مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٩ يناير ٢٠١٧
سورية وترامب: في انتظار الأسوأ

يتسلم دونالد ترامب غداً مفاتيح البيت الأبيض، و «يتسلم» معها شرقاً أوسط مضطرباً ومنقسماً، بل مفتتاً تنهشه الحروب ومشاريع العنف والتطرف والدويلات. لكن القادم الجديد الى رئاسة الدولة الأقوى في العالم، لا يملك فكرة واضحة عن كيفية تعامله مع بؤرة التوترات هذه، باستثناء أن لديه صديقاً واحداً هو إسرائيل وعدواً واحداً هو «الإرهاب».

هذا الاختصار السطحي لمشكلاتنا من وجهة نظره، يعني أن منطقتنا مقبلة على تطورات ليست في مصلحة تقدمها المنشود نحو الديموقراطية والاستقرار، وهو الشعار الذي رفعه الأميركيون زوراً منذ «ورثوا» الشرق الأوسط من أوروبا الكولونيالية، واعتمدته الإدارات المتعاقبة ذريعة لتبرير خيارات تدخلها فيه أو انكفائها عنه. لكن مواقف ترامب المبتسرة التي تشبه الأحاجي، تكشف رغبته في تعديل مفهوم السياسة الخارجية الأميركية وقصر دورها على مهمة رئيسة واحدة هي «مكافحة الإرهاب» الذي لا يرى في خلفية صورته سوى الإسلام والمسلمين.

ولعله سيكون في مقدم المتضررين من غموض سياسات ترامب والتباساتها ثوار سورية الذين لم يعد لهم سند كثير في العالم، بعدما تقاعس القريبون والبعيدون، باستثناء قلة، عن نجدتهم، وفضلوا التعاطي بواقعية مع موازين القوى المستجدة بعد دخول روسيا الحرب وتفاهمها مع تركيا وإيران، وهذا بالتأكيد ما دفع معظم فصائل المعارضة الى القبول بوصاية أنقرة والذهاب الى مفاوضات كازاخستان من دون شروط مسبقة.

فخلال عهد أوباما، وعلى رغم تنصل إدارته من التزام أي دعم عملي للثورة السورية، ظلت هذه الأخيرة تستفيد من دعم سياسي أميركي عام وفضفاض، لكنه كان كافياً لتوفير غطاء للدعم الذي تتلقاه من حلفائها الفعليين في المنطقة ومنحها هامشاً من المناورة. أما اليوم، فإن ما تشي به مواقف ترامب وتصريحاته وتغريداته التي تقارب السذاجة أحياناً، في شأن الأطراف الفاعلين في الأزمة السورية، يسمح باستنتاج أن الرجل يتحالف عملياً مع الذين يدافعون عن نظام بشار الأسد ويقاتلون لبقائه، ويهادنهم، حتى عندما يتخذ مواقف قد تبدو مناوئة لهم.

ولنأخذ أولاً العلاقة مع موسكو التي من المرجح أن تشهد، في انتظار انحسار سحابة تقارير وكالات الاستخبارات عن القرصنة والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، تحسناً كبيراً قد يصل سريعاً الى حد التنسيق في سورية. وعلى رغم أن ترامب انتقد في أحاديث صحافية أخيرة الدور الروسي في حلب، إلا أن ذلك جاء متأخراً كثيراً باعترافه هو نفسه، بعدما سقطت المدينة أمام قصف الطيران الروسي واجتياح الميليشيات الإيرانية. ويبدو موقفه مجرد تصفية حسابات مع الإدارة الراحلة أكثر مما هو اهتمام بالمدينة ومصيرها، فهو لم يتطرق الى هذا الموضوع إطلاقاً خلال احتدام معركة حلب ومحاصرة المدنيين فيها، بل يستخدمه اليوم للنيل من إدارة أوباما التي يتهمها بـ «التقصير» وبأنها لم تفعل شيئاً لإنقاذ «العجائز المتعثرات اللواتي أطلقت عليهن النار وهنّ يخرجن من حلب».

ويأتي تأكيد ترامب أكثر من مرة أن تغيير نظام الأسد ليس من اهتماماته، ليناقض تماماً حملته على «الدور الإقليمي» لطهران، الداعم العسكري والمالي الرئيس لحاكم دمشق. وهنا أيضاً يقتصر «التهديد» الإيراني بالنسبة الى الرئيس الجديد على إسرائيل وحدها، علماً أن الدولة العبرية تضخم كثيراً هذا «التهديد» لاستدرار المزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية. ذلك أن مصالح طهران وتل أبيب تتقاطع في سورية ولبنان، وهما تتفقان على «ضرورة» بقاء الأسد واستمرار الهدنة في الجنوب اللبناني.

وحتى إصراره خلال حملته الانتخابية على إجراء مراجعة شاملة للاتفاق النووي مع إيران، يبدو اليوم قابلاً للتعديل لأن فرصه في إقناع الدول الخمس الأخرى التي وقّعته شبه معدومة، خصوصاً انه لم يوفر أياً من الشركاء الأوروبيين في انتقاداته التي جاء أقساها ضد المستشارة الألمانية مركل عندما لامها على استقبال النازحين السوريين.

وبالتأكيد، فإن ترامب لا يرى فارقاً بين الثوار السوريين الذين يقاتلون من أجل التغيير والديموقراطية والحق في العيش بكرامة في وطنهم، وبين إرهابيي «داعش» و «النصرة»، بل يضعهم كلهم في سلة واحدة. ولهذا يمكن للمعارضة السورية انتظار الأسوأ خلال عهده، على رغم محاولات التلطيف المتوقعة في آستانة.

اقرأ المزيد
١٩ يناير ٢٠١٧
سورية 2017... فرص ومخاطر

توشك الأزمة السورية، بعد نحو ست سنوات على بدايتها، أن تدخل مرحلةً جديدة، مختلفة كلياً عما سبق، وهو أمرٌ يتطلب، من قوى المعارضة خصوصاً، إعادة قراءة المشهديْن، الإقليمي والدولي، والتصرّف بناء عليه، سواء فيما خصّ الوضع الميداني على الأرض، أو المسار السياسي الذي تدفع كل من روسيا وتركيا به من محطة الأستانة، على أمل أن يصل إلى جنيف. وهناك على وجه التحديد متغيران أساسيان يجب التوقف عندهما:

الأول
، رحيل إدارة أوباما يوم 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، وأخذ سياساتها معها، وهذا أمر تترتب عليه فرصٌ كما يحمل في ثناياه مخاطر. فمن جهةٍ تستعد إدارة ترامب التي جنّدت ألد أعداء إيران، وجلهم من الجنرالات، وسلمتهم أكثر المناصب حساسيةً فيها (مستشار الأمن القومي مايكل فلين، وزير الدفاع جيمس ماتيس، وزير الأمن الداخلي جون كيلي، وجميعهم مطرودون من إدارة أوباما بسبب مواقفهم المتشددة من إيران) تستعد هذه الإدارة لاتخاذ إجراءات تحد من "التغول" الإيراني في المنطقة (Roll it back)، منهيةً بذلك سنواتٍ من التفاهم الضمني بين واشنطن وطهران لمواجهة "التطرّف السني" في سورية والعراق. ويبدو واضحاً أن ترامب، إذا تمكّن من التغلب على المقاومة الشديدة التي تبديها المؤسسة الحاكمة لتوجهاته، خصوصاً الاستخبارات والبنتاغون، ينوي استبدال التنسيق غير المعلن على الأرض مع إيران بآخر معلن مع روسيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. لكن التنسيق الروسي-الأميركي المحتمل في سورية يحمل في ثناياه، من جهة أخرى، مخاطر جمة، اذ يرجّح أن يكون على حساب المعارضة السورية، ومكاسبها السياسية التي تحققت خلال السنوات الماضية، سواء لناحية الاعتراف الأميركي بشرعيتها، أو دعم مطالبها في انتقال سياسي وتحوّل ديمقراطي.

المتغير الثاني، والذي لا يقل أهمية، هو التقارب الروسي - التركي الذي بدأ ربيع العام الماضي، وبلغ ذروته بعد المحاولة الانقلابية الصيفية الفاشلة في تركيا. وقد أفصح هذا التقارب عن نفسه في توصّل الطرفين إلى اتفاق حلب الذي خرجت بموجبه فصائل المعارضة من المدينة، ثم في اتفاق أنقرة الذي أقرّ وقفاً لإطلاق النار، استعدادا لإحياء المسار التفاوضي من الأستانة. ويحمل هذا التقارب في ثناياه أيضاً فرصاً كما يحمل مخاطر.

من جهةٍ، تبدو روسيا وتركيا اللتان دخلتا حرب وكالة في سورية بين عامي 2011-2015، قبل أن تتحول هذه الحرب بينهما إلى تدخل عسكري مباشر (روسيا سبتمبر/ أيلول 2015 وتركيا أغسطس/ آب 2016)، مصممتين، كلٌ لغاياتها، على الدفع باتجاه حل سياسي ينهي ست سنوات من الصراع الدامي، وهو تطوّر لا يمكن وصفه إلا بالإيجابي، أخذاً بالاعتبار أن تنافس القوى الإقليمية والدولية جعل من سورية وثورتها مسرحاً للتناحر على النفوذ والسيطرة، فشرّد أهلها ودمر اقتصادها، وأحال نسيجها المجتمعي خراباً. كما أن التفاهم التركي - الروسي يعدّ بالغ الأهمية، لجهة تفويت الفرصة على محاولات تفتيت البلد، حيث تبدو واشنطن مستعدةً لمكافأة الأكراد على "تضحياتهم" في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية بإقطاعهم إقليماً على الحدود السورية - التركية، يستوجب تغييراً ديمغرافياً حتى يصبح، كما يطمح الأكراد، متصلاً جغرافياً. ومنذ بدأ التنسيق التركي - الروسي الصيف الماضي، أخذنا نشهد تراجعاً في سقف الطموحات الكردية في شمال سورية، كما تبدّى في اجتماع الرميلان للقوى الكردية، أخيراً، حيث تم، بناء على ضغط روسي، إسقاط اسم "روجافا الفيدرالية" التي تم الإعلان عنها بدعم أميركي في مارس/ آذار 2016، علماً أن روسيا نفسها كانت دعمت الأكراد السوريين بقوة، رداً على إسقاط تركيا طائرتها الحربية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. فوق ذلك، فإن أي تقارب روسي -تركي سوف يحسم بالضرورة من حساب النفوذ الإيراني في سورية، وهذا لا يحتاج إلى تفصيل.

لكن، للتقارب التركي-الروسي مخاطر يجب الانتباه إليها أيضاً، فهناك مخاوف مشروعة من وجود تفاهمات عميقة بين الجانبين حول سورية، تبدّت منذ أغسطس/ آب الماضي، حين سمحت روسيا لتركيا بإطلاق عملية درع الفرات ضد الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية. ويُخشى أن تكون تركيا أخذت في المقابل تمارس ضغوطاً على المعارضة، للقبول بتسوياتٍ لا تحقق أدنى مطالبها، أو تكون بدأت باستخدام سورية ورقة لتحقيق مزيدٍ من التقارب مع روسيا. على أية حال، هذه بعض الفرص والمخاطر التي يحملها العام 2017 للقضية السورية، والتي يتوجب درسها جيداً، حتى يصار إلى تعظيم الأولى وتصفير الثانية.

اقرأ المزيد
١٨ يناير ٢٠١٧
المشروع الإيراني في عهدة صقور واشنطن

هل المواجهة الأولى التي سيفتتح بها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، حكمه ستكون مواجهته لطهران وملاليها بعد أن كان أعلن مراراً، أثناء حملته الرئاسية وبعد انتخابه رئيساً، أنه يريد نقض الاتفاق النووي معها؟ وهل تكون لهذه المواجهة الأولوية والتقديم على معالجة قضايا دولية ملحّة وساخنة وفي مقدمها الإرهاب وانفلات عمليات تنظيم الدولة في العالم، وكذا انكشاف التجسس الروسي الاستخباراتي، أم أن العملاق الصيني أهم على أجندة ترامب؟

يــنـشغل مــــستــشارو العـــلاقـــات الخارجية في فريق ترامب، ومنذ اليوم الأول لتشكيله، بإعداد السيناريوات لكيفية التعامل مع الاتفاق النووي. فبعضهم يجتهد بأنه يمكن الإبقاء على الاتفاق مع تشديد العقوبات على طهران. والبعض الآخر الأكثر تشدّداً يرى في الاتفاق ضعفاً شديداً واستسهالاً بدور الولايات المتحدة وموقفها المناهض للسياسات الإيرانية، ويطالب بإلغائه وإعادة مناقشته. إلا أن الجدل يقوم هنا حول المدة الزمنية التي انقضت على توقيعه ومدى تأثير هذا التقادم على إمكانية خلق ظروف موازيـة لتلك التي أرغمت طهران حينذاك على الرضوخ لمشيئة الولايات المتحدة والدول الراعية والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ويبدو أن الرأي المرجّح الآن يتّجه نحو تلافي أي قرار كبير وأحادي من الولايات المتحدة، على الأقل في الأيام الأولى لدخول ترامب إلى البيت الأبيض، إلى أن يستقر له الحكم، والعمل على تغيير طريقة التعامل مع الخروقات الإيرانية في ما تعلّق بالاتفاق، كاتخاذ إجراءات فورية ورادعة إذا ما تكرّر إطلاق الصواريخ الإيرانية البالستية، لا كما حدث مع إدارة باراك أوباما التي انتظرت ثلاثة شهور لتدين هذا الخرق، ولتفرض على طهران حداً أدنى من العقوبات لا يتناسب على الإطلاق مع حجم تجاوزاتها.

ويرى المستشارون أنه إثر تشديد المراقبة والعقوبات، تبدأ إدارة ترامب بالتعامل مع أذرع إيران الميليشياوية التي تمدّها في المنطقة، وتزودها بالعديد والعتاد لزعزعة استقرار الدول المجاورة.

الصقــور الجمهــوريــــون الذيـــــن يعيبون على ترامب أنه وصل إلى البيت الأبيض من خارج المؤسسة السياسية الجمهورية العريقة، ومعظمهم عارض ترشيحه عن الحزب لانتخابات الرئاسة، كانوا من المعارضين الأشداء لتلك الاتفاقية التي أبرمها سلفه باراك أوباما. وهم يرون ضرورة إعادة فتح ملفها، وإعادة التفاوض بمعايير جمهورية حازمة بهدف ربط شروطها مع توقّف إيران عن رعاية ودعم الميليشيات الطائفية وفي مقدمها حزب الله وفروعه في سورية والعراق واليمن، وكذا الكف عن تدخلاتها الإقليمية بل عدوانها المباشر على السوريين في غير موقع ومدينة، ومراجعة ملف حقوق الإنسان الذي تشوبه بقع الدم والقهر منذ اندلاع الثورة الخضراء عام 2009 حتى هذا اليوم. ويرى هؤلاء الصقور أن إدارة أوباما فوتت فرصة كبيرة في ردع نظام الملالي في حينه، ولو أنها دعمت ثورة المستنيرين الليبراليين من طلاب الجامعات والمثقفين والسياسيين الإصلاحيين، لكان الطريق أقصر بكثير لكبح جماح طهران النووي، والعقائدي التوسعي أيضاً.

فعلى رغم العقوبات الاقتصادية التي وُضعت إيران في خانتها، فإنها لم تتخلّ عن دعمها المادي والعسكري والسياسي لحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي ومشتقاته في العراق، وعشرات الميليشيات بكافة المسمّيات والممارسات الإرهابية التي ترتقي إلى جرائم حرب في سورية، وذلك إلى جانب النظام السوري حين تهالك جيشه.

ومن المؤسف أن أوباما الذي انبنت استراتيجيته الخارجية على النأي بالنفس عن تعقيدات الشرق الأوسط إثر اندلاع ثوراته الشعبية، ثم الانعطافات التي أحدثت فجوة في هذه الحركات تسلّلت من ثغورها القوى الظلامية مدعومة بالأنظمة الاستبدادية عينها التي خرجت الثورات أصلاً على طواغيتها، كان قد دفع لطهران ما يمكننا أن نسميه مجازاً بالرشوة، وبما يعادل 700 مليون دولار شهرياً حتى تجلس إلى طاولة المفاوضات، وتوّج هذه المكرمة الشهرية بفدية دفعها نقداً وبالعملة الورقية حيث نُقل بطائرة خاصة من واشنطن إلى طهران ما قيمته 1.7 بليون دولار للإفراج عن رهائن أميركيين معتقلين في إيران. كل هذا لأن أوباما أراد أن ينهي فترة حكمه الذي بدأه بتلقي جائزة نوبل للسلام بالطريقة نفسها التي دخل بها المكتب البيضاوي، وأن يسلّم مفاتيح الشرق الأوسط الملتهب بنيران حروبه لجوقة أصحاب العمامات السود.

وأوباما الذي تمكّن ببلاغته اللفظية من إقناع المجتمع الأميركي والدولي بأهمية عقد الصفقة النووية مع إيران، وما سيكون لها من مردود مباشر وإيجابي على الأمن القومي الأميركي وأمن واستقرار دول العالم بعامة، والشرق الأوسط بشكل خاص، يغادر مخزياً بما وصل إليه الأمن والاستقرار في العالم، حيث مشاهد الموت العبثي جليّة من الموصل إلى حلب إلى باب المندب، ودورة العنف اليومي تولّد إرهاباً متوحشاً منفلتاً من عقاله، وعابراً للقارات.

يبقى أن يحدّد الرئيس الأميركي الجديد أدواته الخاصة في التعامل مع طهران، في الملف النووي تحديداً، الذي منه تنطلق كافة المسارات وإليه تتوجه السياسات الخارجية لترامب التي سيحددها بناء على معطيات ما بعد حروب الشرق الأوسط، سواء بالترغيب عن طريق «الجزرة»، كما فعل سلفه أوباما، أم برفع العصا والعودة إلى النقطة الصفر في المواجهة بين طهران وموسكو، متمثّلاً سياسات الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، لا سياسات سلفه جيمي كارتر.

اقرأ المزيد
١٨ يناير ٢٠١٧
لا مكان لإيران في سورية

تبدو مسألة إيران في سورية معقدة للغاية. ويتأتى التعقيد من الضعف العربي الداعم للوطنيين السوريين، ومن ضعف الأخيرين، وهيمنة العقلية الماقبل وطنية على أغلبية السوريين، ومن رضىً أميركي على التغلغل الإيراني في أكثر من دولة عربية. مشكلة إيران هي في غياب رؤية استراتيجية للمنطقة، تتجاوز البعد الطائفي والاعتماد على مجموعات طائفية مغلقة، تقرّ بمسألة ولي الفقيه الإيراني والطاعة له؛ هذه المجموعات محصورة في الطائفة الشيعية (والحوثيين في اليمن) ومجموعات سياسية عربية معزولة عن وسطها الاجتماعي المحيط، وتستفيد من هيمنتها على الدولة الهشّة والحروب. وبتوقف تلك الحروب، ستذوب تلك المجموعات تلقائيا، فلا الدعم الإيراني سيستمر، ولا المجتمع المحلي سيتقبلها.

سمحت الفصائل الجهادية والاحتلال الروسي للمليشيات الطائفية التابعة لإيران بتوهم إمكانية السيطرة على سورية. قبل ذلك، كان النظام وإيران وحزب الله في حالة ضعف شديدة. توهمت إيران أنها ستنافس روسيا، وربما تزيحها من سورية، حالما تندثر الثورة الشعبية. هذه محض أوهام، فمن حسم المعارك منذ نهاية 2015 في سورية هو السلاح الروسي، ولدى روسيا هذه مصالح دولية وإقليمية. ولهذا، تسمح بوجود إيراني أو تركي وسواه في سورية، عدا عن الدرس الأفغاني في الإخفاق الروسي هناك، وإمكانية أن يتكرّر الأمر ذاته، إن تورّطت برياً بشكل واسع.

ما حدث في سورية من تطورات منذ 2011، ودخول روسيا قوة احتلال، وباتفاقية طويلة الأمد مع النظام، لا يترك مجالاً للمقارنة لحسم السيطرة لصالحها، وخروج إيران من الدور المسيطر في سورية، وهذا ما يلحظ من خلال تهميشها عبر التوافقات الروسية التركية. إيران ذاتها تتّكِئ على روسيا في أكثر من مسألة إقليمية ودولية، وبالتالي، لا يمكنها معاندة روسيا بما يخصّ شكل السيطرة على سورية، أي أنّ من أكبر الأوهام الاعتقاد أن إيران يمكن أن تتبنى إستراتيجية مناهضة لروسيا في سورية، حينها ستكون إيران وحيدة أمام العالم.

لم تَسلم مدينة أو قرية سورية من الممارسات الطائفية لإيران، وانتهت كل أسطورة حزب الله حزباً مقاوماً، وتكشّف حزباً إيرانياً وشيعياً، بل تشعر غالبية السوريين ومن كل الطوائف بامتعاضٍ كبيرٍ، وترفض الممارسات الطائفية الإيرانية، والتي تبرز أفعالاً مناقضة لكل ما يخص السوريين من عادات وتقاليد وإيمان وأغانٍ وتديّن، عدا عن شعور سنّي سوري عام بأنّ إيران أذلّتهم في كل مدنهم وقراهم، ويُنهي هذا الأمر أية علاقة طبيعية في مستقبل الأيام، وليس فقط يحتّم خروجها من سورية.

لعبت إيران، عبر حزب الله وبقية المليشيات الشيعية المأمورة من حرسها الثوري، ولاحقاً تدخلت بألويةٍ منه، دوراً رئيسياً في تهجير مئات القرى من ريف القصير والقلمون وحمص وحلب وسواها؛ وقد ضاعف ذلك من حدّة الرفض الشعبي والمجتمعي ضدها. ونزعم أن الصامتين عنها والموالين للنظام سيكون لهم الشعور نفسه، حينما تبدأ العملية السياسية التي ستتضمن، بالضرورة، إخراج إيران وكلّ مليشياتها من سورية، أي سيكون السوريون "الموالون" أمام سؤال جديّ، وربما لأول مرة، لماذا سمحنا لإيران، ومن ثم روسيا، باحتلال سورية وقتل آلاف الشباب "الموالين"، ولا سيما أننا كنا نعلم أن النظام مخفقٌ، ولن يتمكّن من استعادة المدن والقرى تلك. أقصد أن نظام ولي الفقيه مرفوضٌ في إيران، وكذلك الحال في سورية. تتطلب المسألة وقتاً وسيكون العرب، وليس السوريون فحسب، رافضين وبشكل نهائي كل السياسة الإيرانية، وربما كل علاقات معها.

تصاعد الطموح الإيراني مع حقبة أوباما، مع الانكفاء الأميركي لمواجهة الصين وحل المشكلات الداخلية، وكذلك بعد انهيار العراق عبر الاحتلال الأميركي 2003، ورفض علي عبد الله صالح تسليم الحكم، وقوة الثورة الشعبية في سورية، وبسبب النظام الطائفي القوي في لبنان. استطاعت السعودية تحجيم التدخل في الخليج بفضل قواتها في البحرين، وبفضل الأهمية الحيوية لتلك المنطقة عالمياً، وأميركياً بشكل خاص. كاد هذا الطموح القديم في الوصول إلى البحر المتوسط يتحقق بفضل الانهيار الكبير للنظام العربي، ولا سيما بعد سقوط حلب، واحتمال سقوط الموصل بفضل المليشيات الطائفية المستقدمة من كل الدول.

مشكلة الطموح الإيراني في طائفيّته بالتّحديد، فهو يثير طائفيّةً مضادّةً وحروباً مستمرّة، فمشروع إيران طائفي وحربي في آن. هذا سببٌ مركزي لانهياره لاحقاً، أي أن قوته متأتيةٌ مما ذكرنا، وسيكون ضعفه لأسباب محلية وإقليمية ودولية، فهناك تغيّر في السياسة الأميركية بخصوص إيران، كما يصرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهناك توافق روسي تركي كبير، وشعور روسي بأن إيران طامحة لتحل مكانها في سورية والشرق العربي، عدا عن الرفض العربي المتصاعد ضدها، وتسمح هذه الأسباب بالقول إن لا مكان لإيران في سورية، وربما ستحجم وجودها في اليمن والعراق ولبنان.

لن يتم تحجيم إيران بشكل جاد قبل بداية إيجاد آليات محدّدة للانتقال في سورية نحو العملية السياسية، ووضوح موقف السوريين من الوجود الروسي في سورية، وكذلك قبل مشاركة فصائل الجيش الحر في الحرب على الجهادية، أكانت "داعش" أم "فتح الشام" أم أية قوى لها الرؤية الجهادية ذاتها؛ فروسيا التي خيضت حروبٌ عنيفة ضدها في الشيشان وأفغانستان لن تقبل بأيّ حلِّ سياسيٍّ، ولن تسعى جدياً نحوه ما لم تنظف الأرض من هذه القضايا. في ذلك الحين، أعتقد أن بقاء إيران ومليشياتها، وبدءاً بحزب الله، ستتهيأ كل الشروط لرحيلهم من سورية. قبل ذلك، ستظل روسيا توظف إيران في الحرب ضد الثورة الشعبية، وضد الجهادية، وضد كل الرافضين لوجود الاحتلال الروسي لسورية.

اقرأ المزيد
١٨ يناير ٢٠١٧
إحراجات المعارضة السورية على عتبة مفاوضات آستانة

أمر محرج أن توافق المعارضة السياسية السورية على المشاركة في مفاوضات آستانة، بعد انقلاب توازنات القوى في غير مصلحتها بفعل التدخل العسكري الروسي، وهي التي لم تكل أو تمل الحديث عن دور روسيا المناهض للثورة، وعن أن هدف قيادة الكرملين من دعواتها الى مؤتمرات ومفاوضات، بدءاً من مؤتمر موسكو إلى مؤتمر آستانة وبينهما اجتماعات جنيف وفيينا، ليس إيجاد حل حقيقي يهدئ النفوس ويرضي مطامح الناس، بل ربح مزيد من الوقت لتمكين السلطة وإضعاف المعارضة وخلق مزيد من الخلافات والانقسامات بين صفوفها، بما في ذلك إقصاء الهيئة العليا للتفاوض أو تهميشها كمقدمة لتأهيل طرف مطيع يشارك في تكريس حل سياسي جديد لا يقوم على المرجعيتين القانونية والأممية، لا سيما بيان جنيف 1 والقرار الدولي 2254.

وأمر محرج أيضاً، أن تتخذ المعارضة السياسية موقفاً مناهضاً لخطة موسكو تسوية الصراع القائم وترفض المشاركة في مؤتمر آستانة، لأن ذلك يضعها في مواجهة مع الفصائل العسكرية الموقعة على اتفاق أنقرة، ومع ميل غالبية السوريين نحو التهدئة والخلاص من استمرار العنف والتدمير وما يخلفه من معاناة وآلام، فكيف الحال وهي تدرك أن رفضها لن يقدم أو يؤخر ما دامت لا تمتلك وزناً فاعلاً على الأرض، وما دامت «ورقة الشرعية» التي أنعم بها المجتمع الدولي عليها قد تهتكت ولم تعد تجدي في تمكينها لعب دور مختلف؟ وكيف الحال وقد طاولتها انتقادات حادة وصل بعضها إلى اتهامها ونزع الثقة بها وتحميلها المسؤولية الرئيسة عما وصلت إليه أحوالنا بما في ذلك النتائج المريرة لمعركة حلب.

وكم هو محرج للمعارضة السورية حين تتزاحم بعض قياداتها على استجداء تركيا وروسيا الضامنتين اتفاق أنقرة والعملية التفاوضية، كي تحجز مكاناً لها في آستانة؟ أو عندما تقف ذليلة تراقب، بعين الحسرة، التداول بين الراعيين على اختيار رموز من صفوفها تناسب جدول أعمال المؤتمر، مكتفية بإبداء تحفظ خجول حول ما رشح عن نية موسكو دعوة ست شخصيات اختارتهم للمشاركة في المحادثات وفي المرحلة الانتقالية العتيدة، من خارج التشكيلات الرئيسة للمعارضة السياسية والهيئة العليا للتفاوض؟ وما يزيد الحرج حرجاً، أن يكون للجماعات المسلحة الموقعة على اتفاق أنقرة، دور رديف في هذا الاختيار، وفي تزكية رموز معارضة، أقرب إلى أجندتها، كي تمثلها سياسياً، والأنكى أن لهذه الجماعات لوناً أيديولوجياً وسياسياً واحداً، حتى وإن ألحقت بها بعض فصائل الجيش الحر لإعطاء المشهد بعداً أوسع، ويزيد الطين بلة ما رشح عن استعداد قيادة المعارضة لحضور مؤتمر آستانة ضمن وفد مشترك مع الفصائل العسكرية، من دون أن تنتبه إلى أن هذا الخيار يدشن نهاية دورها كطرف رئيس في المفاوضات وعملية الانتقال السياسي.

وأيضاً، كم يبدو محرجاً أن تضطر المعارضة السورية الى الصمت أحياناً وتعديل مواقفها أحياناً أخرى، كي تنال رضا الأطراف المؤثرة في مستقبل الصراع السوري. فأي معنى لصمتها المريب عن تراجع مواقف الجار التركي وقد خيّب أملها وخذلها بانتقاله إلى التفاهم مع روسيا لمحاصرة الخطر الكردي وتحصيل بعض النفوذ الإقليمي، ضارباً عرض الحائط بادعاءاته ووعوده الداعمة لها؟ وكيف يفسر استسهال تغيير خطابها تجاه التدخل الروسي من اتهامه باحتلال البلاد، إلى الاعتراف بدوره كطرف رئيس في الحل السياسي، أو تراجعها عن خطوط حمراء حول تغيير النظام ورموزه، كانت تعتبرها اشتراطات لا تنازل عنها للمشاركة في المفاوضات؟ ثم كيف يفهم اندفاعها لرهان مبالغ فيه، على خلافات بين روسيا وإيران حول مسار التسوية السورية، والبناء على اعتراضات طهران المعلنة ضد تفرد أنقرة وموسكو في ترتيبات مؤتمر آستانة، وعلى الخروقات المتكررة لحلفائها في وادي بردى؟

وما يزيد الموقف حرجاً، أن المعارضة صاحبة الكليات والإطلاقيات، ومن كانت تسخر من أية خصومة أو خلافات في الحلف الداعم للنظام وتعتبرها مجرد لعبة أو مسرحية لتبادل الأدوار، باتت هي ذاتها من يتحدث اليوم في التفاصيل والجزئيات وترى بعين، تحسبها بصيرة، دقائق الأمور والمسافات الصغيرة لتفاوت المصالح والسياسات بين قوى هذا الحلف!

ويزيد الحرج حرجاً عندما تعجز المعارضة عن تحقيق توافق مرضٍ على موقف واحد من مؤتمر آستانة، أياً يكن هذا الموقف، نتيجة اختلاف الاجتهادات وتباين الإملاءات التي يطلبها هذا الطرف الداعم أو ذاك، أو عندما تفتك ببعض قياداتها الحسابات الأنانية والضيقة، وتندفع إلى التطرف والمزايدة على الآخرين رافعة سقف الاتهامات كي تميز نفسها في المشهد السياسي، بما في ذلك استسهال المطالبة بتسعير الصراع رداً على مؤتمر آستانة ورفضاً لما تعتبره هزيمة واستسلاماً، مستهترة بما يخلفه استمرار العنف من شدة ومعاناة لقطاعات شعبية واسعة لم تعد قادرة على تحمل المزيد.

هل يكمن السبب وراء ما تعانيه المعارضة السياسية من إحراج وتردد، في حالة الحصار المطبقة على مشروع التغيير السوري وما تعرض له من غدر وأضرار وتشوهات؟ أم فشلها في الالتحام بالثورة ونيل ثقة أبنائها نتيجة أمراضها الذاتية وتغلغل النزعات والمصالح الأنانية في صفوفها؟ أم الأمر ناجم عن رهاناتها الخائبة وتراكم أخطاء قصر النظر في قراءتها الأحداث، وعجزها عن تفعيل دورها السياسي وتحمل المسؤولية لتصويب ما يكتنف مسارها من مثالب وعثرات؟!.

والحال، باتت المعارضة السورية في وضع لا تحسد عليه، وإذ يرى البعض أن دورها قد استهلك وانتهى وأن عليها الاستقالة كي لا تغدو عنواناً للخيبة والفشل والإحباط، يرى آخرون أن قدرها اليوم هو القبض على جمرات الثورة وحمايتها من العبث والتشويه والتغييب، وتسخير إنتاجها النقدي، سياسياً وثقافياً، لاستخلاص الدروس والعبر مما جرى، ما يمكّن المؤمنين بالخيار الديموقراطي خوض غمار الخلاص من محنة الاستبداد، بأقل الأخطاء والآلام.

اقرأ المزيد
١٨ يناير ٢٠١٧
التفاهم التركي - الروسي وطموحات إيران

نجحت تركيا في إدخال ملف الميليشيات التابعة لإيران في سورية إلى برنامج الحل السياسي، بعدما تم حصر الحديث عن الأجانب بأولئك الذين يقاتلون إلى جانب «داعش، في سورية، وذلك بعد تجاهل إدارة الرئيس باراك أوباما وكل مشاورات مجلس الأمن والتفاهمات السابقة لهذا الأمر. الإنجاز التركي لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى طرح مسألة التغييرات الديموغرافية التي تسعى إيران إلى تكريسها كأمر واقع في الشمال السوري كعائق أمام أي تعاون روسي - تركي، وهذا ما قاد روسيا إلى موقع مواجه للطموحات الإيرانية في سورية، وإلى اتخاذ اجراءات عملية في حلب بعد مرحلة من التغاضي عن ذلك.

من هنا، ازداد الحديث عن تعارض في الرؤى بين روسيا وإيران بدأ يأخذ مكانه في الميدان هذه المرة، ومن هنا انطلق الرهان على إمكان زيادة الشرخ بينهما عبر تعاون تركي أنجع وذي فائدة أكبر للوجود الروسي الطويل الأمد في سورية، بخاصة إذا تلازم مع رعاية دولية وإقليمية لحل سياسي عادل يقوم بين السوريين على غرار الطائف اللبناني.

طبعاً، إذا أحسنّا الظن، فإن روسيا بلغت مرحلة الكفاية المعنوية التي تخوّلها الانتقال الى المرحلة السياسية فعلياً، وإلى القول أن تدخلها العسكري لقي ترجمات مرضية على الأرض وأن الآلة العسكرية الروسية حققت إنجازاً فعلياً، وهذا الأهم بالنسبة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. إيران أيضاً تستطيع القول أنها شاركت روسيا الانتصار في حلب لكن يبقى عليها أن تبدي حسن نية تجاه الحل السياسي، وبالتالي فالموضوع بالنسبة الى إيران يتعلق بالقناعة لا أكثر.

ظروف إيران الداخلية مُهيّأة لبناء مثل هذه القناعة التي تقيها تداعيات مواجهة غير مُحصّنة بمواكبة روسية وازنة فيما لو وقعت الفرقة بين الطرفين، بخاصة أن طلائع الإدارة الأميركية توحي بسياسة مختلفة عن تلك التي سلكها أوباما تجاه إيران طيلة الفترة السابقة، إضافة إلى أن وجهة النظر والمقاربة الإسرائيلية لما يجري في المنطقة أخذتا تتغلغلان في إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تبحث عن طريقة لتعويض الخسارة السياسية التي لحقت بإسرائيل نتيجة تبنّي مجلس الأمن القرار 2334 على خلفية الاستيطان غير الشرعي في الأراضي المحتلة. وهذا ما ينبئ بسياسة أميركية تحاول التوفيق بين هواجس إسرائيل ومراضاتها من جهة والتنسيق مع روسيا من جهة ثانية، إضافة إلى دور كبير يعطى لتركيا في كل سورية أو في شمالها في الحد الأدنى.

أضف إلى ذلك، أن محطة الانتخابات الرئاسية في إيران خلال أيار (مايو) المقبل بدأت تضفي سخونة على المشهد الداخلي، على رغم حرص المرشد على أن يمر هذا الاستحقاق بسلاسة، ما يؤشر إلى مرحلة من تحديد الخيارات الداخلية ينبغي أن تُقطع في ظل حد أدنى من الخسائر في السياسة الخارجية.

المشروع الروسي في سورية بدأ يجد نفسه مُنظّماً للتناقضات بين تركيا وإيران، ومُيسّراً للحوار بين الأطراف السورية. هذا طبعاً إذا افترضنا أن روسيا بدأت تبحث جدياً عن حلول للمشكلة وأن الغرب يسلّم معها في إراحة الساحة الداخلية، لكن الرهان على ذهاب روسيا إلى حد التفريط بحلفها مع إيران ربما يكون فيه شيء من المبالغة في ظل عدم حسم أردوغان وجهته نهائياً.

الثابت بالنسبة الى تركيا، تقويض مشروع الكيان الكردي وعرقلة أي تغيير يهدد المسار الذي تكرس في معاهدة لوزان الثانية عام 1923. والتحدي الأهم لها يكمن في نجاحها بتشكيل تقاطع منطقي بين مصالح كل من الحلف الأطلسي وواشنطن من جهة والمصالح الروسية في سورية من جهة ثانية، وهذا لا شك يأخذها إلى مرحلة من تطبيق الوظيفة المتفاهم عليها دولياً بعد ظهور الدور الإيراني معرقلاً للحل السياسي، وتبعثر الجهود الدولية بغياب لاعب إقليمي مقبول. تركيا تقول اليوم أنها تستطيع لعب هذا الدور التوفيقي، لكن شروط نجاحها في ذلك تتوقف أيضاً على قدرتها على تجاوز أزماتها الداخلية وظهورها بمظهر القوي، وهذا يشكل تحدياً إضافياً، إذ لحدّ الآن يندفع أردوغان نحو تعديل مسارات تقليدية راسخة في الداخل التركي كمثل الانتقال إلى النظام الرئاسي، ما يمكن أن يبدد مشهد الوحدة الوطنية التي تجلت عقب الانقلاب. أضف إلى ذلك، أن نموذج أسلمة المجتمع في تركيا بدأ يقود الى مشاعر عدائية تجاه الغرب، بخاصة عقب محاولة الانقلاب وحماية الولايات المتحدة الداعية فتح الله غولن، وهذا الأمر لا يشكل خطراً على أوروبا فحسب إنما يحمل تساؤلات تتعلق بإمكان السيطرة على مآلات هذه الوجهة.

المهم في التفاهم التركي الروسي، فيما إذا تم تحصينه بتفاهم أشمل، أنه يرسم مساراً يضمن لبوتين إقامة هادئة في المنطقة، بينما طموحات إيران المتدحرجة لا تضمن ذلك.

اقرأ المزيد
١٨ يناير ٢٠١٧
سوري وباختصار


لا يهتم السوري اليوم بما يحدث، أو بما سيحدث في آستانا، ولا يهمه أنها مدينة أنشأها الديكتاتور “نزار باييف” منذ ربع قرن فقط، بعد أن كانت قاعدة عسكرية روسية. ولا يعنيه إن كانت هيئة التفاوض موجودة ضمن التجمع الجديد الذي يتحدثون عنه في الأخبار للتفاوض باسمه، أم لم تكن موجودة، وآخر ما يُفكّر به هو من وافق من الفصائل العسكرية عن طيب خاطر بعدم ربط وقف إطلاق النار بإطلاق المفاوضات، ومن لم يوافق، ولا يتابع أخبار ضغط تركي أو روسي على هذا الطرف أو ذاك؛ للموافقة والرضوخ لتعليمات الدول، وأكثر من ذلك، ربما يستغرب المواطن السوري الذي لا يزال يعيش تحت السماء نفسها التي يعيش تحتها بشار الأسد، نقول ربما، يستغرب أن ثمة سوريين سيذهبون إلى آستانا، إذ ما جدوى ذهابهم ونقاشهم إن كانت الدول الراعية هي التي ستتفاوض، وتفرض أمرًا واقعًا إن توافقت مصالحها.

لا يهتم السوري بكلام “ينس لاركي”، المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة حول مؤتمر سيُنظّم لدعم سورية، ولا يعنيه تجاهل لاركي الإجابة عن سبب إقامة المؤتمر بفترة اجتماع آستانا نفسها، ولا يرغب في جمع أرقام ستنتج عن المؤتمر، وستأخذ صفة “مساعدة الشعب السوري”، فهو لن يرى شيئًا من هذه الأموال، التي سيأكل الفساد ثلاثة أرباعها، وسيصله منه فتات الفتات “إن وصله شيء”.

لا يهتم السوري اليوم بوصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، فأميركا؛ ومنذ اليوم الأول قالت، وبوضوح شديد “لا حل عسكري، لن نتدخل”، ومع أوباما أو ترامب أميركا هي أميركا. فما يعرفه السوري اليوم، أن معارضته التي كذبت عليه لسنين، وتحدثت عن تدخل خارجي أميركي سيقضي على بشار الأسد، ليست أكثر من مجموعة مراهقين وفاسدين، هم الفاسدين أنفسهم الذين رفعوا أيديهم فجأة، وصرخوا “كذبت علينا أميركا”، وأما أنهم لم يقرؤوا رسالة أميركا الواضحة منذ اليوم الأول فهي مصيبة، وإن هم قرؤوها وزوروها لشعبهم فالمصيبة أكبر، وكلتا الحالتين لا تهم السوري اليوم.

لا يهتم السوري اليوم بأن تنبري القنوات الإخبارية العربية للدفاع عن حقه بالحياة، فتلك القنوات تبنّت “داعش” و”النصرة” منذ اليوم الأول لظهورهما، فأخذت على عاتقها أن تتكلم عن أي جريمة يرتكبها التنظيم حتى لو كان ضحية الجريمة مجموعة أبقار في بستان، وتجاهل مجازر يتفنن الأسد وداعموه بارتكابها حتى لو تجاوز عدد الضحايا المئة إنسان.

لا يهتم السوري اليوم بخبرٍ يقول إن الائتلاف حوّل نائب الائتلاف سميرة المسالمة إلى التحقيق لأنها انتقدت أداءه، ولا يعنيه أن المسالمة نفسها انتقدت الكيان الذي بقيت فيه سنوات قبل أن تقرر انتقاده، ولا يستمع لتصريحات رياض حجاب، ولا يقرأ بيانات الائتلاف، ولا رغبة لديه في متابعة هيئة التنسيق، ولن يتذكر أسماء الكيانات النسائية التي طالبت بالحقوق السياسية للمرأة السورية، فالسوري اليوم لا يشبه سوري الأمس، امتلك الحاسة السادسة لكشف الكذب السياسي الفاسد.

لا يهتم السوري اليوم بجملة “الإسلاميون سرقوا الثورة”، فلم يكونوا هم من فتح البوابات، وأطلق الفتاوى، واشترط توزيع السلاح بالراية السوداء، وهلل لقدومهم على المنابر العالمية. ولا يملك السوري وقتًا ليفكر بمثقفين لم يروا من بين مئات آلاف ضحايا بشار، سوى أنهم خرجوا من المساجد، فأعلنوا براءتهم من تخلّف أهلهم؛ فالسوري كان يظن أن لديه نخبة من مثقفين وفنانين ومشاهير، سيسيرون بالكلمة الواعية أمامه، لكنه وجد أن ما لديه إما عراضات باب الحارة، أو جلدًا يوميًا؛ لأنه لم يقرأ كتب الجابري عن العقل العربي.

لا يهتم السوري اليوم بمناضل فيسبوكي يقفز بعد جولتي لعب بالطاولة، ليصيح: “سأناضل لآخر قطرة دم”، ثم يعود إلى مشواره في أزقة مدن غير سورية. ولا يهتم السوري بنجم فضائيات بليغ اللسان عالي الصوت، يوزع صكوك الوطنية والشرف على الطوائف والقبائل وزملاء الكار، ثم يحصد آلاف الإعجابات في صفحته الشخصية.

لا يهتم السوري اليوم بالحوادث الإرهابية التي تحدث في العالم، لأنه يُدرك أن ثمة جواز سفر أزرق سيظهر قرب الحادثة، وإن لم يظهر الأزرق سيظهر السوري نفسه مسؤولًا عن الإرهاب، إما أنه لاجئ جديد، أو قادم من أرض الإرهاب السورية.

لا يهتم السوري اليوم أن حزب الله ليس على قوائم الإرهاب العالمية، ولا يفكر بالانتحار شنقًا أو حرقًا لأن الدول التي طالبت بإسقاط بشار الأسد، هي نفسها الدول التي تتفاوض معه اليوم وتعتبره حليفًا في محاربة الإرهاب، فما جدوى الانتحار في بلد لا يوجد فيه غير الموت.

لا يهتم السوري اليوم بأن فضيحة الأمم المتحدة قبل أربعة أشهر ماتت بالتقادم السريع، ولا يخطر بباله أن دعمها للأسد وصرفها عليه ملايين الدولارات، وتقديمها الأموال لزوجة الأسد وابن خاله ومؤسساته وجنوده وآلياته، كل ذلك سيخضع للمحاسبة؛ فلم يسمع السوري أن موظفًا في الأمم المتحدة تقدم باستقالته على خلفية تلك الفضيحة التي فجرتها “الغارديان” قبل أشهر، ولم يرشح أي خبر عن تحقيق جرى فتحه حول المعلومات التي يبدو أنها لم تصدم أحدًا إلا السوري.

يهتم السوري اليوم بإحصاء شهدائه، وتوثيق الأسماء، وفي كل يوم يضيف خانة في شرح قصة الثورة السورية، لتصبح ما قبل وادي بردى، وما بعد دير الزور، ما قبل آستانا وما بعدها، ولتصبح الشاهدة التي يضعها على القبر، تحمل بدلًا من اسم الشهيد تأريخًا لموته: هنا يرقد شهيد آستانا، وشهيد وقف إطلاق النار، وشهيد الجوع، وشهيد الأمم المتحدة، وشهيد أميركا، وشهيد العالم الكاذب والكلام المعسول.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
لماذا ماتت جامعة الدول العربية؟

يُقال، في علم البيولوجيا، إن العضو الذي لا يستخدم يضمر. ويبدو ذلك صحيحاً في علم السياسة، فالشخص الذي لا يقاتل من أجل صلاحياته داخل النظام السياسي يختفي، وربما ينتهي تماماً، والمؤسسة أو الهيئة التي لا تلعب دوراً حيوياً في تنشيط النظام السياسي وتفعيله تضمر تدريجياً، حتى يضمحل دورها نهائياً.

يبدو ذلك صحيحاً تماماً بالنسبة لجامعة الدول العربية اليوم، المؤسسة التي ربما نحن اليوم بأشد الحاجة لها، فما يجري في المنطقة العربية ليس بالشيء الذي يحدث كل يوم، وليس من نوع الأحداث السياسية الصغرى، إنها إعادة ولادة نظام إقليمي جديد ووفاة النظام السياسي العربي التقليدي كما عرفناه عقوداً، والمؤسسة المناط بها أن تلعب دوراً في بناء هذا النظام السياسي العربي الإقليمي وتقويته غائبة تماماً بأحسن الظنون، إذا لم نقل إنها لم يعد لها وجود عملياً.

هناك أسباب عديدة يمكنها تفسير هذا الانهيار الكامل، في مقدمتها أنه ليس للأنظمة السياسية العربية ذاتها الممثلة في هذه المنظمة الإقليمية أي إيمانٍ بدور هذه المؤسسة أو الحاجة لها.

ولذلك، تغدو الحاجة إلى تغيير النظام السياسي العربي مصيرية، وهي مسألة حياة أو موت، إذا ما فكّرنا في التحديات الإقليمية الرئيسية التي تواجه الإقليم العربي، وأولها، بكل تأكيد، إعادة الأمن والاستقرار ونهاية خطر الإرهاب، وضمان الانتقال الديمقراطي السلمي في بلدان الربيع العربي أو الثورات العربية، وبناء نظام إقليمي عربي يعكس الطموحات الكبرى للمواطنين العرب بإيمانهم بانتمائهم العربي، ورغبتهم في البحث لهم عن مكان بين الأمم اليوم.

يجب أن ندرك اليوم أن النظام العربي المطلوب تغييره ليس هو "ميثاق جامعة الدول العربية وما انبثق عنه من معاهدات واتفاقات تحكم العلاقات العربية، وفق ما ورد في نصوصها"، كما أن "النظام العربي" لا يتعلق فقط بالعلاقات البينية العربية، وإنما يشمل هيكل (وبناء) النظام السياسي الذي قام عليه نموذج الدولة القطرية أو الوطنية، بحيث يشمل آلية صنع القرار في النظام، والعلاقة بين المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية، وطبيعة عمل السياسة الداخلية بمجملها والخارجية أيضاً.

كان لغياب جامعة الدول العربية عن لعب أي دورٍ، ولو على المستوى التوجيهي العام لمراحل التحول الديمقراطي، بعد ظهور المظاهرات الشعبية في بلدان الربيع العربي، أثر رئيسي، على ما أعتقد، في فشل عملية التحول، خصوصاً إذا قارنّا الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في عملية التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان حاسماً في توجيه، ومن ثم نجاح عملية التحول بشكل سلمي ومدروس، على الرغم من اختلاطها بالعنف في بلدانٍ كثيرة، كما حال رومانيا، مثلاً.

لعبت جامعة الدول العربية دوراً في طلب حماية المدنيين في ليبيا. وبعد ذلك، انكفأت تماماً حتى لم تعد تكترث بإصدار أي بياناتٍ ذات معنى سياسي، فضلاً عن غياب المبادرات لحل الأزمات المتراكبة في اليمن وليبيا وسورية والاحتلال الإسرائيلي، وترك ذلك كله للأمم المتحدة والدول الإقليمية التي لديها مصالح ورغبات متناقضة.

وقد تجلى موت الجامعة في غياب المحاولة وقناعة قيادتها أنها لن تقوم بجديد أو مفيد، وبالتالي لا جدوى من المحاولة، على الرغم من أن المحاولات، حتى ولو عبرت عن فشل، إلا أنها دليل ما على الحيوية، وهو على ما يبدو ما تفتقده جامعة الدول العربية اليوم كلياً.
مصير الجامعة اليوم على المحك، ولا معنى لمؤسسة يعلق عليها العرب آمالاً كثيرة، لكنها تنوء تحت ثقل وعبء يفوق قدرتها على العمل. أعرف تماماً المشكلات البنيوية التي رافقت تأسيس الجامعة منذ ولادتها. لكن، من المخزي حقاً لنا، نحن العرب، أن تكون الجامعة أقدم عمراً من الأمم المتحدة نفسها، ومن كل المؤسسات الإقليمية الأخرى، كالاتحادين الأوروبي والإفريقي ومنظمة الأميركيتين، ولا تستطيع الخروج من أزمتها الهيكلية في إعادة بناء هياكلها وأسسها على معايير جديدة، إنها تعبير مطلق عن اليأس العربي والفشل في بناء نظامهم السياسي، وترك الأمر للآخرين للقيام بذلك.

ما تفتقده الجامعة اليوم، وقبل كل شيء، قيادة ذات رؤية وإيمان بقدرتها على التغيير، فانعدمت فيها المبادرة، واكتفت بأن تكون تعبيراً سيئاً لفشل الأنظمة السياسية العربية. ولذلك، تباعدت الفجوة كلياً بين المواطن العربي وحلمه في أن تلعب الجامعة أي دور مفيد، فيما يتعلق بحل مشكلات الهجرة أو التنقل أو المواصلات أو تعزيز التجارة البينية وغيرها، ما كان الدافع الأول لكل التنظيمات الإقليمية الموازية للتطور والتحديث.

من الضروري اليوم الخروج من الإطار التوصيفي والتجريدي للدخول في عمق الأزمة البنيوية التي تعصف بالجامعة اليوم، ولعل الكلام النظري الكثير عن المشروع النهضوي العربي الذي سيطر على الخطاب العربي في التسعينيات من القرن الماضي حل محله اليوم في التفكير كيف يمكن للجامعة أن تتحوّل إلى محرّك ديناميكي وحيوي لإيجاد آليات تعزّز الإيمان بأن الفضاء العربي ما زال ممكناً.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
إيران تودع أوباما بالإهانة

إنها قصة الضفدع الذي حمل العقرب على ظهره ليعبر به الماء إلى الضفة الأخرى، وما إن وصل حتى لدغه العقرب، فاستنكر الضفدع فأجابه: ما كنت عقربًا لو لم أفعل.

سبع مرات في نهاية الأسبوع الماضي تعرضت المدمرة الأميركية ماهان Mahan لخطر المواجهة من زوارق الحرس الثوري الإيراني في المياه الدولية في الخليج، التي اضطرتها لإطلاق النار تحذيريًا. كما أقيمت احتفالات في طهران بمرور عام على ما تسميه طهران بإذلال البحّارة الأميركيين!

كل هذا الإحراج للرئيس باراك أوباما وهو يودع ثماني سنوات من رئاسة الولايات المتحدة. وأوباما هو الرئيس الوحيد الذي حمل النظام الإيراني على ظهره منذ عام 1979. ألغى سياسة خمسة رؤساء أميركيين سبقوه، ففاوضهم ووقع معهم اتفاقيات سخية، بعد أن رفع عنهم العقوبات الاقتصادية، وسكت عن جرائمهم في سوريا. وقد كافأه النظام الإيراني بتوديعه وهو خارج من البيت الأبيض بالتحرش بالقوات الأميركية في مياه الخليج وإهانة قواته مجددًا، عدا عن حفلات الشتائم في الإعلام الرسمي ضده!

على أية حال، أيام قلائل تفصلنا عن يوم تنصيب الرئيس المنتخب، وبعدها سنطالع كيف يعامل النظام الإيراني الحكومة الأميركية الجديدة. هل سيجرؤ على اعتراض زوارقها، واعتقال بحارتها، أو إطلاق النار باتجاه القطع العسكرية الموجودة في مياه الخليج؟

في واشنطن، الاستعدادات جارية لعملية التسليم الرئاسية، وكل ما سمعناه حتى الآن يوحي بأن نهاية رئاسة باراك أوباما هي نهاية سياسته في منطقة الخليج، وستعقبها حقبة مختلفة في منطقة الشرق الأوسط. ولا أريد الاندفاع في رفع توقعاتنا من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لكن ما قاله كبار مسؤوليه في جلسات الاستماع في الكونغرس، في الأسبوع الماضي، يشير إلى أن ترمب ليس أوباما، وقد أكدته شهادات ثلاثة من كبار مرشحيه للخارجية، والدفاع، والـ«سي آي إيه»، تجاه إيران.

الثلاثة، وبوضوح، اتهموا إيران بأنها مصدر القلاقل في المنطقة، وأن سياسة الإدارة الجديدة ستواجهها بدل التحالف معها، دون أن يعني ذلك التخلي عن الاتفاق النووي احترامًا للمواثيق الموقعة.

ولو فعلوا ما توعدوا إيران به، فسيكون تبدلاً مهمًا في السياسة الأميركية في علاقاتها مع منطقة الخليج، وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط. أوباما بدأ علاقاته سرًا بالنظام الإيراني، ووضع ثقته في نظام العقرب وحمله على ظهره، مراهنًا على أنه سيكون شريكًا إقليميًا في السلام، وحليفًا أساسيًا في محاربة الإرهاب. ولأن إدارة أوباما تعمدت التواصل مع النظام في طهران سرًا لفترة طويلة، كان سهلاً أن تمنح وعودًا وتوقع اتفاقيات سيئة، ليس فقط للولايات المتحدة ولكن للمنطقة والعالم أجمع. ولا يوجد عند أحد في المنطقة رفض لأن تنفتح واشنطن على إيران، وتتوصل إلى اتفاق يوقف برنامجها النووي، لكن جملة أخطاء وقعت فيها إدارة أوباما تسببت في إطلاق سراح وحوش النظام التي هي وراء الكوارث في سوريا والعراق واليمن. لم يكن ذلك ضروريًا، وقد حان الوقت لتدرك إيران أنها تستطيع أن تستمتع بمقدراتها الاقتصادية، ويفتح العالم لها أبوابه للمتاجرة والسياحة والتبادل المعرفي، لكن لا ينبغي أن تترك قواتها وميليشياتها طليقة تهدد أمن دول المنطقة وأمن ومصالح العالم كله.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
"الكفر" في حلب!

في معمعان الصراع على حلب، كانت هناك أوساط تعمل بصيغة دؤوبة على تأريث ذلك، ملفَّعاً بمطلب خروج الحلبيين، أهل المدينة، من مدينتهم بدعوى أن هؤلاء هم حملة الكفر مقابل الإيمان. في تلك الأثناء كانت أطراف الصراع تتمثل وفق الإشكالية التي نعالجها هنا، وهي تلك التي تقوم على ثنائية الإيمان والكفر. أما الطرف الذي رفعها وجعلها منصة للصراع فكان يتمثل بمقاتلين وبدعاة إيمان ديني مقابل الكفر الديني.

أما الجانب الأكثر طرافة واستفزازاً في ذلك الصراع فيتمثل ليس بين طرفين سياسيين، وإنما في قاعدة الإيمان والكفر! وإذا كان تحديد طبيعة الصراع هنا قائماً على أساس ديني، فإن الاختلاف السياسي الاستراتيجي لم يعد ذا أهمية، حتى حين يكون هذا الاختلاف قائماً على أساس سياسي أو قومي (بين عربي وإيراني). لقد حصل «الانتصار»، هنا بين إيرانيين وعرب، ما يجعلنا نستعيد تاريخ الصراع بين الفريق الإيراني والآخر العربي على أنه صراع بين الفرس بأديانهم وبين العرب بإسلامهم، فلا ننسى هنا وقْع ذكرى معركة القادسية التي حشر فيها الفرس وفاز فيها العرب.

إن الرؤية الإيرانية الحالية هي استعادة لما حدث بين الفرس والعرب الفاتحين، وفي هذا خلط للأشياء بين المذاهب والقوميات، وبهذه الصيغة يراد لنا أن نفهم الخلاف الاستراتيجي الإيراني مع القومية العربية، وهذا بدوره يراد له أن يكون صراعاً بين الأديان، مما يعيق فهم التطور العالمي للأحداث الراهنة بين إيران والعرب، في حلب وغيرها، وإلا لا نكون قادرين على فهم اجتياح سوريا من قبل إيران وغيرها، وتحديداً حين نواجه بخُطب قدمها أئمة إيرانيون يُعلنون فيها أن الانتصار على الحلبيين إن هو إلا انتصار للإيمان الشيعي على أهل الكفر في حلب!

ليس أمراً معقداً أن نتبين في الخطاب الإيراني الديني خطاً من الخطاب القائم على الخلط بين القيم الدينية والانتماءات الإثنية والقومية والعرقية. أما النتيجة لتبيّن الخلط المذكور فتتمثل في مراحل تاريخية سابقة وراهنة، وفي صراعات ومناكفات تأخذ وظيفة التزوير التاريخي والصراعات الطائفية الدينية وغيرها.

أما الجانب الآخر الذي يضمه خطاب التفاوت الطائفي هذا، فيقوم على ذرّ الرماد في الاختلافات والخلافات التي تنشأ لدى البشر، وبلا حضور للأديان في العالم، لأن هذه الأديان تقوم على طوائف ومذاهب وتيارات، وهذه تتحول إلى نزعات تسلطية تبرز كأسلحة توجه ضد الخصوم في مجالات كثيرة، منها الاختلافات والصراعات الدينية. وفي هذا الحقل تتدخل المصالح الأنانية المادية والتسلطية والذهنية، التي تتمظهر كصراعات دينية أو مذهبية. لقد تحدث أحد المسؤولين العراقيين يوم 11-1-2017 عن إيران باعتبارها تحمل «مشروعاً استعمارياً» حيال العالمَين العربي والإسلامي. ومع هذا التصريح وبدونه، نعلم أن إيران تحاول استغلال المجريات الحالية، من موقع المذهب الشيعي، خاصة في سوريا المنظور إليها باعتبارها «بيضة القبان».

إن محاولات إيران تفسد العلاقة بينها وبين محيطها العربي الإسلامي كله. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن صراعاً طائفياً قد حدث في التاريخ الإسلامي، وذلك على نحو أخضع قراءة المذهب الإيراني بطريقة تفضي إلى صراعات دامية، علماً بأن «الاختلاف في الإسلام رحمة»، ومن ثم نلاحظ أن تلك الصراعات، خصوصاً الدامية منها، إن هي إلا صراعات يمكن حلها بأساليب سلمية، إنما بشرط أن يبتعد المعنيون في هذا الحقل عن التعنت في القراءة التأويلية وفي التأويل الإسلامي نفسه.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
روسيا والقضم التدريجي

لا يبدو أن تمدد النفوذ الروسي عالمياً يقف عند حدود، فمن الواضح أن إدارة الرئيس فلاديمير بوتين عازمةٌ على سحب كل الملفات التي كانت الولايات المتحدة صاحبة نفوذ أساسي فيها، وسحب البساط من تحت الأقدام الأميركية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تبدو فيها واشنطن متخبطةً في مرحلةٍ انتقالية، من الواضح أنها صعبة، مع ما يرافقها من نزاعاتٍ داخليةٍ تؤشر إلى أن مستقبل الحياة السياسية في البلاد غير واضح الأفق.

اعتمدت الاستراتيجية الروسية في هذا المجال سياسة القضم التدريجي، مستفيدةً من التراجع والانكفاء الأميركيين في عهد الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، وهي سياسةٌ لا يبدو أنها ستتغير مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بل ربما ستزيد بفعل الانشغال الحالي بالصراعات الداخلية، واهتمام ترامب الأساسي بالملفات المحلية، الاقتصادية بالدرجة الأولى. كانت البداية الروسية من أوكرانيا، والتي لم تنفع المعارك ولا العقوبات الكثيرة في كبحها، بل زادت من التعنت الروسي مع ضم شبه جزيرة القرم، والانتقال لاحقاً إلى ساحات صراع أخرى.

كانت سورية المحطة الثانية التي سعت فيها موسكو إلى مزاحمة نفوذ الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، مستفيدةً أيضاً من حالة التخبط وعدم اليقين التي شابت سياسة الإدارة الأميركية في الملف السوري، في وقتٍ كانت أهداف موسكو فيه صريحةً وواضحة، وخياراتها صارمةً في دعم نظام بشار الأسد، وهي لم توفر وسيلةً لفعل ذلك، لا سياسية ولا عسكرية، ولا اقتصادية. وها هي موسكو اليوم تقطف ثمار هذه الاستراتيجية، إذ باتت اللاعب الأوحد على الساحة السورية، وأصبحت تستقطب المحسوبين على معسكر الثورة في اتفاقاتٍ تصب عملياً في صالح النظام، والإشارة هنا إلى الاتفاق الروسي التركي، والتحضيرات لمؤتمر أستانة برعاية روسية مباشرة، وبغياب الأمم المتحدة والولايات المتحدة، واللتين إنْ وجهت إليهما الدعوة للحضور، فإن وجودهما لن يكون أكثر من ضيوف شرف ضمن الديكور الذي تسعى موسكو إلى إضفائه على المؤتمر، خصوصاً وأن الولايات المتحدة فقدت تقريباً كل أوراقها على الأراضي السورية.

ومن الواضح أن موسكو، بعدما استتبّ لها الوضع السوري، ذاهبةٌ باتجاه ملفات أخرى. وها هي تنسج اليوم تدخلاً في ليبيا على المنوال السوري نفسه، عبر دعم خليفة حفتر في مواجهة خصومه في طبرق وطرابلس. السيناريو السوري نفسه في طريقه إلى التطبيق في ليبيا، وأيضاً في ظل تخبط وعدم يقين غربي بالنسبة للطرف الشرعي الذي يجب دعمه، فيما يبدو أن موسكو حاسمةٌ وجازمةٌ في خياراتها، وهي قرّرت الوقوف إلى جانب حفتر. لا يزال التدخل في أوله. لكن، من غير المستبعد أن تؤدي نتائجه إلى الأمور نفسها التي آلت إليها الأوضاع في سورية، عبر تمركز روسي على الأرض والجو، وسيطرة على القرار، وإدخال ليبيا ضمن أوراق اللعب الكثيرة التي باتت تمتلكها موسكو في المنطقة، ولاحقاً المساومة عليها.

وقبل أن يستفيق الغرب من خبر التمدد الروسي إلى ليبيا، خرج، أول من أمس، مؤشر إلى نوايا موسكو الإضافية، مع إعلان وزير الخارجية، سيرغي لافروف، عن استعداد بلاده لاستضافة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية. وقفز إلى ملف الانقسام الفلسطيني، كاشفاً عن "أن المجموعات الفلسطينية المختلفة ستلتقي في موسكو الأسبوع المقبل"، قائلاً "لا بد أن تلتقي تلك المجموعات، وتناقش خلافاتها وتتوصل إلى موقفٍ مشترك. في حال تمكّن الفلسطينيون من الوحدة، سيتمكنون من التفاوض مع إسرائيل بفعالية أكبر".

يأتي الدخول الروسي المفاجئ إلى الملف الفلسطيني بالتزامن مع التحضيرات لمؤتمر باريس، والذي تقاطعه إسرائيل، وهو ما ترى فيه موسكو أيضاً فرصةً لإضافة ملف آخر إلى سلتها في مواجهة الغرب، مستفيدةً من العلاقة الوطيدة مع إسرائيل، والخلاف المستجد بين الأخيرة والولايات المتحدة.

بالنظر إلى هذه النقاط السابقة، لا يبدو أن الطموح الروسي للعب دور عالمي سيقف عند حدود، وربما تكشف الأيام المقبلة مزيداً من النفوذ في مناطق جديدة، وسحب مزيدٍ من الملفات من يد الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
كلمة السرّ: إيران

أفسد رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وكتلته في مجلس النواب العراقي، حالة الارتياح التي بدت على انطباعات الوفد الأردني الرفيع الذي زار العراق، الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس الوزراء، هاني الملقي، وقد تم توقيع اتفاقيات اقتصادية محفزة لتنشيط خط بغداد- عمّان، كما يأمل المسؤولون الأردنيون.

أصدر المالكي وكتلته ونواب عراقيون بياناً هاجموا فيه هذه الاتفاقيات، وفيها خفض للجمارك على الصادرات الأردنية وأسعار مخفضة للنفط، واعتبروا الأردن عدواً للشعب العراقي، مذكّرين بالصورة النمطية عن الأردن، لدى القوى الشيعية العراقية، بأنّه بحتضن عائلة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وفيه مؤيدون له، ويصدّر التكفيريين والقاعدة إلى العراق.

على الرغم من ذلك، لا تخلو تصريحات المالكي والنواب العراقيين العدائية للأردن من فائدة مهمة وأساسية، لتنبيه المسؤولين والسياسيين الأردنيين الغارقين في وهم التوقعات بسهولة تحسين العلاقات مع العراق، والقيام باستدارة تجاه النظام السوري، بناءً على التطورات الإقليمية أخيراً، وهو السجال الذي يحتل مساحةً واسعة من نقاش الدوائر المغلقة في عمان.

ببساطة، لا يمكن أن يقفز الأردن على الدور الإيراني المتنامي، ويتجاوز نفوذ إيران العميق في كل من العراق وسورية ولبنان اليوم، فإذا أراد إعادة النظر في مقارباته، فإن عليه أن يفكّر بدرجة أكبر من الدراسة والتفكير في علاقاته بإيران، ليس على صعيد عودة السفير الأردني إلى طهران، كما يختزل ذلك عدد من المسؤولين، إنما في وضع تصور أعمق استراتيجي لمحدّدات العلاقة مع طهران التي أصبحت عملياً على حدود الأردن الشرقية، وربما غداً الشمالية.

إلى الآن، لم يفكّر الأردن، جدياً، في موضوع العلاقة مع إيران، مكتفياً بربطها بالسعودية، لحرص الأردن على تأكيد وقوفه وتحالفه مع الأخيرة، خصوصاً بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران، وما تبعها من تطوّر الأزمة بين الدولتين.

أمّا اليوم، فإنّ هنالك تفكيراً أردنياً بدأ يتبلور بعدم إمكانية استمرار على النهج السابق، في ضوء المتغيرات الجديدة؛ الاستدارة التركية، إدارة أميركية جديدة لا تهتم بإسقاط الأسد، الدور الروسي والمحور الروسي- الإيراني، نفوذ إيران الإقليمي، القلق من السيناريوهات القادمة لمدينة درعا جنوب سورية، والتي تقع على تماس مع الأمن الوطني الأردني.

يعزّز هذه العوامل عامل رئيس آخر، يتمثل في الأزمة الاقتصادية الأردنية الخانقة، والضرورة الملحة لفتح الخطوط مع الحكومة العراقية، لتنشيط الحالة الاقتصادية وبعض القطاعات، بعدما تراجع سقف التوقعات بصورةٍ كبيرة لدى المسؤولين الأردنيين، ما يمكن أن يأتي به صندوق الاستثمار السعودي- الأردني، وفي ضوء (كذلك) الأزمة الاقتصادية السعودية، المتوقع أن يزداد تأثيرها على الحكومة في الرياض، ويضع معادلة الدعم السخي السابق للأردن في عهدة التاريخ.

كلمة السرّ، إذاً، هي طهران، لكن المسألة ليست بهذه البساطة، ولا تلك السهولة، فإيران لاعب سياسي مخضرم، وهي في موضع قوة إقليمياً اليوم، ولن يكون فتح الباب إلى الأردن من دون كلفة أو ثمن، سواء مع العراق، أو حتى في ما يطمح إليه الأردن من دورٍ مفترض في مشروع إعادة إعمار سورية.

في المقابل، الأردن جزء من المنظومة السنية العربية، والرأي العام الأردني منقسم بحدّة تجاه إيران، وهنالك انقلابٌ في المزاج الاجتماعي تجاهها، فضلاً عن شبكة علاقات الأردن مع القوى السياسية العراقية.

كيف يمكن أن يصوغ صانع القرار الأردني من هذه المتغيرات والمحدّدات معادلةً ذكية؛ تعيد هيكلة علاقته مع إيران ودول الجوار، وكيف يحسب نقاط القوة التي يمكن أن يستثمرها، هذه الأسئلة من المفترض التفكير فيها قبل المضي باتجاه الاستدارات المتوقعة، أو في أثنائه.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان