مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ يناير ٢٠١٧
بقي للأسد 4 سنوات

ضمن مشروع التفاوض على الحل السياسي لإنهاء الحرب في سوريا، يصر الروس والإيرانيون على بقاء بشار الأسد رئيسًا، متعهدين بأنه فقط لما تبقى من فترة حكمه الحالية «احترامًا للدستور»، مع تشكيل حكومة تمثل فيها القوى المعارضة، ووعود بصلاحيات مستقلة للأقاليم والمحافظات.

ومن يسمع هذا العرض المغري سيقول إن كان هذا هو الشرط للسلام فمرحبًا به، وبالفعل لا يبدو بقاء الأسد مشكلة لو أن هناك من يَضمن تنفيذ التعهد.

لكن توجد علتان فيه؛ الأولى أن الرئيس ربح الانتخابات ولا أحد يعرف كيف، خصوصًا أنها نفذت وسط الحرب الرهيبة في منتصف عام 2014، فكيف سيتم إخراجه عندما يستتب له الحكم بالكامل وتنزع أسلحة المعارضة؟

والعلة الثانية أن موعد نهاية رئاسة الأسد بعيدة جدًا، 2021، أي ستمر أربع سنوات طويلة أكثر من كافية لتتم فيها تصفية كل القوى المعارضة وشبه المعارضة.

الاقتراح الروسي للبقاء المؤقت، هو في الواقع حكم مؤبد، وعلى المعارضة أن تدرك أنها إن قبلت به عليها التخلي تمامًا عن كل شيء والقبول بالعودة لما قبل انتفاضة عام 2011، وألا تحلم أبدًا بشيء مما كانت تطالب به، وأن كل ما توعد به من حكومة مختلطة، وضمانات دستورية، وقوانين مستقلة للمحافظات لن تكون لها قيمة لاحقًا.

ولو أن الوعود بضمانات دولية صادقة، مع أنه يستحيل تصديقها، بأن السنوات المقبلة ستكون مرحلة تصالح وتصحيح وانتقال في الحكم، أتوقع أن تقبل بها القوى المعارضة المعتدلة، لأن الهدف لم يكن تدمير البلد والدولة، بل التغيير السلمي. فقد بدأت الانتفاضة سلمية، واستمرت عدة أشهر تعارض فقط بالمظاهرات واليافطات والأغاني، كانت دعواتها للانتقال السلمي مختلفة عن انتفاضتي تونس وليبيا وحتى مصر.

أما الحديث عن احترام الدستور، الذي لم يحترم أصلاً من قبل الذين صاغوه، والدعوة لإكمال الفترة الرئاسية، فإنها مجرد حيلة تفاوضية هدفها أن تسهل على المعارضة التراجع، وحفظ ماء الوجه، والزعم مستقبلاً أنها حصلت على تنازلات رئيسية. السوريون يعرفون جيدًا أن القبول ببقاء النظام أربع سنوات أخرى يعني أن المعارضة باعتهم، وتم التخلي عن كل الوعود التي قدمت لهم، وأكثر من نصف مليون سوري تمت التضحية بهم، وملايين شردوا إلى غير رجعة إلى بيوتهم.

وهذا سيعني إنهاء المعارضة المعتدلة وتعزيز المعارضة المتطرفة، التي ترفض المفاوضات، وهي في الحقيقة لا تقل سوءًا عن النظام. المسؤولية على المعارضة كبيرة في تحمل نتائج ما تفاوض عليه اليوم وما ستوقع عليه لاحقًا. لن يصدق أحد أنها خدعت، لأنه سبق وطرح حل الانتخابات، التي أجريت في وسط الدمار وكسب فيها الرئيس بنحو 89 في المائة ومعظم القتل والدمار جرى بعد تلك الانتخابات التي أعلن أن أكثر من عشرة ملايين مواطن أدلوا بأصواتهم فيها، ونحن نعرف أنه يستحيل حينها على مليونين أن يكونوا قد شاركوا فيها، والخديعة ستتكرر.

أمام شرط بقاء النظام لإنهاء الحرب، سيُصبِح من الأهون على السوريين القبول بتقسيم البلاد، ومنح الرئيس دولة يضمن فيها أغلبية الأصوات من طائفته، دون الحاجة إلى تزويرها، ويعيش كل فريق في دولته سعيدًا من دون حرب ومن دون فرض نظام عليه. إنما حتى مشروع التقسيم السيئ هذا مرفوض من تركيا وإيران والعراق، لأنها تخشى من تبعاته عليها.

اليوم يتفاوضون على سوريا، وهي مثل جرة مكسورة، يريدون إعادتها إلى ما كانت عليه في الماضي بعد كل هذا القتل والدمار الرهيب.

اقرأ المزيد
١٠ يناير ٢٠١٧
الشرق الأوسط تحت الوصاية الروسية

بينما يستعد دونالد ترامب لتولي مقاليد السلطة في البيت الأبيض، يُجهّز نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، نفسه، لقفزةٍ جديدةٍ على ملفات الشرق الأوسط وقضاياه، بدخول قوي على خط القضية الفلسطينية، لتضيف موسكو صفحةً إضافية إلى تاريخها الجديد في هذه المنطقة. بعد أن انتهت بالفعل من تسطير صفحة حافلة في سورية، بدأتها عسكريةً خالصة، وها هي الآن تطعّمها بالدبلوماسية والمبادرات السياسية. قبل أسبوعين، حاولت إدارة أوباما تفخيخ الطريق أمام ترامب بمواقف مفاجئة بشأن قضايا الشرق الأوسط، بما فيها الأخطر والأصعب، القضية الفلسطينية. وليست موسكو بعيدة عن تلك المناورات الأميركية بين رئيس مغادر وآخر قادم، فالسياسة الروسية، منذ سنوات، لا تترك شاردةً أو واردةً إلا وتحاول الاستفادة منها، خصوصاً بتعظيم المصالح الروسية، وبالتالي، توسيع دورها إقليمياً وعالمياً. ولما كانت الولايات المتحدة قد شرعت، منذ أكثر من خمس سنوات، في الخروج من المنطقة، والالتفات شرقاً نحو الصين وأقاصي آسيا، فلم يكن على موسكو حرج في الاندفاع نحو الشرق الأوسط، وملء فراغ كبير ستتركه واشنطن.

منذ أعلن الرئيس أوباما في 2010 ذلك التوجه الاستراتيجي الأميركي الجديد، والتحركات الروسية في هذا الإطار تمضي في أكثر من اتجاه. ولم تظهر نتائج تلك التحركات سريعاً، بسبب موجة الربيع العربي، وما تبعها من تصدّع في البنية التقليدية للنظام الإقليمي للمنطقة، غير أن تعرّض نظام بشار الأسد لخطر الانهيار قبل عامين كان سبباً كافياً لأن تعلن موسكو العودة الصريحة والقوية إلى المنطقة من البوابة السورية الكبيرة.

لذا، يخطئ من يتصوّر أن رئاسة ترامب ستعني عودة أميركا القوية إلى الشرق الأوسط، وأن أوباما المتردّد الليِّن سيسلم الشرق الأوسط إلى رئيسٍ جمهوريٍّ قوي يسترد لواشنطن هيبتها وهيمنتها على الشرق الأوسط، فشعبوية ترامب وأسلوبه الأهوج لا يعنيان، بالمرة، أن واشنطن ستنغمس مُجدّداً في مستنقعات الشرق الأوسط، بل على العكس، سيكون ترامب سعيداً، وهو يتابع اضطلاع موسكو بمهام الدولة "الراعية" وأدوارها، بما يعنيه ذلك من أعباء ومكاسب. ويراهن ترامب، في ذلك، على ما يسميه ذكاء بوتين ورجاحة عقله. ما سيسمح لواشنطن بالتفرّغ لإعادة بناء قوتها الاقتصادية، وتخوض التنافس العالمي في وجهه المعاصر الاقتصادي مع العملاق الصيني. أما الشرق الأوسط فستكتفي واشنطن إزاءه بتقديم القليل، وبالمقابل الذي تحدّده، مع الاحتفاظ بالأساسيات الثابتة، وفي مقدمها أمن إسرائيل، وهو أصلاً لم يعد مهدّداً، ويحظى بالتزام وتوافق أميركي روسي، بل وإقليمي عربي أيضاً.

لذا، لم تكن مصادفةً أن تعلن موسكو، قبل أيام من تولي ترامب، دعوة الفلسطينيين إلى حوار وطني، يضم مختلف الفصائل، مع التحضير، في الوقت نفسه، لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وعقد لقاء بين أبو مازن ونتنياهو. فالانتقال الروسي إلى هذا الملف المحوري في المنطقة ليس إلا تتويجاً لعملية تسليم الشرق الأوسط وتسلمه من واشنطن إلى موسكو. والمقصود هنا الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد إلى أفغانستان، فقد فتحت موسكو خطوط اتصال مع حركة طالبان. وبتوليها الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فهذا يعني أن موسكو صارت الراعي الرسمي الجديد للشرق الأوسط لعقد مقبل على الأقل. ما يعني أيضاً أن ملفات إقليمية أخرى ستدخل تحت الرعاية الروسية، تبدأ بليبيا واليمن، ولن تنتهي عند تنسيق التحالفات وموازين القوى الإقليمية.

من غير المعلوم إلى أي مدى سيستمر الشرق الأوسط تحت الوصاية الروسية، لكن المؤكد أن الرهانات العربية على واشنطن أثبتت فشلها مراراً. ويحتاج العرب إلى تجنب تكرار الفشل مع موسكو، لكنهم قبل ذلك في حاجة إلى الاعتراف بأن العصر الأميركي قد انتهى، وأن حقبةً روسية بدأت بالفعل.

اقرأ المزيد
١٠ يناير ٢٠١٧
زيارة نيابية فرنسية إلى الأسد

التقى أمس النائب الفرنسي اليميني تييري مارياني بشار الأسد في دمشق بعد أن زار حلب الشرقية. السيد مارياني الذي قام بهذه الزيارة بحجة انه نائب يبحث عن الحقيقة، هكذا برر إلى إذاعة RTL زيارته، لم يدخل سورية من دون تأشيرة وإذن من النظام السوري. فذهب باحثاً عن حقيقة مزورة من نظام قصف وقتل وهجر وأفرغ المدينة على يد حلفائه الروس والإيرانيين. وها هو النائب الفرنسي الطامح إلى منصب وزاري أو دور إذا فاز فرنسوا فيون في انتخابات الرئاسة يعود إلى مرشحه للرئاسة برواية النظام السوري.

لكن السؤال المطروح على مارياني وربما على فيون إذا كان مصراً على ما قال خلال حملته للانتخابات التمهيدية لحزب الجمهوريين: ألا يتذكّر حقيقة وعود الأسد للرئيس ساركوزي عندما دعاه مرتين إلى فرنسا في زيارة رسمية؟ آنذاك كانت فلسفة ساركوزي، وفيون كان رئيس حكومته، (وكان مرياني نائباً مقرباً من ساركوزي من دون الحصول منه على اي منصب) أن دعوة الأسد إلى باريس ستجعله يقتنع بأن من الأفضل أن يترك لبنان مستقلاً في أمن وسلامة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكل شهداء لبنان الذين ساهموا في ثورة الأرز. فكانت نتيجة التقارب الفرنسية السورية، مثلما حدث مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، أن الأسد عمل عبر «حزب الله» على قلب حكومة سعد الحريري في حينه ومنعه من عودته الى المنصب. حتى في آخر اتصال بين الأسد وساركوزي في عهد رئاسته، علّق الأخير قائلاً للأسد الذي أكد لساركوزي أن سعد الحريري لن يترأس حكومة لبنان مجدداً «اعتقدتُ بأن لبنان بلد مستقل». ثم انقطعت العلاقة بين فرنسا وسورية بعد شن الأسد حرباً على شعبه.

وينبغي تذكير مارياني وفيون اللذين قد يظنان أنهما أذكى من الرؤساء السابقين فرنسوا ميتران وجاك شيراك وساركوزي بأن الثلاثة حاولوا إقناع النظام السوري مع الأب والابن بتغيير نهجه وفشلوا. وعلى سبيل تذكير السيد مارياني أن في عهد ميتران والأسد الأب قام الرئيس الفرنسي الراحل بزيارة إلى حافظ الأسد ما أدى إلى استقالة وزير الخارجية الفرنسي آنذاك كلود شيسون الذي أقر بأن النظام السوري قتل السفير الفرنسي السابق في لبنان لوي دولامار. وزيارة ميتران إلى دمشق باءت بالفشل والذل للجانب الفرنسي.

وشيراك حاول الكثير مع الأسد الابن واستقبله بإيعاز من صديقه الشهيد رفيق الحريري معتقداً بأن ذلك قد ينفع لبنان. النتيجة كانت اغتيال الحريري ثم شهداء لبنان الذين ساهموا في ثورة الأزر قبل مرحلة انتقال الأسد إلى الحرب على شعبه التي دمّرت سورية وأدخلت القوات الروسية والإيرانية الباقية فوق سورية المدمرة.

ألم يعرف مارياني الباحث عن حقيقة الأسد ونظامه أن القيادات العربية كلها في بداية الحرب وأثناء تظاهرات درعا نصحت الأسد بالتجاوب مع متطلبات شعبه. وأمير قطر الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زار بشار الأسد وأوصاه بالقيام بإصلاحات وتم الاتفاق عليها لتفادي تظاهرات شعبه. وغداة نصيحة الأمير ألقى الأسد خطاباً تقليدياً ليس فيه أي إشارة إلى إصلاحات أو تجاوب مع متطلبات شعبه للحرية. وفي السياق نفسه كان الملك عبدالله بن عبد العزيز أوصاه بالتجاوب المسالم مع متطلبات شعبه، فجاء الرد عبر مقتل الولد حمزة الخطيب (عمره ١٣ سنة) في أيار (مايو) ٢٠١١ على قوى النظام السوري لأن خطيئة الولد أنه كان بين المتظاهرين.

هذه الأحداث نوردها لتذكير النواب الفرنسيين ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون أن حماية مسيحيي الشرق وأمنهم وسلامتهم لن تمر عبر بلد مدمّر ومنقسم ومهجّر في أنحاء العالم في سبيل بقاء الأسد على رأس بلده. إن التحاور والتفاوض معه عقيم لأنه في حال من النكران الدائم، فهو يعتقد بأنه انتصر، في حين أن بلده محتل من روسيا وإيران الدولتين اللتين لن تعيدا إعمار بلد خرّبتاه.

اقرأ المزيد
١٠ يناير ٢٠١٧
تفاهم روسي - أميركي - تركي يكبح إيران؟

رسائل كثيرة تتوالى يومياً من قادة الحلف الثلاثي في سورية. مواقف متبادلة من أعلى القمة في كل من موسكو وطهران وأنقرة. بعضها ودي وبعضها الآخر يحمل في طياته صراعاً خفياً. وثمة أوساط في المعارضة السورية تراهن على صدام مقبل بين روسيا وإيران. أو بالأحرى تأمل بقيام حلف ثلاثي بديل تحل فيه الولايات المتحدة محل الجمهورية الإسلامية. وترى إلى مثل هذا التطور خطوة تعوضها الكثير من الخسائر التي منيت بها بعد استرجاع النظام مدينة حلب. المواقف التي يعلنها أهل الحلف القائم لا تشي بأنهم على سكة واحدة، أقله في النظر إلى مستقبل الأزمة السورية وسبل تسويتها. يكفي أن طرفاً، ومعه النظام، لا يزال يعتقد بأن الحسم العسكري هو الحل الوحيد. ويصر على مواصلة هذا النهج. فيما طرفان آخران ينشطان لإطلاق مسار سياسي يبدأ من آستانة لينتقل إلى أيدي الأمم المتحدة مجدداً في جنيف. لكن تعويل المراهنين على صدام حتمي بين بعض الأطراف الثلاثة، أو على انفراط عقدهم، قد لا يكون في محله. فهؤلاء يدركون خطر مثل هذه المجازفة الكبرى، لأن أحداً منهم لن يخرج منها منتصراً، فيما فصائل مقاتلة لا تزال على سلاحها، شمال سورية وجنوبها. وفيما قوى سياسية تنتظر تولي السيد دونالد ترامب مهماته، ليساهم في تقويض بعض دعائم هذا الحلف لعلها تستعيد ما خسرت من دور في الميدانين السياسي والعسكري.

الرئيس فلاديمير بوتين أمر بسحب قطعاته البحرية من المتوسط. رسالة واضحة أنه لم يعد معنياً بمزيد من القتال. لم يعد بحاجة إلى مزيد من العمليات الكبرى. حقق ما يريد. «نصره» في حلب أعاد إلى روسيا صورتها كقوة دولية. وكسب مزيداً من الشعبية في الداخل ساهم في رفعها تحسن أسعار النفط والاتفاقات التي توصل إليها مع «أوبك» وشركاء آخرين من خارجها. رسخ أقدام بلاده في الشرق الأوسط. باتت لاعباً رئيسياً ترفدها شبكة من العلاقات والتحالفات، من مصر إلى تركيا. وضمن «شرعية» دائمة لقاعدتيه في حميميم وطرطوس. وأعاد إلى المؤسسة العسكرية السورية بعض الثقة بالنفس، مثلما أعاد هيكلة أركانها وقطعاتها. وهو منكب على تأسيس «الفيلق الخامس» للملمة عناصر ميليشياوية وضبطها في إطار عسكري منظم. لكنه يعي جيداً أن له شركاء آخرين في هذا «النصر» أبرزهم طهران وأنقرة، فضلاً عن الذين صموا آذانهم وأشاحوا نظرهم عما كان يحدث في العاصمة الاقتصادية السورية. وهو يراهن منذ اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء الخارجية الروسي والإيراني والتركي وحتى الاستعداد لاجتماع آستانة، على بناء حد معقول من التوازن في علاقته بهذين الطرفين الضروريين لوقف النار أولاً ولإطلاق العملية السياسية ثانياً. لكن الواقع لا يعكس هذه الصورة.

الواضح أن الرئيس بوتين عزز تفاهمه مع تركيا أثناء معركة حلب ثم في ضمانهما وقف النار. وهو يعول على دورها في إقناع المعارضة السياسية والمسلحة بالمشاركة في المسار السياسي. لكن هذا التفاهم الثنائي عكس تضارباً بين موسكو وإيران يتعمق أكثر وأكثر. الأخيرة انتقدت موافقة روسيا على القرار الأخير لمجلس الأمن الخاص بحلب. وكانت عارضت التفاهم الروسي - التركي على خروج المقاتلين من عاصمة الشمال السوري إلى أن شمل بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين. وعبر «الحرس» وحلفاؤه عن اعتراضهم على دعوة فصائل عسكرية معارضة إلى العاصمة الكازاخية، فضلاً عن دعوة مفتوحة إلى قوى أخرى بينها السعودية وقطر. وهو ما تحرص عليه روسيا حرصها على عدم وصمها بالوقوف في وجه السنة عموماً في الإقليم. علماً أن دعوة الفصائل المقاتلة إلى آستانة بدعم تركي يشكل اعترافاً صريحاً بهذه الفصائل من جانب جميع المشاركين وفي مقدمهم النظام وإيران. لذلك يواصل هذان الطرفان خرق وقف النار. ويصعدان خطابهما بوجه تركيا، مرة بدعوتها إلى سحب قواتها من الشمال السوري ومرة بالتهديد بحملة لاستعادة إدلب وريفها.

والواقع أن الهوة واسعة بين أجندات «الحلف الثلاثي». موسكو لا تشعر بأنها حققت القسم الأكبر من استراتيجية تدخلها في بلاد الشام فحسب. بل تستعجل الخروج وبيدها إنجاز كبير يتيح لها استثماره في السياسة، سواء مع الولايات المتحدة أولاً ثم مع تركيا وأوروبا ومع دول الخليج أيضاً بإصرارها على المسار السياسي اليوم. أي أنها ليست في وارد مواصلة حرب ستطول لتحقيق نصر عسكري ناجز. وليست مستعدة للمجازفة والغرق في مستنقع مشابه لما حل بالسوفيات في أفغانستان، أو حتى لما حل بالأميركيين في العراق. وقد حقق لها التفاهم مع أنقرة خروجاً للمقاتلين من حلب وحفظ بعض ما يمكن أن يحافظ عليه وسط الحملة التدميرية التي قادتها الميليشيات. وهو التفاهم نفسه الذي سيوفر عليها الانسحاب التدريجي من المستنقع السوري. إنها تعول على قدرة تركيا في ضبط الفصائل المعارضة بعدما بات القسم الأكبر منها تحت رحمة القوات التركية ورعايتها في الشمال والشمال الغربي لبلاد الشام. ويشكل هؤلاء المقاتلون قوة عسكرية كفيلة بتعديل ميزان القوى مع الميليشيات التي ترعاها إيران. لذلك تنادي هذه بخروج القوات التركية من سورية لأنها لم تدخل بناء على طلب حكومة دمشق! وهي رسالة جوابية على مطالبة أنقرة بوجوب خروج «حزب الله» وغيره من الميليشيات الشيعية الوافدة. وتصر طهران على مواصلة القتال، كما هي الحال في اليمن، حتى تثبت أقدامها في «العواصم العربية الأربع». وهي تشعر بأن استراتيجيتها لا تزال تواجه تهديداً مشتركاً، في شبه الجزيرة من جانب «أهل الحزم»، وفي المشرق العربي من جانب شريكيها في الحلف. خصوصاً أن روسيا تجهد الآن لاستيعاب آلاف المقاتلين من الميليشيات في الفيلق الجديد. وهي خطوة تهدف إلى انتزاع هذه الورقة من يد «الحرس الثوري» قبل أن يحولها جيشاً رديفاً يخدم أهداف الجمهورية الإسلامية ويعطل أي تسوية سياسية. أو يكون هو الحاكم الفعلي في أي تركيبة سياسية تكون ثمرة صفقة هنا أو هناك.

يبدو واضحاً من مواقف إيران التعطيلية في سورية أنها تلتزم في اللقاءات الثلاثية شيئاً وتنفذ على الأرض سياسة مختلفة تدفع بالنظام ورئيسه إلى أحضانها بعيداً من موسكو. كأنها لا تعترف بفضل تدخل روسيا الذي أتاح أسطولها الجوي والبحري سهولة تحقيق ما تحقق من «إنجازات»! بخلاف تركيا التي توحي لقاءاتها مع أطياف المعارضة أنها واثقة من سعي الكرملين إلى تسوية سياسية. وتحاول إقناع «الهيئة العليا للمفاوضات» بأن آستانة ليست بديلاً من جنيف، خصوصاً في غياب الأميركيين وغيرهم أيضاً، بل هي مقدمة لها. لذلك كانت آخر رسائلها الإصرار على تمثيل المعارضة الحقيقية. ولذلك جاءت تصريحات الفصائل المدعوة إلى العاصمة الكازاخية أنها على تنسيق مع الهيئة. وعلى رغم ذلك لا تستخف روسيا ولا تركيا بنفوذ الجمهورية الإسلامية في دمشق. قد لا يقل أهمية عن نفوذ موسكو. فهي فضلاً عن مساهمتها الميدانية الواسعة بالمقاتلين، قدمت دعماً مالياً واسعاً إلى النظام المتوجس من الأجندة الروسية. ويرى مصلحته في الانحياز إليها ما دام أنها تصر على بقائه في المدى المنظور ضماناً وحيداً لاستكمال بناء استراتيجيتها.

ما يبدل في ميزان النفوذ لمصلحة موسكو في سورية ليس الصدام المباشر مع طهران. فالرهان على ذلك ليس في محله. ما يحقق للمعارضة بعضاً من آمالها هو تفاهم محتمل بين الإدارة الأميركية المقبلة والكرملين. فلا يخفى أن أجواء الوجوه الجديدة في إدارة الرئيس ترامب معادية لإيران، وتنذر بصراع مقبل معها. وهي لن تكون مرتاحة إلى أي صفقة بين الكرملين والبيت الأبيض. ما يعزز قبضة روسيا في سورية، ويرجح كفتها في سورية، التفاهم على آلية لتنفيذ القرار 2254 تصدر بقرار عن مجلس الأمن تسمح بإطلاق المرحلة الانتقالية بتشكيل حكومة مشتركة تعد لدستور جديد يحمل تغييرات حقيقية سياسية وعسكرية، وتهيئ لانتخابات عامة ورئاسية. وأي تسوية تستهدف إعادة إنتاج النظام نفسه بقادته وأدواته ستكون تسوية تجميلية موقتة... ولن توفر مناخاً مقنعاً لعشرات آلاف المقاتلين في جبهتي الشمال والجنوب بإلقاء السلاح والانضمام إلى المؤسسة العسكرية. والإصرار على مواصلة الحل العسكري بلا مدد روسي لن يؤدي إلى الحسم الناجز. لن يتحقق ذلك في ظل المعطيات القائمة والتفاهم بين تركيا وروسيا. كان الأميركيون وغيرهم يطمئنون أهل الخليج والغاضبين من تدخل إيران إلى أن هذه لا يمكن أن يكون لها في بلاد الشام ما لها في بلاد الرافدين، نظراً إلى التركيبة الديموغرافية في البلدين الجارين. وهو ما دفعها إلى الاستنجاد بالقوة الروسية خريف العام 2015. وتبقى هذه القوة حاجتها الملحة إذا أرادت لنفوذها وحضورها أن يترسخا... إلا إذا كانت قادرة والنظام على فرض «سورية المفيدة»!

اقرأ المزيد
٩ يناير ٢٠١٧
حلب تحاصر إيران

يبدو جلياً أن إيران لا تنظر بارتياح إلى التطورات الأخيرة في سورية، وأن وقف إطلاق النار قبل عشرة أيام لم يرق لملالي إيران وقادة الحرس الثوري الذين يشعرون بأن نفوذهم في سورية يتضاءل لمصلحة تحالف بين روسيا وتركيا، وتقاربٍ في وجهات النظر الروسية - التركية حول المسارات المستقبلية للأزمة السورية بعد أن غيرت تركيا سلوكها، وهو ما يتعارض مع ما خطط له الإيرانيون منذ تدخلهم العسكري المبكر في الصراع، وهو تحويل سورية إلى منطقة نفوذ إيراني صرف على النحو الذي طُبِّق في العراق، وإعطاء الصراع السوري بعداً طائفياً خالصاً على رغم أنه لم يكن كذلك في بداياته، وكان تدخل «حزب الله» اللبناني عسكرياً جزءاً من هذا المخطط.

وعبّرت إيران عن غضبها من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2328 الذي قدمته روسيا، الذي ضمن حماية للمدنيين من العنف، إدراكاً من طهران لحقيقة أن الأمور تسير لغير مصلحتها. ويعد وصف علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، القرار بأنه يمهّد لمزيد من التوتر في سورية و»يُنقذ الإرهابيين»، أول إخراج للخلافات الروسية- الإيرانية إلى العلن، بعد أن تمت تنحيتها جانباً لفترة طويلة. وتوالت مواقف روسية بعد انتهاء معركة حلب، لتؤكد أن المدينة لن تُترك للنظام السوري أو لميليشيات إيران و «حزب الله» اللبناني لتفعل بها ما تشاء، فيما كانت طهران تأمل أن يُلقى من حلب خطاب دعائي لـ «النصر الإلهي» يؤكد هيمنة إيران على مستقبل سورية، وينسب الانتصار الذي تحقق في حلب إلى الميليشيات الإيرانية حصراً. وبدلاً من أن تحاصر إيران حلب، كما كان الوضع من قبل، أصبحت حلب الآن هي من يحاصر إيران ويدفعها إلى الزاوية.

إيران ترى مصلحتها في استمرار التصعيد العسكري ومواصلة المعارك إلى حين إتمام خطة تغيير التركيبة الديموغرافية، عبر مواصلة إبرام الاتفاقات حول خروج المسلحين وعائلاتهم من مدن ومناطق معينة، بفعل الضغط العسكري والحصار الخانق، إلى إدلب أو غيرها ليحل محلهم سكان من الشيعة، وصولاً إلى تفريغ المنطقة الواقعة بين دمشق والحدود اللبنانية من السنة على نحو تام.

من أجل ذلك، فإن اختلاق الأسباب والذرائع من أجل مواصلة العمليات العسكرية هدف لإيران و «حزب الله» اللبناني، وكذلك للنظام السوري الذي يشعر بضعف موقفه أيضاً، وهذا ما يفسر محاولات إشعال الموقف وخرق اتفاق وقف إطلاق النار. وبدا التقارب الروسي - التركي على حساب إيران في تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي طالب إيران بالضغط على «الميليشيات الشيعية والنظام السوري» لوقف إطلاق النار، موضحاً أن جهوداً تجرى لعقوبات روسية- تركية ستُفرض على منتهكي الاتفاق. وكما هو مُتوقع، جاء الرد على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عصبياً ومتشنِّجاً وكاشفاً عن الغضب المكبوت، ولم يزد عن اتهام الأتراك بـ «تعقيد الظروف وزيادة المشكلات في طريق الحل السياسي للأزمة».

على رغم أن إيران وروسيا كانتا تخوضان الحرب في سورية في خندق واحد، فإن اختلاف الأهداف كان يجعل لحظة افتراق المصالح حتمية، وحانت هذه اللحظة الآن. وما يُدركه الإيرانيون تماماً، أن روسيا هي صاحبة الدور الأهم في تغيير موازين القوة لمصلحة النظام، إذ حشدت جهودها العسكرية والسياسية والديبلوماسية خلال العامين الأخيرين من أجل تحويل مسار الحرب التي شهدتها سورية، ونجحت في ذلك. ولم تُنقذ روسيا النظام السوري فحسب، بل إنها أنقذت إيران وذراعها «حزب الله» وجنبتهما هزيمة كانت تبدو وشيكة، إذ كانت المعارضة السورية قريبة جداً من إسقاط النظام لولا أن جاء التدخل الروسي القوي ليغير المعادلة تغييراً كلياً.

تسعى روسيا من تدخلها في سورية إلى تعظيم نفوذها واستعادة جزء من صورة القوة العظمى القادرة على فرض مصالحها بالقوة، وبناء أسس لنفوذها في المنطقة بعد أن كادت تغادرها تماماً. واقتربت روسيا من تحقيق هذه الأهداف، فهي ذات كلمة مسموعة لدى النظام السوري، ويمكنها التفاهم مع تركيا صاحبة النفوذ على قطاعات مهمة من الميليشيات التي تقاتل النظام، كما أن كثيراً من فصائل المعارضة السورية ليس لديها مانع من التعامل مع روسيا وإبرام الاتفاقات معها، فيما ترفض تماماً أي تعامل مع إيران. ولذا فإن روسيا ستُنجز مهمة وترحل، بعد أن تحصل على ما تشاء من قواعد وتسهيلات عسكرية واتفاقات تضمن لها النفوذ الذي تسعى إليه.

وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى إيران التي لم تدخل سورية لتخرج منها، بل دخلت لتبقى. ومشروع إيران في سورية هو إقامة نظام طائفي تابع لطهران يتلقى منها الأوامر ويعمل لمصلحة تحقيق أهدافها الإقليمية والدولية. وسورية في التصور الإيراني جزء من الهلال الشيعي الذي يضمن لها أن تكمل اختراقها للدول العربية وتمد سطوتها ونفوذها بشكل متصل ليبلغ البحر الأبيض المتوسط. ومساحة السيطرة الممتدة جغرافياً واستراتيجياً ستتيح تحقيق اختراقات أسرع في دول ومناطق عربية أخرى، وتدعم محاولات طهران من أجل زعزعة الاستقرار وإثارة الفوضى في دول الخليج العربي، وتشكيل طوق حول دول الخليج العربية من خلال تكثيف الدعم للميليشيات الحوثية في اليمن، وتشجيعها على مواصلة اعتداءاتها على الشرعية ومد أمد الحرب ما أمكن.

تختلف أهداف روسيا وإيران كذلك في ما يخص طبيعة العلاقات مع دول الخليج العربي والعالم العربي بشكل عام. وتتطلع روسيا إلى علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع دول الخليج العربي، أما إيران فهي تغذي حال العداء مع محيطها العربي بمزيد من التدخلات والتحرشات والإساءات، وتفتعل المشكلات التي تقف بالمنطقة دائماً على حافة التوتر والمواجهة. ومن المعروف أن جزءاً من أوراق حل الأزمة السورية تمتلكه دول خليجية، ودور هذه الدول ضروري للوصول إلى تفاهمات واتفاقات بين النظام وفصائل كبرى ومؤثرة في المعارضة السورية، وتستطيع روسيا أن تكون وسيطاً يحظى بدرجة من القبول، في حين أن وجود إيران يمكن أن يعقد أي جهود على هذا الطريق.

من جهة ثانية، فإن ترتيب الساحة لمقدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يتحدث كثيرون عن علاقة جيدة تربطه بالروس، يقتضي تحجيم الدور الإيراني في سورية، فالرئيس الأميركي الجديد ينوي وقف سياسة سلفه باراك أوباما التي سمحت لإيران بالتمدُّد وتحقيق أهدافها من دون أن تجني الولايات المتحدة الأميركية شيئاً، وسيتبع سياسة أكثر تشدداً تجاه إيران على مستويات عدة. ولن يكون من السهل ضمان تعاون الولايات المتحدة الأميركية في الوصول إلى حلول للأزمة السورية إذا كان لإيران حضور مؤثر فيها، على العكس من تركيا التي يمكن أن تكون عاملاً مساعداً في هذا الشأن.

الدور الإيراني في سورية، وهو دور تراه طهران محورياً، يوشك أن يدخل مرحلة أفول، على رغم العدد الهائل للقتلى من الحرس الثوري و «حزب الله» والميليشيات التي اجتلبتها إيران من مناطق عدة. والمخطط الإيراني للهيمنة على سورية على وشك التهاوي، وزمن التغاضي الأميركي عن التمدد الإيراني أو تأييده ضمنياً انتهى مع رحيل أوباما، وكل ذلك سيعود بإيران إلى موقع المحاصر. ومثل هذا الموقع سيضعف إيران، لكنه في الوقت نفسه سيجعلها أكثر تخبطاً وشراسة وإقداماً على خطوات متشنجة وعنيفة، وهذا ما يجب أن نكون مستعدين له في دول الخليج العربي.

اقرأ المزيد
٩ يناير ٢٠١٧
على أنقاض "سوريا الأسد"

ما الذي تستطيعه روسيا في سوريا وما الذي لا تستطيعه؟ سيطرح هذا السؤال نفسه بحدّة في الأسابيع المقبلة التي ستكشف ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على فرض وقف للنار في الأراضي السورية بمشاركة تركيا.

سيتبيّن على وجه الخصوص ما إذا كانت روسيا ستكون قادرة على البناء على الهدنة بغية تحقيق هدف واضح يتمثّل في التوصل إلى تسوية سياسية تكرّس سوريا منطقة نفوذ روسية بغطاء أميركي… قد يأتي كما قد لا يأتي!

إلى الآن، وردت إشارات عدة من طهران توحي بأن إيران لا تقبل بأن تكون الكلمة الأخيرة في سوريا لروسيا. لم تتجرّأ طهران على توجيه كلام مباشر إلى موسكو، لكن الواضح أن كلّ انتقاد إيراني موجّه إلى تركيا هو في الواقع موجّه إلى روسيا. هذا ما يمكن فهمه من تصريحات علي أكبر ولايتي مستشار “المرشد” علي خامنئي الذي أكّد أن “حزب الله” لن ينسحب من الأراضي السورية.

لم تطلب إيران من “حزب الله” إرسال مقاتليه إلى سوريا دعما للنظام الأقلّوي فيها كي يأتي يوم تعلن فيه تركيا أن المطلوب انسحاب كلّ الميليشيات الأجنبية من سوريا، بمن في ذلك الميليشيا المذهبية ذات العناصر اللبنانية المسمّاة “حزب الله”.

القرار المتعلّق بوجود “حزب الله” في سوريا قرار إيراني. ميليشيا الحزب لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. ما ينطبق على “الحرس الثوري” ينطبق عليها.

لم يمرّ الزمن بعد على الكلام الصادر عن السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” الذي شدّد فيه على أنّ كلّ ما لدى “حزب الله” جاء من إيران. هذا لم يكن سرّا في يوم من الأيّام. هذا ما لا يريد أن يعرفه عدد لا بأس به من اللبنانيين الذين لا تزال لديهم بعض الأوهام في شأن العلاقة بين “حزب الله” ولبنان وبينه وبين المجتمع اللبناني المؤمن بثقافة الحياة.

مع مرور الأيّام على سريان الهدنة الروسية ـ التركية في سوريا، انتقل المسؤولون الإيرانيون إلى مرحلة جديدة في حملتهم على تركيا. لم يتردد علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي في “مجلس الشورى” الإيراني في اتهام تركيا بأنّها تحتلّ جزءا من الأراضي السورية متجاهلا أن إيران تخوض، عبر عناصر “الحرس الثوري” والميليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية التابعة لها، حربا على الشعب السوري.


لا هدنة دون ثمن
أكثر من ذلك، أن بشّار الأسد لا يزال موجودا في دمشق بفضل الحماية التي أمنتها له إيران التي ما لبثت بدورها أن استعانت بروسيا كي لا يسقط النظام السوري رسميا بعدما سقط عمليا.

المضحك ـ المبكي أنّ إيران تعتبر نفسها موجودة في سوريا بناء على طلب من “الشرعية”. منذ متى كان النظام السوري شرعيا؟ من أين لهذا النظام الأقلّوي الذي هو نتاج انقلاب عسكري لحزب البعث نفّذ قبل ما يزيد على نصف قرن شرعية من أيّ نوع كان؟

من يستعرض تاريخ النظام السوري يكتشف، بكل بساطة، أن لا شرعية له من أيّ نوع. اغتصب هذا النظام السلطة واغتصب ثروات سوريا وفرض على الشعب السوري نظاما أمنيا لا يشبه سوى النظام الذي فرضه ستالين على شعوب الاتحاد السوفييتي في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.

هذا نظام ابتليت به سوريا بدليل ما وصلت إليه الأحوال في هذا البلد الذي كان مرشّحا للعب دور طليعي في المنطقة بفضل الثروة الإنسانية التي كان يمتلكها، والثروات الطبيعية التي لا يزال يمتلكها.

عاش النظام السوري طوال نصف قرن على أمجاد تسليم الجولان إلى إسرائيل. في حزيران ـ يونيو المقبل تمرّ الذكرى الخمسون على حرب العام 1967 التي انتهت باحتلال إسرائيل للجولان. إلى الآن لا يزال الجولان المحتل الرأسمال الذي يقتات منه النظام السوري، بل علّة وجود هذا النظام.

إذا كان من احتلال تركي لجزء من الأراضي السورية، وهو احتلال تمّ بالتفاهم مع الروس والأميركيين، فإنّه يضاف إلى احتلالات ثلاثة أخرى هي الإسرائيلي والإيراني والروسي.

لكلّ من هذه الاحتلالات الأربعة منطقة نفوذ خاصة به يفعل فيها ما يشاء، ساعة يشاء. هذا هو الوضع السوري على حقيقته.

هناك نظام غير شرعي جلب لسوريا أربعة احتلالات إضافة إلى لعبه دورا أساسيا في قيام “داعش” الذي لا يزال يسيطر على جزء من البلد ولا تزال له امتداداته العراقية.

ما تستطيعه روسيا سيعتمد إلى حدّ كبير على موقف الإدارة الأميركية الجديدة. في غياب تفاهم في العمق بين دونالد ترامب والمجموعة المحيطة به من جهة والرئيس فلاديمير بوتين من جهة أخرى، لن يكون مجال للبناء على الهدنة الهشّة القائمة حاليا والتي في أساسها ما تحقّق في حلب بفضل التواطؤ التركي مع روسيا، وهو تواطؤ، على حلب وأهل حلب، يمكن تفسيره بالهاجس الكردي الذي يتحكّم بتصرّفات الرئيس رجب طيّب أردوغان.

قبلت تركيا بتسليم حلب إلى النظام والميليشيات المذهبية التابعة لإيران بتفاهم مع روسيا. كان ذلك في سياق عملية يفترض أن تقود إلى تفاهم سياسي وليس إلى تجاذبات تركية ـ إيرانية تجري تحت المظلّة الروسية.

لن تتردّد تركيا في احتلال المزيد من الأراضي السورية وذلك لقطع الطريق على قيام كيان كردي مستقلّ في سوريا. دخلت تركيا في لعبة لا تزال ينقصها الغطاء الأميركي. هل يستطيع الجانب الروسي توفير هذا الغطاء كي تكون مفاوضات أستانا هذا الشهر مجرّد محطة تمهّد للانتقال إلى جنيف مجددا؟

الكثير سيتوقّف على الموقف الذي ستتخذه إدارة ترامب من الأزمة السورية. يمثّل كلّ ما فعلته روسيا إلى الآن نوعا من تقديم أوراق الاعتماد إلى الولايات المتحدة انطلاقا من واقع جديد على الأرض.

ليس معروفا بعد كيف ستتجاوب إدارة ترامب مع الواقع السوري الجديد. الثابت أنّها لم تعد قادرة على تجاهله من جهة، كما لا تبدو على استعداد للسير في السياسة التي اتبعتها إدارة باراك أوباما من جهة أخرى. كانت هذه السياسة الأوبامية قائمة أساسا على الاكتفاء بالكلام الكبير لتغطية الاستسلام الكامل لإيران وروسيا في شأن كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بما يدور على أرض سوريا.

قبل نحو عشرة أيام من دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، يبدو أن على روسيا إدارة الخلاف التركي ـ الإيراني الذي يبدو مرشّحا لتصعيد على الأرض، وأن في ظلّ معرفة كلّ طرف من الطرفين لحدود منطقة نفوذه.

سيبقى التراشق الكلامي سيّد الموقف وستبقى الهدنة القائمة مجرّد هدنة هشة تحتاج إلى تفاهم أميركي ـ روسي كي يبدأ البحث الجدّي في كيفية إعادة تشكيل سوريا الجديدة على أنقاض “سوريا الأسد” التي دمّرت نفسها بنفسها بعدما عاشت أكثر مما يجب على الشرعية المستمدّة من تسليم الجولان لإسرائيل.

اقرأ المزيد
٩ يناير ٢٠١٧
لن تستطيع روسيا تحقيق السلام في سورية

أعطى اتفاق الهدنة الروسي- التركي القاضي بإخراج المدنيين من مدينة حلب "أملا" لبعض السوريين الذين تقطعت بهم السبل، وفقدوا معنى الأمل كلياً، بأن روسيا، وخصوصاً مع إجبارها لتنفيذ الاتفاق ضد رغبة مليشيا حزب الله والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها ومع نظام الأسد (زينبيون وفاطميون وحركة النجباء العراقية)، أعطى ذلك كله وهماً بأنه ربما تسعى روسيا لفرض أجندتها في "الحل السياسي"، ولو ضد رغبات إيران والنظام السوري الذي تدّعي دعمه.

منبع الأمل كان انعدام الأمل بتدخل "غربي"، يوازي التدخل الروسي، وبالتالي، لم يعد لدى السوريين إلا الوهم القائل بضرورة "التفاوض مع القاتل حتى يقتلنا برأفة"، وهو ما حصل فعلاً، فقد دخلت الفصائل العسكرية الكبرى، المنضوية اسماً تحت مسمى الجيش الحر، في مفاوضاتٍ مع ممثلي روسيا العسكريين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الروسي بذاته الذي أشرف على الاتفاق، وأعلنه من موسكو، حجة الفصائل العسكرية كانت أن تركيا "التي نثق بها" هي الضامن الرئيسي للاتفاق، وبالتالي لن تخذل تركيا السوريين في مفاوضاتهم مع روسيا.

وكان هذا التفاؤل السريع أيضا قد ظهر مع بداية التدخل العسكري في روسيا في سبتمبر/ أيلول 2014، ما دفع سوريين إلى القول إن روسيا الآن أصبحت الأواني الصينية، وكما يقول المثل “If you break it you owned” ، بمعنى أنك إذا كسرت الإناء، فإن ملكيته أصبحت لك، وعليك التدخل لإصلاحه، وبالتالي، مع التدخل الروسي في سورية، فروسيا لم تعد داعماً لنظام الأسد أو راعيا له، وإنما أصبحت، في الحقيقة، مالكة له. وبالتالي، عليها "إنقاذ سورية" من أجل الخروج بشرفٍ وكرامةٍ من تدخلها العسكري. لكن الأمور تطورت على غير هذا المبدأ كلياً، إذ تدخلت روسيا في كل الأماكن، مع تركيز عسكري وقوة نارية هائلة ضد المعارضة السورية المسلحة، بما دعم نظام الأسد، ثم تحوّل تدخّلها العسكري، أخيراً، في حلب إلى قدرة تدميرية هائلة خارج إطار القانون الدولي، ومكّنها موقعها الدائم في مجلس الأمن وامتلاك حق النقض (الفيتو) من حمايتها من أي مساءلة عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في حلب، عبر استهداف المشافي والمناطق المدنية المأهولة بالسكان. أخيراً، في ما يسمى "اتفاق خروج المسلحين" من حلب، والذي يعني عملياً اتفاق تهجير للمدنيين القاطنين في مدينة حلب إلى خارج مدينتهم.

إنه اتفاق تهجير قسري ضد القانون الإنساني الدولي، وليس اتفاقاً لحماية المدنيين. وهكذا تجدّد الوهم من خلال فرض روسيا الاتفاق ضد رغبة المليشيات الطائفية في سورية، سوريةً كانت أم لبنانية أم عراقية أم إيرانية، وبالتالي، استشعر بعض السوريين في المعارضة أنه يمكن التحالف مع أخفّ الضررين، وهي روسيا، ضد إيران.

من أعقد الأمور الآن التي يمكن تحليلها اليوم معرفة النيات الروسية الحقيقية في سورية، وهذا ليس بسبب ازدواجية الخطاب الروسي، حيث تقول شيئاً وتفعل عكسه على الأرض، وإنما لأن النظام السياسي الروسي اليوم شبيه تماماً بالنظام السوري، فيما يتعلق بآليات السيطرة والتحكّم داخل المجتمع الروسي، فكل الإعلام الروسي تحول إلى بروباغاندا دعائية للكرملين في حربه في سورية ضد "الإرهاب"، وفقدان كامل لما يسمى “Checks and balances” داخل المؤسسات الروسية، فسلطة الكرملين اخترقت المؤسستين، التشريعية والقضائية. صحيح أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي في السابق، فيما يتعلق بالتعدّدية والتنوع داخل المجتمع الروسي. لكن، في الوقت نفسه، ليس لسنوات التغيير والديمقراطية القصيرة التي عاشتها روسيا خلال عهد يلتسين أي حضور أو تأثير.

هناك موقف موحد بأن ما يفعله بوتين في سورية هو الصحيح، وأن الغرب لا يريد لروسيا النجاح في سورية، وكل سوري يعارض الموقف الروسي يصبح ببساطة "إرهابياً"، كما أن الحرب في سورية فتحت الفرصة لتجريب السلاح الروسي، بكل أنواعه وتقنياته، هذه هي الحجج التي ساقها ويسوقها الكرملين، كل يوم تقريباً، في دفاعه عن تدخله العسكري في روسيا.

غابت كليا الحجج المنطقية التي أرى أنها يجب أن تكون الأساس الأول لكل قائدٍ يقرّر تدخلاً عسكرياً مكلفا خارج بلاده، وهو ما فائدة أو علاقة هذه الحرب بالأمن الوطني الروسي؟ هل هناك حاجة لروسيا لكي تصرف كل هذه الموارد المالية والعسكرية والسياسية أو تستنفدها في الدفاع عن نظامٍ من المستحيل عليه الاستمرار بطريقةٍ سياسيةٍ أو قانونية، فاستمراره يعني استمرار الحرب السورية إلى ما لا نهاية، ولن يشعر اللاجئون السوريون الذين بلغ عددهم اليوم أكثر من 7 ملايين لاجئ بالأمان، من أجل العودة إلى سورية، طالما طريقة حكم الأسد في القتل والتعذيب والبراميل المتفجرة مستمرة في حكم ما تبقى من سورية.

وطالما أن روسيا اليوم لا تسأل نفسها هذا السؤال، سيبقى غياب العقلانية السياسية مبدأ رئيسيا في حكمها، وأعتقد أن الفشل سينتظرها، ليس في المستقبل البعيد، وإنما في الأيام القريبة المقبلة، فصحيح أنه ليس لروسيا تاريخ استعماري في الشرق الأوسط، أو العالم العربي، كما يحاجج مستشرقوها دوماً، لكنها ارتكبت في سورية اليوم جرائم وانتهاكات بحق السوريين، ووقفت ضد حقهم في اختيار نظامهم السياسي كما يشاؤون ويرغبون وبشكل سلمي. وطبقت عليهم قواعد غروزني في التدمير والتهجير وحكم "ما تبقى" مهما كان الثمن. وبالتالي، لن يستطيع أي سوري أن يتصوّر أن روسيا ربما تريد حلاً أو خيراً في سورية. كانت رغبتها في استعراض القوة العسكرية تحدياً لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. والآن، مع الانسحاب الكلي للإدارة الأميركية تحت إدارة الرئيس باراك أوباما، لم يعد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شيء ليستعرضه، سوى استنزاف الموارد الروسية المالية والعسكرية، وتهالك رصيدها السياسي والقانوني إلى أدنى مستوياته الدولية.

اقرأ المزيد
٩ يناير ٢٠١٧
لقاء وطني سوري تمهيدي

صار من الضروري العمل لعقد لقاء وطني سوري تحضيري، بعد فشل المؤسسات التمثيلية القائمة في الارتقاء إلى مستوى التحديات، وفي وقف تدهور الأوضاع العامة للثورة، ناهيك عن قيادة العمل الوطني، وتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية تفضي إلى ما يصبو السوريون إليه من حرية وكرامة، وخلاص من نظام الأسد.

لا يهدف اللقاء إلى إزاحة هذا الطرف أو ذاك من أطراف المعارضة الوطنية عن موقعه من الحياة الوطنية، بل تكمن مهمته في إزالة ما وقع من أخطاء، والتصق بالعمل الوطني من نواقص وعيوب خلال سنوات الثورة، وفي وضع برامج استباقية، وخطط تنفيذية تصحّح مسار العمل السياسي والعسكري، وتحدّد شروط (ومستلزمات) تناميه المتدرج، المتواصل والحثيث الذي يوحّد نضال السوريات والسوريين داخل الوطن وخارجه، وإلى أية منظمة وطنية انتموا، ويقرّ توجهات تستنهض الحاضنة الاجتماعية: حاملة الحراك بالأمس القريب التي قوّضها ثم كتم أنفاسها جهد متكامل بذله النظام والإرهاب المتأسلم، ولا انتصار أو ثورة بعد حلب من دون دحره، واستعادة الحراك المجتمعي الثوري من جديد وتنظيمه، وتمكين ممثليه من احتلال موقعهم وممارسة دورهم الحاسم الأهمية في الثورة، كقادة للصراع الدائر في بلادنا في ظرفه الراهن شديد الصعوبة الذي ترتب على العدوان الروسي والغزو الإيراني، وعلى استيلاء تنظيمات السلفية الجهادية على مفاصل رئيسة في بلادنا، كما على تداخل ثورتي الحرية والتحرّر الوطني، وما أفضى إليه من تحدّياتٍ لم تتم مواجهتها.
بعد كارثة حلب، تمس حاجتنا إلى لقاءٍ وطنيٍّ، يعالج ما أنزله العدوان والغزو الاستعماري بنا من هزائم علينا مواجهتها بصدق وواقعية، وسبّبته فوضى التأسلم المتعسكر والإرهابي من كوارث، بعد أن اخترقت تنظيماته الثورة وجوّفتها من الداخل، وأزاحت مشروع الحرية والعدالة والمساواة السلمي والمجتمعي الذي تبنته عام الثورة الأول قطاعاتٌ مجتمعيةٌ واسعةٌ من السوريات والسوريين. هذا اللقاء الذي سيكون عليه تلمس كل ما هو ضروري من أعمال منظمة من أجل إنقاذ الثورة واستئناف مشروعها الأصلي، ليمنع سقوط المشروع الجهادي/ الإرهابي في حلب من أن يتحول إلى إسقاط للثورة، ويخرجه منها عبر صب جهود السوريين على استئناف مشروعهم الأصلي بقوى حواضنهم الشعبية التي جعلت منه ثورةً بأفضل معاني الكلمة.

والآن، وقد حدّدت مهام اللقاء، لا مفرّ من التطرّق إلى جوانبه الإجرائيه/ العملية التي يجب أن تبدأ بتشكيل لجنةٍ تحضيريةٍ تضم أشخاصاً ذوي خبرة وموثوقين، ليقوموا بجرد شامل لواقع سورية الراهن من مختلف جوانبه، ويرسموا خريطة تفصيلية لأوضاعه وقواه، تتصف بالموضوعية والنزاهة، وتغطي قطاعاته السياسية والعسكرية والمدنية وأوضاع النظام والروس والإيرانيين وملحقاتهم، وتحدّد نقاط قوة وضعف مختلف الأطراف بالطريقتين الوصفية والتحليلية، لتقدّم، في النهاية، توصيات عملية تطاول دور الأول (الصديق) وتأثير الثاني (العدو)، وتحدّد من سيدعون إلى اللقاء، وجدول أعماله الذي سيدور حول نقطة جوهرية: خطط استئناف ثورة الحرية وآلياته، بتخليصها من العوالق المتأسلمة والإرهابية والطفيلية التي حرفتها عن هدفها وقوّضت حاملها المجتمعي، وطمست برنامجها الداعي إلى الحرية والمتمسّك بوحدة الشعب السوري، وأوصلتها إلى حافة الانهيار قبل حلب، وخلال معركتها الأخيرة، وتهدّد أنشطتها بالقضاء النهائي والناجز على مجتمع سورية وثورتها. سيوزع هذا الموضوع على نقاطٍ جزئيةٍ تغطي جميع مفرداته، وتقدّم صورة مطابقة قدر الإمكان للواقع السياسي/ العسكري الذي آلت الأوضاع العامة إليه، وترتب على نواقص جوهرية في الحراكين، النظري والعملي، حالت دون تحول التمرد المجتمعي الهائل إلى ثورةٍ بالمعنى الصحيح للكلمة، وكيف يكون ثورة إن كان يفتقر إلى قيادة موحدة وفاعلة، ولا يخضع العسكري فيه للسياسي، ولا يتعايش معه، ولا ينضبط بأسس ومصالح عملهما المشتركة، ويعجز، أخيراً، عن جسر الهوّة التي ما فتئت تتعاظم بين التنظيمات السياسية والواقع، وحالت دون قيام أي منها بما هو ضروري لحماية المجتمع من التمزيق والتهجير والإبادة، بيد الغزاة والمعتدين، وبالأخطاء الفادحة التي ارتكبتها المعارضة وصحّحها الشعب بدماء ضحاياه الذين كان عددهم سيتقلص كثيراً، لو توفرت قيادة وطنية ثورية تلتزم الفصائل العسكرية بقراراتها، أو كانت الفصائل نفسها منظمةً بطرقٍ مختلفة، تجعل منها مقاومةً شعبيةً ومنظمةً، لها برامج عمل يقيس تطبيقها نجاح عملها من فشله.

سيستدرك اللقاء هذه النواقص، وسيصحّح هذه العيوب، وسيرسم خريطة دقيقة، نظرية وعملية، لكيفية إعادة الثورة إلى مسارها الأول الذي يضعها من جديد على عتبات تحولها إلى ثورةٍ لها حامل وطني، ترشده خطط وبرامج معلنة تحظى بتأييده ومساندته. لن تعالج الحلول العملية النقص والخلل على الجانب السياسي وحده، ولا بد أن تتناول الجانب العسكري، وتبلور تصوراتٍ عمليةً حول إعادة بنائه بطرقٍ تتجاوز الفصائلية وتنظيماتها الراهنة، وتستبدلها بمنظومة دفاع متراتبة تبدأ من قاع المجتمع، من مشاركة المواطن العادي في الدفاع عن نفسه وموطنه، من أصغر قرية إلى أكبر مدينة، على أن تكتمل قوات الدفاع الوضعي الثابتة بقوات متحرّكة على صعيد مناطقها، وجيش محترف على الصعيد الوطني، وتشكل من هذه المكوّنات الثلاثة قوة عسكرية موحدة تشن هجمات استراتيجية سنوية ومنسّقة تغطي كامل الأرض السورية، بهدف طرد النظام وحلفائه من مناطق تقيم فيها سلطات دولة بديلة، يضمن دستورها وعمل مؤسساتها الحرية والعدالة والمساواة لجميع مواطناتها ومواطنيها بلا تمييز أو إقصاء، ويجرّم الطائفية والعدوان على الشعب، ويعاقب ممارسيهما أو الداعين إليهما.

بعد انعقاد اللقاء التحضيري، وإقرار ما يقدم إليه من خطط، ويتخذ فيه من قرارات، من الضروري عقد مؤتمر وطني خلال شهر إلى ثلاثة أشهر، يناقش أعضاؤه المنتخبون، أو المنتدبون ديمقراطياً، ما أنجزه اللقاء من وثائق ورسمه من استراتيجيات ويقرّونه، وينتخبون مرجعية وطنية/ ثوريةً، تتولى ترجمتها إلى عمل ميداني مترابط، كثيف ومتصاعد، تطبقه مؤسسات السلطة البديلة في الواقع الوطني، بمعونة هيئات (ومؤسسات) الحكم المحلي التي تدير شؤون السوريات والسوريين بطرقٍ تجسّد قيم الثورة ونزعتها الإنسانية.

لا بد من انتقال شامل يأخذنا من حالنا الراهنة إلى وضع بديل، يوقف تدهورنا الذي بلغ درجة الانهيار في حلب، ويستأنف ثورة الحرية من حيث أوقفها تكامل الجهد الأسدي/ الإرهابي المعادي لها، ليعيدنا إلى معادلتها الأصلية التي جعلت الحرية والديمقراطية بديل نظام الأسد الاستبدادي، لكن الأصولية الجهادية المسلحة أزاحتها، لتجعل إرهابها بديل إرهاب الأسدية، وتقنع العالم أن سفاح سورية الذي يقتل شعبه أفضل لها من سفاحي الإرهاب الذين سيقتلون شعوبها، وأن عليهم دعمه، خصوصاً بعد أن شرعت الثورة تتلاشى في كل مكان، وسط هزائم عسكرية تنزل بها، وهدن متتابعة تأكل حاضنتها المجتمعية.

ثمة حاجة إلى عمل إنقاذي، لم يعد مقبولاً على الإطلاق التساهل في إنجازه، فهل نفعل ذلك، ونكون في مستوى التحدّي، قبل فوات الأوان؟

اقرأ المزيد
٨ يناير ٢٠١٧
دور لروسيا القيصرية في إجهاض الثورات

حينما تدخلت في سورية، برّرته روسيا بمواجهة الإرهاب وسحق الإرهابيين "الشيشان" قبل أن يعودوا إلى روسيا، وهي الصيغة التي برَّر بها الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، غزو أفغانستان ثم العراق. ثم أوضحت أكثر أنها تدخلت لمنع سقوط النظام في لحظةٍ كان عاجزاً عن الاستمرار، وكان يجب أن يجري إبعاد المتحكّمين فيه في سياق حلّ سياسي، لتحقيق تغيير يؤسّس لوضع جديد. وربما جرى ترداد تبريراتٍ أخرى، منها أن "النظام الشرعي" هو الذي طلب التدخل الروسي.

لكن، ربما أوضح تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، الأمر من زاويةٍ أخرى، تنفي كل ما قيل قبلاً عن مبرّرات التدخل. قال، وهو يشير إلى "الضربات الجوية" التي أسفرت عن قتل 35 ألفاً "من الإرهابيين" أن روسيا "نجحت في وقف سلسلة الثورات في الشرق الأوسط"، وجزم أن "سلسلة الثورات التي انتشرت في أنحاء الشرق الوسط وأفريقيا انكسرت" (رويترز 22/12/ 2016). هو هنا يعلن "الهدف الأسمى" للتدخل في سورية، على الرغم من أن مصالح روسيا الاقتصادية والجيوإستراتيجية كانت في جوهر الأسباب التي دفعتها إلى التدخل وإقامة قواعد عسكرية، جوية وبحرية وبرية، لأجلٍ "غير محدَّد". ويوضح شويغو بالتأكيد شعور روسيا الإمبريالية بخطر الثورات وخطورتها عالمياً، وعلى روسيا خصوصاً. بالضبط، لأن الوضع الاقتصادي الروسي ليس في وضعٍ مريح، والشعب الروسي يعاني من الفقر والبطالة كذلك.

وإذا كان هذا التقدير ليس في مكانه، بالضبط لأن أساس نشوب الثورات لا زال قائماً، فإن هذا الإعلان الواضح بأن تدخّل روسيا ووحشيتها قد أدتا إلى "إخماد ثورات الشرق الأوسط" يعني أن روسيا كانت، أولاً، ضد كل الثورات العربية، وهو ما وَضُح في موقفها من ثورات تونس ومصر، ومن ثم اليمن وليبيا، حيث دافعت عن زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وغضّت النظر عن سحق مظاهرات البحرين، وقبلت الدور السعودي الذي كان يناور لإجهاض ثورة اليمن، ولم تكن مع الثورة في ليبيا بل ظلت تدافع عن معمر القذافي، على الرغم من أنها تقول إن "الغرب" قد خدعها، حين وافقت على قرار مجلس الأمن الذي يسمح بالتدخل العسكري "المحدود". لا يتعلق الأمر هنا، إذن، بالثورة السورية فقط، بل يصيب كل الثورات العربية، وكل الثورات الممكنة في العالم. ومن المنظار نفسه، كانت ضد ثورة أوكرانيا، وتدخلت عسكرياً لضم القرم، والسيطرة على شرقها. بمعنى أن روسيا الإمبريالية ضد كل الثورات، وهذا "طبيعي" لإمبرياليةٍ تريد السيطرة والاحتلال.

وثانياً تدخلت وهي مصممة على ممارسة كل الوحشية التي مارستها، من أجل إجهاض الثورة و"كسر" سلسلة الثورات التي بدأت من تونس. بالتالي، عملت على إكمال سياسات النظام، وإيران (وأدواتها) المتعلقة بالتدمير والقتل والترحيل، بكل الأسلحة المتطورة التي تمتلكها، من أجل تحويل الثورة إلى مجزرة. يوضح هذا التصريح أن السياسة التي وضعتها روسيا لتدخلها العسكري انطلقت من تدمير الثورة، بغض النظر عن الكلفة، ومن ثم كانت تعرف أن عليها، بالضبط، لأنها تواجه ثورة شعب، وليس إرهاب مجموعاتٍ صغيرة متحكَّم بها، أن تمارس كل الوحشية التي تجهض الثورة، بغض النظر عن عدد القتلى أو مستوى التدمير. ولا شك في أن إشارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حين لقائه كلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في برلين، موحية هنا، حيث أشار إلى أنه سيمارس في حلب كما فعل في غروزني، أي ممارسة عملية التدمير الشامل بكل الأسلحة (البراميل المتفجرة من اختراع بوتين، ومورست للمرة الأولى في غروزني).

تعتبر روسيا هنا أنها، من أجل كسر سلسلة الثورات، كان لا بد لها من أن تمارس كل الوحشية التي توقفها، ليس في سورية فقط بل في "الشرق الأوسط". وهذا ربما يوضّح الأرقام التي أتى بها شويغو في التصريح نفسه عن قتل "35 ألف مسلح" أو "إرهابي"، بعد أن نفذ الطيران الحربي الروسي (فائق التطور) 18800 طلعة منذ سبتمبر/ أيلول من سنة 2015. وربما توضّح أسماء القتلى طبيعتهم التي يقول إنهم من الإرهابيين، ولقد نشرت الأرقام وصفات هؤلاء (وأكثر منهم) وأعمارهم في تقارير لمنظمات وهيئات سورية ودولية مستقلة، فهم في معظمهم من الشعب الذي يعتبره شويغو إرهابياً ما دام قام بالثورة (وشويغو يعترف بأنها ثورة). وجرى قتلهم عن عمدٍ، لأنهم قاموا بالثورة التي يعلن أنه كسرها، ليس في سورية فقط بل في "الشرق الأوسط وأفريقيا"... هو الرعب من الثورة إذن، من إمبرياليةٍ تريد النهب والسيطرة. وهو رعب الإمبرياليات الأخرى.

وثالثاً، أنها بهذا التدخل نفذت ما أرادت الإمبرياليات الأخرى، وكانت الأداة التي جرى استخدامها، ليس من أجل إجهاض الثورات فقط، بل وتحويلها، في سورية، إلى مجزرة تخيف شعوب العالم. وهذا يفسّر الموقف الإمبريالي الأميركي الذي كان يغضّ النظر عمّا فعل النظام من وحشيةٍ في القتل والتدمير واستخدام الأسلحة المحرّمة، وما فعلته روسيا بتدخلها. لقد أخافت سلسلة الثورات التي ظهرت كانفجار سريع وكبير يهدّد الرأسمالية كل الدول الإمبريالية، في لحظة أزمتها المستعصية على الحل، والتي فرضت سياسة التقشف التي تعني انهيار الوضع المعيشي للشعوب في البلدان الرأسمالية ذاتها، وتسريع نهب الأطراف وتدمير مقومات وجود شعوبها. لهذا، كان لا بد من مجزرة كبيرة تدمّر بلداً له تاريخ حضاري كبير (بعد أن دمرت الإمبريالية الأميركية العراق)، وموقع مميز، من أجل أن تعي شعوب العالم التي باتت تنهب بشراسة أن عليها قبول الموت الذي تعيشه، أو تنتظره من دون مقاومةٍ أو تمرّد أو ثورة، لأنها حينها ستدمر بكل العنف والوحشية. بالتالي، تقول هذه الإمبرياليات إن الموت البطيء أفضل من الموت الوحشي، على الرغم من أنه في الحالين موت، وأن الإحساس بالموت جوعاً هو الأساس الذي يفرض الثورات، مهما كانت النتائج، لأنه "رد الفعل الطبيعي" على الشعور بالموت هو الحركة، التمرّد، أي الثورة.

إذن، روسيا الإمبريالية هي ممثلة الإمبرياليات في السعي إلى سحق الثورات، وهي أداة هذه الإمبرياليات لهذا السحق. ولسخرية التاريخ أن يعاد كمهزلة، بعد أن كان تراجيديا حينما لعبت روسيا القيصرية دور "حصن الرجعية" (كما سماها ماركس) من أجل سحق ثورات سنة 1848 في أوروبا. إذن، يعود حصن الرجعية، لكنه هذه المرة مستفيداً من كل التطور التكنولوجي العسكري الذي أنجزته الاشتراكية مع الأسف، وليكون هو قوة الصدام المعلنة ضد ثورات الشعوب. وأن يسلّح بجيش "عرمرم" من "اليسار الممانع" في العالم كله، يقدّم له المبرّر الأيديولوجي لما يفعل، من خلال تشويه الثورات، و"القتال المستميت" للتأكيد على أنها "مؤامرة إمبريالية"، أو أنها ليست ثوراتٍ، لأنها بلا قيادة "ماركسية لينينية"، أو لأنها أتت بـ "الإرهابيين". هذا اليسار الذي فقد كل فهم، وكل معرفة، وكل إنسانية، وبات أداةً بيد "حصن الرجعية" في ضخّ الترهات حول الثورات، وقام بالتمهيد "النظري" لسحقها.

إذا كان سيرغي شويغو هو وزير حرب الإمبرياليات، فيمكن القول إن قدري جميل وكثيرين من "شيوعيي" العالم هم هيئة الأركان الأيديولوجية في الحرب التي تخوضها الإمبرياليات ضد الثورة. وليبدو أن الاتحاد السوفييتي لم يُنتج سوى هاتين "القوتين": حصن الرجعية العسكري وحصن الرجعية الأيديولوجي.

اقرأ المزيد
٨ يناير ٢٠١٧
أستانة... وهم ولادة لحمل كاذب

يشغل خبر مؤتمر أستانة المقترح الحيّز الأكبر من مداولات مختلف أطراف الصراع السوري، وبينما تنفي المعارضة علمها بأية تفاصيل حوله، وتطرح الشكوك بشأن النوايا الروسية، وتؤكد أنها لم تتلق دعوة بخصوصه، تتوالى من هنا وهناك معلوماتٌ عن جدول أعماله، وأسماء المزمع مشاركتهم به، بل النتائج التي ستترتّب على انعقاده، في ظل تحضيراتٍ أمميةٍ لعقد جلسة تفاوضية جديدة في جنيف، نهاية الأسبوع الأول من فبراير/ شباط 2016.

لعل ذلك يؤكد من جديد اللا قرار الدولي، أو انعدام الحسم الدولي، بخصوص حل القضية السورية، حيث تسدّ فرص الحل السياسي، ليحل مكانها مجرّد تفاهمات جزئية هنا وهناك، وحيث يتلو الجميع ترانيم اللا حل بوسائل السلاح، بفعل التدخل العسكري الروسي والإيراني في حلب وريف دمشق، وتتابع عمليات التهجير القسري، ومعها تفاصيل "خريطة الطريق" الروسية التي أنتجت، حتى اليوم، مئات نقاط الهدن المحلية على امتداد الأرض السورية.

ما المطلوب من مؤتمر أستانة؟ وما الغاية التي تدعو موسكو إلى إشراك كل من تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة السورية، وإيران التي ترى كل من يقف في مواجهة الأسد إرهابياً وعدواً لها؟ ومن هم الشركاء المحتملون الذين تود روسيا تسميتهم "معارضةً" من هذه الأطراف؟

ترى "معارضة موسكو"، بقيادة قدري جميل، أن الفرصة مواتية لها الآن لتتصدّر المشهد، لكن السؤال الملح هنا: إذا كانت روسيا ترى أنها هي المعارضة المناسبة للتفاوض مع النظام، وهي تحت جناحها أصلاً، فلماذا تدعو إلى مؤتمر في أستانة إذن؟ ومن جهتها، فإن "معارضة حميميم" التي تتنفس من خلال النظام، وتتحرّك بموافقةٍ منه، وتمارس نشاطها داخل نطاق سيطرته الأمنية، ومسار حركتها دمشق موسكو دمشق، ما حاجتها إلى مؤتمر أستانة، لتطرح تصوّرها حول سورية وحول النظام؟

فإذا كانت تلك الأطراف ليست الهدف من الجلسات الحوارية "التفاوضية"، المزمع عقدها في أستانة، فلا شك أن جمعها مع أطرافٍ من المعارضة المسلحة التي كانت هي أصلا تجرّمها وتضعها في خانة الإرهاب، هي الغاية التي تريد روسيا منها شرعنة من تسميهم "معارضة الداخل" أو تدجين من كانت تسميهم إرهابيين حتى لحظة انعقاد الاجتماع الثلاثي في موسكو، والذي خرج عنه ما تعتقده تلك الأطراف "المرجعية الجديدة للتفاوض".

لا شك أن معركة حلب، والمقتلة الكبرى التي حدثت خلالها، غيّرت موازين القوى على الأرض، فهي، وإن اعتبرناها بمثابة هزيمة للمعارضة المسلحة، إلا أنها، في الآن نفسه، ليست انتصارا للنظام، بل هزيمة له بالتساوي، كونها أخرجته هو أيضاً من معادلة الحل السوري، لتحلّ مكانها معادلة روسيا، وبالشروط التي تتأقلم مع مصالحها دولياً وإقليمياً، وحتى سورياً. هذه المصالح التي تتقاطع، في بعض محاورها، مع مصلحة تركيا، حيث الملف الكردي الضاغط عليها، والعلاقة المتأرجحة مع الإدارة الأميركية، وموجبات تحالفها مع روسيا.

أمام هذه المعطيات، يبدو أن مؤتمر أستانة مجرّد تلويح بالعصا للمعارضة السورية المتمثلة بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" و"الهيئة العليا للتفاوض"، ومحاولة لتلزيم تركيا بفرض مشاركة فصائل المعارضة المسلحة العاملة على الأرض من خلال نافذتها، أو الحليفة لها، من جهة. ومن جهة ثانيةٍ تختبر روسيا حقيقة دور إيران بالنسبة لإمكانية اندماجها في "سياسي" يوقف أحلام حليفها الأسد بشأن حسم المعركة عسكرياً. وتالياً، تطويع كامل الأراضي السورية لسيطرته من جديد، الأمر الذي تراه طهران بات قاب قوسين أو أدنى. وثمّة أيضا الموقف الجديد للإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب (بعد أسابيع)، الضاغط على إيران، الذي يرى ضرورة إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي فتح الأفق أمامها لاستعادة موقعها دوليا.

لا شك أن روسيا ضاقت ذرعا بمرجعية جنيف 2012 التي جعلت من "الائتلاف" ممثلاً عن المعارضة بداية، وبعده "الهيئة العليا للتفاوض"، وكلاهما في مركبٍ لا يصل إلى ما تريده،ولا يعمل وفق منظور الحل المقترح منها. كما أن روسيا كانت وراء "مؤتمر فيينا"، أصلا، ليحل مرجعية للقضية السورية بدل مرجعية جنيف 1. وهي أيضا تجد الآن أن من شأن ما نتج عن التفاهمات الروسية ـ الإيرانية ـ التركية أن يكون قاعدة انطلاق إلى ذلك الهدف، في ظل الصمت الأميركي المعبّر، في الظاهر، عن لا مبالاة الإدارة الأميركية كلياً في الملف السوري.

وفقا لذلك، قد تعتقد روسيا أن المرجعية الجديدة تتطلب كياناً موازياً، أيضاً، ربما يلغي بوجوده "الهيئة العليا للتفاوض"، من خلال دعوة شخصياتٍ من مكونات الهيئة، تتماهى مع المتطلبات الروسية للحل المنشود في سورية، وتقبل مرجعية موسكو، وبقرار مجلس الأمن 2254 حسب التفسير الروسي له، أي إلغاء وحدانية الطرف المفاوض للمعارضة، وقبول أطراف عديدة، بينها معارضات موسكو وحميميم وقوات سورية الديمقراطية، إضافة إلى منصة القاهرة والمنتج الجديد لمعارضة الداخل "الجبهة التقدمية".
تأسيساً على ما تقدم، يصبح مؤتمر أستانة المزمع انعقاده بعيداً عن الأطراف الفاعلة في المعارضة السورية مجرّد حجر لتحريك بركة راكدة، قد لا ينتج منه سوى رؤية أوساخها.

في المعارك ربح وخسارة، ونصر وهزيمة، وكذلك في جولات التفاوض. لكن، في الثورات التي تنطلق من لحظة الأزمة التاريخية للشعوب، هناك معبر واحد لا يمكن الرهان على فقدانه، وهو المضي نحو الهدف المنشود، أي إقامة نظام ديمقراطي يضمن حقوق كل المواطنين، ونفض كل ما علق به من أسلمة الثورة وتطييفها، ومن عسكرةٍ تحمل مشاريع الممولين بعيداً عن الهدف الوطني، وهو حماية الشعب السوري من تغوّل أجهزة القمع على مفردات حياته اليومية والمعاشية، وصولاً إلى نبذ كل مدّعٍ بأنه يمثل من لا يمثلهم حقاً.

مؤتمر أستانة المزمع عقده بمرجعية "بيان موسكو" ليس انقلاباً على شرعية المعارضة التي يسميها بعضهم "الخارجية"، وإنما هو، في شكله المعلن حتى الآن، وقبل أن يتلقى أي طرف معارض حقيقي دعوتها، ليس أكثر من توهّمات ألم ولادة بحمل كاذب. وعلى أية حال، ثمّة شكوكٌ مازالت تطرح، بل تتزايد، حول انعقاد هذا المؤتمر، وحول الأطراف المشاركة فيه، وحول جدواه... وعلى الأقل، لم تحسم المعارضة السورية حتى الآن أمرها في هذا الخصوص، بل إن انحسار الزخم الذي رافق بيان موسكو، وبعده إعلان أنقرة، يؤكد أن ما يحصل مجرّد حمل كاذب، أو طبخة بحص.

اقرأ المزيد
٨ يناير ٢٠١٧
فرانس 24 .. مكتب صحافي لبشار الأسد

لا ندري إن كانت قناة فرانس 24 دخلت أحياء حلب الشرقية بعد أن أنهى مقاتلو الأسد عملية تعفيش المنازل أم قبلها، ولا ندري إن كانت كاتبة التقرير الاخباري  الذي عرض ضمن أخبار ليلة السبت 6 كانون الثاني عن أطفال حلب، تعرف شيئاً عن الشهباء، أم إنه وبكل بساطة، تم إرسال معلومات وصور وفيديو بالإيميل من قبل منتج النشرة في المحطة، مع مهمة محددة، "برجاء عمل تقرير عن أطفال حلب دون التطرق لأسباب ما يحدث لهم، ودون ذكر جيش الأسد إلا بالخير".
ما نعرفه فعلاً، أن تقريراً إخبارياً على قناة فرنسية يحول المذبحة العلنية التي حدثت في حلب على يد الأسد وداعميه، إلى حكاية سطحية ساذجة بطلها طفل عبر عن اشتياقه للمدرسة، هو تقرير يمكن تصنيفه بجرائم الإعلام ضد الإنسانية.

من يقول أن ثمة إعلام محايد تماماً يعرف أن كل من يسمعه يضحك في سره من وصف "محايد"، وإن كان السوريين لا يطلبون الحياد التام، ولا يأملون أن يتعامل الإعلام الغربي مع قضيتهم ووجعهم بالحياد الكامل، إلا أن أضعف الإيمان "ربما" بالنسبة لهم، أن لا يتحول القتيل إلى قاتل، والجريح إلى نكرة، والجائع والعطشان إلى المنكوب والمريض، واليتيم والأرملة إلى أشباح غير موجودين، في إعلامهم كما فعل تقرير القناة تحت عنوان "أطفال حلب".
"أطفال حلب" الذين حوصروا من قوات الأسد والميليشيات الشيعية المساندة لها، وقصفتهم روسيا فسقطت منازلهم على رؤوسهم ورؤوس أهلهم، ظهروا في فرانس 24 ضحايا "حرب"، والحرب التي تروج لها القناة وغيرها من المحطات التي تساند الأسد، هي حرب هائمة عائمة، لا يتم تجاهل ذكر بشار الأسد على أنه مسبب تلك المأساة فقط، وإنما تقترب الكاميرا من عنصر من ذلك الجيش وهو يربت على كتف طفل نزح من الأحياء التي دمرها هو بأوامر رئيسه، والكاميرا التي التقطت صورة الجندي، لم تقترب من أي وجه آخر من المدنيين النازحين، ربما خوفاً من أن تخونه كاميرته فتلتقط نظرة الألم الحقيقة لأناس خرجوا قبل موتهم بقليل، وتركوا جثث أحبائهم في الأحياء التي حاصرها من تؤيده القناة التي تسمي نفسها "حيادية".

وفي موقعها الألكتروني، تروج فرانس 24 لدخول حلب من قبل قوات النظام على أنه نهاية الماساة، والانتصار الأكبر، وبالطبع تتجاهل أخبارها حقيقة ما حدث في تلك المدينة من خراب، وتحوّل انتباه القارئ إلى أن أحياء حلب الشرقية انتقلت من حالة الموت إلى حالة الحياة بجهود بشار الاسد وجيشه، فلا ميليشيات شيعية ولا قصف روسي ولا حصار وتجويع، إذ أن كل ما يوجد في حلب بعد دخول جيش الأسد إليها هو منازل فرغت من سكانها بمحض إرداتهم، وآخرون جاؤوا برعاية الجيش ليتفقدوا منازلهم، وفي تقريرها التفصيلي عن حلب، "عمليات تمشيط في أحياء حلب الشرقية بعد سيطرة النظام عليها"، بعد الاجتياح الأسدي. وعلى طريقة دس السم في العسل، حمل الخارجون من أحياء حلب الشرقية الصفة العسكرية مع بعض المدنيين، بينما كل من خرج من الفوعة وكفريا مدنيون ومعظمهم أطفال ونساء.

بات واضحاً أن هناك استراتيجية إعلامية تعمل على تزوير المصطلحات وتهميش المأساة، فيتبنى هؤلاء تسمية إعلام الأسد للمقاتلين المعارضين، ويُطلق عليهم لقب "إرهابيين"، ويتعاونون في ترسيخ أفكار وتعابير وأحكام مسبقة عن المقاتلين في سوريا ضد نظام الأسد، ويتم كل ذلك عبر تفريغ الكلمات ذات المحتوى النبيل "ديموقراطية، إنسانية، حرية" من معناها الحقيقي، وإلباسها معاني جديدة تحمل ضدها في كثير من الأحيان، ليصبح بعض الإعلام أقرب للاحتلال، احتلال للعقول وللإنسانية وللاحترام.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تمارس فيها قناة فرانس 24 التشبيح المغلف بحق السوريين، وفي جولة سريعة على موقعها الألكتروني وتقاريرها التلفزيونية، يمكن كتابة تقارير كاملة عن المعلومات الغير صحيحة والتي لا تتبناها أي جهة إعلامية تلتزم بالحد الأدنى من المهنية الصحافية والموضوعية، وإن كان من الصعب الإحاطة بكل السقطات المهنية والإنسانية التي اقترفتها القناة، فإن ثمة إعلام من النوع الذي يمارسه نظام الأسد ومكاتبه الصحافية كفرانس 24، لا يمكن تصنيف أخباره وطريقة نقلها إلا بالجرائم الإعلامية التي يمكن أن يدرسها أطفال سوريون في الجامعات بعد سنوات، ولتكون بلدهم هي المثال الأوضح لهذه الجرائم.

اقرأ المزيد
٨ يناير ٢٠١٧
الثورة السورية وغنائم الحرب

منذ أكثر من عام كتب أحدهم على صفحته في التواصل الاجتماعي عبارة قصيرة، لكنها تحمل الكثير من الألم والغضب، ولكي أورد العبارة لابد من أن ألطّف من صياغتها، بحيث تصبح على الشكل التالي: اللعنة على أول واحد تحدث عن الغنائم في الثورة السورية ".


إن المطلع على واقع الحال يدرك بسهولة ما يعنيه صاحب العبارة، فالحديث عن الغنائم والسعي لها قد أضر كثيراً بالثورة السورية منذ بدايتها وحتى الآن، نظراً لما آلت إليه الأمور بعد الأخذ بهذا المبدأ الحربي الذي كان سائداً في الماضي.


وللتوضيح فإن الغنائم بحد ذاتها ليست فرضاً من فروض الإسلام ولا واجباً من واجباته، وإنما هي نظام اقتصادي واجتماعي أملته الضرورة، لإعطاء المقاتل ثمرة جهده في أية معركة أو غزوة يشترك فيها، ثم بعدها يذهب ليمارس عمله المعتاد في حياته اليومية. هذا ما كان سائداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وما بعده بقليل، ثم بدأ يتخذ أشكالاً تطبيقية أخرى مع تطور مؤسسات الدولة وترسيخها في أرض الواقع.


وتوزيع الغنائم لم يكن يتم بشكل عشوائي، كما قد يتصور البعض، وإنما كان له نظام خاص حدده الرسول الكريم، فبعد انتهاء المعركة والاستيلاء على الغنائم كان يطلب من "بلال" أن ينادي على المقاتلين، ليأتوا بغنائمهم فيقوم الرسول بتوزيعها بنفسه، بحيث ينال الراجل سهماً والفارس ثلاثة أسهم، والمتزوج سهمين وغير المتزوج سهماً واحداً. وفي حال أخفى أحد المقاتلين جزءاً من غنيمته، فسوف يحاسب عليه يوم القيامة حساباً عسيراً، وحتى إذا قتل في المعركة فلا يعد شهيداً. هذا هو مضمون هذا هو مضمون الغنائم حسبما جاء في السنة النبوية.


وبعد أن تطورت الدولة العربية الإسلامية، وتكونت الجيوش النظامية، وأصبح المقاتل جزءاً من الجيش في أيام الحرب والسلم، اختلفت الأمور، وأصبحت الغنائم تنقسم إلى ثلاثة أقسام " ثلث للجند، وثلث للبناء، وثلث مدخر ". يوضع في بيت مال المسلمين.


إن ما دفعني إلى هذه المقدمة المختصرة، هو ما حدث بعد قيام الثورة، فلأسباب معظمها خارجية تم دفع الثورة باتجاه "الأسلمة"، وفي جانب كبير منها كانت أسلمة متشددة. وكان من المغري أن يتم الأخذ بتطبيق مبدأ الغنائم، ولكنه مع الأسف كان تطبيقاً بعيداً جداً عما كان يجري في زمن الرسول أو بعده، فقد صار أشبه بالفوضى العارمة، حيث دخل على الخط الكثير من الطامعين بالغنائم، والقليل من الطامحين لتحرير الوطن من سلطة الأسد وأعوانه، فاغتنام بندقية أو رشاش أو قاذف، يعد غنيمة للشاب العاطل عن العمل، ولاسيما ممن لا يمتلك ثقافة دينية ووطنية.


 وقد ساعد في ذلك عدم وجود أية ضوابط في الحصول على الغنائم ولا في توزيعها، لاسيما بعد أن تعددت الفصائل وتنافرت في الغايات والأهداف حتى أصبح التناحر سمة من سمات العديد من تلك الفصائل، والكل مدرك تماماً أن ذلك يشكل خطراً على الجميع من ثوار وشعب ووطن، فالعدو بأنواعه أخذ يستولي على مكتسبات الثورة جزءاً بعد آخر من الأرض المحررة نتيجة لهذا التناحر المقيت.


في محافظة إدلب انفلات أمني مخيف، وعلى الرغم من أنها مهددة بكارثة حربية محتملة أقسى وأشد من كارثة سقوط حلب، إلا أن الفصائل لا تزال تتقاتل فيما بينها، وتمارس مبدأ الاستيلاء على الغنائم بأية وسيلة ومن أية جهة كانت.


ومن تلك الوسائل ما نقلته وسائل الإعلام منذ مدة، ليست بالبعيدة، من هجوم شنه ملثمون على أحد المقرات التابعة لفيلق الشام في إحدى مناطق إدلب، وذكر الناطق باسم الفيلق أن الملثمين عمدوا إلى الاستيلاء على السلاح وخطفوا عناصر الموقع واقتادوهم إلى جهة مجهولة.


وفي بيان سابق اتهم فيلقُ الشام فصيلَ جند الأقصى في ريف حماة الشمالي، بممارسة أعمال " تشبيحية وأفعال همجية" قد تؤدي إلى سقوط هذه المناطق بيد قوات الأسد وانسحاب الثوار ". والمؤلم أن هذا الكلام من فيلق الشام يعد تمهيداً لانسحاب مرابطيه من بعض الخطوط الأمامية في حال استمرت هذه الاعتداءات على مقراته.!!.


ومع عدم إغفالنا ما يمارسه شبيحة الأسد من تعفيش مخجل في الأماكن المدنية التي وقعت في أيدهم، بشكل يدعو إلى السخرية قبل الاستنكار، ولكننا الآن نريد أن نركز على ما جرى في مناطق عدة في إدلب من ممارسات مؤلمة، فبحسب الوقائع المعروفة على الأرض قامت بعض الفصائل بالسطو على عشرات المنشآت العامة من صحية وخدمية وحتى من معامل ومصانع، ومنها معمل سكر جسر الشغور ومحطات توليد الكهرباء إضافة إلى المناطق الأثرية والمتاحف، وتفكيك عربات القطار التي كانت موجودة في محطة "محمبل".


كما قام مجهولون مؤخراً بتفكيك خط سكة الحديد لمسافة كبيرة، ونقل المحتويات إلى جهة مجهولة، في مشاهد وصفها البعض بأنها مرعبة حقاً، وسط غياب تام لأي رقابة من أية جهة، رغم وجود اتهامات مبطنة لفصائل بعينها تقوم بهذا الفعل تحت بند "الغنائم".!!.


وهكذا تحولت العقول "الثورية" أو بتعبير أدق "الجهادية" إلى عقول فاسدة ومفسدة ومنفلتة، في الوقت الذي يزعم أصحاب هذه العقول أنهم لا يفعلون إلا كما أمرهم الله، والله من معظم أفعالهم براء، ومع ذلك يصرون على أحقيتهم في امتلاك الغنائم، حتى ولو كانت من الأملاك العامة، دون أن يلتفتوا إلى الضوابط التي كانت سائدة في زمن الرسول الكريم وبعده، ودون أن يدركوا أن الغنائم، مثلها مثل الأنفال التي نُسخت بزوال أسبابها، من هنا انتفى تطبيق أسلوب الغنائم الحربية كما كان سائداً في عهد الرسول، نظراً لتوفر البدائل الأكثر نجاعة وفائدة، والأقل إرباكاً، ففي عهد الدولة الأموية وما بعدها أُحدثت دواوين الجند وغيرها من الدواوين التي تسهّل أمور الدولة وخدماتها المتنوعة، وأصبحت العطاءات المادية بديلاً عن توزيع الغنائم التي أخذت طريقها إلى مخازن بيت مال المسلمين، ثم تُصرف في الوجهة التي تتطلّبها المصلحة العامة، وليس الخاصة.


وهذا ما كان يجب على الفصائل المسلحة أن تفعله، ولكنه لم يحصل إلا نادراً، فالظروف القاسية التي عاشتها وتعيشها الثورة جعلت العديد من الفصائل تسلك طريق الفوضى، الغريبة، العجيبة، وتسيّدت الأنانية والغايات الشخصية على حساب الإيثار والمصلحة العامة.  


وقد ساهم في كل هذه المآسي أسباب عديدة أُشبعت عّجناً وخَبزاً، ومنها فشلُ القائمين على الثورة في تشكيل قيادة عسكرية واحدة تجمع الفصائل المقاتلة في جيش ثوري واحد ينضوي تحت جناحيها، ولو كان حدث ذلك لأصبح الجيش الثوري المفترض قوةً فاعلة على الأرض، يمكن له أن يعالج الفوضى السائدة، ويجعل الانتصار ممكناً على من يدمر الوطن ويبيد الشعب، ومع ذلك ظل قواد تلك الفصائل يصرون على ضلالهم، ويتنصّلون من الانضواء تحت قيادة واحدة وراية واحدة، وهم يعلمون علم الأكيد بأن الكل مهددون بحياتهم ومصيرهم من قبل عدو لم تشهد بلاد الشام مثيلاً لحقده وطغيانه في تاريخها الطويل، مع أن غريزة البقاء تدفع أي إنسان وحتى أي حيوان إلى البحث عن طريق للنجاة، وليس إلى الغوص في مستنقع الهلاك.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان