مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٣ يناير ٢٠١٧
ماذا لو ترمب أسوأ من أوباما!

حتى لو قرر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب، أن يبني الجدران مع جيرانه، ويطرد عشرة ملايين مقيم غير شرعي في بلاده، ويمتنع عن مدّ حمايته لأوروبا وجنوب شرقي آسيا وحلفائه في منطقة الشرق الأوسط، فإننا لن نقلق كثيرًا لأن سياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بلغت من السوء، ما يجعل ترمب مقبولا مهما فعل أو لم يفعل في منطقتنا.

حتى لو هادن ترمب إيران، وأيّد بقاء نظام الأسد في سوريا، وامتنع عن مدّ يد العون لملايين المشردين واللاجئين، وسكت على التمدد الروسي، فإن هذه كلها حدثت في عهد أوباما.

لقد انتشر الإرهاب في أنحاء العالم، ضرب أكثر من عشر مدن أوروبية، بدرجة لم يتخيلها أحد، نتيجة سياسة اللامبالاة التي تبنتها الإدارة السابقة. ودبّت الفوضى في سبع دول عربية، وكانت سياستها تشجع عليها في كل أزمة. وعندما قامت الثورة في ليبيا جلس متفرجًا حتى انتشر «داعش» والقوى الإرهابية وقتلا السفير الأميركي. وفي مصر دفعت سياسة أوباما الجيش لإقصاء الرئيس حسني مبارك باسم دعم الثورة، ثم تركها للفوضى التي تسببت في التدخل العسكري. وفي اليمن أصرّ على التغيير الديمقراطي، ثم تخلّى عن دعمه وترك المتمردين بقوة السلاح يستولون على السلطة. وكان موقفه في البحرين لا يقل سوءًا حيث حاول تأييد المعارضة وفرضها لولا أن الدول الخليجية قطعت الطريق عليه، فأرسلت قواتها إلى هناك. وفي العراق سحب أوباما آخر ما تبقى من قوته العسكرية، وكانت رمزية وتمثل جزءًا مهمًا من التفاهمات مع الدولة العراقية. ترك هذا البلد الاستراتيجي فريسة للإيرانيين وتنظيم داعش الإرهابي. أما سوريا فإنها كانت أسوأ كارثة مرّت في عهد أوباما، وفي تاريخ المنطقة منذ أكثر من نصف قرن. وكان لتردده ووعوده المضللة، دور ساعد على زيادة التدمير والقتل والتشريد الذي عاشه الشعب السوري. اتضح أن أوباما باع سوريا للمساومة مع إيران من أجل تحقيق اتفاقه النووي معها. وتبين لاحقًا أن أوباما منح إيران أكثر من رفع العقوبات، وإنهاء سياسة الاحتواء، حيث سلمها مبالغ مالية كبيرة، وسكت على دورها العسكري التخريبي في المنطقة، ولم يحمِ مواطنيه أو قواته البحرية في المنطقة من اعتداءات الحرس الثوري الإيراني.

شهدت فترة رئاسة أوباما انتشار الفوضى في المنطقة، وتضاعف عدد المنظمات الإرهابية ورجالها ونشاطها في العالم. لم يكن أحد يريد منه تدخلا عسكريًا أميركيًا، منذ فشل التدخل العسكري في العراق في عهد جورج بوش، لكن أوباما أخطأ عندما حرّم على حلفائه بيع السلاح للمعارضة السورية حتى لا يُغضب إيران، وأخطأ في الاستهانة بالجماعات الإرهابية حتى ملأت العالم رعبًا.

بعد هذه الإخفاقات الرهيبة في ثماني سنوات من رئاسة أوباما لا أعتقد أن أحدًا سيقلق من أي سياسة يتبناها الرئيس الأميركي الجديد، لأنها لا يمكن أن تكون أسوأ مما كانت ووصلت إليه اليوم. لا أحد في هذه المنطقة يتوقع من الرئيس ترمب أن يحقق إنجازات سياسية أو عسكرية، وسيكون إنجازًا مهمًا لو قررت إدارته وقف سياسة أوباما التي شجعت إيران على توسيع دوائر الحروب، وتركت التنظيمات الإرهابية تتمدد.

اقرأ المزيد
٢٣ يناير ٢٠١٧
الآستانة لإنتاج بشار وجنيف بعدها للتغليف

كثيرون اقتنعوا أن الغموض الشديد يكتنف فعلاً مفاوضات الأستانة القادمة, ولصنع هذا الغموض أتت كل الروايات والتوقعات والإشاعات التي تُضخ عبر الوسائط المختلفة ولم تتوقف أبداً...وكل الكلام اتجه بعيداً عن الذي تحضره موسكو في الأستانة.

وما تحضره موسكو ليس فيه أي غموض فهي تخطط لمفاوضات يتفاوض فيها الجميع على ما يريدون إلا على بقاء بشار الأسد.

التسوية من أي شكل تريدون وبأي تفاصيل تختارون ولكن تحت مظلة بشار الأسد.

وعلى هذا الأساس الثابت تصرف الروس منذ البداية, وأميركا حاولت أن تجد بديلاً ولمّا فشلت أصبحت مقتنعة تماماً ببقاء بشار الأسد ولحقت الدول الأوربية كلها كالعادة بالقناعة الأمريكية.

وآخر الملتحقين المضطرين بهذه القناعة كانت تركيا التي صرَّح نائب رئيس الوزراء فيها عن ذلك في دافوس.

وبدون أي غموض نجد أنَّ ما يجمع كل المفاوضين المنتدبين عن الفصائل ومن أضيف إليهم تحت مسميات شتى- سياسية واستشارية واعلامية- هو أنهم جميعاً تحت التواصل و الضغط والتعهد مع دول راعية وداعمة قريبة أو بعيدة.

ويبدو أن معظم المفاوضين الأوائل الذين تم اختيارهم في الرياض على الهوى الأميركي الكامل وتم تدريبهم هناك, قد أُبعدوا عن الأستانة وتُركوا للجولة التالية في جنيف واختارت روسيا للأستانة نوع المفاوضين الذي تريد, لتجعل الصبغة عسكرية ميدانية أكثر وأبرز مع وجودٍ لبعض الممثلين عن هيئة التفاوض والائتلاف كعناصر ارتباط.

ويتجه المفاوضون برئاسة محمد علوش بدون أي خطة أو خارطة طريق خاصة بهم  يعرضونها سوى فك الحصار والمعتقلين, بل صرّح محمد علوش ممتدحاً ممهداً للدور الروسي وقال:  إنه يرى خطاباً روسياً جديداً يجب أن يُستثمر.

وبدون أي غموض أيضا صرَّح بشار الأسد عن الأستانة أن أقصى ما عنده هو عفوٌ يقدمه لبعض الجماعات المسلحة,  و السماح لها بالمشاركة بالهدن والمصالحات المحلية التي مهَّدت له اصلاً لابتلاع كثير من الأراضي والمناطق المحررة....

تصريحات بشار الأسد وموفديه التي كانت تصدر قبل جولات جنيف تطابقت سابقاً مع ما جرى فعلاً في المفاوضات لوجود الضمانات الروسية والإيرانية من خلفها حول بقاء بشار الأسد ....وستتطابق التصريحات مع النتائج هذه المرة ايضاً ولن يكون أمام وفد الفصائل إلا محور واحد ألا وهو الموافقة على بقاء بشار الأسد.

في الأستانة قد يقوم المعدّون والمخرجون بإنشاء ورشات عمل ظاهرية تناقش تفاصيل تثبيت وقف إطلاق النار وفك الحصار والمعتقلين,

وخلف أبواب أخرى سيتم طرح محور بقاء بشار سراً أو علناً لتتم غربلة وفرز الذين يمكن أن يتفهموا ويوافقوا عن المتشددين الرافضين مطلقاً, وسيكون هناك بلا ريب حضور قوي للضاغطين المؤثرين.

لقد جرت عملية الفرز الأولى في أنقرة وفي الأستانة الفرز النهائي الذي على أساسه سيُضاف الرافضون المتطرفون إلى بنك الأهداف العسكرية على الأرض, وينتقل الموافقون المتفهمون المعتدلون إلى جنيف حيث سيُرحَّل الإعلان عن التسوية إلى هناك لضرورة التعبئة والتغليف.

الإبقاء على بشار الأسد ليس بالأمر البسيط ولابد له من تعبئة وتعليب في تسوية مقنعة ثم تغليفها بغلاف مغرٍ مقنع.

مؤتمر جنيف سيكون مؤتمر التعليب و التغليف.

التسوية السياسية هي التفاصيل الكثيرة المتشعبة والمعقدة التي ستُعلب بقاء بشار الأسد ولابد أن تكون التفاصيل معقدة وفي نفس الوقت بعضها متروك مؤجل لإفساح الفرص للمناورة والتهرب والتغيير في المستقبل.

أما التغليف فلابد منه عاجلاً ولابد من أن يكون مقنعاً مغرياً جاذباً لأكبر عدد ممكن من الناشطين في الثورة السورية , ولابد أن يلبي أموراً معنوية دعائية وأن يلعب على أوتار حساسة مشدودة.

قد يختارون تغليفاً فيه أن بشار يبقى حتى نهاية مدته في عام 2021, وأنه لن يترشح بعدها وحتى ذلك الحين تتغير أمور وتستجد أمور.

وقد يختارون تغليف الانتخابات المبكرة بعد سنة, يترشح فيها بشار الأسد ومن أراد أن ينافسه فالساحة مفتوحة والضمانات بانتخابات نزيهة أممية دولية , والشعب يختار بحرية بوجود الرعب وأشباح الرعب وشبيحة الرعب.

وقد يختارون تغليف نزع الصلاحيات من بشار وجعلها في يد حكومة شراكة وطنية, وتبقى دولة الاستبداد العميقة هي الحاكم الفعلي ومرتبطة عبر أعماقها السحيقة ببشار الأسد.

وقد يضيفون تغليفاً أكثر ترغيباً وإغراءً فيه دول مانحة وفيه أرقام ضخمة مشروطة لإعادة البناء والإعمار, ووعود للاستثمار وخلق الفرص والعمل....ولو صدقت الدول المانحة أصلاً مع الثورة السورية لما وصلت الأمور إلى ماهي عليه الآن.

هما مؤتمران متتاليان ...مؤتمر للضغط و الفرز والتصنيف النهائي ومؤتمر للتعليب والتغليف.

وفي كلا المؤتمرين هناك مصطلحات تغليفية لازمة ستتكرر....محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية, ضرورة مشاركة الجميع في الحرب على الإرهاب, حقن الدماء أولوية وضرورة ودافع.

ولكن لن يستطيع أحد أن يُروّج في التعليب والتغليف لحقوق أكثر من مليون شهيد ومفقود, وأكثر من مليون معتقل مؤقت ودائم, وأكثر من ثلاثة عشر مليون لاجئ ونازح, وغير ذلك كثير.

اقرأ المزيد
٢٣ يناير ٢٠١٧
جريمة «الركبان» الجديدة: من المسؤول وما هو الهدف؟!

إستهداف مخيم «الركبان»، داخل الحدود السورية، وعلى هذا النحو المتواصل مقصود به الأردن فالجهة التي إرتكبت جريمة أمس الأول التي كانت حصيلتها أكثر من عشرة قتلى وأكثر من ضعف هذا العدد من الجرحى أرادت دفع اللاجئين السوريين في هذا المخيم إلى إجتياح الحدود الأردنية والإنتقال إلى الداخل الأردني ولإضافة مزيد من الضغط والأعباء على الأردنيين لإجبارهم على الإستنجاد بنظام بشار الأسد لفتح حدود سورية وإعادة إستيعابهم في مناطقهم الأساسية أو في أي مكان على الأراضي السورية.

والمعروف أن هذه العملية الإجرامية، التي إستهدفت هذا المخيم وأستهدفت معه حرس الحدود الأردنيين، لم تكن العملية الأولى وبالتأكيد فإنها لن تكون الأخيرة ففي الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) عام 2016 كانت هناك عملية إرهابية دموية أدت إلى إستشهاد وجرح عدد من الجنود الأردنيين وحيث ثبت أن تجهيزها قد تم داخل مخيم الركبان هذا وبالطبع فإنه قد تم تحميل المسؤولية لتنظيم «داعش» الإرهابي الذي ستثبت الأيام أنه بصورة عامة قد «أخترع» إختراعاً لتحميله مسؤولية إن ليس كُلِّ فمعظم هذه المذابح التي ترتكب في سورية وخارجها وبنفس طريقة إختراع»راجح» في مسرحية بياع الخواتم للفنانة المبدعة فيروز التي لن يجود الزمان بمثلها.

كان بعض «المؤلفة قلوبهم» وأصحاب المصالح الخاصة ومعهم بعض المصابين بالحول السياسي من الأردنيين بالطبع قد بدأوا «يطرحون» وإن همساً ومواربة بضرورة «إنفتاح» الأردن على هذا النظام السوري وإعادة كامل العلاقات السابقة معه ولقد ذهب بعض «المتفلسفين» إلى المطالبة بتوجيه دعوة لرئيسه بشار الأسد لحضور القمة العربية التي ستنعقد بعد أسابيع في منطقة البحر الميت الأردنية.

وبالطبع فإن هؤلاء، الذين يعتبر بعضهم أنفسهم رجال دولة من «العيار الثقيل»!!، من المفترض أنهم يعرفون أن هناك قراراً عربياًّ لم تتحفظ عليه سوى دولتين عربيتين بتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية مما يعني أن دعوة بشار الأسد لحضور قمة البحر الميت تتطلب الغاء هذا القرار الآنف الذكر.. وهذا غير معقول وغير ممكن وبخاصة وأن هناك الآن مساع جدية لحل الأزمة السورية وفقاً لـ»جنيف1» وقرارات مجلس الأمن الدولي التي تنص على مرحلة إنتقالية لا دور ولا مكانة لرئيس هذا النظام السوري فيها.

لقد إنسجم الأردن مع نفسه وتلاءم مع مصالحه وقد إنحاز إلى الشعب السوري الشقيق فعلاً عندما إتخذ الموقف الصحيح الذي إتخذته غالبية الدول العربية الشقيقة والذي لا يزال ساري المفعول حتى الآن وهو سيبقى ساري المفعول إلى أن تحل هذه الأزمة الحل الذي تم الإتفاق عليه في (جنيف1) مما يعني أنه على أصحاب مواقف التجارة السياسية الرخيصة ألا يعتقدوا أن المعادلات في هذه المنطقة قد حسمت لمصلحة إيران وبالتالي لمصلحة بشار الأسد فهذه إما أحلام يقظة أو أوهام بلا أي أساس أو الإثنين معاً.. والآن وقد بدأ إجتماع الـ «آستانة» فإن الأيام ستثبت ذلك!!.

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٧
في مراجعة السنوات السورية الست

للتأمل في السنوات الست المنصرمة التي احتوت مفاعيل ثورة سورية محطمة وتبعاتها، ينبغي النظر في مستويين متمايزين من النشاط. الأول، وهو المستوى السياسي بحصر المعنى، مستوى القيادة المباشرة المتعلق بتحديد المواقف، واتخاذ القرارات، وشبك العلاقات السياسية، والتفاوض ..إلخ، وهو المستوى الذي تولته هيئاتٌ متعدّدة، كان أبرزها المجلس الوطني (تشكل بعد ستة أشهر من بداية الثورة)، ثم الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات. والحق أن بروز الهيئات المذكورة لا يعود إلى صلةٍ أقوى بالثورة، بقدر ما يعود إلى الاعتراف الخارجي بها. المرض الأساسي الذي شلّ فاعلية المستوى السياسي هذا، هو انفكاك مؤسساته عن الداخل، ما جعل "مشروعيّتها" مستمدةً من الخارج. هذا جزءٌ أساسي، ولعله الأساسي، في الخلل الذي تفاقم أكثر مع ظهور ما سميت (المناطق المحرّرة) من دون أن يكون لهذه المؤسسات موطئ قدم فيها، ما زاد في ضعفها المعنوي، وتحوّلها، أكثر فأكثر، إلى هياكل مسحوبة القيمة وهامشية. وتلمس من أحاديث من تسلموا مناصب قيادية في هذه المؤسسات مدى تقديرهم الاهتمام البروتوكولي الذي تلقوه من هذا الوزير أو ذاك، أو للعناية الشخصية التي خصّهم بها هذا المسؤول الخارجي أو ذاك. يعكس هذا ضعفاً معنوياً، ليس مردّه حداثة العهد بالمسؤولية، كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، بل إلى الشعور بانعدام القيمة السياسية الناجم بالتحديد عن وهن الصلة بالداخل وشعور هؤلاء بأن قيمتهم تأتي من خارج سورية، وليس من داخلها.

إلى ذلك، لم تعمل المؤسسات السياسية على حل مشكلتها المالية، إنْ عبر تشكيل صندوق وطني أو إمكانية التمويل الذاتي من (المناطق المحرّرة) أو ضغط النفقات وترشيق الهيئات ..إلخ، بحيث تحقق استقلالاً مالياً يسند الاستقلال السياسي. بقيت تابعة مالياً، وعرضة للابتزاز السياسي المالي، وللفساد المالي في غياب آلية مؤسساتية ورقابة مالية موثوقة، ما راكم في الوعي العام صورةً لا تصلح لمؤسسات بديلة.

لم تكن هذه القصورات مجتمعةً معزولةً عن التركيبة الداخلية للمؤسسات السياسية المذكورة، فغلبة الإسلاميين لم تكن في صالح "العمومية السورية" التي كان ينبغي أن تحميها، كما لم تثبت المجموعة الديموقراطية العلمانية داخل هذه التركيبة فاعليةً مستقلةً، تضع في منظورها أن تعكس، ضمن هذه المؤسسات، ثقل الطموح الديموقراطي السوري. وبالتأكيد، لم يكن هذا التعثر العام منفصلاً عن قصورٍ في التصورات السياسية، نال ما يستحقه من النقد: التعويل شبه التام على الخارج، الاستسلام أمام الشطط العسكري العصبوي والإجرامي، التراخي مع تفشّي التعبئة الطائفية على ضفة الثورة، القبول بدخول تنظيمات القاعدة على خط الثورة ..إلخ.

على هذا، سعت مؤسسات المعارضة أن تجمع ما لا يُجمع، أن تجمع الاستناد إلى القوى العسكرية الإسلامية، بوصفها القوى المواجهة للنظام في الداخل، والاستناد إلى الدول الخارجية التي تبدي تحفظاً أو رفضاً صريحاً لهذه القوى من جهةٍ أخرى.

كل هذا ينبغي النظر إليه باعتباره خللاً مؤسساتياً وليس فردياً. بمعنى أن الإخفاق ليس حصيلة أخطاء أفرادٍ فشلوا في أدوارهم، بل حصيلة بنية مؤسسية نشأت معتمدة على الخارج، وفاقدة السيطرة على الداخل الثائر، وهذه البنية تحدد فاعلية الفرد، مهما علا منصبه. تحميل الفشل العام لأفراد يغطي في الواقع على أصل المشكلة. من دون أن يعني هذا رفع المسؤولية بالكامل عن الأفراد الذين كان عليهم، على الأقل، مصارحة شعبهم "بالورطة" التي وجدوا أنفسهم فيها، بدلاً من السوق مع السوق، وتبني خطاب الداعمين، وربما، عند بعضهم، التركيز على المكاسب الشخصية التي وفرتها لهم "الأقدار".

يمكن القول إن الطغيان العسكري غطّى على أهمية المواقف السياسية، بمعنى أن الكلمة باتت للقوة، وليس لأي صوابيةٍ سياسية ممكنة. ولكن، ينبغي، أمام هذا التأكيد العام، أن نلاحظ أولاً أن الأداء السياسي المتعثر ليس بلا تأثيرٍ في تقوية الجبهة القتالية نفسها أو إضعافها. وثانياً أن الموقف السياسي، حتى لو فقد فاعليته المباشرة أمام الطغيان العسكري، فإنه يراكم في الوعي العام، ومن خلف ظهر العسكرة، تقديراً لصالح صاحبه أو ضده. وهذا التأثير أو المراكمة أمر في غاية الأهمية، عندما ننظر إلى اللوحة بشمولية ومستقبلية.

لا يمر، مثلاً، القبول بجبهة النصرة ونسبها إلى قوى التحرّر في سورية، من دون أثر في الوعي السوري العام، ذلك بصرف النظر عن المآل العسكري للصراع. تقتضي المراجعة تلمّس هذا الخلل المتكرّر في الميدان السوري، والتأمل فيه بمسؤولية.

يقود هذا إلى الحديث عن المستوى الثاني من النشاط في الثورة، وهو الذي يعمل على التأثير في الوعي. والذي تولاه كتاب ومحاورون وإعلاميون وفيسبوكيون ..إلخ، وحاولوا، بحسن نية، دعم الثورة. ولكن، بسببٍ من الاستسهال ربما، لم يفلحوا في حماية قيمة الثورة وجاذبيتها في الوعي العام. وهو ما يشكّل خسارةً كبرى، تزيد ربما عن الخسارة السياسية والعسكرية.

في هذا المستوى، تغيب الهرمية المؤسسية، لتحل مكانها ظاهرة الأقطاب والشلل، وهذه تقوم على اعتباراتٍ ضيقة وتعالٍ فقير. وقد شكل "فيسبوك" الميدان الأنسب لهذه الظاهرة. سهولة الحصول على منبر واتساع دائرة "المتواصلين" أعطيا لهذه الوسيلة دوراً لم يكن متخيلاً من قبل. والحق أن من السمات التي برزت في هذا المستوى ضعف الشعور بالمسؤولية. وسائل التواصل الاجتماعي تحضر لأول مرة في الثورات، وهذه تجربة جديدة ومجال غير مختبر، فقد توفر لكل فرد منبر عام سهل، أو جريدة شخصية، من دون أن يرافق هذه القدرة، المتاحة فجأة، ما يكفي من الثقافة والمتابعة والموضوعية والشعور بمسؤولية المنبر.

في الحالة السورية، تحولت هذه الوسيلة إلى ميدان للتنافر والصد أكثر منها للحوار وصياغة الأرضيات المشتركة. تكرّس، في هذا المجال، الابتعاد عن المعنى الإنساني للثورة، حين ارتبط التعاطف الإنساني بالموقف السياسي، وقاد هذا إلى فتح المجال أمام المفاضلة بين جرائم. اتسع هذا الشرخ الأخلاقي كثيراً مع الوقت؛ وقاد، مشفوعاً بازدهار لغةٍ وتحليلات طائفية، وبسيادة نفس استعلائي مشبع باليقين، إلى تحطيم فكرة الثورة في وعي العامة، حين ظهرت في مؤسساتها، وفي "وعي" جمهورها، كما لو أنها تحارب نظاماً مستبداً من دون أن تتميز عنه.

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٧
حروب إيران بين أميركا وروسيا

ما عاد أحدٌ من المسؤولين الإيرانيين يكرر ما قاله روحاني وظريف عندما تم الاتفاق النووي عام 2015، أي أنه أكبر انتصار للإسلام ولإيران منذ قيام الثورة. وقتها كان الكلام موجَّهاً إلى الخصوم الداخليين للاتفاق. وهم أولئك الذين كانوا يريدون إنتاج سلاح نووي، شأن باكستان في ثمانينيات القرن العشرين. وبحسب تقدير هؤلاء، ومنهم قادة الحرس الثوري، فإنه بالوصول إلى النووي تصبح إيران قلعةً حصينةً لا يمكن الهجوم عليها ولا تهديدها، وفي الوقت نفسه يمكنها أن تتابع حروبها دونما خوف للسيطرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وكان تقدير روحاني ومعسكره أنّ الممكن بالمنطق أحد الأمرين: إما النووي، وإما المكاسب الإقليمية. إذ إنه حتى المكاسب الإقليمية لا يمكن تحقيقها من دون انفكاك الحصار الأميركي على طهران. فهي محتاجةٌ إلى المئة والخمسين مليار دولار المرهونة في الولايات المتحدة لتجديد سلاحها وجيوشها من جهة، وتجديد الصناعة البترولية، وتوسيع القدرات على التصدير.

أما على الجبهة الأميركية، فقد كان أوباما وإدارته يعتقدان أنّ تأجيل إنتاج السلاح النووي من جهة، وفتح الحصار من جهة ثانية، يُدخِلُ إيران في حقبة جديدة، تتنامى خلالها الاحتياجات والتوقعات الشعبية، وتتضاءل طموحات إيران في تصدير الثورة ذات التكلفة العالية في المال والأرواح.

«جاي سولومون»، مؤلّف كتابك «حروب إيران» (2016)، يرى أنّ أوباما أخطأ في فهم التكتيكات الإيرانية، نتيجة الخطأ أصلاً في فهم الطموحات الإيرانية أو طموحات الحكام الإيرانيين. فهؤلاء ما كانت تهمهم كثيراً الطموحات الشعبية في الكفاية والرخاء، وإنما كانوا لا يزالون على خطتهم الأولى في انتهاز فرصة الغزو الأميركي للعراق للاستيلاء على منطقة الشرق الأوسط. والفرق بين الطرفين الإيرانيين الداخليين أنّ جماعة روحاني كانوا يعتقدون أنه يمكن خداع الولايات المتحدة بالحصول على الأمرين: السلاح النووي، والتوسع الاستراتيجي. لذلك استطاعوا إقناع خامنئي بتأجيل إنتاج السلاح مقابل إطلاق أيديهم في التوسع مع القدرات المستجدة والناجمة عن فك الحصار.

على أنه- في نظر سولومون- الإيرانيون الروحانيون والسليمانيون معاً أخطؤوا في تقدير التحديات التي تواجههم في مناطق التوسع. إذ خلال المفاوضات على الاتفاق، من عُمان إلى جنيف، ظهر «داعش» في سوريا والعراق، وتقدم المعارضون الآخرون لنظام بشار الأسد، وصارت إيران نفسها مهدَّدة، وهو تهديدٌ لا يفيد في دفعه عنها حتى السلاح النووي. وذلك لأنها لا تُواجِهُ دولاً فقط، بل أيضاً تنظيمات عقائدية مسلحة تقاتل على أرضها وعلى الأرض التي اكتسبتها، ولا تُهمُّها الخسائر التي تلحقُ بها ما دامت تتخذ لسلوكها عنوان: إدارة التوحش! إيران تريد الاستيلاء على الدول والثروات، وخصومها يريدون إحراق تلك الدول والثروات، في المراحل الأولى على الأقل.

فهم الإيرانيون أنّ الاتفاق النووي يتيح لهم التوسع من دون حدود إذا تجنبوا إسرائيل. لذلك فبعد أُسبوع على توقيع الاتفاق ذهب الجنرال سليماني إلى موسكو لإقناع الرئيس بوتين بالتدخل في سوريا إنقاذاً لحكم الأسد المتهاوي. والتفت اللوبي الإيراني من حول الرئيس أوباما إلى خطر «داعش» على العراق وعلى الأكراد وعلى العالم. وهكذا، وفي مطلع 2016 اعتقد الإيرانيون من جديد أنه يمكن كسْبُ كل شيء: فكّ الحصار، وضمان العراق عن طريق الأميركيين، وضمان سوريا بجهد الروس. وعلى مشارف عام 2017 بدا نظام الأسد راجح الكفة ولكنْ بقوة الروس، وبدا العبادي متقدماً على «داعش»، ولكن بمعونة الأميركيين. وبذلك فقد صار للإيرانيين شركاء في كلٍ من العراق وسوريا، وهو أمرٌ ما كان يتصوره أحدٌ حتى روحاني الذي كان على أي حال يفضّل رفاهية طهران على رفاهية آل الأسد!

إلى أين تتجه الأمور في عام 2017، ودائماً مع التأمل في «حروب إيران» المقبلة؟ لا يريد ترامب وأنصاره علاقات جيدة بإيران، لكنهم يريدون علاقات جيدة بروسيا. لذلك فالتقدير أن يتقدم الحلُّ السياسي في سوريا مع بقاء الدور الأكبر للروس، وتوسع الدور التركي (وربما العربي) للاستخدام في مقاتلة «داعش». أمّا في العراق فسيظل الأميركيون موجودين لمقاتلة «داعش»، ولخلق توازُن بين إيران وتركيا. وستظل إيران مسيطرة على النخبة الحاكمة ببغداد. وستستمر المراوحة الكردية بين إيران وتركيا وأميركا وروسيا وإسرائيل في سوريا والعراق.

ماذا كسبت إيران من حروبها؟ إذا كان الخراب مقياس النجاح، فإنها نجحت في تخريب ثلاثة بلدان عربية على الأقل. أما بمقياس بناء الدول، فلا شك أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لا يزال أقل سوءاً من الاحتلال الإيراني للعراق وسوريا!

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٧
آستانة والعسكرة

تشكّل مفاوضات آستانة، المفترض أن تبدأ غداً، تطوّراً مهماً في مسار الصراع السوري. فهذه المرة الأولى التي سيكون فيها التفاوض بين الحكومة والفصائل المسلحة وليس المعارضة السياسية.

سيقلل بعضهم، ربما، من أهمية ذلك. فمفاوضات آستانة، كما سيقولون، ستكون محصورة بتثبيت وقف النار، في حين أن المفاوضات السياسية ستبقى، على الأرجح، كما كانت سابقاً، مع «الهيئة العليا للمفاوضات»، تكتل المعارضة الأبرز. سيقول أصحاب هذا الرأي، إذن، إن التسوية السياسية ستكون مع «سياسيي» المعارضة في جنيف وليس مع «عسكرييها» الذاهبين إلى آستانة.

كلام صحيح. ولكن ماذا لو أدت آستانة إلى «تمايز» بين السياسيين والعسكريين، فلمن ستكون الغلبة؟

مرد هذا التساؤل حالات شبيهة في نزاعات سابقة وعد فيها «العسكريون» بأن يخضعوا لـ «السياسيين» الذين ستكون لهم الكلمة النهائية في أي مفاوضات سلام، لكن النتيجة كانت معاكسة، بحيث «همّش» العسكري السياسي.

حصل مثل هذا الأمر في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، بين نهاية خمسينات وبداية ستينات القرن الماضي. قال عسكريو «جبهة التحرير»، منذ بدايات ثورتهم (مؤتمر الصومام عام 1956)، إنهم يخضعون لسياسييها، لكن تطورات الحرب أفرزت نتيجة معاكسة تماماً. فتم تهميش السياسيين وقتل بعضهم أو نفيه، وأمسك العسكريون بورقة الثورة حتى نالت بلادهم استقلالها عام 1962، وهناك من يقول إنهم ما زالوا ممسكين بالحكم فيها حتى اليوم.

مثال ثان من الجزائر يعود إلى فترة التسعينات، عندما كانت الأزمة مشتعلة عقب إلغاء الانتخابات التي فازت فيها «جبهة الإنقاذ». حاول الحكم الجزائري، آنذاك، التفاوض على تسوية، فذهب جنرالاته وسياسيوه إلى قادة «الإنقاذ» المسجونين (القيادة السياسية)، وتحاوروا معهم على إطلاق مسار تسوية يبدأ بنداء لوقف العنف. تردد قادة «الإنقاذ». لم يكن سهلاً، كما يبدو، أن يصفوا ما يحصل بأنه عنف، بينما هم يعتبرونه دفاعاً مشروعاً عن حق مسلوب. استمرت المفاوضات عامي 1993 و1994، من دون نتيجة. وفي الواقع، ما عقّد التسوية أن مسلحي المعارضة لم يكونوا خليطاً متجانساً. بعضهم كان يؤمن بالعمل السياسي. بينما بعضهم الآخر لم يكن أصلاً يؤمن لا بانتخابات ولا بديموقراطية.

ولا شك أن قادة «الإنقاذ» السياسيين كانوا على دراية بهذا الواقع، إذ أنهم أرسلوا موفدين إلى الجبال، حيث سمعوا ردّين مختلفين على طلب وقف القتال. الطرف الأول، ممثلاً بـ «الجماعة الإسلامية المسلحة»، رفض ذلك بحجة أنه لا يجوز شرعاً («لا هدنة مع المرتدين»، كما جادلوا). الطرف الثاني، ممثلاً بقادة «الجيش الإسلامي للإنقاذ»، حض السياسيين على إبرام تسوية مع الحكم، وجادل بعضهم بأنه يرى غلوّ «الجماعة المسلحة» أكثر خطورة على الجزائر من جنرالاتها.

أمام هذا الواقع، عجز سياسيو «الإنقاذ» عن بت أمرهم في خصوص نداء وقف العنف، فتلقّف عسكريوها المبادرة. عقدوا هدناً محلية مع الجيش النظامي، ووافقوا على إلقاء سلاح «جيش الإنقاذ» والانخراط في مصالحة مع النظام. لم تكن تلك المصالحة مثالية واعتبرها مناصرون لـ «الإنقاذ» مجحفة، إلا أن تجاوز عسكريي الجبهة لقادتهم السياسيين ساهم، كما يعتقد كثيرون، في تهميش «المتطرفين» («الجماعة المسلحة») ووضع الجزائر على سكة وقف نزف الدم.

في هذين المثالين الجزائريين، يظهر جلياً أن الكلمة في نهاية المطاف كانت لحاملي السلاح وليس السياسيين، وإن بنتائج مختلفة (انتصر العسكريون في حرب التحرير وهُزموا في الحرب ضد النظام).

هل تكون مفاوضات آستانة السورية «الثغرة» التي ينفذ منها «عسكريو الثورة» لأخذ زمام المبادرة من سياسييها؟ يبدو مبكراً الوصول إلى هذه الخلاصة الآن، إلا أن ما يحصل في الميدان السوري يوحي بأن العسكريين مقبلون على ترتيب أوضاع ساحتهم وتحديد من يُمسك بها أولاً، قبل السير في ما يقرره السياسيون أو تهميشهم. ويتضح هذا جلياً في محاولات تجميع الفصائل المشتتة، سواء تحت لواء «المتشددين» كـ «جبهة فتح الشام»، أو في إطار «المعتدلين»، على غرار الفصائل الذاهبة إلى آستانة. سورية ليست الجزائر، بالتأكيد، لكن الحروب والأزمات تتشابه أحياناً، كما يوحي صراع العسكريين في ما بينهم، وبينهم وبين السياسيين.

اقرأ المزيد
٢٢ يناير ٢٠١٧
ترامب وسوريا ومرحلة ما بعد حلب

تبدأ ولاية دونالد ترامب، فيما انتقلت سوريا إلى حال جديدة مختلفة كلّيا عن تلك التي مرّت فيها منذ اندلاع الثورة الشعبية في آذار-مارس 2011 بحثا عن شيء من الكرامة.

يبحث الشعب السوري عن شيء من كرامته المفقودة منذ ما قبل وصول حزب البعث إلى السلطة في آذار-مارس 1963، أي منذ أخذه بعض الجهلاء والمغامرين إلى الوحدة مع مصر في العام 1958، وهي وحدة أقرب ما تكون إلى بناء قصور على الرمال.

أسست الوحدة لقيام نظام أمني في سوريا التي كانت بدأت تلتقط أنفاسها وتعود إلى وضع طبيعي، في ظلّ برلمان منتخب ديمقراطيا، بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية لضباط يتسمون بالرعونة بدءا بحسني الزعيم الذي قام على النظام القائم في العام 1949.

يتمثّل جديد سوريا هذه الأيّام في ما بعد معركة حلب التي شهدت إطلاق المشاركين في جنازة هاشمي رفسنجاني في طهران هتاف “الموت لروسيا” تعبيرا عن مدى السخط الإيراني من السياسة الروسية في سوريا.

كان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على حقّ عندما أكد قبل أيّام أنّ دمشق كانت ستسقط في يد المعارضة في غضون أسبوعين أو ثلاثة لو لم يحصل التدخل العسكري الروسي في أواخر أيلول-سبتمبر من العام 2015.

يعبّر مثل هذا الكلام عن حقيقة أن روسيا أنقذت النظام السوري وأبقت بشّار الأسد في دمشق. روسيا نفسها جعلت الثوار يغادرون حلب وذلك في ظلّ اتفاق مع تركيا التي لعبت دورا أساسيا على صعيد تغيير الوضع في المدينة.

سحبت تركيا المسلحين الذين لديها مونة عليهم من داخل حلب ثمّ قطعت الإمدادات عن المدافعين عن المدينة في ظلّ قصف جوّي روسي طاول المدنيين خصوصا لتأليبهم على المدافعين عن حلب.

تبدو روسيا على عجلة من أمرها في سوريا. كان عليها خلق أمر واقع على الأرض قبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. كان عليها أن تهيّئ نفسها لمفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة من موقع قوّة.
زمن دونالد ترامب

فالرئيس الروسي يعرف جيدا أن ترامب ومساعديه، على رأسهم وزير الخارجية ركس تيلرسون، يعشقون عقد الصفقات، كلّ أنواع الصفقات، بما في ذلك الصفقات السياسية.

تظلّ سوريا إحدى الأوراق القويّة لدى فلاديمير بوتين. يراهن الرئيسي الروسي على استخدام هذه الورقة في الوقت المناسب بغية الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه بلاده. لذلك يمكن الحديث عن وضع جديد في سوريا بدأت تظهر ملامحه بوضوح كليّ في مرحلة ما بعد سقوط حلب.

من أبرز هذه الملامح التوتر بين روسيا من جهة وكلّ من النظام السوري وإيران من جهة أخرى. لم يكن منع بشّار الأسد من زيارة حلب في الفترة بين عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة، أي في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي سوى أحد مظاهر هذا التوتر.

كان الأسد الابن ينوي إلقاء “خطاب الانتصار” في المدينة. جاءت الرسالة الروسية مقتضبة. فحوى الرسالة أن الانتصار الذي تحقّق على حلب وأهل حلب كان نتيجة تحالف روسي-تركي ليس إلّا.

دخول قوات تابعة للنظام وميليشيات مذهبية تابعة لإيران مناطق وأحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، كان نتيجة مباشرة لهذا التحالف. لو شاءت تركيا، لبقيت حلب، في جزء منها، عصيّة على النظام.

يتمثّل جديد سوريا باختصار في التحالف مع تركيا في منطقة الشمال السوري والتحالف مع إسرائيل في مناطق أخرى، خصوصا في كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بدمشق والمناطق القريبة منها وتلك المرتبطة بالجولان الذي طويت صفحته. ليس صدفة الإعلان قبل أيام عن غارات جوية روسية-تركية على “داعش” في داخل الأراضي السورية.

لم يعد سرّا أن الحلف السوري-الإسرائيلي أكثر عمقا بكثير مما يعتقد. إذا كان هناك تحالف تركي-روسي، هناك حلف روسي-إسرائيلي. سيساعد هذا الحلف روسيا في التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة التي أعلنت أنها ستنقل السفارة إلى القدس التي تعتبرها إسرائيل “عاصمتها الأبدية”.

أكثر من ذلك، أظهرت هذه الإدارة انحيازا كبيرا لإسرائيل ولسياسة الاستيطان التي يتبعها بنيامين نتنياهو عندما عيّنت ديفيد فريدمان سفيرا لها في إسرائيل. الأسوأ من ذلك، أن ترامب جعل من صهره جاريد كوشنر مسؤولا عن عملية السلام.

كوشنر وفريدمان من أبرز داعمي الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية. إنّهما رمز للتغيير الذي ينشده ترامب على صعيد الشرق الأوسط في مجال تكريس الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية!

في ظلّ التحالف الروسي-التركي والحلف الروسي-الإسرائيلي والعلاقات المتجددة بين تركيا وإسرائيل، هناك وضع جديد على الأرض في سوريا. هل بدأت إيران تعيد حساباتها، خصوصا بعدما تبيّن أن هامش المناورة لديها صار محدودا وأن كلّ شيء في سوريا يعتمد على ما يتقرّر في موسكو، بما في ذلك مراقبة روسيا لعملية شراء الأراضي من أجل تغيير التركيبة السكانية في مناطق محدّدة في مقدّمها دمشق؟

هذا الوضع الجديد على الأرض السورية يمكن أن يفسّر تلك التحولات في الخطاب. فجأة، يتحدّث محمد جواد ظريف وزير الخارجية عن تعاون إيراني-سعودي أدّى إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. كذلك صار علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حريصا على وحدة الأراضي السعودية وعلى التعاون مع المملكة ومع العائلة المالكة فيها.. فجأة أيضا، صار يتحدّث بإيجابية عن آل سعود في تصريح وزعته الوكالة الإيرانية الرسمية “إرنا”!.

لن يكون مؤتمر أستانة (عاصمة كازاخستان) الذي سينعقد ابتداء من يوم الاثنين، بدفع روسي-تركي، سوى خطوة أولى على طريق تقديم روسيا-فلاديمير بوتين أوراق اعتمادها لأميركا-دونالد ترامب.

سوريا هي المنطلق بالنسبة إلى الرئيس الروسي الذي يعرف في نهاية المطاف أنّه سيكون عليه الاختيار، عاجلا أم آجلا، بين واشنطن وطهران. فمثلما هناك جديد على الأرض في سوريا، هناك جديد على الأرض في واشنطن. هناك وزير جديد للدفاع هو الجنرال جيمس ماتيس يعرف تماما، وهذا على الأقلّ ما قاله أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أن إيران مصدر التوتر في المنطقة وأن التوصل إلى اتفاق معها في شأن الملفّ النووي لا يعني التغاضي عن مشروعها التوسّعي في الإقليم.

يبدو أن موسكو تفهم هذه المعادلة جيّدا. ليست الساحة السورية، بما في ذلك التوتر الروسي-الإيراني سوى مرآة للتغيير الكبير الذي بدأ يشهده الشرق الأوسط ومعه العالم مع بداية عهد دونالد ترامب.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٧
 لافروف «منصف الثورة»

لافروف الذي قال إن روسيا أنقذت دمشق من السقوط أصبح موثوقا صادقا، بل وصفه أحد المنابر الثورية بأنه أنصف ثوار سوريا، تخيلوا ماهية ذلك العقل الذي يصف وزير خارجية الدولة التي قتلت آلاف السوريين بالمنصف، هو العقل الانتقائي الضحل ذاته أو (اللاعقل)، الذي يعرف أن لافروف نفسه قال قبل اربعة اشهر فقط إن «الاسد صمد، لست سنوات وبات يتمتع بشعبية أكبر بين مواطنيه».

بالنسبة لداعمي الفصائل المنخرطة بالتسوية مع النظام، فإن البحث عن تبريرات لتراجعهم عن مواجهة النظام أمام جمهور الثورة الغاضب بات هو عملهم الوحيد، خاصة ان تواجدهم مقتصر على الفضاء الإعلامي. أما في ساحة الفعل فيكاد يكون معدوما، وهكذا فإن الاعتماد على تصريحات مسؤولين روس يصبح أمرا مقبولا، حتى إن كانوا يكذبون اكثر من النظام نفسه، وحتى إن تحول الروس من اعداء للثورة الى شهود منصفين، وكأنهم لا يعرفون ان السياسة فن الكذب، وأن التصريحات السياسية هي دعاية وإعلان وشرعنة لعمل ما، فالروس أرادوا من هذا التصريح الدعاية لقوتهم العسكرية وتضخيمها، كما يعتبرونها حجة للتدخل تماما، كما اخترع الامريكييون حجة اسلحة الدمار في العراق للتدخل، عندما قدم، كولن باول في مجلس الامن عرضه الدرامي في مسرحية ملأت الدنيا كذبا..

واكثر المفارقات التي يعيشها من يعتمدون على التصريحات والأقاويل في فهم وتفسير مجريات الواقع، أنهم سيصلون لنتائج متناقضة تماما إذا اعتمدوا على التصريحات، الدعائية السياسية، فهل يمكن الاستناد إلى أن لافروف نفسه قال قبل أربعة اشهر إن الاسد صامد وشعبيته تزداد؟ أم عليهم تصديق حزب الله الذي قال احد قادته لجريدة «التايمز» إنه من أنقذ الاسد؟ أم العميد الايراني مسجدي مستشار سليماني (السفير الايراني الجديد في بغداد) الذي قال بتصريحات علنية ايضا، إن فيلق القدس أنقذ الاسد من السقوط؟ أم على تصريحات حلفائهم بالنظام السوري؟ القوى التي تتحدث باسم الثورة والتي روجت لتصريحات لافروف، تواصل سياسية الهروب من مواجهة الحقيقة، بحرف عين الجمهور عن الطرف الابرز الذي ساهم بانقاذ الاسد، وهو داعموه من الانظمة العربية.

فهذه الانظمة والفصائل المرتبطة بها كانت هدية السماء لنظام الاسد، تماما كما كانت هدية السماء للسيسي، فقد اخضعت ثوار الربيع في سوريا الذين خرجوا لاسقاط الانظمة وحولتهم لموظفين مأجورين عند عتاولة الانظمة، وروضت الاسلاميين منهم ليسيروا على درب الولايات المتحدة المعتدل، أملا بانتصار موعود على الاسد، قبل ان يسدل الستار على هذه المسرحية السمجة، بمشهد صادم ينتهي بـ»مذكرة الجلب» للاستانة، قبل ان تبدأ فصوله بطوابير المقاتلين العائدين لحضن الوطن من تلك الفصائل «المعتدلة» نفسها وهم يهتفون بالمعضمية بحياة ماهر الاسد.

وهكذا بدلا من تحميل مسؤولية الاخفاق لمن صنع ألف راية وفصيل للاكثرية السنية في سوريا، وفشل امام تحالف ايراني صنع من اقلية علوية قوة مهيمنة، تذهب التبريرات بعيدا في استغفال القارئ العربي واستغلال توقه لاي انتصارات في زمن هزائم متتالية، فيتحول السيد المنقذ الثوري لافروف لمحلل وخبير، ننتظر منه وصفا ميدانيا لواقع نزاع يفترض اننا نراقبه ونعيشه تفاصيله .

وهكذا اريد ابعاد اعين جمهور الثورة عن مكمن الداء، ليراد منهم ان يصدقوا أن الخلل لم يكن في قوى المعارضة المترهلة وداعميها المدججين بترسانات الاسلحة الصدئة، بل بقوة روسيا الساحرة التي لا يجرؤ احد على مقاومتها، تماما كما صنع هذا الجو الاسطوري لامريكا سابقا، يراد اقناعهم بقوة روسيا التي لا تملك قواتها دبابة واحدة في سوريا، ولم تشارك بكتيبة مقاتلة في معركة في سوريا ولا يزيد عدد مستشاريها عن عدة مئات.

يجب إقناع الجمهور أيضا بأن أكبر فصائل الغوطة في ريف دمشق المقرب من السعودية، الذي انشغل باعتقال قادة الثورة الاوائل في الغوطة كأبو علي خبية وغيره، وامتلأت سجونه بمئات المقاتلين من الفصائل التي قمعها في الغوطة، كجيش الأمة، في خطوة تهدف للاستبداد وليس للتوحيد، أوشك أن يحاصر أسوار العاصمة، إنه الفصيل الذي قاده اداؤه المترهل الى تجميد أكبر كتلة بشرية مقاتلة لمناطق المعارضة ونزع فتيل، اي هجوم حقيقي مؤثر على النظام منذ اواخر 2013.

رجال فصائل الغوطة، الذين احتفل انصارهم بتصريحات «منصف الثورة لافروف» ورغم انهم ولاربع سنوات ظلوا عاجزين، عن السيطرة على أي حي بدمشق وهم على تخوم ساحة العباسيين، الا انهم اقنعوا انفسهم انهم كانوا فجأة على ابواب القصر الجمهوري ولكن روسيا القيصرية تدخلت وبلحظة تاريخية لحماية دمشق، ونجحت بذلك دون اي جندي روسي مقاتل على الأرض، تماما كما اقنعوا وسائل الاعلام العربية التي روجت لهم لسنوات بساعة صفر في معركة دمشق الكبرى، التي لم نر منها إلا الصفر.

إن واقع توازنات القوى في سوريا حين تدخل الروس، تشير الى ان النظام كان يسيطر على جميع عواصم المحافظات وعقد المواصلات، عدا الرقة وادلب، وهذا لا يعني باي حال انه كان مهددا، ثم ان التدخل الروسي الجوي فور بدئه استهدف مناطق بعيدة تماما عن دمشق وهو ما يؤكد انعدام اي تهديد محيق في العاصمة، حيث شنت العمليات في ريف حلب الجنوبي وريف ادلب الجنوبي وسهل الغاب قرب اللاذقية، واستهدفت تحصين مواقع رخوة في شمال الخط الحيوي في سوريا المفيدة، واذا نظرنا لخريطة التوازنات قبل وبعد التدخل الروسي فلن نجد تغييرا كبيرا حققه التدخل العسكري الروسي، يوازي ما كان متحققا اصلا من السيطرة على مراكز اهم المدن والتكتلات السكانية في سوريا، خصوصا إذا اخذنا بالاعتبار ان حلب الشرقية كانت شبه محاصرة قبل التدخل الروسي، بعد عملية دبيب النمل التي عمل عليها النظام لاكثر من عامين، انطلاقا من خناصر والسفيرة نحو اللواء ثمانين نحو الشيخ نجار فسجن حلب المركزي. ورغم ان التدخل الجوي الروسي كان مفيدا للنظام في استعادة تلك القرى بارياف ادلب وحلب الجنوبية، إلا ان القوة التدميرية لطيران النظام كانت مستخدمة طوال الاعوام السابقة، خصوصا في ريف دمشق وحلب، وحتى مع هذه القوة الجوية الروسية، لم يتمكن النظام للان من استعادة ادلب او ريفها، بل ان المدينة المركزية الوحيدة التي استعادها النظام بعد التدخل الجوي الروسي هي تدمر، عاد وفقدها مجددا، رغم تلك القوة الجوية التي لا تمثل عاملا حاسما في حروب اهلية، كالحاصلة في سوريا .فالقوة المقاتلة الارضية تبقى العامل الابرز، ولا يملك الروس اي تواجد قتالي فاعل ضمن تلك القوات البرية التي تتوزع بين القوات النظامية والميليشيات الموالية وقوات حزب الله والميليشيات الشيعية الاخرى، وتشير ارقام القتلى في صفوف قوات النظام الى تسلسل الدور الذي لعبه كل طرف في المواجهات البرية، اضافة طبعا لخريطة توزيع القوى المسلحة الموالية للتظام على الجبهات القتالية، فعدد القتلى من الميليشيات العلوية وجنود النظام هو الاكبر بفارق يبلغ عشرات الالاف عن الطرف الثاني وهو حزب الله، ومن بعده الميليشيات العراقية والشيعية الاخرى، لذلك يمكن القول إن الطائفة العلوية المتماسكة لعبت الدور الاكبر عسكريا في دعم النظام، وعلينا الا ننسى ان مناطق الاقليات اراحت الاسد من تواجد اي قوات نظامية، كونها لم تشهد اي تمرد مسلح، بل انها تحولت بالسنوات الاخيرة لمصدر لدعم النظام في مناطقها، مشكلة دفاعا ذاتيا، فتجد ميليشيات درزية تقاتل ضد الثوار قرب القرى الدرزية بالسويداء، وميليشيات اخرى لقرى ريف حماة وحمص واللاذقية، واخرى للقرى الشيعية في نبل والزهراء وكفريا والفوعة، وهكذا فان عملية مواجهة تمرد اغلبية سنية مفككة تمت اساسا بفضل تماسك الاقلية العلوية وحلفائها من الاقليات الاخرى، بداية، ومن ثم الدعم الكبير من قوات حزب الله والميليشيات الشيعية، باشراف ودعم لوجستي ايراني، ثم القوة الروسية الجوية التي اكملت هذا التحالف المكون من كل هذه الاحزمة المترابطة بتنسيق موحد.

ويمكن القول ان النظام استفاد من التدخل الروسي في تعزيز جبهاته بعدما وصل لمرحلة لم يعد فيها قادرا اكثر على التقدم لاستعادة باقي المناطق، الا ان الدور الروسي السياسي والدبلوماسي يبقى اكثر نفعا للنظام من دور الالة العسكرية الروسية التي يجري تضخيم انجازاتها والتي لا تمثل نسبة تذكر مضافة على خريطة التوازنات قبل التدخل، ولم تكن لتحصل لولا تبعثر الفصائل، ولعل استعادة تنظيم الدولة لتدمر رغم تواجد الغطاء الجوي الروسي بل وقوات مستشارين روس ابسط مثال على ذلك، والامر ذاته ينطبق على دير الزور اليوم .

وبما ان الجمهور كثيرا ما ينسى وقليلا ما يلاحظ، فانه سيجد ان الجوقة التي روجت لساعة الصفر في معركة دمشق الكبرى، وملحمة حلب الكبرى، التي اعقبها سقوط حلب بثلاثة ايام فقط لا غير.. هي نفسها التي اطلقت مئات الاخبار المزيفة، لمحاربة وتشويه القوة الوحيدة التي ما زالت تقاتل النظام بشراسة وهي الفصائل الجهادية، ودق اسفين العداء بينهم خوفا من امتداد الطوفان الجهادي خارج سوريا، وهي نفسها الجوقة التي تعمل منذ بدء الثورة على فرض وصاية، الغرب على الثورة ونبذ اي توجه، اسلامي لها، وهي ايضا نفسها التي تغنت بعواصف الحزم التي لم تهب الا بمخليتهم ومخيلة من صدقها من الجمهور المغلوب على امره، المحاصر بعشرات المنابر الاعلامية ذات المنشأ والتمويل الواحد، رددت الدعاية، وفرضت الوصاية وهدفت لاحتكار تمثيل الثورة بيد جماعات سياسية وعسكرية خاضعة تماما للنادي الرسمي العربي.. وحولت جزءا كبيرا من، اعلام الثورة لنسخة من اعلام النظام بهزليته وانعدام مصداقيته، لانها تربت وتشربت بذهنية النظام نفسها.. فلم تنتج سوى نسخ جديدة من قناة «الدنيا» بشعارات معارضة، تقدم رواياتها سيئة الاخراج لجمهور محاصر بها، يتفاعل معها وتتفاعل معه في محيط مغلق تماما، لينطبق عليهم وصف (لا يعلمون ولا يعلمون انهم لا يعلمون) . واللافت ان هذه الابواق لا تتقن حتى فن التأليف، ولا تمتلك خيالا خصبا، وهي تحاول دائما الهروب من انتقاد النظام الرسمي العربي والقوى المرتبطة به اعلاميا وسياسيا، بحيث برمجت عقول متابعيها على ظاهرة عجيبة غريبة وهي معاتبة القتلة والشكوى من العدو.
كاتب فلسطيني من «أسرة القدس العربي»

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٧
تقسيم سوريا وضم لبنان

ما ستقوله الخارجية الاميركية على طاولة المحادثات حول سوريا في أستانة بكازاخستان هذا الشهر سيكون اول إختبار خارجي لإدارة الرئيس دونالد ترامب. ومما سنسمعه على لسان من سيمثل واشنطن في محادثات استانة سيقطع الشك باليقين في شأن كل ما تردد في الاسابيع الماضية حول عزم الرئيس الخامس والاربعين للولايات المتحدة الاميركية على إحداث تغيير جذري وإيجابي في العلاقات بين البيت الابيض والكرملين، علما أن مسار العلاقات بين إدارة الرئيس الاميركي المنتهية ولايته باراك أوباما وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تكن، وعلى مدى الثمانية أعوام التي أمضاها الرئيس أوباما، سيئة لاسيما في الملف السوري. لا بل أن اوباما خرج امس من البيت الابيض وهو متّهم بأنه تسبب بأكبر مأساة في التاريخ الحديث عندما عقد صفقة مع بوتين في أزمة إستخدام رئيس النظام السوري السلاح الكيميائي ما سمح للأخير وحلفائه بتدمير سوريا.

من يتابع سلوك طهران من بيروت الى أستانة يتبيّن ان النظام الايراني يتصرّف وكأنه خرج منتصرا من تورطه في الحرب السورية ومن إمساكه بالورقة اللبنانية منذ رحيل قوات الاسد عن لبنان عام 2005 إثر الانتفاضة العارمة في 14 آذار بعد إستشهاد الرئيس رفيق الحريري. ففي سوريا نجح رهان المرشد الايراني على بقاء الاسد في السلطة، كما نجح رهان ممثل المرشد في لبنان على وصول مرشحه الى رئاسة الجمهورية.

في إيران اليوم، تبدو سلطة ولي الفقيه علي خامنئي في أفضل أيامها. حتى أن موت خصمه رفسنجاني المفاجئ جاء ليعزز هذه السلطة التي كادت أن تتهاوى قبل أعوام في الثورة الخضراء. فمن موقع المنتصر جاء كلام وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف الاخير في مؤتمر دافوس حول نجاح التفاهم الايراني - السعودي في إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان. ومثله كلام أمين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني الذي صاغ شروط طهران بشأن مستقبل سوريا قائلا: "إما أن ترحّب السعودية وتركيا بتقسيم سوريا... وعندها لن يكونا في مأمن من التقسيم ، وإما أن يقفا في وجه هذا المخطط كما تفعل إيران".

على الارض، وبعد أعوام من التورط الايراني المباشر في سوريا وزّج الميليشيات الحليفة في الصراع السوري وفي مقدمها "حزب الله" ارتسمت فعليا خريطة ما يسمى "سوريا المفيدة". فقد تحوّل قسم من سوريا، وبعد التطهير العرقي الذي مارسته إيران وميليشياتها، ذا أقلية سنيّة. وتفيد معلومات أن طهران مصممة على إبقاء عشرات الالاف من قواتها المسلّحة ومن ميليشياتها الحليفة في نطاق هذه الخريطة ولن تتراجع عن هذا الوجود مهما تطورت المحادثات حول سوريا. وما يقال عن حسابات روسية مختلفة فهو ما زال في دائرة التكهنات. ماذا عن لبنان؟ كل المعطيات تفيد ان مشروع ضمّه الى "سوريا المفيدة" جاهز بقوة "حزب الله" التي لا تقف في وجهها أية قوّة أخرى.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٧
في فلك أستانا تصعيد عسكري إيراني

في ديسمبر 2016، وبُعيد اللقاء الثلاثي في موسكو بين روسيا وتركيا وإيران، تقرّر إجلاء المدنيين والمسلحين من مدينة حلب السورية. لكنّ هذا الإجلاء وقتها، تمت عرقلته مراراً وسط تأكيدات روسية ضمنية بقيام "عناصر ميليشياوية" باعتراض تنفيذ الإجلاء الآمن كما وعدت موسكو بالاتفاق مع أنقرة. فبين النظام و"العناصر الميليشياوية غير المنضبطة" بدأت تظهر تباعاً ملامح "امتعاض" إيراني من التقارب الروسي – التركي تجلّى ظرفياً وزمنياً بخروج عناصر من النظام والميليشيات ووضعهم عراقيل لتنفيذ إجلاء المدنيين من حلب، لأنّ طهران رأت في هذا التقارب تحييداً للدور الإيراني في القرار السوري.

مصادر سورية مطلعة على تفاصيل التطورات الميدانية، أفادت بالدور الإيراني المهم في الساحة العسكرية السورية، حيث تستطيع إيران فرض أمر واقع بدون تحميلها أي مسؤولية رسمية أو توجيه أصابع اتهام بشكل فاضح لمسؤوليها في "بدلاتهم بدون كرافاتات"، حيث إن من يرتدون البدلات العسكرية غالبيتهم من الميليشيات والمرتزقة.

في حين يشارك الرسميون الإيرانيون في اجتماعات في قصور رئاسية على أنهم الطرف الرسمي الإيراني الذي يفاوض ويجتمع ويضغط، هناك تحركات للميليشيات ميدانياً في الوقت نفسه بدون أي صفة رسمية، غير المظلة الإيرانية الآمرة. وهذه المشهدية تُذكّر اللبنانيين صراحة بتجاوزات من قبل عناصر حزب الله في الداخل اللبناني، كانت تهدف لإيصال رسائل تهديدية قبل أن تنتهي بإعلان من قبل قيادة الحزب بأن "أولئك" عناصر غير منضبطة.

وهذا الدور الإيراني في المعادلة، يبقى مهماً في إنجاح أو إفشال المساعي الروسية. فمحادثات أستانا التي تبحث الشق العسكري تهدف لتثبيت وقف النار بسوريا، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، لا يمكن أن تفضي إلى أي من أهدافها بدون "هدنة"، فيما الهدنة وخرقها بيد إيران.


التقارب الروسي – التركي
تتواصل المساعي التركية - الروسية لتطبيق الاتفاق بينهما وإحقاق مفاوضات أستانا. فمن جهة، تحدثت المصادر في موسكو عن تكثيف الكرملين في الآونة الأخيرة اتصالاته لضمان إجراء مفاوضات أستانا السورية في موعدها المقرر. وفي المقابل، تعمل أنقرة على الضغط على فصائل معارضة، وفق مصادر عديدة، للموافقة على المشاركة في أستانا وفق الترتيبات المتفق عليها مع الجانب الروسي، وكانت أرسلت إلى اجتماعات الفصائل السورية رئيس جهاز الاستخبارات التركي الذي اجتمع بهم طويلا، وفي وجوده تكمن الرسالة.

من جهة تركيا، فهي تلعب دوراً هاماً في الشأن السوري بحكم الجغرافيا والسياسة في آن، واجتمعت الظروف كي تتقارب من موسكو، بالموازاة مع تباعدها عن واشنطن. فمسلسل الأحداث بين الأميركيين والأتراك بُعيد محاولة الانقلاب الفاشلة هذا الصيف في تركيا، بدأ مع رفض الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن إلى تركيا الذي تتهمه بتدبير محاولة الانقلاب. وهذا التوتر يسير يداً بيد، مع دعم واشنطن لأكراد سوريا وتسليحهم وتدريبهم شمال البلاد، وهو ما ترفضه تركيا التي تصنف حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية كفصائل إرهابية، وتؤكد وجود رابط بين "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أميركيا والعمال الكردستاني.

لكن التباعد الحاصل بين واشنطن وأنقرة ترافق مع تقارب روسي – تركي، والذي بات يجمع بين القصير والسلطان ليس مرضياً.. لا واشنطن ولا لملالي إيران.


الدور الإيراني... بين روسيا وتركيا
التقارب الروسي - التركي، يفضي إلى تحييد للدور الإيراني حول محادثات أستانا، رغم وجود إيران كطرف فيها. والمحادثات المرتقبة والتي تقوم أساساً على تثبيت وقف النار بسوريا أولاً، يترافق إطارها مع خروقات بالجملة لهذا الاتفاق، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن الطرف المستفيد من خرق الهدنة. يعيدنا ذلك إلى تصريحات أدلى بها مصدر بالخارجية التركية لوكالة الأناضول، "إيران تتبع موقفاً يتلخص بكل ما يقبل به النظام السوري تقبل به طهران"، ليضيف أن "طهران غير راضية عن عملية درع الفرات، رغم محاولات البناء على قواسم مشتركة بين أنقرة وطهران منذ عام 2013. ورغم وجود تعاون بين إيران وروسيا في سوريا، إلا أن البلدين لديهما مصالح مختلفة". ويتهم الدبلوماسي التركي إيران بلعب دور مؤثر في التوتر بين العراق وتركيا، حيث إن "إيران تتبع سياسات طائفية مذكورة بدستورها" على حد تعبير الدبلوماسي التركي.

أما بالنسبة للعلاقات الإيرانية - الروسية فقد تحدثت تقارير غربية عن أن الروس وإيران تقاطعت مصالحهما لفترة لكنها عادت لتتباعد. وكانت وسائل إعلام إيرانية نقلت قبل أسبوعين تقريباً، عن محادثة بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ذكّر فيها روحاني القيصر الروسي أن اتفاق وقف النار في سوريا تم بجهود إيرانية - روسية - سورية، وهو طبعاً تهديد - مبطّن وصريح في آن يشير إلى أن إيران ستعمد لنسف الهدنة عبر الميليشيات التي تأتمر منها، إن كان هناك من أي مسعى لتهميش دورها في أي اتفاق سوري مقبل.

وخلال الشهر الحالي، كانت تصريحات في وسائل إعلام إيرانية تقول بالفم الملآن إن هناك "امتعاضاً" إيرانياً من التقارب التركي - الروسي بشأن الأزمة السورية والمترجم باتفاق وقف إطلاق النار، معتبرة ذلك "تهميشاً" للدور الإيراني، و"إضعافاً" لها وإخراجها من طاولة المحادثات والمفاوضات.

ختاماً، إيران ترى نفسها مُبعدة "سياسياً" وستعمد إلى عرقلة أستانا بوجه التوصل إلى نتائج "إيجابية" هناك. سوف تصعد عسكرياً في الميدان السوري بالموازاة مع المباحثات، لتجبر الفصائل المسلحة على اتخاذ قرار بالانسحاب من المفاوضات، تماماً كما حصل في مفاوضات جنيف. حتى ولو أن روسيا هذه المرة داخلة على خط الحل وتبحث عن دور "عراب" للأزمة وحلولها، لكن الحلف الإيراني – الروسي في وقت من الأوقات قام على تقاطع مصالح إلا أنه ليس دائماً. ونعود إلى تقارير غربية فصّلت العلاقة الإيرانية – الروسية في الشأن السوري، واعتبرت أن الروس وإيران تقاطعت مصالحهما لفترة لكنها عادت لتتباعد، حيث إن موسكو استخدمت الحل العسكري لأهداف سياسية واقتصادية وإقليمية، أما إيران فأهدافها طائفية مرتبطة بالهلال الشيعي وولاية الفقيه، وتبحث عن نفوذ عسكري في المنطقة.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٧
على أبواب أستانة

لم يكن اللقاء المرتقب في أستانة خياراً سورياً، لقد أراده الروس بعد أن حققوا بالتعاون مع الفرس ما رأوه انتصاراً تاريخياً على أحياء حلب الشرقية، وتمكنوا بعد حرب ضروس من إخراج الفصائل المسلحة، ثم دعوا إلى هدنة استثنت «داعش» و«النصرة» مما جعلهم يعلنون أنهم حققوا ما عجز عنه الأميركان من فصل بين مَن يصنفونهم (إرهابيين) وبين من قبلوا أخيراً بتسميتهم معتدلين، ولا بد أن نلحظ دور تركيا في تعديل المزاج الروسي في النظر إلى الفصائل الثورية، وأن نلحظ أن الفصائل وبخاصة في الشمال تقدّر أهمية الدور التركي، وتثق بأن تركيا تحرص على مصالح السوريين، لا سيما أنها تكبّدت الكثير في موقفها السياسي الداعم للشعب السوري في ثورته، ويبدو أن روسيا بعد معركة حلب أرادت استثمار انتصارها العسكري لتبدأ مرحلة جديدة تبدو فيها وسيطاً للخروج من كونها طرفاً رئيساً في الصراع، وأرادت أن تتحاور مع الفصائل دون الهيئات والتنظيمات السياسية المعارضة، مما يجعل المحادثات ذات طابع عسكري محض، رغم ما نتوقعه من محاولة الروس إضفاء طابع سياسي عليها.

ولقد حرصنا في «الهيئة العليا للمفاوضات» على أن نتفاعل بإيجابية مع أي مبادرة توقف شلال الدم السوري، وما دامت الدعوة إلى أستانة ستبحث تعزيز الهدنة ووقف إطلاق النار فلا بد من أن ندعم وفد الفصائل، وقد أعلنَّا أننا نؤيد أي جهد دولي يسعى نحو الحل السياسي وإنهاء معاناة شعبنا، وكان إصرارنا على أن تكون مفاوضات الحل النهائي في جنيف، كي يكون الحل بإشراف الأمم المتحدة دون أن ينفرد بالقضية السورية طرف يفرض رؤيته وحدها، وأعلنَّا حرصنا على الحضور العربي وعلى حضور «مجموعة دول أصدقاء سوريا»، لأن ما نمضي إليه في رؤيتنا للحل السياسي هو ما حدده بيان «جنيف 1» وما أصدرته هيئة الأمم من قرارات كان أهمها القرار «2254» وقد جاء بمثابة خريطة طريق ترسم الحل المرتقب.

ولم تكن لدينا أي شروط، فقد كنا نطالب بما حدده هذا القرار لمرحلة (بناء الثقة) وقد تحدثنا مطولاً عن البنود 12 و13 و14 من القرار فظن بعضهم أنها شروط إضافية، وتجاهل أنها حدود وضعها مجلس الأمن لمرحلة تسبق المفاوضات وتؤسس لها، وهي البنود التي تتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار وفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين.

ما نأمله من لقاء أستانة المقبل هو البحث في هذه البنود من القرار الدولي، فإنْ تمكن الروس من تحقيق مرحلة بناء الثقة التي يرفض النظام تحقيقها فسيكون ذلك إنجازاً كبيراً يمهد لمفاوضات جادة في جولة جنيف المقبلة في شهر فبراير 2017، وربما تستطيع روسيا بذلك أن تقنع السوريين والعالم كله أنها حقاً تريد التحول من كونها طرفاً رئيساً في الصراع الدموي لصالح النظام إلى دور يبحث بجدية عن حل عادل لقضية الشعب السوري.

ومهما تفاءلنا أو تشاءمنا بما قد ينتج عن لقاء أستانة من اتفاقيات مقبولة أو مرفوضة، فإننا ندرك أن هذا اللقاء لن يحل القضية، ولن يكون النهاية. وبما أننا نتفاعل بإيجابية مع هذا اللقاء، فإننا نحرص على أن ينصبّ الاهتمام على شمولية الهدنة، فلن يشعر السوريون بوجود وقف لإطلاق النار ما دامت النيران تحرق وادي بردى ومناطق أخرى في سوريا مثل غربيّ حلب ومحافظة إدلب، ولا بد من رؤية سياسية حكيمة تجنِّب المدنيين ما يحدث من دمار في الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب، وحسبنا أن نرى حقيقة أن المواطن البريء من شرور الإرهاب هو الذي يدفع حياته وقوداً في هذه الحرب، وما دام الجميع يبحثون عن حلول سياسية فلا بد من إيجاد حلول لإنقاذ المواطنين المهددين بالإبادة في حرب ليست حربهم، بل إنهم لو تمكنوا من مكافحة الإرهاب لكانوا أول المقاتلين ضده.

اقرأ المزيد
٢١ يناير ٢٠١٧
"المنهج" الذي قتل "الاخوة"

شرح المفردات :
منهج : طريق واضح - منهج الإسلام : يتَّبع في حياته مِنْهجًا قويمًا .
أخُوَّةٌ : صِلَةُ القَرَابَةِ بَيْنَ الإِخْوَةِ وَالأَخَوَاتِ بينَهُمَا أُخُوَّةُ الرَّضَاعِ - تَرْبِطُنِي بِهِمْ أُخُوَّةٌ صَادِقَةٌ : صِلَةُ التَّضَامُنِ وَالْمَوَدَّةِ.


يفقد المصطلحين الراقيين آنفي الذكر ، معناهما وسط الركام السوري المتشكل من مليارات أطنان الأبنية و المنازل و المنشآت ، و تراكمات آلاف السنين من الايدلوجيات المتشعبة و الأفكار المتعددة ، و في الركام و التراكمات يعيش أعداد غير قابلة للاحصاء من الترهات و الشوائب و الأوساخ و القاذورات ، لتشكل في مجملها مشهد سريالياً غاية في القرف.


من بين ما ذكر "إخوة المنهج” هو مصطلح يطفو على السطح، ليشكل ظاهرة فريدة ، لم يعرفه التاريخ في السابق ، ولا يجد له تعبيرا جامعا ، و إنما كلمة لحقية بأي طرفين أو ثلاث أو عشرة يتفقون على جزئية في منهج ديني معين ، هذا ظاهراً و باطناً كلمة تستخدم للتعبير عن التقارب و التحابب ، و في ذات الوقت تمنح المتسمين باسمها “سمو” و رفعة عن المحيطين و يباتون آمرين ناهين في أدق التفاصيل بما فيها الجلباب الداخلي الذي نرتديه.
لكن هل "إخوة المنهج” منجى و دليل صدق و مصطلح حق ؟.


يفقد هذا المصطلح رونقه ، عندما نقترب من منفذيه و المجتمعين حوله ، اذ ولد هذا المصطلح في رحم السجون و عاش داخلها لعشرات السنين ، و فجأة أطل علينا و فرض سطوته ، فرضٌ لحال لم يراع ما حدث عبر تلك السنوات الطوال ، اذ يصر هذا الوليد الذي ظن أن عوده اشتد على أن الزمان لم يتغير و الحال كذلك ، اذ بقيت الأمور ذاتها منذ ادخاله السرداب و حتى خروجه منه.


اليوم و بعد أربع سنوات من صحوة “إخوة المنهج” ، تجدهم قد أوصلو “المنهج” إلى غياهب السواد ، و “الأخوة” إلى أدنى مراتب العلاقات و باتت أشد من العداوة و الحقد الدفين ، فمن خرج من هذا السجن يختلف عن ذلك الذي كان يقبع ذلك المعتقل ، وحتى داخل المعتقل أو السجن الواحد لدينا أفكار متضاربة تبعاً للزنزانة التي كان بها يقيم.


“إخوة المنهج” تدخل حيز في القتل الذاتي بعد سطوة من أراد العيش سيرة الأولين شكلاً و ليس فعلاً ، رغب بمعاصرة الصالحين كخُلق و ليس أخلاق ، وها هم اليوم بعد أن أشبعوا العالم كرهاً باتوا على أبواب أن يمنحوا بعضهم البعض “الكره” ، فلا مكان للمودة و الرحمة ، و إنما للسطلة و التمكين ، لتطبيق شكل الأولين و باطن....

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني