مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٨ يناير ٢٠١٧
سوري وباختصار


لا يهتم السوري اليوم بما يحدث، أو بما سيحدث في آستانا، ولا يهمه أنها مدينة أنشأها الديكتاتور “نزار باييف” منذ ربع قرن فقط، بعد أن كانت قاعدة عسكرية روسية. ولا يعنيه إن كانت هيئة التفاوض موجودة ضمن التجمع الجديد الذي يتحدثون عنه في الأخبار للتفاوض باسمه، أم لم تكن موجودة، وآخر ما يُفكّر به هو من وافق من الفصائل العسكرية عن طيب خاطر بعدم ربط وقف إطلاق النار بإطلاق المفاوضات، ومن لم يوافق، ولا يتابع أخبار ضغط تركي أو روسي على هذا الطرف أو ذاك؛ للموافقة والرضوخ لتعليمات الدول، وأكثر من ذلك، ربما يستغرب المواطن السوري الذي لا يزال يعيش تحت السماء نفسها التي يعيش تحتها بشار الأسد، نقول ربما، يستغرب أن ثمة سوريين سيذهبون إلى آستانا، إذ ما جدوى ذهابهم ونقاشهم إن كانت الدول الراعية هي التي ستتفاوض، وتفرض أمرًا واقعًا إن توافقت مصالحها.

لا يهتم السوري بكلام “ينس لاركي”، المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة حول مؤتمر سيُنظّم لدعم سورية، ولا يعنيه تجاهل لاركي الإجابة عن سبب إقامة المؤتمر بفترة اجتماع آستانا نفسها، ولا يرغب في جمع أرقام ستنتج عن المؤتمر، وستأخذ صفة “مساعدة الشعب السوري”، فهو لن يرى شيئًا من هذه الأموال، التي سيأكل الفساد ثلاثة أرباعها، وسيصله منه فتات الفتات “إن وصله شيء”.

لا يهتم السوري اليوم بوصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، فأميركا؛ ومنذ اليوم الأول قالت، وبوضوح شديد “لا حل عسكري، لن نتدخل”، ومع أوباما أو ترامب أميركا هي أميركا. فما يعرفه السوري اليوم، أن معارضته التي كذبت عليه لسنين، وتحدثت عن تدخل خارجي أميركي سيقضي على بشار الأسد، ليست أكثر من مجموعة مراهقين وفاسدين، هم الفاسدين أنفسهم الذين رفعوا أيديهم فجأة، وصرخوا “كذبت علينا أميركا”، وأما أنهم لم يقرؤوا رسالة أميركا الواضحة منذ اليوم الأول فهي مصيبة، وإن هم قرؤوها وزوروها لشعبهم فالمصيبة أكبر، وكلتا الحالتين لا تهم السوري اليوم.

لا يهتم السوري اليوم بأن تنبري القنوات الإخبارية العربية للدفاع عن حقه بالحياة، فتلك القنوات تبنّت “داعش” و”النصرة” منذ اليوم الأول لظهورهما، فأخذت على عاتقها أن تتكلم عن أي جريمة يرتكبها التنظيم حتى لو كان ضحية الجريمة مجموعة أبقار في بستان، وتجاهل مجازر يتفنن الأسد وداعموه بارتكابها حتى لو تجاوز عدد الضحايا المئة إنسان.

لا يهتم السوري اليوم بخبرٍ يقول إن الائتلاف حوّل نائب الائتلاف سميرة المسالمة إلى التحقيق لأنها انتقدت أداءه، ولا يعنيه أن المسالمة نفسها انتقدت الكيان الذي بقيت فيه سنوات قبل أن تقرر انتقاده، ولا يستمع لتصريحات رياض حجاب، ولا يقرأ بيانات الائتلاف، ولا رغبة لديه في متابعة هيئة التنسيق، ولن يتذكر أسماء الكيانات النسائية التي طالبت بالحقوق السياسية للمرأة السورية، فالسوري اليوم لا يشبه سوري الأمس، امتلك الحاسة السادسة لكشف الكذب السياسي الفاسد.

لا يهتم السوري اليوم بجملة “الإسلاميون سرقوا الثورة”، فلم يكونوا هم من فتح البوابات، وأطلق الفتاوى، واشترط توزيع السلاح بالراية السوداء، وهلل لقدومهم على المنابر العالمية. ولا يملك السوري وقتًا ليفكر بمثقفين لم يروا من بين مئات آلاف ضحايا بشار، سوى أنهم خرجوا من المساجد، فأعلنوا براءتهم من تخلّف أهلهم؛ فالسوري كان يظن أن لديه نخبة من مثقفين وفنانين ومشاهير، سيسيرون بالكلمة الواعية أمامه، لكنه وجد أن ما لديه إما عراضات باب الحارة، أو جلدًا يوميًا؛ لأنه لم يقرأ كتب الجابري عن العقل العربي.

لا يهتم السوري اليوم بمناضل فيسبوكي يقفز بعد جولتي لعب بالطاولة، ليصيح: “سأناضل لآخر قطرة دم”، ثم يعود إلى مشواره في أزقة مدن غير سورية. ولا يهتم السوري بنجم فضائيات بليغ اللسان عالي الصوت، يوزع صكوك الوطنية والشرف على الطوائف والقبائل وزملاء الكار، ثم يحصد آلاف الإعجابات في صفحته الشخصية.

لا يهتم السوري اليوم بالحوادث الإرهابية التي تحدث في العالم، لأنه يُدرك أن ثمة جواز سفر أزرق سيظهر قرب الحادثة، وإن لم يظهر الأزرق سيظهر السوري نفسه مسؤولًا عن الإرهاب، إما أنه لاجئ جديد، أو قادم من أرض الإرهاب السورية.

لا يهتم السوري اليوم أن حزب الله ليس على قوائم الإرهاب العالمية، ولا يفكر بالانتحار شنقًا أو حرقًا لأن الدول التي طالبت بإسقاط بشار الأسد، هي نفسها الدول التي تتفاوض معه اليوم وتعتبره حليفًا في محاربة الإرهاب، فما جدوى الانتحار في بلد لا يوجد فيه غير الموت.

لا يهتم السوري اليوم بأن فضيحة الأمم المتحدة قبل أربعة أشهر ماتت بالتقادم السريع، ولا يخطر بباله أن دعمها للأسد وصرفها عليه ملايين الدولارات، وتقديمها الأموال لزوجة الأسد وابن خاله ومؤسساته وجنوده وآلياته، كل ذلك سيخضع للمحاسبة؛ فلم يسمع السوري أن موظفًا في الأمم المتحدة تقدم باستقالته على خلفية تلك الفضيحة التي فجرتها “الغارديان” قبل أشهر، ولم يرشح أي خبر عن تحقيق جرى فتحه حول المعلومات التي يبدو أنها لم تصدم أحدًا إلا السوري.

يهتم السوري اليوم بإحصاء شهدائه، وتوثيق الأسماء، وفي كل يوم يضيف خانة في شرح قصة الثورة السورية، لتصبح ما قبل وادي بردى، وما بعد دير الزور، ما قبل آستانا وما بعدها، ولتصبح الشاهدة التي يضعها على القبر، تحمل بدلًا من اسم الشهيد تأريخًا لموته: هنا يرقد شهيد آستانا، وشهيد وقف إطلاق النار، وشهيد الجوع، وشهيد الأمم المتحدة، وشهيد أميركا، وشهيد العالم الكاذب والكلام المعسول.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
لماذا ماتت جامعة الدول العربية؟

يُقال، في علم البيولوجيا، إن العضو الذي لا يستخدم يضمر. ويبدو ذلك صحيحاً في علم السياسة، فالشخص الذي لا يقاتل من أجل صلاحياته داخل النظام السياسي يختفي، وربما ينتهي تماماً، والمؤسسة أو الهيئة التي لا تلعب دوراً حيوياً في تنشيط النظام السياسي وتفعيله تضمر تدريجياً، حتى يضمحل دورها نهائياً.

يبدو ذلك صحيحاً تماماً بالنسبة لجامعة الدول العربية اليوم، المؤسسة التي ربما نحن اليوم بأشد الحاجة لها، فما يجري في المنطقة العربية ليس بالشيء الذي يحدث كل يوم، وليس من نوع الأحداث السياسية الصغرى، إنها إعادة ولادة نظام إقليمي جديد ووفاة النظام السياسي العربي التقليدي كما عرفناه عقوداً، والمؤسسة المناط بها أن تلعب دوراً في بناء هذا النظام السياسي العربي الإقليمي وتقويته غائبة تماماً بأحسن الظنون، إذا لم نقل إنها لم يعد لها وجود عملياً.

هناك أسباب عديدة يمكنها تفسير هذا الانهيار الكامل، في مقدمتها أنه ليس للأنظمة السياسية العربية ذاتها الممثلة في هذه المنظمة الإقليمية أي إيمانٍ بدور هذه المؤسسة أو الحاجة لها.

ولذلك، تغدو الحاجة إلى تغيير النظام السياسي العربي مصيرية، وهي مسألة حياة أو موت، إذا ما فكّرنا في التحديات الإقليمية الرئيسية التي تواجه الإقليم العربي، وأولها، بكل تأكيد، إعادة الأمن والاستقرار ونهاية خطر الإرهاب، وضمان الانتقال الديمقراطي السلمي في بلدان الربيع العربي أو الثورات العربية، وبناء نظام إقليمي عربي يعكس الطموحات الكبرى للمواطنين العرب بإيمانهم بانتمائهم العربي، ورغبتهم في البحث لهم عن مكان بين الأمم اليوم.

يجب أن ندرك اليوم أن النظام العربي المطلوب تغييره ليس هو "ميثاق جامعة الدول العربية وما انبثق عنه من معاهدات واتفاقات تحكم العلاقات العربية، وفق ما ورد في نصوصها"، كما أن "النظام العربي" لا يتعلق فقط بالعلاقات البينية العربية، وإنما يشمل هيكل (وبناء) النظام السياسي الذي قام عليه نموذج الدولة القطرية أو الوطنية، بحيث يشمل آلية صنع القرار في النظام، والعلاقة بين المؤسسات الدستورية والتشريعية والتنفيذية والقضائية، وطبيعة عمل السياسة الداخلية بمجملها والخارجية أيضاً.

كان لغياب جامعة الدول العربية عن لعب أي دورٍ، ولو على المستوى التوجيهي العام لمراحل التحول الديمقراطي، بعد ظهور المظاهرات الشعبية في بلدان الربيع العربي، أثر رئيسي، على ما أعتقد، في فشل عملية التحول، خصوصاً إذا قارنّا الدور الذي لعبه الاتحاد الأوروبي في عملية التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان حاسماً في توجيه، ومن ثم نجاح عملية التحول بشكل سلمي ومدروس، على الرغم من اختلاطها بالعنف في بلدانٍ كثيرة، كما حال رومانيا، مثلاً.

لعبت جامعة الدول العربية دوراً في طلب حماية المدنيين في ليبيا. وبعد ذلك، انكفأت تماماً حتى لم تعد تكترث بإصدار أي بياناتٍ ذات معنى سياسي، فضلاً عن غياب المبادرات لحل الأزمات المتراكبة في اليمن وليبيا وسورية والاحتلال الإسرائيلي، وترك ذلك كله للأمم المتحدة والدول الإقليمية التي لديها مصالح ورغبات متناقضة.

وقد تجلى موت الجامعة في غياب المحاولة وقناعة قيادتها أنها لن تقوم بجديد أو مفيد، وبالتالي لا جدوى من المحاولة، على الرغم من أن المحاولات، حتى ولو عبرت عن فشل، إلا أنها دليل ما على الحيوية، وهو على ما يبدو ما تفتقده جامعة الدول العربية اليوم كلياً.
مصير الجامعة اليوم على المحك، ولا معنى لمؤسسة يعلق عليها العرب آمالاً كثيرة، لكنها تنوء تحت ثقل وعبء يفوق قدرتها على العمل. أعرف تماماً المشكلات البنيوية التي رافقت تأسيس الجامعة منذ ولادتها. لكن، من المخزي حقاً لنا، نحن العرب، أن تكون الجامعة أقدم عمراً من الأمم المتحدة نفسها، ومن كل المؤسسات الإقليمية الأخرى، كالاتحادين الأوروبي والإفريقي ومنظمة الأميركيتين، ولا تستطيع الخروج من أزمتها الهيكلية في إعادة بناء هياكلها وأسسها على معايير جديدة، إنها تعبير مطلق عن اليأس العربي والفشل في بناء نظامهم السياسي، وترك الأمر للآخرين للقيام بذلك.

ما تفتقده الجامعة اليوم، وقبل كل شيء، قيادة ذات رؤية وإيمان بقدرتها على التغيير، فانعدمت فيها المبادرة، واكتفت بأن تكون تعبيراً سيئاً لفشل الأنظمة السياسية العربية. ولذلك، تباعدت الفجوة كلياً بين المواطن العربي وحلمه في أن تلعب الجامعة أي دور مفيد، فيما يتعلق بحل مشكلات الهجرة أو التنقل أو المواصلات أو تعزيز التجارة البينية وغيرها، ما كان الدافع الأول لكل التنظيمات الإقليمية الموازية للتطور والتحديث.

من الضروري اليوم الخروج من الإطار التوصيفي والتجريدي للدخول في عمق الأزمة البنيوية التي تعصف بالجامعة اليوم، ولعل الكلام النظري الكثير عن المشروع النهضوي العربي الذي سيطر على الخطاب العربي في التسعينيات من القرن الماضي حل محله اليوم في التفكير كيف يمكن للجامعة أن تتحوّل إلى محرّك ديناميكي وحيوي لإيجاد آليات تعزّز الإيمان بأن الفضاء العربي ما زال ممكناً.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
إيران تودع أوباما بالإهانة

إنها قصة الضفدع الذي حمل العقرب على ظهره ليعبر به الماء إلى الضفة الأخرى، وما إن وصل حتى لدغه العقرب، فاستنكر الضفدع فأجابه: ما كنت عقربًا لو لم أفعل.

سبع مرات في نهاية الأسبوع الماضي تعرضت المدمرة الأميركية ماهان Mahan لخطر المواجهة من زوارق الحرس الثوري الإيراني في المياه الدولية في الخليج، التي اضطرتها لإطلاق النار تحذيريًا. كما أقيمت احتفالات في طهران بمرور عام على ما تسميه طهران بإذلال البحّارة الأميركيين!

كل هذا الإحراج للرئيس باراك أوباما وهو يودع ثماني سنوات من رئاسة الولايات المتحدة. وأوباما هو الرئيس الوحيد الذي حمل النظام الإيراني على ظهره منذ عام 1979. ألغى سياسة خمسة رؤساء أميركيين سبقوه، ففاوضهم ووقع معهم اتفاقيات سخية، بعد أن رفع عنهم العقوبات الاقتصادية، وسكت عن جرائمهم في سوريا. وقد كافأه النظام الإيراني بتوديعه وهو خارج من البيت الأبيض بالتحرش بالقوات الأميركية في مياه الخليج وإهانة قواته مجددًا، عدا عن حفلات الشتائم في الإعلام الرسمي ضده!

على أية حال، أيام قلائل تفصلنا عن يوم تنصيب الرئيس المنتخب، وبعدها سنطالع كيف يعامل النظام الإيراني الحكومة الأميركية الجديدة. هل سيجرؤ على اعتراض زوارقها، واعتقال بحارتها، أو إطلاق النار باتجاه القطع العسكرية الموجودة في مياه الخليج؟

في واشنطن، الاستعدادات جارية لعملية التسليم الرئاسية، وكل ما سمعناه حتى الآن يوحي بأن نهاية رئاسة باراك أوباما هي نهاية سياسته في منطقة الخليج، وستعقبها حقبة مختلفة في منطقة الشرق الأوسط. ولا أريد الاندفاع في رفع توقعاتنا من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لكن ما قاله كبار مسؤوليه في جلسات الاستماع في الكونغرس، في الأسبوع الماضي، يشير إلى أن ترمب ليس أوباما، وقد أكدته شهادات ثلاثة من كبار مرشحيه للخارجية، والدفاع، والـ«سي آي إيه»، تجاه إيران.

الثلاثة، وبوضوح، اتهموا إيران بأنها مصدر القلاقل في المنطقة، وأن سياسة الإدارة الجديدة ستواجهها بدل التحالف معها، دون أن يعني ذلك التخلي عن الاتفاق النووي احترامًا للمواثيق الموقعة.

ولو فعلوا ما توعدوا إيران به، فسيكون تبدلاً مهمًا في السياسة الأميركية في علاقاتها مع منطقة الخليج، وتوازن القوى في منطقة الشرق الأوسط. أوباما بدأ علاقاته سرًا بالنظام الإيراني، ووضع ثقته في نظام العقرب وحمله على ظهره، مراهنًا على أنه سيكون شريكًا إقليميًا في السلام، وحليفًا أساسيًا في محاربة الإرهاب. ولأن إدارة أوباما تعمدت التواصل مع النظام في طهران سرًا لفترة طويلة، كان سهلاً أن تمنح وعودًا وتوقع اتفاقيات سيئة، ليس فقط للولايات المتحدة ولكن للمنطقة والعالم أجمع. ولا يوجد عند أحد في المنطقة رفض لأن تنفتح واشنطن على إيران، وتتوصل إلى اتفاق يوقف برنامجها النووي، لكن جملة أخطاء وقعت فيها إدارة أوباما تسببت في إطلاق سراح وحوش النظام التي هي وراء الكوارث في سوريا والعراق واليمن. لم يكن ذلك ضروريًا، وقد حان الوقت لتدرك إيران أنها تستطيع أن تستمتع بمقدراتها الاقتصادية، ويفتح العالم لها أبوابه للمتاجرة والسياحة والتبادل المعرفي، لكن لا ينبغي أن تترك قواتها وميليشياتها طليقة تهدد أمن دول المنطقة وأمن ومصالح العالم كله.

اقرأ المزيد
١٧ يناير ٢٠١٧
"الكفر" في حلب!

في معمعان الصراع على حلب، كانت هناك أوساط تعمل بصيغة دؤوبة على تأريث ذلك، ملفَّعاً بمطلب خروج الحلبيين، أهل المدينة، من مدينتهم بدعوى أن هؤلاء هم حملة الكفر مقابل الإيمان. في تلك الأثناء كانت أطراف الصراع تتمثل وفق الإشكالية التي نعالجها هنا، وهي تلك التي تقوم على ثنائية الإيمان والكفر. أما الطرف الذي رفعها وجعلها منصة للصراع فكان يتمثل بمقاتلين وبدعاة إيمان ديني مقابل الكفر الديني.

أما الجانب الأكثر طرافة واستفزازاً في ذلك الصراع فيتمثل ليس بين طرفين سياسيين، وإنما في قاعدة الإيمان والكفر! وإذا كان تحديد طبيعة الصراع هنا قائماً على أساس ديني، فإن الاختلاف السياسي الاستراتيجي لم يعد ذا أهمية، حتى حين يكون هذا الاختلاف قائماً على أساس سياسي أو قومي (بين عربي وإيراني). لقد حصل «الانتصار»، هنا بين إيرانيين وعرب، ما يجعلنا نستعيد تاريخ الصراع بين الفريق الإيراني والآخر العربي على أنه صراع بين الفرس بأديانهم وبين العرب بإسلامهم، فلا ننسى هنا وقْع ذكرى معركة القادسية التي حشر فيها الفرس وفاز فيها العرب.

إن الرؤية الإيرانية الحالية هي استعادة لما حدث بين الفرس والعرب الفاتحين، وفي هذا خلط للأشياء بين المذاهب والقوميات، وبهذه الصيغة يراد لنا أن نفهم الخلاف الاستراتيجي الإيراني مع القومية العربية، وهذا بدوره يراد له أن يكون صراعاً بين الأديان، مما يعيق فهم التطور العالمي للأحداث الراهنة بين إيران والعرب، في حلب وغيرها، وإلا لا نكون قادرين على فهم اجتياح سوريا من قبل إيران وغيرها، وتحديداً حين نواجه بخُطب قدمها أئمة إيرانيون يُعلنون فيها أن الانتصار على الحلبيين إن هو إلا انتصار للإيمان الشيعي على أهل الكفر في حلب!

ليس أمراً معقداً أن نتبين في الخطاب الإيراني الديني خطاً من الخطاب القائم على الخلط بين القيم الدينية والانتماءات الإثنية والقومية والعرقية. أما النتيجة لتبيّن الخلط المذكور فتتمثل في مراحل تاريخية سابقة وراهنة، وفي صراعات ومناكفات تأخذ وظيفة التزوير التاريخي والصراعات الطائفية الدينية وغيرها.

أما الجانب الآخر الذي يضمه خطاب التفاوت الطائفي هذا، فيقوم على ذرّ الرماد في الاختلافات والخلافات التي تنشأ لدى البشر، وبلا حضور للأديان في العالم، لأن هذه الأديان تقوم على طوائف ومذاهب وتيارات، وهذه تتحول إلى نزعات تسلطية تبرز كأسلحة توجه ضد الخصوم في مجالات كثيرة، منها الاختلافات والصراعات الدينية. وفي هذا الحقل تتدخل المصالح الأنانية المادية والتسلطية والذهنية، التي تتمظهر كصراعات دينية أو مذهبية. لقد تحدث أحد المسؤولين العراقيين يوم 11-1-2017 عن إيران باعتبارها تحمل «مشروعاً استعمارياً» حيال العالمَين العربي والإسلامي. ومع هذا التصريح وبدونه، نعلم أن إيران تحاول استغلال المجريات الحالية، من موقع المذهب الشيعي، خاصة في سوريا المنظور إليها باعتبارها «بيضة القبان».

إن محاولات إيران تفسد العلاقة بينها وبين محيطها العربي الإسلامي كله. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن صراعاً طائفياً قد حدث في التاريخ الإسلامي، وذلك على نحو أخضع قراءة المذهب الإيراني بطريقة تفضي إلى صراعات دامية، علماً بأن «الاختلاف في الإسلام رحمة»، ومن ثم نلاحظ أن تلك الصراعات، خصوصاً الدامية منها، إن هي إلا صراعات يمكن حلها بأساليب سلمية، إنما بشرط أن يبتعد المعنيون في هذا الحقل عن التعنت في القراءة التأويلية وفي التأويل الإسلامي نفسه.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
روسيا والقضم التدريجي

لا يبدو أن تمدد النفوذ الروسي عالمياً يقف عند حدود، فمن الواضح أن إدارة الرئيس فلاديمير بوتين عازمةٌ على سحب كل الملفات التي كانت الولايات المتحدة صاحبة نفوذ أساسي فيها، وسحب البساط من تحت الأقدام الأميركية، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تبدو فيها واشنطن متخبطةً في مرحلةٍ انتقالية، من الواضح أنها صعبة، مع ما يرافقها من نزاعاتٍ داخليةٍ تؤشر إلى أن مستقبل الحياة السياسية في البلاد غير واضح الأفق.

اعتمدت الاستراتيجية الروسية في هذا المجال سياسة القضم التدريجي، مستفيدةً من التراجع والانكفاء الأميركيين في عهد الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، وهي سياسةٌ لا يبدو أنها ستتغير مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بل ربما ستزيد بفعل الانشغال الحالي بالصراعات الداخلية، واهتمام ترامب الأساسي بالملفات المحلية، الاقتصادية بالدرجة الأولى. كانت البداية الروسية من أوكرانيا، والتي لم تنفع المعارك ولا العقوبات الكثيرة في كبحها، بل زادت من التعنت الروسي مع ضم شبه جزيرة القرم، والانتقال لاحقاً إلى ساحات صراع أخرى.

كانت سورية المحطة الثانية التي سعت فيها موسكو إلى مزاحمة نفوذ الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، مستفيدةً أيضاً من حالة التخبط وعدم اليقين التي شابت سياسة الإدارة الأميركية في الملف السوري، في وقتٍ كانت أهداف موسكو فيه صريحةً وواضحة، وخياراتها صارمةً في دعم نظام بشار الأسد، وهي لم توفر وسيلةً لفعل ذلك، لا سياسية ولا عسكرية، ولا اقتصادية. وها هي موسكو اليوم تقطف ثمار هذه الاستراتيجية، إذ باتت اللاعب الأوحد على الساحة السورية، وأصبحت تستقطب المحسوبين على معسكر الثورة في اتفاقاتٍ تصب عملياً في صالح النظام، والإشارة هنا إلى الاتفاق الروسي التركي، والتحضيرات لمؤتمر أستانة برعاية روسية مباشرة، وبغياب الأمم المتحدة والولايات المتحدة، واللتين إنْ وجهت إليهما الدعوة للحضور، فإن وجودهما لن يكون أكثر من ضيوف شرف ضمن الديكور الذي تسعى موسكو إلى إضفائه على المؤتمر، خصوصاً وأن الولايات المتحدة فقدت تقريباً كل أوراقها على الأراضي السورية.

ومن الواضح أن موسكو، بعدما استتبّ لها الوضع السوري، ذاهبةٌ باتجاه ملفات أخرى. وها هي تنسج اليوم تدخلاً في ليبيا على المنوال السوري نفسه، عبر دعم خليفة حفتر في مواجهة خصومه في طبرق وطرابلس. السيناريو السوري نفسه في طريقه إلى التطبيق في ليبيا، وأيضاً في ظل تخبط وعدم يقين غربي بالنسبة للطرف الشرعي الذي يجب دعمه، فيما يبدو أن موسكو حاسمةٌ وجازمةٌ في خياراتها، وهي قرّرت الوقوف إلى جانب حفتر. لا يزال التدخل في أوله. لكن، من غير المستبعد أن تؤدي نتائجه إلى الأمور نفسها التي آلت إليها الأوضاع في سورية، عبر تمركز روسي على الأرض والجو، وسيطرة على القرار، وإدخال ليبيا ضمن أوراق اللعب الكثيرة التي باتت تمتلكها موسكو في المنطقة، ولاحقاً المساومة عليها.

وقبل أن يستفيق الغرب من خبر التمدد الروسي إلى ليبيا، خرج، أول من أمس، مؤشر إلى نوايا موسكو الإضافية، مع إعلان وزير الخارجية، سيرغي لافروف، عن استعداد بلاده لاستضافة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية. وقفز إلى ملف الانقسام الفلسطيني، كاشفاً عن "أن المجموعات الفلسطينية المختلفة ستلتقي في موسكو الأسبوع المقبل"، قائلاً "لا بد أن تلتقي تلك المجموعات، وتناقش خلافاتها وتتوصل إلى موقفٍ مشترك. في حال تمكّن الفلسطينيون من الوحدة، سيتمكنون من التفاوض مع إسرائيل بفعالية أكبر".

يأتي الدخول الروسي المفاجئ إلى الملف الفلسطيني بالتزامن مع التحضيرات لمؤتمر باريس، والذي تقاطعه إسرائيل، وهو ما ترى فيه موسكو أيضاً فرصةً لإضافة ملف آخر إلى سلتها في مواجهة الغرب، مستفيدةً من العلاقة الوطيدة مع إسرائيل، والخلاف المستجد بين الأخيرة والولايات المتحدة.

بالنظر إلى هذه النقاط السابقة، لا يبدو أن الطموح الروسي للعب دور عالمي سيقف عند حدود، وربما تكشف الأيام المقبلة مزيداً من النفوذ في مناطق جديدة، وسحب مزيدٍ من الملفات من يد الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
كلمة السرّ: إيران

أفسد رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، وكتلته في مجلس النواب العراقي، حالة الارتياح التي بدت على انطباعات الوفد الأردني الرفيع الذي زار العراق، الأسبوع الماضي، برئاسة رئيس الوزراء، هاني الملقي، وقد تم توقيع اتفاقيات اقتصادية محفزة لتنشيط خط بغداد- عمّان، كما يأمل المسؤولون الأردنيون.

أصدر المالكي وكتلته ونواب عراقيون بياناً هاجموا فيه هذه الاتفاقيات، وفيها خفض للجمارك على الصادرات الأردنية وأسعار مخفضة للنفط، واعتبروا الأردن عدواً للشعب العراقي، مذكّرين بالصورة النمطية عن الأردن، لدى القوى الشيعية العراقية، بأنّه بحتضن عائلة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، وفيه مؤيدون له، ويصدّر التكفيريين والقاعدة إلى العراق.

على الرغم من ذلك، لا تخلو تصريحات المالكي والنواب العراقيين العدائية للأردن من فائدة مهمة وأساسية، لتنبيه المسؤولين والسياسيين الأردنيين الغارقين في وهم التوقعات بسهولة تحسين العلاقات مع العراق، والقيام باستدارة تجاه النظام السوري، بناءً على التطورات الإقليمية أخيراً، وهو السجال الذي يحتل مساحةً واسعة من نقاش الدوائر المغلقة في عمان.

ببساطة، لا يمكن أن يقفز الأردن على الدور الإيراني المتنامي، ويتجاوز نفوذ إيران العميق في كل من العراق وسورية ولبنان اليوم، فإذا أراد إعادة النظر في مقارباته، فإن عليه أن يفكّر بدرجة أكبر من الدراسة والتفكير في علاقاته بإيران، ليس على صعيد عودة السفير الأردني إلى طهران، كما يختزل ذلك عدد من المسؤولين، إنما في وضع تصور أعمق استراتيجي لمحدّدات العلاقة مع طهران التي أصبحت عملياً على حدود الأردن الشرقية، وربما غداً الشمالية.

إلى الآن، لم يفكّر الأردن، جدياً، في موضوع العلاقة مع إيران، مكتفياً بربطها بالسعودية، لحرص الأردن على تأكيد وقوفه وتحالفه مع الأخيرة، خصوصاً بعد اقتحام السفارة السعودية في طهران، وما تبعها من تطوّر الأزمة بين الدولتين.

أمّا اليوم، فإنّ هنالك تفكيراً أردنياً بدأ يتبلور بعدم إمكانية استمرار على النهج السابق، في ضوء المتغيرات الجديدة؛ الاستدارة التركية، إدارة أميركية جديدة لا تهتم بإسقاط الأسد، الدور الروسي والمحور الروسي- الإيراني، نفوذ إيران الإقليمي، القلق من السيناريوهات القادمة لمدينة درعا جنوب سورية، والتي تقع على تماس مع الأمن الوطني الأردني.

يعزّز هذه العوامل عامل رئيس آخر، يتمثل في الأزمة الاقتصادية الأردنية الخانقة، والضرورة الملحة لفتح الخطوط مع الحكومة العراقية، لتنشيط الحالة الاقتصادية وبعض القطاعات، بعدما تراجع سقف التوقعات بصورةٍ كبيرة لدى المسؤولين الأردنيين، ما يمكن أن يأتي به صندوق الاستثمار السعودي- الأردني، وفي ضوء (كذلك) الأزمة الاقتصادية السعودية، المتوقع أن يزداد تأثيرها على الحكومة في الرياض، ويضع معادلة الدعم السخي السابق للأردن في عهدة التاريخ.

كلمة السرّ، إذاً، هي طهران، لكن المسألة ليست بهذه البساطة، ولا تلك السهولة، فإيران لاعب سياسي مخضرم، وهي في موضع قوة إقليمياً اليوم، ولن يكون فتح الباب إلى الأردن من دون كلفة أو ثمن، سواء مع العراق، أو حتى في ما يطمح إليه الأردن من دورٍ مفترض في مشروع إعادة إعمار سورية.

في المقابل، الأردن جزء من المنظومة السنية العربية، والرأي العام الأردني منقسم بحدّة تجاه إيران، وهنالك انقلابٌ في المزاج الاجتماعي تجاهها، فضلاً عن شبكة علاقات الأردن مع القوى السياسية العراقية.

كيف يمكن أن يصوغ صانع القرار الأردني من هذه المتغيرات والمحدّدات معادلةً ذكية؛ تعيد هيكلة علاقته مع إيران ودول الجوار، وكيف يحسب نقاط القوة التي يمكن أن يستثمرها، هذه الأسئلة من المفترض التفكير فيها قبل المضي باتجاه الاستدارات المتوقعة، أو في أثنائه.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
مبادرة في وقتها

أصدر مثقفون سوريون ورقةً سياسيةً، تناولت مسار الثورة في السنوات الماضية، وما شابها من نواقص وعيوب، وأحاط بها من تحدّيات ومخاطر، ومورس عليها من تدخّل، واعتمده ممثلوها من مواقف، وتوفّر لها أو غاب عنها من مؤسسات وبرامج وخطط وقيادة ثورية، لو امتلكتها لتولّت توجيه خطاها بتبصّر وعقلانية، ولأمدّتها بمستلزمات النجاح، كتعزيز مواقع وأدوار حواملها المجتمعية، وتوحيد نخبها الثورية وتفعيلها، وإبعادها عن العسكرة القاتلة التي أخضعت السياسة لبندقيةٍ، قادها تمذهب قوّض هوية الثورة المجتمعية، فضلاً عن تنظيم مقاومتها، بما فيها إخضاع المقاتلين لقيادة سياسية، ينفذون خطها الاستراتيجي، وبرنامجها المدافع عن الحرية هدفاً وحيداً، لن يتم بلوغه من دون وحدة المجتمع والدولة، والبديل الديمقراطي وقيمه كالعدالة والمساواة، وتجريم نهج التأسلم الذي وزّع المواطنين إلى طوائف لا تنتمي إلى نسيج مجتمعي واحد، بل هي متعادية/ متنافية.

... وقد جاءت الورقة في وقتها، بينما تعلن قطاعاتٌ سوريةٌ واسعة من السوريات والسوريين انفكاكها عن مشروع التأسلم/ المتمذهب، وتمسّكها بالحرية هدفاً للشعب السوري الواحد الذي كان الحراك قد تبنّاه قبل أن يدمر النظام قطاعه المدني الحديث، ويُرغم، بعنفه المسلح وممارساته الطائفية، قطاعها الأهلي على هجر نهجها السلمي، وحمل السلاح دفاعاً عن نفسه، بينما ساعدت سياسات النظام الإجرامية تنظيم القاعدة على إبعاده عن مشروع الحرية وقبوله بالعسكرة والتمذهب والتطييف. في هذه الأجواء المعادية للثورة، تكامل عجز التنظيمات الفصائلية السياسي/ العسكري مع الانخراط الخارجي المتعاظم في الحرب، لتكون النتيجة إنزال سلسلة هزائم بـ"الثورة"، كان آخرها كارثة حلب التي كشفت فشل بنى الفصائل في التصدّي للأعداء أو الصمود ضدهم، وما يسم وعي أغلب قادتها من ضحالة، فضلا عن افتقارهم إلى العلاقات الصحيحة مع السوريين التي لو توفرت لهم، لما رفضوا عرضاً بإخراج مائتي عنصر فقط من جبهة النصرة إلى خارج المدينة، في مقابل بقاء قواتهم فيها، واستمرار مجلسها المحلي المنتخب في إدارتها، ثم وبعد إنجازاتهم في "ملحمة حلب الكبرى"، قبلوا بحماسةٍ خروجهم وخروج السكان، بشروط مذلة أجبرتهم على التخلي عن سلاحهم، وركوب باصات الأسد الخضراء، بشفاعة جيش روسيا الذي كانوا يعلنون، إلى ما قبل سويعاتٍ، تصميمهم على سحقه وإخراجه من سورية.

كانت هزيمة حلب سياسية أيضاً، وإلا لما انتقلت الفصائل من عداء روسيا إلى قبول خططها، بل والاحتماء بها، ومن الالتزام باولوية دور "الائتلاف" وهيئة التفاوض العليا في البحث عن حل سياسي، إلى شرعنة دورها هي جهةً تحل محلهما في هذا البحث. لا عجب أن أدّت فضيحة حلب إلى انفكاكٍ مجتمعي متزايد عنها، ومطالبتها بالخروج من المناطق المدنية، وتجدّد دور الشباب في تعبئة قدرات الشعب وراء مشروع الثورة الوطني/ الديمقراطي المعادي للطائفية، وحدوث استفاقةٍ وطنيةٍ يبشر استمرارها واتساعها باستعادة مرحلة الثورة الأولى، المجتمعية والسلمية، وتلاشي مرحلتها الثانية، المتأسلمة / المتعسكرة، جالبة الكوارث للسوريين.

تنضوي ورقة المثقفين في إطار محدّد هو: التصميم على تزويد الحراك بالبرامج والخطط والرؤى الاستراتيجية والتكتيكية التي سيحتاج إليها خلال تحوله المطلوب إلى ثورة على صعيدي السياسة والمقاومة، لم يمتلك ما يماثلها في المرحلة السلمية المجتمعية، ولعب غيابها دوراً خطيراً في انزياح التمرد نحو العسكرة والتمذهب والتطييف، ودورانه في حلقة مفرغة انحدارية الاتجاه. بهذا المعنى، هي ورقة أولى في مشروع سياسي/ فكري، يريد تزويد الحراك برؤية سياسية وعملية، يجنّبه امتلاكها الأخطاء التي يفيد منها عدوّاه: النظام وأتباع التأسلم المتعسكر المعادي للحرية. إذا كانت الورقة قد قدّمت جرداً أوليا لمسار الثورة ونقدته بموضوعية وعقلانية، فإن ما سيليها من أوراق سيذهب في منحىً مختلف، يمدّها ببرنامج وخطط تتيح، عند نقطةٍ معينةٍ، بلورة قيادةٍ ثوريةٍ يرتبط انتصار الشعب بها، كي لا يفتقر استئناف الحراك للطابع المجتمعي/ السلمي، ويخلو من نواقص مرحلة التمرد الأولى وعيوبها وشعبوياتها.

بهذه المقاصد، سينصبّ الجهد على بناء الوضع الذاتي للثورة الذي يتوافق وظروفها الموضوعية، ويفيد من إيجابياتها، ويستهدف إقناع الآخرين باستحالة تحقيق مصالحهم من دون قبول مطالب السوريين، وفي مقدمتها رحيل الأسد ونظامه، وقيام نظام ديمقراطي يضمن الحرية والوحدة للشعب السوري، وإقناعه أيضاً بأن فشل الحرية لن يكون كارثةً بالنسبة لسورية وحدها، بل سيكون كذلك بالنسبة لجميع شعوب وبلدان العالم، لن ينجو أحد من عواقبها الوخيمة.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
الاستانة لترويض “الجميع” قبل الدخول في حلبة “السياسة”

دخلت مفاوضات الاستانة مراحلها التحضيرية الختامية ، تمهيداً للانطلاق الرسمي يوم الاثنين القادم ، والتي من المنتظر أن تكون المعترك الأول للعسكر في القطاع السياسي الدولي العلني ، برعاية من الأطراف الأكثر سطوة على الطرفين (روسيا و تركيا) ، والتي ستمهد لأن تكون المضمار الذي سيروض العسكر و يجعلهم مشاركين للقرار و بالتالي الالتزامات بالمخرجات فيما بعد .


مفاوضات الاستانة ، التي أتت بعد ضغوط كبيرة من طرفي الرعاية (تركيا و روسيا) ، أنها النقطة التي سيتم من خلالها تجاوز المطبات العميقة التي سقطت فيها جولات جنيف جميعها ، والتي ركزت على السياسين فحسب ، وسط تغييب كامل أو شبه كامل لأصحاب القرار على الأرض ، و بالتالي كانت النتائج و إن ظهرت لاتتجاوز حدود الورقة التي كتبت عليها.

و ينظر اليوم للاستانة على أنها المضمار الرحب و الواسع الذي سيحتمل ساعات ترويض العسكر ، انتزاع قبول لأي شيء ممكن أن يحدث خلال محادثات الساسة و الاختصاصيين في ادارة البلاد في جنيف الشهر المقبل ، و بالتالي لا مكان للتملص بحجة عدم المشاركة أو عدم مناسبة ما اتفق عليه.

ووفق مصادر عدة متطابقة ، فإن الملف الذي يكاد يكون الوحيد الذي سيتم بحثه هو آلية تثبيت الهدنة “الهشة” ، التي بدأت في ٣٠ كانون الأول الماضي ، و التأسيس لتحوليها لحالة طبيعية بدلاً من أن تكون استثناء على أجواء الحرب التي تسيطر على سوريا منذ آذار ٢٠١١ ، و بالتالي منح أرضية تساعد من يود التفاوض على مراحل الانتقال السياسي ، بالعمل بأريحية بعيداً عن صوت و صورة القتل الشنيعة.

لا شك أن التساؤلات تدور حول كيفية الوصول إلى هذه التفاهمات في ظل انعدام الثقة سواء بالأسد أو بالراعي الروسي ، و لكن لا يبدو أن رفاهية القبول أو الرفض متوافرة لدى الفصائل بكافة أشكالها و انتماءتها بعد إصابتها بالعجز العسكري “ النفسي” و ليس العضوي ، و بالتالي فإن المشاركة تحتاج لقدرة على الخروج بأقل الخسائر الممكنة ، حتى يتمكنوا على الاقل من إيقاف الموت .

و ليس من باب التشاؤم ، و لكن واجب القول أن الفصائل قد تضطر للتنازل عن كثير من الأمور التي كانت محورية في الماضي السحيق و القريب جداً ، مقابل تأمين أجواء لما يشبه الحياة لبقية السوريين ، الذين باتوا من متقني الموت المتعدد المشارب.


ولايمكن تقليل نسبة التشاؤل (تفاؤل متشائم) ، إلا من خلال اعداد ملفات قوية تمكن المعارضة (العسكرية و السياسية) ، من السيطرة عى مجريات المفاوضات و تسييرها ضمن الاطار النافع لها ، هذه الملفات التي يفتقدها النظام و حلفاءه ، ابتداء من المعتلقين إلى الكيماوي و القتل العشوائي و الحصار و التهجير و … ، فالملفات هي المفتاح الأنجع لتجاوز مطبات و عراقيل الوضع الميداني الذي أفقد الثورة بين ٢٠١٥ و ٢٠١٦ عناصر قوتها و سطوتها الفعلية.

اقرأ المزيد
١٦ يناير ٢٠١٧
حدود مسار آستانة

دأت في الحادي عشر من كانون الثاني 2017 في أنقرة سلسة لقاءات بين ممثلين من الجيش الحر والمعارضة السورية السياسية وضبّاط روس ومسؤولين أتراك، وتهدف الاجتماعات لنقاش اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إعلانه في التاسع والعشرين من كانون الأول، وحجم الخروقات التي وقعت خلاله وعلى رأسها تأزم الوضع الإنساني المتردي في وادي بردى. ومن المتوقع أن يتم طرح عدّة وثائق تناقش مكافحة الإرهاب، ومسار الحل السياسي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك تجهيزاً للمفاوضات المزمع عقدها بعد عشرة أيام في العاصمة الكازاخستانية آستانة. وإذ تستثمر تركيا الكثير من الجهود في إنجاح هذا المسار الجديد، فإن نتائجه بشكلها ومحتواها محدودة بالواقع. وتعتري الدبلوماسية التركية مجموعة من الصعوبات أمام الوصول إلى اتفاق شامل يصون مصالحها في سوريا، أهمها غياب الولايات المتحدة المقلق، وعدم وضوح الرؤية في التعامل مع الاتحاد الديموقراطي، واحتفاظ إيران بقدرتها على المراوغة.

غياب أمريكي وأممي

يصعب تخيل لجوء الأمم المتحدة لنتائج مسار تفاوضي لم تشارك جميع الأطراف الدولية المعنية فيه، ويعكس غياب دي مستورا، رغم دعوته لحضور المفاوضات، مدى جدية المجتمع الدولي في التعامل مع مخرجات مسار آستانة المحتملة والتي لم تتعدى حتى الآن سوى دعم الجهود الروسية التركية في إرساء عملية السلام وفق نص قرار مجلس الأمن 2336. وتشير القراءة الأولية لسياسية ترامب الخارجية إلى عدم اعتراض إدارته على مسار آستانة، فهي على وفاق مع رؤية موسكو للحل السياسي في سورية من جهة، وغير راغبة في مواجهة روسيا في جغرافية محسومة لها من جهة أخرى. إلّا أن غياب التمثيل الأمريكي في المحادثات الأولية التي أطلقت المسار، بالإضافة إلى عدم حضورها في المفاوضات اللاحقة يشير إلى عدم اعتماد آستانة بديلاً أصيلاً عن جنيف. وفي حين يوجد اتفاق دولي في ضرورة تقبل دور روسيا المتقدم في سوريا بحكم وجودها العسكري في البلاد، إلا أن عتبة تحمل تنامي حجم الدور التركي متفاوتة من دولة لأخرى، وهذا ما يعزز بدوره القراءة التي تؤمن بحتمية تقديم تركيا للمزيد من التنازلات للمجتمع الدولي مقابل إنجاح مفاوضات آستانة.

إقصاء وكلاء جبل قنديل

برع حزب الاتحاد الديموقراطي في قراءة المزاج الدولي منذ بدء نشاطه في الصراع السوري، ولقد أقام عدداً من التحالفات مع القوى الدولية والإقليمية بما يتقاطع مع مصالحه وأهدافها المرحلية والاستراتيجية في المنطقة. فبالإضافة إلى تضلع الحزب لمحاربة داعش بما أكسبه دعماً دولياً في أعماله العسكرية وتسليحه، فلقد قام الحزب:

1.    بتشكيل ائتلاف عسكري مع قوات عربية محلية تحت مسمى "قوات سوريا الديموقراطية" طمعاً باكتساب شرعية دولية في حكم معظم شمال سوريا المتنوع قومياً وإثنياً.  

2.    وآثر التعاون الأمني والعسكري مع النظام وإيران مقابل اعترافهما المؤقت بشرعية وجوده في مناطق نفوذه.

تأمل أنقرة من اقصاء الاتحاد الديموقراطي عن مسار آستانة تأجيل قرار الحسم أو التعامل معه، وفي ظل غياب قرائن كافية تشير إلى قطيعة الروس مع الحزب بالإضافة لتمتعه بدعم إدارة ترامب، فإن قرار استبعاده لا يعدو غير إجراء مؤقت ستضطر تركياً عاجلاً أم آجلاً لتبني غيره. وفي حين تصّر بعض القراءات على التقاء مصالح دمشق وأنقرة في لجم الطموح الكردي، فإن الواقع يشير إلى ضعف الموقف التركي في اتمام هذه المساومة، فليس ثمة ما يدفع النظام لمواجهة الاتحاد الديموقراطي الآن، وهو متعاون معه، غير عودة اعتراف تركيا به.

لجم الطموح الإيراني

شهدت الساحة الأكاديمية، وذلك منذ بداية التدخل الروسي في الجغرافية السورية، عدّة تحليلات تفيد بضجر روسيا بدور إيران في الصراع السوري، وازدادت تواتراً بعد اتفاق إجلاء الثوار من حلب الشرقية وما شهده من مقاومة إيرانية أثناء تنفيذ بنوده. وتعمد هذه القراءات على تفسير بعض حوادث الشد والجذب بين الحليفين بازدياد حالة الشك بينهما، فطهران لا تثق بصدق نوايا الروس اتجاهها، وموسكو بدأت تضيق ذرعاً بتعدد أذرع الحرس الثوري الإيراني في سوريا وحجم تحكّمها بمؤسسات الدولة السورية.

ولكن كثيراً ما يغفل أصحاب هذه الآراء عن علاقة الاعتماد المتبادل بين الدولتين، فلم يكن للمليشيات المدعومة من إيران الانتصار دون الغطاء الجوي الروسي، ولم يكن للسلاح الجو الروسي أن يحدث فرقاً دون وجود العامل البشري الإيراني. ويصعب تخيل أن يقدم أحد الطرفين عن التضحية بالآخر دون وجود بديل جدير بالثقة، فلن تعتمد إيران على التحالف الدولي وقد جعل منها ترامب خصمه الأول في المنطقة بعد داعش، ولن تعتمد روسيا على المعارضة السورية ما دامت لم تأمن عداوتها الأصيلة للمنظمات الراديكالية.

من الجدير بالذكر أن إيران كانت الطرف الثالث لإعلان مسار آستانة، قبل أن يتجاهل نص القرار 2336 ذكر جهودها، ولا يجب الإسراع بالحكم على غياب مشاركتها في رعاية المؤتمر بأنه اقصاء لها، فهو إمّا اجراء لتشجيع المعارضة السورية على المشاركة في المفاوضات أو تكتيك إيراني لتحسين تموضعها وفرض شروطها للقبول بمخرجات المسار لاحقاً، أو أنه كلاهما معاً. لا يوجد ثمّة ما يدل على وجود تصعيد بين تركيا وإيران، أو ما يشير إلى مبادرة الحكومة التركية بذلك على الأقل، بل العكس، فزيارة بن علي يلدريم لبغداد ولغة المصالحة التي تصدرّت البيان المشترك للقاء بينه وبين العبادي تشير إلى رغبة أنقرة لتهدئة الأزمة السياسية بينها وبين إيران.

طموح محدود بالواقع

جل ما يمكن أن يطمح الأتراك لتحقيقه في آستانة وفق القراءة السابقة هو تعويم المعارضة السورية المشاركة في عمليات درع الفرات بعد أن باتت في موقع "الربية" من خلال تعاملها مع جبهة النصرة أو تم تجاهلها بحكم تراجع أداءها العسكري. وتأمل أنقرة في إنجاز اتفاق يعطي شرعية دولية جديدة للجيش الحر في محيط المنطقة العازلة ضمن مثلث جرابلس – أعزاز – الباب، ويحافظ على حظوظها في الاندماج بجيش وطني جديد بموجب تسوية سياسية مع النظام برعاية روسية. وتحقيق كل ما يتعدى ذلك يتطلب من تركيا من تقديم تنازلات أشبه ما تكون بالمراهنات.

وأمّا التعويل على تأزّم العلاقات الروسية الإيرانية في استمالة موسكو واقصاء طهران خارج سوريا، فهو رهان أخطر ومقدمة لهزيمة سياسية كبرى. على المعارضة السورية المشاركة في مسار آستانة أن تدرك سقف ما يمكن تحقيقه في هذه المفاوضات ومدى خطورتها فيما لو استمر تواضع أدائها السياسي. ولعل أهم ما تعيه أنها ليست في موقع المساوم في وقف تمدد إيران كما يحلو للمتفائلين الإيمان به، فهي أضعف الفواعل فيما لو اجتمعت روسيا وأمريكا وتركيا على هذا الهدف.

إن أبواب التعامل مع المجتمع الدولي في سوريا أغلقت إلا باب مكافحة الإرهاب، وهذا ما أدركته تركيا بعد محاولات الاتحاد الديموقراطي وإيران لاحتكاره في البلاد، فجاء تدخلها في درع الفرات كمحاولة متأخرة لتغيير المعادلة، وفرص المعارضة السورية في استغلال هذه "الحاجة" الدولية محدودة ما دامت تساوم على سلامتها.

اقرأ المزيد
١٥ يناير ٢٠١٧
الشعب السوري والتدجين الذاتي

قبل أكثر من عامين، عندما لم يكن الحال السوري قد وصل إلى هذا البرزخ المستعصي، كنت ما زلت أظن نفسي قادرةً على النبوءة، وأنني أستطيع استقراء الواقع واستحضار ما خزنته الذاكرة من دروس التاريخ وأحداثه، معتمدة على حجج أدوات المنطق التي تضع المقدمات اللازمة، لتصل ببرهان رياضي إلى النتائج المتوقعة، وأظن أن هناك غيري من تنبأ على هذا الأساس، في مناحٍ عديدة للحالة السورية.

لم أتكهن باكراً، وبعد شهور قليلة على الحراك الشعبي السوري، بأن الأزمة انتهت بأقل الخسائر، ولم أطلق شعار "خلصت"، فكان لدي من الهواجس ما يكفي لأن أخاف من أن أطلق أحكاماً كهذا الحكم، وأنا أرى العنف وقد بدأ باكراً يغرز أنيابه في الصدور العارية التي انطلقت تنادي للحرية، وأرى كيف بدأ الدم يستصرخ مع أولى خيوط نزيفه من شرايين هذا الشعب.

لكنني، بعد أكثر من ثلاثة أعوام، وقد وصل العنف إلى حدٍّ رأيته حينها غير مسبوق في تاريخ البشرية، وكانت سورية قد صارت ساحةً لصراعات المصالح، وميداناً لإدارة الحروب، مع دخول مقاتلين من بلدان كثيرة، لمساندة النظام من جهة، وللقتال ضده من جهة أخرى، وصار التطرّف والدعوات الجهادية والخطابات العنفية والإقصائية هي المسيطرة على الوضع الميداني. وبعد ظهور هذا الكيان المتغول الذي انبثق مكتملاً كالأساطير "داعش". وفي الوقت نفسه، جبهة النصرة والفصائل الملحقة بها، وكلها صادرت ثورة الشعب وطبيعتها المدنية السلمية، ورأيت التردّي المعيشي الذي وصل إليه الشعب السوري، توقعت أن ثورة جياعٍ ستندلع، وكتبت في "العربي الجديد" تحت عنوان "ثورة جياع تقترب في سورية"، مستندةً على قرائن تدعم نبوءتي، وهي أن الشعب السوري ما زال يتذكّر ممارسات الطغمة الحاكمة، ومن يدور في فلكها، فعلى الرغم من القلة، وتدني المستوى المعيشي لغالبية الشعب السوري، لم يكن الفقر في سورية يحمل أنياباً، لم يكن يعضّ، لكنه كان يؤجج مشاعر الهوان، ويزيد في إضرام نيران الإحساس بالظلم وهدر الكرامة، عندما كان المواطن يرى ويلمس، كل يوم، ازدياد البون بينه وبين شريحةٍ من الأثرياء، يزداد ثراؤها ويزداد فجورها في الوقت نفسه، فرأس المال الذي نما بسرعةٍ قياسية، وتبرعم مثل فطور فوق مستنقعاتٍ من الفساد، كان وثيق الصلة بالسلطة، وكان يعرف كيف يعقد التحالفات مع أركان النظام. وأن الشعب يعرف أيضاً أن رؤوس أموالٍ تتكدّس على حساب كرامته قبل لقمته. لكن ثورة الجياع لم تحدث، فهل كانت حججي ضعيفةً إلى درجة استقراء نتيجةٍ كهذه، أم إن الواقع أعقد بكثير وأدهى من قدرتي على فهمه؟

في الواقع، هناك جوع نبتت له أنياب، وصار يعضّ أصحابه. لكن، لماذا صرنا بلا ذاكرة، على الرغم من أن طبقة المستفيدين من الفساد صارت أكبر وأشمل، وأن الفساد صار أكثر تنوعاً وأقدر على فتح قنواتٍ ليغرف منها طامحو الثراء الجدد ما شاؤوا مما تبقى من خيراتٍ في الوطن، ومن حياة إخوتهم وحقوقهم فيه؟

من أكثر ملامح الانهيارات المجتمعية التي أحدثها الزلزال السوري الانهيار القيمي، فقد صارت غريزة البقاء بأدنى أشكالها في سلم التطور الحافز للسلوك البشري أمام آلة العنف غير المسبوق، والذي واكبه تأجيج وشحن طائفي وعاطفي رصدت لأجله وسائل الميديا بزخم كبير. أمام هذا الزخم، وبعد تحوّل الإنسان في عصر الصورة والشبكة المفتوحة إلى كائن بصري بامتياز، تزداد عزلته، ليتقوقع على نفسه ضمن فضاء افتراضي، يقدّم له بديلاً مقنعاً عن واقع حقيقي، يتشارك فيه الحياة مع أفرادٍ يشبهونه، صار الفرد السوري معلقاً في فضاءٍ لزج، صار رهين اللحظة الدموية والخبر السريع الكثيف والصورة البليغة النافذة، وصارت ذاكرته تتثقّب خلسة عنه، بلى، صارت للسوري ذاكرة مثقوبة، ينسلّ منها ماضيه القريب والبعيد. ومن هذه الثقوب، تضيع الملامح، تضيع الهوية، يضطرب إدراك الذات.

صرنا أسرى اللحظة، بلا ماضٍ نستعيد منه ما يجعلنا ندرك أننا أحياء بشكل استثنائي. وعلينا أن نفهم هذه الحياة، لنعرف كيف نمسك بمصيرنا، ولا قدرة على الانفلات من تأثير المشهد والواقع الذي تقدمه الميديا والشاشات، بعد عمليات مونتاج موجهة، لننتبه إلى أن هناك مستقبلاً علينا العمل من أجله. نحن أسرى حاضر ينفلت بسرعةٍ من بين الأصابع قبل أن ندركه، أسرى العنف ولم يترك مساحةً في كياننا الإنساني إلا اعتدى عليها مهما صغرت، أسرى الهلع من المشاعر الضاغطة التي تنتابنا من هذه العدمية، بعدما فقدنا أي أملٍ في إمكانية النهوض. صارت الحياة بالنسبة إلى السوري هي التشبث بالبقاء، حتى لو كان على حساب أي قيمةٍ أخلاقية، وشُلّ تفكيره كاملاً بعدما عانى عقوداً من العطالة، تحت نير القمع والاستبداد.

خطفتنا اللحظة المصنوعة بحرفيةٍ عاليةٍ من ذواتنا، غرّبتنا عن أنفسنا، حوّلتنا إلى قطيعٍ فاقت قدرته في التدجين الذاتي أية وسائل أخرى، مهما بلغت من المكر والقسوة في تمكين التدجين والترويض.

لم يعد مكان لنبوءتي في حقل المنطق، بدوت مغفلةً في نبوءاتي كلها، من يشاهد الطرق والأساليب التي يتبعها الشعب السوري للتأقلم مع حياة الفاقة والقلة، الحياة التي أعادته إلى ما قبل الحالة المدينية، سوف يمتلئ باليأس، كيف يعيش الناس بلا كهرباء، بلا تدفئة، بلا محروقات، بلا غاز للطبخ، بالحد الأدنى من سد الرمق، وبجانبهم وعلى الملأ هناك حيتان الفساد وأثرياء الحرب، أولئك الذين انبثقوا كالفطر، بيدهم أموال ورساميل حصلوا عليها من محنة الشعب، ودمائه وتهجيره ودماره، سيشكلون، أو بدأوا بتشكيل طبقةٍ اجتماعيةٍ بلا رصيد قيمي أو معرفي. هؤلاء المتاجرون بمصير الشعب ليس لديهم أي نوع من الروادع الأخلاقية، بل ليس لديهم أي معرفةٍ أو اعترافٍ بالأخلاق. والناس المغلوبون على أمرهم يعيشون معهم فوق الأرض نفسها، ويشمّون الهواء نفسه، لكنهم يعانون الجوع، الفقر، الفاقة، انعدام الأمل، ويعيشون بلا حافز أو دافع، ليس في وجدانهم مكان لثورةٍ من أجل لقمتهم ولا كرامتهم. ولا حتى لعطشهم.

هل تستقيم الحياة وتسير من دون الماء؟ ها هي تسير في سورية من دون الماء، أو أقله في الحد الأدنى الشحيح منه، لاقى سوريون كثيرون طرقاً يمسكون فيها الحياة من رقبتها تحت ضغط العطش وانقطاع المياه، بل يبتكرون وتمتلئ مواقع التواصل، بابتكاراتهم حول تحدّي مشكلة المياه، كما مشكلة التدفئة، كما مشكلة الغاز. يبدعون في تلقف النكت والسخرية السوداء من واقعهم، فهذه عبوة مياه "بقين" يمسكها أبٌ، ويقول لابنه بقين تعني: بق الصبح وبق المسا. وآخر يضع صورة أسطوانة غاز طبخ، وعليها لوحة مفاتيح، وولد يرجو أباه أن يعطيه كلمة السر، ليعمل كأس شاي، وامرأة شامية ثقبت عبوة بلاستيكية معبأة بالماء، لتصبح مثل صنبورٍ تقوم بالجلي تحته، وهي تتفاخر بأن أهل الشام لا تفرق معهم، حتى لو قطعوا مياه الفيجة. فأي اغترابٍ يعيشه معظم السوريين؟ وأي ابتعادٍ عن كينونتهم الإنسانية؟ وأي ذاكرةٍ هربت منها ملامح شخصيتهم؟ وما الذي صنعه العنف المدجج بحربٍ إعلاميةٍ رهيبةٍ جعلت السوريين أسرى لحظةٍ غير معينة، فلا هم يمتلكون ماضياً، ولا هم قادرون على فهم المستقبل.

هربت من بالهم معظم المعاني، حتى الثورة كمفهوم انسلّ من قواميسهم، ولم يعد هناك مكان لنبوءة بثورة جياعٍ تقترب في سورية، على الرغم من الجوع المتوحش.

اقرأ المزيد
١٥ يناير ٢٠١٧
قليلاً من الحياء

في الوعي السوري العادي، فلسطين جزءٌ من سورية، وقضية فلسطين قضيةٌ سوريةٌ بامتياز. وفي الوعي السياسي السوري، ليس هناك أي فصل، ولا يجوز أن يكون، بين الشعب السوري وفلسطين، وبين نظام الأسد وإسرائيل. إذا كان هناك سوريٌّ ما نسي الحقائق، أود تذكيره بالأهم بينها، وهو أن الأسد الأب سلم الجولان لإسرائيل بلا مقاومة، مقابل تسليمه السلطة بشرطين: أن يبقي الجولان بيدها، لأنه مفتاح المشرق العربي، أو خنجر في خاصرة فلسطين، قضية وجغرافيا، وأن يحكم سورية باعتبارها بلداً محتلاً، هو وكيلها فيه. وقد نفذ الأب الشرطين بإشراف تل أبيب ورعايتها، ولو لم يكن عميلاً لها لفرقوا رقبته عندما غزا لبنان، بل حموا دخوله، لعلمهم المسبق أنه سيقتل الفلسطينيين، ويدمر منظمة التحرير ويخرجها من معادلات القوة والسلام في وطنها والمنطقة؟

عندما انطلقت الثورة، أيقن سوريون كثيرون أن الأسد الصغير سيدمر سورية، لكي تحميه إسرائيل، المستفيد الأكبر من شطب دولتها ومجتمعها من موازين وعلاقات القوى، الذي يعتبر أعلى مصلحة إسرائيلية استراتيجية، ولا سيما أنه يحوّل الصهيونية قوةً لا يمكن لأحد تحدّيها، ويعزّز موقفها تجاه فلسطين التي ستواجه موقفاً صعباً إلى أبعد حد، في ما يتصل بالاستيطان خصوصاً.

لم يُباغت السوريون بحجم الحماية الذي منحته إسرائيل للممانع/ المقاوم، خصوصاً بعد أن أمر جيشه بقتل شعب"ه"، في كل مكان من سورية. وكان السوريون واثقين من أن "العدو" الإسرائيلي لن ينتهز فرص انهيار الجيش المقاوم، ليقضي على نظام الممانعة وعليه. وكانوا يتساءلون: أية فرصةٍ يمكن أن تتاح لإسرائيل أفضل من فرصة انشغال حرب الأسد ضد شعبه وانفراط غده، كي تتخلص منه؟

يعرف السوريون هذه الحقائق، ويدركون أن مصير وطنهم مرتبط بفلسطين، وأن انتصارها سيمهّد لإطاحة نظام الأسد، عدوها اللدود. بهذا المعنى، لا يجوز لأي نصير للثورة السورية مجاراة الأسد في إقامة علاقة مع إسرائيل، صديقته وعدو ثورة سورية وشعبها، ومن يقيم أي علاقةٍ، مهما كان نوعها، يخون شعبه، خصوصاً إن كان يعلم أن إسرائيل تقف وراء مأساة وطنه ومجتمعه، وإنها لن تبذل أي جهد لمنع الأسد من تدمير بلادهم، وكيف تمنعه إن كانت المستفيد الأكبر منه؟ لو كانت ضد الأسد، وتكنّ أدنى قدر من التعاطف مع الشعب السوري، لنشرت رسالةً مفتوحةً تأمر فيها الأسد بالتحزّم ببطانية، وتسليم نفسه لها، في قرية بير عجم في الجولان، كي لا تخرجه من دمشق زحفاً على بطنه.

على الرغم من معرفة السوريين بهذه الحقائق، وإدانتهم أي سوري يقيم علاقات مع عدوهم، هناك من يذهب إلى إسرائيل، أو يشارك في لقاءاتٍ سياسيةٍ أو تدريبية فيها، بحجة أن مفاتيح القضية السورية في يديها، وأن الزائر سيقنعها بمساعدة شعبٍ هي المستفيد الأكبر من سحقه على يد النظام، وعدو ثورته الأكبر الذي يعتقد أن انتصارها سيضع سورية في خدمة فلسطين وحريتها ودولتها السيدة والحرّة، وسيحشد قدراتها لخوض صراع جدّي معها، يخرجها من الجولان، ويجعل خروجها من أرض الدولة الفلسطينية عملاً إنقاذياً بالنسبة لها.

يذهب سوريون إلى إسرائيل، عدو شعبهم وثورته، ويقترفون بذهابهم خيانةً تضرّ بقضية سورية وفلسطين المشتركة التي وضعت الثورة أساساً استراتيجياً جديداً لها، جعله فلسطين سورية وسورية فلسطينية. لذلك، لا يجوز التساهل حيال سلوك زوار العدو، لأي سببٍ كان، ومن الضروري إصدار موقف رسمي عن "الائتلاف" والفصائل وهيئات المجتمع المدني، يمنع هذه الزيارات، ويعاقب من يقوم بها، ليس فقط لأنه يهين مشاعر شعبه، وينتهك قيم ثورة هذا الشعب، وإنما كذلك لئلا تصبح الخيانة موقفاً تحميه الحرية، يستسهل مرتكبوها القيام بها، مع أن سلوكهم يعزّز النظام الأسدي ويسوّغ خياناته، ويمثل خيانة لشعب فلسطين أيضاً الذي تتضامن معه مؤسساتٌ ومراكز دولية كثيرة في الغرب، تقاطع إسرائيل وترفض زيارتها، على العكس من هؤلاء الذين تعتبر زياراتهم طعناتٍ غادرةً تستهدفها، على الرغم مما قدمه فلسطينيو سورية من تضحيات، والعدد الكبير من شهدائهم الذين سقطوا في ثورة الحرية، ثورتنا وثورتهم، دفاعاً عن حقوقنا وكرامتنا التي هي حقوقهم وكرامتهم.

أوقفوا خيانة شعبكم ودعم عدوه في سورية وفلسطين، وتذكّروا أن انتصاركم محالٌ، ما دامت الصهيونية تحتل فلسطين وتساند الأسد، وأن انتصار فلسطين يتوقف على هزيمة قاتل أطفالكم، وأن مصير السوريين والفلسطينيين واحد، وأن دعم شعب الجبارين هناك هو دعم لشعب الحرية هنا، وأن حريته حريتنا، وحريتنا حريته.

اقرأ المزيد
١٥ يناير ٢٠١٧
الطريق إلى أستانة!

أستانة أو أستانا، هو الاسم التركي للعاصمة الجديدة التي بناها الرئيس الكازاخي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانفصال الجمهوريات الآسيوية القوقازية عن روسيا، وقيام دولة كازاخستان المستقلة. وللتذكير فإنّ الأستانة كانت اسماً من أسماء عاصمة الدولة العثمانية، مثل إسطنبول أو إستانبول، وتعني دار السلام.

إنّ المقصود هنا ليس الحديث عن الدولة الكازاخية الجديدة، وهي أهم جمهوريات آسيا الوسطى وأقربها إلى روسيا بوتين، بل المقصود التأمل في اختيارها مكاناً لمفاوضات حلّ الأزمة السورية، وما يعنيه ذلك بالنسبة لسائر الأطراف، وهل للحلّ أُفُق؟

إنّ اختيار العاصمة الكازاخية يعني بالطبع السيطرة الروسية على مفاصل حلّ الأزمة السورية، ويعني أيضاً قوة موقع تركيا في هذا الحلّ إن كان. فالدولة الكازاخية صديقة لتركيا أردوغان، وهي حليفةٌ حتى في مواجهة «غولن» ضمن العالم التركي لتلك الجمهوريات. وما أعنيه أنّ روسيا ليست غريبةً عن كازاخستان، وكذلك تركيا. ولا شك أن الاختيار كان مشتركاً للتهرب من جنيف، لأنّ الأخيرة تعني السيطرة الغربية على المحادثات، وما عاد الأمر كذلك بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا قبل سنتين. وفي السنوات العشر الأخيرة صارت كازاخستان بيئةً لمؤتمرات إقليمية وعالمية حول الاقتصاد، وحوار الحضارات، ومكافحة التطرف، وربط أجزاء العالم التركي، والتلاقي ضمن هذا العالم مع روسيا الاتحادية.

لقد كانت العواصم الغربية مكاناً للمفاوضات عندما كانت الولايات المتحدة تلعب الدور الرئيسي، ولم تعد مكاناً عندما تغيرت توازُنات القوة، فتقدمت روسيا باعتبارها قوةً غلاّبةً، وتمثّل النظام السوري (والإيرانيين!). وتقدمت تركيا باعتبارها ممثلاً (اختاروا تعبير الضامن!) للمعارضة السورية المسلَّحة، ولمصالحها كمتضرر من تصدع النظام السوري وظهور الأكراد والدواعش على حدودها.

لقد كانت الأولوية، لو كانت السلطة السورية رشيدةً، أن تكون الاجتماعات في دمشق. لكنّ الأسديات لا تقبل أي مفاوضات مع من يعتبرون أنفسهم معارضين. لذلك ذهبت المفاوضات إلى الجامعة العربية بالقاهرة. وأرسلت الجامعة مراقبين ثم مبعوثين. لكنّ الأزمة استمرت في التصاعد، وقال النظام إنه لا يقبل الوساطات مع الإرهابيين. والمعارضون السياسيون والمسلحون ازدادت آمالُهُم في إسقاط النظام، وتركوا دمشق، ثم الجامعة العربية، لأنهم ما اعتبروها مفيدة في تحقيق هدفهم. ومن الجامعة ذهبت المفاوضات رأساً إلى جنيف، وحضرت سائر الأطراف ما عدا إيران، وكان الروس مقودين. لذا كان منطق «جنيف-1» الدخول في عملية لانتقال السلطة، بحيث يزول حكم الأسد خلال سنتين (2012-2014). وفهمت إيران الأمر فتدخلت فوراً عبر «حزب الله». وأمكن تثبيت النظام المتداعي لعام ونصف العام. وخلال ذلك فشلت المحادثات لأنّ الفكرة الانتقالية ما كانت تناسب الأسد والإيرانيين. ولأنّ تركيا كانت تساعد المعارضة، وكذلك الولايات المتحدة، فقد وصل الأمر إلى ما يشبه التوازن. ثم حصل ما يشبه الانقلاب في المشهد بظهور «داعش» والتدخل الغربي الكاسح. واعتقد الإيرانيون والروس أنهم سيفقدون الزمام في سوريا والعراق، فتدخل الروس تدخلاً ساحقاً في سوريا، وتوصلوا إلى إنقاذ نظام الأسد، ودفعوا المعارضة المسلحة إلى الوراء وما يزالون. فكان الخروج من حلب، وكان الانتقال من جنيف إلى كازاخستان.

هل للمحادثات أُفق؟ الأطراف الحاضرة عديدة. أما الرئيسيون فهم النظام والإيرانيون والسوريون المسلَّحون المعارضون. أما المعارضون السوريون السياسيون فمهمشون وقد لا يحضرون. لذلك فحظوظ «الحل السياسي» ليست قوية. وإيران تريد الأسد ولا أحد غيره. والروس يقولون لا بأس بسنتين أو ثلاث! وتستطيع تركيا فرض الأمن على حدودها ضد «داعش» والأكراد، لكنها ليست من القوة بحيث تفرض حلاً سياسياً. وبالطبع لا يمكن الحديث عن دور للعرب حتى وإن حضرت بعض دول الجامعة. فمن ليس له عسكر على الأرض، ليس له حق الكلام!

إن أهم ما يمكن للروس والأتراك فعله في هذه المرحلة هو تثبيت وقف إطلاق النار. وسيقبل النظام والإيرانيون ذلك إذا أمِنوا من المحادثات السياسية! أما الحل السياسي فيحتاج إلى توازن لا يتوافر إلا في جنيف وفي ظروف أُخرى.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني