسيحضر هناك بالطبع العرب والإيرانيون. لكنّ حضور جنيف ما عاد ضمانة. بل لا بد من التدخل العربي في سوريا بأي شكل، بحيث ينفرض الوجود على الأرض، ويلتف من حوله السوريون، لكي يصبح التغيير ممكنًا بقياداتٍ معروفة

اقرأ المزيد
٢٧ يناير ٢٠١٧
إدارة ترامب هل تكتفي بصفة «مراقب» في سورية؟

اتسمت دعوة الولايات المتحدة إلى المشاركة «بصفة مراقب» في المحادثات السورية في آستانة برمزية حتمتها ظروف الانتقال من إدارة إلى إدارة في واشنطن، لكنها قد تبقى في شكل أو في آخر ملازمة للتعامل الأميركي مع هذه الأزمة، أي أن يستمرّ «مراقباً». فالرئيس دونالد ترامب لم يبدِ، خلال حملته الانتخابية، أي اهتمام بالأزمة السورية خارج محاربة الإرهاب، وحصل شبه تبادل للتحيات بينه وبين بشار الأسد إذ قال الأول: «لا أحب الأسد، لكنه يحارب داعش» وردّ الآخر بأن «ترامب سيكون حليفاً إذا حارب الإرهاب»، وبعد ذلك وجد المرشح الجمهوري قبيل انتخابه ضرورة لتضمين برنامجه أي اقتراح عملي فأضاف تأييداً مبدئياً لإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية ليلجأ إليها النازحون الجدد. وغداة انتخابه قدّم ترامب ما يشبه الضوء الأخضر للإجهاز على حلب، ولم تستثر الفظائع والجرائم أي ردّ فعل من جانبه ولا حتى أي موقف إنساني، أما التفاهمات الروسية - التركية التي سبقت مأساة حلب وتلتها فطوت عملياً مسألة «المنطقة الآمنة»، ولم تعد أنقرة تتحدّث عنها. بقيت إذاً الحرب على «داعش»، ولا يريد ترامب أن يكون فيها مراقباً.

في خطاب التنصيب قال ترامب عبارته المفخّخة: «سنوحّد العالم المتحضّر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي سنزيله في شكل كامل عن وجه الأرض». كان الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه مباشرة إلى البيت الأبيض، وواجهوا تفاقم خطر الإرهاب، تفادوا إلصاق الصفة «الإسلامية» به، سواء مراعاةً لحساسيات المسلمين الذين يرفضون «إسلامية» الإرهاب ولا يعترفون بها، أو أيضاً لأن إزالة الإرهاب تحتاج إلى تعاون المسلمين، أو خصوصاً للحؤول دون جدل شعبي قد يتدهور في مجتمعات الغرب إلى مواقف تمييزية وعنصرية. ومنذ إفادات مرشحي ترامب للوزارات الرئيسية أمام لجان الكونغرس، بدا اعتماد هذا المصطلح معبّراً عن روح مختلفة لسياسة الإدارة الجديدة وأولويتها التي حدّدها بيان نشره موقع البيت الأبيض كالآتي: «هزيمة الدولة الإسلامية وجماعات الإرهاب الإسلامي المتطرّف ستكون أولويتنا العليا». وعدا اللغة الشديدة لم يقل البيان بماذا ستختلف حرب ترامب على الارهاب، إذ إن الوسائل التي ذكرها (عمليات عسكرية نشطة، قطع التمويل عن «داعش»، مواجهة دعايته وتجنيده بالهجمات الإلكترونية، وتوسيع تبادل المعلومات الاستخبارية) هي ذاتها التي أوردها الوزير جون كيري في مقالة (نيويورك تايمز 20/01) عن إنجازات الإدارة السابقة بدءاً بمحاربة الإرهاب التي يُفترض أن تبلغ غاياتها المرسومة خلال ولاية ترامب.

مع أن أميركا أوباما أولت الخطر «الداعشي» أهمية، إلا أنها حافظت إلى حدٍّ ما على مقاربة مختلفة للأزمة الداخلية في سورية، مميّزةً بين معارضة «معتدلة» وجماعات متشدّدة، ومتعارضة جزئياً مع المفاهيم التي تبنتها روسيا. الفارق مع أميركا ترامب أنها أعطت انطباعاً قويّاً بأنها تميل إلى ترك روسيا تدير الملف السوري، كما أنها انزلقت باكراً وسريعاً إلى اختصار الأزمة بالإرهاب لتلتقي بذلك مع بروباغندا الأسد والإيرانيين، أما جديدها غير المؤكّد بعد فقد يكون التعاون مع روسيا ضد الإرهاب، وكان أن هذا التعاون رُفض من جانب البنتاغون والاستخبارات قبل اتفاق كيري - لافروف في أيلول (سبتمبر) الماضي وبعده. ويمكن القول أن روسيا غيّرت خلال الفترة الانتقالية بين الإدارتين الأميركيتين الكثير من معادلات الأزمة السورية ومن معالم الحرب على الإرهاب، إذ وسّعت نطاق عملياتها الجوية ضد مواقع «داعش»، وتفاهمت مع تركيا على دور لها داخل الأراضي السورية، وهو ما رفضه الأميركيون دائماً مفضّلين التعامل مع الأكراد، كما تغاضت روسيا عن اقتراب قوات الأسد وميليشيات إيران من مناطق «داعش» لفرض أمر واقع بمشاركتها في محاربة الإرهاب.

يُفترض أن يوضح الرئيس الأميركي الجديد خلال الأسابيع المقبلة، المدى الذي يحبذه للاستقالة الأميركية من الأزمة السورية، فالعودة إلى الخوض في تفاصيلها هي أيضاً عودة إلى مساواة لا يريدها مع روسيا. وما دامت إدارة أوباما حاججت دائماً بأن لا مصالح أميركية في سورية عدا القضاء على «داعش»، فلن يكون مستغرباً أن يتمسّك ترامب بفضيلة هذه المصلحة واعتبار غياب المصالح الأخرى مبرّراً كافياً للإحجام عن التدخل في الحل السياسي وشروطه، وهو ما سترحّب به إيران التي اتخذت من مشاركتها في «رعاية» محادثات آستانة فرصةً لمناكفة أميركا بمعارضة دعوتها إلى آستانة حتى «بصفة مراقب» ومحاولة إقصائها نهائياً عن الملف السوري، إلى الحدّ الذي استوجب ردّاً غاضباً من الكرملين. وكانت إدارة أوباما تظاهرت، بل أوحت بأن «الشراكة» التي أقامتها مع روسيا مكّنتها من تمثيل (والدفاع عن) المعارضة السورية وطموحاتها، كذلك مصالح الأصدقاء العرب في سورية، وإذ لم يتحْ للمعارضة و «الأصدقاء» أن يلمسوا نتائج مفيدة لهذا الدور الأميركي فإن إدارة ترامب لا تبدو معنيةً به، بل تأخذ في الاعتبار أن تغييراً طرأ على معطيات الأزمة السورية.

ثمة خطأ أميركي علني وواضح للعيان في صدد أن يُرتكب، تحديداً في اختزال ما حصل في سورية بأنه «إرهاب إسلامي متطرّف يجب أن يُزال عن وجه الأرض». أكثر من صوتٍ سُمع يُحذّر من أن «لغة» ترامب وفّرت دعاية مجانية لـ «داعش» وأشباهه. لكن، إذا أرادت إدارته أن تتمايز فعلاً فأمامها خيار إنهاء المهادنة التي اتّبعتها إدارة أوباما تجاه دور النظامَين السوري والإيراني في دعم الإرهاب، سواء بإيواء تنظيم «القاعدة» ومنحه تسهيلات مقابل استخدامات شتى، أو بتصنيع «داعش» وتوظيفه في تغيير طبيعة الأزمة، ثم بتفريخ الميليشيات من داخل الجيش الأسدي وعلى هامشه. فهذا الواقع الميليشيوي أضحى رديفاً لـ «داعش» ويماثله في الانتشار بين سورية والعراق، بل لعل إرهابيته أكثر خطراً كونها مرتبطة بنظامَين متحالفَين يوفّران لها الإمكانات العسكرية والتغطية السياسية. وإذا لم تُشمل هذه الميليشيات في ضرب «الإرهاب الإسلامي المتطرّف»، فإنها ستكون على الدوام دافعاً لاستمرار الإرهاب بوجوه متعدّدة وسبباً لعدم استعادة الاستقرار. ويكفي هنا مثلاً أن الحرب على «داعش» والقضاء عليه لا يحولان دون إنهاء الصراع السوري بحل سياسي، في حين أن وجود الميليشيات الإيرانية وبقاءها كفيلان بتخريب أي حل لا يتناسب مع أجندة طهران.

من هنا، إن ضرب «داعش» لن يجدي إذا لم يتصدَّ لكل عناصر الإرهاب سواء كانت سنّية أو شيعية، وقد أظهرت «معارك التحرير» في العراق أن علّة ظهور «داعش» كانت في النظام العراقي ذاته واعتماده ولو غير المعلن على الميليشيات، ولا يزال الخطر على مرحلة «ما بعد داعش» يكمن في النظام ذاته وفي عجزه عن بلورة مصالحة وطنية. أما في سورية فكانت تفاهمات كيري - لافروف توصّلت إلى مفهوم مبتسر قوامه أن ضرب المعارضة هو أيضاً ضربٌ للإرهاب، على رغم أن تقارير الأجهزة شخّصت مسؤولية نظامَي دمشق وطهران عن استشراء الوباء الإرهابي وجماعاته. وبديهي أن إلقاء وصمة الإرهاب على كاهل المعارضة السورية لم يكن خطاً آخر ولم يلقِ بظلاله الثقيلة على البحث في الحل السياسي فحسب، بل شكّل وسيشكّل تشويهاً لطبيعة ذلك الحل، خصوصاً إذا اعتُمد فيه المفهوم الروسي الذي لا يزال مبنياً على بقاء النظام ورئيسه وعلى استثمار هزيمة المعارضة في حلب. فمثل هذا الحل الالتفافي الذي ستطلب موسكو من مجلس الأمن أن يضفي عليه شرعية دولية، وقد يلقى قبولاً لمجرد أنه يخفّف حدّة الصراع المسلّح ويريح دولاً غربية من ضغوط موجات الهجرة، سينطوي على دعوة إلى المجتمع الدولي لقبول ديكتاتور دموي واعتباره حجر الزاوية للتطبيع السلمي في سورية. والأغرب أنه حتى قبل التوصّل إلى أي وقف للنار أو إلى هدنة ثابتة أو إلى حل على الإطلاق باشرت روسيا وإيران تتوزّعان المكاسب والمغانم، الأولى بتوسيع قاعدة طرطوس الحرية للمكوث فيها لخمسة عقود مقبلة بعد حصولها على أفضلية أو احتكار الكثير من القطاعات، والثانية بانتزاع ميناء نفطي وترخيص لشركة هاتف جوّال وأراضٍ ومناجم فوسفات للاستغلال... كل ذلك يتمّ استباقاً لأي خيارات تحدّدها إدارة ترامب، أو الأرجح لأن هذه الإدارة لا تكترث بما يتحاصصه الروس والإيرانيون ولا بحقيقة أن هذا التحاصص يتجاوز أي حكومة مقبلة ذات تمثيل جامع وفقاً لما روّجت له موسكو دائماً.

اقرأ المزيد
٢٧ يناير ٢٠١٧
أي منطقة آمنة في سورية؟

ها هو دونالد ترامب يفاجئ فلاديمير بوتين الذي ينتظر منه الإشارات الطيبة من أجل تحسين العلاقات، فإذا به يلوّح له بالعمل على إقامة مناطق آمنة في سورية من أجل عودة النازحين السوريين إليها، ما أطلق تحذيراً من موسكو بأن على واشنطن أن تفكر «في العواقب المحتملة لإقامة هذه المناطق الآمنة».

وعدا أن ترامب يقتحم بخطواته العالم ويقلقه، ومعه الأميركيين أنفسهم، بتدابيره الخارجة عن المألوف منذ أن تسلم السلطة قبل أسبوع، فإن حديثه عن المناطق الآمنة في سورية يقتحم المسار التي رسمته موسكو في خريطة الطريق للملف السوري تحت ناظري باراك أوباما، وصولاً إلى رعايتها مع تركيا وإيران محادثات آستانة بين النظام والفصائل السورية المعارضة التي قبلت الانخراط في وقف النار بعد هزيمتها في حلب.

وفي انتظار استكشاف مدى جدية ترامب في إقامة هذه المناطق الآمنة، بات احتمال من هذا النوع عاملاً في حسابات الفرقاء المعنيين بالحرب السورية، بما فيها اجتماع قادة المعارضة الذين يلتقون اليوم في موسكو بناء لدعوة من سيرغي لافروف، بعدما كان الأمر مستبعداً كلياً من أي حسابات في السنتين الماضيتين، نتيجة رفض أوباما الأخذ به.

وللتذكير فإن دعوة أنقرة المستمرة إلى قيام المنطقة الآمنة شمال سورية كانت سبباً للتباعد مع واشنطن أوباما، وللخلافات الكبيرة بينها وبين القيادة الروسية، قبل أن يتفقا، ومع إيران. وإقامة هذه المناطق كانت تعني أيضاً تمكين المعارضة السورية المعتدلة من أن يكون لها مقرات ونقاط ارتكاز تتمتع بحماية دولية-إقليمية، تمنع النظام وإيران من استكمال ما يسميانه «تحرير سورية»، وتعزز موقع المعارضة التفاوضي في أي حل. فاستناد المعارضين إلى رقعة جغرافية ثابتة عصية على إيران وبشار الأسد كان ليعزز موقعهم على الطاولة أكثر.

وللتذكير أيضاً، فإن ترامب عندما يكلف البنتاغون دراسة الخطوة، فإنه يوكل المهمة إلى وزير دفاعه الجنرال جيمس ماتيس الذي كان مؤيداً لخيار هيلاري كلينتون حين كانت وزيرة الخارجية عام 2012، ورئيس السي.آي.إي الجنرال ديفيد بترايوس في حينها، بضرورة دعم قيام مناطق آمنة في سورية.

قد يزول عنصر المفاجأة التي أطلقها ترامب إذا كان خيار المناطق الآمنة يواجه صعوبات لأنه يتطلب توظيفاً عسكرياً وكلفة عالية، فيما الرئيس الجديد ينوي خفض الإنفاق العسكري خارج بلده. إلا أن اعتماد ترامب سياسة الحد من النزوح التي يعتبرها أولوية للحد من المهاجرين وتدفق الإرهاب إلى دول الغرب، قد يجعلها خطوة جدية. وهناك من يعتقد أنها قد تتحول سبباً لدى موسكو للتقارب مع سيد البيت الأبيض الجديد، لأن المناطق الآمنة تتلاءم مع قيام المجالس المحلية التي نصت عليها مسودة الدستور السوري التي قدمها المسؤولون الروس إلى قادة المعارضة في آستانة. وهي نوع من الفيديرالية أو اللامركزية الموسعة، في التصور الروسي للنظام السوري المقبل.

لكن الأسئلة حول هذه المناطق الآمنة تتعدى نية نقل النازحين إليها، نظراً إلى أنها تؤشر إلى مستقبل بلاد الشام، وأدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين فيها. فهل تبدأ إعادة النازحين المدنيين إلى المنطقة الآمنة من الرقعة التي سيطرت عليها تركيا عبر عملية «درع الفرات» التي بدأتها الصيف الماضي وبلغت مساحتها ما يقارب الـ6 آلاف كيلومتر مربع والتي كان من أهدافها عزل مناطق الإقليم الكردي الموعود عن بعضها البعض. فضمان هذه المنطقة يعني تركيز كثافة سكانية آمنة من السوريين الذين نزحوا إلى تركيا ومن حلب. وهؤلاء خزان معاد للنظام، ما يثير حفيظة إيران وبشار الأسد لأنها تعطي موطئ قدم للمعارضة الفعلية المطالبة بحل سياسي أساسه تنحي الأسد، ما يعني الاصطدام بهما. أم تبدأ من المنطقة التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» بقيادة «حزب الاتحاد الديموقراطي» (يرأسه صالح مسلم) والذي تعتبره أنقرة إرهابياً. فمراعاة موسكو لتركيا في عدائها لإقليم كردي كانت أحد أركان اتفاق الدولتين الذي كان ثمنه «تسليم» تركيا حلب إلى القيصر الروسي. أم تبدأ من المناطق التي يسيطر عليها النظام والميليشيات الإيرانية و «حزب الله»، أي ما يسمى الشريط السوري المحاذي للحدود اللبنانية - السورية وصولاً إلى حمص؟ فالأخيرة هي المناطق التي أمعن هذا الحلف فيها تغييراً ديموغرافياً ومذهبياً كبيراً ما زال مستمراً حتى اليوم ويشمل العاصمة دمشق ومحيطها. وافتراض إعطاء الأولوية لهذه الرقعة في إقامة منطقة آمنة هدفه نقل جزء كبير من نازحي لبنان إليها، الأمر الذي قد يحول دونه التغيير الديموغرافي الحاصل، فضلاً عن أنه يصطدم بالمشروع الإيراني في سورية ولبنان معاً.

اقرأ المزيد
٢٧ يناير ٢٠١٧
إدارة ترامب هل تكتفي بصفة «مراقب» في سورية؟

اتسمت دعوة الولايات المتحدة إلى المشاركة «بصفة مراقب» في المحادثات السورية في آستانة برمزية حتمتها ظروف الانتقال من إدارة إلى إدارة في واشنطن، لكنها قد تبقى في شكل أو في آخر ملازمة للتعامل الأميركي مع هذه الأزمة، أي أن يستمرّ «مراقباً». فالرئيس دونالد ترامب لم يبدِ، خلال حملته الانتخابية، أي اهتمام بالأزمة السورية خارج محاربة الإرهاب، وحصل شبه تبادل للتحيات بينه وبين بشار الأسد إذ قال الأول: «لا أحب الأسد، لكنه يحارب داعش» وردّ الآخر بأن «ترامب سيكون حليفاً إذا حارب الإرهاب»، وبعد ذلك وجد المرشح الجمهوري قبيل انتخابه ضرورة لتضمين برنامجه أي اقتراح عملي فأضاف تأييداً مبدئياً لإنشاء منطقة آمنة في شمال سورية ليلجأ إليها النازحون الجدد. وغداة انتخابه قدّم ترامب ما يشبه الضوء الأخضر للإجهاز على حلب، ولم تستثر الفظائع والجرائم أي ردّ فعل من جانبه ولا حتى أي موقف إنساني، أما التفاهمات الروسية - التركية التي سبقت مأساة حلب وتلتها فطوت عملياً مسألة «المنطقة الآمنة»، ولم تعد أنقرة تتحدّث عنها. بقيت إذاً الحرب على «داعش»، ولا يريد ترامب أن يكون فيها مراقباً.

في خطاب التنصيب قال ترامب عبارته المفخّخة: «سنوحّد العالم المتحضّر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي سنزيله في شكل كامل عن وجه الأرض». كان الرؤساء الثلاثة الذين سبقوه مباشرة إلى البيت الأبيض، وواجهوا تفاقم خطر الإرهاب، تفادوا إلصاق الصفة «الإسلامية» به، سواء مراعاةً لحساسيات المسلمين الذين يرفضون «إسلامية» الإرهاب ولا يعترفون بها، أو أيضاً لأن إزالة الإرهاب تحتاج إلى تعاون المسلمين، أو خصوصاً للحؤول دون جدل شعبي قد يتدهور في مجتمعات الغرب إلى مواقف تمييزية وعنصرية. ومنذ إفادات مرشحي ترامب للوزارات الرئيسية أمام لجان الكونغرس، بدا اعتماد هذا المصطلح معبّراً عن روح مختلفة لسياسة الإدارة الجديدة وأولويتها التي حدّدها بيان نشره موقع البيت الأبيض كالآتي: «هزيمة الدولة الإسلامية وجماعات الإرهاب الإسلامي المتطرّف ستكون أولويتنا العليا». وعدا اللغة الشديدة لم يقل البيان بماذا ستختلف حرب ترامب على الارهاب، إذ إن الوسائل التي ذكرها (عمليات عسكرية نشطة، قطع التمويل عن «داعش»، مواجهة دعايته وتجنيده بالهجمات الإلكترونية، وتوسيع تبادل المعلومات الاستخبارية) هي ذاتها التي أوردها الوزير جون كيري في مقالة (نيويورك تايمز 20/01) عن إنجازات الإدارة السابقة بدءاً بمحاربة الإرهاب التي يُفترض أن تبلغ غاياتها المرسومة خلال ولاية ترامب.

مع أن أميركا أوباما أولت الخطر «الداعشي» أهمية، إلا أنها حافظت إلى حدٍّ ما على مقاربة مختلفة للأزمة الداخلية في سورية، مميّزةً بين معارضة «معتدلة» وجماعات متشدّدة، ومتعارضة جزئياً مع المفاهيم التي تبنتها روسيا. الفارق مع أميركا ترامب أنها أعطت انطباعاً قويّاً بأنها تميل إلى ترك روسيا تدير الملف السوري، كما أنها انزلقت باكراً وسريعاً إلى اختصار الأزمة بالإرهاب لتلتقي بذلك مع بروباغندا الأسد والإيرانيين، أما جديدها غير المؤكّد بعد فقد يكون التعاون مع روسيا ضد الإرهاب، وكان أن هذا التعاون رُفض من جانب البنتاغون والاستخبارات قبل اتفاق كيري - لافروف في أيلول (سبتمبر) الماضي وبعده. ويمكن القول أن روسيا غيّرت خلال الفترة الانتقالية بين الإدارتين الأميركيتين الكثير من معادلات الأزمة السورية ومن معالم الحرب على الإرهاب، إذ وسّعت نطاق عملياتها الجوية ضد مواقع «داعش»، وتفاهمت مع تركيا على دور لها داخل الأراضي السورية، وهو ما رفضه الأميركيون دائماً مفضّلين التعامل مع الأكراد، كما تغاضت روسيا عن اقتراب قوات الأسد وميليشيات إيران من مناطق «داعش» لفرض أمر واقع بمشاركتها في محاربة الإرهاب.

يُفترض أن يوضح الرئيس الأميركي الجديد خلال الأسابيع المقبلة، المدى الذي يحبذه للاستقالة الأميركية من الأزمة السورية، فالعودة إلى الخوض في تفاصيلها هي أيضاً عودة إلى مساواة لا يريدها مع روسيا. وما دامت إدارة أوباما حاججت دائماً بأن لا مصالح أميركية في سورية عدا القضاء على «داعش»، فلن يكون مستغرباً أن يتمسّك ترامب بفضيلة هذه المصلحة واعتبار غياب المصالح الأخرى مبرّراً كافياً للإحجام عن التدخل في الحل السياسي وشروطه، وهو ما سترحّب به إيران التي اتخذت من مشاركتها في «رعاية» محادثات آستانة فرصةً لمناكفة أميركا بمعارضة دعوتها إلى آستانة حتى «بصفة مراقب» ومحاولة إقصائها نهائياً عن الملف السوري، إلى الحدّ الذي استوجب ردّاً غاضباً من الكرملين. وكانت إدارة أوباما تظاهرت، بل أوحت بأن «الشراكة» التي أقامتها مع روسيا مكّنتها من تمثيل (والدفاع عن) المعارضة السورية وطموحاتها، كذلك مصالح الأصدقاء العرب في سورية، وإذ لم يتحْ للمعارضة و «الأصدقاء» أن يلمسوا نتائج مفيدة لهذا الدور الأميركي فإن إدارة ترامب لا تبدو معنيةً به، بل تأخذ في الاعتبار أن تغييراً طرأ على معطيات الأزمة السورية.

ثمة خطأ أميركي علني وواضح للعيان في صدد أن يُرتكب، تحديداً في اختزال ما حصل في سورية بأنه «إرهاب إسلامي متطرّف يجب أن يُزال عن وجه الأرض». أكثر من صوتٍ سُمع يُحذّر من أن «لغة» ترامب وفّرت دعاية مجانية لـ «داعش» وأشباهه. لكن، إذا أرادت إدارته أن تتمايز فعلاً فأمامها خيار إنهاء المهادنة التي اتّبعتها إدارة أوباما تجاه دور النظامَين السوري والإيراني في دعم الإرهاب، سواء بإيواء تنظيم «القاعدة» ومنحه تسهيلات مقابل استخدامات شتى، أو بتصنيع «داعش» وتوظيفه في تغيير طبيعة الأزمة، ثم بتفريخ الميليشيات من داخل الجيش الأسدي وعلى هامشه. فهذا الواقع الميليشيوي أضحى رديفاً لـ «داعش» ويماثله في الانتشار بين سورية والعراق، بل لعل إرهابيته أكثر خطراً كونها مرتبطة بنظامَين متحالفَين يوفّران لها الإمكانات العسكرية والتغطية السياسية. وإذا لم تُشمل هذه الميليشيات في ضرب «الإرهاب الإسلامي المتطرّف»، فإنها ستكون على الدوام دافعاً لاستمرار الإرهاب بوجوه متعدّدة وسبباً لعدم استعادة الاستقرار. ويكفي هنا مثلاً أن الحرب على «داعش» والقضاء عليه لا يحولان دون إنهاء الصراع السوري بحل سياسي، في حين أن وجود الميليشيات الإيرانية وبقاءها كفيلان بتخريب أي حل لا يتناسب مع أجندة طهران.

من هنا، إن ضرب «داعش» لن يجدي إذا لم يتصدَّ لكل عناصر الإرهاب سواء كانت سنّية أو شيعية، وقد أظهرت «معارك التحرير» في العراق أن علّة ظهور «داعش» كانت في النظام العراقي ذاته واعتماده ولو غير المعلن على الميليشيات، ولا يزال الخطر على مرحلة «ما بعد داعش» يكمن في النظام ذاته وفي عجزه عن بلورة مصالحة وطنية. أما في سورية فكانت تفاهمات كيري - لافروف توصّلت إلى مفهوم مبتسر قوامه أن ضرب المعارضة هو أيضاً ضربٌ للإرهاب، على رغم أن تقارير الأجهزة شخّصت مسؤولية نظامَي دمشق وطهران عن استشراء الوباء الإرهابي وجماعاته. وبديهي أن إلقاء وصمة الإرهاب على كاهل المعارضة السورية لم يكن خطاً آخر ولم يلقِ بظلاله الثقيلة على البحث في الحل السياسي فحسب، بل شكّل وسيشكّل تشويهاً لطبيعة ذلك الحل، خصوصاً إذا اعتُمد فيه المفهوم الروسي الذي لا يزال مبنياً على بقاء النظام ورئيسه وعلى استثمار هزيمة المعارضة في حلب. فمثل هذا الحل الالتفافي الذي ستطلب موسكو من مجلس الأمن أن يضفي عليه شرعية دولية، وقد يلقى قبولاً لمجرد أنه يخفّف حدّة الصراع المسلّح ويريح دولاً غربية من ضغوط موجات الهجرة، سينطوي على دعوة إلى المجتمع الدولي لقبول ديكتاتور دموي واعتباره حجر الزاوية للتطبيع السلمي في سورية. والأغرب أنه حتى قبل التوصّل إلى أي وقف للنار أو إلى هدنة ثابتة أو إلى حل على الإطلاق باشرت روسيا وإيران تتوزّعان المكاسب والمغانم، الأولى بتوسيع قاعدة طرطوس الحرية للمكوث فيها لخمسة عقود مقبلة بعد حصولها على أفضلية أو احتكار الكثير من القطاعات، والثانية بانتزاع ميناء نفطي وترخيص لشركة هاتف جوّال وأراضٍ ومناجم فوسفات للاستغلال... كل ذلك يتمّ استباقاً لأي خيارات تحدّدها إدارة ترامب، أو الأرجح لأن هذه الإدارة لا تكترث بما يتحاصصه الروس والإيرانيون ولا بحقيقة أن هذا التحاصص يتجاوز أي حكومة مقبلة ذات تمثيل جامع وفقاً لما روّجت له موسكو دائماً.

اقرأ المزيد
٢٧ يناير ٢٠١٧
الخطة الروسية بين أستانة والباب

بين انتقاد النظام السوري لخرقه الهدنة واتهام إيران، قبل ذلك، بتعقيد جهود التسوية في أستانة، بدأت تتضح، ليس فقط معالم الاختلاف في زاوية الرؤية والمصالح بين روسيا وحليفيها الإيراني والسوري، فهذا أمر لم يعد يحتاج إلى تفصيل، خصوصاً مع تنامي آمال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بانفراجةٍ في العلاقة مع واشنطن، بعد وصول ترامب إلى السلطة، بل بدأت أيضاً تتضح معالم السياسة الروسية في المنطقة العربية للمرحلة المقبلة، فروسيا التي تلقفت دعوة النظام وإيران للتدخل عسكرياً في سورية لوقف تقدم المعارضة، بعد سقوط إدلب وجسر الشغور ربيع العام 2015، ولمنع تركيا من إنشاء منطقة "خالية من تنظيم الدولة الإسلامية"، وافقت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، بمجرد الإعلان عن الاتفاق النووي مع إيران في يوليو/ تموز 2015، تبدو اليوم كمن ركب موجة الجموح الإيراني، واستغلها، فحدّد مداها، وتحكّم باتجاهاتها وحقّق مبتغاه من خلالها.

ومنذ الزيارة التي قام بها الرئيس التركي أردوغان إلى موسكو في أغسطس/ آب الماضي، وتوصل فيها إلى تفاهماتٍ أخذت تتضح أبعادها لاحقاً في عملية درع الفرات واتفاق حلب، وصولاً إلى أستانة، بدأت روسيا تحاول أخذ مسافةٍ عن حليفيها السوري والإيراني، في محاولةٍ، على ما يبدو، لإعادة التموضع في مكانٍ وسط في الصراع الذي تراه يدور داخل الإسلام بين سنة المنطقة وشيعتها.

خلال الفترة الماضية، بدا واضحاً أن روسيا دخلت في تحالف استراتيجي مع إيران، لتحقيق هدفين رئيسين: الأول، منع تركيا من الاستثمار في موجة الربيع العربي، وتجييرها لخدمة مصالحها، والتحوّل من خلالها إلى قوةٍ إقليمية كبرى، وزعيم "للعالم السني"، يساعدها في ذلك النموذج السياسي والاقتصادي الناجح الذي قدمه حزب العدالة والتنمية. وقد تعاظمت هذه المخاوف في موسكو، بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة في غير عاصمة عربية، أهمها القاهرة. الهدف الثاني، منع ما اعتبرته روسيا محاولة أميركية لإيصال موجات الربيع العربي إلى شواطئها، وتزامنت مع الانتخابات التي أعادت بوتين إلى كرسي الرئاسة عام 2012.

غدت هذه المخاوف اليوم بالنسبة إلى موسكو جزءاً من الماضي، فالربيع العربي أجهض في محطاته الأولى. وعادت السياسة التركية تمشي على الأرض، بعد أن حلقت عالياً في فضاء الأحلام، وأوباما المتشدد مع روسيا غادر، وحل مكانه دونالد ترامب الأكثر تفهماً. إنها مرحلةٌ مختلفةٌ كلياً تحاول روسيا فيها تعزيز مكاسبها التي حققتها في المنطقة من البوابة السورية، حيث دعمت الهجوم الإيراني لسحق حلم الربيع العربي والطموح التركي.

تسعى موسكو اليوم إلى الخروج من الشرنقة السورية التي شوّهت صورتها، وأكسبتها عداءً في عموم العالم العربي، وترنو للوصول بنفوذها إلى مصر وليبيا والجزائر، وربما إلى الخليج أيضاً، حيث تطمح لقيادة "كونسورتيوم" نفطي وغازي عالمي، يمثل أملها الوحيد في العودة قوة كبرى. لا يمكن أن يتحقق هذا الأمر إذا ظلت روسيا تتصرف وكأنها سلاح جو للمليشيات الإيرانية التي تفتك بالمجتمعات العربية، كما يفتك السرطان بالجسد، لكن هذا لا يعني أيضاً أنها تريد خسارة إيران، أو الدخول في مواجهة معها. على الإطلاق، الوضع المثالي بالنسبة إلى روسيا أن تغدو حكماً بين إيران وحلفائها من جهة (شيعة المنطقة) وتركيا والعرب من جهة أخرى (سنة المنطقة). واضحٌ أن هذا ما يسعى بوتين إليه من خلال التقارب مع تركيا، وأخذ مسافةٍ من إيران. لكن، هناك هدف آخر لا يقل أهميةً يضعه الرئيس الروسي نصب عينيه، هو الشروع في تفكيك حلف الأطلسي (الناتو) عبر محاولة إخراج تركيا منه، يساعده في ذلك موقف الرئيس الأميركي الجديد الذي يرى أن الحلف فقد الغرض من استمراره.

هذا تحديداً ما يسعى بوتين إليه من خلال الدعم الجوي الذي يقدمه للقوات التركية وفصائل المعارضة السورية، في عملية درع الفرات، في مواجهاتها مع تنظيم الدولة الإسلامية في الباب، علماً أن هذه المرة الأولى التي يتم فيها تنسيق ميداني مشترك بين روسيا ودولةٍ عضو في حلف الأطلسي. إن تحول بوتين عن العمل سلاح جو للإيرانيين وحلفائهم الى العمل سلاح جو للأتراك وحلفائهم يعد تطوراً كبيرا، يفهم الإيرانيون مغزاه، كما الاتراك والأميركيون، وهو أمر ينبغي الانتباه إليه والاستثمار فيه من المعارضة السورية، كيف يكون هذا؟ للحديث تتمة...

اقرأ المزيد
٢٦ يناير ٢٠١٧
سورية... وصاية روسية مطلقة

تقول الوثيقة التي نشرت، أخيراً، إن روسيا والنظام السوري وقعا اتفاقاً لتوسعة قاعدة طرطوس، بحيث يمكنها استضافة 11 سفينة حربية روسية في الوقت نفسه، بالإضافة إلى بروتوكول ملحق بشأن نشر طائرات روسية، بلا مقابل، في قاعدة حميميم 49 عاماً قابلة للتمديد 25 عاماً.

هُيئت القاعدة الشعبية للنظام السوري لابتلاع هذا الإجراء، في عدة خطواتٍ، بدأت بمعلومات أشاعها مسؤولون، من الدائرة الأقرب لنظام الأسد، عن أهمية الدور الاستخباراتي الروسي في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية منذ انطلاقتها. ثم أُعلن عن الأمر رسمياً، بعد أول فيتو روسي في مجلس الأمن ضد قرارٍ يقوِّض قمع النظام الاحتجاجات، وصار المتجوّل في سورية يطالع عبارة "شكراً روسيا" أمام المؤسسات الحكومية وفي المناطق الحيوية. ومن ثم دَعَمَ هذا التوجه مسيراتٍ صغيرةً احتلت وسط مدينة دمشق ومراكز مدن الساحل السوري. ولم تستهجن العين مشاهدة زيارات متبادلة وعاجلة بين رأس النظام السوري وقادة روس، سواء في الداخل السوري أو في موسكو، بما يؤكد علناً عمق العلاقات، ويوحي بالحالة الوصائية التي تمارسها روسيا على نظام الأسد، وقبوله ذلك برضى وامتنان.

قبلت الشريحة المؤيدة ذلك كله تدريجياً، فمنطلق الحكاية هو الدعم الروسي لاستمرار حكم الأسد المتهالك. وينتشي هذا العمق المؤيد ذو الطبيعة الأقرب للعلمانية بحليف سوفييتي، في مقابل تحجيم دور شريكه الأصولي التابع لولاية الفقيه. امتد الرضى عن الوجود الروسي إلى طبقة أبعد قليلاً عن الفئة المتعارف عليها "بالشبيحة"، حتى تقبّله قسمٌ من الوسطيين (أو الرماديين)، وهؤلاء منتشرون بين عامة الشعب، وأيضاً بين النخب المحسوبة أحياناً على المعارضة، ليأتي بعد ذلك بيع قاعدة حميميم أو تأجيرها في سياق مقبول وغير مستغرب.

تتداعى إلى الذاكرة قصة رهن الخديوي إسماعيل أسهم مصر في قناة السويس البحرية، البالغة 44% من إجمالي أسهم القناة، في صفقة أجراها مع الإنكليز، بعد تراكم ديون مصر، وتدهور وضعها المالي، بسبب انفلاش البذخ الذي عاشته الخديوية، وانخفاض سعر القطن (السلعة الاقتصادية لميزان مصر التجاري) في الأسواق العالمية. وقد دفع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، بنيامين دزرائيلي، المبلغ على الفور، وصارت القناة هي الضمانة لإعادة الديْن، مضافةً عليه فوائد بقيمة 5% كل سنة، ابتداء من عام 1875 حتى 1894.

اعتبرت هذه الصفقة أشهر عملية بيع أسهم في العالم، حيث تسببت بكارثة على البلاد، ومهّدت للاحتلال الإنكليزي، عام 1882، على مصر، بالإضافة إلى الخسارة المالية الفادحة، إذ اتضح أن السهم الذي باعته مصر بـ 560 فرنكًا أصبح سعره بعد ثلاثين سنة فقط 5010 فرنكات، وحصتها من أرباح القناة التي باعتها بـ 22 مليون فرنك فرنسي أصبحت قيمتها 300 مليون فرنك فرنسي، وبقي الامتياز قائمًا بشروطه، حتى جاء قرار جمال عبد الناصر بتأميم القناة عام 1956، أي قبل نهاية الامتياز بـ12 سنة.

ستبدو الخسارة السورية أكبر من تلك المصرية، حيث تم البيع هنا "ببلاش". وليس ثمة مجال للمناورة، فالبيع قطعي ولا أمل باسترجاع ما ذهب إلا برحيل نظام الأسد نفسه. وهذا ما تحرص روسيا على منعه بأي طريقة. أما المكاسب الروسية الآنية، فأبرزها وضع حد للتنافس الإعلامي بين المسؤولين الروس وقيادات فيلق القدس الإيراني وحزب الله، حول تحديد الجهة الحقيقية التي سندت صمود الأسد، ومنعت سقوطه، بالإضافة إلى التوسع الروسي في المياه الدافئة بشكل خطير، والاتفاق مع تركيا على جر قادة الفصائل السورية إلى أستانة، لتوقيع اتفاق على وقف إطلاق النار، يمكن خرقه حسب الطلب. الجهة الوحيدة التي يمكن أن تمنع مثل هذا الوضع هي أميركا. لكن، في عهد دونالد ترامب الذي ينادي "أميركا أولاً"، يبدو أن تركيا كانت محقّة بخوض لعبة تبديل الحلفاء.

اقرأ المزيد
٢٦ يناير ٢٠١٧
فشل آستانة يؤكد أن الأسد لا يزال العقبة أمام الحل

النتيجة الهزيلة التي خرج بها مؤتمر آستانة تُظهر بوضوح أن أحد طرفي النزاع الرئيسيين، أي نظام الأسد، ليس جاهزاً بعد لمفاوضات فعلية تنتهي بحل سياسي يقود إلى سورية جديدة. فيما الأطراف الثلاثة «الضامنة»، ليست قادرة على التوافق في ما بينها على رؤية سياسية واحدة، سواء بالنسبة إلى سورية أو للمنطقة كلها، حتى لو اتفقت هذه الأطراف على آلية لتثبيت وقف إطلاق النار، وهو أمر مشكوك في فاعليته إلى حد كبير.

فالنظام جاء إلى المؤتمر لأسبابه واعتباراته، لكن بالدرجة الأولى مسايرة لروسيا التي تحاول جاهدة الظهور بمظهر المحايد، وتركز على شراكتها مع تركيا لأنها تعرف أن «الراعي» الإيراني ليس ضامناً ولا محايداً، بل هو منخرط حتى العظم في الحرب الدائرة منذ ست سنوات، ولديه تصور مسبق لما يريده من هذا البلد، وهو نفسه بحاجة إلى من يضمنه ويمنعه من التخريب.

وإذا كان النظام المستجيب لإلحاح موسكو المنقذة، يحاول استعادة بعض الصدقية أمام العالم، وتجنب الظهور بمظهر الرافض جهود التسوية، إلا أنه اكتفى في آستانة بترديد النغمة القديمة المستهلكة عن «محاربة الإرهاب» وضرورة الفصل بين التنظيمات، والتذرع بمشكلة المياه في دمشق لاستمرار حملة التطهير المذهبي الجارية على قدم وساق بأيدي «حزب الله» والميليشيات الإيرانية الأخرى.

فنظام الأسد لا يزال يعتبر الحل العسكري السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة، أي إخراج المعارضين تدريجاً من كل معاقلهم، وإجهاض ثورتهم، والحيلولة دون أي تغيير حقيقي. وهو تقييم تشاركه فيه إيران التي ترى أن الحفاظ على النظام السوري الطائفي الأقلوي يضمن استمرار نظام طهران نفسه.

وعلى رغم تشديد موسكو على دخولها مرحلة جديدة تقوم على محاولة إيجاد حل سياسي في سورية، وتبنيها خلال المؤتمر مواقف لتدعيم دورها المستجد، إلا أنها تنطلق من مفهوم خاطئ يعتبر أن التسوية السياسية يجب أن يسبقها بالضرورة وقف لإطلاق النار، علماً أن تجارب سابقة كثيرة في العالم لا تزكي هذا الاتجاه. وقد يساعد وقف إطلاق النار في تسهيل المفاوضات، لكن هذه لا تنجح إلا إذا كانت هناك رغبة سياسية فعلية مسبقة في التسوية يكون وقف القتال تتويجاً لها وليس العكس. وهذا ما لم يحصل في الحالة السورية بعد، بل إن المسعى الروسي في غياب الإرادة السياسية يشبه تماماً وضع العربة أمام الحصان.

وما لم تستطع موسكو انتزاع اعتراف علني من الأسد بضرورة التغيير السياسي ودخول مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات تشريعية ورئاسية ودستور جديد، سيظل أي وقف لإطلاق النار رهناً برؤية النظام للحل وبضغوط طهران الهادفة إلى قطف ثمار استثماراتها في سورية منذ عهد حافظ الأسد وحتى اليوم.

ولهذا يفترض أن يطاول الضغط الروسي إيران أيضاً، بعدما بدأت بالرد على التنسيق بين موسكو وأنقرة عبر الاقتراب من القوات التركية المتوغلة في شرق حلب نحو مدينة الباب، ما يهدد بتوسيع الحرب وينزع صفة الحياد عن أنقرة ويجهض الجهود الروسية.

وفي المحصلة، يشكل مؤتمر آستانة محطة صغيرة وهامشية في مسار الأزمة السورية بانتظار أن تنتهي الإدارة الأميركية الجديدة من المرحلة الانتقالية التي قد تستمر بضعة أشهر. وفي غضون ذلك، ستظل «وصفات» إنهاء النزاع السوري تنقصها لمسة «كبير الطهاة»، إذا توافرت لديه الرغبة والوقت.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني