مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ فبراير ٢٠١٧
عن المناطق الآمنة في سورية

يأتي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنشاء مناطق آمنة في سورية أو في الدول المحيطة بها ضمن سياق طبيعي لتوجهه الرامي إلى تقليص وإنهاء عمليات الهجرة إلى الولايات المتحدة، وهو توجه قديم عبر عنه العام الماضي حين أعلن أن الحل الوحيد للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين هو إقامة مناطق آمنة في سورية للحيلولة دون لجوئهم إلى أوروبا أو الولايات المتحدة.

وبالتالي، ليس المقصود أميركياً إنشاء مناطق آمنة أو عازلة بالمعنى العسكري، فمثل هذه المناطق قد تجاوزتها الأحداث العسكرية على الأرض نتيجة التفاهم الروسي - التركي. والمشهد الميداني الجديد في الشمال السوري وطبيعة التحالفات الإقليمية - الدولية لا تسمحان بمثل هذا الفهم العسكري للمناطق الآمنة.

وحتى تركيا ذاتها التي طالبت خلال السنوات الماضية بإقامة منطقة آمنة ذات صبغة إنسانية وعسكرية في الوقت نفسه، لم تعد تطالب بها بعدما توجهت شرقاً نحو الكرملين وحصلت على حصة جغرافية مهمة تحقق من خلالها حل جزء من أزمة اللاجئين من جهة، وإنهاء التواصل الجغرافي بين مناطق الأكراد من جهة ثانية.

لكن المشكلة هي أن ثمة خطاً رفيعاً بين منطقة آمنة لأغراض إنسانية ومنطقة آمنة لأغراض عسكرية، ذلك أن كلا المنطقتين تعنيان تحييد أرض جغرافية ما عن النزاع، وهذا أمر يتطلب موارد كبيرة لضمانها، بما فيها حظر الطيران.

ولذلك بدت موسكو ممتعضة من إعلان ترامب هذا من دون التشاور معها، فموسكو ترفض تحييد أي بقعة جغرافية عن الصراع قبل اكتمال المشهد العسكري في عموم سورية، وهو المشهد الذي عملت بجد على رسمه وتحديده.

المنطقة الآمنة لأغراض إنسانية يمكن أن تتحول بقرار إلى منطقة عسكرية، وهذا يشكل ضربة قوية وقاصمة للمجهود الذي قامت به روسيا خلال العامين الماضيين، كما أن من شأن هذه المنطقة أن تعيد صوغ التحالفات من جديد، وتكون بمثابة أسفين بين تركيا وروسيا.

لن تخاطر أنقرة بطبيعة الحال بالمضي قدماً في المشروع الأميركي وإن رحبت به من حيث المبدأ إلا بما يتماهى مع الأغراض الروسية، فلن تخسر تركيا ما حققته على الأرض السورية من نتائج بالغة الأهمية، وهي نتائج تم تحقيقها من البوابة الروسية وليس من البوابة الأميركية.

وأغلب الظن أن واشنطن تتجه إلى إقامة هذه المناطق داخل سورية في الشمال والجنوب، وليس في دول الجوار، لأن الواقع الأردني والتركي لا يسمحان بذلك، فضلاً عن أن المنطقة التي تسيطر عليها تركيا في شمال سورية تتحول تلقائيا إلى ملجأ لكثير من المدنيين السوريين، ولن تتحول إلى منطقة عسكرية، فهذا أهم شرط روسي وضع أمام طاولة الأتراك قبل الموافقة على إطلاق عملية «درع الفرات».

ربما تستفيد أنقرة من التوجه الأميركي الجديد من الناحية المالية لدعم عودة المدنيين إلى المنطقة الشمالية الخاضعة لها، وهنا ثمة مصلحة متبادلة: تستفيد واشنطن من الأرض الخاضعة للسيطرة التركية لتوطين اللاجئين، وتستفيد أنقرة منها لتعزيز الثقل الديموغرافي السني، وهو ثقل تبدو أنقرة في حاجة اليه ليكون سداً أمام الأكراد، في حال حصلت تغيرات مفاجئة في سورية قد تقتضي خروج الأتراك من الشمال السوري.

أما في الجنوب السوري، فإنها منطقة تبدو وفق التفاهمات مع روسيا من حصة الأردن والولايات المتحدة، غير أن المشكلة التي تواجه إقامة مثل هذه المنطقة هي اقتراب المناطق الجغرافية التي تسيطر عليها المعارضة والنظام من بعضها بعضاً، وبالتالي يصعب إنشاء منطقة آمنة لا وجود فيها للعنصر المسلح.

لكن المشكلة أن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة حيال سورية لا تزال غامضة، ولا يعرف المدى الذي يمكن أن تتدخل فيه الولايات المتحدة، لأن مثل هذه المناطق تتطلب تدخلاً مباشراً من واشنطن ليس فقط لضمان نجاحها، وإنما أيضاً لضمان حمايتها، وهذا ما تخشاه روسيا.

اقرأ المزيد
١ فبراير ٢٠١٧
إيران تختبر ترمب!

هل كانت الجمهورية الخمينية تختبر عزيمة الرئيس الأميركي الجديد، ترمب، حين أطلقت صاروخها الباليستي، الذي قطع أكثر من 900 كيلومتر، ثم انفجر قبل هدفه، في «تجربة فاشلة»، على حد وصف مسؤول في البنتاغون الأميركي؟

التجربة الباليستية الخمينية هذه انتهاك واضح للقرار الدولي «2231» الذي يمنع إيران من مثل هذه الأعمال لمدة ثماني سنوات.

روسيا عبر نائب وزير الخارجية، ريابكوف، حاولت التقليل من هذا الأمر، وتفسير القرار الدولي بطريقة تخدم التأويل الإيراني، لكن ردة الفعل التي يخشاها الأوروبيون والروس، وطبعًا المعسكر الخميني، هي ما يدور في عقل الرئيس ترمب وأركان إدارته «الأشداء الجدد».
لو جرت مثل هذه المحاولة في وقت «الآفل» أوباما، لمرّت بردًا وسلامًا، مع حفنة من تصريحات القلق والنصائح الأكاديمية الباردة للناشط السياسي، جون كيري.

لكن جرت في الساقية مياه أخرى، مياه هادرة صاخبة الأمواج، في واشنطن الجديدة، وقد دعت الولايات المتحدة فورًا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن، ردًا على الانتهاك الخميني هذا، وقال السيناتور بوب كروكر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، إنه سيعمل مع المشرعين الآخرين وحكومة الرئيس ترمب على محاسبة طهران بعد استعراضها الصاروخي هذا.

الاتحاد الأوروبي، الوجل بدوره من عزائم الرئيس الأميركي الجديد، انتقد التصرف الإيراني، داعيًا طهران إلى «الامتناع عن كل عمل من شأنه تعميق الريبة»!

لاحظ اللغة! يعني الكل يريد تحاشي إغضاب ترمب، وليس البحث في «جوهر» المعضلة الخمينية في المنطقة كلها، كما كان سلوك وعقل الإدارة الأوبامية الآفلة، ومعها الاتحاد الأوروبي أيضًا.

نحن أمام ثقافة جديدة، ومعايير مختلفة، الكل يحاول اختبارها اليوم. ربما صدقت توقعات العاهل الأردني في حديثه مع نواب وأعيان بديوانه الملكي مؤخرًا، حول خطورة الوضع في الشرق الأوسط، وأن الإقليم هذا العام 2017 يعبر أصعب مرحلة، و«ثمة تغييرات كبيرة خلاله».

يجب أن نتذكر هنا الخبرة الكبيرة التي يمتلكها الملك عبد الله الثاني بمسارات الرياح الدولية والإقليمية قبل هبوبها، فهو الذي حذّر في ديسمبر (كانون الأول) 2004 من تشكيل الهلال الشيعي بالمنطقة، بحديثه الشهير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، وكان تحذيرًا مبكرًا وصادمًا.

كيف سيتعامل الرئيس ترمب، بعد أقل من أسبوعين من تعيينه، مع هذا التحدي الإيراني الجديد؟

يقال ذلك، ونحن نعلم أن ترمب يشاطر السعودية والإمارات رؤيتهما لطبيعة الخطر الإيراني، كما في اتصاله الهاتفي الأخير مع الملك سلمان والشيخ محمد بن زايد.

الكل في حالة ترقب، والكل يريد اختبار العزم الأميركي الجديد... وحدوده.

اقرأ المزيد
١ فبراير ٢٠١٧
ترمب وإيران وخلط القضايا

لقد ضيعنا سنوات طويلة لا نفرق بين مصالح إيران ومصالحنا، ولا نفرق بين صدق القضايا والمزور منها. ونجح نظام إيران في أن يتاجر في قضايانا، القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين، التي باع فيها واشترى من أجل غاياته، ولم يستوعب كثيرون هذه الحقيقة إلا متأخرين، وبخاصة بعد أن رأوا ما فعلته إيران من جرائم في العراق وسوريا واليمن والبحرين. وسنرى إيران، ومن في معسكرها، يعيدون الكرة بشن الحملات في مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة، وغيرها من الحكومات التي تقف ضدهم؛ لهذا علينا ألا نخلط الحقائق، ولا في المصالح، ودعوا إيران ورفاقها يحاربون بأنفسهم.

أما لماذا كل هذه المواجهات الصاخبة التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ في رأيي هدفه بناء شعبيته الرئاسية في مواجهة خصومه، وهم كثر، في الإعلام والحزب الديمقراطي، والكونغرس وغيرهم.

مثلا، لأن هناك شكوى من مزاحمة الأجانب للمواطنين الأميركيين، قرر بناء جدار مع جارته دولة المكسيك لوقف تسلل أكثر من سبعمائة ألف شخص سنويا. ولأن هناك قلقًا من الإرهاب خَص سبع دول إسلامية، فيها فوضى وإرهاب، بمنع مواطنيها من الدخول لثلاثة أشهر. ولأن النقابات العمالية ضد الشركات الأميركية التي تفتح مصانعها خارج الولايات المتحدة تعهد بأنه سيفرض غرامات على بضائعها المستوردة. ولأنه يريد إقناع منتقدي العقود الحكومية بأنه ضد الفساد أعاد عقدين ضخمين للمراجعة، أحدهما لبناء طائرته الرئاسية. ولأن هناك محافظين ضد الإجهاض أمر بمنع إنفاق الدعم الحكومي لعمليات الإجهاض، وهكذا.

لا يمكن أن نقول ترمب ضد المسلمين، بدليل أنه يبني جدارا لمنع تسلل جيرانه المكسيكيين ومعظمهم مسيحيون، ووعد بأنه سيرحل المقيمين غير الشرعيين في الولايات ويربو عددهم على أحد عشر مليونا، ومعظمهم غير مسلمين.

ومن بين 57 دولة إسلامية في أنحاء العالم، لم يفرض ترمب حظر الدخول إلا على سبع دول إسلامية منها، لأن فيها حروبا أو قلاقل، وسلطة مركزية ضعيفة. ومعظم دول العالم تتلكأ في منح تأشيرات دخول لمواطني هذه الدول لعدم وجود سلطات مركزية تستطيع التنسيق الأمني معها. إنما الإرهاب ليس خاصا بهذه الدول، فهو في دول وسط آسيا، وفِي باكستان، وبنغلاديش، والسعودية، وتركيا، وغيرها من الدول الإسلامية، وموجود حتى في دول غربية مثل بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وغيرها. السبب في عدم ضم مسلميها إلى قائمة حظر التأشيرات على مواطنيها، لأن فيها حكومات مركزية، وأنظمة أمنية، يمكن التنسيق المعلوماتي معها وتقليل المخاطر.

معركة ترمب ليست مع المسلمين، ولا المكسيكيين، بل في الشارع الأميركي. يشعر أنه وعد ناخبيه وسيحاول أن ينفذ معظم وعوده التي انتخب بسببها، ورغم إصراره فقد لا يستطيع أن يكسب معاركه، وذلك نتيجة الاحتجاجات الشعبية المعارضة والعراقيل القانونية، وهذه على أي حال مسألة أميركية داخلية.

الولايات المتحدة أكثر بلد في العالم استفاد من المهاجرين واللاجئين والمجنسين، وحتى من غير الشرعيين، في إدارة عجلته الاقتصادية الكبرى في العالم. وقد أصبحت التجربة الأميركية في استيعاب الآخرين ملهمة لكثير من الدول التي تسعى للمنافسة اقتصاديا، حيث جعلت المعايير هي المكاسب والفوائد التي يعود بها الوافد إلى الدولة والسوق، ومن الطبيعي أن يقابله شعور بالرفض عند العاطلين والأقل حظًا في المجتمع. والشعور المحلي الرافض للأجانب حالة مكررة في كل المجتمعات مع تزايد التنافس على الوظائف، والتنافس بين الأحزاب التي تستخدمه في حملاتها الانتخابية، كما فعل ترمب.

والرئيس الجديد المتحمس، بكل ما أوتي من سلطة، لن يتمكن من منع الإرهاب، ولا إبعاد كل المقيمين غير الشرعيين ولا منع التسلل من المكسيك، لكنه سيجرب أن يكسب ما يستطيع داخليًا، وخارجيا أيضا لن تكون كل معاركه رابحة. ولعل أهم قراراته عدم التعاون مع إيران، الأمر الذي سيغضب طهران، وستسلط عليه دُمَاها، في غزة، والعراق، وسوريا، واليمن، والتنظيمات المتطرفة التي ترفع الإسلام بهتانا

اقرأ المزيد
١ فبراير ٢٠١٧
أيها السوريون.. اخلعوا أعضاءكم لتمروا

أيها السوريون.. “اخلعوا أعضاءكم لتمروا”، لتهربوا من جحيم الموت الأسدي إلى دول أكثر أمنًا وأمانًا، إلى أميركا ربما، أميركا التي تحترف خداع العالم بلصق تهمة الإرهاب بالسوري إعلاميًا، بينما أرقامها الرسمية تقول إن السوري اللاجئ ليس إرهابيًا.

ثمة أرقام صادمة عن اللاجئين السوريين، تمر مرور الكرام أمام أعين العالم، ولكن لابد من بعض التدقيق وإعادة قراءة هذه الأرقام، خصوصًا بعد قرار ترامب الأخير الذي قضى بمنع استقبال لاجئين سوريين؛ “لإبقاء الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين خارج الولايات المتحدة”، وأما الإرهاب فإنه، بحسب البيانات الأميركية، لا يتصل لا من قريب ولا من بعيد باللاجئين السوريين الواصلين إلى أميركا.

استقبلت أميركا -حتى الآن- نحو 12 ألف لاجئ سوري فقط، من أصل 4.7 مليون لاجئ سوري، أي بنسبة 0.2، وبحسب بيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي في شبكة CNN، ونائب رئيس مؤسسة “أميركا الجديدة”، وأستاذ ممارس في جامعة أريزونا الأميركية، ومؤلف كتاب “الولايات المتحدة الجهادية: تقرير عن إرهابيي أميركا محليي المنشأ”؛ فإنه لا دليل على وجود إرهابيين من بين اللاجئين السوريين الذين يستقرون في الولايات المتحدة الأميركية.

لن ندخل في أرقام توزع اللاجئين السوريين على دول العالم، ولا نريد أن نثبت أن الدول المجاورة لسورية تتحمل العبء الأكبر من أعداد السوريين، ولا نهدف إلى استجرار التعاطف بالكلام الإعلامي، ولا حتى الأدبي، كل ما سنحاول أن نثبته أن السوريين في أميركا لم يحملوا أي مشروع إرهابي.

بحسب مقال لبيرغن، كل الأعمال الإرهابية “الجهادية” القاتلة التي شهدتها أميركا منذ أحداث 11 سبتمبر عام 2001، نفذها مواطنون أميركيون أو مقيمون في الدولة بصفة قانونية، ولم تُنفذ أي من تلك العمليات على يد لاجئ سوري.

من المعروف أن الدخول إلى الولايات المتحدة بالنسبة إلى اللاجئ السوري أكثر تعقيدًا من أي قضية تشغل العالم، والكلام ليس من تأليفنا، فبحسب شهادة آن ريتشارد، المسؤولة رفيعة المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، في جلسة استماع للجنة الأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، فإن “أي لاجئ سوري يحاول دخول الولايات المتحدة يجري التدقيق في ملفه من مسؤولين في المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ووزارة الأمن الداخلي ،(DHS) ووزارة الخارجية، والبنتاغون، ويجمع المسؤولون -أيضًا- بيانات اللاجئين السوريين البيومترية (بمسح شبكية العين) على سبيل المثال، إضافة إلى تاريخ مفصل عنهم، كما تُجرى معهم مقابلات مطولة، ويُبحث عنهم في قواعد البيانات الحكومية؛ لمعرفة ما إذا كانوا قد يشكلون خطرًا، وتستغرق العملية عامين، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك”، وبالنتيجة؛ لا يصل أميركا من السوريين طالبي اللجوء إلا “كل طويل عمر بالتعبير السوري”.

هل يعلم الشعب الأميركي أن ثمة 17 جهاز استخبارات في أميركا، وهل يعلم الشعب الأميركي أن الرئيس الجديد الذي انتخبه هو ابن لسيدة هربت من الفقر في جزر هبريدس الخارجية في اسكتلندا إلى نيويورك عام 1929، وهل يعلم الشعب الأميركي أن أوروبا استقبلت أضعاف مضاعفة من السوريين، ومعظمهم من وصلها جاء بطرق غير نظامية، بحرًا أو برًا.

هل فعلا رئيس الولايات المتحدة الأميركية ومستشاروه لا يعرفون هذه التفاصيل والمعلومات؟ من السذاجة تصديق ذلك، إذن؛ ماذا يريد ترامب من قراره هذا؟

الواضح من سيرة الرجل السياسية أن قراره عرض إعلامي صرف، يهدف إلى خداع الشارع الأميركي من خلال التستر على الحقائق، وتوجيه الرأي العام إلى الأكاذيب.

ترامب لا يريد أن يعترف بأن الإرهاب مصدره سياسة أميركية، ومصدره في سورية سياسة صديقه بوتين ورجله بشار الأسد.

يغض الطرف عن وفود الإرهابيين الذين دخلوا إلى سورية تحت أعين استخباراته وحكومات الإقليم، وأن دعمهم جاء من أموال أصدقاء أميركا وترامب.

إنه يريد -ببساطة- أن يقول إن الإرهاب جينات موجودة في السوريين. لكن السؤال الحقيقي: هل فعلًا الولايات المتحدة ملجأ للاجئين السوريين؟

بالنسبة والتناسب؛ فإن هذا القرار لن يؤثر في اللاجئين السوريين، سوى حالات فردية. وليست كارثية، لكن الكارثة أن يتفق سوريون مع قرارات كهذه؛ لأنهم يرون أن جماعات سورية من بلدهم لا تستحق الحياة؛ لأنها من طائفة أو دين أو قومية ما، فهل نلوم ترامب ونقبل الترامبيين السوريين.

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٧
سورية وميراث الحرب العالمية الثانية

كانت الحرب العالمية الثانية قد أورثت سورية ثلاث أدوات مكنتها للمرة الأولى أن تكون بشكلٍ ما «جزءاً من العالم». فهي سمحت بأن تتحول البؤر النُخبوية الصغيرة للأفكار الماركسية الشيوعية أحزاباً وحركاتٍ شعبية، وتحولت معها النتاجات الثقافية والسياسية الشيوعية المُترجمة إلى أدوات للتفكير والنقاش العام، استطاعت عبرها الكُتل الشعبية الموالية لهذه التنظيمات أن تحاجج التراث الثقافي والفكري لـ «سورية القديمة».

كانت تلك النتاجات المُترجمة بوابة لكُل ما يُمكن أن نُسميه «الحداثة الاجتماعية» التي واجهت ما كان عالقاً وباقياً في مجتمعاتنا من ميراثها العثماني.

من جهة أخرى، أثبتت الحرب للقوى الاستعمارية في بلداننا أن استمرارها المديد على أشكال احتلالات عسكرية في هذه البلدان غير مُمكن. بذا نزعت القوى الاستعمارية لأن تسعى لتوافقات سياسية مع نُخب الحُكم والقوى المُناهضة لها، وتُوجت تلك الديناميات التوافقية باستحصالنا في النهاية على «دولةٍ حديثة»، بمؤسسات ساهم هؤلاء المُستعمرون في بنائها بشكل مُطابق لما كانت حالها في بُلدانهم، وشرائع وقوانين لا علاقة لها تقريباً بما ساد في منطقتنا لقرونٍ كثيرة.

أخيراً فإن الأزمة الاقتصادية للحرب في أوروبا، خلقت الآليات لأن تتفاعل القوى الاقتصادية في سورية مع نظيراتها الأوروبية، وأن تُنمي مواردها وتطور أدواتها الاقتصادية. كانت المصانع والمؤسسات البنكية والزراعة بأدواتٍ حديثة من نِتاج هذه العلاقة الثُنائية، وكانت هذه العوالم الاقتصادية أدواتٍ لخلق عالم «الديموقراطية البورجوازية». فبالعودة إلى أرقام التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال عقدي الأربعينات والخمسينات، يُستدل بأن سورية كانت دولة أخرى تماماً، تصل فيها نسبة النمو وبشكل متواتر إلى قُرابة 9 في المئة.

كانت الأسدية وريثة نهائية لكل أشكال الأنظمة الاستبدادية التي حكمت سورية بعد فترة قصيرة بين نهاية تلك الحرب وبداية القضاء على ذلك الميراث، بدءاً من حُكم العسكر الانقلابيين ثم الناصرية الأيديولوجية وانتهاء بالعُصبوية البعثية. لكن السر في قُدرة الأسدية على الاستمرار من دون أن يصيبها الانهيار السريع الذي أصاب أشكال الحكم الاستبدادية التي سبقتها هو قُدرتها على خلق مساومات مُستترة مع تلك الديناميات الثلاث.

استعملت الأسدية أداة بسيطة في عملية احتوائها لهذه المنظومات، ففصلتها عن السياسة، وبقولٍ أكثر دقة «فصلتها عن السُلطة»، حيث احتفظت الأسدية بهذه الأخيرة وبشكل احتكاري تام لنفسها.

سمحت الأسدية لنُخب الاقتصاد السوري، خصوصاً كبار تجار وصناعيي المدن، بأن يُنمّوا أعمالهم وثرواتهم، لكن من دون أن يُسمح لهم بإنشاء أحزابٍ أو جمعياتٍ تمتهن السياسة وتسعى إلى مشاركة الأسدية سلطتها المطلقة. وبالتقادم كان ينهار ذلك التوازن، فتطمع الأجيال الأحدث من موالي الأسدية إلى الشراكة مع هؤلاء التُجار والصناعيين، وبرأسمال وحيد هو السُلطة. وكان ذلك بالضبط بوابة القضاء التام على الاقتصاد السوري.

الأمر ذاته كان ينطبق على التيارات السياسية والفكرية الأيديولوجية التي كانت بوابة «العالم الحديث» إلى المجتمع السوري، من الحزب الشيوعي السوري وحتى حزب البعث نفسه. فقد سمحت الأسدية لها بأن تستمر، لكن فقط كأجهزة خِطابية، معزولة تماماً عن أي فعلٍ أو تطلُعٍ سياسي. ولنفس السبب، وبالتقادم نفسه، انهارت كُل هذه الديناميات المعرفية والنُخب الحديثة لمصلحة نظيراتها «الرجعية»، انهار صادق جلال العظم على يد محمد سعيد رمضان البوطي، وانهار الحزب الشيوعي السوري لمصلحة الإخوان المُسلمين.

الأمر نفسه كان ينطبق على الدولة السورية ذاتها، فكُل مؤسساتها وشرائعها ومواثيقها بقيت بشكلٍ هيكلي مُحافظة على البُنية التي ورثتها عن تلك السنوات، لكنها جميعاً أفرغت تماماً من مضمونها الفعلي الحقيقي. كان ثمة برلمان في سورية بانتخابات متواترة مُنتظمة، لكن من دون حياة قط، وكانت ثمة مخافر للشرطة، لكنها كانت تطلب من المواطنين أن يُنهوا خلافاتهم عبر المُصالحات العشائرية، وكان ثمة دستور في سورية، لكن قانون الطوارئ بقي يحكُمها فعلياً لأكثر من نصف قرن، وكان كُل شيء على ذلك المنوال.

من هُنا، ثمة قوسٌ كبير يجب أن يُفتح حول مسألتين ما زالتا بالغتي الحيوية في النقاش العام السوري مُنذ بدء الثورة السورية وحتى اليوم: هل كان أيُ إصلاحٍ ما مُمكناً في، ومع، الدولة الأسدية، وهي التي كانت مُتخمة بغريزة القضاء على كُل ذلك الميراث الذي كانت تعتبره عدو سُلطتها المُطلقة، وعدو أساس وجودها؟، وهل لا يزال أي تحولٍ سياسي بُنيوي ممكناً، الآن ومُستقبلاً، من دون القضاء على الدولة الأسدية نفسها، وبكل مؤسساتها الحقيقية؟!

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٧
تحولات دراماتيكية في المشهد السوري

ثمة العديد من المؤشّرات التي تفيد باحتمال حصول تغيّرات نوعية، مفاجئة وكبيرة، في المشهد السوري، على الصعيدين السياسي والميداني، كما في تجاذبات أو صراعات القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في هذا المشهد.

على الصعيد الداخلي، يمكن رصد أهم هذه التحولات بعاملين، أولهما تحوّل معظم فصائل المعارضة المسلحة نحو القبول بخيار المفاوضات، أو خيار الحل السياسي، بعد أن كانت تمتنع عن ذلك، بدعوى أن لا حل سوى بإسقاط النظام عسكرياً، أو لأن لا ثقة لها بالحلول السياسية، تبعاً للأطراف الراعية للمفاوضات، والمقصود هنا تحديداً الطرف الروسي.

يلفت الانتباه أن تلك الفصائل ذهبت إلى خيار المفاوضات، في العاصمة الكازاخية آستانة، متناسية كل الادعاءات التي كانت تطرحها، ومتجاهلة أنها اتجهت نحو هذا الخيار بعد الانهيار العسكري الحاصل في حلب، وبعد اتضاح انسداد أفق الحل العسكري، وأن هذا الأمر تم بناء على رأي الحليفة تركيا. وطبعاً لا يدور النقاش هنا حول صحة هذا الخيار من عدم ذلك، مع التأكيد أنه الأنسب، وإنما النقاش يدور حول المواقف السابقة لهذه الفصائل، التي كانت تكابر في شأن قواها وقدراتها، وتترفّع عن دراسة المعطيات السياسية (كما العسكرية)، والتي ظلت تشتغل بعقلية قدرية، ومزاجية، إلى جانب استمرائها الارتهان للقوى الخارجية. وهذا الموقف ينطلق أيضاً، من الاعتقاد بأن الموقف الأصوب، ربما كان يتمثل بالتأكيد على وحدانية تمثيل المعارضة، وإحالة الأمر الى «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تتمثل فيها هذه الفصائل، إذ كان من شأن ذلك أن يضفي نوعاً من الصدقية على المعارضة إزاء نفسها، وإزاء شعبها، وإزاء العالم.

طبعاً، يلفت الانتباه في هذا الأمر أن لا «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، وهو الكيان الرئيس للمعارضة السياسية، ولا «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تتمثل فيها أوسع تشكيلة من الكيانات السياسية والعسكرية، أبديا أي تبرَم مما حصل، أو من هذا الانتقاص من مكانتهما في تمثيل المعارضة، إذا استثنينا بعض المواقف الفردية، التي أبدت استنكارها ومخاوفها من تلاعب روسيا بتمثيل المعارضة، ومن النيل من مكانة وشرعية الإطارين المذكورين.

العامل الثاني، يتمثّل في انقلاب معظم كيانات المعارضة، السياسية والعسكرية، على جبهة «فتح الشام» (جبهة «النصرة» سابقاً)، وهو موقف مفاجئ، وقد ماطلت معظم فصائل المعارضة في الإفصاح عنه لأسباب عقائدية، حيث ثمة فصائل لا تبتعد في طروحاتها عن هذه الجبهة، وميدانية، بحكم قوة هذه الجبهة، وإقليمية بواقع علاقات الجبهة الخارجية. ومعلوم أن تلك الجبهة، التي لم تحسب نفسها يوماً على الثورة السورية، وناهضت مقاصدها المتعلقة بالحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، ظلت تشكل خطراً على فصائل المعارضة العسكرية في كافة أماكن تواجدها، وهي أصلاً كانت عملت على إزاحة جماعات «الجيش الحر» من المشهد، فضلاً عن أنها حاولت فرض أنماط متعصّبة ومتطرّفة من الإسلام على السوريين، بواسطة القوة، في المناطق التي خضعت لسيطرتها، ناهيك عن تبعيتها لتنظيم «القاعدة»، وهو ما أضر بإجماعات السوريين، وبصدقية ثورتهم في العالم.

في هذا الجانب أيضاً، لم يأتِ هذا التغيّر نتاج تطور في القناعات السياسية، أو نتاج مراجعة للتجربة، بما لها وما عليها، من قبل المعارضة، وإنما أتى نتيجة ضغوط خارجية، وضمن ذلك التحوّل في الموقف التركي.

هكذا نحن في الحالتين المذكورتين آنفاً إزاء معارضة (سياسية وعسكرية) مترددة، ولا تأخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولا تصدر مواقفها بناء على ادراكاتها لمصلحة شعبها، أو متطلبات ثورتها، ولا بناء على مراجعة نقدية للمسارات والخطابات التي انتهجتها، الأمر الذي يضعف صدقيتها، ويثير الشبهات حول حقيقة أو صلابة الخيارات التي اشتغلت على أساسها.

على أية حال يمكن الجزم بأن التحولين المذكورين لن يمرا بسهولة، إذ إن التحول الأول قد يفضي، على الأرجح، إلى إعادة ترسيم خريطة الكيانات السياسية والعسكرية للمعارضة السورية، وضمنها للوفد المفاوض، مع كل ما يستتبع ذلك من تغير في المرجعيات والأولويات والمواضيع. في حين أن التحول الثاني قد يفضي إلى إعادة هيكلة الفصائل العسكرية، والعمل على تحجيم «جبهة النصرة»، وربما تصفيتها، إضافة إلى حصول تغيرات ميدانية، تبعاً لذلك، في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وفي شكل إدارة المناطق «المحررة».

أيضاً، على الصعيد الخارجي ثمة تحولات نوعية مهمة، وكبيرة، قد يتوقف بناء عليها مصير النظام والثورة السوريَين، أو مصير الصراع السوري برمته، وهو ما يتمثل، أولاً، في ظهور التباين بين الأجندتين الروسية والإيرانية، معطوفاً على تضاؤل نفوذ إيران في الصراع السوري لمصلحة روسيا. وثانياً، بتزايد التوافق والتنسيق الروسي - التركي، على حساب إيران، أيضاً، مع ما يعنيه ذلك من وضع حد للتدخل العسكري الروسي لمصلحة النظام، أو على الأقل التخفيف منه. وثالثاً، دخول الولايات المتحدة الأميركية في عهد الإدارة الجديدة على خط الصراع السوري، على خلاف عهد الإدارة المنصرفة، سواء بتهديدها إيران، وتصريحها عن اعتزامها تحجيم نفوذ طهران في المنطقة، وفي شأن تصريحاتها العلنية بخصوص عدم التوافق أو عدم الرضا عن سياسة روسيا في سورية، كما بتلويحها بإمكان تنظيم مناطق آمنة في سورية (وفق تصريحات الرئيس الجديد دونالد ترامب)، ما يعني عودة التقارب بينها وبين تركيا.

في كل الأحوال، فإن هذه التحولات تفيد بإمكان تغير المعادلات الدولية والإقليمية المتعلقة بالصراع السوري، أو بالصراع على سورية، ولعل هذا ما يمكن ملاحظته من تغير الأجندة الروسية بتخفيف ضغطها العسكري (الجوي) على فصائل المعارضة العسكرية، ووضع ثقلها وراء الحل السياسي التفاوضي، وطرحها مشروع دستور، واستعجالها توليف تشكيلة جديدة للوفد المفاوض، وهي المحاولة التي لم تنجح، على ما تبين من فشل اجتماع موسكو، الذي عقد بعد مؤتمر آستانة.

كما يتجلى ذلك بقبول معظم فصائل المعارضة الدور الروسي الجديد توخياً منها للاستثمار في التغير الحاصل لمصلحتها، ولمصلحة تركيا، وأيضاً من أجل تحجيم نفوذ إيران في سورية.

بيد أن كل التحولات المذكورة ستظل رهناً بعوامل أخرى لم يجر بعد تبين مداها، أو مفاعيلها، وهذه تتمثل أولاً في مدى حسم الإدارة الأميركية الجديدة مواقفها إن في شأن مناطق آمنة، أو بخصوص علاقتها بالمعارضة السورية، كما في شأن التدخل بالطريقة المناسبة، بوسائل الضغط السياسي أو العسكري، لإنهاء الصراع السوري. ثانياً، هذا سيتعلق بطبيعة رد الفعل الإيراني على التحولات في الموقفين الأميركي والروسي، لا سيما أن لهذه الدولة وجوداً ميدانياً، أي عسكرياً، في سورية، كما في العراق ولبنان. ثالثاً، يبقى السؤال هنا مشرعاً في شأن حقيقة توجهات روسيا، وما إذا كانت تعتزم حقاً طرح استراتيجية خروج من الصراع السوري قبل التورط في مواجهات غير محسوبة مع الإدارة الأميركية الجديدة، أو إنها لا تبالي بذلك، سعياً منها لإجراء مساومات مع هذه الإدارة في ملفات أخرى عالقة (أوكرانيا، الدرع الصاروخي، الحظر التكنولوجي، أسعار النفط). ورابعها، يتعلق بالمعارضة السورية، بكياناتها السياسية والعسكرية، إذ من غير المعقول بقاؤها على النحو الذي هي عليه، ببناها وخطاباتها وأشكال عملها، وبتشتتها، وارتهان ارادتها، وبالفجوة بينها وبين مجتمعات السوريين في الداخل والخارج.

الفكرة هنا أن المعارضة معنية بإعادة تنظيم أحوالها وترشيد خطاباتها، والارتقاء بأشكال عملها لمواجهة الاستحقاقات والتحديات المقبلة، لأنه من دون ذلك لن يستطيع السوريون الاستثمار في التحولات المرتقبة، والبناء عليها، وبخاصة أن النظام يبدو كجبهة موحدة، وينتهج استراتيجية واضحة وخطابات متماسكة، في حين تبدو المعارضة على خلاف ذلك.

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٧
الخليج وإيران... الحوار الواقعي أم الصراع الضروري؟!

لا مِراء في أن الحوار والتفاوض السياسي بين الدول جزء أساسي من العمل الدبلوماسي، والسياسات والاتفاقيات بُنيت لتكون ثمرة لورش الحوار، ونتيجة الجلوس على الطاولة والتفاهم، لكن المشكلة ليست في امتثال الحوار قيمةً بين الدول المختلفة، بل في كون الحوار ضمن النهج المتبع سياسيًا أم لا، لدى الضفة الأخرى!

رسالة أمير الكويت، لإيران، التي حملها وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد، تتعلق بالحوار والعلاقة بين دول الخليج وإيران، الرسالة كانت حكيمة وواضحة، خلاصتها «أن العلاقات بين إيران والخليج، يجب أن تكون مبنية على ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ القانون الدولي الخاص بالعلاقة بين الدول، إننا شركاء في المنطقة، ولدينا مصالح مشتركة وإمكانيات كثيرة، والحوار وتطبيع العلاقات سيعودان بالمنفعة على الجانبين».

الرئيس الإيراني روحاني، رحب بهذه المبادرة، واعتبرها خطوةً إيجابية لتحسين العلاقات، كل ذلك حسن وسائغ، ويفتح كوةً على جدار صلب، غير أن المثل شيء، والواقع له حيثياته الأخرى. لنتذكر شهادة رفسنجاني نفسه، وهو جزء من تأسيس النظام الإيراني، وعرّاب وصول خامنئي إلى سدة منصب المرشد وهو يتحدث عن «نكث النظام الإيراني بالاتفاق الذي أبرمه مع السعودية»، وذلك عبر التدخلات السافرة في شؤون الخليج الداخلية. هناك امتناع من النظام الإيراني عن محاورة خصومه من الإيرانيين في الداخل الذين يقضون أحكامًا جائرةً بالإقامة الجبرية، أو السجن والاعتقال، يحدث هذا مع مختلفين مرموقين مع النظام مثل الرئيس السابق محمد خاتمي، أو بعض أحفاد الخميني، وورثة رفسنجاني، هذه هي العقلية التي تدار بها الأمور داخل البلاد، فكيف يمكن للآخرين توقع ردات فعلٍ أو خطواتٍ تذهب بعيدًا باتجاه الحوار وضبط التدخل، واحترام سيادة الدول؟!

نعم هناك أصوات أقل جنونًا، أو قل «عاقلةً» في إيران، استطاعت دول الخليج التعامل معهم بنجاح مثل محمد خاتمي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، وسواهما، لكن هذه أطياف لا تشكل لونًا فارقًا على لوحة إيران الدموية!

ما يفقده النظام الإيراني هو الواقعية السياسية، لهذا امتاز رفسنجاني عن نجاد وروحاني، وفي مقابلة موقع «جماران» مع غلام علي رجائي، مستشار رفسنجاني يقول عنه: «كان يحظى بميزتين؛ الأولى نظرته الواسعة، فمثلاً عندما كان يقترح حلاً لمشكلات العالم الإسلامي، كان يعرف الواقع الشيعي والسني، فإذا دعا للتقارب والتفاهم مع أهل السنة كانت دعوته على أساس اعتبارهم أشقاء أولاً، وأن الشيعة أقلية في العالم الإسلامي من ناحية العدد ثانيًا. إن رفسنجاني كان واقعيًا، فمن هذا المنطلق استجاب الملك عبد الله بن عبد العزيز لدعوته، وكان يكرر دائمًا أننا توصلنا إلى اتفاقات مع الملك عبد الله، وشكلنا لجانًا لكل المشكلات في المنطقة والعالم الإسلامي من قبل القدس ولبنان والعراق ومناطق أخرى، لكن أحمدي نجاد تخلى عن تلك الاتفاقات المهمة كافة».

الخطابات السياسية التي يدلي بها الساسة والدبلوماسيون في القمم الدولية، تتسم غالبًا بالبراغماتية وتوجه إلى الغرب أكثر من كونها متضمنةً رسائل لدول الجوار، لكن العمل العسكري عبر الحرس الثوري يعبر عن سياسة إيران الحقيقية، وعن مشروعها في تصدير الثورة، أما الخطاب السياسي الهادئ كما يجسده وزير الخارجية ظريف، فإنه قشرة لينة على قنبلة قاتلة!

الحوار مع إيران من حيث الفكرة، هو جزء من العمل السياسي لأي دولتين جارتين في العالم، هذا من حيث الفكرة والشكل، لكن على الأرض والواقع، وبقياس الإمكانات والاحتمالات، فإن نجاحه صعب للغاية، لأن أنياب إيران غرست باليمن ولبنان وسوريا والعراق، وأججت للطائفية وقتل الآخرين على الهوية، وعودتها لتكون إيران خاتمي، أو رفسنجاني، تلك المراحل العابرة سريعًا لن يكون أمرًا سهلاً، بل أراه شبه مستحيل في المرحلة الحالية، والملك سلمان حدد سياسة السعودية، وماذا يجب على دول الجوار احترامه، وذلك بـ«الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، بما في ذلك احترام مبدأ السيادة، ورفض أي محاولة للتدخل في شؤوننا الداخلية»، تلك خلاصة سياسة السعودية، دولة الاعتدال.

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٧
الديموقراطية والتنوير والحداثة

ازدادت في الفترات الأخيرة عملية تفكيك وتهشيم المجتمع السوري بحيث جعلت منه حالة مصدعة على نحو شمولي مأساوي، وراح الأمر يبدو وكأنه غدا مع سوريا ريحاً صرصراً لم يترك إلا الخراب والآلام، إضافة إلى شكوك سوداء في القدرة على إعادة البناء، ولكن إرادة الشعب السوري على هذا الأخير هي الرهان الذي يبرز بقوة، رغم كل شك وتشكيك في ذلك. وفي هذا وذاك تبرز النواظم لهذه الإرادة، على رغم ما قد يبرز من سلبيات، ولا شك أن إنجاز ذلك مجتمعاً سينتج ما سيكون البدايات الناظمة لإعادة الأيقونة العظمى إلى ألقها.

وإذا قلنا إن تحقيق هذه المهمة يمثل واجباً وجودياً وأخلاقياً وإنسانياً، على الجميع أن يشارك في إنجازه، فإنما نعني أن على هؤلاء جميعاً المشاركة في ذلك انطلاقاً من واقعين اثنين، أولهما المشاركة المادية، العسكرية والاقتصادية والجغرافية الطوبوغرافية.. إلخ، كما يتبلور في المسؤولية الأخلاقية والسياسية حيال الصمت المريب والمؤلم الذي أبداه الآخرون في العالم، حين أظهروا عجزاً فاضحاً في الصمت على قتل الأطفال، وعلى استباحة النساء بشكل فاحش مُريب إلى حد الثمالة. وذلك كله لا يعوضه إلا استعادة العافية البيولوجية والإنسانية والأخلاقية التاريخية للشعب السوري الذي قدم ما نراه في ملحمة الخلاص والكرامة.

إن هذا الحدث السوري الفائق الدلالة بالنسبة إلى ما مر بشعوب العالم الأخرى لن نسدد الدَّين التاريخي المترتب عليه، إلا إذا وُفقنا في ضبط عناصر إرادة البناء، كما في وضعها الموضع المناسب من التراكمات التاريخية السورية الفائقة في وجودها البشري المديد، وسيبقى طويلاً الصدى السوري في التاريخ، الماضي كما القادم، بأعظم ما قدمه شعبه، للكرامة البشرية، ورفعها إلى الفرادة أو قريباً منها في التاريخ.

وقد يكون هذا السؤال وارداً في هذا المنعطف التاريخي: ما الذي أفضى إليه الصراع السوري، وهل ما أفضى قابل للحل؟ ألم يكن الصراع السوري فريداً في التاريخ، بل هو صيغة من الصراع الذي ينشب حين يقف طرف من هذا الصراع في وجه التاريخ، حركة وتجدداً وتغييراً، بل وتثويراً إذا اقتضى الأمر، أي إذا خرج فريق من الناس الحاكمين، وعبر عن ذلك بالتمادي في ردود الفعل لإيقاف عجلة التغيير في بلد ما، وجعل هذه الرغبة كأنها خارج التاريخ، ومن هنا كان الوعي التاريخي لبعض ذوي السلطة والرأي غير ذي حكمة، حين يرفضون النظر إلى دواعي التاريخ، وأحياناً خاصة لضروراته! والمأساة تنساح أمام الشعب حين يواجه بالسلاح بدلاً من الإقرار بواقع الحال والعمل بمقتضى الضرورات التاريخية، فالوعي بهذه الأخيرة، وبالاستجابة لها، من علامات النمو الحضاري والوعي الوطني بالمعنى البسيط المباشر. وغياب ذلك يترتب عليه الوقوع في أخطاء تمتد مع الزمن بكل الاعتبارات والدلالات، ومن ثم، ها هنا تظهر إرادة الاستجابة الواعية للأحداث، وهذا من طبائع الأمور وأمهاتها، ومن ثم فليس من العيب الاستجابة لدعوة التغيير، حين تلعلع في السماء بصوتها الحكيم، مع الاستجابة المتواضعة الأمينة، بل بتقديم هذه الاستجابة محشوة بالرموز والدلالات التي عليها أن تقربها وتعلن ضرورة التبشير بها، وفق استجابة عقلانية وتواضع بشري تاريخي.

ومصطلح «الديموقراطية» قد يكون هنا ذا أهمية كبيرة تمتد إلى كل المصطلحات المعنية في هذا الحقل، وربما كذلك لغيرها مثل الحداثة والتنوير وإعادة البناء، إضافة إلى مفهومي الوطنية والقومية والنهضة.. إلخ، مع العلمانية والمجتمع المدني. وسنتوقف في منعطف دقيق وذي حساسية بالنسبة إلى موضوعنا، ونعني مركّب مفاهيم العلمانية والديموقراطية والمجتمع المدني، فليس بعيداً عن الاحتمال أن كل تلك المفاهيم الثلاثة تلتقي بصيغة أو بدلالة ما تشير إلى ما يربط بينها.

وقد نشأ مفهوم العلمانية في أوروبا وترك بصمات مشددة على علاقته بكل الحياة الأوروبية، فالكل ها هنا غدا النظر إليه بمثابة البصمة الرئيسة: أن تكون العلمانية موقفاً صارماً من الحياة، فهنا نغدو أمام حقلين من الحياة، الحياة الدينية والأخرى «اللادينية» المدنية في السياسة والمجتمع والثقافة الجديدة، وأخيراً حصرنا ذينك الحقلين كلاً في فسحة تعزله عن الآخر.

اقرأ المزيد
٣١ يناير ٢٠١٧
الخميني كما يدعون : "روح الله" التي عادت

تعيش ايران هذه الأيام حالة من الهياج العاطفي و الجنون الحزني على مؤسس دولتهم ، في ذكرى عودته من منفاه المشبوه ، التي بناها و أسسها الخميني قبل ٣٧ عاماً ، و مات بعد تأسسيها بثمان سنوات ، تاركاً إرثاً سلبياً على كاهل الإسلام و كل ما يحيط بالمنطقة .

الخميني الذي يعتبره الشيعة مرسال الإمام المهدي المختفي ، و صاحب القرار و الأمر و النهي ، فهو في مرتبة الرسول الأعظم لما يقولون عنه "صاحب الزمان" و بلغتهم "ولي العصر" ، خاض سلسلة من الاتفاقيات و الصفقات حتى وصل إلى سدة الحكم و أنهى حكم "الشاهنشاهي" .

الخميني الذي نظّم و أسس لدولة بوليسية غاية في التعقيد وضعها في قالب اسلامي ليضمن الهالة لها ، و نشر الرعب و الخشية ، أن أي مخالفة لها هي مخالفة لإرادة الله و"بقية" آل البيت على الأرض ، ألا وهو "المهدي" ، دولة قامت على أهداف و مشاريع استعادة أمجاد الفارسية ، بصبغة دينية ، و لباس شرعي ، و تأييد إلهي ، فهو مندوب المهدي .. ولي أمر المسلمين ، مؤسس جيش محمد ، مساند فعال لمواجهة الظلم ، و لكن على أن يكون تحت هذه الراية و الشعارات والخطب ، ما يعيد أمجاد الإمبراطورية الفارسية و الإنتقام من الحضارات أجمع و على رأسهم الحضارة العربية الإسلامية .

فالمشكلة التي تعيش إيران لإنهائها هي مشكلة حضارية بحتة ، و من عاش و عايش الفرس عموماً و الإيرانيين على وجه الخصوص ، سيلمس بشكل جلّي الحقد الدفين على العرب في أشعارهم و أقوالهم و مبادئهم ، فالعرب هم "آكلي الجراد" لا يحق لهم السيطرة أو التفرد أو التطور ، فكيف و حطموا أمجادهم و أنهموا أساطيرهم .

هذه الرؤية التي جمعت و تحجمع إيران مع الغرب و كل من يعادي العرب ...

ايران التي تقوم على نظام "ثيوقراطي" تعمل بكل ما أوتيت لكي تعيد وجودها المنفرد بالمنطقة ، و التفرد فعلته من خلال تعزيز المذهب الشيعي الإثني عشري ، و تفردها بدعمه و إدارة شؤونه ، كونه مذهب يقوم على أسس الطاعة و الولاء المطلق للمراجع الدينية ، و يرفض أي اختلاف أو تخالف مع الغير ، و يجعل من رجال الدين (تجار الدين) هم همزة الوصل بين العبد و الله على مبدأ "درجة درجة حتى تلتقي مع الله " و هم أولى و اهم هذه الدرجات .

الخميني هو لغز و عنصر فعال في التمدد الإيراني الحالي ، لذا يدأب الإيرانيون على إضفاء كامل هالات القدسية و التقديس ، و اعطاء قيمة لمحبته و السير على خُطاه كتلك التي يتعرض لها الإنسان يوم القيامة فهو "روح الله" ، و يملك مفاتيح الجنة ، و يرسم طرق الخلاص .

إيران القائمة على مبادئ التأليه و الرسولية المستمرة بعد سيد الخلق "محمد صل الله عليه و سلم" لم و لن تصل إلى مبتغاها ، فما قام على باطل فالبطلان مصيره .

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٧
سيموت بشار ولو بعد حين

انتشرت في السنوات القليلة الماضية، وخصوصا في 2016، مقالات وآراء عديدة تقارن بين ما يجري في سورية اليوم وما جرى قبل ثمانين عاماً تقريبا في إسبانيا، على خلفية الانقلاب العسكري العنيف الذي قامت به عناصر من الجيش الإسباني بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو ضد حكومة الجبهة الشعبية اليسارية المنتخبة في مدريد.

تقوم معظم المقارنات على التشابه في عامل التدخل الخارجي لصالح فرانكو، وتخلي الدول الداعمة للديمقراطية عن الجمهوريين، بشكل مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى، وهو ما حصل، بطريقةٍ أو بأخرى، مع النظام السوري والمعارضة الشعبية له، حيث تُركت الأخيرة لتدخل دوامة التخبط وحيدةً في مواجهة نظام دموي مدعوم مادياً بشكل رئيسي من إيران، وعسكرياً من إيران وروسيا. بينما وُعدت المعارضة بالدعم الذي لم يأت، أو أنه قُنن واستُخدم للتلاعب بكل مجريات الأمور على الأرض، بما يخدم حالة الاستعصاء العسكرية لمرحلة طويلة، والتي ستنتهي، على ما يبدو، بفوز عسكري للنظام، وهو ما لن يستطع، كما كانت الحال في إسبانيا بعد فوز فرانكو، أن يقتل روح الثورة التي ستعاود الاشتعال بأشكال مختلفة لتعيد إلى سورية حريتها، ولو بعد حين.

فعلى الرغم من فوز فرانكو العسكري عام 1939، بعد عامين من المعارك المشرّفة التي خاضها الجمهوريون دفاعا عن الديمقراطية، وعلى الرغم من تعرّض جزء كبير من الشعب الإسباني للنزوح والتشرد بعد الهروب من بلادهم، وتعرّض الآلاف للإعدامات الميدانية، وغالبيتهم من النخب الثقافية والسياسية المناوئة لفرانكو، وعلى الرغم أيضا من القمع الوحشي والدكتاتورية المطلقة اللذيْن حكم بهما فرانكو إسبانيا حوالي 36 عاما حتى تاريخ وفاته، على الرغم من ذلك كله، استطاعت جيوب المقاومة السرية أن تقلق عرش فرانكو طويلا، وأن توجه له ضربةً قاضيةً باغتيال لويس كاريرو بلانكو، مساعد فرانكو الأوثق ووريثه المحتمل في الوصاية على رئاسة الدولة. وهو ما يُعد حدثا مفصليا في تاريخ إسبانيا، لأنه أسقط حلم فرانكو في استمرار حكمه من بعده.

لا مجال هنا للدخول في تفاصيل الأحداث. لكن، يمكننا أن نقول بشكل عام إن كل تلك الوحشية والقمع و"الانتصارات" العسكرية التي سلمت فرانكو العرش، وأبقته فيه، لم تستطع أن تمنع إسبانيا من النهوض دفعةً واحدةً، وكالمارد من تحت الرماد، ما إن مات الدكتاتور، وذلك لم يكن ليكون لولا تذوّق الشعب الإسباني طعم الحرية والديمقراطية، وقتاله دفاعا عنها، وتقديمه ثمنها كاملا قبل حكم الطاغية وفي أثنائه.

كان العالم يعرف أنه يسلم إسبانيا للدكتاتورية المجرمة، كما يعرف العالم نفسه اليوم أنه يسلم سورية لدكتاتوريةٍ قد تكون أسوأ وأقسى وأكثر إجراما. أما الشعوب فكانت، ولا تزال، تعرف أن التاريخ لا يمكن أن يعود إلى الوراء، وأن الثورات لا تُهزم، حتى وإن أسكت الرصاص أصواتها إلى حين.

لم تهزم الثورة السورية ولن تموت، فقد انتصرت حين كسرت جدران الصمت وقيود الفكر. انتصرت حين قالت للطاغية إنه الدكتاتور الأخير على هذه الأرض، حين عّرته تماما أمام نفسه، وأمام العالم المشيح بوجهه اليوم، كي لا يعترف بهزيمته الأخلاقية والإنسانية. انتصرت حين أجبرت كل سوري على الوقوف أمام المرآة عارياً، إلا من إنسانيته، وحين أمادت الأرض السورية لتخرج كل الغث من باطنها، سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ثم جرفتهم جميعا إلى الهاوية.

حتى وإن "انتصر" نظام الأسد عسكريا في هذه الجولة، فإنه مهزومٌ حتى الصميم، ومنخور بالسوس الذي سيأكله سريعا.

بشار الأسد هو الطاغية الأخير على أرض سورية، حتى وإن اجتمعت لدعمه كل أهل الأرض، وأجبرتنا، نحن السوريين، على الضغط على الجراح سنوات أخرى، سنعمل خلالها على إعمار ذواتنا المهشّمة المجروحة والتخطيط الصحيح ليومٍ سيأتي لا محالة، تحمل شمسه فجراً جديداً لسورية، حتى وإن كنا سننتظر حتى يموت الطاغية.. وهو ما تقوله شائعات اليوم.

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٧
حلب آخر معارك روسيا بانتظار قمة بوتين - ترامب

تكرّر موسكو أن لا حل عسكرياً لأزمة سورية. وتقود منذ تدخلها العسكري خريف 2015، نشاطاً ديبلوماسياً لا يكل ولا يمل لإبرام حل سياسي. لكن هذا الحل يبدو أيضاً معضلة، إن لم نقل مستحيلاً. فلا هي قادرة على فرضه بالقوة. ولا هي على سكة واحدة مع اللاعبين الآخرين والمتصارعين على بلاد الشام. اجتماع آستانة الأخير لم يفشل، لكنه لم ينجح وقد لا ينجح إذا ظل المعنيون بالحل على مواقفهم. تقدم الكرملين خطوة باتجاه الفصائل المسلحة التي حضرت الاجتماع ووافقت على وقف النار. لكنه لم يستطع إقناعها ولن يستطيع، لا هو ولا الآخرون بدفعها إلى القبول ببقاء الرئيس بشار الأسد، حتى وإن قبلت بإعادة تأهيل النظام مع تعديلات معقولة نصت عليها مسودة «روسية» للدستور السوري الجديد. لا يجرؤ فصيل سياسي أو عسكري على القبول بما تقدمه روسيا بعد كل هذه التضحيات، حتى وإن سكتت تركيا، أحد الأطراف الثلاثة الضامنة الهدنة. وهي سكتت بالفعل وقبلت على مضض ألا يتضمن بيان العاصمة الكازاخية أي إشارة إلى إعلان جنيف الأول وإعلانات فيينا. صحيح أن القرار الدولي 2254 الذي لحظه البيان الثلاثي الروسي - الإيراني - التركي يتضمن إشارة إلى إعلان جنيف. إلا أن الواضح أن موسكو تستهدف منذ استئثارها بالدور البارز في إدارة الأزمة، إلغاء كل ما سبق، وإرساء قواعد ومفاهيم وعناصر جديدة للتسوية. لذلك، أعلن وزير الخارجية سيرغي لافروف تأجيل مفاوضات جنيف، مفضلاً أن تتحول آستانة مقراً لأي مفاوضات بديلاً من المدينة السويسرية.

لا شك في أن موسكو حققت في آستانة خطوة متقدمة على طريق استثمار تدخلها العسكري، خصوصاً في حلب أخيراً. ولم يشر البيان الثلاثي إلى إعلان جنيف الذي بات كتاباً «مقدساً» للمعارضة. لذا، لم يوقع ممثلو الفصائل على البيان، وكذلك فعل النظام. وهنا المعضلة في الحل الذي يبحث عنه الرئيس فلاديمير بوتين. لا شك في جدية بحثه عن الحل. لكن عقبات كبيرة تعترضه. أولها موقف إيران والنظام في دمشق. وليس سراً استياؤه من موقف هذين الحليفين. وصور الخلاف بين موسكو وطهران لا تحتاج إلى تظهير، منذ بداية التدخل العسكري الروسي. لم يصل الأمر إلى حد القطيعة وقد لا يصل بانتظار ما ستسفر عنه القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب ونظيره بوتين. ولكن، حتى هذه قد تفاقم العقبات. سيد البيت الأبيض لن يحمل إلى القمة المرتقبة في الربيع المقبل ملف سورية وحده. سيضع في جعبته كل الملفات موضوع الخلاف من أوكرانيا إلى إيران مروراً بسورية وغيرها. يعني ذلك أن اللقاء بين الزعيمين قد يثمر أو لا يثمر صفقة كاملة. بالطبع ما يأمل به المعنيون بسورية، خصوصاً أطياف المعارضة بكل أجنحتها، ألا يكتفي الزعيمان بالتفاهم على محاربة «داعش» وما شاكل، بل أن تنضم واشنطن إلى الجهود الثنائية الروسية - التركية لترتيب حل مُرضٍ يرفع اليد الثقيلة للجمهورية الإسلامية عن دمشق. ويحبط استراتيجيتها في بلاد الشام، مقدمة أيضاً لانضمام أطراف أخرى، مثل دول الخليج، إلى رسم مستقبل سورية. وما لم يحصل مثل هذا التفاهم الدولي - الإقليمي الواسع ستظل التسوية معضلة تماماً كما الحسم العسكري المستحيل. ويصعب الآن التنبؤ بموقف الإدارة الأميركية الجديدة حيال الأزمة في بلاد الشام. وإشارة ترامب إلى تأخير رفع العقوبات التي فرضها سلفه على روسيا، ودعوته أركان فريقه إلى البحث عن إقامة ملاذات آمنة في سورية، لا تؤشران إلى سهولة التفاهم بين الكرملين والبيت الأبيض في القمة الموعودة.

المعارضة السورية تلقت ضربات قاصمة بعد حلب. لكنها ليست في وارد التسليم ببقاء الرئيس الأسد. لن تعول على مدها بسلاح نوعي يعيد شيئاً من التوازن على الأرض. لكن القضاء عليها بالكامل شبه مستحيل والحسم الميداني ليس في أجندة القوات الروسية لاعتبارات كثيرة. تحسب موسكو ألف حساب لحضور إيران واستراتيجيتها وقدرتها على التأثير في موقف الرئيس الأسد. ولعل الرئيس بوتين ليس واثقاً في قدرته على تنفيذ أي التزام بتنحية الأسد إذا اقتضت صفقة كبرى ترحيله. استثمرت طهران الكثير في سورية وقدمت الرجال والمال. ومارست أخيراً ضغوطاً واسعة على دمشق وأوقفت إمدادها بالنفط وتقديمات أخرى لنحو شهرين إلى أن حصلت على عوائد ضخمة لتدخلها وميليشياتها. وضعت يدها باتفاقات رسمية على مناجم الفوسفات، وعلى مساحات واعدة للتنقيب عن النفط كانت من نصيب الشركة السورية للنفط. ونالت ترخيصاً ثالثاً لتشغيل الهاتف الخليوي. وكانت تضغط بلا جدوى للحصول على موقع في مرفأ اللاذقية. وهذا هو العنصر الأهم في استراتيجيتها. وللحقيقة أن الأسد استطاع حتى الآن التملص من هذا المطلب.

الإمساك بموقع على الساحل السوري هدف رئيسي لإيران، يضعها في مواجهة مكشوفة مع روسيا وتركيا أيضاً. ليس سراً أن الجمهورية الإسلامية تريد، بتحركها العسكري وبناء جيوش رديفة من الميليشيات التابعة لها، استكمال وضع يدها على سورية ولبنان كما هي الحال في العراق. وتقضي خطتها الاعتماد على «الحشد الشعبي» وباقي الميليشيات لبناء جسر كبير يمتد من حدودها إلى أرض الرافدين فبلاد الشام مخترقاً المثلث السنّي الكبير بين هذين البلدين حتى الوصول إلى الساحل. يضمن لها هذا بناء خط لتصدير الغاز إلى أوروبا والغرب عموماً. مثلما يضمن لها تحقيق هدف آخر هو التواصل البري الآمن مع حلفائها في لبنان. هكذا، تستكمل عناصر أساسية من سياستها، وترسخ حضورها أو ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي في المشرق العربي. ولا يخفى أن هذه الأهداف تصطدم بسياسة روسيا التي سعت من الساحة السورية بعد الأوكرانية إلى توكيد قوتها دولة عظمى. وقد طوت صفحة خلافاتها مع تركيا من أجل ضمان التعاون معها في بناء خط مماثل لتصدير الغاز عبر القناة التركية لتظل تتحكم بمصادر الطاقة إلى أوروبا عموماً. فهي تدرك أن الاقتصاد هو عماد قوتها إلى جانب قواها العسكرية. إضافة إلى رغبتها في التعاون مع الدول الخليجية لأهداف تتعلق بالطاقة أيضاً، ولحرصها على عدم ترسيخ صورتها عدواً للعالم السنّي والعربي عموماً.

الجبهات المشتعلة الآن ترسم مشهداً يعكس سياسات الأطراف المعنية. هناك جبهتا تدمر ودمشق وجبهتا الباب وإدلب. الواضح أولاً أن حلب ربما كانت آخر المعارك الروسية، بانتظار الصفقة الكبرى مع الولايات المتحدة. فالواضح أن القوة الروسية التي أعادت حلب إلى حضن النظام قادرة على استعادة تدمر، وقادرة على إلقاء ثقلها الكامل لفك الحصار الذي يضربه «داعش» على بضعة آلاف من جنود النظام في دير الزور. بل قادرة أيضاً على المساهمة الفعالة لتغيير ميزان القوى في إدلب وريفها. فلماذا هذا الإحجام؟ الواضح أيضاً أن قوات النظام وحليفته إيران وميليشياتها تركز على إدلب بدلاً من تدمر لقطع الطريق على النفوذ التركي شمالاً فلا يكون قوة موازية للحضور الإيراني، ولتوجيه ضربة إلى تفاهم موسكو - أنقرة. ويتناسى رأس النظام في دمشق ما قد يحل بالآلاف من جنوده المحاصرين في دير الزور. لعله لا يزال مأخوذاً بنشوة «النصر» الحلبي. أو لعله، إذا وقعت الواقعة، يشحذ آلته الدعائية حيال الغرب بدماء هؤلاء الجنود «ضحايا تنظيم الدولة» كما فعل ويفعل. والإشكال الذي يتحكم بالصراع الخفي بين روسيا والجمهورية الإسلامية أن الأولى تعي مدى حاجتها إلى قوات برية تساعد طيرانها العسكري في تحقيق «إنجازات» على الأرض. بينما تعي الثانية مدى حاجتها إلى القوة الجوية الروسية في الحرب الدائرة. وخير دليل ما حصل في تدمر حيث استأثر الرئيس بوتين بالاحتفال بالنصر، وأصر على إخراج الميليشيات من المدينة. مع أنه يعرف سلفاً أن القوات النظامية السورية لا يمكنها القتال في جبهات عدة. ولا يمكنها وحيدة الحفاظ على ما يتحقق على الأرض. والسؤال اليوم هل لإحجام الكرملين عن الانخراط الحاسم في معارك إدلب وتدمر ودير الزور علاقة بفرملة المشروع الإيراني؟

لا شك في أن الرئيس بوتين لن يجازف في خسارة حليفه الآخر، تركيا التي وقعت على مضض على بيان آستانة، وعدلت خطابها حيال بقاء الرئيس الأسد، من باب الحرص على تفاهمها مع روسيا. وهي تأمل بأن تبدل إدارة ترامب في سياسة أميركا حيال الملاذات الآمنة، لعلها ترتاح من خطر الإرهاب الذي يجتاح مدنها، وترتاح من عبء ملايين اللاجئين ومشاكلهم المرافقة. كما أن بوتين بتفاهمه الواضح مع إسرائيل يعي الإشكالية التي تواجه تل أبيب. فهي تتمسك من جهة ببقاء الأسد خوفاً من رحيلٍ يودي إلى نموذج ليبي ومرابطة قوى متشددة على حدودها الشمالية. ومن جهة أخرى تخشى أيضاً مرابطة إيران وميليشياتها المتحالفة مع النظام على حدود الجولان... يبقى أن سورية قد لا تحتمل استمرار الحرب لسنة أخرى لن توفر البقية الباقية من معالمها بشراً وحجراً. وعند ذلك يسهل تحويل بلاد الشام عراقاً آخر!

اقرأ المزيد
٣٠ يناير ٢٠١٧
مجدّداً في عهدة شبابها

من حسنات ما ترتّب على هزيمة حلب المرعبة ما نشاهده اليوم من تجدّد لدور الشباب السوري في الثورة. وكما أخذت فاعلية الشباب، في بدايات الثورة، شكل حراكٍ سلميٍّ ومجتمعيٍّ واسع ويومي، تستعيد أنشطتهم المتجدّدة في كل مكان ذكريات ذلك الحراك، وإن كانت لم تبلغ بعد المستوى الذي كان لها في مطالع الانتفاضة الاجتماعية/ السياسية الكبرى لعام 2011، التي بلغت، في فترة قصيرة، مستوىً ندر أن عرفته ثورةٌ سبقتها.

والآن، هل يمكننا القول بثقة: هزيمة التعسكر المتمذهب في حلب ستضع الثورة من جديد في عهدة حراكٍ يقوم به شبانها، إناثاً وذكورا؟ سيلاحظ متابع أنشطة المواطنين عامة، والشباب خصوصاً، عودة كتلٍ كبيرة من الشباب إلى مسرح الأحداث في مناطق سيطرة التنظيمات المسلحة، وسيلمس ارتباط الثورة المتجدّد بشبابها: الجهة التي لعبت الدور الأهم في انطلاقتها، وزوّدتها بشعاراتٍ ومطالب جعلت منها ثورة "حرية وسلمية للشعب السوري الواحد"، تنبذ الطائفية والتفرقة والتمييز والصراع والاقتتال بين السوريين، وتنشد مخرجاً سياسياً، يحرّرهم من الاستبداد، يجعل العدالة والمساواة نعمةً، ينالها كل مواطن، بعد الانعتاق من عبوديته للأسدية والتنعم بالحرية التي سيأتيه بها من ضحّوا بحياتهم في سبيلها.

لكن عودة الشباب إلى الثورة، والثورة إلى الشباب، لن تكتمل من دون استعادة مشروعها الحر الذي انطلق منهم، ويتطلب استئنافه انغماسهم فيه واستئنافه من جوانبه السياسية والميدانية والتنظيمية والفكرية كافة، وإزالة نواقصه التي حال دون نجاحهم في التخلص منها قمع نظام الأسد، وقتل عشرات الآلاف منهم، خلال حله القمعي/ العسكري الذي أزاحهم عن قيادة الحراك المجتمعي، ومنعهم من بلورة رؤيةٍ متكاملة لثورتهم. من هنا، يرتبط استئناف الثورة بتصميم الشباب على تجديدها، وتحريرها من التعسكر والتمذهب، وقيادتها في المنافي والمخيمات وداخل الوطن، واستعادة طابعها السلمي وحامله العظيم: مجتمع سورية الأهلي، ضحية التمذهب الذي قوّض دوره الوطني في معظم المناطق السورية، وتكاملت أفعاله وخططه مع أفعال نظام الأسد وخططه ضد الشباب وقطاعات المجتمع المدنية والحديثة التي دمرت الوحدة التي صنعت الثورة بين قطاعي المجتمع الحديث والأهلي، وسيرتبط تجدّدها من الآن بالشباب وقيادتهم حراك هذين القطاعين الثوري.

هل فات وقت تحقيق ذلك؟ كلا، لأسبابٍ عديدة، منها أن دوران الثورة، منذ أعوام، داخل حلقة مفرغة يرجع، في قسمه الأكبر، إلى افتقارها لقيادة شبابية ثورية، ونجاح الأسدية في تفكيك وحدة قطاعي المجتمع الثوريين، المدني والأهلي، ومذهبة الثاني منهما، وتطييفه وتعسكره، وذهاب خطاب المعارضة السياسي، الناقص واللحاقي، في اتجاه، والأعمال العسكرية، العشوائية والخارجة على أي نهج سياسي يلبي مصالح الشعب ويعزّز وحدته، في اتجاه آخر. ولم يفت الوقت، لأن السوريين لن يخرجوا من الفوضى من دون سد (وإزالة) فجواتٍ وعيوبٍ عطلت انتصارهم، أهمها افتقارهم قيادة شبابية مدنية تمارس دورها الحاسم في حراكهم السياسي ومقاومتهم العسكرية، يحتم قيامها مسارعتهم إلى تنظيم صفوفهم داخل الوطن وخارجه، وتأسيس صلاتٍ مدروسةٍ ويومية بينهم، تجدّد الثورة السلمية/ المدنية، وتبلور صيغاً متجدّدة لحراك نضالي يراعي أوضاع سورية الحالية، ويبني خططه عليه، لاستعادة الشعب إلى الشارع، وجعل عودته إلى الوطن، وبلوغ حل سياسي يطبق قرارات جنيف حول رحيل الأسد على رأس مطالبه.

هل يستطيع الشباب إنجاز هذه المهام الكبيرة؟ نعم، إنهم أهل لها، ويستطيعون تحقيقها. تشجّعني على اعتقادي هذا أدوارهم المبدعة في الثورة السلمية أمس، وعودتهم إلى الشارع اليوم، وحماستهم التي لم تخمدها سنوات القتل والحرمان والتهجير والتعذيب، وحراكهم الثوري والوطني الذي لا بد أن تكون الأيام قد أنضجته، وخطابهم السياسي المعادي للطائفية والمذهبية، العائد بالحرية إلى مكانها الأصلي رافعةً للثورة، تكون بها ثورة حقيقية، أو لا تكون أبداً.

لن يتخلى السوريون عن ثورتهم، ما بقيت أجيالهم الشبابية منتمية إليها، وعازمة على بلوغ هدفها السامي: الحرية والعدالة والمساواة لشعبها الواحد، المضحّي، الذي يرفض اليوم في كل مكان بديل الديمقراطية الإرهابي، الأسدي من جهة والمتمذهب والمتعكسر من جهة أخرى، الذي لا مفرّ من أن يسقطه عدوهما، شباب سورية إناثا وذكوراً، انتقاما ممن خانوا الثورة، ونكّلوا بشعبها.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان