مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
العرب إلى أين؟

ليست تأثيرات أزمات العرب منعزلة عن بعضها، حتى وإن اعتقدت دوائر صنع القرار ذلك، فالوقائع، الجارية والتاريخية، أثبتت أن كل أزمة إقليمية تنتج حزمةً من التداعيات التي تدخل في مجال التأثير لكل دولةٍ من الخواصر الضعيفة، ومن حيث لا تستطيع أجهزة تلك الدولة منعها، ولا حتى تقدير حصولها.

ربما، وحدهم العرب لم يصلوا بعد إلى هذا الاكتشاف الذي يكاد يسجل في خانة بديهيات الأزمات الإقليمية. لذلك تسارع المنظمات الإقليمية، عبر أدواتها، إلى محاولة السيطرة على الأزمة قبل وقوعها، وإذا وقعت، فعادة ما تجري محاولة التخفيف من حدتها ومن تداعياتها، ومن الإجراءات المتبعة صيانة الأمن الإقليمي.

أثبتت أزمات التاريخ المعاصر، والتي يمكن التأريخ لبدايتها منذ الغزو الأميركي للعراق، أن العرب هم من يدفعون ثمن الأزمات من بابها إلى محرابها، عدا عن الخسائر الجانبية هنا وهناك. وهكذا، فإن كل أزمة تحسم من أرصدتهم ومن قوتهم أسهما كثيرة، وتكون نتائجها، في الغالب، انكشافا على المستوى الإستراتيجي، بكل عناصره الأمنية والسياسية والاقتصادية، وأخيرا بات النسيج الوطني والوحدة الاجتماعية من أبرز عناصر الخسارة.

في الجولة الأخيرة، انهزم العرب، تكتيكيا واستراتيجيا. انهزموا لأن القوى الخارجية حوّلت الفضاء العربي إلى ساحة لصراعاتها الجيوسياسية، وعلى حساب الثروات والأمن العربيين، وانهزموا في إدارة الأزمة، والتقليل من آثار مخرجاتها، بل تم تهميشهم إلى أبعد الحدود، ولم يتح لهم الاشتراك في تقرير مصير الإقليم، على الرغم من الترابط الأمني الهائل بين وحداته.

يعيش الإقليم اليوم مرحلة إعادة ترتيب الأوضاع، وتقييم الفرص والمخاطر. تدور جميع السياسات الإقليمية والدولية حول هذا الحدث الكبير، صراعا وتفاوضا، وحدهم العرب غائبون عن المعترك، ويتلقطون أخباره من أطرافٍ خارجية، وكأن الأزمة ليست مقيمة في بلدانهم.

لكن، هل يعاد إنتاج الأزمة (الأزمات) في العالم العربي، على اعتبار أن نتائج جولة الصراع الحالية، على الرغم من كارثيتها على العرب، لم تكن كافية لحسم تراتبية مواقع الأطراف الإقليمية والدولية؟ مع العلم أن نتائج هذه الجولة كانت كافيةً لإحداث تأثيرات مديدة، ستترك آثار أعطابها في الجسد العربي سنوات، إن لم يكن، لعقود مقبلة؟ لا شك أن مخرجات المرحلة الحالية، وبما أنها ستكون لصالح أطراف إقليمية ودولية، فمن الطبيعي أنها سترتب خسارة طويلة الأمد على أطراف أخرى، وهذا ليس تقديرا بقدر ما هو واقع، له مقدمات واضحة، ستبنى عليها نتائج مؤكدة.

هل ثمة طريقة لوقف مسار الانحدار الذي وجد العرب أنفسهم في سياقه، حالهم حال قشة تجرفها مياه نهر متدفق؟ هل علينا أن نقف عند مرحلة وصف الأحداث والتفجع على نتائجها؟ مللنا هذا الدور، وأرهقتنا الأحداث، وهرمنا يا صاحب تونس، وسؤال "ما العمل؟" أكثر الأسئلة المستدامة في حياتنا، ورثه آباؤنا عن أجدادنا، ولا نريد أن نورثه لأبنائنا. نحن أمةٌ، على الرغم من كل ثرواتها وإمكاناتها لم تستطع أن تورث لأجيالها أكثر من سؤال "ما العمل؟".

مثل بقية شعوب الأرض، كانت لنا مبادراتنا على الدوام، كنا شركاء جادين في حقبة محاربة الكولونيالية والنضال التحرّري ضد العبودية، وقدمت ثوراتنا، من الجزائر إلى مصر وفلسطين، حصة كبيرة من الدم في بورصة التحرّر العالمي، ولكن عند حساب الغلة نكتشف أنه "ما في شي"، ولا حتى استرجعنا جزءا من رأس المال، فلا الدول التي صنعناها كانت دولا بمعنى الكلمة، ولا شيء فيها يمت لنا بصلة، لا الجيوش ولا الزعماء، ولا حتى ما تسمى الأناشيد الوطنية.

أسس ذلك كله لمسار الربيع العربي، وهو أيضا مبادرة من شعوبنا لمشاركة العالم في صناعة قيم الحرية والديمقراطية. انطلقنا، تماماً، من النقطة التي انطلقت منها ثورات الشعوب، التاريخية والمعاصرة، حيث الفساد والاستبداد في ذروته، كان لدينا بدل ماري أنطوانيت واحدة كثيرات في قصور الحكم العربية اللاتي يعتقدن أن الكعك بديل مناسب للشعوب التي لا تجد الخبز.

ولم يكن الربيع العربي ابن ساعته، بل نتاج عمل سنوات طويلة، تصل إلى مرحلة النكسة.

ونحن ننظر للربيع العربي، لكن كانت دائما تنظيراتنا غير واضحةٍ ومرتجفة، وغير أصيلة، وليس لها أساس وبنيان قوي. وجاء الربيع على شاكلتها، حماسة كبيرة وتضحيات جسام من دون تأثيرات عميقة، وإذا كان معيار الانتصارات والخسائر كمْ من السلطة تحصّل فنتيجة الربيع العربي صفر، وإذا كان المعيار حجم التغيرات فالنتيجة سلبية، وتحت الصفر بكثير.
وصلنا اليوم إلى مرحلةٍ الجميع مهزوم فيها، شعوبا ونخبا وأنظمة، ومن يقول عكس ذلك يكابر على خازوق، وليست شعوب العراق وسورية وفلسطين الوحيدة المنكوبة، جميع الشعوب العربية تعيش النكبة بطرق مختلفة، وتبدو هزيمة الشعوب مركّبة وقاسية، فبالإضافة إلى نكبات التهجير والقتل، خرجوا من المعركة الأخيرة موسومين بالإرهاب، أما الأنظمة فعزاؤها بقاؤها في السلطة، ولو على جثة الأوطان، فإلى أين نسير بعد سلسلة طويلة من الانكشافات الأمنية والعسكرية التي حوًلتنا إلى عراة، يستعرض الخارج الإقليمي والدولي عرينا في كرنفال لا نهاية له.
لا أحد يستطيع الزعم أن لديه خريطة طريق للخروج من الواقع المرير، أصلاً الجميع غارق في لجج الكارثة، ويلهثون لفهم التطورات المتدفقة كالسيل الجارف، كما أن كل الطاقات موجهة لتخفيف حجم الآثار الكارثية. لكن ثمة اعتقاد بأن هناك نخبا وقوى حيّة ستظهر قريباً، لن تسأل عن العمل، لأنها باتت تعرف تماماً مواطن العلّة، وكيف ومتى وأين ستجتثها. لا شيء ببلاش، كما يقول المثل، ومسيرة عذابات الربيع العربي وما قبله لن تنتهي عند بحور الدماء التي نزفت.. ثمّة بذرة للخلاص، روتها تلك الدماء.

اقرأ المزيد
٢٢ أكتوبر ٢٠١٧
موسكو – طهران... اقتراب ساعة التغيير

تشغل العلاقة بين موسكو وطهران حيزا كبيرا من اهتمام السوريين بشأنهم الوطني والثوري. في الوعي السوري العام، يعتبر وجود طهران العسكري في سورية ضروريا لموسكو التي تمتلك قوة جوية وبحرية فاعلة، لكنها تفتقر إلى قوات برية ضاربة، تمكّنها من تحقيق الانتصار بقدارتها الذاتية، من دون شراكة مع أو مساندة من أحد.

تحتاج موسكو إلى عون إيران، ما دامت نار الحرب تلتهم سورية، وموسكو عازفة عن إرسال جيشها البري إليها، تحسبا لفخٍّ قد تقع فيه، بعد فخ أفغانستان الذي لعب دورا كبيرا في إنزال هزيمة مهينة بها، أسهمت في إسقاط النظام السوفييتي. ومع أن موسكو أرسلت بعض عسكرها، ومرتزقة ينتمون إلى وحداتٍ تشبه مرتزقة "بلاك ووتر" في العراق، فإنها تتخوف من توسيع انخراطها البري في القتال، وما سيعقبه من سقوط قتلى من جندها الذين فقدت بالفعل أعدادا مقلقة منهم خلال العام الماضي. في بحثها عن بديل، وجدت موسكو من مصلحتها التعاون مع إيران، ضمن حساباتٍ تمكّنها من التحكّم برهانات الملالي، المغايرة لأهدافها، وبرزت خلافاتها معها في مواضع كثيرة، مثلما حدث حين نفذ الحرس الثوري، ومرتزقته اللبنانيون والعراقيون والأفغان، هجوما عارضته روسيا في سوق وادي بردى، خاضه حزب الله وشبيحة الأسد، بحجة الحرب ضد جبهة النصرة، واستمروا فيه إلى أن احتلوا منابعه التي تزود دمشق بمياه الشرب، على الرغم من بيان عسكري روسي نفى وجود "النصرة" في منطقته، وطالب بوقف الهجوم عليه.

تحتاج روسيا إلى قوات إيران البرية لكسب الحرب، فهل ستحتاج إليها بالقدر نفسه، لإنجاح حل دولي يعيد السلام إلى الربوع السورية؟ من المعروف أن مواقف الدولتين السورية تتباين في ما يتعلق بأغراضهما، وبالمآلات التي يراد للوضع السوري أن يبلغها، بما في ذلك مصير الأسد ونظامه ووظيفتهما المستقبلية. ترفض إيران حل الصراع سياسيا، بينما تتولى روسيا الإشراف عليه، وتبذل جهودا مضنية لتمريره. وتعمل طهران لحل محض عسكري، يدمر أية مقاومة يواجهها نظام الأسد الذي تعتبره جزءا من كيانها السيادي. وعلى الرغم من أنها حضرت لقائي فيينا الدوليين حول السلام، فإنها تمسكت برفض وثيقة جنيف 1 وقرار مجلس الأمن 2118، وخريطة طريق الحل السياسي الدولي التي رسماها من أجل وضع حد للحرب، وإقامة نظام تسويات دولية وإقليمية لا يمكن طهران من الانفراد بسورية من جهة، ويلبي بالأحرى مصالح القوتين العظميين وأهدافهما في سورية والإقليم من جهة أخرى. تعارض إيران الحل السياسي، لأنها ستكون بعده مجرد طرفٍ فقد تحكّمه بالصراع، وغدا جهةً يحدد الجباران علاقتها بسورية، حسب تفاهماتهما، وبما يتفق مع خططهما التي تقول إشاراتها أن واشنطن قد تستهدف إيران، حتى قبل تسوية الموضوع السوري.

ليس السلام والحل الدولي مصلحة إيرانية، ويرجح أن يفرض عليها مواجهة مع الدولتين الكبيرتين تتحدى قدراتها، وأن يرغمها على قبول الدور الذي سيقرّرانه لها، ليخدم مصالحهما، من دون أن يستجيب، في الوقت نفسه، لما أرادت بلوغه عبر انخراطها في الصراع السوري. بكلام آخر: مع السلام، لن تبقى روسيا بحاجة إلى دعم قوات طهران البرية، ولن تسمح لها بالتالي بمواصلة دورها السوري الراهن الذي يتعارض مع خطتها لإقامة نظام أمن إقليمي، انطلاقا من موقع سوري لا يشاركها فيه أحد، تستعيد بواسطته ما كان للاتحاد السوفييتي من نفوذ وحضور في المنطقة العربية بالأمس، حسب تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

ستتحرّر روسيا قريبا من حاجتها إلى مرتزقة إيران، فإن سعت إلى السلام بتفويض أميركي، كما هو مقرر دوليا، كان عليها القيام بتدابير جدية لإضعاف الوجود الإيراني في سورية، لكبح منافسته لها على الموقع السوري، مع ما سينتجه ذلك من تناقض وتباعد في مواقف وأهداف بلدين يستخدم الإيراني منهما جيشه ومرتزقته لإثارة مشكلاتٍ من شأنها إحباط أو عرقلة حل سياسي تربط روسيا استراتيجيتها ومصالحها الدولية بنجاحه.

هل يمكن للتبدل المرتقب في علاقات الدولتين أن يكون فرصة نستغلها لتحسين أوضاعنا نحن السوريين، ولتوسيع هوامش مناورتنا تجاه إيران والنظام الأسدي؟ وهل يتيح لنا مداخل إلى تفاهم مع روسيا ضد بقاء الحرس الثوري ومرتزقته في وطننا، يعيد بعض التوازن إلى سياستها في بلادنا، بحيث تأخذ بالاعتبار رفض شعبنا الأسد ونظامه، ولموقفها من حقوقه التي لن يتحقق سلام من دون تلبيتها.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
هل تعرف سورية عملية إعادة إعمار قريبا؟

ردّد الإعلام السوري أن افتتاح معرض دمشق الدولي صيف العام الجاري (2017)، بعد توقف استمر منذ 2011، هو بمثابة إعلان عن بداية الإعمار في سورية. ويطلق النظام بعض مشاريع يدرجها تحت مسمى "إعادة الإعمار"، وتكثر الأحاديث اليوم في وسائل الإعلام الغربية عن إعادة الإعمار في سورية. وتعلن روسيا أنها ستقود إعادة الإعمار هذه، ويتحدث لبنان عن توسيع ميناء طرابلس، لاستيعاب الطلب الهائل المرتقب على البضائع ومواد البناء التي تتطلبها إعادة الإعمار في سورية. واستضافت عمّان نهاية يوليو/ تموز الماضي مؤتمراً دولياً بعنوان "إعادة إعمار سورية"، حتى الصين التي نأت بنفسها طويلاً عن الصراع في سورية استضافت في بداية أغسطس/ آب أول معرض تجاري لمشاريع إعادة إعمار سورية، والذي أعلنت فيه إحدى مجموعات التجارة العربية- الصينية توجهها إلى بناء حدائق صناعية في سورية. ويصرح رئيس مجلس الغرفة التجارية السعودية السابق، عبد الرحمن بن عبدالله الزامل، لصحيفة تركية بأنّ "الحرب في سورية لن تطول أكثر من عام، وأنّ تركيا والسعودية ستقودان إعادة إعمار سورية". لكن، على الرغم من ذلك كله، هل ستبدأ إعادة إعمار سورية قريبًاً؟

تكاليف هائلة
لمعرفة واقعية تلك التصريحات، لا بد من معرفة حجم الدمار المادي والمجتمعي الذي تتطلب إعادة إعماره تكاليف هائلةً. ولا توجد دراسات موثوقة لتقدير تكاليف إعادة البناء، فعملية الهدم مستمرة، وإن تراجعت حدتها. ولكن يمكن إلقاء نظرة عامة على الدمار واحتياجات إعادة البناء. ويتركز الدمار المادي والمجتمعي في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة أو "داعش" وجبهة النصرة. وتتشكل تكاليف إعادة البناء من مجموعة من المكونات:
- نفقات لإعادة بناء ما تم تدميره، وتشمل نحو مليون بيت مدمر ونحو مليون بيت آخر تحتاج لإصلاح، إضافة إلى جزء كبير من المدارس والمستوصفات والمشافي ومباني المؤسسات الحكومية والمصانع ومباني الشركات العامة والخاصة، والطرق وشبكات الكهرباء والماء والصرف الصحي وأقنية الري وغيرها. إضافة إلى جزء كبير من المؤسسات والشركات العامة والخاصة وموجوداتها من آلات ومعدات وتجهيزات تم تدميرها أو سرقتها في تلك المناطق. ويتركز معظم الدمار في مدينة حمص وريفها، وخصوصا الحولة والرستن وتلبيسة، وريف حماه الشمالي والشمالي الغربي، ومدينة حلب وريفها ومدينة درعا وريفها، ومدينة دير الزور وريفها، ومدينة الرقة وريفها، ومدينة إدلب وريفها، وشمال اللاذقية وجزء من مناطق البادية وتدمر، وبعض مناطق أخرى. أي معظم مناطق سورية.

- نفقات لإعادة بناء مؤسسات الدولة في جميع القطاعات، من مديريات وزارات خدمية واقتصادية لإعادة تنظيم الحياة، وإعادة بناء الشرطة والجيش، لتكون قادرة على ضباط الأمن، وطرد جميع المقاتلين الأجانب، وتحقيق الاستقرار.
- نفقات لحل مشكلة مئات آلاف من المسلحين على كلتا جبهتي القتال، وإيجاد بدائل دخل لهم كي يتخلوا عن حمل السلاح.
- نفقات إعادة توطين ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، وستة ملايين مهجر داخلي. إضافة إلى مليون آخر في بقية دول العالم، وهو عبء أكبر من كبير.
مما تقدم، يظهر بجلاء أن تكاليف إعادة البناء ليست بضعة مليارات، أو حتى بضع عشرات مليارات الدولارات، التي يمكن تأمينها بسهولة أو بصعوبة محدودة خلال بضع سنوات، بل هي مئات مليارات الدولارات، وقد قدّرها البنك الدولي العام الماضي بنحو 200 مليار دولار، ما يضعها خارج أي إمكانية لتأمينها عن طريق منح وتبرعات. ولن نبحث هنا تعقيدات العملية ذاتها.

لتحقيق مصادر تمويل كافية لنفقات بهذا الحجم، يجب النجاح في تأمين حزمة كافية من المصادر: 1) تبرعات وإعانات مجانية من حكومات ومنظمات عربية وعالمية مانحة، 2) قروض تُمْنَح للدولة السورية، 3) صناديق تمويل تَمْنَحْ قروضا ميسرة للشركات وللأفراد، 4) استثمارات السوريين في الداخل والخارج، 5) استثمارات عربية وأجنبية، 6) إعادة إطلاق الاقتصاد السوري. وستلعب الإعانات دور "المحفز" لبقية المصادر، والتي ستخلق المقدمات الأولية لبقية المصادر. ولكن ما سيعيد الإعمار فعلاً تنمية القدرات الذاتية لسورية والسوريين، وهي ما زالت مدمرة.


من سيموّل؟
فقدت سورية خلال الصراع معظم قدراتها الذاتية، وأصبحت قدرتها على التمويل الذاتي لإعادة الإعمار أمرًا غير وارد، بسبب ضخامة احتياجات إعادة الإعمار. وعلى الرغم من ذلك، يصرح رئيس الوزراء السوري، عماد خميس، بأنّ "أولوية الاستثمار في سورية ستُعطى لرجال أعمال من دول صديقة وشقيقة، وقفت بجانب سورية في حربها ضد الإرهاب". لكن إلى جانب الدعاية السياسية في هذا التصريح، فإنه يشير إلى جهل مطبق باحتياجات إعادة الاعمار ومصادر تمويلها الممكنة، فالدول التي يقصدها ليست قادرة على الإسهام الفعال في إعادة إعمار سورية، بل هي تريد أن تحّول إعادة الإعمار إلى مصدرٍ يدر عليها ربحًا، فروسيا لن تقدّم أي معونات، فوضعها الاقتصادي سيئ، وهي تنتظر أن تستفيد من وجودها في سورية. وقد أبرمت شركات روسية اتفاقاتٍ مع الحكومة السورية لاستثمار الغاز في المياه الاقتصادية السورية في البحر الأبيض المتوسط. وحصلت شركة ستروي ترانس غاز الروسية على امتياز استثمار الفوسفات في حقول فوسفات المنطقة الشرقية الذي كانت تسيطر عليه "داعش"، وقد تعاونت هذه الشركة مع شركة أمنية روسية، تسمى إيفروبوليس، ولها نحو 2500 مرتزق في سورية، تقاتل ضد "داعش" في المنطقة الشرقية في البادية وتدمر ودير الزور، و قد أبرمت اتفاقًا مع الحكومة السورية، تحصل بموجبه على 25% من إنتاج حقول النفط والغاز التي تفلح في تحريرها من سيطرة "داعش". وتدعو روسيا الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي إلى دعم إعادة إعمار سورية، بدون ربط الدعم بتحقيق حل سياسي، وهذا لن يتحقق، فجميع الدول المرشحة لدعم إعادة الإعمار لا تعد مسار أستانة حلًا سياسيًا، وتتمسك بمسار جنيف وقرار مجلس الأمن 2254. وإيران هي الأخرى ليست في وضع يمكّنها من تقديم أي مساعدة فعالة لإعادة الإعمار، وكل ما يمكن أن تفعله أن تشتري عقارات. وهناك 40 شركة إيرانية تشتري البيوت والعقارات في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية. وتطمح إيران إلى بناء قاعدة عسكرية بحرية على المتوسط. ولا يتوقع من الصين أن تقدم أي مساعدات، فهي اعتادت أن تقبض، ويمكن أن تأتي باستثمارات، وهذا أمر يسهم في إعادة الإعمار. ويقدم الاتحاد الأوروبي عادة مساعداتٍ تتخذ شكل مساعدات تقنية ومشاريع بنية تحتية، ولكنها ليست أرقاما كبيرة، كما تشترط الاستقرار عبر حل سياسي، يعيد وحدة سورية، كما يمكن لسورية أن تحصل على قروضٍ من البنك الدولي ومؤسسات مالية وعربية، فيما لو تحقق استقرار عبر الحل السياسي نفسه. وتبقى الدول الأقدر على تقديم المنح والاستثمارات هي دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه لن تسهم بإعانات أو استثمارات، ما لم يتم الوصول الى حل سياسي فيه حد مقبول بالنسبة لها، وإلا ستدير ظهرها وهذا هو المرجّح حتى الآن.


لا إعمار بدون حل سياسي
لن تتم إعادة إعمار حقيقية في سورية تعيد إعمار كل هذا الدمار، وتعيد المهجرين البالغ عددهم بين خارج سورية وداخلها نحو 12 مليون، وتعيد لحمة المجتمع الذي دمر هو الآخر، ولن تأتي الاستثمارات والمعونات والقروض على نحو كاف من أي جهة كانت، ما لم يتحقق الاستقرار وتعد وحدة سورية، ويتوقف الصراع داخلها، ويتوقف الصراع بين القوى الإقليمية على أرضها. ولن تتحقق هذه الشروط بدون حل سياسي، يشارك فيه أطراف النظام والمعارضة وبقية أطراف المجتمع السوري، ضمن صيغة تعيد وحدة سورية، وتحقق حدًا أدنى من عملية انتقال سياسي تمكّن الشعب السوري من ممارسة حرياته العامة، وأن تجري انتخابات نزيهة بإدارة دولية، بحيث تقتنع كل قوى المجتمع السوري، وتندفع إلى العمل على إنجاح إعادة إعمار شاملة مادية ومجتمعية. وأن يلقى هذا الحل دعم القوى الإقليمية والدولية.

ما زال هذا الوضع بعيدًا، ويتطلب تأمين كل هذه الاحتياجات لإعادة إعمار سورية شروطًا سياسيةً لا يبدو أنها تتحقق في الواقع، بل يبدو أن الواقع يسير عكس ما يحقق الشروط المناسبة لتأمينها، فسورية اليوم تسير باتجاه التقسيم إلى عدة مناطق سيطرة مستقلة، تتضح حدودها التقريبية بالتدريج، وإن كانت ما زالت متحركة، ولكن ما تلبث أن تستقر خلال بضعة أشهر. فالأكراد يسيطرون، بدعم أميركي على شمال شرق سورية، ويشمل محافظتي الحسكة والرقة وأجزاء من حلب، وينافسون النظام على دير الزور. وتركيا تسعى إلى توسيع منطقة سيطرتها لتشمل شمال شرق وغرب حلب ومحافظة إدلب. وتبقى المناطق الأوسع هي مناطق سيطرة النظام وحلفائه، من دير الزور لتشمل البادية وغرب سورية، بما فيها خط المدن من حلب الى حماه وحمص ودمشق والسويداء. ثم عدة مناطق مازالت تحت سيطرة المعارضة الآن في شمال حماة ومنطقة الرستن وتلبيسة في حمص وغوطة دمشق الشرقية والجزء الأكبر من محافظة درعا. ويتوقع أن تنتهي هذه المناطق تدريجيًا، لتصبح تحت سيطرة النظام، وإن كان مع بعض الخصوصية. إذن، لن يكون هناك سورية واحدة في الأمد القريب. وهذه أول عقبة أمام إعادة الإعمار، لأن هذا التقسيم يعني عدم الاستقرار.

من جهة أخرى، تكاد المعارضة السورية تخسر كل شيء، ويسارع داعموها إلى غسل أيديهم من دعمها ودمها. ويرفض النظام، ومن ورائه إيران، تقديم أي شيء للمعارضة، فهو لم يقبل تقديم أي شيء عندما كان في أصعب وضع سنتي 2012 و2013، وبالتالي هو لن يقدم أي شيء الآن لـ"معارضة منهزمة". وإيران تدعم هذا الحل الصفري، أي "لا حل سياسي، ولا شيء لمعارضة مهزومة".

يعلم الروس أن الحل الصفري لن ينتج سوى استمرار عدم الاستقرار، ولو بوسائل أخرى، وأمامهم تجربة العراق. وتعلم روسيا أنه بدون حل تقبل به فصائل المعارضة، وتؤيده تركيا والسعودية، وبقية دول مجلس التعاون، سيكون من الصعب تحقيق الاستقرار. وفي الوقت نفسه، لا تقبل روسيا طروحات المعارضة بانتقال سياسي. لذلك ضغطت روسيا على تركيا، ثم على السعودية، محوّلة موقفيهما الداعم للمعارضة إلى موقف ينسق مع موسكو، ودفعتهما إلى التراجع ضمنًا عن مسار جنيف، وعن قرار مجلس الأمن 2254 والقبول بمسار أستانة الروسي بديلا وحيدا متاحا، والذي لا يقوم على انتقال سياسي، بل على إعادة تأهيل النظام، فالروس مقتنعون أن مصالحهم مرتبطة ببقاء النظام من دون تغيير، مع إشراك المعارضة بحصة ثانوية من السلطة بعد تدجينها، وهو بديل يقدّم للمعارضة القليل. وضغطت روسيا عسكريًا على فصائل المعارضة للقبول بالشيء نفسه. وضغطت على النظام وإيران للقبول بمسار أستانة، بدلًا من حلهم الصفري. وتستفيد روسيا من الصمت الأميركي، والذي حدّد حصته بمناطق سيطرة الأكراد.

إطلاق إعادة إعمار بدون حل سياسي، إضافة إلى أنها لن تكون أكثر من إعادة إعمار محدود جدًا، فهي سترسخ التقسيم. وتفيد تجارب دول العالم بأن الصراع على تقسيم كعكة إعادة الإعمار يثير صراعات جديدة، ودورة جديدة من العنف، خصوصا في وضع سورية المقسمة إلى عدة مناطق سيطرة. وإعادة إعمار مع استمرار التقسيم يعني أن جهات محدّدة ستدعم إعادة إعمار محدودة في مناطق المعارضة، وبعضها سيدعم إعادة إعمار محدودة في مناطق سيطرة النظام، وقد لا يتوفر من يدعم إعادة إعمار مناطق سيطرة الأكراد، فأميركا لا تدفع لإعادة أي إعمار. وتبرعات إعادة الإعمار واستثماراته ومشاريعه المحدودة التي ستصل إلى كل منطقة سيتم تخصيصها للموالين والمناصرين لمن يحكم المنطقة، وحرمان المعارضين، أي لن تكون إعادة الإعمار في هذه الحالة وسيلةً للتعافي الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، بل ستؤسس لمصالح سياسية ومادية مافيوية، ونفوذ إقليمي ودولي، في كل منطقة، وستجد هذه المافيات والمصالح الإقليمية والدولية مصلحتها في استمرار التقسيم وتكريسه، الأمر الذي يعني أن إعادة الإعمار، في حال غياب حل سياسي يعيد وحدة سورية، ستبقى بعيدة إلى أجل غير قريب.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
النظام وداعش في سورية

يظهر الآن أن "داعش" على وشك النهاية، حيث صُفّي في معظم العراق، وكذلك في معظم سورية، وبقيت هوامش ليس أكثر. وجبهة النصرة (بغض النظر عن تسميتها الراهنة) أصبحت مُخضعة، وهناك قرار بتصفيتها، ولا يبدو أنها قادرة على المواجهة. كل ذلك يعني أن معادلة النظام أو "داعش" وجبهة النصرة قد انتهت، وأن الأمر بات يتعلق بالنظام الذي يقف على أرجلٍ من جيوش إيرانية روسية.

في كل الأحوال، كان "اليسار الممانع" ينطلق من هذه المعادلة: النظام أو "داعش" وجبهة النصرة، ويؤكد أن "الخطر الرئيسي" هو "داعش" و"النصرة"، بالتالي يجب "الوقوف مع النظام". وعلى الرغم من كل التأكيد على أن "داعش" و"النصرة" هما "بالون"، و"افتعال" من أجل تحقيق "مآرب أخرى"، وأنهما سوف ينتهيان، حين تتحقق هذه المآرب، فقد ظل هذا اليسار يصرّ على معادلة: النظام أو "داعش" وجبهة النصرة. ولا شك في أن العموميات، والتهويم، والضياع في "الأفكار" يؤسس لمعادلات خاطئة، ويُعمي عن فهم الواقع، وهذا هو وضع بعض أطراف "اليسار الممانع"، حيث يعيش حالة عماءٍ مفرط، وربما نقول إنه يعيش في حالة غيبوبة مفرطة. لهذا، كان يرى أن الصراع في سورية يقوم بين طرفين، هما: النظام من جهة، وداعش وجبهة النصرة من الجهة الأخرى، وإزاء هذين "الخطرين" لا بدّ من دعم النظام. بينما ترى أطرافٌ أخرى أن النظام "تحرّري" و"تقدمي" و"ممانع". وبالتالي، هي ضد كل قوة تواجهه. وهذه الأخيرة كتبت عنها كثيراً، لهذا أشير هنا إلى أصحاب تلك المعادلة التي أسست للوقوف مع النظام، والتوافق بالتالي مع مجمل "اليسار الممانع".

توهم هذا "اليسار" أن الصراع يجري بين هذين الطرفين: النظام و"داعش" وجبهة النصرة، ولأنه يمقت الى حدِّ الفجيعة الاثنين، رأى أن عليه الوقوف مع النظام، فهما "الخطر الرئيسي". ولقد أرهقنا في الشرح كيف أن "داعش" وجبهة النصرة بالون، و"أداة تدخل"، وليسا طرفاً رئيسياً في الصراع، بالضبط لأنهما افتعال "مخابراتي"، ينتهي دورهما حال الوصول إلى توافق دولي. وبالتالي ليسا جزءاً من معادلة الصراع الواقعي الذي هو صراع الشعب ضد النظام، وأكثر من ذلك هما أداة تخريبٍ لبيئة الثورة، وقمع للشعب الذي ثار، وقتل لناشطيه. بالتالي، هما في الواقع مع النظام ضد الثورة، بغض النظر عن كل الخطاب الذي يطرحانه، أو الدعاية التي تُبثُّ حولهما.

إذن، كانت المعادلة خاطئة بالأساس. لكن ماذا يمكن أن يقول هذا اليسار، بعد أن تلاشى "داعش"، وتعيش جبهة النصرة نهايتها؟ هل سيهلل لانتصار النظام، أم يكتشف زيف خطابه، ويعرف أن "داعش" و"النصرة: لم يكونا هذا الخطر الذي جرى اعتباره رئيسياً؟ وينكشف بالتالي أن لهما دورا أدياه بجدارة، وها هو يشارف على النهاية؟

يتعلق الأمر الآن بالتهليل لـ "انتصار" النظام، أو لكشف خطل التحليل السابق. وبالتالي فهم أن المعادلة التي رسمت المواقف كانت مختلَّة، وأن "داعش" وجبهة النصرة ظهرا افتعالا بغرض التدخل من الدول، وأن هدفهما كان تبرير التدخل من طرف، وتشويه الثورة من طرف آخر. لكن ما أحاول فهمه هو ماذا يمكن أن يكون موقف هذا اليسار بعد أن تلاشت تلك المعادلة؟ هل يحاول أن يفهم المعادلة الحقيقية التي هي معادلة: الشعب ضد النظام. والآن، الشعب ضد النظام والدول التي باتت تحتل سورية؟ أو يكتفي بإعلان "انتصار" النظام، على الرغم من أن الأمور لا زالت ليست بهذه البساطة، وأن الصراع مستمر؟

الآن، يتلاشى "داعش" وتنتهي جبهة النصرة، فأين سيقف اليسار الذي كان يدعم الأسد خوفاً من انتصارهما؟ لا يسمح العمى الأيديولوجي برؤية الواقع، ولا الوقائع، ولا يسمح كذلك، وبالتالي، بمراجعة مواقف سابقة، أو إعلان خطل موقف، أو خطأ سياسة.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
رهان إسرائيلي خليجي خاسر على ترامب

لم يؤد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عدم التصديق على التزام إيران بالاتفاق النووي المبرم في العام 2015 إلى النتائج التي توقعتها دول خليجية طالما راهنت على ترامب، والتمست مساندته لمواجهة إيران، بل بدت الولايات المتحدة في عزلة دولية أكثر من أي وقت، فقد سارعت الدول الكبرى المشاركة في الاتفاق النووي إلى إعلان معارضتها قرار ترامب، وأكدت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في بيان مشترك، تمسكهم بالاتفاق، وتأكيدهم على التزام إيران به، بل ذهب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى أبعد من ذلك، عندما أكد قصر الإليزيه أن ماكرون قد يزور إيران تلبية لدعوة الرئيس حسن روحاني، فيما يبدو أنها محاولة لطمأنة الإيرانيين. كما لم يختلف رد فعل الاتحاد الأوربي، فقد قالت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيه، فيديريكا موغيريني، بلهجة حادة، إن ترامب لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاق النووي. ودخلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الخط، لتؤكد صرامة إجراءات المراقبة التي تتبعها بحق إيران، لمنعها من امتلاك سلاح نووي، وذلك رداً على مزاعم ترامب إن الاتفاق مع طهران يتيح إجراءات مراقبة ضعيفة.

على الجانب الآخر، اقتصر الترحيب بقرار ترامب على عدد محدود من الدول، هي حصراً: إسرائيل والإمارات والسعودية والبحرين واليمن. سارع هؤلاء إلى مباركة القرار والترحيب الشديد به، بل وشدد بعضهم على أن دولته أول دولة ترحب بتلك الاستراتيجية الجديدة، وكأنه في سباق لنيل هذا "الشرف"، لكن هذه البروباغندا لم تخف أن حصيلة الموافقة على الاستراتيجية الجديدة متواضعة بكل المقاييس، وتؤشر إلى عجز الإدارة الأميركية الحالية عن إقناع مراكز القوى في العالم بسياستها.

تبدو هذه الحصيلة متناسبة تماماً مع عزلة ترامب نفسه على المستوى الداخلي، وهي عزلة امتدت إلى سياسته الخارجية، فهو يتعرّض لحصار من المؤسسات الأميركية الراسخة، خصوصاً وزارتا الدفاع (البنتاغون) والخارجية والكونغرس والقضاء. ولا يستطيع تمرير أي قرار إلا بشق الأنفس، وشهدت إدارته حملة استقالاتٍ غير مسبوقة لإدارة حديثة العهد، حتى إن مايك بنس نائب ترامب حاول جاهداً ثني وزير الخارجية ريكس تيلرسون عن الاستقالة، بعد أن وصف الأخير ترامب بأنه "أحمق"، وهو سلوك إدارة تدرك أنها في مأزق شديد، ولا تريد زيادة أزماتها المتلاحقة، وترغب في التسامح مع وزير خارجيتها، حتى بعد أن تطاول على الرئيس نفسه.

على المستوى الخارجي، قرار ترامب متناسب تماماً مع استراتيجيته الخارجية المرتكزة على التحلل من الالتزامات والاتفاقيات الدولية، وكان إعلان انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) آخر تجليات تلك الاستراتيجية، وهو انسحاب أدى بالتبعية إلى انسحاب إسرائيل. وكانت تقارير غير مؤكدة قد جاءت على اعتزام دول حصار قطر الانسحاب من المنظمة، لو نجح مرشح قطر، حمد الكواري، في انتخابات المدير العام، وهي تقارير لن تكون هناك وسيلة للتأكد من صحتها، طالما أن مرشح قطر قد خسر.

وقد سبقت هذا الانسحاب الأميركي من يونسكو انسحابات أخرى، أبرزها إعلان إدارة ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في يونيو/ حزيران الماضي، ومن "اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ" بداية العام الحالي، وتعليق المحادثات المرتبطة باتفاق الشراكة عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كما تهدد الإدارة الأميركية بالانسحاب من اتفاق التبادل الحر لدول أميركا الشمالية (نافتا) بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، بالإضافة إلى انتقادات مستمرة يوجهها ترامب لمنظمات دولية، مثل الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومنظمة التجارة العالمية. ويبدو مشروع جدار ترامب العازل الذي يريد إقامته على الحدود مع المكسيك مكملاً لمشروعه في فرض العزلة على بلاده مع العالم.

إذن، لا تبدو هذه الإدارة البائسة في وضع يسمح لها بتغيير قواعد اللعبة التي اتفقت عليها القوى الكبرى في العالم أجمع. ولذلك تبدو الدول المؤيدة لتلك الإدارة منعزلة عن تطورات العالم وحركته وتغيراته، ويبدو رهان دول خليجية (يصادف أنها دول حصار قطر) إضافة إلى إسرائيل، على ترامب فاشلاً هو الآخر، وسيكون حظه من حظ الإدارة الأميركية التي فشلت وستفشل مجدّداً.

اقرأ المزيد
٢١ أكتوبر ٢٠١٧
لماذا يقلق ترامب إيران؟

بسبب المعارضة الشديدة التي أبداها كبار مساعديه، خصوصا وزيرا الخارجية ريكس تيلرسون والدفاع جيمس ماتيس، لم يصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى حد إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، كما كان تعهد في حملته الانتخابية. مع ذلك، فإن جملة الإجراءات التي يهدّد باتخاذها، أو هو بصدد اتخاذها، ضد طهران تعد كافيةً لجعل الاتفاق النووي عديم القيمة، من وجهة نظر إيران، أو جزء معتبر من نخبتها الحاكمة. وبعكس الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي ركز على برنامج إيران النووي، يتجه ترامب إلى التركيز على نفوذها الإقليمي ونقاط قوتها التقليدية، خصوصا برنامجها الصاروخي الذي رفضت إيران إدراجه على طاولة البحث مع الغرب، إضافة إلى الحرس الثوري الذي يعد ذراع إيران الإقليمية الضاربة، والمسؤول عن سياستها الأمنية والخارجية في المنطقة العربية (سورية، العراق، لبنان، اليمن)، ومن ضمنه أيضاً حزب الله اللبناني الذي بدأت الحملة تشتد عليه أخيرا. وإذا قام ترامب فوق ذلك بتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، أو إعادة بعض منها، فذلك يعني أيضا إضعاف قدرتها على تمويل برامجها الصاروخية وعملياتها الخارجية، بما في ذلك نشاطات الحرس الثوري، خصوصا فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني، وكذلك حزب الله اللبناني.

عندما جرى التوصل إلى الاتفاق المرحلي بشأن برنامج إيران النووي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، كانت تقديرات الأجهزة الاستخباراتية الغربية أن إيران لا تبعد سوى شهرين عن امتلاك القدرة على إنتاج سلاح نووي. لكن واقع الحال كان يفيد بأن البرنامج النووي الإيراني، الذي ظل منذ كشفت المعارضة الإيرانية عن وجوده عام 2002، يبعد أشهرا عن امتلاك هذه القدرة، لم يكن سوى وسيلة لاستدراج الغرب إلى الاعتراف بالنظام الإيراني، ولرفع العقوبات الاقتصادية التي اشتدت على الأخير، بعد صدور قرار مجلس الأمن 1929 لعام 2010، وبلغت ذروتها مع عقوبات إدارة أوباما عام 2012، وأيضا للحصول على اعتراف أميركي تحديدا بنفوذ إيران الاقليمي.

مع انتخاب حسن روحاني رئيسا صيف 2013، كان على النظام الإيراني أن يقرّر أنه حان التخلي عن البرنامج النووي، الذي أخذ يستنفد الغرض منه أداة لجعل إيران دولة إقليمية مهيمنة، وأخذ يتحول إلى عبء يمكن أن يهدد ليس فقط مشروعها الإقليمي، بل النظام نفسه. في هذه اللحظة التي بلغت فيها الضغوط الاقتصادية والسياسية مداها، قرّر مرشد الثورة، والنخبة الحاكمة المحيطة به، أنه حان وقت التخلي عن البرنامج النووي، وحصاد ثمار أكثر من عقد من الاستثمار في بناء النفوذ الإقليمي الذي بدأ مع الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، ثم العراق عام 2003.

بدا أوباما الذي كان مستعجلا لإنفاذ وعوده بالخروج من العراق عام 2011، وأفغانستان عام 2014، بدا مستعداً لإعطاء إيران ما تريده مقابل التخلي عن برنامجها النووي الذي أراد أن يجعل من اتفاقٍ حوله إرثاً رئاسياً خاصا به، ولقاء مساعدته أيضا في تهدئة الأوضاع في العراق وأفغانستان، حتى يتمكن من الانسحاب بهدوء. كانت إيران، في المقابل، مستعدة لإعطاء أوباما ما يريده في مقابل الحصول على اعترافٍ بنظامها ورفع العقوبات القاتلة عنها، والإقرار بنفوذها الإقليمي. وهكذا حصلت الصفقة المجزية إيرانيا: النووي مقابل النفوذ الإقليمي، الأداة مقابل الهدف.

حتى وقت قريب، كانت إيران مطمئنة إلى أن الاتفاق النووي يضمن لها هذه الصفقة، فالاعتراف بالنظام حصل ضمنيا من خلاله، وجرى تصديقه من أعلى هيئة دولية (مجلس الأمن)، أما العقوبات فقد تمت إزالة كثير منها، المتصلة خصوصا بالملف النووي، في حين بقيت العقوبات المتصلة باتهامات الإرهاب. أما النفوذ الإقليمي فقد جرى الإقرار به، وإن بات على إيران أن تتقاسمه مع قوى أخرى في المنطقة، مثل روسيا وتركيا وأميركا.

مع ترامب، باتت كل الإنجازات التي حققتها إيران من وراء صفقة النووي في مهب الريح، فالرئيس الخلف المحكوم بعقلية القضاء على إرث السلف يريد من بين ما يريده استئصال نفوذ إيران الإقليمي، عبر استهداف أدواته ومقومات استمراره. لهذا السبب، تقلق إيران، فقد دفعت الثمن لكن البضاعة مهددة. هل هذا خبر جيد للعرب أم سيئ؟ يعتمد أي عرب نقصد!

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
إيران .. من أوباما إلى ترمب

لم ينعم النظام الحاكم في إيران بمساحة زمنية مريحة إلا في ظل المساحة الزمنية التي شغلت فيها إدارة باراك أوباما البيت الأبيض. وبرحيل هذه الإدارة، فقد نظام علي خامنئي امتيازات لم يكن يحلم بها حقا.. إنها حقيقة يعرفها الجميع، بمن فيهم أولئك الذين كانوا ضمن إدارة أوباما نفسها، وكانت لهم رؤى مختلفة عن إدارتهم حيال التعاطي السهل المتسامح مع إيران. الرئيس الأمريكي السابق أراد طباعة بصمة له في التاريخ السياسي لبلاده، من خلال اتفاق نووي مضطرب مع إيران، والكل يعلم أن حلفاءه (لاسيما الفرنسيين) ضاقوا ذرعا بهذا التوجه، ما جعلهم الطرف الأكثر تشددا مع النظام الإيراني خلال المفاوضات. والمصيبة، أن أوباما أراد أكثر من "بصمة" له في أسرع وقت ممكن. فأعاد (مثلا) العلاقات مع كوبا، دون أن يتحقق أدنى تقدم لحقوق الإنسان في هذا البلد، وترك الشعب السوري لمصيره البائس، متفاخرا بأنه ليس كسلفه جورج بوش الابن، يزج بالجيش الأمريكي في حروب خارجيا.. كل هذا أدى إلى هروب الولايات المتحدة من واجباتها كدولة كبرى، وانتشار فراغات ملأتها الفوضى والظلم والحروب والإرهاب.

إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب "رغم محليتها"، وجدت الثغرات المفجعة "الأوبامية"، في السياسة الأمريكية حيال إيران، ليس فقط من ناحية الاتفاق النووي الهش، بل أيضا من جهة الاستراتيجية الإيرانية التخريبية في هذه المنطقة أو تلك، بما في ذلك التخريب داخل إيران نفسها. كان لابد أن تتشدد وتطلق مخططات جديدة حيال هذا البلد الذي لم يوفر فرصة سانحة إلا وانتهزها لنشر الإرهاب والفوضى والطائفية. وقبل هذا وذاك، لتنفيذ وهمٍ يعود لأول أيام عهد الخميني، ينحصر في ماذا؟ في "تصدير" الثورة ومثل هذه "الصادرات" لم تنتج إلا الويلات، على جهة "المنشأ" نفسها وعلى بلدان "الاستيراد". وهذا النوع من التصدير كما الاستيراد يتطلب أموالا وتمويلا مكلفا. بمعنى ينبغي أن تكون هناك سيولة وافرة للمضي قدما فيه.

وفي عز العقوبات التي فُرضت على إيران بسبب برنامجها النووي الخطير، تلقت من الاتفاق النووي المرتبك، أول دعم مالي. كيف؟ برفع جانب مهم من هذه العقوبات الذي رفد نظام خامنئي بالأموال المطلوبة. هذه الأموال لم تذهب بالطبع إلى التنمية، وخفض معدلات البطالة في البلاد عن طريق توفير فرص العمل، ولا استخدمت في انتشال ما أمكن من إيرانيين من ميدان الفقر، بل راحت كلها لـ"الحرس الثوري"، وهذا الأخير هو في الواقع الجيش الإيراني الحقيقي، إضافة إلى أنه وزارة مالية موازية لوزارة المالية المدنية في حكومة رئيس لا يملك في الحقيقة القرار النهائي لأي شيء في كل البلاد. "الماستر" الأعلى هو "الولي الفقيه" الذي لا يفقه إلا الحروب والتدخلات العسكرية المشينة، وتمويل العصابات، واحتلال ما أمكن له من مناطق لا يربطها مع إيران حتى شريط حدود بعدة أمتار.

هكذا وفر اتفاق أوباما النووي المدد المالي لنظام يثبت يوميا أنه ليس فقط ضد السلام الإقليمي، بل ضد السلم العالمي أيضا.. ليس مهما. هنا الحديث عن انحناء حلفاء الولايات المتحدة الغربيين لرغبة إدارة تريد نصرا ذاتيا. واهما.. فقد اعتاد العالم على الأصوات المرتفعة لهؤلاء الحلفاء في البدايات، وصمتهم المطبق في النهايات! كان ضروريا لإدارة ترمب أن تتحرك بعد أكثر من تسعة أشهر من التحقيقات والمشاورات والتحليلات بشأن اتفاق فيه من المخاطر أكثر ما فيه من الأمان. وهنا أيضا لنترك الحلفاء مرة أخرى جانبا.، لاسيما بعدما صرخوا (في البدايات) بأنهم ملتزمون بالاتفاق.

هذا الأخير لن يلغى، على الأقل في المستقبل المنظور، لكن الأهم أن واشنطن فعَّلت آليات العقوبات على أذرع عديدة للنظام الإيراني، بما في ذلك ما يسمى بـ"الحرس الثوري".

هذه مقدمة جديدة لوضع مزيد من الكيانات والشخصيات الإيرانية أو المتعاونة مع هذا النظام على قوائم العقوبات. لم يعد سرا منذ سنوات، أن "الحرس الثوري" يقوم بتسيير اقتصاد مواز في البلاد، وعوائد هذا الاقتصاد تذهب مباشرة لتمويل حروبه في كل الأرجاء، لاسيما في سورية والعراق واليمن، إضافة طبعا إلى دعم عصابات شيعية موالية، تعمل بكل صفاقة جهارا نهارا ضد بلدانها. وفي كل يوم يثبت النظام الإيراني أنه يستحق العقوبات تلو الأخرى، بل يتحدى حتى البلدان الغربية "اللطيفة" تلك التي تصرخ وتصمت فجأة! والعقوبات في الواقع لا تنال من الشعب الإيراني، بصرف النظر عن بكائيات بعض الإيرانيين "الخامنئيين"، لماذا؟ لأن عوائد رفع العقوبات في أعقاب الاتفاق لم تذهب إلى أي مشروع تنموي. ولا نزال نتذكر تأخر رواتب حتى العاملين في المنشآت النووية الإيرانية.

إنها المتغيرات الأمريكية التي لاقت تأييدا حتى من سياسيين أمريكيين أعلنوا صراحة عدم حبهم لدونالد ترمب، وإيران ستدفع على ما يبدو فواتير إرهابها.

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
عملية إدلب وممر الطاقة في شمال سوريا

يُقدر حجم الغاز الطبيعي في شرق المتوسط (أحواض ليفياثان وهيرودوت ودلتا النيل) بـ 13.2 تريليون متر مكعب، وحجم الغاز المسيل بـ 9 مليون متر مكعب، فيما يبلغ مقدار النفط قرابة 3.5 مليار برميل.

هذه المقادير سبب كافٍ من أجل وضع الدول المستعمرة للعالم في مواجهات وصدامات مع بعضها البعض. وإخضاع الدول لبعضها البعض عن طريق اللعب بورقة الطاقة يبدو الأسلوب الأكثر فعالية في عالم اليوم.

وأبرز مثال على ذلك، تهديد روسيا، خلال السنوات الماضية، بإغلاق عنفة الغاز الطبيعي التي تغذي البلدان الأوروبية.

الوضع الحالي في سوريا والعراق ناجم في الحقيقة عن حرب على موارد الطاقة. واحتياطي الغاز الطبيعي الكبير الموجود في شرق المتوسط يدفع إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة إلى وضع استراتيجيات جديدة باستمرار.

وفي هذا الإطار، نقلت روسيا قاذفات القنابل الثقيلة وأحدث الدبابات إلى القاعدة العسكرية في طرطوس، التي تتمتع بأهمية كبيرة في السيطرة على موارد الطاقة في شرق المتوسط والمنطقة. ولا تريد روسيا، التي تحتكر الغاز الطبيعي في العالم، أن تفقد نفوذها في المنطقة.

الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على تركيا وأزمة حظر التأشيرة متعلقة بممر الطاقة الموجود في هذه المنطقة. ولهذا تسعى واشنطن منذ عام 2013 إلى عزل تركيا.

استغلال موارد الطاقة هو السبب في رغبة الولايات المتحدة بأن ترى بلدًا ممزقًا ومشتتًا عوضًا عن تركيا القوية في المنطقة.

ولهذا فإن عملية إدلب تتمتع بأهمية قصوى بالنسبة لتركيا.

فما الهدف من العملية؟

تسعى تركيا إلى الحيلولة دون إنشاء حزب الاتحاد الديمقراطي ذراع حزب العمال الكردستاني في سوريا، خطًّا يمتد عبر إدلب إلى البحر المتوسط.

فتسويق نفط شمال العراق إلى العالم عبر هذا الخط يعني في الوقت نفسه توفير مردود اقتصادي كبير لحزب الاتحاد الديمقراطي.

ومن أجل إنشاء ممر يبدأ من الحدود العراقية ويصل إلى البحر المتوسط يتوجب على حزب الاتحاد الديمقراطي السيطرة على جزء من إدلب.

لكن في حال إنشاء منطقة خفض التوتر في إدلب، والسيطرة على المنطقة ستتلاشى آمال حزب الاتحاد الديمقراطي، المسيطر على جيوب الإرهاب في عفرين، في إيجاد مخرج على البحر المتوسط.

وبذلك فإن تركيا ستصبح صانع ألعاب في المنطقة، وستمسك بزمام العمليات اللوجستية لممر الطاقة.

أظهرت تركيا بكل وضوح أنها لا تؤمن بوجود سياسة ذات محور غربي فقط في العالم، وأثبتت أنها مستعدة للانتفاض في وجه جميع القوى، بما فيها الولايات المتحدة، في سبيل حماية أراضيها.

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
إلى أين يتجه الوضع في إدلب وعفرين

في الفترة من 8 إلى 12 أكتوبر/ تشرين الأول، قامت عناصر الاستخبارات التركية والقوات الخاصة بعمليات استطلاع في شمال سوريا في إدلب وجنوب عفرين، مع الحفاظ على الاتصالات مع وحدات المعارضة السورية التي تسيطر على المنطقة. ويشكل هذا النشاط التحضيري في الواقع مسرحا عملياتيا. بعد ذلك دخلت سوريا كتيبة تركية مكونة من 100 من قوات الكوماندوز، و30 مركبة، ومعدات البناء والهندسة العسكرية.

وقال بيان صادر عن القيادة العسكرية التركية فى 13 أكتوبر إن القوات التركية التى ستعمل في منطقة وقف التصعيد في إدلب بدأت بإقامة مراكز مراقبة عسكرية على النحو المحدد خلال محادثات السلام فى أستانا بكازاخستان. في تلك الليلة، دخلت كتيبة تركية ثانية تتكون من دبابات M60 صابرا و ليوبارد 2، وبدأت في الانتشار في الشيخ بركات، وهو جبل يبلغ ارتفاعه 842 مترا يهيمن على عفرين.

ووصف نظام الأسد انتشار القوات التركية شمال إدلب بأنه "عدوان صارخ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها وانتهاك واضح للقانون الدولي ومبادئه".

تعد عملية إدلب التي  بدأت يوم 13 أكتوبر المرة الثالثة التي يدخل فيها الجيش التركي الأراضى السورية فى أقل من ثلاث سنوات. كانت المرة الأولى في فبراير/ شباط 2015،  عندما نقلت مقبرة سليمان شاه التي هددها تنظيم الدولة (داعش)، وفي أغسطس/ آب 2016، بدأت عملية درع الفرات في تطهير مثلث جرابلس - الراعي- الباب من عناصر داعش، واستمرت هذه الحملة سبعة أشهر.

وفي الوقت الحالي ووفقا لاتفاقيات أستانا، سينتشر الجنود الأتراك لستة أشهر داخل إدلب وشمالها. وهدف أنقرة من هذا الانتشار هو بناء 14 موقعا استراتيجيا للمراقبة على امتداد 50 كيلومترا بين الريحانية في تركيا ومارع  التي أدمجت بالفعل ضمن منطقة عملية درع الفرات. ومن شأن ذلك أن يُمَكّن أنقرة من إقامة منطقة تخفيف التصعيد شمالي إدلب، مع السيطرة على مرتفعات الشيخ بركات المسيطرة على جنوب عفرين، والتي ستشكل حزاما عسكريا حول عفرين.

يتوجه الاهتمام حاليا إلى مدافع الهاوتزر التركية عيار 155 مم، والمدافع الصاروخية متعددة السبطانات من عيار 122 مم في الريحانية. وإذا دخلت سيارات الدعم الحربي الثقيلة هذه أيضا إلى سوريا، فإن ذلك يعني أن تركيا سوف توسع نطاق التغطية النارية لتصل إلى عفرين، مما يجعل منطقة عفرين بأكملها تحت سيطرتها دون أن تهيمن على المجال الجوي. وعلاوة على ذلك، فإن تسليم هيئة تحرير الشام المتشددة لمناطق الهيمنة النارية مثل الشيخ بركات للجنود الأتراك دون اشتباك يشير إلى أن المفاوضات بين أنقرة والهيئة قد أسفرت عن نتائج، على الأقل في شمال إدلب. وينصب التركيز الآن على المفاوضات بشأن إدلب ذاتها التي تقوم بها أنقرة، وتراقبها روسيا بدقة.

وقالت مصادر أمنية لـ "المونيتور" إن جماعة "هيئة التحرير الشام" في إدلب عرضت بدائل على أنقرة،: تسليم أسلحتهم وتسريحهم، والسماح لهم بالبقاء في إدلب في الوقت الحاضر، أو أن يتحولوا إلى الاعتدال وينضموا إلى الجيش السوري الحر الذي تسيطر عليه أنقرة، أو الدخول في معارك مع الجيش التركي. وتقول التقارير إن من يوافقون على الانضمام إلى الجيش السوري الحر وأسرهم لن يسمح لهم بالبقاء في إدلب ولكنهم سينقلون إلى الجيب الذي طهرته عملية درع الفرات.

وهذا هو السبب في أننا قد نرى إخلاء مجموعات كبيرة بالحافلات من منطقة إدلب إلى منطقة درع الفرات. أما الذين ما زالوا في إدلب ويصرون على الاحتفاظ بأسلحتهم فسيُعدّون عناصر متطرفة أو إرهابيين. وهنا العامل الأهم: هل ستشارك الجماعات المتشددة التابعة لهيئة تحرير الشام داخل إدلب أو حولها في عمليات مقاومة ضد الانتشار؟ وإذا حدث هذا فإنه سيؤثر تأثيرا مباشرا على الجهود المبذولة لإنشاء منطقة تخفيف التصعيد في إدلب، ويمكن أن يحول بسرعة بعثة رصد وقف إطلاق النار إلى بعثة لإنفاذ وقف إطلاق النار.

أعتقد شخصيا أن هذه العناصر الراديكالية ستختار التخفي في التجمعات البشرية، وتستعد لحملة طويلة الأجل وشديدة الكثافة من الهجمات الإرهابية.

في محادثات أستانا وافقت روسيا وإيران وتركيا على إرسال 500 جندي إلى إدلب. ومن المتوقع أن ترسل تركيا أكثر من هذا العدد، بيد أنه لم ترد حتى الآن أي أنباء عن تحركات عسكرية كبيرة من جانب روسيا وإيران إلى تلك المنطقة. ويبدو أن إيران وروسيا تنتظران أن تكمل تركيا انتشارها العسكري وأن تنتهي عملية التفاوض على الأرض.

هل يمكن للتحركات العسكرية التركية أن تزداد وتتحول إلى عملية عسكرية كبيرة على عفرين؟ جوابي هو نعم، فأنقرة ترغب في هذا كثيرا، ولكن إذا وافقت روسيا.

وعلى ذلك يتعين علينا رصد ثلاثة مؤشرات عسكرية رئيسية على أرض الواقع. أولا، هل سينسحب الجنود الروس بالفعل من عفرين؟ وثانيا، هل ستفتح روسيا المجال الجوي الذي تسيطر عليه بقوة غرب نهر الفرات أمام الطائرات الحربية والطائرات العمودية التركية؟ وأخيرا، هل سيُسمح لقوات الأسد بالاقتراب من المنطقة؟ وبالنظر إلى هذه الخيارات، فإن تقييمي هو أن روسيا لن تسمح لتركيا بفرض سيطرتها الكاملة على عفرين بحيث تحاصرها من الجنوب.

وكما أكدت في مقال سابق، فإن روسيا، بإبقائها تركيا في خضم عملية محتملة بشأن عفرين، تريد أن تحول دون تعميق العلاقات الأمريكية مع وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين. ويقول المسؤولون الأتراك إن وحدات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تعده تركيا جماعة إرهابية.

ومن ثم فإن الخيار الأكثر منطقية لروسيا هو السماح لتركيا بدرجة من السيطرة على جنوب عفرين لتهدئة أنقرة، مع تشجيع المفاوضات بين وحدات حماية الشعب التي تسيطر حاليا على عفرين ونظام الأسد للسماح للجيش السوري بالسيطرة عليها.

والسؤال هو هل ستنجح هذه الخطة الروسية؟ يجب أن نسأل الروس: الوضع يزداد سخونة اليوم، فهل هناك خطة للتخفيف من حدة المواجهة المحتملة بين الجيش التركي ووحدات حماية الشعب في جنوب عفرين؟

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
سوريا: أوهام انتصار النظام

شارفت أيامي الأخيرة في منصبي ممثلاً بريطانياً خاصاً إلى سوريا على نهايتها. وحين أتأمل ثلاث سنوات قصيرة قضيتها في مهمتي هذه، أرى أن الكثير من التغيير قد طرأ في سوريا، لكن في الوقت نفسه الكثير أيضاً ظل كما هو من دون تغيير.

لا شك أن هذا الصراع شهد أياماً وفظائع أسوأ بكثير، وأغلبها من صنع نظام الأسد الذي لا يعبأ بصالح الشعب السوري؛ إذ شهدت سوريا استخدام أسلحة كيماوية، وحصارات وحشية، وهجرة قسرية، وكذلك – بعيداً عن العيون – اعتقالات تعسفية، وتعذيباً، واختفاء مواطنين. والكثير من هذه الممارسات ما زال إلى اليوم مستمراً تحت ستار حرب ضرورية ضد الإرهابيين، في محاولة لحجب واقع شن حرب هوجاء على المواطنين السوريين.

اليوم، هناك الكثير من الكلام الذي يُلقى على عواهنه، والتحليلات المرتجلة التي توحي بأن الأسد وداعميه قد «ضمنوا النصر في الحرب»، ذلك عبر مزيج من التقدم العسكري الحاصل تحت غطاء من القصف الجوي الكثيف، وسلسلة من مئات عدة مما يُطلق عليه «اتفاقات مصالحة» مع المجتمعات المحاصرة، التي لا خيار أمامها سوى الاستسلام أو التضوّر جوعاً والتعرض للقصف. وبينما تتبجح الأبواق الإعلامية بالمصالحة، تعمل الآلة العسكرية على وضع قادة المجتمعات وناشطي المجتمع المدني في حافلات خضراء تتوجه بهم نحو مصير مجهول ومحفوف بالخطر.

لكن رغم كل التعقيدات التي تنطوي عليها هذه الحرب، فإنني ما زلت أؤمن بثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى، ليس هناك شيء اسمه «نصر». ولن يكون لهذا الصراع «حل عسكري». وقوات الأسد تتضاءل باستمرار، ويزداد اعتمادها في البقاء باطراد على الميليشيات الأجنبية والقوة الجوية التي تحميها. ومن خلف الخطوط الأمامية المتقدمة، يخلّف الجيش العربي السوري والميليشيات وراءهم أراضي ممزقة الأوصال تخضع لتسلّط أمراء الحرب الساعين لتحقيق مكاسب شخصية قبل أي شيء آخر.

يمكن المجادلة بالطبع بأن الأسد لا يبالي بذلك، طالما أنه يحتفظ بقطعة من «سوريا مفيدة» له، وطالما أن سوريا تحتفظ بمقعدها في الأمم المتحدة بفضل الحماية الروسية. فمهمة النظام، في نهاية المطاف، هي الحفاظ على بقائه والسيطرة على البلد، وليس إحلال السلام فيه.

لكن، يجب ألا نستكين لذلك؛ إذ إن عدد المتضررين بسبب النظام وداعميه هائل جداً: ما يزيد بكثير على 400 ألف قتيل؛ ونحو 13 مليون محتاج إلى المساعدة؛ وأكثر من نصف سكان ما قبل الحرب باتوا نازحين داخلياً أو اضطروا للهرب؛ واقتصاد انكمش بنسبة تفوق 60 في المائة؛ وشعب يعاني من الصدمة؛ وجيل من الأطفال بلا تعليم أو أمل. إن نظام الأسد هو من يتحمل المسؤولية الكبرى عن معاناة الشعب السوري، وتفاقم التطرف والإرهاب، وفسح المجال لبروز «داعش». وقد كانت الأمم المتحدة قد لفتت الأنظار من قبل إلى «تفتيت الفسيفساء السورية» المتمثلة بالتعددية السكانية في سوريا، ويتحمل الأسد ونظامه القسط الأكبر من المسؤولية عن ذلك، رغم ادعائه بالدفاع عنها.

ينقلني ذلك إلى الحديث عن الحقيقة الثانية: بإمكان سوريا أن تجد السلام الحقيقي بالانتقال بعيداً عن الأسد إلى حكومة يمكنها حماية حقوق جميع السوريين، وتوحيد البلاد وإنهاء الصراع. وكان إبراهيم الأصيل بليغاً بما كتبه في مقال في صحيفة «واشنطن بوست» منذ أيام، حيث قال إنه لا يمكن تأسيس سوريا تحت قيادة الأسد: فالمؤسسات السورية تداعت وباتت شبه مدمرة؛ والمسؤولون عن هذه المؤسسات لا يفكرون إلا في ملء جيوبهم؛ والنظام الذي أتقن رعاية الدولة للإرهاب وما يُطلق عليه «استخدام اللاجئين سلاحاً» سيكرر فعل ذلك مجدداً. وأخيراً، إن الكراهية للنظام والرغبة في مستقبل أفضل، وهما ما دفع ملايين السوريين إلى الخروج إلى الشوارع في 2011، ما زالتا مستمرتين حتى اليوم – شباب سوريون من كافة مشارب الحياة يقولون لي إن انطلاق الثورة مجدداً هو مسألة وقت فقط.

كثيرا ما يُسائلني الناس عن تركيز بلدي على أخطاء الأسد. لِمَ لا نسلط الضوء كذلك على انتهاكات ترتكبها أطراف أخرى؟ أولاً، أنا لا أتعمد تجاهل كافة وأي من الانتهاكات التي اقتُرِفت باسم هذه الحرب من هذا الجانب أو ذاك. لكن، ثانياً، تتحمل ما يُطلق عليها الأسد اسم «حكومة» المسؤولية الأساسية عن حماية شعبها. وثالثاً، فإن آلة الحرب الأسدية هي التي قتلت أو دمرت حياة أو تسببت بهرب الغالبية العظمى من الضحايا السوريين لهذا الصراع.

والحقيقة الثالثة التي أؤمن بها تتعلق بما يحدث حالياً: التهدئة. يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لتقليل وتهدئة وتيرة العنف في أنحاء البلاد. قد يقول الناقدون إن التهدئة خطوة من المجتمع الدولي على طريق التطبيع مع النظام، أو لعلها العكس تماماً: أي أن التهدئة في أجزاء مختلفة من سوريا بطرق مختلفة هي خطوة تجاه تقسيم البلاد أو على الأقل تجميد الصراع للأبد، بينما يتساءل آخرون ما إذا كان باستطاعة الدول الغربية أن تستغل بشكل جدي مسألة إعادة الإعمار أداةً لفرض العملية الانتقالية. ففي نهاية المطاف، الأسد – وليس الروس – هو من قال بوضوح إنه لن يسمح لأعدائه أن «يحققوا بالسبل السياسية ما فشلوا في تحقيقه في ميدان المعركة وبالإرهاب». وهناك من يجادل بأن النظام سينجو بفضل أي دعم محدود يمكنه الحصول عليه مما يوصف عموماً بالشرق. عندئذ سيظل الأسد يماطل إلى أن نذعن له.

تلك هي تحديات من الصعب التأمل بها، لكن هذا هو ما ينبغي أن نفعله. ذلك يعني بوضوح ضرورة أن تفضي أي جهود للتهدئة إلى الحفاظ على الهوية السورية في مناطق التهدئة. كما يعني أن على الغرب التمسك بحزم بموقفه المتمثل في أنه سيساعد في إعادة إعمار سوريا فقط لدى «الانطلاق الجدي» لعملية انتقال سياسي شاملة وحقيقية، وبمشاركة الجميع. هذه الكلمات الأخيرة حيوية للغاية: إعادة الإعمار لدى انطلاق عملية الانتقال السياسي، وليس قبل ذلك. فالمساعدة مبكراً تعني الرهان على أن باستطاعتنا إصلاح سوريا من الداخل، بينما الأسد ونظامه مستمران في الحكم. تلك سذاجة، وتُغفل تركيز النظام على مصلحته وليس على مصلحة سوريا والسوريين.

يحملني ذلك للحديث عن حقيقة رابعة، وهي، خلافاً للحقائق الثلاث السابقة، حقيقة لست متأكداً كيف سينتهي بها المطاف: ألا وهي ضرورة المضي قدماً في عملية الانتقال، وأن السوريين هم من سيقرر كيفية حدوث ذلك.

الطريقة السهلة والبسيطة للنظر إلى هذه الحقيقة هي أن يقرر السوريون العملية الانتقالية، ويتوقفون عند ذلك الحد. فهناك بطبيعة الحال «بيان جنيف» وقرار مجلس الأمن 2254، وهما واضحان بما فيه الكفاية.

أما الطريقة الأصعب للنظر إلى هذه الحقيقة، فهي الإقرار أولاً بأن مفاوضات جنيف لم تحقق تقدماً طوال 18 شهراً منذ انطلاقها، رغم الجهود المستمرة والصبورة التي يبذلها المبعوث الخاص ستيفان دي ميستورا. ورغم كل ما يُوجَّه للمعارضة من انتقادات، فإن النظام هو من يتحمل هنا أيضاً المسؤولية الكبرى عن ذلك؛ حيث إنه لم يُبدِ استعداده للتفاوض، بل إنه ماطل لكسب الوقت، بينما استمر في الوقت ذاته في اعتداءاته على السوريين في بلدهم.

ما يتعين عمله بهذا الشأن حالياً ليس بأوضح بالنسبة لي مما كان لدى انطلاق محادثات جنيف في يناير (كانون الثاني) 2016، وكل ما يمكنني قوله هنا هو أن محادثات جنيف ضرورية للغاية، رغم صعوبتها؛ وأن هناك عدداً من المبادئ الراسخة التي توصل لها دي ميستورا بالفعل؛ وأن مسؤولية الدفع تجاه تحقيق تقدم في عملية للسلام تقع تماماً على عاتق من يدعمون الأسد كي ينتصر، حتى وإن كان ثمن ذلك النصر خسائر فادحة. وفي غضون ذلك، علينا ضمان أن محادثات جنيف تتفهم وتعكس وجهات نظر ملايين السوريين في المنطقة الذين لا صوت لهم.

الأمر الواضح هو ضرورة أن يشهد السوريون محاسبة مرتكبي الإساءات وانتهاكات حقوق الإنسان طوال هذه الحرب، وهذا أمر ضروري كذلك إذا ما أريدَ للسلام أن يدوم. وكم يؤلمني كون عملية جنيف لم تحقق أي تقدم في المسألة الحيوية المتعلقة بالمعتقلين والمختفين قسرياً. والتحدي الملحّ هنا هو معرفة مصير هؤلاء المختفين والمعتقلين، وضمان سلامتهم والإفراج عنهم. أما المهمة على المدى الأطول فهي ضمان المحاسبة عن المعاناة التي تعرضوا لها.

إن التحرك نحو السلام في سوريا – وأتحدث هنا عن السلام العادل – مهم لسوريا والمنطقة وللعالم أجمع. وفي غياب إحراز تقدم، ستستمر مأساة سوريا، وستكون وصمة عار في ضمير العالم.

بينما استعد للانتقال للقيام بدور آخر، اسمحوا لي أن أشيد بالكثير من السوريين الذين كان لي شرف العمل والشراكة معهم في سعيهم لأجل السلام. فما يتمتعون به من صبر وصمود وشجاعة إنما يُخجل تواضعي. السوريون لا تقهرهم أو ترهبهم أبداً التحديات التي أمامهم. وقد كان من دواعي سروري أنا وفريق عملي في أنحاء المنطقة العمل ومساعدة السوريين ضمن مجتمعاتهم، باذلين كل ما في استطاعتنا، وبكل ما لدينا من إمكانات.

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
هل فكرت حين قالتها!!!.. والدة عصام زهر الدين "أنا أم البطل"

لم تستطع والدة المجرم "عصام زهر الدين" تحمل فاجعة الموت التي أصابتها بعد أن وصل نبأ مقتل ابنها الأكبر، فخارت قواها، كيف وهو الابن فلذة الكبد، ولكن ..... هل فكرت أم زهر الدين يوماً بآلاف الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن صغاراً وكباراً على يد وليدها المغادر من الدنيا.

 

هل فكرت أم زهر الدين يوماً كيف عاشت أمهات أيامها بعد أن قتل ولدها العميد في جيش الأسد في دوما وزملكا وباب عمر وأخيراً في دير الزور، ألم تصلها صور الأشلاء الممزقة التي قطعها زهر الدين بكلتا يديه، ثم وقف بجانبهاً مغتراً بإجرامه يقدمها قرباناً لتأكيد الولاء لسيده الأسد ...!!!؟.

 

والدة زهر الدين التي ظهرت في مقطع مصور يثته مواقع إعلامية للأسد اعتزت بولدها وبكل ماقام به، وبكته بكاءً الأم الثكلى، فنالت نصيباً صغيراً في قلبها من الفقد والحزن والألم مما نالته أمهات أبكاها زهر الدين دماً وحرقة على فقد أبنائهن، ومع ذلك لقبت أم زهر الدين نفسها بـ "أم البطل" وعن أي بطل سفك الدماء وانتهك الحرمات وقطع الأشلاء.. إنه بطل بقتل شعبه وسفك دمائه... بطل بإجرامه وكيف لا يكون.

 

قالتها أمام عدسة الكمرات باكية "أنا بعتز فيكم كلكم، ببطل سوريا أبو يعرب الي مات شهيد بطل، ربي يوفقكم لترجع الجولان لأصحابها"، وكأن أم زهر الدين ظنت أن ولدها الذي لقبته بالبطل كان مرابطاً على ثغور الجولان، يدافع عن الأرض والعرض، وكأنها لم تدري أن ولدها "البطل" كان يقتل ويجرم بحق الشعب السوري في دوما ودير الزور، وكأنها لم تسمع بما قاله زهر الدين وماوجهه للاجئين بأنه لن يسامح.

 

لم يغب على أم زهر الدين أن توجه التحية للأسد، للمجرم الأكبر الذي علم ولدها الإجرام وأطلق يده في قتل الشعب السوري فتابعت "كلكم بعيوني والرئيس بشار الأسد بقلبي وعيوني، هو وجيشوا والله ينصر هالجيش".

 

بكت أم زهر الدين كثيراً وأبكت من حولها، فولدها البطل المغوار الأسطورة قد قتل، لايهمها من قتله وكيف قتل ولايهم أم زهر الدين كم يتم وقتل وشرد وقطع من الأشلاء... كم انتهك الحرامات وكم وكم فعل من المجازر في تاريخ إجرامه الذي لن ينساه الشعب السوري يومياً، وسيخلد اسمه بين مجرمي العصر.

 

فلتبك أم زهر الدين فكم أبكى ابنك أمهات من قبلك لم تشعري ليوماً بما اعتلج صدورهن وقلوبهم من الأسى، فلتبك أم زهر الدين علك تشعرين بشيء من نار الحرقة التي أشعلها ولدك في قلوب ألاف المعذبين ... وليعش ولدك في قبره بانتظار الحساب الرباني ... وليعش سيدك الأسد، وليخلد التاريخ سيرة مجرم سفاح...فابكي ماشئت وكابدي كما كابدنا على يد ابنك المجرم، وأنت وأمثالك تهتفين وتصفقين لأسدك وأتباعه المجرمين.

اقرأ المزيد
٢٠ أكتوبر ٢٠١٧
هل فكرت حين قالتها!!!.. والدة عصام زهر الدين "أنا أم البطل"

لم تستطع والدة المجرم "عصام زهر الدين" تحمل فاجعة الموت التي أصابتها بعد أن وصل نبأ مقتل ابنها الأكبر، فخارت قواها، كيف وهو الابن فلذة الكبد، ولكن ..... هل فكرت أم زهر الدين يوماً بآلاف الأمهات اللواتي فقدن فلذات أكبادهن صغاراً وكباراً على يد وليدها المغادر من الدنيا.

 

هل فكرت أم زهر الدين يوماً كيف عاشت أمهات أيامها بعد أن قتل ولدها العميد في جيش الأسد في دوما وزملكا وباب عمر وأخيراً في دير الزور، ألم تصلها صور الأشلاء الممزقة التي قطعها زهر الدين بكلتا يديه، ثم وقف بجانبهاً مغتراً بإجرامه يقدمها قرباناً لتأكيد الولاء لسيده الأسد ...!!!؟.

 

والدة زهر الدين التي ظهرت في مقطع مصور يثته مواقع إعلامية للأسد اعتزت بولدها وبكل ماقام به، وبكته بكاءً الأم الثكلى، فنالت نصيباً صغيراً في قلبها من الفقد والحزن والألم مما نالته أمهات أبكاها زهر الدين دماً وحرقة على فقد أبنائهن، ومع ذلك لقبت أم زهر الدين نفسها بـ "أم البطل" وعن أي بطل سفك الدماء وانتهك الحرمات وقطع الأشلاء.. إنه بطل بقتل شعبه وسفك دمائه... بطل بإجرامه وكيف لا يكون.

 

قالتها أمام عدسة الكمرات باكية "أنا بعتز فيكم كلكم، ببطل سوريا أبو يعرب الي مات شهيد بطل، ربي يوفقكم لترجع الجولان لأصحابها"، وكأن أم زهر الدين ظنت أن ولدها الذي لقبته بالبطل كان مرابطاً على ثغور الجولان، يدافع عن الأرض والعرض، وكأنها لم تدري أن ولدها "البطل" كان يقتل ويجرم بحق الشعب السوري في دوما ودير الزور، وكأنها لم تسمع بما قاله زهر الدين وماوجهه للاجئين بأنه لن يسامح.

 

لم يغب على أم زهر الدين أن توجه التحية للأسد، للمجرم الأكبر الذي علم ولدها الإجرام وأطلق يده في قتل الشعب السوري فتابعت "كلكم بعيوني والرئيس بشار الأسد بقلبي وعيوني، هو وجيشوا والله ينصر هالجيش".

 

بكت أم زهر الدين كثيراً وأبكت من حولها، فولدها البطل المغوار الأسطورة قد قتل، لايهمها من قتله وكيف قتل ولايهم أم زهر الدين كم يتم وقتل وشرد وقطع من الأشلاء... كم انتهك الحرامات وكم وكم فعل من المجازر في تاريخ إجرامه الذي لن ينساه الشعب السوري يومياً، وسيخلد اسمه بين مجرمي العصر.

 

فلتبك أم زهر الدين فكم أبكى ابنك أمهات من قبلك لم تشعري ليوماً بما اعتلج صدورهن وقلوبهم من الأسى، فلتبك أم زهر الدين علك تشعرين بشيء من نار الحرقة التي أشعلها ولدك في قلوب ألاف المعذبين ... وليعش ولدك في قبره بانتظار الحساب الرباني ... وليعش سيدك الأسد، وليخلد التاريخ سيرة مجرم سفاح... فابكي ماشئت وكابدي كما كابدنا على يد ابنك المجرم، وأنت وأمثالك تهتفين وتصفقين لأسدك وأتباعه المجرمين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان