مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٤ أكتوبر ٢٠١٧
«عاصفة» ترامب ورد إيران «الساحق»

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس خطته الاستراتيجية الجديدة حول إيران.

الخطة، لم تكن «عاصفة»، كما سبق أن قال في وصفها، فهي لا تمزق الاتفاق النووي مع طهران (كما كان قد وعد خلال دعاياته الانتخابية كمرشح للرئاسة) بل تبقي عليه وتحوّله إلى مجلس النواب الأمريكي لإضافة شروط عليه، ولم يطلب ترامب من الكونغرس أن يعيد العقوبات المفروضة على طهران لأن ذلك كان يساوي إلغاء الاتفاق النووي أصلا.

وعلى عكس ما أشيع سابقا حول إمكانية إعلان ترامب الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية فإن الذي حصل هو إعلان الرئيس الأمريكي عقوبات إضافية تستهدف الحرس الثوري. لقد تغلّبت العقلانية على التطرّف، فحسب وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون نفسه فهناك «مخاطر وتعقيدات ترتبط بتصنيف جيش كامل لبلد ما» على أنه منظمة إرهابية. وبدلا من تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية ستتكفل وزارة المالية الأمريكية بإعلان بعض العقوبات عليه.

حسب ترامب، فالاتفاق النووي كان مليئا بالثغرات، وخطته تقوم على سحب مصادقته عليه كرئيس، لكن ترامب، من جهة أخرى، لم يطلب من الكونغرس فرض عقوبات سريعة على إيران، وهي خطوة تعني أنه غير قادر، عمليّاً، على الانسحاب المفاجئ من هكذا اتفاق، كما أنها تعني أن الرئيس المشاكس استمع إلى غالبية مستشاريه الذين نصحوه بعدم الانسحاب من الاتفاق.

خطاب ترامب تضمن أيضاً اتهامات لإيران بدعم أنشطة إرهابية وبتطوير برنامج الصواريخ الباليستية، وأن هذا التطوير على علاقة بالمشروع النووي الذي تنكر طهران أنها مهتمة بتحقيقه، بالإضافة إلى اتهام طهران بخلخلة الاستقرار في بلدان الشرق الأوسط عبر تعزيز نفوذها وإدارتها لأنشطة ميليشيات محلّية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، غير أن المطلوب فعليّاً، سيتعلّق بمحاولة تقييد برنامج الصواريخ الباليستية، وهو أمر، يبدو أن الأمريكيين والإيرانيين بدأوا العمل عليه فعليا.

ورغم عدم إظهار ترامب اكتراثا بالموقف الأوروبي المعارض لوقف الاتفاق النووي مع إيران فإن اتجاه القادة الأوروبيين يزداد لإعلان الاختلاف عن أجندة ترامب، فهناك قلق أوروبي واضح من أن يؤدي التشدد الأمريكي مع إيران إلى عودتها للعمل على صنع قنابل نووية، إضافة إلى أن هذا التوجّه المتشدد ضد إيران سيزيد موقف كوريا الشمالية تصلّباً ويبعدها عن طاولة المفاوضات.

المواقف الأمريكية العقلانية من إيران، لا يقف وراءها «لوبي» إيراني (رغم أن هذا اللوبي موجود) بل تستند إلى الحكمة المتولدة من الحصيلة المخيفة لكوارث التدخلات الأمريكية في المنطقة، وخصوصاً في العراق، الذي لم يكن يملك أسلحة نووية، ولا أسلحة دمار شامل، لكنّ إدارة جورج دبليو بوش، وفريق المحافظين الجدد الذي كان مسيطراً عليها، قرّروا زجّه عنوة في موضوع «الحرب على الإرهاب»، واستطاعوا بالفعل تدميره و»إعادته إلى العصر الحجري»، لكنّهم، من جهة أخرى، خسروا قرابة تريليون دولار، وأرواح آلاف الجنود، وحوّلوا مستقبل المنطقة العربية بأكملها إلى دمار شامل.

بعض الدول العربية التي ساهمت في التحريض ضد العراق تحرّض ضد إيران بالطريقة نفسها، وهي مفارقة غريبة، لأن مساهمة تلك الدول العربية في تدمير العراق هو الذي سمح بتحوّل إيران إلى قوة إقليمية عظمى وأمن لها استفرادها بالعراق.
وكما نزل ترامب عن الشجرة فلم يعلن «عاصفة» فإن إيران أيضاً نزلت بدورها ولم تعد مضطرة لـ»رد ساحق».

فهل تجد تلك الدول العربية طريقها للهبوط؟

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٧
الحرب إذا وقعت

وفق مقالة المعلق الإسرائيلي أليكس فيشمان قبل أيام في «يديعوت أحرونوت» إن الصراع الإيراني– الإسرائيلي في سورية ولبنان قد «بلغ نقطة اللاعودة». نهاية الأعياد اليهودية هذا الأسبوع وزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو تل أبيب، موعدان للقرار الإسرائيلي النهائي بالحرب واتساعها وساحاتها ومداها، يقول فيشمان.

وقبل أكثر من عام، أعلنت إسرائيل أن استراتيجيتها الجديدة ستضع مؤسسات الدولة اللبنانية كأهداف لضرباتها في أي حرب مقبلة التي لن تقتصر على مواقع «حزب الله» ومنشآته وقواته. التهديدات المتبادلة بين إسرائيل والحزب تعطي انطباعاً بأن الجولة المقبلة من القتال ستكون على مستوى لم تشهده المنطقة من قبل من نواحي التدمير المتبادل وأعداد القتلى والخسائر الاقتصادية. وسيان كانت الأقوال هذه تهويلاً أم استشرافاً مبنياً على وقائع ملموسة، فالواضح أن القتال متى بدأ، لن يأخذ المنخرطون فيه اعتبارات الآثار التي قد يتركها على صميم الوضع اللبناني واجتماعه السياسي.

عودة إلى الماضي تكشف أن كل حرب مع إسرائيل دارت في لبنان، أفضت إلى تعميق الشقاق اللبناني– اللبناني. من الاعتداءات الإسرائيلية مطالع السبعينات بعد تمركز مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان وصولاً إلى حرب تموز (يوليو) 2006 مروراً باجتياح 1982، كان الاستقطاب بين مؤيد للحرب ضد إسرائيل وبين معارض لها يتفاقم، بغض النظر عن أطراف الاستقطاب التي تبدلت أثناء هذه الفترة الزمنية المديدة. وحدهما عدوانا 1993 («عملية تصفية الحساب») و1996 («عناقيد الغضب») تمت السيطرة على تفاعلاتهما اللبنانية الداخلية بوساطة القبضة السورية الحديدية وكمّ أفواه المعارضين خصوصاً المسيحيين منهم.

في المقابل، شكّلت نتائج حرب تموز بـ «نصرها الإلهي» نقلة خطيرة في تسعير الانقسام الوطني ابتداء من الاعتصام الذي نظمه «حزب الله» في وسط بيروت لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، بعد أسابيع قليلة على وقف إطلاق النار، صعوداً إلى الصدام المسلح في شوارع بيروت وبعض قرى الجبل والبقاع في أيار (مايو) 2008. يشير ذلك إلى أن غياب الضبط الإقليمي للداخل اللبناني بعد انسحاب القوات السورية في 2005، جعل من الحرب ضد إسرائيل مادة انقسام داخلي ملتهبة، لا تشمل الاتهامات المعتادة بالتخوين والتعامل مع العدو، بل أيضاً محفزاً شديد القوة للخلافات الداخلية التي ارتدت رداء العداء للمحكمة الدولية الناظرة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري والسياسة الاقتصادية للحكومة والتصدي لكل محاولات السلطة السياسية فرض رقابة على نشاط «حزب الله» ولو ضمن مندرجات القرار الدولي 1701.

القياس على ما تقدم يوضح أن الجولة المقبلة من القتال بين إسرائيل وبين طرف أهلي لبناني، إن وقعت، ستكون عواقبها أعمق كثيراً على الداخل. يتساوى أمام ذلك أكان سبب الحرب التزام «حزب الله» الأجندة الإيرانية واستراتيجية التمدد في سورية والعراق ولبنان أو رد عدوان إسرائيلي صارخ. دعاة الكرامة والعزة والانتصارات المخضبة، يمكنهم الاستراحة هذه المرة فالحرب ستدور في مناخ دولي وعربي لا يلقي بالاً إلى وضع لبنان ولا إلى التعويض عن أضراره ودماره.

وفي حال انتصرت إيران أو هُزمت، فإن التركيبة السياسية اللبنانية ستتعرض إلى هزة قد لا تقوم لها بعدها قائمة، في ظل التشنج المذهبي الحاد الذي سيغري الطرف المسلح على المزيد من استخدام العنف في الداخل لمواجهة التململ والاحتجاج المتوقعين.

اقرأ المزيد
١٤ أكتوبر ٢٠١٧
«الحرس الثوري» أهم لطهران من الاتفاق النووي

عندما تزعم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أنها رضخت مضطرة لإصرار إيران على الفصل التام بين المفاوضات على الاتفاق النووي وطموحات طهران الإقليمية، فإنها تتناسى عمداً أنها هي التي مكّنت «الحرس الثوري» من التدخل في سورية والعراق علناً، لأن واشنطن وافقت على إلغاء قرارات مجلس الأمن التي كانت منعت إيران من تصدير السلاح والرجال خارج حدودها أو استخدام ميليشيات ودعمها. وافقت إدارة أوباما على محو هذه القرارات المهمة لكبح ولجم «الحرس الثوري»، ولم تكن مجبرة وإنما برضاها الكامل، بذريعة ضرورة إبرام الاتفاق النووي كأولوية في اعتبارات المصلحة القومية الأميركية وبأي ثمن إقليمي. ومع رفع العقوبات عن إيران –في أعقاب إبطال قرارات مجلس الأمن التي منعتها من التوغل عسكرياً خارج أراضيها– استفاد «الحرس الثوري» من ضخ أموال غزيرة عليه نتيجة فك تجميد بلايين الدولارات التي أطلقتها واشنطن كجزء من الاتفاق النووي.

لهذه الأسباب، إن الإدعاء بأن التوسّعات الإيرانية في العراق وسورية لم يكن لها علاقة بالاتفاق النووي، إنما هي ادعاءات غير نزيهة، لأن إدارة أوباما كانت تعرف تماماً ماذا تفعل من خلال تمكين إيران من التوسع في سورية والعراق عبر «الحرس الثوري»، الذي هو جزء من النظام في طهران –بل جزء أساسي. وهكذا، لم يغمض الرئيس السابق عينيه كي لا يرى المجازر التي ساعد فيها «الحرس الثوري» في سورية لحماية بشار الأسد وإنقاذه من المصير الذي توعّد به باراك أوباما نفسه بأن عليه أن يرحل، فحسب، بل قامت إدارته بتمويل الأمر الواقع لنشاطات «الحرس الثوري» في سورية والعراق عندما كان في أشد الحاجة للأموال، وشرعنت إدارة أوباما العمل العسكري الذي قام به «الحرس الثوري» في سورية والعراق واليمن ولبنان، عندما وافقت على إبطال قرارات مجلس الأمن التي اعتبرت أي تدخل عسكري غير شرعي يستدعي إنزال العقوبات ضد طهران. هذا الكلام مهم اليوم لتذكير أولئك الذين يتباكون على «حكمة» باراك أوباما مقارنة بـ «تهوّر» خلفه دونالد ترامب إزاء مصير الاتفاق النووي مع إيران، بأن حبر التاريخ لم ينشف وعليهم مسؤولية أخلاقية للاطلاع على التاريخ بدلاً من جرفه تحت البساط لغاياتهم الضيقة. فصعود قوة «الحرس الثوري» ونجمه، وتعاظم قدراته العسكرية في الجغرافيا العربية، وازدياد قدراته على التحكّم داخلياً في إيران ليقمع الاعتدال ويتسلط على الحكم، إنما حصل لأن إدارة أوباما سمحت له بأن يحصل. ولا يصح أن يقال إن ذلك حدث سهواً أو كإفراز اضطراري. إنه تحوّل تاريخي في منطقة الشرق الأوسط بقرار أميركي مدروس. فماذا يجري الآن، إذاً، مع ارتفاع وتيرة الكلام الصادر عن إدارة ترامب وفي الكونغرس بخصوص تصنيف «الحرس الثوري» منظمة إرهابية وبشأن مصير الاتفاق النووي بعدما يعلن دونالد ترامب أنه سيسلب منها (de–certify) المصادقة التلقائية أمام الكونغرس؟

ردود الفعل الإيرانية التي سبقت أي تحرك جدي من قبل الرئيس الأميركي والكونغرس لتصنيف «الحرس الثوري» إرهابياً، كانت سريعة وحازمة وحاسمة وانطوت عمداً على لغة التهديد الواضحة والتعهد بتلقين الدروس. فريق ما يسمى بالإصلاحيين والمعتدلين أسرع إلى المزايدة خوفاً، فقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف في أعقاب لقائه قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري: «الحرس مصدر فخر لبلادنا وهو ضامن أمننا واستمرار ثورتنا. إذا أقدمت أميركا على مثل هذا الخطأ الإستراتيجي، فسترد إيران بقسوة في الوقت المناسب».

جعفري كان صادقاً عندما وضع النقاط على الحروف، إذ دعا دونالد ترامب إلى أن «يكون واثقاً من أن الحرس الثوري والحكومة ووزارة الخارجية في إيران موحّدون» و «نحن على وفاق تام، وهناك تنسيق بين كل مؤسسات البلاد في إعلان المواقف ضد الأعداء»، وإيران «تحوّلت قوة إقليمية وعالمية كبرى».

التهديد أتى على لسان الناطق باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، الذي طالب العالم بأن يكون «ممتناً» لحرب «الحرس الثوري» على الإرهابيين، خصوصاً «داعش». وزاد: «من هذا المنطلق، فإن أي دولة تريد اتخاذ موقف مشابه حيال الحرس، ستكون مشتركة مع الإرهابيين والدواعش، وستلتحق بصفوفهم. إذا أرادت أميركا تصنيف الحرس الثوري على أنه تنظيم إرهابي، فستجعل نفسها في خندق واحد مع الإرهابيين».

الفورة في الصفوف الإيرانية الرسمية تفيد بأن طهران قلقة من احتمال تصنيف واشنطن «الحرس الثوري» إرهابياً، لأن ما يترتب على ذلك هو اهتزاز جذري لتركيبة النظام في طهران وكذلك تداعيات على الأنظمة التي تتعاون وتتعامل وتستضيف نشاطات «الحرس الثوري» على أراضيها.

ما تراهن عليه المؤسسة الإيرانية الحاكمة هو أن تكون التوعّدات التي تصدر عن إدارة ترامب هزلية لا جدية، وأن يتم إحباطها على أيدي حلفاء طهران في الاتفاقية النووية وعلى رأسهم منسقة السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، موغريني، والمستشارة الألمانية انغيلا مركل، إلى جانب روسيا والصين، بطبيعة الحال. إنما قلقها جدي، لا سيما أن ما ينوي عليه دونالد ترامب هو الاعتماد على إعفاء الكونغرس الذي لطالما بحث عن وسيلة لتقليم أظافر إيران، بالذات من ناحية الاتهامات لها برعاية الإرهاب، وليس فقط من ناحية توسعاتها الإقليمية وتوطيد قدراتها على الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.

«الحرس الثوري» أهم لطهران من الاتفاق النووي بكثير. إنه عمود فقري للنظام الحاكم وللثورة الإيرانية، وأي إجراءات ضد «الحرس» ستؤثر جذرياً في السياسات الإيرانية الخارجية والداخلية. لذلك، تريد طهران الآن ربط الأمر الواقع بين الاتفاق النووي ورفضها القاطع أن تتطرق واشنطن إلى «الحرس»، بما يحمي الاثنين من الإجراءات.

قد توافق طهران على إدخال عنصر الصواريخ الباليستية على الاتفاق النووي بصورة جدية إذا ضمن لها ذلك حماية «الحرس الثوري» من إجراءات فعلية عبر تصنيفه إرهابياً. إنها تعي أهمية تحدي الرئيس الأميركي مسألة التصديق التلقائي على تنفيذها ما هو مطلوب منها، في إطار الاتفاق النووي، ليس لاعتقادها أن هذا سيؤدي إلى تمزيق الاتفاقية –والتمزيق ليس وارداً الآن– بل لأن إلغاء التلقائية أو الأوتوماتيكية يعني أن دونالد ترامب يرمي الكرة في ملعب الكونغرس. وهذا خطِر على إيران.

ما يعنيه تعبير سحب التصديق أن طهران تلتزم تنفيذ الاتفاقية كل 90 يوماً، هو أن دونالد ترامب لا يريد أن يوقّع شهادة بأن إيران تنفّذ ما يتوافق مع انتقاداته لصلب وفحوى الاتفاق النووي الذي يعتبره من أسوأ الاتفاقات. هذا لا يعني أبداً أنه في صدد تمزيقه. فلو أراد فتح ذلك الباب، من حقه كرئيس أن يعلن أن الاتفاق ليس في المصلحة القومية للولايات المتحدة بغض النظر عما إذا نفذته طهران أو لم تنفذه.

ما قد يريده دونالد ترامب هو أن يعيد فتح المفاوضات في مسألة الصواريخ، لكنه لا يطرح فكرة توسيع المفاوضات لتشمل التوسعات الإيرانية الإقليمية. لعل في ذهنه فتح ذلك الملف يكون عبر تصنيف «الحرس الثوري» إرهابياً. لكنه ليس في صدد تمزيق الاتفاق.

السؤال هو، ما هي الإجراءات التي ستترتب على الأمرين: تصنيف «الحرس» إرهابياً، وسحب تصديق الرئيس الأميركي على قيام طهران بتنفيذ الاتفاق النووي كل 90 يوماً؟ فالمسألتان معقدتان. ثم إن إعلان مثل هذين الموقفين من دون اتخاذ إجراءات فعلية وجدية، سيسلب الصدقية من دونالد ترامب، وكذلك من الكونغرس.

الاندفاع الإعلامي في التمسك الصارم بالاتفاق النووي مع إيران لافت في أنه يعكس بدوره استعداد هذا الإعلام لغض النظر عن التوسعات الإيرانية في الجغرافيا العربية على أيدي «الحرس الثوري»، بل استعداده لرفض التصنيف الإرهابي لـ «الحرس» مهما فعل أينما كان.

هناك نوع من الرضوخ في صفوف الإعلام الأميركي الليبرالي لفكرة «لا خيار آخر سوى» الرضوخ أمام الطموحات النووية لكل من إيران وكوريا الشمالية. النغمة «الدارجة» هي التلويح بأن التصدي لإيران والاتفاق النووي معها سيعزز عناد كوريا الشمالية على أساس أن أميركا لا تحترم الاتفاقيات. واقع الأمر أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون يتذكر مصير العقيد الليبي معمر القذافي كمثال على ما تفعله أميركا بالذين يتخلون عن السلاح النووي، ومصير صدام حسين كمثال عن الذين يوافقون على إخضاع بلادهم لتفتيش جدي على أيدي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

اللافت أن الليبراليين في الإعلام الأميركي قرروا الرضوخ أمام الأمر الواقع والإقرار بأن لا رجعة عن امتلاك كوريا الشمالية القدرات النووية المسلحة، تماماً كما إيران. إنهم يوافقون عملياً على نسف المبدأ الذي تحكم بالمسألة النووية لسنوات، وهو «عدم السماح بانتشار الأسلحة النووية» (nonproliferation)K وهذا بحد ذاته أخطر الأخطار.

المعركة مع دونالد ترامب شيء، والتعامل مع الملف النووي لكل من إيران وكوريا الشمالية شيء آخر. من حق الإعلام الأميركي أن يدق ناقوس الرعب من رئيس يتهمه بأنه «متهوّر» و «جاهل» و «اعتباطي» و «غير سليم للحكم». إنما ليس من حقه أن يتجاهل إفرازات مرعبة لسياسات سكت عنها ثم استفاق لينتقدها، مثل حرب جورج دبليو بوش في العراق، ولسياسات أميركية مكّنت تنظيماً عسكرياً إيرانياً خارجاً عن الجيش الوطني من فرض سيطرته في العراق والدخول طرفاً في الحرب السورية لسحق المعارضة المعتدلة التي زعمت إدارة أوباما أنها تدعمها.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٧
الاحتواء الروسي للقوى الإقليمية

تأخذ الحرب الباردة الروسية- الأميركية منحى متصاعداً على رغم المراهنات المتفائلة التي رافقت دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، وعلى رغم حصول بعض التفاهمات بين الدولتين الكبريين، ومنها قيام مناطق خفض التوتر في سورية الذي كرسه اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأميركي في شهر تموز (يوليو) الماضي.

وعلى تواضع هذا التفاهم في الميدان السوري، أمل المراقبون بأن يكون فاتحة لتفاهمات أخرى تتخطاه نحو خطة للحل السياسي في سورية نفسها، وإلى بحث الجبارين خفض التوتر في مناطق أخرى من العالم، لا سيما في أوروبا، حيث تعتبر موسكو أن السياسة الأميركية تمس مجالها الحيوي ومصالحها التاريخية. بدلاً من ذلك، نشبت أزمة طرد الديبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة والإجراءات الروسية المقابلة، وظهرت الاتهامات الروسية لواشنطن بأنها تدعم «داعش» وتحول دون القضاء عليه في الميدان السوري، وتحديداً في دير الزور. وأمس، هاجمت وزارة الدفاع الروسية تعزيز الجيش الأميركي قواته بطريقة سرية في دول البلطيق وفي بولندا، في إطار انتشار قوات الحلف الأطلسي على حدود الاتحاد الروسي. وهذا الانتشار هو السبب الجوهري لإثارة حفيظة الكرملين منذ رئاسة باراك أوباما، والدافع الأساس لدى القيصر لاعتماد «مبدأ بوتين» القاضي بتوسع قواته في أنحاء العالم حيث تستدعي مصالح بلاده، وحسابات التواجد في الساحة السورية محكومة بهذا المبدأ الدفاعي.

في سورية وغيرها يتبادل الجباران اللكمات، من دون أن يخوضا المواجهة المباشرة. وهما يقومان بمناورات وتكتيكات تبدو أحياناً غير مفهومة، لمخالفتها سياستيهما المعلنتين، ولتناقضها مع مصالح حلفائهما الإقليميين. ولطالما أعلنت موسكو وواشنطن أن أولويتهما هي محاربة «داعش»، ثم تناوبتا على استهداف مجموعات مسلحة أخرى، كأن تقصف الطائرات الروسية «الجيش السوري الحر»، وتنهك المعارضة المعتدلة بدلاً من التركيز على التنظيم المتطرف، وأن تستهدف الطائرات الأميركية جيش النظام والميليشيات التابعة له، بدلاً من «داعش». إنهما تتناوبان على الإفادة من استمرار وجود «داعش» لأغراض ظرفية وآنية. ومثلما استثمر فرقاء كثر في التنظيم الإرهابي منذ بداية الحرب السورية، وأولهم النظام السوري نفسه، يتفرج تحالف روسيا- إيران- النظام على الأميركي وهو يلعب اللعبة ذاتها. فواشنطن أيضاً تبغي الشراكة في تحديد هوية من يحل مكان التنظيم الشرير بعد طرده من هذه الرقعة أو تلك.

بات الميدان السوري ساحة لامتلاك الأوراق، ولإحباط نجاح الآخر في توظيف أوراقه، في انتظار المفاوضات الكبرى حول أوروبا وأوكرانيا ورفع العقوبات عن روسيا... إلا أن الانتظار الطويل لا يسمح بتجميد الميدان طويلاً تحت شعار «خفض التوتر». فالقوى الإقليمية لها طموحاتها وهواجسها أيضاً وقادرة على التسبب بخلط الأوراق، ما يفرض على الدولتين العظميين احتواء هذه الطموحات والهواجس أو التكيف معها.

نجحت موسكو في إدارة صراعات القوى الإقليمية نتيجة غياب السياسة الواضحة لدى واشنطن، على رغم أن الشكوك تحيط بقدرتها على قيادة بلاد الشام نحو الحلول، كما أمل بوتين خلال زيارته تركيا الأسبوع الماضي. هي استقطبت تركيا وتفهمت مخاوفها من التساهل الأميركي مع الاستفتاء على استقلال كردستان عن العراق، وتركت لها حرية تطويق الطموح الكردي نحو اقتطاع مناطق الاستقلال المفترض في سورية، ومنحتها حرية استعادة إدلب في الشمال من «هيئة تحرير الشام»، والتي منها يمكنها تقطيع أوصال المناطق التي قد تقع تحت سيطرة القوات الكردية. وأجازت لإسرائيل أن تقطع الطريق على التمدد الإيراني و «حزب الله» في الجنوب والشرق السوريين بحملات القصف المتقطع من الجو، وتلقفت انفتاح السعودية عليها في تحول تاريخي نادر في العلاقة بين المملكة وبين الكرملين، بصفقة صواريخ أس 400 ومشاريع استثمارية... خصوصاً أن واشنطن لم تفِ بوعودها لدول الخليج بالسعي إلى الحد من التوسع الإيراني.

انفتحت موسكو على المعارضة المعتدلة بالتعاون مع مصر، وبالاستناد إلى انفتاحها على السعودية، بعد أن سحبت واشنطن الأسلحة الثقيلة من المعارضة المعتدلة في عدد من المناطق. واستقدمت الشرطة الروسية لحماية وقف النار ومراقبته في مناطق عدة، مؤلفة من جنود روس مسلمين سنّة، بالتوازي مع تعاونها مع كل من الدول ذات الأكثرية السنية، مصر والسعودية وتركيا.

حتى الانزعاج الروسي من الجموح الإيراني نحو اقتطاع مناطق النفوذ، وتجاوز الدور الحاسم لموسكو في إدارة الصراع في سورية، لم يكن كافياً للالتقاء مع أولوية واشنطن الحد من توسع طهران، واتهامها برعاية الإرهاب.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٧
الرابحون والخاسرون من إعادة إعمار سورية

هناك نقاش متزايد حول إعادة الإعمار في سورية في دوائر السياسة الغربية والإقليمية. وقد دأب الاتحاد الأوروبي على دراسة خيارات إعادة الإعمار عن كثب، في حين أن بعض الحكومات الغربية (وغير الغربية) تحضر نفسها لتلعب دوراً في عملية إعادة الإعمار. كما تعزز الدول الإقليمية أنشطتها في هذا الصدد، حيث لا يريد أحد أن يفوته القطار عندما يحين الوقت لكي تتخذ سورية خطوة تجاوز الصراع الحالي. ولكن يبدو أن هذا النقاش حول إعادة الإعمار يقوم على افتراض أن خطط إعادة الإعمار بعد الحرب ستستهدف بنفس القدر سورية بأكملها، وأن جميع السوريين سيعاملون بشكل منصف في هذه العملية، لكن الواقع يتناقض مع هذا الافتراض.

يجري الحديث عن إعادة الإعمار اليوم في الوقت الذي تشهد سورية، وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعلى موجة من العنف منذ سقوط حلب الشرقية. كما يجري في الوقت الذي أعلنت فيه خطط مناطق خفض التصعيد بينما تواصل روسيا قصف المناطق نفسها التي يفترض أن تكون ضامنة لها. وفي الوقت نفسه، لا يزال المدنيون يشكلون «أضراراً جانبية» في الحملة الجوية للتحالف الدولي ضد «داعش» على الرقة. وتتشابه الاستراتيجية العسكرية للحملة مع تلك التي استخدمت لتحرير المدن العراقية من سيطرة «داعش»، ما أدى إلى تدمير واسع النطاق للبنى التحتية في تلك المدن. إن استمرار العنف على هذا النطاق سيؤدي حتماً إلى رفع كلفة إعادة الإعمار بعد الحرب إلى ما يتجاوز الرقم المقدر حالياً والذي يتراوح بين 200 و 350 بليون دولار.

وهناك قدر من الإجماع في دوائر السياسة الدولية على أن روسيا وإيران لا يمكن أن تتحملا هذا العبء المالي وحدهما، وأنه يتعين على المانحين الدوليين أن يشاركوا في تعزيز التمويل. إن دوافع هؤلاء المانحين وراء المشاركة في جهود إعادة الإعمار لا تتعلق فقط باهتمامهم بتقديم المساعدات الإنسانية بل أيضاً بالسياسة. فالتمويل هو أحد الطرق التي يمكن من خلالها الحفاظ على درجة من التأثير في سورية. ومع قيام روسيا بلعب دور الوسيط الرئيسي في إعادة إعمار سورية، اتخذت بعض الدول الإقليمية خطوات للحفاظ على خطوط مفتوحة للتواصل مع موسكو على رغم الخلافات السياسية حول سورية. كما أن الأفراد ذوي المصالح الخاصة من مختلف أنحاء الطيف السياسي في البلدان المجاورة لسورية يقرعون أبواب روسيا. وقد شملت الزيارات الأخيرة إلى موسكو من قبل السياسيين اللبنانيين أشخاصاً من معسكري 8 و14 آذار.

وسيكون لهذه المناورات السياسية تأثير مباشر على كيفية تنفيذ خطط إعادة الإعمار داخل سورية. وستسعى روسيا حتماً إلى جعل الحكومة السورية الموزع الرئيسي لأموال إعادة الإعمار. وعلى رغم أن المناطق التي يسيطر عليها النظام كانت أقل تأثراً من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من حيث الدمار المادي، فمن المرجح أن الحكومة السورية سوف توجه معظم التمويل إلى المناطق التي تعتبر موالية.

ومن المرجح أن يغض أولئك الذين لديهم مصالح خاصة الطرف عن عدم المساواة في توزيع الأموال ومشاريع إعادة الإعمار من أجل حماية مصالحهم التجارية. وستتبع الجهات الفاعلة الإقليمية مساراً مماثلاً من أجل الإبقاء على المصلحة السياسية في هذه العملية. كما بدأ رجال الأعمال السوريون الذين هم بالفعل جزء من النخبة السياسية تشكيل شركات جديدة حتى يتمكنوا من وضع أنفسهم في الصف الأول في عمليات تطبيق مشاريع إعادة الإعمار. ويعني كل ما سبق أن تنفيذ خطط إعادة الإعمار لن يكون منصفاً.

يريد النظام السوري مكافأة الموالين له من خلال استخدام أموال إعادة الإعمار لتحسين مناطقهم، لكنه يريد أيضاً معاقبة المناطق التي ثار سكانها ضد النظام. ومن المرجح أن يعقب استمرار قصف هذه المناطق منع السكان من الحصول على أموال إعادة الإعمار. ومع اضطرار الجهات المانحة والجهات الفاعلة الأجنبية إلى تعديل مواقفها السياسية في محاولة للبقاء داخل دائرة الشأن السوري الذي تديره الآن موسكو بالمرتبة الأولى، فمن المرجح أن تترك هذه المناطق المهملة من دون أن يدافع عنها أحد.

ومن المرجح أن يحافظ هذا على بقاء آلاف اللاجئين الذين فروا من هذه المناطق إلى لبنان والأردن وتركيا في الخارج، حيث لن تكون لديهم منازل للعودة إليها ولا توجد آفاق واقعية لاستعادة سبل عيشهم داخل سورية. وبغيابهم، يؤدي انخفاض عدد السكان في هذه المناطق إلى تسهيل السيطرة عليها من قبل الحكومة السورية، مما يوفر حافزاً آخر للحكومة لإبقاء هذه المناطق غير صالحة للعيش.

إن النقاش حول إعادة الإعمار في سورية قد هيمنت عليه مسألة ما إذا كان الغرب سيكون قادراً على استخدام إعادة الإعمار كوسيلة نفوذ على النظام السوري أم لا. لكن القضية الأساسية هي أنه مع الغرب أو من دونه، فإن النظام السوري ورعاته الروس والإيرانيين سيركزون فقط على إحياء المناطق الموالية وليس المناطق التي لا يسيطر عليها النظام حالياً.

وسوف تتأثر التركيبة الديموغرافية في سورية بهذه العملية، وكذلك حالة اللاجئين في البلدان المجاورة. ولكن مع قيام الدول الأوروبية بالنظر في تقديم حوافز لتركيا لإبقاء اللاجئين السوريين على أراضيها لردعهم عن العبور إلى أوروبا، ومع جهود أصحاب المصلحة اللبنانيين لتقديم لبنان كمنصة لإعادة الإعمار في سورية من أجل الإفادة من المساعدات الخارجية المرسلة إلى لبنان للتخفيف من ضغط وجود اللاجئين السوريين، فإن النخب السورية الموالية للنظام كما الجهات الفاعلة غير السورية ستستفيد من عدم المساواة في تنفيذ خطط إعادة الإعمار داخل سورية. أما الخاسر الأكبر فهو الشعب السوري مهما كانت توجهاته.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٧
صراع المعارضات والعوائق أمام قيام «سورية الجديدة»

تقف المعارضة السورية أمام أزمتين داخليتين، أولاهما انفصال الملف العسكري كلياً عن الملف السياسي، وهو ما أفقد المعارضة السياسية إحدى أهم أوراقها في مفاوضات جنيف إثر استفراد مفاوضات آستانة بهذا الشأن، وهو ما أدى إلى تنامي نفوذ روسيا (الراعي الرسمي لمسار آستانة) في مناطق خفض التصعيد وفي الاتفاقات الثنائية في المناطق، والتي أبرمتها مع الفصائل المحلية المسلحة، بعيداً من أي دور للكيانات السياسية (الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات).

والأزمة الثانية هي تعدد المعارضات السياسية واختلاف برامجها المستقبلية حول المرحلة الانتقالية وتفاصيلها، وما بعدها، وخاصة لجهة مصير رأس النظام. وعلى رغم هذه الخلافات، فإن المطلوب من هذه المعارضات أن تجلس جنباً إلى جنب في وفد موحد، يفاوض النظام السوري حول كل تفاصيل الانتقال السياسي، وكذلك الدستور والانتخابات ومحاربة الإرهاب، بينما يُترك ملف إعادة الإعمار ليكون عاملاً مشجعاً للمجموعة الدولية على دفع كل الأطراف السورية والداعمة لها في آن معاً نحو قواسم مشتركة، من شأنها إنتاج الحل المأمول، لكن وفق الرؤية الروسية وضمن إطار المسموح أميركياً، وتحت شعار الشراكة الروسية- الأوروبية.

أمام هاتين المشكلتين وما أنتجتا من تفرعات زادت المشهد السوري تعقيداً، فإن المعارضة السورية المدعوة إلى المؤتمر المقبل في الرياض، تستعد لإطلاق مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الممتد منذ قرابة سبع سنوات، والذي انتقل من صراع سوري- سوري إلى صراع على سورية، وبخرائط متحركة وفق متغيرات المواقف الدولية، ووفق مستجدات تفاهماتها المتقلبة، حسب المصالح السياسية والاقتصادية للدول المتصارعة على سورية، التي سلمت موسكو، كما يبدو، راية القيادة، بقرار صامت من الإدارة الأميركية التي تأخذ وضعية المراقب تارة، والمنسحب لمصلحة دعم المعركة الحاسمة ضد الإرهاب حصرياً في غالبية الأحيان، ما يعني أن المساحة المتبقية للسوريين (المعارضة والنظام) تضيق يوماً بعد يوم، حتى تكاد تنحصر في ما يسمى «إدارة المجالس المحلية» تحت نفوذ الدول الضامنة، (روسيا– إيران- تركيا) التي تقاسمت الخريطة السورية وفق اتفاقات خفض التصعيد، من دون نسيان الحصة الأميركية الأوفر من خلال مناطق الإدارة الذاتية لـ «قوات سورية الديموقراطية».

وعلى ذلك، فالبحث عن قواسم مشتركة تجتمع المعارضة حولها لإطلاق رؤية وطنية لحل الصراع السوري، بحيث يمكّن هذا الحل جميع السوريين من العيش المشترك داخل دولة تحمل مقومات وطن لكل المواطنين، على اختلاف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، من شأنه (هذا البحث) أن يبقي فسحة أمل لاستعادة الدور السوري خلال صياغة مستقبل سورية، وهذا ما يحمّل المدعوين إلى مؤتمر الرياض مسؤولية استثمار الفرصة الأخيرة، لمشاركة المعارضة في صناعة شكل سورية ما بعد الاستبداد، أو تسليمها كاملة عسكرياً وسياسياً للمشروع الروسي، الذي يهدف إلى إحياء سورية ما قبل ثورة 18 آذار (مارس) 2011، مع إضافة الوصاية الروسية عليها والتي تمنح الاطمئنان الكامل لإسرائيل بتحجيم الدور الإيراني قرب الحدود السورية معها، وتنفذ المطلب الأميركي بإزاحة إيران إلى داخل حدودها من جديد.

ورغم صحة ما يشاع عن فقدان السوريين أي وزن تفاوضي خارج الإرادة الدولية، إلا أن الواقع الميداني داخل سورية يخالف إلى حد ما هذا التشاؤم، من خلال قدرة الناس على تجديد مطالبهم بالخلاص من كل من يجور على حقوقهم كمواطنين سواء كان من النظام (مظاهرات السويداء مثالاً)، أو من الفصائل التي تدعي أنها معارضة (مظاهرات إدلب نموذجاً). ووفقاً لذلك، فمساحة المعارضة المتاحة من خلال مؤتمر الرياض-2، تتحدد من قدرتها على قراءة الواقع الذي تنطلق منه، بعيداً من أحلام الواهمين بمناصب ما بعد التفاوض، وذاك يحتم على «المختارين» إلى الاجتماع أن يقدّموا ما هو ممكن، وما يستند إلى القرارات الدولية من جنيف-1 حتى القرار الدولي رقم 2254، وما بينهما وما بعدهما، بقراءة واقعية لا رغبوية، بحيث لا تخلط الحلم بالأمل بالمطامع الشخصية، وهذه تحديداً وظيفة المؤتمر بجمعه معارضات كانت أشد في معارضة بعضها بعضاً من معارضتها نظام الأسد ومنتجاته الأمنية التي أدت إلى ثورة شعبية ضده.

وبناء على ما تقدم، فإن على المعارضة أن تطرح تساؤلاً جاداً، عن كيفية بقاء سورية دولة موحدة (سوريا شبه المدمّرة)، في ظل انقسامات الشعب السوري، ومساهمة كل طرف (النظام أولاً والمعارضة ثانياً) في تعميق الشرخ الذي يمنع وحدة السوريين؟ وهذا يستوجب حسمه بنص واضح، عن حق المواطنين أفراداً وقوميات بأن يكونوا أحراراً ومتساوين، وهو ما يسهل تشكيل الهوية السورية الجامعة، وعليه يمكن الحديث عن سورية الموحدة، والتي لا تعني حتماً سورية المركزية، التي سهلت على النظام الاستبدادي اختطاف مقدرات سورية، وحجبها عن المدن والمحافظات البعيدة عن المركز، ما أفرز ظاهرة المدن النائية، في حين أن هذه المدن هي مركز الثروات السورية وأحدث انقسامات مجتمعية اقتصادية وقومية في آن معاً، وهو ما يجب علاجه خلال طرح رؤية المعارضة عن سورية ما بعد التفاوض، وهذا يتطلب الجرأة في بحث الخيارات من باب مصلحة سورية والسوريين، وعلى النحو الذي يوفر علينا محنة الانقسامات والانفصال.

يجدر القول إن كل تفاصيل سورية الجديدة لا بد من أن تكون واضحة في أذهان المؤتمرين في الرياض-2، وألا ينخرطوا في مناقشة بند يمكن فعلياً تجاوزه من خلال طرح عملي (ربما يطيح مطامع كثيرين)، وينطبق على كل الجهات معارضة ونظاماً، فالحديث عن محاكمات مجرمي الحرب يجب أن يكون شاملاً جميع المجرمين، وبالتساوي، وحرمان رموز السلطة الحاكمة من حق الترشح إلى منصب جديد خلال الولاية الأولى على الأقل، لا بد وأن يشمل كذلك أسماء كل المعارضين، الذين تولوا «سلطة» القرار في المعارضة، منذ انطلاقة الثورة حتى اليوم، وبذلك تصبح النصوص قابلة للتعميم وممكنة التطبيق على الجميع.

إن السعي إلى سورية ديموقراطية في شكل جديد (ربما يكون برلمانياً) لا يستبعد من الحسابات كل مكوناتها القومية والدينية والمذهبية، وربما يضع أعضاء المؤتمر أمام رهانات تحدي النفس قبل تحدي النظام، فمن يرابط على منصب وهمي في المعارضة، لا يمكنه صياغة مشروع ديموقراطي يطيح حلمه بمنصب واقعي في سورية ما بعد جنيف، التي لن يكون شكلها بعيداً في حال بقي الصراع بين المعارضات قائماً، عن شكل سورية التي تصيغها جولات آستانة (سورية المقسمة النفوذ حسب الدول الضامنة لمناطق خفض التصعيد)، بل بعمل وطني جاد ينطلق من أن وحدة سورية مبنية على أساس وحدة السوريين وحقوقهم، من دون خوف من المجاهرة بذلك علناً أمام الجهات الداعمة لهم، ومن شأن ذلك أن يعطي الأمل بسورية جديدة تتشكل ملامحها من توافق المعارضات في مؤتمر الرياض-2.

اقرأ المزيد
١٣ أكتوبر ٢٠١٧
طهران وتداعيات انتهاكها لـ«روحية الاتفاق»

ما بين الخضوع للامتحان وإعلان النتائج، يمر الممتَحن بحالة من القلق والانفعال، تُضعف قدرته في السيطرة على ردات أفعاله أو أحكامه، ويدفعه التشنج الناجم عن حالة الانتظار إلى ارتكاب الهفوات، وقد نجح الرئيس الأميركي دونالد ترمب في رفع منسوب التوتر لدى القيادة الإيرانية إلى مستوى لم تصل إليه منذ انتصار الثورة الإيرانية سنة 1979، وجعلها رهينة الانتظار الأصعب في تاريخ الثورة والنظام، حيث باتت طهران شبه متأكدة من أن الرئيس الأميركي سيعلن في 12 من الشهر الحالي، انتهاء مهلة السماح التي منحتها واشنطن للقيادة الإيرانية، لكي تقوم بخطوات فعلية على طريق تحسين سلوكها مع جوارها وفي منطقة الشرق الأوسط، وقد أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساندرا ساندزان أن الرئيس ترمب، وفي إطار تحديد استراتجيته الجديدة تجاه إيران، يرى أن «الاتفاق النووي ليس السلوك السيئ الوحيد لإيران، بل تجاربها الصاروخية وزعزعة الاستقرار في المنطقة ودعمها للإرهاب والهجمات الإلكترونية، وامتلاكها برنامجاً نووياً غير قانوني، أيضاً يمكن اعتبارها من ضمن سلوكيات طهران السيئة». الجديد في الاتهامات الأميركية هو التركيز على سلوكيات طهران التي وصفتها المتحدثة باسم البيت الأبيض بأنها تزعزع استقرار المنطقة، وهو اتهام مباشر لـ«فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، الأمر الذي أدى إلى رفع نسبة التوتر لدى القيادات العسكرية الإيرانية التي رأت في هذا الاتهام خطوة أميركية جدية تجاه وضع «الحرس الثوري» على قائمة الإرهاب الأميركية، الأمر الذي دفع قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري إلى تحذير الإدارة الأميركية من الأثمان الباهظة التي ستدفعها الولايات المتحدة إذا أقدمت إدارة ترمب على هذه الخطوة، كاشفاً أن «الحرس الثوري» سيعامل الجيش الأميركي كما يعامل «داعش». فمنذ تأسيسه لم يتعرض الحرس الثوري الإيراني إلى تهديد معنوي بهذا الحجم، حيث تعتبر الخطوة الأميركية ضربة مباشرة للأذرع الإيرانية الخارجية، التي سيترتب عليها مواجهة شاملة مع إيران وسياساتها التوسعية في المنطقة. ملامح المواجهة المفتوحة بين إيران وواشنطن في المنطقة برزت معالمها سريعاً في بيروت خلال الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد نصر الله الذي نَبّه فيه «كل من يريد أن يستهدف الحزب سياسياً أو أمنياً أو عسكرياً أو اقتصادياً، مباشرة أو غير مباشرة، يجب أن يعرف أن الحسابات مختلفة»؛ لكن نصر الله، ولأول مرة، اعترف بأن العقوبات الاقتصادية التي سيفرضها الكونغرس الأميركي على لبنان ستكون لها تداعيات صعبة على اللبنانيين عموماً، وجمهوره خصوصاً، معتبراً أن «القانون هو جزء من التهويل، ونتحمله لأنه جزء من المعركة يُفرض علينا نتيجة جهادنا ومواجهتنا لمشروع كان سيطيح كل شيء في المنطقة. ومن هو جاهز ليضحي بالدم إذا عوقب بالموضوع المالي لا يغير مواقفه». وعليه لم يعد مستبعداً أن يكون العراق مسرحاً للاحتكاك المباشر بين الولايات المتحدة و«الحرس الثوري»، حيث يشارك الطرفان في الحرب على «داعش»، ويمكن لأي فصيل عراقي مسلح تحركه طهران القيام بعملية عسكرية ضد أهداف عسكرية أميركية في العراق، باعتبار أن قدرة واشنطن على المناورة والرد ستكون محدودة، وهي منشغلة في الانتهاء من ملف «داعش»، ولكن الخطر الأكبر الذي بات هاجس معظم اللبنانيين هو حول كيفية الإجراءات التي سوف يتخذها «حزب الله» في رده على العقوبات، وهل ستدفعه طهران إلى تحريك الجبهة الجنوبية من أجل ابتزاز المجتمع الدولي، وخصوصا الأوروبيين، حيث ينتشر أكثر من 15 ألف جندي تابعين للأمم المتحدة على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، واستغلال وجودهم هناك بهدف دفع الدول الأعضاء في مجلس الأمن للضغط على واشنطن، لكي تقوم بتخفيض إجراءاتها العقابية ضد طهران، والقبول بالجلوس على طاولة المفاوضات من جديد.

الأكثر وضوحاً في المتحول الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران، وتلويح واشنطن العلني بالانسحاب منه، هو إقرار إدارة ترمب بأن طهران انتهكت روحية الاتفاق، الذي تفسره واشنطن بأن طهران لم تغير سلوكها الخارجي ولا طبيعة دورها الإقليمي، وبأن سياساتها التوسعية أدت إلى زعزعة السلم والاستقرار في المنطقة، وهو ما تعتبره طهران أشبه بانقلاب أميركي كامل على التفاهمات التي تم التوافق عليها على هامش الاتفاق النووي، وكسبت من خلالها طهران حضوراً إقليمياً قوياً واعترافاً من قبل باراك أوباما بدورها ونفوذها في لبنان الذي أنتج تسوية أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة، وشراكة سياسية في بغداد، وحماية مصالحها في سوريا.

بانتظار 12 من الشهر الحالي، تستعد طهران للدفاع عن مكاسبها وإذا نجح العالم في إقناع ترمب بأن للاتفاق النووي جوانب إيجابية، وبأن المطلوب الضغط لتغيير بعض من بنوده، فإن روحية الاتفاق أصبحت معضلة طهران غير القابلة للمساومة مع واشنطن، وفقدانها لهذه الورقة سيعيدها إلى داخل حدودها الوطنية، فيصبح النظام أمام استحقاقات داخلية تجنبها لسنوات.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٧
الخيارات المتاحة بعد استفتاء كردستان

العراقيون والأتراك والإيرانيون يحذرون من «إسرائيل ثانية» إذا تحولت كردستان العراق إلى دولة مستقلة. وهذا حكم لا يخلو من مبالغة. إن قيام «إسرائيل ثانية» محتمل فقط إذا تناسى السياسيون الحكمة الضرورية في إدارة الأزمة. إن تأسيس دولة كردية وسط عداء شديد في المحيط الإقليمي، سيجعلها مصدر تأزيم للهويات القومية والمذهبية، قد يشعل صراعات تعصف بالخرائط السياسية، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في وسط آسيا أيضاً. وليس من المستبعد أن يتغير مشهد الصراع العربي – الإسرائيلي على نحو دراماتيكي غير مسبوق. يمكن أن نعتبر هذا الاحتمال سيناريو أسوأ الاحتمالات. وهو ممكن إذا قرر الجيران، ولا سيما تركيا وإيران، حل المشكلة بالتدخل العسكري المباشر. لكنه ليس الاحتمال الوحيد، ولا هو الأقرب للمعطيات المتوفرة إقليمياً ودولياً.

السيناريو الآخر، الذي يمكن اعتباره أحسن الاحتمالات، ينطوي على عملية سياسية تحقق ما أظنه الهدف المركزي للنخبة السياسية الكردية، أي تحويل الوضع القانوني لكردستان العراق من إقليم فيدرالي إلى كونفدرالي. الكونفدرالية اتحاد بين دولتين مستقلتين من حيث المبدأ، تتمتع كل منهما بتمثيل دولي واستقلال مالي وإداري. حدود الاستقلال وموضوعاته يمكن أن تتقرر في اتفاق ثنائي، مدعوم بضمانات دولية.

تمثل الدولة الكردية المستقلة حلماً عزيزاً وقديماً نسبياً للأكراد كافة، بمختلف انتماءاتهم ومواطنهم. وترجع أولى التجليات السياسية لهذا الحلم إلى معاهدة سيفر في 1920 حين أقرت تركيا والدول الأوروبية بحق الأكراد في استفتاء لتقرير مصيرهم. وقدم الوفد الكردي إلى تلك المحادثات، ما أظنه أول خريطة للحلم الكردي، تشمل الأقاليم الكردية في إيران وتركيا والعراق وسوريا.

صحيح أن تلك المعاهدة قد ألغيت، وتم تجاهل الوعد المقدم للأكراد. لكن المهم في المسألة أن الحلم والهوية، قد وجدت أرضاً محددة تتجلى فيها. الأرض المرتبطة بالحلم هي العتبة الفاصلة بين التاريخ والسياسة، بين الثقافة والصراع، هي نقطة انقلاب الهوية إلى مضمون ومحرك لقضية سياسية.

لا شك أن إصرار السيد مسعود بارزاني على الاستفتاء قد رفع مكانته من زعيم لبعض أكراد العراق، إلى ممثل للحلم القومي لجميع الأكراد. وكان لافتاً أن جميع معارضيه قد أعلنوا تأييدهم للاستفتاء؛ لأنهم ببساطة يعلمون أن معارضة الاستفتاء تساوي الانتحار السياسي.

زبدة القول، إن مواجهة الدعوة للاستقلال بالتهديد والوعيد والخنق الاقتصادي، كما يجري الآن، قد تفلح في تحسين شروط التفاوض مع حكومة الإقليم. لكن المفاوضات لن تعيد عقارب الزمن إلى ما قبل 25 سبتمبر (أيلول). سيحصل أكراد العراق من دون أدنى شك على وضع قانوني أفضل مما لديهم اليوم.

ومع الأخذ بعين الاعتبار ما أظنه حقيقة جيوبوليتكية في طور التشكل، فإن الطريق الأكثر عقلانية لحكومة العراق، هو وضع مخطط للتفاوض يستهدف الوصول إلى نقطة متوسطة بين الفيدرالية والكونفدرالية. وأعتقد أن المجتمع الدولي يميل إلى خيار كهذا، وليس أدنى منه ولا أعلى.

أما تركيا وإيران وسوريا، فهي في حاجة إلى معالجة عاجلة وجذرية لوضع محافظاتها ذات الأكثرية الكردية، باتجاه منحها نوعاً من الحكم الذاتي، وتعزيز التنمية الاقتصادية، لتحييد المطالبة بالانفصال.

ما جرى ليس حدثاً بسيطاً، ولا يصح التساهل فيه. كما أن الظرف لا يسمح بحلول خشنة. مع أن جميع الخيارات المتوفرة مريرة جداً.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٧
الاتفاق النووي الإيراني... والمصالح العربية

أمام الاتفاق النووي الإيراني - الذي سمح لإيران قبل عامين بالعودة بقوة على الساحة الدولية رغم الانتهاكات التي تقوم بها في العراق وسوريا واليمن وغيرها - أكبر تحدياته مع توجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى رفض المصادقة على بنوده. ومع اقتراب موعد 15 أكتوبر (تشرين الأول) الذي بحلوله يجب أن يوقع ترمب مجدداً على الاتفاق للمصادقة عليه، من المتوقع أن تتجه الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن عدم التزام طهران بـ«روح الاتفاق» الداعية للتعاون وتطوير برنامج نووي سلمي. وبخطاب مرتقب خلال هذا الأسبوع، سيكشف ترمب عن مراجعة السياسة الأميركية تجاه إيران، لتوضيح أسباب رفضه دعم الاتفاق الذي أبرم خلال إدارة سلفه باراك أوباما، بمشاركة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا.

ومنذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، كان على الرئيس الأميركي المصادقة على الاتفاق النووي كل 90 يوماً، ضمن آلية وضعت لإقناع الشعب الأميركي، بأن الاتفاق يتضمن مراقبة مستمرة للبرنامج النووي الإيراني. وفي حال لم يصادق ترمب مجدداً على الاتفاق النووي، سيكون هناك 60 يوماً قبل اتخاذ الكونغرس أي إجراءات لازمة للخروج من الاتفاق وتقرير ما إذا كانت ستفرض عقوبات جديدة. وتسعى فرنسا وبريطانيا وألمانيا - الدول الموقعة على الاتفاق مع واشنطن وبكين وموسكو - إلى الخروج بصيغة مناسبة خلال تلك الفترة لإنقاذ الاتفاق. وهنا على الدول العربية النافذة في أوساط صنع القرار الأميركي والأوروبي أن تدفع بمصالحها، وهي التأكد من سلمية البرنامج النووي من جهة، والتشديد على ضرورة مواجهة التصرفات الإيرانية في المنطقة؛ من التهديد باستخدام صواريخ باليستية إلى جعل الميليشيات قوى تتنافس مع الجيوش العربية من جهة أخرى.

الفرق بين إدارتي الرئيس الأميركي السابق أوباما والرئيس الحالي ترمب هو أن الأولى كانت تستعجل إبرام الاتفاق وكانت طهران واعية لذلك تماماً، بينما الثانية تريد الخروج من الاتفاق وإفشاله، وذلك ما يجعل طهران في موقع الدفاع عنه والبحث عن حلول مجدية لإنقاذه. ولكن الواقع اليوم مختلف عما كان عليه في 2015، فكل من روسيا والصين والدول الأوروبية الثلاث لن تتراجع عن الانفتاح الذي جرى مع إيران، كما أن التخلص من العقوبات الدولية على إيران المرتبطة ببرنامجها النووي يعني أنه من الصعب إعادة فرض العقوبات. وهنا على الدبلوماسية العربية أن تلعب دوراً مهماً في تسليط الضوء على الدور الإيراني السلبي في المنطقة، وأيضاً الإجراءات الممكنة لردعها، مثل دعم قوى الاعتدال ومنع تسليح الميليشيات ومحاسبة الحرس الثوري دولياً.

الإيرانيون يعلمون أنهم يواجهون إدارة أميركية عليمة بما يقومون به، خصوصاً في العراق وأفغانستان، حيث قتلت القنابل الإيرانية المئات من الجنود الأميركيين، وتركت مثل هذا العدد أو يزيد مبتوري الأطراف، أو يعانون من إصابات جسيمة. وعلى الدول العربية المتأثرة من أفعال إيران أن تظهر رغبتها في صد التصرفات الإيرانية، ولكن بطرق شرعية متناغمة مع المجتمع الدولي.

العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين يعملون على تقوية الاتفاق النووي ليشمل جانباً آخر مقلقاً من التصنيع العسكري الإيراني، وهو تصنيع الصواريخ الباليستية الذي بدأ النظام يتباهى بها. وقرار النظام إطلاق صواريخ باليستية في يونيو (حزيران) الماضي على سوريا كان هدفه إظهار قدرة طهران على توجيه ضربات عسكرية موجعة... وما يثير القلق أن تلك الصواريخ يمكن أن تطور لتحمل رؤوساً نووية، وهو الخطر الأكبر في هذه المنطقة المشتعلة.

وبما أن الأمم المتحدة قد وضعت عقوبات ضد إيران بسبب تطويرها للصواريخ الباليستية، هناك سابقة يمكن البناء عليها، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر عام 2010، حيث قرر مجلس الأمن بأنه «يجب على إيران عدم اتخاذ أي إجراءات متعلقة بتطوير قابلية الصواريخ الباليستية القادرة على إطلاق الأسلحة النووية، بما في ذلك إطلاق تقنيات الصواريخ الباليستية، وأن الدول ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لمنع نقل التكنولوجيا أو منح أي مساعدات تقنية لإيران في هذا المجال». ولكن مع ذلك، تكرر إيران اختبارات الصواريخ الباليستية وتعلن عنها بكل عنجهية، كما تبث وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية أنباء عن التعاون الوثيق بين إيران وكوريا الشمالية. فبعد إقرار الاتفاق النووي، تشجعت طهران على التمادي العلني.

ولكن مع اقتراب القرار الأميركي للتخلي عن الاتفاق، بدأت طهران تعيد النظر في حساباتها. وعلى الرغم من التصريحات الرنانة الصادرة من نظام المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي برفضه مراجعة الاتفاق، إلا أن الضغط بدأ يخرج ببعض النتائج. وبحسب دبلوماسيين إيرانيين تحدثوا لوكالة «رويترز» هذا الأسبوع فإن طهران قد «نوهت للدول الست بأنها قد تكون منفتحة على محادثات حول ترسانة الصواريخ الباليستية». وهذه خطوة على الدول العربية أن تصر عليها، فهي في مرمى تلك الصواريخ، كما أن تقارير استخباراتية عدة تشير إلى توجه إيران لبناء مصانع لمثل هذه الصواريخ في سوريا واليمن.

خلال فترة المفاوضات السابقة للملف النووي الإيراني، كان الموقف العربي مهمشاً، ولكن على الدول العربية اليوم أن تكون لاعباً مهماً في التعاون مع واشنطن والعواصم الخمس الأخرى لإظهار المخاطر على المنطقة والخروج بصيغ بناءة بدلاً من الاكتفاء بالتنديد بالاتفاق. وربما الأهم من ذلك، على الدول العربية وكل طرف يجد نفسه متضرراً من التصرفات الإيرانية أن يقدم رؤيا واضحة وأدلة على كيفية إخفاق الاتفاق النووي في كبح طموحات طهران العسكرية. ففي الوقت الراهن، إيران تكسب معركة التعاطف الشعبي الأوروبي والسياسي في العديد من عواصم العالم، وتراوغ على أنها ملتزمة بالاتفاق، رغم خرقها لقرارات منع تطوير الأسلحة الباليستية وتسليح وتجنيد قوى خارجة عن القانون. والفرصة اليوم للدفع باتجاه محاسبة طهران، ولكن بموجب القانون الدولي، وبناء على المصالح المشتركة بين الدول العربية والقوى الكبرى.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٧
ترمب وإيران... عاصفة أم إعصار؟

فيما الساعات القادمة تتوالى، تتوقع إيران صدور استراتيجية أميركية شاملة تجاهها، لا تتصل ببرنامجها النووي فقط؛ لكن بكل رؤاها غير المشروعة في الهيمنة على مقدرات المنطقة.

قد يكون الخميس المقبل بحسب «واشنطن بوست» موعد إعلان الرئيس دونالد ترمب خطوطه الجديدة للتعاطي مع نظام الملالي، والسؤال الذي يشغل الجميع: هل سيسحب الرجل الثقة من الاتفاق ويحيل الأمر إلى الكونغرس، أم ينسحب تماماً من طرف واحد بما يلغي الموافقة الأميركية؟
لم يدارِ أو يوارِ ترمب يوماً ما، ومنذ أن ترشح للرئاسة الأميركية، مشاعره تجاه هذا الاتفاق السيئ والمحرج لأميركا، حسب وصفه من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وتصريحاته الأخيرة الأسبوع الماضي تجزم بأن العاصفة قادمة لا محالة، فيما الجميع يتساءل: هل هي عاصفة أم إعصار؟

العاصفة - معلوماتياً - هي هيجان الرياح والأمطار بشكل عشوائي في البر والماء، فيما الإعصار يبدأ في المحيط ومن ثم يلقي بمخلفاته التي تسبب الخراب للأرض واليابسة.

يود ترمب لو يكون في مقدرته تحريك الإعصار دفعة واحدة، تجاه طهران الساعية لنشر الفوضى والإرهاب في العالم، المهددة للملاحة الدولية، صاحبة الهجمات الإلكترونية تجاه جيرانها، الماضية قدماً نحو برنامج الصواريخ الباليستية، في تعاون لا تخطئه العين مع كوريا الشمالية، طهران التي تعتقل المواطنين الأميركيين بشكل متعسف.

لكن ليس كل ما يبغيه المرء يدركه؛ ذلك أن من حوله - لا سيما جنرالات البنتاغون - يدركون أن الأمر ليس هيناً أو يسيراً إن دفع دفعاً نحو الإلغاء الكامل، وربما الأفضل تضييق الخناق مع بقية الشركاء على إيران التي تخرق روح الاتفاق لا بنوده.

رجل الساعة في واشنطن اليوم وحول ترمب، هو المفكر المحارب الجنرال هيربرت ماكماستر، مستشار الأمن القومي الذي أدرجته مجلة «تايم» الأميركية بقائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيراً في العالم عام 2014، قائلة آنذاك: «قد يكون أفضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الحادي والعشرين».

يحجم ماكماستر من شطحات ترمب، ويوصي بسحب الثقة من الاتفاق النووي مع إيران، ليبدو الأمر كعاصفة من دون أن يصل إلى حد الضغط على الكونغرس لفرض عقوبات جديدة ضد طهران، قد تؤدي لانهيار الاتفاق.

يود ترمب أن يسترجع ما خسره من شعبية في عيون الأميركيين، ويرى في تنفيذ وعوده الانتخابية تجاه الاتفاق الإيراني مسرباً ملائماً، غير أن الكلمة الأخيرة حكماً للجنرالات، وبخاصة بعد أن لمح جيمس ماتيس، وزير الدفاع، الجنرال الأعزب المتعطش للقراءة ودراسة التاريخ العسكري، ما جعله يحصل على لقب «المحارب الزاهد» إلى أن الاتفاق النووي يخدم مصلحة بلاده، وعلى ترمب التفكير في الحفاظ عليه.

رؤية الجنرالات واضحة عبر معادلة بسيطة ومفهومة: الاتفاق النووي يؤخر حصول إيران على السلاح النووي، فيما إلغاء الاتفاقية يتيح للإيرانيين فرصة ذهبية للعودة من جديد إلى دائرة السعي لاقتناء أسلحة الدمار الشامل.

لا يود الذين يوسوسون في أذن ترمب أن يظلوا في الساحة الدولية بمفردهم، فالصين وروسيا حكماً سترفضان رفضاً قاطعاً الإلغاء الأميركي، ما سيعقد المشهد الدولي بأكثر مما هو معقد، فيما الأوروبيون ينكرون على ترمب ما يخطط له، وقد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التخلي عن الاتفاق بأنه «خطأ جسيم»، ويصف عدم احترامه بأنه أمر غير مسؤول.

أما الألمان فقد تحدث بلسانهم وزير خارجيتهم سيغمار غابرييل في الأمم المتحدة، بلسان براغماتي لا يخلو من وجاهة في التفكير بالقول: «حال إلغاء الاتفاق، من سيثق لاحقاً في أي اتفاقيات دولية»؟

يمكن القطع بأن الاستراتيجية التي سيعلنها ترمب خلال الساعات المقبلة سوف تلقي بتبعات واستحقاقات على حلفاء إيران والميليشيات التي تدعمها، والجماعات الإرهابية التي تقف وراءها، والحديث هنا لمجلة «بوليتيكو» الأميركية ذائعة الصيت، هذا عطفاً على مطاردة شبكة التحويلات المالية لإيران حول العالم، وفي الأثناء عينها يتوقع أن تصنف الإدارة الأميركية «الحرس الثوري الإيراني» كمنظمة إرهابية، وربما لن توفر واشنطن «حزب الله» من الاتهام ذاته، ما يعني أن الرياح العاتية ستلامس ما هو أبعد من طهران جغرافياً وديموغرافياً.

والشاهد أن نظرة متأنية للمشهد الأميركي تجاه إيران لا بد أن تربط بين واشنطن وكوريا الشمالية، تلك التي هدد ترمب بإزالتها إن تعرض أمن أميركا للخطر، والنظرة هنا ترجح العاصفة على الإعصار، فحال إغلاق الباب أمام الإيرانيين ستصل الرسالة إلى الكوريين سلبية جداً؛ حاملة معاني ودلالات على أن لا فائدة ترجى من التعاطي مع الأميركيين دبلوماسياً، وأن المحادثات معهم وقت ضائع، وهو ما لا ترغب في الوصول إليه النخبة الدبلوماسية، وربما العسكرية، في واشنطن اليوم.

التخلي عن الشكل وليس المضمون غالباً هو ما سيذهب إليه ترمب، ضمن حزمة من الإجراءات المقيدة لأحلام إيران التوسعية غير السلمية.
عاصفة أم إعصار؟
ترمب رئيس صعب قراءة أفكاره، فيما النتيجة الحتمية في كل الأحوال تضييق الخناق من حول رقبة الملالي.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٧
منتخب سوريا.. منتخب وطن، أم وسيلة لتلميع النظام؟

ربما لم نر انقساما في التاريخ العربي الحديث وحتى في العالم، حول تشجيع منتخب كرة قدم كما شهدناه حول تشجيع المنتخب السوري ضد أستراليا في تصفيات التأهل إلى كأس العالم 2018. وكان سبب الانقسام الرئيسي رؤية جزء من المؤيدين للثورة السورية بأن هذا منتخب للنظام السوري ويستخدم لأغراض سياسية. أما آخرون مؤيدون للنظام، وكذلك جزء من المعارضين له، رأوا بأن هذا المنتخب يمثل سوريا ولا يجب خلط السياسة بالرياضة.

في الحقيقة، ومن ناحية المبدأ، لا يجب خلط السياسة بالرياضة وتحييدها عنها، وعادة ما تلقى المنتخبات الرياضية إجماعا من مواطني الدولة لا تلقاه الأحزاب السياسية. لكن الوضع في الحالة السورية مختلف تماما، فهو ليس خلافا سياسيا، بل جرائم إبادة ترتكب على مرأى العالم كله، ويستخدم النظام القوانين الدولية والثغرات فيها للاعتراف بالحكومة (النظام) كممثل شرعي وحيد، وزيادة الضغط على أي معارض له، وارتكاب جرائم الإبادة تحت مسميات السيادة وبأن الدولة هي الوحيد الذي يمتلك حق استخدام القوة.

مبدأ السيادة هذا استخدمه النظام في الرياضة أيضا، وحصل على تضامن الفيفا الضمني بحسب تقرير استقصائي بثته قناة ESPN الرياضية. ونشر رواد موقع التواصل الاجتماعي صورا تثبت أن سلطات الملاعب في سيدني منعت إدخال أي علم آخر غير العلم السوري المعترف به دوليا، مستثنية بذلك علم الثورة تحت نفس القانون. وبالتالي، حصل مؤيدو النظام على فرصة دولية للتعبير عن رأيهم في حين حرم المعارضون منها، في حرب غير متكافئة أخرى بين المعسكرين.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، من الذي أقحم السياسة في الرياضة؟ هل جمهور المعارضة أم النظام السوري ذاته؟ النظام السوري منع مشاركة أي لاعب في المنتخب إذا كان من المعارضة إلا إذا عاد وأعلن تأييده للنظام، وبشكل فظ، وعمر السومة الذي تشكر الأسد على دعم المنتخب وتمنى لو لم يكن لاعبا أن يكون ضابطا في الجيش، وكذلك فراس الخطيب، الذي شكر راعي الرياضة والرياضيين أبرز مثالين على ذلك. وهذا دليل على أن النظام يريد أن يذكر الجميع بأن لا مستقبل رياضيا أمام أحد، مالم يكن موقفه السياسي موافقا له. فاستثنى بذلك مشاركة الساروت حارس منتخب شباب سوريا، وخربطلي وجهاد الحسين الذي رفض الانضمام إلى المنتخب.

هناك العشرات من المعتقلين الرياضيين في سجون الأسد، لم ينبس زملاؤهم في المنتخب عنهم ببنت شفة. كجهاد قصاب الذي توالت أنباء غير مؤكدة عن وفاته في المعتقل، وطارق عبد الحق. كما ذكرت مؤسسات حقوقية عن مقتل نحو مائتين وخمسين رياضيا بسبب قصف النظام أو تعذيبهم حتى الموت، 36 من هؤلاء كانوا يلعبون في أندية الدرجة الأولى، بحسب تحقيق ل ESPN.

إذا ما أردنا تجاهل كل هذه العوامل الأخلاقية، مازال هناك جانب سياسي، فالرياضة يمكن استخدامها من قبل الأنظمة الاستبدادية في السياسة كنوع من البروباغاندا. وهي مفيدة جدا في محاولة خلط المشاعر إزاء موقف سياسي. فالمؤيد للنظام سيشجع المنتخب بأية حال، أما المعارض فسيجد نفسه يريد سببا ليشجع منتخبا يلعب باسم بلاده، وينسى فكرة أن النظام، والاتحاد الرياضي، ومدربي الفريق، واللاعبين، صرحوا جميعهم بأنهم يلعبون لرفعة اسم الأسد. ويحاول أن يبني صورة ذهنية أن ذلك قد يكون سببا للتلاقي وبناء وطن بعيدا عن السياسة.

وقد يكون الجواب متوفرا في أبرز مثال على استخدام الرياضة في البروباغاندا السياسية: أولمبياد برلين عام 1936، الذي استخدمه هتلر ليجعل ألمانيا تبدو قوية وموحدة، ولاستمالة الشباب وتلميع نظرية "العرق الآري" المتفوق على جميع الأعراق الأخرى. يقول البعض إن التاريخ كان سيسجل أن ألمانيا هي انتصرت في ذلك الأولمبياد بحصدها أكبر عدد من الميداليات، لكن انتصار ألمانيا النازية في الأولمبياد ساهم في تسويق فكرة تفوق العرق الآري.. وأدى إلى خسارة ألمانيا، بحجرها وبشرها، عام 1945. في الحقيقة لا يمكن أن يذكر أولمبياد برلين دون ذكر اسم هتلر.. ولا يمكن أن نذكر منتخب سوريا.. دون أن نذكر الأسد.

اقرأ المزيد
١٢ أكتوبر ٢٠١٧
التغريبة الديرية ... مدينو ديرالزور بين "الموت" أو الهروب الى مجهول يتبعه الموت"

يواجه مدنيو دير الزور حرباً شاملة معلنة من عدة أطراف تتصارع فيما بينها على أرض هي الاغنى بثرواتها وخيراتها، حرم أهلها ومدنيوها منها لعقود طويلة، فكانت حجة "محاربة الإهاب" هي الدافع لكل هذه القوى لتسيير الجيوش وكل هدفهم تخلص المدنيين من تنظيم الدولة لا أكثر، فلا مطامع ولا أهداف أكثر من هذه الأهداف التي يتبادل فيها المتحاربون الأدوار في ترديدها وترويجها.

هذا الخلاص لابد له من فاتورة كبيرة تدفع لأجل التحرير، ولا أغلى من دماء أهلها التي باتت مدنهم وبلداتهم قبراً كبيراً تدفن فيها أشلائهم وأوجاعهم، باسم محاربة الإرهاب، والذي بات الحجة الرائجة والدامغة وموضة العصر لمواصلة قتل الشعب السوري الثائر وترسيخ السيطرة لوكلاء هذه الدول ممثلة بتنظيم الدولة والميليشيات الشيعية وقوات قسد، تتسابق مدعومة بطرف دولي للهيمنة وبلوغ مواضع الثروة على حساب دماء وأشلاء مدنيي دير الزور.

حركة نزوح هي الأكبر منذ سنوات عدة تشهدها محافظة دير الزور من مناطق عدة في البوكمال والميادين هرباً من الموت إلى مصير مجهول، لاتعرف نهايته، جراء ماتتعرض له المحافظة من هولوكوست حقيقي يستهدف بنيتها التحتية والبشرية وكل مايعترض طريق عملياتها، سجلت مئات الغارات الجوية خلال أيام قليلة على أرياف المحافظة تتشارك في رمي قنابل الموت طائرات روسيا والتحالف وعلى الأرض تتصارع القوى والوكلاء.

التغريبة الديرية اليوم هي الأكبر في موجات النزوح المتلاحقة التي شهدتها المناطق السورية خلال أعوام الثورة بسبب جور وظلم من ادعى نصرتهم، إلا أنه نزوح وهروب إلى المجهول، كون لا ملاذ آمن في دير الزور، ففي الشرق العراق وميليشيات الحشد التي تلاحق المدنيين، وفي الغرب الرقة المعذبة التي تنال نصيبها من الموت والقصف اليومي، فلا موضع تنزح إليه العائلات الهاربة من الموت إلا باتجاه مناطق قوات قسد وهناك مرحلة جديدة من العذاب والموت بشكل آخر.

بين رحلة الموت إلى المجهول تلاحق صواريخ التحالف وروسيا المدنيين فتقصفهم في العبارات المائية وفي مناطق نزوحهم، تقتل من سلم من قنابلها التي طالت مدنهم وبلداتهم، فيتحول الهروب إلى موت جديد، موت تختلط فيه صنوف العذاب بين التشرد والجوع والموت حرقاً وغرقاً، تمتزح الدماء الطاهرة بعذوبة نهر الفرات الذي يبكي أهله ودياره لما حل بهم من مجازر وعذاب.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان