مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣ نوفمبر ٢٠١٧
حرب تلد أخرى في سوريا

استعادة الرقّة من تنظيم "الدولة الإسلامية" دشّنت مرحلة جديدة في الأزمة السورية، قوامها مَن يدير محافظة الرقّة وكيف ولأي هدف. وفيما كان التوافق على إنهاء سيطرة "داعش" وطرده قائما وعلنيا، بين الأطراف الدولية والإقليمية، إلا أنه كان شكليا، بدليل أن التناقضات التي بدأت تظهر من شأنها أن تخلق صراعات لاحقة.

فمن جهة كشفت المراحل الأخيرة من الحرب على التنظيم تغلغل الدول وأجهزتها في صفوفه، وسعيها إلى سحب عملائها قبيل الهجمات الأخيرة، ومن جهة أخرى نشأ سباق بين تلك الدول إلى لملمة فلول التنظيم واستيعابها بغية إعادة تدويرها لاحقا.

في الوقت نفسه يبدو الصراع على دير الزور، المعقل الأخير وحقوله ومنشآته النفطية، أكثر انكشافا في جانبه الدولي، تحديدا بـ"تقاسماته" الأمريكية - الروسية، ذاك أنه كان باستطاعة مقاتلي الميليشيات الإيرانية المقاتلين تحت مسمّى "قوات النظام" خوض المعركة في عموم محافظة دير الزور بغطاء جوّي روسي، غير أن موسكو شاءت تغليب "تفاهماتها" مع واشنطن على معطيات الوضع الميداني، وتركت أكراد "قوات سوريا الديمقراطية" يتقدمون شرقي المحافظة، وتعمل حاليا على استقطابهم واستمالتهم سياسيا بحيث لا يكونون ورقة يحتكرها الأمريكيون.

ما إن أُعلن أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتزم تخصيص تمويل عاجل للرقة حتى ردّت روسيا بموقف مستغرب يمزج الترحيب "بأي مساعدة" بالتساؤل "لماذا الرقّة وحدها؟". إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إن بلاده ناشدت الأمريكيين والأوروبيين خلال الأعوام الماضية "إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، ولم نلقَ منهم أي تجاوب"، وعزا المساعدة العاجلة إلى الرغبة في "إخفاء آثار القصف الوحشي لطيران التحالف الدولي والأمريكي، ودفن آلاف المدنيين تحت الأنقاض في الرقة". لماذا هذا القلق الروسي، خصوصا أن "مناشدات المساعدة" المشار إليها لم يكن لها أثر في الأنباء، ثم إن مصير مدنيي الرقّة بالقصف الأمريكي لا يختلف عن مصير مدنيي حلب بالقصف الروسي، فكلاهما كان مأساويا والقصف في الحالَين كان وحشيا.

الواقع أن موسكو تروّج حاليا لعملية بقيادتها لإعادة الإعمار في سوريا، وتبدي انزعاجا من الشروط الأمريكية والأوروبية، ولذلك تنظر إلى محاولة إنعاش الرقة بارتياب، كونها منطقة خارج سيطرة النظام، أي خارج سيطرتها.

تعاني استراتيجية روسيا السورية مشكلة مزدوجة. فهي من جهة لم تكن تملك تصوّرا لنهاية الصراع المسلح ولا لما بعده، إلا أنها توصّلت بعد عامين من التدخّل المباشر إلى خطط تحاول تطبيقها على الأرض، وتحتاج فيها إلى شركاء (أمريكا والأردن وإسرائيل في الجنوب، تركيا في الشمال، دول الخليج في خلفية المشهد...)، ومن جهة أخرى تريد استخدام هذه الخطط في مساومات لا علاقة لها بالوضع السوري (مقايضات في أوكرانيا وملفات الدفاع في أوروبا...)، لكن الأطراف الغربية تستبعد مساومات كهذه.

ثمة جديد هو أن واشنطن توشك أن تعلن عن استراتيجية تمهّد لعودتها إلى التعاطي مع الأزمة السورية، والمعروف من عناصرها أنها تدعم حكما محليا في مناطق الشمال والجنوب التي لا يسيطر عليها النظام في انتظار بلورة حل سياسي. بل إن أمريكا تسعى إلى "مناطقها" للضغط على روسيا كي تشارك، بشكل أو بآخر، في تحجيم نفوذ إيران وصولا إلى إخراجها من سوريا. وأقلّ ما يعنيه ذلك أن حربا في صدد أن تلد حربا أخرى في سوريا.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
اجتماع واشنطن.. لا كان مؤتمرًا ولا صار “منصّة”!

شكّلت فعاليات (المنتدى الأميركي لسياسة سورية)، في العاصمة الأميركية واشنطن، يومَي 26 و27 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي دعت إليها منظمة “الأميركيين من أجل سورية حرة”، مع عدد من المنظمات الأخرى التي تضم نخبة من الناشطين السوريين – الأميركيين المعارضين للنظام، مبادرةً غير مسبوقة وعلى غاية الأهمية.

ما يجب التنويه إليه هنا أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على الصعيد العالمي، التي تتوخّى تحويل الاهتمام الدولي في الصراع السوري إلى جذره السياسي، بعد أن استغرق في الجانب الإنساني أو الاجتماعي، لا سيّما على خلفية قضية اللاجئين، هذا أولًا. ثانيًا، لقد حصلت هذه الفعاليات في الولايات المتحدة الأميركية، أي في الدولة الأكثر قدرة على التحكّم بالصراع الدولي والإقليمي الجاري على سورية، لذا فثمة أهمية كبيرة لإقامة أنشطةٍ، يمكنها أن تلفت انتباه الرأي العام وصنّاع القرار فيها، إلى المسألة السورية، للتأثير في السياسة الخارجية المعتمدة في الصراع السوري، وبما يخدم توق السوريين للخلاص من الاستبداد والتدخلات الخارجية، والمضي في عملية التغيير الديمقراطي. ثالثًا، تكتسب هذه الفعاليات أهميتها من كونها تحاول أن تشتغل، على نحوٍ متوازٍ، على مسألتين: أولاهما، محاولة تشكيل جماعة ضغط (لوبي) يكون همّها التواصل المنتظم مع صناع القرار الأميركي (الإدارة، الكونغرس، رجال الإعلام، الشخصيات العامة المؤثرة). وثانيتها، محاولة تنظيم الجالية السورية في الولايات المتحدة، للاشتغال في خدمة القضية السورية، بوصفهم مواطنين أميركيين من أصول سورية.

وحقًا، إن فعاليات المنتدى لاقت نجاحًا لافتًا؛ حيث إنها استطاعت استقطاب عددٍ من النخبة الأميركية، من صناع القرار في الشأن السوري، وقد لفت الانتباه حضورُ نحو 25 عضو كونغرس حفلَ الاستقبال، في مقر الكونغرس، وإلقائهم كلمات أكدت وقوفهم إلى جانب الشعب السوري، وحقه في الحرية والمواطنة والديمقراطية. ومن دلالات نجاح المنتدى، المشاركة السورية الكبيرة في فعالياته، لا سيّما أنها التجربة الأولى، ما تمثل بحضور نحو 150 – 200 شخصية، من أطباء ومهندسين وأكاديميين وإعلاميين. وفضلًا عن هذا وذاك، ثمة المداخلات التي قدمت في فعاليات المنتدى، ولقيت نقاشًا مستفيضًا وحيويًا من الحاضرين.

على أي حال، فإن هذه المبادرة يفترض البناء عليها، وتطويرها، وتعميمها؛ لأن أكثر ما يفتقده السوريون في أحوالهم الصعبة، هو تشتّت قواهم وغياب المنابر التي تعبّر عنهم، كما أن هذا الأمر يعود بالسلب على الثورة التي بات غياب الشعب عن فعالياتها، من أهم عوامل ضعفها، بل إن هذا الأمر جعل فكرة الثورة ذاتها في موضع التساؤل. ومعلوم أن التغييب حصل نتاج عدة عوامل، يكمن أهمها، أولًا، في انتهاج النظام الحلَّ الأمني، بأقصى قدر من العنف، وبأقصى قدر من القتل والتدمير، والحصار والتشريد. وثانيًا، في حصر مواجهة النظام بالعمل المسلح، ما يعني إقصاء الشعب من معادلات الصراع، والاعتماد على مجموعات المقاتلين، وانتهاج العسكرة. وثالثًا، بسبب اضطرار ملايين السوريين إلى ترك بيوتهم ومناطقهم وبلدهم، والتشرد في أصقاع الدنيا.

يمكن القول إن النظام هو الذي يتحّمل المسؤولية الأساسية عن كل ما جرى، لتشويه الثورة أو لإضعاف بُعدها الشعبي، بيد أن ذلك لا يعفي كيانات المعارضة، السياسية أو المسلحة، من مسؤوليتها عن ذلك، أيضًا، نتيجة السياسات الطاردة، أو التسلّطية، التي انتهجتها في المناطق المحرّرة، ونتيجة عدم إيلائها الاهتمام المناسب لأهمية تنظيم مجتمعات السوريين في بلدان اللجوء.

من أجل كل ذلك، فإن مجموعة الشخصيات الأميركية – السورية التي اشتغلت، وسهرت من أجل عقد هذا المنتدى تستحق كل التحية والتقدير على الجهد الذي بذلته، أولًا، باعتبار ذلك خطوة لتنظيم أحوال الجالية السورية. وثانيًا، بالنظر إلى أهمية كل ذلك في تحريك الجالية السورية ضمن المجتمع الأميركي.

ما يجب التأكيد عليه هنا، وسط محاولات التشويش المقصود، أو غير المقصود، أنّ ما كان في واشنطن ليس مؤتمرًا للمعارضة، وإنْ كان ثمة قياديون من المعارضة بين المشاركين، مثل رياض سيف رئيس الائتلاف، ونصر الحريري رئيس الوفد التفاوضي، وجواد أبو حطب رئيس الحكومة المؤقتة، وميشيل كيلو الكاتب السياسي المعروف، والقيادي السابق في الائتلاف، وأيمن الأصفري رجل الأعمال السوري، وآخرون كثر.

في المحصلة؛ إن ما يجب لفت الانتباه إليه، أنه لم يكن ثمة مؤتمر في اجتماع واشنطن المذكور، كما لم يكن ثمة محاولة لإقامة منصّة تفاوض على ما تخيّل أو توهم وأشاع البعض.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
في "سوتشي" تعددت البيانات المعارضة والموقف واحد ..... فإلى متى تشتتكم ..!؟

فشلت جميع مؤسسات المعارضة التي مثلت الحراك الشعبي سياسياً في توحيد موقفها ولو في بيان عن أمر أو حدث ما يكون فيه الموقف واحداً بين الجميع، لم تكن البيانات الرافضة لمؤتمر "سوتشي" في روسيا هي أولى معالم هذا التفرق بل سبقتها عشرات البيانات التي تظهر بشكل جلي وواضح تشرذم المعارضة الخارجية، وتفرقها.

هذا التفرق لأعوام عدة بدءَ من تشكيل المجلس الوطني وانتهاء بالائتلاف وعشرات المنصات التي مثلت المعارضة سياسياً على طول السنوات الماضية كان أحد أبرز أسباب تراجع موقف المعارضة أمام الدول الداعمة لنظام الأسد، والخنجر المسموم الذي طعن خاصرة الثورة السورية وأطال أمدها.

لايخفى أيضاَ التشتت العسكري على الأرض والذي يعتبر صورة للتشتت السياسي خارجياً وعدم وجود ممثل حقيقي موحد للشعب السوري سواء كان داخلياً أو خارجياً، الأمر الذي استغلته روسيا في تعزيز حالة التشتت واللعب على ذات الوتر من خلال خلق منصات سياسية إضافية ادعت تمثيلها للمعارضة والثورة وباتت ترعاها وتديرها لتكون هي الطرف الذي تعتمد عليه على أنه ممثل عن المعارضة.

من المؤكد أن الدول التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري هي من ساهم بشكل فاعل وحقيقي في تشتيت كلمة الثوار والثورة السورية داخلياً وخارجياً، قبل ان تتملص بعض الدول من مسؤولياتها تجاه الشعب السوري وتبدأ باللعب لتحقيق مصالحها وفق مقتضيات المرحلة الحالية من المواجهة دولياً.

طوال كل هذا التشتت كان الشعب السوري هو الضحية، وهو من تحل العبء الأكبر من المعاناة وحيداً، اقتصرت مواقف من يمثله سياسياً وعسكرياً على البيانات ثم البيانات ثم البيانات المستنكرة والشاجبة والرافضة لم تتعدى الحبر الذي كتبت به والورق الذي طبعت عليه، بينما الشعب السوري يدفع كل لحظة تفرقة من دماء أبنائه ومعاناته.

بات اليوم لزاماً علينا أن نعترف بالفشل "الفشل هنا في إيجاد تمثيل حقيقي للثورة السورية" وليس الفشل في ثورتنا، فالثورة ولادة وفيها من النخب الحقيقية التي تمنها من تمثيل نفسها بشكل فاعل وحقيقي عندما يكون هناك وعي وإدراك بخطورة المرحلة التي وصلنا إليها من قبل الجميع، والعمل الجاد والحقيقي على إيجاد جسم موحد عسكري على الأرض دون أي محاولة التفاف وجسم سياسي يمثله ويكون صاحب قوة وموقف تمكنه من الوقوف في وجه المخططات الرامية لتفكيك ثورتنا وتطبيق ماتريده الدول الكبرى على حساب تضحيات شعبنا طوال السنوات الماضية.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
هل بقاء الأسد أمر واقعي؟

خفَت صوت حملات التبشير ببقاء الأسد التي تلطّت خلفها دولٌ عدوة وصديقة وشخصيات وفاعلون سياسيون، والتي بدأت ألحانها من فرنسا بتصريح رئيسها الشاب، بأن “الأسد ليس عدوًا لفرنسا بل عدو الشعب السوري”، وآخر من رتّل أنغامها مبعوث حقوق البشر دي ميستورا، في إحاطته لمجلس الأمن في أيلول/ سبتمبر الفائت، بأن قوات الحكومة ومناطقها تتعرض لقصف بقذائف هاون تحمل بصمات المعارضة، بينما تتعرض إدلب لقصف جوي لم يتسنّ له التأكد من هوية صاحبه، تخللها زهوّ منصة موسكو، بعد إخطار الرياض وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بأن الوضع في سورية يتطلب رؤية مختلفة تتماشى والعقيدة الدولية الجديدة، بعد أن قبضت روسيا على الملف السوري، وأصبحت الحلول مرهونة بتصوراتها.

يرتكز أصحاب المواقف السابقة على باكورة “الواقعية السياسية”، بوصفها مقاربة شمولية للعلاقات الدولية، تبجّل الدورَ المركزي للقوة في السياسة، إذ إنّ من تلهج ألسنتهم باختزالية المصطلح، وإطلاق أحكام نهائية بأن الأسد انتصر واقعيًا، وسيطر ميدانيًا على مساحات واسعة ستحسن موقعه على طاولة المفاوضات السياسية، يتناسون أنّ الواقعية التي تنظر إلى الحروب التقليدية بين دولٍ اختل توازن القوى والنفوذ على سكونية العلاقة بينهما، ليكسب أحدهما الحرب ويفرض شروطه على الآخر، لا تنسحب -بطبيعة الحال- على ديناميكية ثورة شعبية، بوصفها رغبة تغييرية عميقة مجتمعية وثقافية، وإن كان أحد أبعادها عسكريًا أصيبَ بخللٍ في موازين القوى والتطورات الميدانية، بمفاعيل دعمٍ خارجي غير متكافئ، كما يغفلون عن جوانب القصور المرتبطة بالقوة وبالطرائق التي يمكن من خلالها أن تخذل نفسها بنفسها، ويعمد أيضًا إلى خلط غير منطقي بين منطقَي الثورة والسياسة، فليست الثورة، كما السياسة، فنًا للممكن، ولا تتعامل دومًا مع الأحداث بعقلانية، ولا حدود لمطالبها، ولا تخضع لتسويات، نخطئ ونخسر كثيرًا؛ إن لم نتلمس الخيوط الدقيقة بين المركبين، على الرغم من أهمية السياسة للثورة، وبخاصة بالنسبة إلى الحدث السوري، وما يحويه من تقاطعات بين ثورة شعب وقضايا سياسية خارجية غريبة، فالسياسة لا تعرّف بأنها مركب متعالٍ على الثورة، يفضي فشلها إلى فشل محتوم للثورة، وإن كانت ممارستها باحترافية تفضي إلى تقصير الطرق وتقليل فاتورة الدم.

ليست مقارنة (أخيل – سلحفاة) بعيدة عن الواقع الداخلي، حيث سارعت سلطة بجلب آلة حرب مشهود لها على مجتمعٍ انسلخت عنه، وتعالت عليه ظنًا منها أن الأمر لن يطول كما في الثمانينيات، ولم تعر اهتمامًا لتغير الظروف؛ فورثت بلدًا منهَكًا مدمّرًا، وفقرًا وبطالة وفوضى، وعوزًا حادًا في موارده وانخفاضًا في إنتاجيته؛ بفعل الأعمال العسكرية وحركات النزوح خارج البلد، واقتصادًا يعتمد على هِبات الحلفاء والمساعدات الإنسانية، ووعيًا متدرجًا في الميدان السياسي لا تُحبّذه السلطة، فلم تعد السياسة حكرًا عليها وعلى أروقتها التقليدية، ولا مقتصرة على أحزابها الهجينة المصطنعة، بل أضحت تُمارس في التجمعات السكانية البسيطة والبدائية بعد قطيعة عقود، ولن ينسى هؤلاء طعم الحرية السياسية، وتجربة أن يكون للبشر رأيٌ في وطنهم لا تُصادره سلطة مستبدة.

ظرف آخر محكوم بمآل الأمور في سورية هو الواقع الخارجي المعقد وانعكاساته على  الداخل السوري بشكل خاص، والإقليم بشكل عام، وتغيير خارطة الاصطفافات باستمرار، والثابت الوحيد الواضح، ضمن هذه اللوحة المعقدة، والذي لا يصبّ بالضرورة في مصلحة السلطة، هو أن سيطرة الأسد وحلفائه على كامل البلاد هي قرار دولي، يبدو غير متوفر نظرًا إلى حجم التعقيدات الميدانية والجغرافية وتشابك أطراف إقليمية ودولية مصالحها متنافرة، على الرغم من أن النظام السوري وحلفاءه أحرزوا تقدمًا في مناطق عدة، واستعادوا أراضي سيطر عليها (داعش) سابقًا، في حملة منسقة ترافقت مع إعادة بعض المهجرين (ريف دمشق الجنوبي)، وإغلاق مراكز إيواء (دمشق)، لعكس صورة أن الاستقرار آيل إلى العودة، وأن النصر قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق، فإن أبرز ما يُدلّل على فشل هذه “الهمرجة”، كما راهن دائمًا النظام على صناعتها وبيعها، هو تعثّر حملته العسكرية التي كلفت (داعش) بضعة أيام، لتضعضع عمل صيف كامل بفضل قواته المنهكة ونقصها عدديًا، بما يحول دون إمكانية الحفاظ على الأرض، علاوة عن خيبة أمل للعائدين إلى مدنهم، فلا بنية تحتية ولا ماء ولا كهرباء ولا أبسط مقومات الحياة.

في الواقع المفترض، ثمة اعتقاد بأن العالم سلّم روسيا قيادةَ الملف السوري وتوزيع الحصص على الدول الإقليمية المنخرطة، وينتظر منها أن تضع الخطوط النهائية للحل السياسي الذي يجلب الاستقرار لسورية والمنطقة، بعد الفراغ الذي خلفته أميركا، لكي يبارك خطواتها، وأن ثمة استدارات تقوم بها دول الشرق الأوسط، منها السعودية وتركيا، بالتوجه نحو العباءة الروسية، منطلقة من أن موسكو وفيّة لحلفائها ولا “تُبازر” عليهم وعلى مصالحهم، كأميركا البراغماتية.

في الواقع، لم تُحرز روسيا تقدمًا استراتيجيًا في سورية، عدا تثبيت الأسد واستخدامها الآلة العسكرية الفظة، وعلى الرغم من كل محاولاتها الالتفافية على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة وابتداعها مسارات موازية؛ لم يعترف لها العالم بدورها هناك بعد، ولم يُبارك حتى الآن خطواتِ موسكو في أستانا، بما يُفضي إلى ترجمتها كقرارات دولية، وأضحت تلهث وراء فصائل عسكرية هنا وهناك، تعقد معهم نظام “خفض توتر”، لتوحي للعالم -عبر ماكينتها الإعلامية النشطة- بأنها ضامنة سلام وتعمل كطرف حيادي، بل أدار العالم ظهره لمسارها السياسي، وأخذ يبتزها في إعادة الإعمار بحكم قدراتها الاقتصادية المتواضعة، ويبدو أيضًا أنه ليس بعيدًا عن الواقع إدراك موسكو ذاتها، بأنها لن تستطيع فرض حل سياسي من دون شريك “محرز” كأميركا، واتفاقيةُ خفض التوتر في درعا وثباتها خيرُ شاهد أمام هشاشة باقي الاتفاقات، كما تعي قدرة أميركا على إزعاجها والإضرار بصورتها، بدءًا من قصف الشعيرات، ومرورًا بإلهائها في البادية، بينما تتقدم  قوات (قسد) حليفة أميركا شرق الفرات بسرعة كبيرة.

يُشير واقع الحال إلى أن ثمة من يريد لموسكو أن تغوص أكثر في المأزق السوري، ولم يحن بعدُ وقت مساعدتها. وما استدارة تركيا باتجاهها إلا ورقة ضغط ترفعها بوجه الغرب، لتحسين موقعها وأخذ مخاوفها على محمل الجد، علاوة عن تنفيس أي دعم روسي للأكراد في سورية، ولا يخرج التقرب السعودي الأخير من حيّز ضمان صمت موسكو عنها في اليمن، وخاصة بعد تقارير الانتهاكات التي عرضتها الأمم المتحدة.

في الواقع المفترض، لم تعد سورية استراتيجيةً لأميركا، كما قال رئيس هيئة الأركان أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي، فلا مطامع ولا مصالح سوى القضاء على (داعش)، ولكن واقع الأمر أن الطائرات الأميركية سابقت الزمن لتحقيق تقدّم ميداني، يُعكّر على الروس والنظام صفو قطعهما ضفة الفرات الشرقية، وأنشأت على عجل غرفة عمليات عسكرية، ونقلت مؤازرات من الرقة لإكمال التقدم. ومن الناحية الاستراتيجية؛ لا تبدو أميركا في عجلة من أمرها، ولا تقول ما تريد، قبل تحسين مواقعها على الأرض، عبر قواعد عسكرية وتفاهمات مع قوى محلية، لتزيد نفوذها في المنطقة.

طبعًا، إذا استمرت التوافقات الموضعية والمرحلية بين روسيا وأميركا، ولم تترق وتتفلت وتنقل الصراع إلى مستويات أخطر على الحدود السورية – العراقية، وضُبِط إيقاع القوات المتقدمة المتنافسة وقواعد الاشتباك بينها؛ فستكون استحقاقات ما بعد (داعش) و(هيئة تحرير الشام) قريبة، وهي كفيلة لوحدها بأن تُعيد معركة السوريين إلى جوهرها، بعد أن حرفتها ظروفٌ وقوى واهمة، عن هدفِها المتواضع، ومن غير المؤكد أن تفاعلات ما سبق، الداخلية والخارجية، تصبّ في مصلحة بقاء الأسد واقعيًا، لكن المؤكد أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، ولن يقوى أحد على مواجهة إرادة التغيير المتدرج والمتقدم، وإن كان المعبر السياسي ما زال متواضعًا.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
هل تصوبّ أمريكا أسلحتها نحو إيران لتضرب مكانًا آخر؟

يبدو لي أننا سوف نشهد تطورات غريبة على الساحة الدولية بدءًا من الأيام المقبلة.

إما أن التوتر سيتصاعد أو سينخفض مع اقتراب نهاية العام، ولن يكون هناك حل وسط!

تتحدث المؤسسات الاستراتيجية وخبراء العلاقات الدولية في الأشهر الأخيرة عن ثلاث قضايا.

الأولى..

أزمة مالية عالمية وموجة إرهاب من أجل التغطية عليها وامتصاص تأثيرتها.

الثانية..

صراع كبير حول الصين ومشروع طريق الحرير..

الثالثة..

مساعي الولايات المتحدة لإشعال حرب ساخنة (بعد تسلم البنتاغون زمام القيادة)

لندع قضيتي الأزمة المالية وطريق الحرير جانبًا، ولنركز على احتمال نشوب الحرب.

إن لم تقع الحرب في المحيط الهادئ، والتحركات هناك تبدو كاستعراض، فإن الأنظار ستتجه بطبيعة الحال نحو إيران.

كما هو معروف، منذ تسلمه مقاليد الحكم ودونالد ترامب يهاجم باستمرار إيران. وبعض المحللين يصرون على أن الطريق الذي بدأ مع أزمة قطر سيصل في النهاية إلى إيران.

والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل تحارب البنتاغون إيران؟

من أجل توضيح المسألة يجب طرح السؤال التالي:

هل ألمحت الولايات المتحدة من قبل أنها على عتبة حرب مع إيران؟

بالطبع، ولعدة مرات..

ومع ذلك فإن البنتاغون لم ولا تحارب إيران.

لكن هل هناك من لا يعلم أن الولايات المتحدة احتلت عراق صدام بعد أن دفعته لمحاربة إيران على مدى 8 سنوات (1980-1988).

والآن إلى الحرب الساخنة...

في أبريل/ نيسان 1980، لم تلجأ البنتاغون إلى عمليات عسكرية بغية التغطية على تركها طائرة ومروحة وجثث جنود لها في صحراء طبس الإيرانية جراء عملية إنقاذ باءت بفشل ذريع. (مازالت المروحية الأمريكية التي تعطلت وتركت في الصحراء تخدم في الجيش الإيراني).

تصوروا أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت ذريعة كافية للولايات المتحدة كي تحتل العراق وأفغانستان البلدين السنيين، لكنها لم تأتِ حتى على ذكر إيران.

لم أكتب ما سبق لأؤكد نظرية مؤامرة عن اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران في الحقيقة.

لكن لا تخطئوا فهمي، ليس لدي تحفظات عليها، فالعالم بأسره أصبح مؤامرة كبيرة.

ما أريده هو التأكيد على ناحية دقيقة..

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية دائمًا إيران مطية من أجل "أمركة" المنطقة (أو جعلها في وضع يناسب المصالح الأمريكية).

والحال اليوم يبدو كذلك..

فهل تصوبّ أميركا أسلحتها نحو إيران لتضرب مكانًا آخر؟

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
موقف تركيا مع احتدام الصراع الأمريكي الروسي

من الطبيعي أننا عندما نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا نتناول بشكل أكبر التوتر القائم حاليًّا بين واشنطن وأنقرة.

لكن في المقابل، من الواجب أن لا نغفل أيضًا عن الصراع الناشب بين الولايات المتحدة وروسيا، وهو صراع يؤثر بشكل مباشر على التوتر الأمريكي التركي.

على سبيل المثال، تتحدث الولايات المتحدة عن عقوبات شديدة ضد موسكو، والقيود التي فرضتها على الشركات الروسية الكبيرة تتمتع بأهمية قصوى بالنسبة لتركيا.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز القائمة المرسلة إلى الكونغرس الأمريكي، هي تضم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وجهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، والاستخبارات العسكرية الروسية.

ومن بين الشركات الثلاث والثلاثين التي ستنقطع علاقاتها مع البلدان الغربية شركة "ألماز أنتي" المصنعة لمنظومة الدفاع الجوي إس-400، وشركة "روسبورن إكسبورت" المكلفة ببيع المنظومة إلى البلدان الأخرى.

وتضم قائمة العقوبات أيضًا الشركات الروسية التالية:

كلاشينكوف، إيجماش، توبوليف، روستيه، ميغ، سوخوي، ترسانة أميرال، مصنع إيجيفسك للصناعات الميكانيكية، أوبورون بروم، أورال فاغون زافود.

نعم، أبدت الولايات المتحدة الأمريكية اعتراضها حتى اليوم بصوت خافت عبر إيماءات ورسائل على اعتزام تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) شراء منظومة إس-400 من روسيا.

لكن يبدو أن واشنطن ستسعى من الآن فصاعدًا إلى تقييد تركيا بواسطة قوانين الولايات المتحدة، تمامًا كما فعلت في الحصار الاقتصادي الذي فرضته على إيران.

إذا اشترت تركيا منظومة إس-400، لن يكون من المفاجئ أن تثير الولايات المتحدة زوبعة بدعوى شراء المنظومة من شركة تحت طائلة الحصار.

لكن تركيا دولة ذات سيادة، ولا يمكن مجرد التفكير بأن تتقبل حملات السياسة الخارجية الأمريكية على أنها بحكم القانون.

ومن جهة أخرى، روسيا طرف أصلي في هذه الأزمة، ولذلك فإن أمام أنقرة فرصة تحقيق مكاسب إضافية في هذه العملية، علاوة على شراء منظومة إس-400.

وعلى من يقول "لا تقرب هذا الأمر" أن يقدم بدائل له.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
غربة المعارضة بين أستانة وجنيف .. هل علينا أن نصعد إلى الفضاء؟

في مستنقع من الوحل، تعيش المعارضة السورية، تتنقل متخبطة كمغترب في المريخ أو كوكب لا اسم له، بين الأستانة وجنيف، لا مفر أمامهم إلا الهروب من الحرب على الأرض للانتقال إلى ظلمات دهاليز الكذب السياسي، ومع استمرار الكذبة لم يعد لنا كسوريون مكان نذهب إليه، فلربما حتى الفضاء ضاق بنا.

انعقاد الاستانة خلال اليومين الماضيين، كان للإعداد لوليمة أكبر تقضم  فيها سوريا، ولكن هذه المرة ليس برعاية الأمم المتحدة في جنيف ولا في أحضان كازخستان، إنها في سوتشي الروسية، لتكون المعارضة السورية بين نارين، فإما الموت أو الرضوخ.

وبإعلان مباشر، بعيد عن الكذب الروسي المعتاد أو التدليس، وبتبجح مستعمر، تعلن روسيا أن مؤتمرها هو القبلة الوحيدة لاجتماع "الشعوب السورية"، بعد أن قسمت الشعب لشعوب، وهددت كل من لا يحضر مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي ترعاه ب"التهميش"، إنها تدعو إلى حوار سوري بالفعل ولكن بعربدة دول العالم أجمع، فهل باتت سبل المعارضة كافة مغلقة إلا التنازل أكثر فأكثر، لتضيع بضع كيلومترات متبقية تحت سيطرتهم لتصبح بيد المستعمر الروسي أو الإيراني.

ما جعل القهر يتسلل إلى قلوب السوريين، بعد إعلان البيان الختامي للأستانة، أن ذاك البيان كان ملائكي وأكد على نجاح الاجتماع، وتوصل الدول الضامنة إلى النتائج المرجوة من كافة الدول التي تتقاسم الكعكة السورية، إلا من أمنيات الشعب السوري.

ولم يمر الكثير من الوقت، حتى خرج رئيس تيار الغد السوري المعارض، "أحمد الجربا"، والذي كان يمثل ذات يوم المعارضة السورية وكان يتحدث باسم الشعب السوري المعارض، ليرحب بالحوار مع النظام، ويوافق على حضور مؤتمر حوار وطني روسي، عفوا سوري،  فقد استعصت الأزمة السورية على حد قوله، وبالنسبة له الثورة هي أزمة تنتهي كما يقول السوريون "بمصافحة وبوسة شوارب".

ما يثير الحنق أكثر، أن كافة الدول ضاقت ذرعا بالشعب السوري، فاللاجئ السوري بالنسبة للجميع متطفل يسحب خيرات بلادهم، من الأردن إلى لبنان إلى تركيا، بالرغم من أن خزائنهم أتخمت من التمويل وأموال المنظمات التي ترسل باسم إعانة الشعب السوري وتعليمه وطبابته، ناهيك عن أن السوري يعمل أينما ذهب ويرضى بالقليل.

ولم تنتهي الأستانة إلى هذا الحد، وبكل وقاحة تطلب دول كلبنان أن تكون ضمن المراقبين على عملية مناطق خفض التصعيد في سوريا، أوليس لها حق في تقاسم خيرات جارتها؟ فبلد كلبنان يمارس رئيسها "ميشيل عون" طقوس التسول في كل البلاد بحجة اللاجئين السوريين، ليس لديه مشكلة أن يعيد اللاجئين إلى بلادهم ويطلب في نفس الوقت أن تكون هناك لجنة لبلاده ضمن المراقبين على مناطق خفض التصعيد، وبكل الأحوال لا مشكلة، فعناصر حزب الله استوطنوا في كل سوريا، وما المانع من أن تكون هناك لجنة مراقبة لبنانية إلى جانب أنصار نصر الله، إلا إن كان هناك "مانع حمل" يستطيع أن يمنع الجميع أن يطؤوا سوريا، ويكسروا أرجلهم ويقصوا أفواههم عنها ويتركوها لشعبها، ويتذكروا أن أهل مكة أولى بشعابها.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
المرأة السورية ... فِصَامُ زمانٍ ومكان!

إلّا مكابرٌ لا ينكر أنّ المرأة العربية غيّبها الواقع الثقافي عنوةً عن علمٍ أو جهالة، تارةً باسم الدين وأخرى بذريعة التقليد وأحياناً بحجة حقوق الإنسان، ما جعلها أسيرة القمقم الثقافي والاجتماعي ومنفصمةً عن واقع الزمان والمكان الذي تعيشه. والانفصام الزماني والمكاني لا يُقصَدُ به عيش المرأة في جلابيب الماضي وقضبان أقوال الفقهاء وآراء المتفلسفين فقط، بل هو عيشُ المرأة العربية في قمقم الواقع الثقافي الذي يعكسه الإعلام الغربي في مسلسلاته وأفلامه المستخدَمة كأدواتٍ يُسوّق عبرَها زمانَه ومكانَه لزمانٍ ومكانٍ آخر ينفصم عن حيّزه، ليستنسخ بواسطتها واقعاً يشابه واقَعَه، فيَفصِمُهُ ثقافياً واجتماعيّاً ويخلق هوةً وشرخاً بين واقعه الذي يعيشه والواقع الملموس خيالاً وإعلاماً، فالفُصام المكاني هو ذاته الزماني لأنّ المكان الآخر هو زمانٌ آخر حتى ولو كان المكانان في عصرٍ واحد. الواقع السابق جعل المرأة العربية تعيش خيالاً تاريخياً تارةً وخيالاً إعلامياً تارةً، أي فُصاماً زمانيّاً تارةً وفُصاماً مكانيّا تارةً أخرى، لذا نلحظ أنّ المرأة العربية المعاصرة عاشت في جلباب المرأة التاريخية زمناً وفي بنطال المرأة الغربية أزماناً، معاصرةً كافة المراحل الزمنية إلّا حاضرها، وساكنةً كلّ الأمكنة إلّا مكانها، وتقمّصت جميع الشخصيات التاريخية والهوليودية إلّا ذاتها. ما يعني باختصار حضور المرأة الغربية الحديثة والعربية القديمة بغض النظر عن إيجابية أو سلبية الحضور، إلّا المرأة العربية المعاصرة مازلت غائبة، وما دامت غائبة عن الحاضر فلن تكن في المستقبل ولا التاريخ حُكمَاً، فالحاضر قلم المستقبل والتاريخ وما سواه خربشاتٌ وأضغاثُ أحلام.

إنّ التغييب الحضاري والحالة المرضية والفُصامية الذي كابدته المرأة العربية المعاصرة غيّبها اقتصادياً وسياسيّاً وحوَّلها لثغرٍ اجتماعيّ قابل لأن يتحكَّم الساسة الدوليين بواستطته في الخيوط الاجتماعية والسياسية في المشرق العربي، ويتضح الأمر جلياً إذا ما اتُخِذَت حالة المرأة السورية الاجتماعية والسياسية بعد الحراك السوري أنموذجاً، فقد وعى المجتمع الدولي أزمتها الحضارية وشرع باسثمار أزمة المرأة السورية وإدارتها لمصالحه الخاصّة في ظلّ إصرار المجتمع السوري على تهميشها الحضاري بعلمٍ أو جهالة غير أنّ المؤدَّى واحد بكلا الحالتين، فقد فرض المجتمع الدولي سياسياً نظام الكوتا (فرض نسبة معيّنة من النساء على الكيانات السياسية) السورية المعارضة وغير المعارضة وعدم الاقتصار على نظام الانتخابات كوسيلة في اختيار الأعضاء، ما أدى بدوره لإقحام المرأة في الميدان السياسي وتمكينها قبل تأهيلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فجعلها الواقع عرضةَ تحوّلٍ لكيان وظيفي لدى القوى الخارجية بدلَ أن تكون كياناً سياسياً مستقلاً ومؤهلاً لحمل التكليف السياسي ونتاج ولادة طبيعية عن رحم المجتمع السوري. ومادامت المرأة السورية تطالب بحضورها عن طريق الحصصية ونظام الكوتا المفروض دولياً فهذا يعكس غيابها ولو حضرت، فالنجاح الحقيقي يكون بإثبات الذات وليس بفرضها على الواقع الاجتماعي والسياسي بقوة مجتمع آخر أو سياسةٍ أخرى. والحال ذاته بالنسبة للواقع الاجتماعي، فبعد تهجير الشباب السوري وقتله وتجنيد الأحياء إجبارياً في الجيش والفصائل المسلحة وعزلهم عن العيش المدني وتحويل المجتمع الذكوري لثكنة عسكرية، خفف هذا الواقع العسكري والحراك السوري الناتج عن فشل النظام السياسي في إدارة البلاد من سيطرة الرجل في الحياة المدنية وألقى المرأة السورية في عجقة السوق الاقتصادي والاجتماعي فجأةً وجعلها تواجه أمواج تخبط السوقين قبل تأهيلها لحمل مسؤولية التكليف الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، ومعلومٌ واقعاً أنّ التمكين قبل التأهيل كارثة وارتهان وفشل محتوم، وهذا ما اعتمدته القوى الخارجية في إدارة الأزمة الحضارية للمرأة السورية والعربية في المشرق العربي. وهكذا أصبحت المرأة السورية عرضة أن تصبح مشروعاً أشبه بالأقلية العرقية والفكرية التي يدير المجتمع الدولي بواسطتها بلاد المشرق العربي، معتمداً على تغييبهم واضطهادهم واتخاذ قراراتهم في إطار ردة الفعل واللاوعي والتخبط الناتج عن عدم تأهيلهم الاجتماعي في الحقبة السابقة. وعليه فإنّ ثورة المرأة السورية لم تكن ثورةً فكرية أو نتاج وعي ثقافي واجتماعي بل تعتبر نتاج وعيها بواقِعها المضطهَد وتغييبها المتعمَّد قبل امتلاكها أدوات النهضة، لذا فثورتها ضرورة تدافعية واجتماعية وليست خياراً فكرياً أو ثقافياً، فهي كثورات الحراك العربيّ تماماً، حيث سبق وعيُها بواقعها وعيَها الثقافي والفكري القادر على تسليحها وتمكينها في مواجهة الواقع الاجتماعي خارج إطار ردة الفعل الاجتماعية والتي لا تتناسب بالضرورة مع الفعل الاجتماعي الواقع عليها سابقاً. والمتتبع لواقع المرأة السورية والعربية المهاجرة وغير المهاجرة يعلم أنّ تغييبها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لم يعد حلّاً بل نقمةٌ وانهيارٌ وهدم مجتمعٍ بأكمله، فالحالة الهيستيرية التي تعيشها الحركة الأنثوية العربية اليوم يتحمّل مسؤوليتها الجهل الاجتماعي العربي وكيفية تعامله مع المرأة المعاصرة، وانعكست الحالة الهستيرية للمرأة السورية بشكل واضح بعد الحراك والهجرة السورية، إثر تغير طبيعية القوانين الاجتماعية والوضعية والاقتصادية الحاكمة ما غيّر بدوره مركزية اتخاذ القرار في الأسرة والمجتمع العربي والسوري على وجه الخصوص. وعليه من الضرورة الاجتماعية تغيير الأساليب التربوية الاجتماعية فيما يتعلّق بالتعاطي مع المرأة السورية والعربية بما يتناسب مع المتغيرات المستحدثة والمناخ العالمي والإعلامي الجديد، لأنّ ذلك هو السبيل الوحيد لأنقاذ المرأة السورية والعربية المعاصرة من حالة الفُصام الزماني والمكاني وإفساح المجال أمامها للحضور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بشكل متوازن وواعٍ، فتغييبها أصبح محالاً، وحضورها ضرورة وواقع تدافعي وليس خياراً  فكرياً أو ترفاً ثقافياً، وحضورها بوعيٍ واتزان أفضل من حضورها بشكل متخبط وغير واعٍ أو مؤهل، فالتمكين قبل التأهيل وأدٌ وكارثة وانهيار.

اقرأ المزيد
١ نوفمبر ٢٠١٧
سوريا .. فاصل ونعود

التقارب التركي الايراني في مواجهة الاستفتاء الكردي حول الانفصال واعلان الدولة في اقليم شمال العراق لا يعني بالضرورة انه سيتحول الى حلف ثنائي باتجاه حماية المصالح  في التعامل مع الملفات الاقليمية.

التفاهم بين انقرة وطهران في العراق لا يتعدى حدود اقليم كردستان لا بل حدود اربيل ربما، حيث التقت المصالح في رفض ما أراد مسعود البارزاني فرضه عليهما. فسياساتهما متضاربة في كركوك وقنديل وسنجار وفي العلاقات مع اكراد السليمانية وشكل العلاقة مع بغداد وطرق بناء العراق الجديد.

الحديث عن احتمالات حصول تنسيق تركي ايراني في الملف السوري كما حدث في اربيل مؤخرا ليس من المبكر الحديث عنه فقط، بل من المستحيل توقعه، بسبب حجم نقاط التباعد والخلاف رغم النجاح الجزئي لتجربة تفاهمات الاستانة حول مناطق تخفيض التوتر. طهران ما زالت الحليف الاول والاقوى للنظام في سوريا وتركيا ما زالت تتصدر قائمة المناوئين. موسكو قد تكون نجحت في جمعهما أمام طاولة واحدة لكن مصالحها هي العامل الاساسي في فرض ترتيب الجلسات وتحديد مواد جدول الاعمال واختيار الحضور.

ايران تراهن دائما على عدم اكتمال مشروع اي تقارب تركي روسي في سوريا وهي كماعرقلت انجاز خطة درع الفرات في الباب تستطيع ان تكرر ذلك في جبهات التقاطع التركي مع النظام ووحدات سوريا الديمقراطية.

المساومات التركية الروسية في شمال سوريا حول ادلب وعفرين وتل رفعت سيكون لها ارتداداتها على السياسة الايرانية التي قد تتحرك للرد باتجاهين اذا ما شعرت ان ذلك يتم على حسابها : الضغط على النظام السوري ليقاوم المطالب الروسية ومحاولة لعب ورقة اكراد سوريا عبر تقريبهم اكثر الى النظام في اطار صفقة سياسية دستورية تعرقل الخطط الروسية.

ايران قادرة على تحريك اكثر من ورقة ضد انقرة أيضا اذا ما شعرت ان تقارب الاخيرة وانفتاحها على موسكو سيضر بحساباتها ومصالحها هي في سوريا. بين ما تستطيع طهران فعله مثلا تحريك مجموعات حزب العمال الكردستاني في قنديل وسنجار وكوباني لتفجير الوضع الامني على الحدود التركية العراقية والتركية السورية.

الخطط التركية الاخيرة حول توحيد قوى المعارضة السورية عسكريا قد تكون استجابة لمطلب روسي بهدف فتح الطريق امام الحوار والتمثيل السياسي امام طاولة المفاوضات المرتقبة بعد الاستانة المقبل. نتائج وقرارات اجتماعات الاستانة لناحية المشاركة وملفات البحث ستساعدنا على معرفة مسار ومستقبل العلاقات التركية الايرانية في سوريا لكنها ستكشف اكثر عن مواقفهما واوراقهما المستورة وطريقة تعاملهما مع سيناريوهات ومناورات روسية لا تنتهي حول الفدرالية والكونفدرالية والحكم الذاتي في سوريا. لكن هناك ما ينبغي قبوله والتسليم به ايرانياً وتركياً كذلك وهو ان المصالح الروسية في سوريا وما ستقوله موسكو هو الذي سيحدد شكل ومسار العلاقة بين انقرة وطهران في صناعة المشهد السوري الجديد أيضا.

بعد مرور عامين على انطلاقة الاستانة يدور النقاش حول بديل جديد تحت مسمى "مؤتمر الشعوب السورية " وهو اقتراح روسي يتعارض كليا مع اهداف ايران في سوريا وصلب مشروعها هناك وقد ترفضه انقرة كونه يفتح الطريق امام اشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المستبعد عن اية طاولة حوار بسبب الفيتو التركي. موسكو هي المحرك الاول في الملف السوري ومقولة انه كلما ازداد وترسخ التقارب التركي الروسي في سوريا كلما انعكس ذلك سلبا على مسار العلاقات الروسية الايرانية لم تعد مقبولة كثيرا لدى الروس. موسكو تريد الطرفين الى جانبها خلال بحث خطط اجتماع الاستانة المقبل الذي بدأ ينتزع دور لقاءات جنيف والانتقال بالمناقشات من المسائل الامنية والعسكرية الى التمهيد للحوار السياسي بين قوتين سوريتين محليتين احداهما تمثل النظام الذي يحمي حصة ايران والاخرى تنوب عن المعارضة المقبولة روسياً وايرانياً وتنسق مع تركيا من دون اهمال جوائز الترضية لبعض اللاعبين الاقليميين.

توحيد قوى المعارضة السورية في جيش واحد سيعقبه حتما تشكيل الجبهة العريضة لقوى المعارضة في وفد واحد تناقش موسكو بعيدا عن الاضواء تفاصيل تشكيله بما يرضي الشريحة الواسعة من حركات وتجمعات وهيئات المعارضة ولا يهمل ما يقوله بعض اللاعبين الاقليميين والدوليين.

كلما كرر الرئيس رجب طيب اردوغان أن المرحلة الثانية في خطة التحرك العسكري التركي في شمال سوريا ستكون عفرين بعد ادلب كلما زاد من غضب واشنطن ودفعها للتصعيد اكثر فأكثر ضد تركيا. مكسر العصا في العلاقات التركية الايرانية يكاد يكون الضغوط التي تتعرض لها انقرة من قبل الادارة الاميركية بهدف دفعها لتغيير سياستها الايرانية وهو ما ترفضه القيادة التركية حتى الان، خصوصا وان واشنطن تعتمد سياسة سورية تتعارض كليا مع الاهداف والمصالح التركية هناك.

كثر هم من يريدون أن يعرفوا كيف ستتصرف تركيا، والى جانب من ستقف، ومن ستختار في سيناريو المواجهة الاميركية الايرانية المتوقع ؟ هل ستمنحها الظروف والمعطيات فرصة الوقوف على الحياد عندما يتغير مسار الامور على الارض؟ هل سيكون بمقدور تركيا اللعب على التوازنات لعدم اغضاب الجانبين والدفاع عن مصالحها على طريقة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم ؟ ام ان التصعيد التركي المتزايد ضد واشنطن في الاونة الاخيرة مقدمة لتبرير اسباب القطع  مع ادارة ترامب والانحياز التدريجي الى الجانب الروسي ؟

ما قد يتحول الى مفاجاة اخر لحظة ويتعارض تماما مع تهديدات الرئيس الاميركي لايران وما يقال حول محاولات اميركية مستمرة لتوريط ايران في المصيدة السورية هو احتمال ان تتقارب المصالح الايرانية الاميركية اكثر في سوريا كلما تقاربت المصالح التركية الروسية هناك وولادة سيناريو اعادة تجربة سبق وشاهدناها في العراق بعد عام 2005 وانتهت بخروج عسكري وسياسي اميركي من هناك لصالح ايران. لمَ لا يتكرر المشهد نفسه في سوريا هذه المرة عندما تشعر طهران وواشنطن بخطر التنسيق التركي الروسي المتزايد على الارض سياسيا وعسكريا بما يتعارض كليا مع مصالحهما في سوريا؟

انقرة تعرف جيدا ان القيادة السياسية الايرانية تريد امتلاك الكثير من الاوراق في ملفات حساسة  لتلعبها لاحقا امام طاولة المساومات والصفقات مع واشنطن وموسكو لذلك هي لن تفرط بابسط ما تملكه من فرص غير حماية علاقاتها مع الكرملين، تمتين علاقاتها بحلفائها المحليين المحسوبين عليها في المشهد السوري.

في سوريا، تلتقي أحياناً وجهات النظر الروسية والتركية حول تقييد الطموحات الإيرانية هناك. لكن ما يجمع بين أنقرة وموسكو ويدفعهما إلى التعاون هو السياسة الاميركية السورية الجديدة أيضا.

اقرأ المزيد
١ نوفمبر ٢٠١٧
كيف تطور الدور الذي تؤديه تركيا في الشمال الشرقي السوري؟

في الوقت الراهن، يتم مناقشة الوضع السوري والدور التركي على شبكات التواصل الاجتماعي العربية والكردية. وتشير النتائج بوضوح إلى أن تركيا ستعلن في الأيام القليلة المقبلة أو حتى الساعات المقبلة استئناف عملية "درع الفرات" المتعلقة بتصفية منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال سوريا.

ما يزيد الوضع تعقيدا تركيز وحدات الشرطة العسكرية الروسية في عفرين الواقعة شمال محافظة حلب السورية، وذلك باتفاق مع نظام الأسد في أيلول/ سبتمبر. علاوة على ذلك، تم نشر نقاط مراقبة في هذه المنطقة لضمان الامتثال لنظام وقف الأعمال العدائية في ما يسمى مناطق "وقف التصعيد".

في الوقت نفسه، ربما تتعارض الأعمال العسكرية التي تقوم بها القوات التركية حاليا، بشكل مباشر مع الجنود الروس. إلى حد الآن لم تحصل أي تجاوزات، إلا أن من المتوقع أن تتأزم الأوضاع أو تخرج عن السيطرة.

وتجدر الإشارة إلى أن الجيش التركي والجيش السوري الحر قد شنوا هجوما على قرية إيسكا التابعة لريف عفرين. وفي السياق نفسه، ذكرت وسائل إعلام رسمية أن الالجيش الحر شرع في عملية استطلاع في منبج في الجزء الشرقي من حلب. وتخضع هذه المنطقة لسيطرة القوات الكردية التي يدعمها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي الأثناء، حذرت الطائرات التركية السكان المحليين من خطر وشيك.

في الواقع، وضعت أنقرة خططا للتوسع في اتجاه الجزء الشمالي من سوريا، وذلك وفقا لما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بيان له. وقد صرح أردوغان بوضوح، أن "القوات المسلحة التركية نفذت مهامها في إدلب السورية، وهي على استعداد في أي لحظة لمهاجمة الجيوب الكردية في عفرين".

في هذا الصدد، من الممكن القول إن ثقة الزعيم التركي تستند إلى العديد من المعطيات، لعل أهمها تمكن القوات المسلحة التركية من السيطرة على إدلب. وفي الوقت الراهن، تمكنت القوات التركية من بسط نفوذها على عفرين وعلى مناطق واسعة محيطة بها، باستثناء شريط صغير في جنوب شرق المنطقة تسيطر عليه قوات بشار الأسد والميليشيات الداعمة له.

من جانبه، اتهم نظام الأسد من جديد تركيا باحتلال البلاد، كما طالب بسحب قواتها من الأراضي السورية، فيما لم تصدر القيادة العسكرية والسياسية الروسية إلى حد الآن أي بيان رسمي فيما يتعلق بالعملية التركية. فضلا عن ذلك، التزمت واشنطن الصمت. ومن المفارقات الغريبة أن الجانب الأمريكي يغض الطرف عن تحركات أنقرة من ناحية، ومن ناحية أخرى يوفر الدعم للأكراد.

وكما هو معلوم لدى الجميع، تعد الجماعات المسلحة الكردية الحليف الرئيسي للقوات الأمريكية، التي تمكنت من السيطرة على أهم حقول النفط في محافظة دير الزور شرق البلاد. وقد تفوقت بذلك حتى على قوات نظام الأسد. ووفقا لما أكدته وسائل إعلام محلية، فقد استولى الأكراد على أهم حقول النفط على غرار العمر والتنك، بالإضافة إلى قرى أخرى بالقرب من الميادين.

وبناء على هذه المعطيات، يعتبر الوضع بالنسبة لنظام الأسد والدول الداعمة له روسيا وإيران، مثيرا للقلق. وبعد أن بدأت تركيا حربها في شمال البلاد ضد الأكراد، ستحاول القوات الموالية لنظام الأسد منع التوسع التركي. وقد يؤدي ذلك إلى عرقلة عملية تحرير دير الزور بشكل تام من الإرهابيين. علاوة على ذلك، سيساهم هذا الأمر في تمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية أخرى في منطقة البوكمال على الحدود مع العراق، باعتبارها مركزا هاما لجُل التحركات عبر الحدود. وبالتالي، سيمكن ذلك واشنطن من لعب دور استراتيجي في هذا المجال.

قد يكون من الصعب فيما بعد التصدي لخطط الولايات المتحدة وغيرها من الدول، فيما يتعلق بتقسيم سوريا. فعلى سبيل المثال، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل واشنطن أن الرقة ستكون بداية مشروع "سوريا اللامركزية". وتفسر هذه المعطيات، في الوقت الراهن، غض واشنطن الطرف عن العملية التركية التي تعتبر بمثابة تمهيد للأرضية المناسبة التي سترتكز عليها شروط التقسيم الفعلي للبلاد.

اقرأ المزيد
١ نوفمبر ٢٠١٧
موسكو وواشنطن ضد طهران

الولايات المتحدة الأميركية "لن تسمح لإيران بالسيطرة على سورية"، هذا ما أعلنته رئيسة الوفد الأميركي في الأمم المتحدة، نيكي هيلي. وعلى الرغم من أن سياسة واشنطن تجاه طهران شهدت تحولاً كبيراً منذ دخول دونالد ترامب البيت الأبيض، إلا أن امتداد هذا التحول إلى الملف السوري لم يكن واضحاً، فقد خصص ترامب قدراً كبيراً من هجومه على إيران للملف النووي. لذا يمثل الموقف الذي أعلنته هيلي مرحلة أكثر تقدماً في التوتر بين واشنطن وطهران. بل إنها المرة الأولى التي تعلن فيها واشنطن موقفاً إزاء الدور الإيراني في سورية، على الرغم من أنه دور فاعل ومؤثر منذ ست سنوات.

يتسق ذلك التطور في الموقف الأميركي، مع إشارات أخرى صدرت من واشنطن تعاكس الحسابات الإيرانية، وتضرب في الصميم التحالف بين طهران ودمشق. ومن أبرز تلك الإشارات تصريح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي أكد فيه أن حكم بشار يقترب من نهايته، وبالتالي "لا مستقبل في سورية للأسد ولا لعائلته". وعلى الرغم من أن تيلرسون استدرك أن "كيفية تحقيق ذلك" هي القضية المطروحة حالياً، إلا أن الإصرار على رحيل بشار، ولو بعد حين، أو بطريقة لم يتم تحديدها بعد، يعد منحنىً جديداً في السياسة الأميركية تجاه سورية. بعد أن ظل موقفها من بشار مقصوراً على خطاب رافض لبقائه، من دون أي تحرك فعلي، قبل أن يتطوّر سلبياً، في العام الماضي، نحو قبول بقائه في الفترة الانتقالية. ولم يبتعد تصريح تيلرسون كثيراً عن هذا السقف، لكن تجنبه الإشارة إلى أي مدى زمني لبقاء بشار يوحي بأن رحيله قد يكون أقرب مما كان مقبولاً أميركياً حتى أشهر قليلة مضت. ويجب التوقف هنا عند شمول "عائلة بشار" بالرفض، وليس شخصه فقط، ما يرجح أن لدى واشنطن تصورا محددا للمستقبل القريب في سورية، بما في ذلك طبيعة السلطة الحاكمة وشخوصها في المرحلة الانتقالية. ولا يمكن فهم هذا الطرح الأميركي، بخصوص مستقبل السلطة الحاكمة في سورية ومصير بشار الأسد وعائلته، من دون النظر إلى التحالف السوري الإيراني عالي المستوى، والتنسيق المتزايد بين الجانبين. فعلى الرغم من أن التدخل الروسي المباشر قلب الموازين العسكرية والسياسية، ومنع سقوط النظام أمام المعارضة و"داعش" وغيرهما من الفصائل المسلحة، إلا أن التنسيق بين دمشق وطهران لم ينقطع يوماً، وتلعب إيران دوراً مهماً في دعم دمشق بشار، سواء الاستشارة والتنسيق السياسي، أو بخبراء عسكريين، أو بقوات ومليشيات جلبتهم إيران من خارج سورية.

هنا، يصبح منطقياً التساؤل عن طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في سورية، فهي أحد المفاتيح المهمة في رسم حدود التفاهمات والتباينات الروسية الأميركية هناك. ما يستحق الإشارة إليه في هذا الخصوص أن حسابات طهران وموسكو في سورية تتقاطع معاً في حدود الحفاظ على الدولة السورية بشكلها الحالي أطول وقت ممكن، وعدم إطاحة بشار بشكل مفاجئ، من دون استعدادات مسبقة وتحضيرات لما بعده. مع قبول تغيير طبيعة الدولة وشكلها، وبالطبع السلطة الحاكمة، إذا ما توفرت مساحة مناسبة من النفوذ، تضمن تحقيق مصالح مباشرة لكل منهما. سواء كانت امتيازات اقتصادية أو تسهيلات عسكرية. وهنا، يظهر الاختلاف بين موسكو وطهران، فالأخيرة تعتبر بقاء عائلة الأسد في الحكم أكبر ضمانةٍ لاستمرار نفوذها مستقبلاً. بينما ترى موسكو أن تحالف طهران ودمشق عقبة كبيرة أمام سورية مقبولة روسيا وأميركياً أيضاً.

لذا، يمكن بسهولة ملاحظة ارتفاع وتيرة التفاهمات الأميركية الروسية بشأن سورية، ربما ليس بشكل معلن صريح، لكن الإشارات والتحركات الصادرة من الطرفين تشي بأن ثمة توافقاً كبيراً بينهما، ليس بشأن مستقبل سورية ومصير بشار الأسد فحسب، لكن، وهو الأهم، بشأن تحجيم النفوذ الإيراني هناك، وضرورة عدم تحويل سورية إلى عراق جديد إيراني.

اقرأ المزيد
١ نوفمبر ٢٠١٧
سلام دولي أم حل روسي؟

حسب ما يخبرنا به مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نحن نقترب من نهاية الأعمال العسكرية في سورية، وننتقل إلى مرحلة جديدة، ستبدأ معها الحقبة السياسية حقبة الحل الدولي والسلام، فهل صحيح أننا ذاهبون، أخيراً، إلى سلام، وهل سنذهب إلى سلام جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، أم إلى قراءتهما الروسية، كما صاغتها موسكو في قرار دولي يحمل الرقم 2254، لم تعد منصتها تقبل غيره، لاعتقادها أنه ألغى القرارات الدولية الأخرى جميعها، خصوصاً منها جنيف والقرار 2118.

ثمّة سلامان ينتظراننا في الحقبة المقبلة، إن صدق القائلون بنهاية رحلة العمليات العسكرية طوراً قائماً بذاته.

هناك سلام وثيقة جنيف والقرار 2118 الذي يقول: يبدأ الحل السياسي بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية، لها صلاحيات تنفيذية كاملة (صلاحيات بشار الأسد الذي لا يكون لهذا السبب مرجعية لها)، على أن تقوم بتراضي الطرفين المتصارعين، ويكون مهمتها نقل سورية إلى النظام الديمقراطي. في هذا التصور الدولي للسلام، هناك تحديد اسمي وصريح للأداة (الهيئة الحاكمة) وللوسيلة (التراضي) وللمسار وهدفه (الانتقال من الأسدية إلى الديمقراطية)، وضمانات دولية مشتركة لهذه السيرورة التي يخدم كل بند فيها الثورة ومطالب شعب سورية.

وهناك السلام الروسي الذي يحذف الهيئة الحاكمة الانتقالية لصالح "حكومة وحدة وطنية"، تنجز انتقالاً داخل النظام، وليس إلى نظام بديل، لذلك يكون بشار الأسد مرجعيته، وليس وثيقة جنيف.

هذا "السلام" هو ما سيعرض علينا في جنيف، وما يرجح أن يقر في حال اجتمعت المعارضة السورية في الرياض، وتبناه وفدها الموحد، في حال تم تشكيله بمساعٍ روسية/ أميركية/ إقليمية/ عربية. إنه سلام مخالف لصيغة السلام الدولي الذي أقرّه الخمسة الكبار، ووضعوه في وثيقة جنيف1 والقرار 2118 بآلياته التنفيذية التي يجعل نصها الحرفي الصريح الحل يبدأ بتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، تنقل سورية إلى النظام الديمقراطي"، فهل حذف هذا النص الواضح واستبداله بنص حول تشكيل "جسم حكم انتقالي" يعرف باعتباره حكومة وحدة وطنية، يمكن أن يأخذنا إلى السلام المنشود، أم أنه يلغيه لصالح رؤية تنقذ الأسد ونظامه، أعد الروس كل ما يلزم لفرضها أمراً واقعاً، لا مهرب منها إن رفضتها بعض الهيئة العليا الموسعة قبلها بعضها الآخر، خصوصاً المرتبطين بموسكو ارتباط تابع بسيد، ويرون سورية بأعين موسكو، ويعتبر سلامها واقعياً والسلام الدولي وهمياً، وغير قابل للتحقيق.

هل سيقبل السوريون استبدال سلام دولي، يخدمهم بحلٍّ يلتف على قرارات دولية، وافقت موسكو عليها، وعلى إرادة الشعب السوري، هدفه الوحيد تقويض السلام وإبطاله، وحق السوريين في تقرير مصيرهم، عبر إبقاء الأسد واحتواء التمرد الوطني المجتمعي الهائل عليه داخل نظامه.
هل سيأتي الحل الروسي بالسلام، ويضع حداً لنظام قتل أكثر من مليون سوري، إن كان سيعيد السوريين إلى بيت طاعته، بتهمة قيامهم بثورة إرهابية لا بد أن يعاقبوا عليها، بتمكين الأسد من استعادة سيطرته عليهم، وجعل إبادتهم مسألة سيادية، التدخل فيها عدوان على الشرعية الوطنية والقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، ستتولى قوات الاحتلال الروسي ردعه، إنقاذاً لحاكمها "الشرعي" من شعبه غير الشرعي، بل الإرهابي الذي استحق ما أنزل به من عقابٍ، أوصله إلى أعمق نقطة في هاوية الفناء.

هل سيقبل السوريون حلاً يعيدهم إلى وضع أسوأ بكثير من الوضع الذي ثاروا عليه، يبقي على سلطة بلادهم الهمجية، والقاتل الذي لو كان في أي بلد آخر من عالمنا لوصل، منذ أعوام، موجوداً إلى محكمة مجرمي الحرب التي حاكمت، عامي 1945 و1946، النازيين على جرائم ليست أشد فداحة مما ارتكبه ضد آمني سورية وعزلها: شيباً وشباناً؟ وهل سيقبل السوريون بقاء الغزاة الإيرانيين والروس في وطنهم، بموافقة نظام ضمن استمراره عبر بيعهم وطناً ليس له، ولا يمت إليه بصلة.

لسنا ذاهبين إلى السلام. نحن ذاهبون إلى فترة صراع يعتقد الروس أنهم سيجنون من خلاله العائد السياسي لخيانةٍ أسدية سلمتهم سورية على طبقٍ من ذهب، بعد أن أضعفوها إلى حد يجعل استسلامها حتمياً لهم، باسم سلامٍ ألغوا قراراته الدولية التي كانوا قد وافقوا عليها، ويستبدلونها الآن بحلٍّ يعيد السوريين إلى نظامٍ لطالما قال إنهم لا يستحقون الحياة، وحكمهم كما يحكم أسرى ينتظرون موتهم في معسكر إبادة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان