مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٧ أكتوبر ٢٠١٧
ترامب يبدأ «جردة حساب» مع «حزب الله»

أعادت الولايات المتحدة فتح سجلات أعمال إرهابية لـ «حزب الله» مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، بعدما ظن هو وإيران أنها طويت الى الأبد، فأمعن طوال هذه الفترة في تكرارها، لاعتقاده أنه خارج المحاسبة وأبعد من أن تطاوله يد الدول المستهدَفة، بل انتقل بارتكاباته الى مستوى إقليمي أوسع.

ومن الواضح أن تذكّر المسؤولين الأميركيين، بعد كل هذا الوقت، عملية تفجير مقر المارينز في بيروت في 1983، والتي سبقها قبل أشهر قليلة تفجير مقر السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية، جزء من تغيير جذري في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بعد الانسحاب الطوعي من المنطقة الذي نفذته إدارة باراك أوباما على مراحل، وتلاه خصوصاً زحف إيران لملء الفراغ وفرض قوى الأمر الواقع الموالية لها.

ويبدو أن «فترة السماح» الأميركية لإيران وميليشياتها، ولا سيما «حزب الله»، انقضت، وحان الوقت لإجراء «جردة حساب» لتسديد «دَينها» للمنطقة وللعالم، بعدما عاثت فيهما تخريباً من دون رادع، وتفتيتاً لا يقف عند حدود، ونجحت الى حد كبير في تقسيم العرب والمسلمين، مستغلة تبني الدولة العظمى الوحيدة عقيدة انكفائية، وتسليمها طوعاً بـ «القدر الإيراني» الذي لا يردّ، تاركة حلفاءها يواجهون وحدهم آلة تخريب جهنمية لا تتورع عن أي عمل لبسط نفوذها.

وكانت سياسة المهادنة مع إيران التي اعتمدها أوباما وصلت الى حد توجيه تعليمات صارمة الى القوات الأميركية في المنطقة بتجنب أي مواجهة مع «الحرس الثوري» وأذرعه، على رغم استفزازاتهم المتعمدة والمتكررة لها. أما رسائل التطمين التي بعث بها الى خامنئي مؤكداً أن إدارته لا تسعى الى تغيير نظام طهران، فلم تفعل سوى زيادة عنجهية «المرشد».

اليوم تعود الولايات المتحدة الى رشدها، لأن سياسة دفن الرأس في الرمال ألحقت بمصالحها خسائر فادحة، وقلصت حلقة أصدقائها ودفعتهم الى التشكيك في صدق التزاماتها. لكن هذه العودة لن تكون عملية سهلة، فقد تغلغلت إيران عميقاً في العراق وسورية ولبنان واليمن، وتتطلب رداً بمستوى الخروقات التي أحدثتها، وربما هذا ما جعل إدارة ترامب توسّع مروحة هجومها المضاد ليشمل إيران ذاتها و «حرسها الثوري» و «الحشد الشعبي» في العراق، و «حزب الله» في لبنان وسورية، بالإضافة الى سائر التنويعات الميليشياوية المذهبية المؤتمرة بأوامرها.

وهذه المواجهة تستلزم خطوات مدروسة قابلة للتطبيق، وقد تكون البداية في التصويت المرتقب للكونغرس على معاقبة إيران على مواصلة برنامجها الصاروخي، وعقوبات أخرى على «حزب الله» لدوره في سورية.

لكن، ما الذي يمكن أن يفعله الحزب رداً على السياسة الأميركية الجديدة؟ الكلام يدور عن إعادة تجربة العام 2006 عندما افتعل حرباً مع إسرائيل، هدفها تمكين الجيش السوري من العودة الى لبنان بعد خروجه الذي تلا اغتيال رفيق الحريري.

هذه المرة سيكون هدف الحزب الهروب الى أمام، وإعادة تلميع صورته التي بهتت كثيراً بسبب تورطه في سورية، وليس مهماً ما قد يلحق بلبنان من دمار في حرب جديدة، فالحزب «ينتصر» كلما كان الدمار أوسع والخسائر البشرية أكبر. وهو في ذلك يتفق مع إسرائيل ونظام الأسد على أن لبنان ليس وطناً قائماً بذاته، بل ساحة لتصفية الحسابات بين إيران ومنافسيها.

إدارة ترامب تبدو مقتنعة بأن النظام الإيراني لا يمكن أن يتخلى طوعاً عن طبيعته العدائية، ويتراجع من تلقائه عن سياسته التوسعية التي تمليها تركيبته المذهبية، لكن عليها أن تواجه بجدية تهديدات الإيرانيين للمصالح والقوات الأميركية في المنطقة، لأن أي تراجع ولو بسيط قد يؤدي الى انهيار سياستها الجديدة بأكملها.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٧
ثلاثية أميركا في المشرق العربي

ما بين الحقيقة والإشاعة دعوة روسية إلى مؤتمر وطني سوري في قاعدة حميميم، ومثل ذلك دعوة أميركية إلى اجتماع معارضين سوريين في واشنطن. والمحصلة تراجع الثقة في جدوى مؤتمر جنيف السوري في دوراته المتلاحقة. لقد أثبت مؤتمر آستانة برعاته الثلاثة، الروسي والتركي والإيراني، وبحضور أميركي أشبه بالشاهد الصامت، أنه استطاع إحداث تغييرات على الأرض أسكتت إلى حد كبير أصوات الرصاص وحدّت من أعداد الضحايا ومن خراب قرى ومدن.

سبق لفلاديمير بوتين الإعراب عن تخوّفه من تحول مناطق خفض التصعيد إلى كيانات تهدد وحدة سورية. تخوّف يشبه التحذير، لكن لا أحد من كبار الإقليم والعالم يرغب في تحوّل سورية سوريات متصارعة، كل ما في الأمر أن الحل لم ينضج لأن القوى المتدخّلة لم تستكمل مناطق هيمنتها. ويمكن استقراء خريطة هذه القوى بالعودة إلى استراتيجية باراك أوباما في المشرق العربي التي لا تزال تحكم السلوك الأميركي على رغم تغريدات دونالد ترامب وتهديداته، والقوى الثلاث المعنية: إسرائيل وتركيا وإيران. وقد رأى أوباما في استرضائها، عراقياً وسورياً، ما يحقق التوازن المنشود في المشرق العربي.

أحدث التطبيقات هو استفتاء كردستان العراق الذي نصح الأميركيون بتأجيله ثم حيّدوا أنفسهم مثلما فعل الروس. وحدها إسرائيل بشخص رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، رحّبت بالاستفتاء ونتيجته، وانتهى الأمر إلى تحالف تركي إيراني أنهى مفاعيل الاستفتاء بإقفال الحدود البرية والجوية وبتشجيع زحف القوات العراقية إلى حدود الإقليم عام 2003. لقد تحالفت قوتان من ثلاثية أوباما فتحقق لهما ما تريدان ولم تستطع القوة الثالثة، إسرائيل، منعهما. وبالعودة إلى الثلاثية، فالأرجحية لتركيا لأنها تحظى بعلاقة جيدة، ديبلوماسية وغير ديبلوماسية، مع طهران وتل أبيب، في حين تقف إسرائيل وإيران على طرفي نقيض، ما يجعلهما في حاجة إلى التنسيق التركي في تقاطعات المصالح.

سينتظر السوريون طويلاً بلورة حل سياسي لحربهم «الإقليمية الدولية»، ولم تتح لهم الظروف المعقّدة، نظاماً ومعارضة، أن يعتمدوا خطاباً سياسياً قابلاً للاستمرار، فالطرفان المتصارعان، مبدئياً، مرتهنان بحلفاء يتغير خطابهم تجاه القضية السورية بحسب مصالحهم. والآن، جيش موالٍ للأميركيين في الرقة وما جاورها يأتمر بقيادة كردية علمانية، ومشروع جيش تعمل تركيا على تأليفه يعتمد سياستها كيفما تحرّكت مستنداً إلى إيديولوجية إسلامية براغماتية، وفق ما كانت أوروبا والولايات المتحدة تتصور «الإخوان المسلمين». أما جيش النظام فيستمر في رفع شعار سورية العروبة مستنداً إلى الدعم الروسي ومتحالفاً مع المسلحين الموالين لإيران على رغم خلافه الإيديولوجي معهم.

جيوش لملء الفراغ الذي خلّفه «داعش» وستخلّفه «النصرة»، وفي خلفية الجيوش مدنيون يلتقطون أنفاسهم بصعوبة ويحاولون، بعدما فاتهم قطار اللجوء إلى أوروبا وأميركا، المحافظة على حدّ أدنى من شروط الإقامة: العمل والصمت والتكيّف مع خطابات تتغير بين قوة إقليمية مهيمنة وأخرى.

رحلة سورية الطويلة نحو سلامها ستترك تأثيراً في لبنان والأردن وأكراد المنطقة. وحتى إذا أدت الأحداث إلى توسيع ثلاثية أوباما (إسرائيل وتركيا وإيران)، ستبقى تل أبيب المشكلة التي لن تجد حلاً إلاّ بسلام إسرائيلي- عربي. أنظر إلى الصدام غير الظاهر بين إسرائيل وإيران في أجواء سورية تحديداً. لقد حدّدت تل أبيب لطيرانها الحربي ممرات جوية آمنة في سورية بموافقة روسية- أميركية. وهي تشترط لسلام سورية أن تكون الخريطة السياسية والعسكرية الموعودة آمنة للكيان الإسرائيلي، بما في ذلك شمال إسرائيل- جنوب لبنان.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٧
معارك سورية الأخيرة

أفاض محللو النزاع السوري في الحديث عن «سباق» لاهث للسيطرة على محافظة دير الزور في شرق سورية، وعما وصفوه باقتطاع القوى مناطق نفوذ متنافسة في أنحاء البلاد. كما افترض كثيرون أن الإدارة الأميركية تنوي استخدام الأراضي التي استحوذت عليها الجماعات المسلحة التي تدعمها، كورقة ضغط للحصول على صفقة سياسية مواتية من روسيا ونظام الرئيس بشار الأسد. في حين كان آخرون يُبدون ثقة أقل بنوايا الإدارة الأميركية، لكنهم يرومون إقناعها بأن استخدام النفوذ أمر ميسور، على أن يستهدف تحقيق أهداف سياسية أكثر تواضعاً، مثل تعزيز ما تبقى من المعارضة السورية المعتدلة.

لكن، ليس هناك مؤشرات الى أن لدى الولايات المتحدة أي نية للدفع نحو تغيير سياسي في سورية، أو حتى أن لها أصلاً سياسة تجاه سورية. وبالتالي ستُسفر معارك سورية المقبلة عن نوع مختلف من النتائج عن تلك التي تصوّرها بيان جنيف في حزيران (يونيو) 2012، أو حتى إطار فيينا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. هذان الاتفاقان رسما لوحة لعملية ديبلوماسية بإشراف دولي تقود إلى تقاسم السلطة بين الحكومة السورية والمعارضة. لكن، لن يحدث في الحقيقة تقاسم للسلطة أو عملية انتقال سياسي في دمشق، ولا تخلٍ للأسد عن الحكم.

بدلاً من ذلك، سيكون الفعل الأكبر لمحادثات آستانة التي ترعاها روسيا، إن لم يكن المخطط المدروس لها دفع أجزاء أساسية من المعارضة المسلحة (بامتعاض) إلى الانضمام الى مسار يُتوَّج بإعادة دمجها في الدولة السورية، تحت مظلة الحكم الراهن. وكان الرئيس الروسي بوتين صريحاً حين قال في خطاب أمام منتدى دولي في 19 الشهر الجاري: «حالما تتشكّل مناطق خفض التوتر، سيبدأ الناس الذين يسيطرون عليها بإجراء اتصالات مع دمشق، مع الحكومة».

لقد تم قطع العديد من المراحل نحو هذه النتائج. وبالتالي، ستحدد المعارك المقبلة في سورية طبيعة العلاقة النهائية بين الحكومة والأكراد السوريين، وإن لم يكن هذا هو الهدف الفوري أو الوحيد لهذه المعارك.

المعركة الأولى تُجرى الآن بالفعل، وهي تتمثّل في طرد تنظيم «داعش» مما تبقى من معاقله على طول القطاع الأوسط لنهر الفرات في محافظة دير الزور. ويفترض بعض المراقبين أن هذه المنطقة ستشهد أيضاً تسابقاً للسيطرة عليها، استناداً إلى الاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستسعى إلى إحكام قبضتها على المنطقة الحدودية، بهدف منع إيران من شق ما رُوّج له كثيراً (وليس له أساس من الصحة) على أنه «ممر برّي» إلى البحر المتوسط. فالولايات المتحدة تدعم تقدُّم «قوات سورية الديموقراطية» ذات الأكثرية الكردية إلى تلك المنطقة. بيد أن بسط النظام سيطرته على مدينة الميادين سد الطريق أمام اندفاع تلك القوات لتحقيق المزيد من التقدم، وأتاح لقوات النظام نقطة ارتكاز تزحف منها، تحت غطاء جوي روسي، على البوكمال في الطرف الجنوبي من وادي الفرات. ومثل هذه المحصلة لن تُواجه باعتراض أميركي.

المعركة الثانية هي تلك المؤجلة في محافظة إدلب. والأهم هنا هو تصميم الحكومة التركية على منع حزب الاتحاد الديموقراطي، الكردي السوري، وهو فرع من «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا، من خلق ما وصفه الرئيس رجب طيب أردوغان «الممر الإرهابي الذي يبدأ في عفرين ويمتد إلى البحر المتوسط». بيد أن التكهنات بأن تركيا ستلتزم مهمة تهدئة إدلب، التي تسيطر «هيئة تحرير الشام» على معظمها، في مقابل إطلاق يدها لاستئصال الجيب الكردي، ليست في محلها.

إن القوات التركية لن تشن معركة برية كبرى ضد خصوم مُحصنين جيداً، سواء في إدلب أو عفرين، من دون دعم جوي، وهو الدعم الذي تسبّب غيابه في تكبّد القوات التركية خسائر فادحة خلال تقدمها إلى بلدة الباب شمال حلب أوائل هذا العام. وفي حين أن روسيا عرضت استخدام سلاحها الجوي لحماية مراقبي الهدنة الأتراك المُنتشرين في إدلب، إلا أنها لا تسمح لسلاح الجو التركي بالقيام بمهمات قتالية في المجال الجوي السوري. ومع المحاصرة التامة لعفرين من جانب القوات التركية أو فصائل المعارضة المسلحة الحليفة لها، سيكون على أنقرة تأجيل أي عمل عسكري كبير، بما في ذلك العمليات ضد «هيئة تحرير الشام» التي سيتم احتواؤها بدلاً من مواجهتها، على الأقل حتى إشعار آخر.

علاوة على ذلك، يتوقف توقيت ومسار العمليات العسكرية المستقبلية في إدلب على المعركة الثالثة المتعلقة بالصراع بين النظام والأكراد، حول درجة الحكم الذاتي الذي سيتمتعون به حين تضع الحرب أوزارها. بالطبع، نجاح «قوات سورية الديموقراطية» في انتزاع السيطرة على الرقة ومناطق في المحافظات الشرقية، من يد «داعش»، سيشد من أزر حزب الاتحاد الديموقراطي الذي يسيطر على المكوّن الكردي الأكبر لتلك القوات. بيد أن قدرة الحزب على التفاوض مع النظام وانتزاع التنازلات منه تعترضه عقبات. إذ إن الاستفتاء على الاستقلال الذي أُجري في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي في كردستان العراق أجج مشاعر القلق لدى تركيا من النوايا الكردية في سورية، كما أنه جعل من الصعب على الحكومات الغربية الدفاع عن نصرة القضية الكردية في سورية. وقدّم مسؤولون حكوميون سوريون إشارة مهمة الى نواياهم حين دانوا الاستفتاء بكونه خطوة «انفصالية»، وهنأوا الحكومة والقوات المسلحة العراقية على نجاحها في «الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً»، من خلال انتزاعها السيطرة على مدينة كركوك المتنازع عليها من يد حكومة إقليم كردستان.

التهديد الضمني في ثنايا هذا التصريح جلي للعيان، ويتمثّل في إعادة فرض سلطة الحكومة السورية على المناطق التي تُسيطر عليها راهناً «قوات سورية الديموقراطية». لعل النظام يكتفي بداية بالمطالبة فقط بتسليمه الرقة وباقي المناطق غير الكردية، ولكن يمكنه بسهولة أن يوسّع هذا المطلب ليشمل القامشلي، عاصمة محافظة الحسكة، ونقاط عبور حدودية في قلب المنطقة الكردية مثل تل أبيض. صحيح أن هذا التهديد لن يرى النور طالما أن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على إلحاق الهزيمة بـ «داعش»، لكن حالما يتم إنجاز هذه المهمة، لن تتدخّل لحماية حلفائها السابقين. وهذا كان واضحاً في مقال أخير نشره السفير الأميركي السابق لدى دمشق روبرت فورد، قال فيه صراحة أنه سيكون على الولايات المتحدة «التخلّي عن أي آمال تتعلّق بدعم منطقة كردية منفصلة»، في مواجهة تصميم الحكومة السورية على «استعادة كل البلاد».

صحيح أن المواجهة العسكرية بين نظام الأسد وبين الأكراد ليست حتمية. إلا أن أي حل سلمي سوف يعتمد على قدرة روسيا على ردم الهوة بين أقصى حكم ذاتي يكون النظام مستعداً لمنحه للأكراد، وبين أدنى حكم ذاتي يطالب به هؤلاء. وهذه مهمة شاقة نظراً للعداء الذي يكنّه النظام لفكرة اللامركزية التي سبق لروسيا أن حبذتها منذ أوائل العام 2016، كإطار لحل الخلافات. يضاف إلى ذلك أن أي صيغة يتم التوصل إليها، يجب أيضاً أن تهدئ من روع تركيا ومخاوفها من الحكم الذاتي الكردي، إذا كانت ستوافق على القضاء على «هيئة تحرير الشام» في إدلب، وتشجّع المعارضة السورية المسلحة على المضي قدماً بمسار آستانة حتى نهاية مطافه بالانخراط تحت لواء الدولة المركزية، والانسحاب من سورية.

ربما كانت هذه التحديات هي التي دفعت بوتين إلى الإعلان عن «خطة تقريبية» في 19 الشهر الجاري، لعقد «مؤتمر للشعب السوري يلم شمل كل المجموعات الإثنية والدينية، والحكومة والمعارضة». وهو في تحديده التسوية السياسية بصفتها حصيلة وفاق وطني بين السوريين، يكون قد تبنّى السردية الرسمية للنظام الذي طالما رفض الحاجة إلى وساطة الأمم المتحدة وإلى حل ديبلوماسي خارجي للنزاع.

إن مختلف سيناريوات المعارك لن تحدث بدقائق تفاصيلها. فروسيا تفتقد ما يكفي من النفوذ لإجبار نظام الأسد على قبول تسوية سياسية وفق شروط قد يعارضها بقوة، لكنها سوف تسعى إلى لجم اندفاعه إلى حرب مع «قوات سورية الديموقراطية». وهذا سيكون أمراً سهلاً طالما أن النظام لا يزال يقاتل لاستعادة وادي الفرات من قبضة «داعش»، بخاصة أنه قد يُيمم وجهته بعد ذلك صوب المجابهة مع «هيئة تحرير الشام» في إدلب. لكن، في مرحلة ما من السنة المقبلة، سيلجأ النظام إلى تكتيكه المعتاد: إجراء حوار سياسي عبر الضغط العسكري، في حواره مع الأكراد. في ذلك الوقت، قد تجد «قوات سورية الديموقراطية» نفسها عُرضة للخطر بسبب تمددها الزائد جغرافيا. والأخطر أنها قد تُواجه تحديات لتماسكها الداخلي من جانب مكوناتها العربية أو من جانب المنافسين الأكراد لحزب الاتحاد الديموقراطي، بخاصة حين يدفع تقاطع المصالح المعادية للأكراد بين تركيا والنظام إلى تغيير صورة التحالفات السياسية في الشمال السوري.

إن الأخطار عالية وعاتية. ويتعيّن على حزب الاتحاد الديموقراطي أن يتعلّم من أخطاء استفتاء الاستقلال في كردستان العراق المُجاورة، إذا أراد إنقاذ الأمل بنيل حكم ذاتي ذي معنى في سورية.

اقرأ المزيد
٢٧ أكتوبر ٢٠١٧
«شعوب سورية» هل تشمل اللاجئين ... اسألوا بوتين!

لو كان مَن تحدّث عن «شعوب سورية» أحداً آخر غير فلاديمير بوتين لأمكن القول أن هذا تخريف خالص، أما وأن الرئيس الروسي هو القائل، بل يريد تنظيم مؤتمر للحوار بين هذه «الشعوب» في قاعدة حميميم العسكرية، فهذا ليس سوى محاولة روسية جديدة للتلاعب بعناصر الحلّ السياسي المتوافق عليه دولياً، وخطوة أخرى نحو تهميش المعارضة الأكثر تعبيراً عن طموحات الانتفاضة الشعبية السورية، وقبل كل شيء استعراض برسم الراغبين في إعادة الإعمار لإظهار أن الوضع يعود إلى طبيعته. فموسكو تشتغل على مَن وما تسيطر عليه، وتسعى إلى استقطاب ما ومَن لا تسيطر عليه، لكنها دائبة البحث عن «معارضة موالية» لا مشكلة لديها مع استمرار بشار الأسد ونظامه. هذا المعيار ينطبق على «معارضين مزيّفين» جُمعوا في منصّتَي موسكو وحميميم، وكذلك على أكراد «حزب الاتحاد الديموقراطي»، إذ إن هؤلاء لا يهمهم مَن يحكم في دمشق طالما أنه لا يعرقل إقليمهم «الفيديرالي».

إمّا أن «الشعوب» مصطلح اعتباطي ومتسرّع، أو أنه استُخدم خطأً فأوحى بغير ما قُصد به، أو أنه ببساطة لا معنى له. إذا كان بوتين يقصد بـ «شعوبـ»ـه السورية التنوع العرقي، فإنها موزّعة بين 92 في المئة من العرب و8 في المئة من الكرد والأرمن والسريان والشركس والتركمان والآشوريين. وإذا كان يشير إلى التعدّد الديني فهذه طوائف ومذاهب وليست «شعوباً». وحتى لو عنى القبائل والعشائر، أو تنوّع اللغات، أو التوزّع الجغرافي - الجهوي، أو أخيراً الانقسام السياسي... فإنه لن يتوصّل إلى جماعات بالمواصفات المتّبعة لتصنيف «الشعوب»، كما هي حال شعوب الاتحاد الروسي، لكن مصطلحه غير المدروس أثار ارتياباً مشروعاً في مفهومه بأن هناك شعوباً وليس شعباً سورياً، وكذلك في رؤيته إلى مجمل الأزمة السورية التي عُهدت إليه إدارتها ومواكبتها إلى حلول سلمية - سياسية. فكيف يمكن أن يصدّق العالم أن تقطيع الخريطة السورية إلى «مناطقَ خفضٍ للتصعيد» والحديث عن «شعوب سورية» ليسا مسودةً تمهيدية للتقسيم. الأرجح أن «مؤتمر الشعوب» يرمي خصوصاً إلى استيعاب الأكراد لئلا يبقوا في كنف الأميركيين الذين سلّحوهم وكلّفوهم مقاتلة تنظيم «داعش» لمصلحتهم.

لم يقل الرئيس الروسي أياً من هذه الشعوب يمثله نظام الأسد، أم إنه في نظره يمثّلها جميعاً، وأين مجتمع الأسد «الصحّي» و «الأكثر تجانساً» من هذا التصنيف، وفي أي شعب يمكن إدراج «المستوطنين» غير السوريين الذين استقدمتهم إيران وعملت على تجنيسهم؟ لكن هناك أيضاً أكثر من ثمانية ملايين لاجئ ونازح. والنازحون ماذا عنهم وعن نحو خمسة ملايين مهجّر في الداخل؟ الأسد والإيرانيون يعتبرون أن ثلث السكان الذي أصبح في الخارج أمكن التخلّص منه ولا يريدون البحث في عودته أو تمكينه من العودة، أما المهجّرون فالأفضل أن يبقوا حيث توطّنوا. ولا أحد يعرف ما الذي يفكّر فيه الروس بالنسبة إلى هذا الملف، فهم لا يختلفون كثيراً عن النظام والإيرانيين عندما يتعلّق الأمر بقضية إنسانية. لكنهم يواجهون جميعاً هذا الملف عندما يقاربون استحقاق إعادة الإعمار. كيف؟

تبدي موسكو ودمشق استعجالاً واضحاً لتحريك إعادة الإعمار، فيما تحاول طهران مقاربته على نحو التفافي. لكن هذا الثلاثي واقع تحت عقوبات دولية، فنظام الأسد مفلس وروسيا وإيران غير قادرتَين، ويعتقد كل طرف أن لديه فرصاً وحوافز يعرضها على الدول المموّلة أو المانحة. يريد النظام إعادة الإعمار مصيدة للأوروبيين ليقايض الصفقات والعقود بـ «التطبيع» معه لإحياء «شرعيته»، ويتخذ منها الروس وسيلةً لمساوماتٍ في كل الاتجاهات. وإذ يعتبرها الإيرانيون نقطة ضعفهم، فإنهم يحاولون التذاكي للإمساك ببعض أوراقها من خلال الإيحاء بل الإيهام بأنهم يتفهّمون الشروط الأوروبية ويريدون التعامل معها. هذه الشروط تُختصر بانتهاء الصراعات المسلّحة والاتفاق على عملية سياسية توضح معالم العودة إلى الاستقرار، إضافة إلى إيجاد خطة ذات صدقية لمشاريع إعادة الإعمار. وتعتمد طهران على علاقتها الوثيقة برأس النظام لتطرح عبر قنوات خاصة صيغاً سياسية ووعوداً بصفقات يمكن أن تكون مغرية للأوروبيين إذا أعادوا علاقاتهم رسمياً مع النظام، لكن حتى لو كان الأوروبيون مستعدّين للتنازل عن الجوانب السياسية، فإنهم لا يُلقون بأموالهم عشوائياً ولا يستطيعون التهاون في شروط الحوكمة والضمانات.

في أي حال، لم يعد أحد يجهل أن الكلمة الأولى والأخيرة في سورية باتت لروسيا، لا لإيران ولا للنظام. ومَن كان يعتقد غير ذلك، فقد شكّلت زيارة الوفد الذي ترأسه وزير خارجية النظام إلى سوتشي رسالة إلى الدول كافةً بأن ملف إعادة الإعمار في يد روسيا. كل ما استطاعه وليد المعلم هو أن يصرّح بشكوى النظام من استيلاء أكراد «قوات سورية الديموقراطية» على حقول النفط في دير الزور. وهي شكوى إيرانية أيضاً، ليس تضامناً مع الأسد وإنما احتجاجاً على تقاسم دير الزور في «التفاهمات» الروسية - الأميركية. غير أن الشكاوى الإيرانية من سلوكات روسيا تتزايد باستمرار، سواء مع تركيا في شأن إدلب أو خصوصاً مع إسرائيل ورسم الخطوط الحمر للوجود الإيراني في جنوب سورية. ومن الواضح أن بوتين لا يكترث للاحتجاجات، بل ينظر فقط إلى التقدّم الذي تحرزه الخطط الروسية، فبعد «مناطق خفض التصعيد» ستكون الخطوة التالية، وفق ما قال «مؤتمر شعوب سورية لمصالحة الحكومة والمعارضة». وبالتالي، فإنه يعمل حصرياً على اختتام مسار آستانة لينتقل إلى مسار حميميم، وكلاهما خارج إشراف الأمم المتحدة، وإذ تهيمن موسكو على مسار جنيف وتدير عقمه ومراوحته، فإنها تستخدمه للتمويه ولتسهيل مسارَيها الآخرَين.

هل من علاقة بين فكرة «مؤتمر الشعوب» وبين إعادة الإعمار؟ بطبيعة الحال، فكلّ الملفات مترابطة، بما في ذلك إنهاء الصراع المسلّح والقضاء على جيوب الإرهاب والعملية السياسية. وقد برهنت روسيا أنها قادرة على إحداث تغيير بالقوة العسكرية مستغلّة ركاكة موازين القوى على الأرض، أما قدرتها على التغيير الآخر المطلوب بالقوة السياسية فلا تزال موضع تساؤل واختبار، نظراً إلى ميلها إلى لَيّ الحقائق والتلاعب بها والتعامي عن الأسباب الواقعية للأزمة. وإذ توحي روسيا حالياً بأنها باشرت فعلاً تنشيط ملف الإعمار، فإن مقارباتها الأولية مع «رجال أعمال النظام» أظهرت لها أن هؤلاء لم يأتوا لعرض مساهماتهم المحتملة، وإنما لاستكشاف ما إذا كانت لديها تمويلات، ثم إنهم بحكم العادة يبحثون عن مكاسب سريعة وسهلة. وفيما تفتح روسيا تفاوضات مع حكومات أوروبية لرسم خرائط الصفقات، فإنها تريد فرض معاييرها على الإعمار الذي يفترض أن يكون جهداً دولياً، وتحاول تعويض عجزها عن الإعمار بقوّة احتكارها توزيعَ العروض، لكنها لم تبدِ مثلاً أي اهتمام بقضية اللاجئين التي تعرف أنها مثار قلق للدول المموّلة، ولم تقدّم أي تعهّد بأن تشمل نشاطات التنمية والإعمار جميع «الشعوب» السورية المنكوبة، خلافاً لرغبات نظام الأسد في توجيهها إلى «شعوبـ»ـه ومناطقه.

لكن المهمّ أن صيغة الحل السياسي الذي تعمل عليها روسيا تبقى أقرب إلى صيغة محورها الأسد ونظامه، أي أبعد ما تكون عن إقامة سلام داخلي يطمئن «الشعوب» إلى مستقبلها. وتبدو مقاربتها لاستحقاقات ما بعد الحرب مكشوفةً بتمحورها على مصالح «روسيا أولاً» وليس مصالح سورية والسوريين، والمؤكّد أن حساباتها السورية والأوكرانية والإقليمية ستتخذ منحًى ابتزازياً في إدارة ملف إعادة الإعمار. لذلك، استفزّها مثلاً أن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية سترسل «مساعدات إنسانية» إلى الرقة، حتى إنها اعتبرتها محاولة لـ «إخفاء آثار القصف الوحشي» كأن القصف الروسي لحلب كان أقلّ وحشية. أما الأهمّ فهو أن موسكو أصبحت مدركة أن المجتمع الدولي قد يتقبّل «السلام الروسي» في سورية ولو بوجودٍ مشروط للأسد، لكنه لا يمكن أن يدعم «سلاماً» كهذا بوجود الأسد وإيران معاً. وطالما أن السلام بعيد، فإن «شعوب سورية» سئمت الجميع: النظام وإيران، وكذلك روسيا.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٧
أوجلان طليقاً في الرقة

قال ونستون تشرشل قوله الشهير: «ليست هناك صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، بل مصالح دائمة» ولم نصدقه، لأننا شعوب عاطفية يصعب إقناعها بالحقائق. وهي لا تصدق أن هذه حقائق، بل «مفاجآت». وأقرّ بأنني أول المفاجئين بانتقال تركيا من إسقاط السوخوي الروسية على حدودها مع سوريا، إلى هذا الحلف مع موسكو. ولم تكن مفاجأة، بل صاعقة عندما رأينا قوات عبد الله أوجلان، الماركسي - اللينيني، تسيطر على الرقة بالتحالف مع قوات الدعم الأميركية.

والذين يفاجأون، من أمثالي، تلامذة غير نجباء للتاريخ. فقد أدخل روزفلت بلاده الحرب العالمية الثانية ضد جميع قناعاته ومشاعره السابقة. فهو كان معجباً بالفاشية وإن كان ضد هتلر. وكان يقدر الديكتاتور الإيطالي موسوليني، كما أنه ساعد المارشال بيتان في فرنسا ولم يصغ إلى ديغول.

ولم يكن معروفاً عن روزفلت أي تفكير أو عمق استراتيجي، بل العكس. وبعد وصوله إلى الرئاسة (1932) بقليل، قال لأحد أصدقائه: «إنني أتابع بإعجاب ذلك السيد الإيطالي» (موسوليني). وبعد خمس سنين سأله سفير أميركا في روما إن كان لديه أي اعتراض على الديكتاتوريين، فقال: «أبداً، ما داموا لا يخرجون عن حدود بلدانهم». وهكذا، كان أول من ساعد الجنرال فرنكو في إسبانيا.

لكن المصالح الأميركية لم تخضع لعواطف رئيسها. فقد خاضت واشنطن الحرب ضد جميع الذين أعجب بهم وإلى جانب الذين ازدراهم ورفض لقاءهم مثل شارل ديغول. وما كان مذهلاً، وليس فقط مفاجئاً، أن نرى أميركا ليس فقط بعيداً عن بارزاني، بل قريباً من أوجلان الذي أسهم الغرب في تسليمه إلى تركيا بعدما أبعدته سوريا إلى كينيا، بناء على تهديد أنقرة لدمشق بالحرب.

أوائل الحروب ليست مثل نهاياتها، على ما يبدو. وأكراد كردستان العراق معزولون من الصداقات التاريخية بينما أكراد الرقة - سوريا يتمتعون بصداقات جديدة. أما الرقة نفسها، فتعطى إلى «إدارة مدنية»، وهو مصطلح غامض فيه من «العسكرية» والعسكر، أكثر بكثير مما فيه من «المدنية». ويعني أيضا، فيما يعنيه، الحكم الذاتي والبعد عن السلطة المركزية.
قال تشرشل قوله ومشى، وترك العالم يتأكد من صحته حرباً بعد أخرى.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٧
روحاني ـ بنس وصندوق البريد اللبناني

مرة جديدة - ولكنها الأخطر - تُستخدم الجمهورية اللبنانية حيزاً جيوسياسياً لإيصال الرسائل أو تبادلها، ولكن هذه المرة على مستوى غير مسبوق من التصعيد، رسائل توحي بأن شيئاً ما يُعدّ، أو أُعِدّ ولكن تنفيذه بات مرهوناً باكتمال ظروفه المحلية والإقليمية والدولية، التي ستسمح للاعبين بالتقاط الإشارة بأن قواعد الاشتباك تغيرت، وعليهم إعادة ترتيب أوراق قوتهم التي سيلجأون إليها عندما يجدون أنفسهم مضطرين إلى استخدام الحيّز اللبناني جزءاً من أدوات الصراع في سبيل حماية مصالحهم التوسعية.

منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استراتيجيته الجديدة للتعامل مع إيران، وأنظار المجتمع الدولي متجهة نحو لبنان، حيث يتضاعف القلق من عدم استطاعة الدولة اللبنانية التكيف مع المتغيرات الدولية وتجنب تداعياتها على لبنان الرسمي، فهي على مسافة أسابيع تقريباً من جلسة الكونغرس الأميركية المخصصة لفرض حزمة عقوبات اقتصادية ومالية جديدة على تنظيم حزب الله، وعلى الكيانات السياسية والاقتصادية التي تدور في فلكه، وتشكل جزءاً من دورة إنتاجه الاقتصادية وسط بيئته الحاضنة، وهي في أغلبها من أبناء المسلمين الشيعة التي ستكون أكثر المتأثرين بالعقوبات، ومن المرجح حسب المعلومات الواردة من واشنطن ونيويورك أن تأثيرها سينعكس سلباً على السوق المالية اللبنانية، وستتسبب بصعوبات اقتصادية كبيرة لا يمكن الالتفاف عليها، وذلك في لحظة يزداد فيها السؤال الداخلي حول قدرة اللبنانيين على الحفاظ على استقرارهم السياسي في بلد منقسم عامودياً منذ 14 فبراير (شباط) 2005، وكادت محكمة استمرت لأكثر من ثلاثة عقود أن تتسبب بانفجار نزاع أهلي، بين جماعات لبنانية فاضت أدبياتها السياسية والاجتماعية والثقافية بشعارات كانت تؤكد دائماً على تجاوز الماضي، وأن لا رجعة للحرب الأهلية.

لم يكد الجدل الداخلي الحاد والمتوتر حول الحكم في اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق بشير الجميل أن يمر دون أضرار جانبية، حتى فجّر تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي اعتبر فيه «أن لا أحد يستطيع اتخاذ قرار في لبنان دون الرجوع إلى إيران»، جدلاً جديداً أكثر حدة داخل الطبقة السياسية، خصوصاً أن خطورة كلام روحاني يأتي في لحظة تشتد فيها الضغوط على إيران، من أجل تغيير سلوكها الإقليمي، والكف عن التدخل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبالنسبة لواشنطن ولعواصم إقليمية، فإن روحاني يقطع الشك باليقين، ويؤكد للمجتمع الدولي أن الجمهورية اللبنانية تخضع للانتداب الإيراني، وهو عكس ما حاول أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كثير من خُطَبه نفيه، عندما كان يُصر على أن إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني، وأن ليس لديها مطامع في لبنان، وتزامن تصريح روحاني في الوقت الذي أقامت فيه الإدارة الأميركية في واشنطن نهار الاثنين الماضي حفل تأبين للجنود الذين قضوا في تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية «المارينز» في لبنان سنة 1983، والتي اتهمت فيها واشنطن جماعة إرهابية لبنانية تابعة لإيران بتنفيذه، وقد قال نائب الرئيس الأميركي مايكل بنس إن «تفجير المارينز في بيروت كان الشرارة الأولى لانطلاق الحرب ضد الإرهاب»، مشدداً على أن «الإدارة الأميركية تضاعف جهودها لتقويض حزب الله»، مذكّراً بأن «حزب الله هو جماعة إرهابية وكيلة لراعي الإرهاب الأساسي، أي إيران، ولن نسمح لإيران بزعزعة استقرار دول المنطقة». الأخطر في كلام مايكل بنس هو قوله إن بلاده ستنقل المعركة إلى أرض الإرهابيين وحسب شروطها، أي في المكان والزمان والشكل الذي سوف تحدده واشنطن، لحظة اتخاذها قرار التصدي المباشر لمن تتهمهم بزعزعة استقرار المنطقة ودعم الجماعات الإرهابية، ما يمكن تفسيره بأن عهد الاستقرار في بعض الدول قد انتهى، وفي مقدمتهم لبنان الذي على ما يبدو سيتحول إلى مساحة سيستخدمها الكبار في مرحلة تصفية الحسابات المقبلة.

أغلب التحليلات الغربية والإسرائيلية والإقليمية لا تستبعد حدوث خلل في الوضع اللبناني، حيث طبول الحرب تقرع من جنوبه إلى بقاعه، وعلامات التصدع السياسي تلوح من داخل العاصمة بيروت، فيما الضغط الإيراني - الأميركي على لبنان يتفاقم ويوحي بأنهما يستعدان لفتح دفاترهما القديمة، ونبش فواتير اعتقد الطرف الذي تهرب من دفعها أنها أسقطت بفعل الأقدمية، فأعيدت حدود لبنان الجنوبية إلى الواجهة الإيرانية، حيث العدد الهائل من الصواريخ التي تلوح طهران من خلالها بأن قرار الحرب والسلم بيدها حصراً، وفي المقابل حشد أميركي - إسرائيلي غير مسبوق يستخدم لغة انتقامية هدفها الثأر لأحداث مضت، معطيات كفيلة بأخذ لبنان نحو جحيم سيحرق ما تبقى من هيكل الدولة، ويضعه بين فكي كماشة الطموحات الإيرانية ورد الاعتبار الأميركي.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٧
اكتشاف جمهورية إيران السرية

كلنا نفهم إيران، النظام الطموح للهيمنة والنفوذ، لكننا في الحقيقة لا نعرفه جيداً. عنده الغاية تبرر الوسيلة، من بيع السجائر إلى تزوير العملات، والمتاجرة بالمخدرات، وغسل الأموال. جمع وتوجيه أموال الخُمس الدينية لأغراض حربية، وتأسيس شبكات معقدة من الشركات في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، من إرسال رجال الدين المحملين بطلب الولاءات إلى مدربي القتال على السلاح. هذه نشاطات الإمبراطورية الإيرانية التي لا تظهر على السطح، تحاول تسخير كل ما تضع يدها عليه لخدمة غاياتها. وهي من خلال الخلايا، وشبكات التهريب السرية، بنت مشروعها النووي ولا تزال تفعل.

ومع أن بث النزاعات هوايتها الرسمية فإنها لا تحارب بنفسها. آخر حرب خاضتها القوات المسلحة الإيرانية كانت أمام العراق، وانتهت عام 1988. في تلك الحرب، رمى النظام الجديد بما تبقى من قوات الشاه المهزومة للتخلص منها. بعد الثورة صار الجيش النظامي الإيراني يقاد من قبل آيات الله المرتابين فيه، الذين لا يعترفون بالرتب العسكرية، ولا يحترمون إلا التراتبية الدينية. بعدها أصبحت كل معارك نظام طهران توكل إلى الخلايا والشبكات والمندسين؛ «حزب الله» لبنان، «حزب الله» العراق، «أنصار الله» اليمن، «الفاطميّون» الأفغان، وعشرات غيرها نشرت في أنحاء المنطقة تحارب من أجل رفعة دولة آية الله.

إيران لم، وربما لن، تخوض مواجهات عسكرية بالبوارج وأسراب المقاتلات، فهي، رغم بنائها، الذي لا يكل، لأسطولها البحري والبري بأفضل الأسلحة، تتحاشى المواجهات الكبرى. ترسل سفنها حاملة السلاح تبحر سراً إلى موانئ المناطق المضطربة. كما يتولى جنودها على الأرض حراسة قوافل «فيلق القدس» العابرة لبلاد الرافدين، لتعزيز قدرات الميليشيات الأجنبية التي تقاتل تحت إمرتها هناك.

وفِي آخر مواقفها الرسمية، أعلنت الحكومة الأميركية أنها تنوي تنسيق الجهود بين مؤسساتها الرقابية والأمنية، وتستعين بحكومات دول المنطقة المتحالفة معها للتعرف أكثر على شبكات التهريب والتدريب، وكيف تدير طهران حروبها السرية في أنحاء العالم. تقول إنها ستذيع المعلومات التي بحوزتها عن شركات طهران السرية، وستفضح المتعاملين معها. وتقول إنها ستكشف عن الأدلة التي تبرهن على علاقات إيران بتنظيم القاعدة. وهي كانت من المفاجآت الغريبة التي قلبت كثيراً من مفاهيمنا عن إيران في عام 2003. ففي تلك السنة هزت العاصمة السعودية انفجارات من تنفيذ تنظيم القاعدة، كنا نعتقد أنهم إرهابيون سعوديون على أرض سعودية. وكانت المفاجأة أن اتصالات التكليف الهاتفية جاءت من إيران إلى تلك الخلية في الرياض. تفجير مايو (أيار)، من ذلك العام، تم بأمر هاتفي من مساعد بن لادن القيادي المصري الهارب سيف العدل المختبئ مع رفاقه الإرهابيين في ضيافة إيران. وهو نفسه الذي دبّر قتل 18 أميركياً في العاصمة الصومالية عام 1993، ويعتقد أن له دوراً في التخطيط لهجمات سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة!

قبل تلك الحادثة لم يخطر ببالنا أبداً أن يلتقي العدوّان؛ نظام طهران وتنظيم القاعدة، ويعملان معاً فوق الأرض نفسها وضد الهدف نفسه. بعدها أصبحنا نرى إيران بلد الألغاز، أكثر غموضاً مما كنا نظن ونعتقد. ومعرفتها جيداً ستتطلب من قوى المنطقة العمل المشترك، من أجل تفكيك ألغازها والكشف عن شبكات التهريب والتخريب والمعلومات. قبل الانخراط في أي عمل ضده بات التعرف أكثر على النظام الإيراني ضرورة أولى.

اقرأ المزيد
٢٦ أكتوبر ٢٠١٧
العراق الجديد: الرياض تبني ما قوضته طهران

نقلة نوعية في العلاقات السعودية العراقية لا يمكن أن تخطئها العين، وكانت لكلمة خادم الحرمين الشريفين في توصيف العلاقات خارج إطار الدبلوماسية السياسية، بأنها علاقة جيرة وروابط إخوة، دلالة على أن المأمول يتجاوز مجرد رأب الصدع السياسي الذي شهدته العلاقات خلال السنوات الماضية، بعد الاستلاب الذي مارسته إيران لهويّة العراق العربية، وتقزيم بلد عريق بحجة الحرب ضد الإرهاب.

التدخل الإيراني في الشأن العراقي كان إيذاناً بتكريس المحاصصة السياسية الطائفية، والولاءات مع أيديولوجيا ولاية الفقيه التي تحاول إيران تدويلها، كبديل لتصدير الثورة المباشرة، في العراق ولبنان واليمن، وتحويل ساحات النفوذ إلى مصادر لإنتاج الفوضى السياسية، وتقويض استقرار الدول وخرق التوافقية بين المكونات السياسية المختلفة. وبالطبع عادة ما يجد هذا التدخل قبولاً عند الشخصيات الانتهازية، كما هو الحال في بعض التيارات السياسية في لبنان، ونظام المخلوع صالح في اليمن، وبعض التيارات السياسية من أنصار الإسلام السياسي الشيعي في الخليج؛ لكنه ولاء مشروط بالبحث عن دور وليس عن قناعة بجدوى السلوك الإيراني في المنطقة الذي هو سلوك تقويضي هدمي لا يمكن أن يساهم في بناء دولة قدر أنه قادر على مفاعيل التدمير للدول المضطربة.

العراق يتعافى من منطق الميليشيا بعد أن مضت سنوات طويلة والفوضى تلازمه كجزء من تبعات الانتقال إلى منطق الدولة الذي يتشكل الآن، وبحاجة إلى مساندة المجتمع الدولي ودول الجوار. وهنا يمكن أن نقرأ الاستباقية السعودية في العلاقات الخارجية، والمبادرة بمد يد التعاون والشراكة المبنية على الاحترام والمصالح المشتركة للعراق، وبسلوك ولغة ترفض الطائفية، وكان جزءاً من التأكيد على ذلك هو الدعمُ الكاملُ للحرب على تنظيم داعش ومباركة العراق بالتخلص من آفة الإرهاب، على الرغم من المخاوف والتحفظات المشروعة حول آليات ذلك، وتبعاته، والأخطاء التي قد تقع بسبب الانحراف عن سلوك الدولة والارتهان، ولو مؤقتاً، لسلوك الميليشيا.

يمكن القول إن جزءاً من الإرادة العراقية وُلد بعد محاصرة سلوك إيران في المنطقة، وأبرزها أصوات النقد العالية من قبل الإدارة الأميركية، التي من المفترض أن تعقبها مرحلة جديدة في ضبط هذا السلوك. الإدارة الأميركية الجديدة انتقدت هيمنة ملالي طهران، بل واعتبرت النظام الإيراني هو الراعي الرئيس للإرهاب في المنطقة في أهم ثلاثة ملفات؛ العراق وسوريا واليمن.

في الملف العراقي انتهت مرحلة المالكي الذي كان ممانعاً لأي أدوار غير إيرانية في النهوض بعراق عربي غير طائفي، وفي سوريا يبدو أن التخلص من «داعش» مرتبطٌ بشكل أساسي بخروج الميليشيات الشيعية المسلحة التي تبعثها إيران وحزب الله، الذراع الأكثر التصاقاً بها. وفي اليمن فإن النزاع بين أنصار الله والحوثي، وكل القوى السياسية في اليمن، هو مسألة وقت، حيث انتقل من حالة الانتهاك للشرعية في اليمن إلى احتلال شمال البلاد، واللعب في مقدراته وهويته على كل المستويات، وآخرها تجريف الهوية الثقافية عبر مناهج التعليم والمساجد وملاحقة الصحافيين، وحتى الشخصيات السياسية في حزب المؤتمر للمخلوع الذي بات ظلاً تابعاً لهيمنة الحوثيين، وهو ما يفسر أيضاً في خصوص الحالة اليمنية توجهاً أميركياً جديداً بالضغط على إيران ووكلائها بالخروج من ملف اليمن، والتعامل مع الحوثيين في إطار الحرب على الإرهاب، بدءاً بمنع وصول الإمدادات الإيرانية للأسلحة عبر القوارب البحرية والتهريب.

الرياض تمد يد البناء في العراق بعد أن أنهكته يد الهدم والهيمنة الإيرانية، وهذا ما يفسر تشكل قوى شيعية سياسية بتوجهات تصالحية مع عمقها التاريخي في منطقة الخليج، وعلى رأسه المملكة التي كان لها اليد الطولى في ترميم خرائب الربيع العربي، وانعكاساته على منطق الدولة في مصر وليبيا وتونس، مع الحفاظ على سيادة تلك الدول من أي مساس. وكانت للحرب على تنظيم داعش عبر التحالف الدولي بدعم الولايات المتحدة نتائج ملموسة على الأرض، وكانت زيارة مقتدى الصدر ثم العبادي والتصريحات القادمة من بغداد مؤشراً إيجابياً على مرحلة جديدة في المنطقة، هي مرحلة بناء وشراكات فاعلة، ومن هنا كانت المبادرة في الاتفاقات الاقتصادية وعودة آمنة للصادرات النفطية العراقية وازدهار الاقتصاد، وكل ما ينفع الناس على الأرض، بعيداً عن الشعارات والصخب الإيراني والميليشيات المنتجة للفوضى.

السعودية على المستوى السياسي يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في طمأنة المكونات السنية في العراق، وإعادة إدماجها وتعافيها من الانحياز الطائفي الذي مارسته حكومة المالكي سابقاً، لا سيما في المدن ذات الأغلبية السنية في محافظة الأنبار والموصل ومحافظة صلاح الدين... هذا الدمج السياسي سيجد صداه بشكل سريع متى ما أثمر التعاون الاقتصادي عودة العراق كقوة اقتصادية في المنطقة، وقوة سياسية قادرة على التخلص من النفوذ الإيراني بولادة هويّة جديدة قائمة؛ عراق يسع الجميع على أساس المواطنة ونبذ الطائفية؛ هوية جامعة تعيد العراق إلى عمقه العربي، وهو الأمر الذي دعمته السعودية برفضها لأي تحيّزات طائفية ودعمها لحكومة العبادي وإصلاحاته السياسية في وقت يتنفس العراق هواءه الوطني بعيداً عن فزاعة «داعش» التي كانت تستغلها إيران، أو شبح التقسيم بعد أن وقفت الرياض مع العراق في المسألة الكردية، والمطالبة بوحدة العراق باعتبارها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه.

والحال أن نقطة التحول الكبيرة التي مهدت لها يد الرياض التي صافحت بها الرغبة العراقية الجديدة في التحول، ستؤتي ثمارها قريباً مع موعد الاستحقاق السياسي المقبل عبر الانتخابات البرلمانية في أبريل (نيسان) عام 2018، ومن المرجح أن تبدأ مرحلة من التحالفات الانتخابية وتحول في خريطة التحالفات القديمة وحراك أكثر تنوعاً من قبل التيارات المدنية، يجب أن تعقبها نقلة نوعية أخرى على مستوى الإصلاح السياسي والاقتصادي.

صحيح جداً أن التخلص من إرث الطائفية الذي تم تأسيسه منذ سقوط نظام صدام حسين يحتاج إلى سنوات طويلة، لكن الخطوات الأولى في الاتجاه الصحيح قد بدأت بالفعل، وآن للعراق الجديد أن يتعافى من ارتباكه نحو عراق واحد عربي يمثله كله أبناؤه الذين دفعوا الكثير من الأثمان للتخلص من نظام البعث ومن الإرهاب، وآن الوقت لأن يضحوا بالطائفية والتغلغل الإيراني للاستقلال الحقيقي وسيادة منطق الدولة في أرض السواد والأمجاد.

اقرأ المزيد
٢٥ أكتوبر ٢٠١٧
أنقاض الرقة تذكِّر بالقوة العسكرية الأميركية

مطالعة صور الشوارع الخربة المدمرة لما كانت في يوم من الأيام عاصمة «داعش» يذكّرنا بالقوة العسكرية القاسية، والفاعلة، والساحقة للولايات المتحدة الأميركية.

ولعلها تعد تقديراً للطبيعة الحتمية للقوة الأميركية، في حالة من أبرز حالات الإعلان عن ذاتها، لدرجة أن سقوط مدينة الرقة بهذه الطريقة لم يحرك إلا أقل القليل من المناقشات العامة خلال الأسبوع الماضي. وفي حين ركز المعلقون آراءهم حول ما إذا كان الرئيس دونالد ترمب قد هوّن من شأن آباء وأمهات المقاتلين الأميركيين الذين سقطوا في ميدان القتال، بيد أنه، وبالكاد، قد لفت انتباههم أن جيش بلادهم قد نجح في إنجاز هدف كان يبدو قبل ثلاث سنوات كغاية مضطربة وبعيدة المنال.

إن أكوام الركام وأنقاض المنازل التي كانت ذات يوم مأوى الإرهابيين وجلاوزة التعذيب تبعث برسالة واضحة وتنقل للأفهام درساً لا ينقصه الصواب، وهو حق وحقيقة مثل ما كان الأمر في عام 1945: من الخطأ والعبث استفزاز الولايات المتحدة. قد يستغرق الأمر من البلاد قدراً من الوقت للرد على تهديد من التهديدات، ولكن بمجرد دوران عجلات الآلة الأميركية العملاقة، فما من سبيل قط لإيقافها، ما دامت هناك إرادة سياسية فاعلة وراسخة تمهد لها الطريق وتفتح لها الأبواب.

إن حملة الرقة تذكرة ماثلة لشيء نادراً ما نبصره في هذه الأيام المثيرة للتشرذم والانقسام، ألا وهو استمرار احترام الولايات المتحدة لالتزاماتها المعلنة من عهد الإدارة السابقة إلى الإدارة الحالية. وبكل تأكيد، كان الأمر برمته مشروعاً مشتركاً وممتد الأثر والمفعول. ويستحق الرئيس ترمب نسب الفضل إليه في تسريع وتيرة الحملة ضد تنظيم داعش الإرهابي ومنح قادة الجيش الأميركي المزيد من السلطات والصلاحيات. بيد أن الاستراتيجية الأساسية - والإرادة الماضية لمقاومة ومحاربة الإرهابيين في المقام الأول- يُنسب الفضل فيها إلى الإدارة السابقة.

ولسوف يقوم الرئيس ترمب، الواثق من ذاته للغاية، بدعوة الرئيس السابق أوباما إلى البيت الأبيض للالتقاء مع القادة العسكريين والضباط والجنود العائدين من ساحة المعركة. ومن شأن هذه الاحتفالية أن تذكّر العالم بأسره أن الولايات المتحدة الأميركية قادرة على الوفاء بكلمتها رغم اختلاف الإدارات الحاكمة للبلاد. والرئيس ترمب، الذي لا يزال يساوره بعض القلق بشأن سلطاته، يبدو غير قادر - على نحو تام - على التحلي بهذا القدر من السخاء والكرم.

وبالنظر إلى بداية الحملة يمكننا أن نتذكر كيف كانت الأوضاع في منتهى الهشاشة في بادئ الأمر. كان اجتياح «داعش» مريعاً في صيف عام 2014، من اكتساح الموصل والاندفاع مثل الإعصار الأهوج عبر المناطق السُّنية في سوريا والعراق، حتى انهارت خطوط الدفاع وقتذاك، وبدت العاصمة الكردية أربيل في خطر داهم ومحدق، وكذلك كانت بغداد.

وطالب الرئيس السابق أوباما، كشرطٍ وضعه قبل التدخل العسكري الأميركي في المنطقة، أن تحصل بغداد على حكومة جديدة تكون أكثر مقدرة على كسب ثقة وولاء السكان السُّنة في البلاد. ولقد كان على حق في ذلك، ثم تحقق له ما أراد باستبدال حيدر العبادي بنوري المالكي في منصب رئيس وزراء العراق، والذي كانت قبضته تبدو أكثر رسوخاً وثباتاً عما توقعه المراقبون العراقيون في بداية الأمر.

ولما أعلن الرئيس أوباما عن هدفه بتحطيم ثم تدمير تنظيم داعش تماماً، بدا الأمر كأنه هدف حرب مشروطة وبليدة. ولم يساعد وقتها أنه لم يوافق أحد قط على مسمى العدو الذي يُعرف إعلامياً باسم «داعش» اختصاراً. وكانت الولايات المتحدة في أدنى درجات الحماس العسكري لشن هذه الحرب الجديدة بعد المعارك المطولة والمحبطة التي خاضتها ضد جماعات التمرد الإرهابية في كلٍّ من العراق وأفغانستان.

وواجهت الحملة بداية بطيئة وغير مشجعة على الإطلاق. وطالبت العشائر العراقية الكائنة في وادي نهر الفرات بمساعدات من الولايات المتحدة، وكانت المساعدات متثاقلة في أول الأمر. وكانت الفوضى عارمة في صفوف الجيش العراقي حتى بدأ البرنامج الأميركي للتدريب على مكافحة الإرهاب في إظهار القوة القتالية الحقيقية. لكن، وعلى نحو تدريجي، وخفيٍّ في أغلب مراحله، تغيرت ملامح المعركة تماماً؛ إذ تمكنت القوات الجوية الأميركية من القضاء على عشرات الآلاف من جنود «داعش» وعناصره على الأرض، مع الطمس التام لكل من حاول إثارة أي إشارة ولو كانت رقمية. وكانت البيانات العسكرية الأميركية شحيحة ومقتضبة للغاية بشأن هذه الحملة القاسية، غير أن المقاتلين السوريين والعراقيين عاينوها معاينة المبصر الواعي، ولحق الناس كعهدهم بجموع المنتصرين.

وعبر مشاهدتي لمختلف ملامح هذه المعركة وهي تتبدى منكشفة خلال العديد من زياراتي إلى العراق وسوريا، وضعت إصبعي على عاملين مهمين كان لهما أبلغ الأثر في تغيير مجريات القتال: أولاً، وجود الحلفاء الملتزمين الذين اعتمدت عليهم الولايات المتحدة هناك. وكان الأكراد من أشرس المقاتلين وأكثرهم تمرساً، وأعني مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وميليشيات البيشمركة بحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى جانب وحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا. لقد حافظوا ودافعوا عن مواقعهم وواصلوا القتال وسقط منهم الكثير من الرجال (وهذا الولاء الكردي جدير بالذكر والثناء الآن، في خضمّ متاعبهم وآلامهم الراهنة). ولقد توسعت رقعة التحالف المناهض لتنظيم داعش الإرهابي مع تعزيز قوات الجيش العراقي، فضلاً عن تجنيد المزيد من المقاتلين السُّنة على أيدي وحدات الحماية الشعبية الكردية، وضمهم إلى التحالف الموسع الذي حمل مسمى قوات سوريا الديمقراطية.


وتمخض النصر عن التحام هؤلاء المقاتلين مع القوة النيرانية الأميركية المهلكة. ويمكن للولايات المتحدة توجيه مختلف الضربات عبر مختلف المنصات: الطائرات الحربية المسيَّرة، والمقاتلات الحربية ثابتة الأجنحة، مع وحدات المدفعية المتقدمة. وخراب الرقة يجعل الأمر يبدو كأننا قد قصفنا كل شيء هناك، ويتعين على الولايات المتحدة إجراء تحليل ذاتي للخسائر المدنية في الأرواح خلال تلك الحملة الشعواء. ومن أفضل جسور العبور للمستقبل القادم هو اعتماد حد الأمانة والصدق مع الذات في تقدير التكاليف البشرية لهذه الحرب، ومسؤولية الولايات المتحدة عن الأخطاء التي لا بد أنها ارتُكبت في ضباب المعارك الضروس.


وتكمن المشكلة الحقيقية مع هذه الحملة في أنها منذ البداية كانت تستند إلى الهيمنة العسكرية المشيدة على أسس غير راسخة من القرارات السياسية. وهذا الأمر لا يزال صحيحاً حتى الآن. لم تكن هناك استراتيجية سياسية واضحة المعالم لدى الرئيس باراك أوباما لإقامة نظام إصلاحي ممتد في سوريا والعراق لما بعد سقوط «داعش»، ولا يملك الرئيس الحالي ترمب هذه الاستراتيجية كذلك. إن مؤسستنا العسكرية ذات فعالية فائقة في مجالات عملها من دون شك، غير أن مشكلات الحكم الدائمة على أرض الواقع، لا يمكن دوماً حلها بالوسائل العسكرية فحسب.

اقرأ المزيد
٢٥ أكتوبر ٢٠١٧
ماذا عن حزب الله؟

تتواصل الأخبار تباعاً عن «هزائم» التنظيم الإرهابي «داعش» في العراق وسوريا (لا يزال مفلوتاً في ليبيا) والنتائج تأتي مبشرة وتبشر بقرب رحيل هذه العصابة المجرمة، وإن كانت علامات وإشارات الاستفهام لا تزال موجودة بخصوص مصير زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي ومصير المقاتلين في هذا التنظيم الذين «تبخروا» فجأة، وبشكل غريب تماماً مثل ظهورهم المريب.

الحرب على الإرهاب مسألة مطلوبة بل وواجبة، والتخاذل فيها وعنها هي مسألة لا تفرق عن الخيانة. والحرب على «القاعدة» و«داعش» مسألة لا غبار عليها بل مطلوبة، باعتبارهما رمزين للإرهاب، ولكن هناك سؤالاً لا بد أن يطرح، وهو لماذا يتم التعامل مع «داعش» و«القاعدة» بقفازات من فولاذ، بينما يتم التعامل مع تنظيم حزب الله الإرهابي بقفازات من حرير؟

هناك غموض شديد على أسباب تعامل المجتمع الدولي مع تنظيم حزب الله بهذا الشكل الناعم، وهو التنظيم المدان في جرائم كثيرة ومختلفة داخل لبنان وعبر فروعه المنتشرة في بقاع العالم المختلفة. هو يقاتل لحماية نظام طاغية، ذبح النساء والأطفال، نسف المنازل ودمر المساجد، ويؤوي القتلة المطلوبين قضائياً في كثير من الجرائم الجنائية، ويدير تنظيمات إرهابية في مختلف الدول العربية، ويهرب المخدرات ويغسل الأموال. ارتكب كل الجرائم والآفات والمعاصي والمحرمات بامتياز. ومع ذلك لم يمس في حملة مركزة للخلاص منه. زعماؤه يتحركون بمطلق الحرية يلقون الخطب في الأماكن العامة.

حتى حسن نصر الله الذي يدعي أنه زعيم المقاومة ضد إسرائيل، وهو توصيف لم يعد هو شخصياً يصدقه، لم يتعرض أبداً لأي محاولة اغتيال واحدة من قبل إسرائيل أو حلفائها.

لم يعد مقنعاً أن يبقى المجتمع الدولي «مجاملاً» و«حنوناً» في تعامله مع هذا التنظيم الإرهابي والكيل بمكيالين. حالة تنظيم حزب الله الإرهابي حالة خطيرة جداً، لأنه وباعتراف زعمائه وقادته هو جزء من مخطط تصدير الثورة الإيرانية، التي هدفها إعادة رسم الدول العربية كما قلت أكثر من مرة، ونرى بصماتها الدموية في كل مكان. حزب الله تنظيم يعد أشد خطورة من «داعش» و«القاعدة» مشتركين، فهذا التنظيم «خبيث» ويخطط، على عكس جهل وحماقة واندفاع «داعش» و«القاعدة». توغل حزب الله حتى تمكن، من إثارة الشغب والفتن في كل مكان وصل إليه وأصبح بقاؤه مكلفاً.

لن يعترف أي أحد بعدالة وسوية وحكمة الحرب على الإرهاب، دون أن تشمل حزب الله ويقاد قادته إلى محكمة العدل الدولية، وتوجه إليهم الاتهامات المناسبة لجرائمهم. حزب الله تنظيم مجرم ودموي لا علاقة له بالمقاومة التي لها أبطالها الشرفاء، ولها أهلها وهي براء منهم. أي نظام يعتمد على شرعية أن يشارك حزب الله في الحكم فهو شريك في الجريمة. لا مكان في عالم نظيف وحر لأي كيان مثل تنظيم حزب الله بأي شكل من الأشكال. مختصر مفيد ونقطة على السطر.

اقرأ المزيد
٢٥ أكتوبر ٢٠١٧
الخلاف الخليجي والخاسر الأكبر

ألقى الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج العربي بضلاله على الثورة السورية في زمن حرج من عمرها و أثقل كاهلها بزيادة التشتت وشح الدعم  ليس في الجانب  السياسي و العسكري فقط بل حتى في الجانب  الإنساني.

و دون شك  أن الخلاف بين الأشقاء في دول الخليج صب في صالح نظام الأسد وحليفه الإيراني بالدرجة الأولى، بينما كانت الثورة السورية المتضرر الأكبر دون منازع، وقد نلحظ ذلك من خلال توقف عملية جنيف التفاوضية التي تسعى إلى تغيير النظام في سورية وتحقيق انتقال سياسي كامل حسب ما ورد في القرارات الدولية الخاصة في الشأن السوري و هنا نتحدث بالتحديد عن القرارات ٢١١٨ و القرار ٢٢٥٤، وهو ما استثمره  النظام خير استثمار  من خلال التركيز على الحل العسكري الذي لم يعرف غيره على مدى السنوات السبع الماضية، وسعى من خلاله لتوسيع نفوذه العسكري  وضم مناطق جديدة برفقة ميليشيات إيران الإرهابية.

كما ألقى الخلاف الخليجي بضلاله على الدعم العسكري المقدم لفصائل المعارضة السورية، مما أضاع فرصة ثمينة كانت متاحة أمام الثوار للتحرك في الجنوب السوري تجاه البادية ومحافظة دير الزور، حيث كانوا هم الأقرب لها، وقطع الطريق على الميليشيات الإيرانية بشكل كامل وإفشال مشروعها الاستراتيجي بفتح طريق ممتد من طهران إلى بيروت مروراً بدمشق و بغداد.

وهنا بالتحديد نجح النظام و المليشيات الإيرانية والروسية الإرهابية نجاح باهر  في مشروعهم بالسيطرة على أجزاء واسعة من مناطق  شرق  سوريا و بالتحديد " دير الزور "  ، و هذا بالنسبة لهم غنيمة كبيرة  ليس لنجاحهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية و تحييد سيطرتهم على أجزاء من الأراضي القاحلة  بل الغنيمة تكمن في الجانب الاقتصادي  فالمنطقة تعوم على بحر من الذهب الأسود.

وعلى المستوى السياسي فلم توفر إيران أو روسيا فرصة فرض رؤيتهما للحل السياسي في سورية، بعد تراجع مستوى الدعم للمعارضة السورية بكافة فئاتها، وهو الأمر الذي جعل قوى الثورة في تراجع  ملحوظ و مستمر يضاف إلى التراجع الدولي عن تطبيق القرارات الدولية سواء كان تحقيق الانتقال السياسي أو محاسبة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين.

و هنا لا بد من الإشادة بموقف المعارضة السورية بكافة أطيافها السياسية والعسكرية والمدنية التي أظهرت وعياً كاملاً بما يحدث من حولها، واتفقت على أن تأخذ موقف حيادي، واستمرار التعامل مع الأشقاء الخليجيين على نفس السوية وكسب دعمهم المستمر لقضية الشعب السوري بنيل الحرية والكرامة.

فبعد دراسة الأثر السلبي الذي تركه الخلاف الخليجي على الثورة السورية و أبعاده كان الموقف هو الوقوف على مسافة واحدة من جميع أطراف الأزمة و خصوصاً أننا بحاجة دعم الجميع  دون استثناء ،  و هو الأمر الذي يحسب لصالح الوعي السياسي لدى أطرف المعارضة السورية.

لكن تمسك فئات المعارضة السورية بموقفها الإيجابي قابلها محاولات بعض القنوات المسيرة من قبل المستفيدين المباشرين من ذلك الخلاف، إلى تغيير تلك المعادلة، ووضع قوى الثورة أمام خيار وحيد وهو الاصطفاف إلى جانب واحد من  أطراف الأزمة الخليجية، مما يعني زيادة الشرخ والانقسام بين أجسام المعارضة.

إن العلاقات الخليجية المتوترة لا يمكن لها أن تستمر، ومن المؤكد أن أطرافها قد تجاوزت العقبة الأكبر التي تقف أمام عودة الأجواء إلى ما كانت عليه في السابق، وهذا الأمر الذي لا تريده إيران، أو على الأقل تتأمل بتفتيت المعارضة السورية أكثر  قبل تجمع مجلس التعاون الخليجي من جديد، لذلك على الجميع الوقوف على مسافة واحدة، والعمل على مصلحة قضية الشعب السوري في إسقاط النظام ونيل كامل حقوقه بالحرية والكرامة والديمقراطية.

ونحن بدورنا نؤكد أن  الأزمة بين الإخوة  لابد أن تجد لها طريقاً  نحو الحل فلا يوجد رابح و خاسر بينهم بل يوجد من يستغل هذه السحابة الصيفية لتحقيق مشروعه التوسعي.

اقرأ المزيد
٢٤ أكتوبر ٢٠١٧
ديرالزور … بين “تعفيش” نظام الأسد جبراً و داعش شرعاً

تصدرت أخبار محافظة دير الزور، في الآونة الأخيرة ساحة الإعلام الثوري المعارض وأيضا المؤيد لنظام الأسد, فبعد تقدم قوات النظام إلى المدينة من محوريها الشرقي والغربي جنوب الفرات، وتقدم مليشيا “قسد” من محورها الشمالي و الغربي شمال الفرات, كان الجانب الإنساني والمدني يشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام على مواقع التواصل الاجتماعي, فمن المجازر الى النزوح ثم القصف والدمار، إلى عمليات السرقة الممنهجة التي تقوم بها تلك المليشيات، أو ما يعرف محلياً بـ “التعفيش”.

يعود مصطلح “التعفيش”، الى الحضور في مناطق دير الزور التي سيطرت عليها مليشيات النظام مؤخراً، وهو مصطلح أطلقه الثوار المعارضين للنظام في سوريا، منذ اطلاق الثورة السورية مطلع عام 2011, والتصق بعناصر المليشيات النظام وفي مقدمتها الدفاع الوطني وكتائب البعث, والتي يصفها إعلام النظام بـ “القوات الرديفة”، نتيجة عمليات السرقة التي تقوم بها لمنازل المدنيين.

سباق “تعفيش” بين مليشيا النظام و “داعش”

مليشيات النظام بعد سيطرتها على مناطق في الريف الغربي “خط الشامية”،  وتحديداً قرى الشميطية والخريطة والمسرب وعياش والتبني, ومدن الميادين وموحسن والبوليل بالريف الشرقي، قامت بسرقة منازل وممتلكات المدنيين من أثاث وآليات نقل ومواشي وغيرها، بعلم من ضباط النظام وأحياناً بأمر منهم ،إذ تكون لهم نسبة من عائدات “التعفيش” والسرقات, حيث تنقل تلك المسروقات الى مناطق سيطرة النظام في المدينة بحيي الجورة والقصور ، و تباع بأسعار زهيدة في محاولة من النظام وميليشياته كسب رضا واصطفاف المدنيين الى جانبهم وخصوصاً بعد 3 سنوات من الحصار، الذي كان يفرضه تنظيم “داعش” على هؤلاء المدنيين في أحياء مدينة  دير الزور الغربية.

“تعفيش” مليشيات النظام، يقابله عمليات سرقة يقومها بعناصر تنظيم “داعش” من المنازل والمحال التجارية في مناطق متفرقة من محافظة ديرالزور، خاصة بعد خلو الكثير من تلك المناطق من سكانها، نتيجة القصف المستمر وتخوفاً من تقدم مليشيات النظام إليها.

ومن خلال شهادات العديد من المدنيين الذين وصلوا إلى الأراضي التركية , تكررت الروايات عن حالات السرقة التي طالت منازلهم بعد خروجهم منها من قبل عناصر تنظيم “داعش”، خاصة قرى ريف ديرالزور الشرقي، حيث تفرقت تلك السرقات بين:

– سرقة مشرعنة : والتي قامت بها دواوين التنظيم، الذي أصدر قرار يجرم كل شخص غادر “أرض الخلافة” بالكفر، واستباحة الممتلكات من عقارات وأراضي ومواشي وغيرها.

– سرقة السلب الخفي : وهي التي يقوم بها عناصر التنظيم خلسةً، ويتم تصريف المسروقات في أسواق المستعمل، التي تنتشر في المناطق الأقل تعرضاً للقصف.

ذه الحالات وبحسب المدنيين الذين رووا قصصهم، كانت تأخذ طابعاً انتقامياً من قبل عناصر التنظيم، خاصة العائلات التي يوجد من أبنائها عناصر قاتلوا التنظيم قبل وبعد سيطرته على المحافظة، وينتمون لفصائل الجيش الحر والكتائب الإسلامية.

شهادات:

أم حسين أم لخمس أبناء اثنان منهم كانوا بصفوف الجيش الحر قبل دخول “داعش” إلى محافظة ديرالزور وكانوا من الذين قاتلوا التنظيم , لينحازوا بعد ذلك الى الشمال السوري في حلب وإدلب قالت “بعد سيطرة التنظيم على دير الزور وتحديداً ريفها الشرقي , وخروج أبنائي إلى الشمال السوري، تعمد عناصر التنظيم على مضايقتنا وأطفالي الصغار, فكانوا يداهموا منزلنا بين الحين والآخر بحثاً عن أبنائي، وبعد اشتداد القصف الجوي على مدينة دير الزور وتقدم مليشيا النظام، عزمنا على الخروج من أراضي التنظيم، وما إن وصلنا مناطق سيطرة الجيش الحر في الشمال، تواصلت مع أقاربي الذين بقوا في المنطقة ليخبروني بأن عناصر التنظيم، اقتحموا منزلنا وقاموا بنهب وسرقة كل ما فيه” .

وأضافت أم حسين والحزن والحرقة يعتصران قلبها “لست حزينة على شيء في منزلي المسروق، سوى لفحتين نسجتها بألوان علم الثورة لأولادي التي كانوا يرتدونها أيام الشتاء في معاركهم ضد مليشيا النظام بدير الزور، لقد أحرق عناصر “داعش”  تلك اللفحتين، وكأن ثأرهم من أولادي انتهى بسرقة منزلي وحرق القماشتين”

أما  محمود 37 عاماً من أهالي ريف ديرالزور الشرقي قال “مع اشتداد القصف الجوي على بلدتي الصغيرة ونزوح كل العوائل المدنية من حارتي , بقيت أنا وأحد الأصدقاء في الحارة لحماية ممتلكاتنا من السرقة”.

يتابع محمود قائلاً : “في أحد الأيام ذهبت لتفقد أحد المنازل التي كلفت بحمايتها، والتي اعتدت أن أقضي غالب وقتي بها برفقة صاحبها الذي غادر المنطقة قبل عدة أيام, دخلت المنزل وهنا كانت المفاجئة، فلم أجد أثاث المنزل ولا مولدة الكهرباء ولا دراجة صديقي النارية, استهجنت ذلك الموقف ولكن لم أخبر أحد بما حدث، بعد عدة أيام أثناء ذهابي الى إحدى القرى في الريف الشرقي، فإذ بدراجة جاري يقودها أحد عناصر تنظيم “داعش” الذين اعتدت رأيتهم في حارتي عند كل مساء” ذهبت الى مقر الحسبة لتقديم بلاغ بذاك العنصر وبعد أن سردت لرجل “الحسبة” ما حدث ودون أخذ و رد ما كان منه إلا أن قال ” الأخوة في حالة حرب وقد يحتاجون لتلك الأغراض ….. ولديهم رخصة بذلك”.

عندها أدركت أن وجودي في منزلي وعدمه لن يحميه من السرقة، وبقي سؤال يجول في خاطري ولم أجد له تفسير “هل تدخل عائدات التعفيش في بيت مال المسلمين؟؟؟ أم  في الغنائم أم لها فتوى أخرى؟؟؟  لكن ما أعلمه أنها “تعفيش” مشروع بحسب شرعيي التنظيم نفسه.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو