مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٤ نوفمبر ٢٠١٧
حسابات إسرائيل في سوريا

أربك تغير ميزان القوى في الأزمة السورية صانعي السياسة الإسرائيلية، وربما كان أكثر ما أربكهم التحول الواسع في مسار الأزمة لمصلحة نظام بشار الأسد وحلفائه، منذ التدخل العسكري الروسي قيل نحو عامين، لذا كان عليهم تعديل تقديراتهم لنتائج الأزمة في ضوء ميزان القوى الجديد، ومن أهمها التقدير الذي ذهب إلى أن نظام الأسد كان آيلاً للسقوط.

لكن المعضلة الكبيرة التي واجهوها، ولم يجدوا لها حلاً بعد، هي كيفية التعامل مع تداعيات التغير الذي حدث، خصوصاً امتداد النفوذ الإيراني إلى منطقة الحدود الإسرائيلية السورية. لم يكن هذا الاحتمال ضمن تقديراتهم السابقة أصلاً. أما وقد أصبحت قوات وميليشيات تابعة لإيران قريبة من هذه الحدود، فقد فرض عليهم هذا التطور أن يراجعوا حساباتهم كلها تقريباً، فقد ازدادت أهمية منطقة جنوب سوريا التي لم تتعرض إسرائيل إلى أي تهديد منها منذ انتهاء حرب 1973. وكان وصول أسلحة إلى «حزب الله» عبر الحدود السورية اللبنانية هو أقصى تهديد يمكن أن يواجههم. لم يتوقعوا أن تقترب ميليشيات تابعة لإيران من حدودهم، وتزداد معدلات التهديد المترتب على إرسال السلاح، واتخاذه بُعداً جديداً بصناعة بعض أنواعه في مناطق سورية قريبة من الحدود.

لذلك تغيرت حسابات إسرائيل حتى على صعيد أولوياتها بشأن الأزمة السورية. فقد أصبح هدفها الأول هو إخراج القوات والميليشيات التابعة لإيران من سوريا. ولأن هذا هدف بعيد المنال في المدى القصير، وربما المتوسط أيضاً، تُركِّز إسرائيل على هدفين يأمل صانعو سياستها أن يؤدي إحراز تقدم باتجاههما إلى تقريب الهدف الأبعد.

أول هذين الهدفين هو إبعاد القوات الموالية لإيران مسافة كافية من حدودها. أما الثاني فهو منع إقامة قواعد ومنشآت عسكرية، وأي بني تحتية إيرانية أو تابعة لإيران في سوريا. وسعياً لتحقيق الهدف الأول، اعترضت إسرائيل على اتفاق خفض التصعيد في منطقة جنوب غربي سوريا، رغم أنه ينص على عدم وجود قوات غير سورية فيها، وبالتالي انسحاب الميليشيات الموالية لإيران مسافة تتراوح بين 8 و32 كم.

لكن هذه المسافة لا تكفي لطمأنة إسرائيل القلقة لسبب ثان هو أن الاتفاق يقيد حركتها لمواجهة ما تعتبره مصادر تهديد قرب الجولان، رغم أنه لم يمنعها من قصف مواقع على مدى أبعد ثلاث مرات خلال خمسة أسابيع، كانت الأولى في 9 سبتمبر الماضي ضد مخزن صواريخ، ومركز بحوث في محافظة حماة تفيد معلومات إسرائيلية أنه مخصص لصنع أسلحة، والثانية في 22 من الشهر نفسه ضد مخزن أسلحة في محيط مطار دمشق الدولي، والثالثة في 16 أكتوبر ضد بطارية صواريخ شرقي دمشق.

وربما تكون معضلة إسرائيل الأولى على هذا الصعيد أنها لا تثق في أن روسيا ستفي بوعدها بشأن إخراج القوات الأجنبية من سوريا، فيما تريد المحافظة على علاقاتها الجيدة مع موسكو، ولا ترغب في المخاطرة بها، وهي لا تستطيع الاعتراض على الرد الذي تتلقاه من موسكو كلما عبرت عن قلقها من الوجود الإيراني، وهو أن الأولوية لمكافحة الإرهاب، وأن رحيل القوات الأجنبية عموماً سيكون في مرحلة تالية.

يبدو الموقف الروسي منطقياً، لكن إسرائيل تخشى أن تُرسِّخ إيران حضورها العسكري بحيث يتعذر إخراج القوات الموالية لها حتى إذا التزمت روسيا بهذا الموقف، كما تخاف إسرائيل أن تتغلب مصالح موسكو مع طهران في النهاية، وخاصة في ضوء التطور المتزايد في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بينهما.

لذا تظل حسابات إسرائيل مرتبكة، سواء اختارت قبول موقف روسيا وانتظار انتهاء الحرب على الإرهاب في سوريا، أو لجأت إلى المناورة عبر مواصلة دعم العلاقات معها وممارسة بعض الضغوط عليها في آن معاً، والأرجح أن يرتبط خيار إسرائيل بمدى استجابة روسيا لمطالب محددة يبدو أن الاتصالات بشأنها ما زالت مستمرة منذ زيارة بنيامين نتنياهو موسكو في أغسطس الماضي. ومن أهم هذه المطالب إبعاد القوات الموالية لإيران إلى مسافة 40 كم من الحدود وفرض رقابة قوية على تحركاتها، والحصول على حرية حركة كاملة في المجال السوري، مع التعهد بعدم استغلالها إلا في حالة نقل أسلحة إلى لبنان، أو إقامة منشآت عسكرية تابعة لإيران، كما تطلب إسرائيل وضعها في أجواء الاتصالات المتعلقة بإعادة ترتيب الأوضاع في سوريا لكي تتمكن من وضع خططها وتعديلها في ضوء معلومات متجددة.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٧
أربعة مؤتمرات حول سوريا

لم يحقق المؤتمر الأخير في آستانة في جولته السابعة أي تقدم يذكر، فقد أخفقت روسيا من جديد في معالجة ملف المعتقلين مع النظام، وهو الملف الأكثر أهمية في جدول أعمال المؤتمر، وكانت روسيا قد طلبت تأجيل بحثه مرات. ويبدو أن النظام السوري لا يريد الإفراج عن المعتقلين كي لا يواجه أسئلة عن عشرات وربما مئات الآلاف ممن قضوا تحت التعذيب، وقد رأى العالم نماذج قدمتها الصور الشهيرة التي سربها قيصر وتجاوزت خمسة وخمسين ألف صورة عن ضحايا التعذيب.

وكان وفد المعارضة قد شارك في لقاءات آستانة من منطلق الحرص على إيقاف شلال الدم، ورأى أن تخفيض التصعيد يمكن أن يكون مرحلة تمهيدية لوقف شامل لإطلاق النار، ولكن الخروقات اليومية في مناطق خفض التصعيد من قبل النظام جعلت الاتفاقيات بلا مصداقية ولا سيما في الغوطة حيث يشتد الحصار والقصف ويهدد المئات بالموت جوعاً ومرضاً.

ويبدو أن مؤتمر آستانة قد فقد أهميته ولن يجدي الاستمرار فيه وقد وصل إلى جدار مسدود، ولعل هذا ما دفع روسيا للتفكير في الدعوة إلى مؤتمر عام رغبت في البداية أن تعقده في سوريا باسم مؤتمر الشعوب السورية، ثم حولته إلى «سوتشي» باسم مؤتمر الحوار الوطني، وقد دعا إليه الروس العديد من التنظيمات التي تعلن أنها معارضة ولكنها في أهدافها وأدبياتها لا تختلف عن طروحات النظام. كما دعيت أيضاً تنظيمات معارضة جادة أعلن كثير منها رفضه الحضور لمؤتمر يقفز فوق قرارات الأمم المتحدة، ويجعل روسيا وحدها المتفردة بالحل النهائي للقضية السورية الدولية. ويتجاهل مبادئ جنيف 1 وعملية الانتقال السياسي التي اعتمدتها كل القرارات الأممية ليناقش الانتخابات والدستور، ومن المفترض أن تتم مناقشة هذه القضايا بعد الانتهاء من تأسيس هيئة حكم انتقالية، وبدء عهد جديد ينتهي فيه عهد الاستبداد والديكتاتورية ليبدأ بناء دولة سورية مدنية ديموقراطية غير طائفية عبر حكم ذي مصداقية، وهذه التعابير هي جوهر ما دعت إليه الشرعية الدولية في جميع قراراتها.

وترى المعارضة الوطنية السورية أن هدف روسيا من هذا المؤتمر هو إعادة تأهيل النظام، وربما هي تستعجل عقده، وتزاحم سواه من المؤتمرات لتعلن انتصاراً قبيل الانتخابات الرئاسية، ويبدو واهماً من يظن أن الشعب السوري الذي قدم تضحيات غير مسبوقة تاريخياً على مذبح الحرية سيقبل عودة ذليلة إلى حضن النظام، ولا سيما أنه يدرك أن النظام سينتقم بوحشية من كل من ثار عليه أو عارضه. وحسب النظام أنه فقد كل الشعارات الإنسانية وجعل البوط العسكري شعاراً له تأكيداً على سطوة الدولة الأمنية. واشترط قيادي في حزب «البعث» على كل من يفكر في العودة إلى وطنه سوريا أن يقبّـل بوط العسكري وليس جبهته مثلاً، وهذه غطرسة تكشف طبيعة النظام!

والسوريون يعرفون جيداً أن النظام غير قابل لتغيير سلوكه إطلاقاً، وأن المجرمين فيه غارقون في سلوك الجريمة المتوحشة، وقد فقد هؤلاء كل المشاعر الإنسانية، ويكفي النظر إلى الضحايا من الأطفال وحدهم دليلاً على حالة التوحش التي يعيشونها. وما تقترحه روسيا من مصالحات مع هؤلاء هو دعوة للرضوخ لمنطق الاستبداد وانتصار للديكتاتورية، وإذلال متعمد للملايين من الشعب السوري المضطهد، ومكان هؤلاء المجرمين هو المحاكم العادلة.

وأما المؤتمر الثالث الذي تترقبه المعارضة السورية وتدعو إليه فهو مؤتمر الرياض الثاني، وهي تطمئن فيه إلى رعاية المملكة العربية السعودية والعديد من دول أصدقاء سوريا، وتعلن المعارضة أنها تريد مزيداً من توحيد المعارضات التي تتوافق مع رؤية الشعب السوري وتعبر عن مبادئ ثورته، وتصر على أن الانتقال السياسي عبر بيان جنيف 1 والقرارات الدولية وبيان الرياض الذي أطلقه مؤتمر الرياض محدداً ثوابت الرؤية والهدف، هو الطريق إلى الحل السياسي النهائي برعاية الأمم المتحدة.

وأما المؤتمر الرابع المرتقب فهو الجولة الثامنة من مباحثات جنيف التي تحدث عنها دي مستورا ولم يحدد بعد موعداً رسمياً لها، وقد تكون في نهاية هذا الشهر نوفمبر (2017)، ونرجو أن يتمكن دي مستورا في هذه الجولة الجديدة من دخول جاد في بحث عملية الانتقال السياسي، فإن لم يفعل فستكون نتيجة الجولة مثل سابقاتها، فشلاً يتوج به دي مستورا مهمته التاريخية.

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٧
عبدالمجيد الذي اصيب بالشلل و العمى تحت التعذيب .. ومات في زنزانته

في زاوية الزنزانة المظلمة ثمةَ خطيئة  تكاد تشقًق منها السماء …

فعندما أصيب عبد المجيد  بالشلل في قطاع الإفراديات إدارة المخابرات الجوية بدمشق  نتيجة لغرزهم مسمار في ظهره …..لم يكن يعلم أن  المساعد :
(( نصر اسبر )) سيفقؤ  له عينه اليمنى بالكبل في قسم التحقيق  …..ليسوء حال عينه الثانية وخلال أسبوع واحد يمسي ضريراً في ظلمات بعضها فوق بعض  …..
ويكون أحد المقُعدين الذين كانوا في زاوية زنزانتنا صرخة وجع تطعن ضمير هذا العالم الدنيئ

في قطعة الجحيم تلك لم يكن المقعدون المصابون بالشلل يذهبون معنا للمراحيض كانت كل فضلاتهم تحتهم …. في بعض الأحيان كنا نحفضهم بأكياس الخبز التي نادراً ما كنا نحصل عليها .. وكانت رائحتهم قاتلة لدرجة أننا نحبس أنفاسنا حين نُحفض واحداً منهم ….

في كل مرة كنت أقترب فيها من عبد المجيد لأتأكد إن كان حياً أم أنه استشهد و أسأله أخي عبد المجيد كيف أنت :
كان يستجيب لأي كلمة  بخليط عميق من ملامح الأسى التي كانت تتصارع لتفوز بوجهه الجميل
و يمد يده التي ترتجف إليَّ ....
ويحاول أن يدير وجهه بالإتجاه الصحيح نحوي  لترتعش كالعادة شفتيه عدة مرات ويسيل لعابه خارج فمه قبل أن يقول بلهجته الحَمويه :
_ خيي وائل  أنا مشتاق للأولاد ...كتير … والمشكلة  حتى لو طلعت من هون كيف بدي شوفهن أنا عميت أخي وائل ….. مبارح حلمت إني طلعت وشفت الولاد وبستهن كلهن
 ثم يضخ حزن الكون كله بقلبي حين يبدأ بالبكاء دون دموع ..ويقول :
_أنا مسجون بعتمتي خيي وائل … أنا ما بقى تفرق معي الأماكن كلها بالنسبة إلي صارت سجن .. ويشهق ليكمل جملته التي لازالت تقضم قلبي ويقول : بلكي بحضنهن مرة قبل ما موت …
 
_كنت أظن أن العميان لا يحلمون لكني عرفت في الزنزانة أن كل شيء يحلم حتى الأشياء والشوارع  والنوافذ ….
في منتصف الليل سحلوه من رجليه وهو يتلفت في عتمات عينيه ولا يعرف أين هم آخذوه..
وبعد أيام كانت جثته في الممر كأنها وطنٌ مهجور لم يسكن فيه أحد سوى دموعنا عليه .. دموعنا التي ذهبت هباءً

_ حين خرجتُ من المعتقل ورأيت ابنتي لأول مرة لم تعرفني  …وحين سألتني من أكون اخترقني سؤالها كرمح …. لم أستطع حتى أن أجيبها من أكون !! كيف يخبر أبُ إبنته أنه والدها كيف …!!
غصصت وانتحبت بكاءً لصورة عبد المجيد التي سيطر ت على ذهني عندما سألني  كيف يمكن أن يرى أولاده بعد أن أقعدوه وأعموه …. !!
 أنا خَجلٌ من عبد المجيد لأني رأيت طفلتي ….. و هو لن يتمكن بعد اليوم من رؤية ملامح أطفاله ….!!
 وخجل لأن نصر اسبر لازال يعيش ككل الأخرين في وطني المحتل ولم يحاكمه أحد ..
وخجل من الظلام الذي كان سجن عبد المجيد  الكبير ولم يطلق سراحه منه الموت  …..
رائحته التي كانت تؤلم الجدران أطيب عندي من طيوب الدينا … وقطع البراز التي كانت قد يَبست على قروحه التي ملأت ظهره وفخذيه كنت أقشرها له بقطعة قماش من قميص معتقل مات بالأمس ...
عبد المجيد كان يحلم أن يعود يوماً لكنه بقي هناك لأجلكم …

 قبل الموت أعطاكم قوته وبصره .. وبعد الموت أعطاكم روحه وحياته …

آه يا وجعي آه يا عبد المجيد … أنا اليوم ـأتمنى لو كنت ضريراً ولا أرى ما يفعله بنا من حسبناهم منا قبل أعداءنا …..
عبد المجيد كان شريك العذاب كان السوري المسحوق الذي تحتاجون لمجهرٍ كي تروه .. عبد المجيد هو أنا وكل السوريين الذين خانهم كل هذا العالم الرخيص … هل تسمعوننا أيها السادة هناك .. !!!

أنتم يا من تفاوضون على بحر من دماءنا وتراث من هتافاتنا و حضارات من مقابرنا … لم يعد لدينا لكم سوى جملة واحدة يا سادتي :
سنطئ عليكم ونثور من جديد …..

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٧
استقالة الحريري تسحب الشرعية السياسية من حزب الله .. وتمهد للمواجهة العسكرية

تتوج استقالة سعد الحريري سلسلة من الإجراءات التي تم اتخاذها طوال شهور طويلة، بغية تأمين عزل تام لحزب الله أحد أبرز أذرع إيران في المنطقة، تمهيداً للإقصاء العسكري الذي يبدو أنه بات قريبا.

العقوبات الاقتصادية المتتالية التي أفضت لحصار شبه تام لتمويل الحزب، تلاه إعلان أمريكي هو الأول من نوعه حول وضع أبرز قياديّي الحزب في قائمة المطلوبين وبمقابل مالي يصل للاثنين 12 مليون دولار، وات الأمر فعلت إسرائيل التي غيرت منحى تعاملها مع الحزب من اغتيال القياديات إلى كشف أوراقهم كما حدث مع "أبو علي" الذي اعتبرته إسرائيل المسؤول عن عمليات الحزب على الحدود.

المقدمات الآنفة كانت تحتاج لنزع الصبغة السياسية للحزب، الذي يسيطر على المفاصل الرئيسية في السلطة اللبنانية بكافة جهاتها الحكومية و البرلمانية و الأمنية و العسكرية، ولعل الإقصاء الحكومي يكون ضربة جيدة بإلغاء وجوده السياسي، وسحب الحجة التي كانت لطالما توضع عند التمهيد لأي ضربة للحزب وعلى أي مستوى.

السعودية التي تقع في راس الحربة في إطار مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، بدت أكثر جدية في دعم أي طرف يساعدها في وقف هذا التمدد وتحجيمه، قبل الوصول الأمر لأراضيها، وبعد الفشل في العراق بات لزام عليها الدخول إلى الساحتين السورية و اللبنانية، فظهر وزير شؤون الخليج ثامر سبهان في الرقة معلنا دعمه للتحالف و قوات سوريا الديمقراطية على أن أمل يكونوا يد ضاربة أو محجّمة لإيران، وسبهان ذاته أعطى للحريري الضوء الأخضر للخروج من الحكومة وهدها.

اللغط الدائر حاليا يتجاوز الحدود السورية، وفيما يبدو سيقتصر دورنا كسوريين على متابعة ما سيجري، ومن جهة الآثار السلبية فهي لن تكون أسوء مما مرّ خلال السنوات السبع، ووفقاً للخارطة فإن إسرائيل لم يكون لها دور على الحدو مع سوريا مع إغلاقها يوم أمس آخر الثغرات في حضر عندما تم منحها الحق في الدفاع عن الدروز، في وجه أي تقدم من أي طرف بما فيه المعارضة السورية.

الحدود اللبنانية الجنوبية ساحة القتال الجديد بين حزب الله و إسرائيل و الحدود الشرقية لسوريا ستكون أقل حدة في مواجهة بين قسد المعززة من التحالف الدولي و تحالف عربي يرأسه السعودية و تقف خلفه أيضاً الإمارات، وفيما بين الجبهتين ستكون ساحة ضبابية يضيق المكان هنا في قرائتها .. و يبقى للحديث بقية

اقرأ المزيد
٤ نوفمبر ٢٠١٧
روسيا تستكمل آخر أوراق "شرعية القرار"..

تناول المحللون والنقاد تلك المؤتمرات المتعلقة بالشأن السوري منذ بداياتها وباختلاف صبغتها، و وضعوها موضع النقد بكافة حيثياتها وأسبابها ونتائجها "الوهمية". وصولًا إلى مؤتمر "سوتشي"، المزمع عقده في 7.11.2017، بدعوة من العدو الروسي.

تحليلات وشروحات مختلفة قبيل مؤتمر "آستانة" ومن قبله مؤتمر "جينيف" تتمحور بنقد المؤتمرات بعينها، دون الحديث عن تلك الشريحة التي تناولتها تلك المؤتمرات في أروقتها.

شريحةٌ خاصة لا شك آنها تعيش حالة من حالات الثورة آو المعارضة، لكن بقوانين ومبادئ وآليات عمل خاصة بها.

يضفون على أنفسهم التميز ويكررون على مسامعنا نفس السيناريو الذي سمعناه قبل الذهاب الى مؤتمر "جنيف"، وإن كانت جنيف أقل خطرا مما تلاها إلا أنها ممر لما بعدها، ليكرروا مرةً اخرى قبيل ذهابهم إلى "آستانة" ذلك الخطاب ومفاده.. (لنذهب ونكون نبض الثورة، نطالب بالمعتقلين، هدفنا إسقاط بشار الآسد، وآخر الكلمات.. إن لم نذهب يذهب غيرنا ويفرط بحقوق الثورة)

تلك الشريحة وبعد أعوام من تحقيق "اللا شيء" من المطالب، يلوحون اليوم لحضور مؤتمر "سوتشي"،" مؤكدين أنهم يرون (نبض الثورة-إطلاق سراح المعتقلين وإسقاط بشار الآسد)، في مؤتمرات لا تعدو أن تكون ثغرة في جسم ثورتنا.

وباعتبارها مؤامرات على الثورة وليست مجرد مؤتمرات. فما زالت فصولها تتوالى لتتسع الثغرة وتصبح رتقاً..

ديدن المحتل في العصر الحديث إضفاء الشرعية لاعتدائه على الآخرين، ابتداءً بالمستعمر الذي احتل بلادنا مطلع عشرينيات القرن الماضي بذريعة "صك الانتداب" الصادر عن عصبة الأمم، وصولا إلى روسيا في تاريخنا هذا.

والتي بات قادتها ومنظريها يتبجحون أن.. ("سلطة شرعية" في دمشق طلبت منا التدخل). وإن كان هذا ليس غريبا في المشهد السوري على نظام الآسد، ولكن ما يدعوا للاستهجان هو إضفاء الشرعية على روسيا من سوريا الثورة، من خلال مؤتمرات منحتهم صفة المراقب والضامن تارةً، ومقرراً تارةً أخرى.

ليس الغريب أن تصادر روسيا قرار نظام "بشار الآسد"، إنما العبء الثقيل منحها هذا الأمر عن الثورة، بمؤتمرات عدة ابتداءً "بأستانة" التي كانت منعطفاً خطيراً في مسار ثورتنا ومآلاتها.

ذهبت تلك الشريحة إلى "أستانة" بحثاً عن مناطق آمنة لا تلبث أن تحقق أدني متطلبات الثورة، فوصلوا إلى مناطق خفض التصعيد المشوهة, والتي تُوجت "باتفاق القاهرة" للتنفيذ، وبدوره تمخض عن (أربع مناطق معزولة غير مستقرة)، تعاني العجز من كل صوب، غير قادرة على الصمود حتى أمام لقمة العيش.

ليس صعباً استيضاح امر هذا الاتفاق، الذي رُسمت معالمه خارج المظلة الأممية، استحصلت روسيا منه مرجعية الثورة كما أرادت، شرعيةً تمنح الروس آفاقاً لتوسيع نفوذها خارج النظام السوري، تُعتبر قيمة مضافة على ما تم تحصيله في "أستانة"، ليأتي الان مؤتمر "سوتشي" بأوراقه المختلطة، خطوةً روسية متقدمة في زيادة أسهم المشروعية. مستهدفةً بذلك إخراج نظام "بشار الأسد" من مأزق سوريا "دولة ممكنة"، الخيار الذي بات يقض مضجع النظام وأعوانه، لتتوسع روسيا اليوم  في خيارات تُملكها القرار في سوريا سياسيا وعسكريا. متبجحون قاداتها في ردهات الأمم المتحدة والاجتماعات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري "بالوصاية الشرعية".

إن الجهد الذي يبذله الروس يصب على بعد أميال من المراحل الأخيرة لجمع الأوراق، وما تريد من مؤتمر "سوتشي" إلا نزع اخر أوراق التوت التي تستر عورتنا، لتصبح روسيا المكلف الوحيد الرسمي بالدولة السورية وإدارتها.

وما ذلك إلا بمباركة شريحة من السوريين تحكمهم مبادئ وقوانين، مطلقين بها العنان للمحتل الروسي قاتلا منكلا بالشعب السوري تحت راية "الشرعية".

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
روحاني يسعى لتثمير الخلاف الأميركي ـ الأوروبي حول إيران!

في الوقت الذي تؤكد التقارير استمرار إشعال إيران للحرب في اليمن، ويقول حسن روحاني الرئيس الإيراني، إن بلاده مستمرة في إنتاج الصواريخ الباليستية، وفي الوقت الذي لم يتقبل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، رافع شعار «هيهات من الذلة»، انتقاد فقراء بيئته الحاضنة، فأصر على إذلالهم وإجبارهم بعد التهديد، بالقول علناً إنهم «فدى حذائه»، في هذا الوقت تبحث أوروبا والاتحاد الأوروبي عن طرق ووسائل للمحافظة على علاقاتها مع إيران في مواجهة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تماشياً مع خطة إيران: عزل ترمب والانخراط في العالم.

لقد كانت القيادة الإيرانية تأمل منذ زمن طويل في شق التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة حول إيران، ومؤخراً اتّحدت الفصائل الإيرانية المتنافسة وراء الحفاظ على الاتفاق النووي، باعتباره جزءاً من الجهود الإيرانية الرامية إلى ضمان أن تكون روسيا والصين وأوروبا بشكل خاص، إلى جانب طهران ومتعاطفين معها، في أي اشتباك محتمل بينها وبين الولايات المتحدة. استخدم روحاني كل وسيلة لتأكيد أن بلاده هي الشريك الأكيد والموثوق لأوروبا مقارنةً مع إدارة ترمب، ولتحقيق هذا، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، يتطلع روحاني إلى أوروبا، لكن مشكلته تكمن في أن أغلب مراكز السلطة في إيران لا تعتقد أن هذا هو الطريق الصحيح، فهؤلاء يرون الانفتاح على أوروبا مغامرة من المرجح أن تخسرها إيران، لأن الأوروبيين سيتبعون حتماً سياسة الولايات المتحدة بشأن إيران، لذلك فإن الذين عارضوا الاتفاق النووي دفعوا لتطوير علاقات أقوى وأكثر استراتيجية مع روسيا. وفي لقاءات خاصة غالباً ما يشير المسؤولون الإيرانيون إلى نظرائهم الأوروبيين، بأنه إذا ما تخلى ترمب عن الاتفاق النووي فلن تقبل إيران التوصل إلى حلول وسط مع الغرب على صعيد المسائل الإقليمية.

أثبت الرئيس الأميركي أنه صعب وعنيد، وفي العديد من القضايا الأمنية العالمية اعتمد الأوروبيون نهجاً مختلفاً جداً عن النهج الأميركي الترمبي، والخلاف الأكبر كان حول إيران. ترمب مصرّ على احتواء عدوانيّ لإيران، بعيد عن المحطات الدبلوماسية التي أنشأها باراك أوباما، الرئيس الأميركي السابق. كما أدان ترمب إيران منذ حملته الانتخابية لأنها «نظام متعصبين» و«دولة مارقة»، وحثّ الدول الأخرى على عزلها.

في تقرير صدر عن «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، حمل عنوان «الصدام القادم: لماذا تعمد إيران إلى شق أوروبا عن الولايات المتحدة»، جاء أن المسار الحالي يزيد من خطر حدوث سباق تسلح نووي، وزيادة في التصعيد العسكري في الملعب الخلفي لأوروبا. ثم إنه من شأن المواجهة المباشرة أو غير المباشرة بين القوات الأميركية والإيرانية أو المدعومة من إيران في الشرق الأوسط أن تزيد من تأجيج الصراعات الإقليمية خصوصاً في العراق وسوريا، والتي كلفت أوروبا غالياً..

من الواضح أن الحكومات الأوروبية استجابت بشكل إيجابي لدعوات روحاني بتحسين العلاقات، وساعدت هذه الاتصالات إيران على مواصلة العمليات التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، خصوصاً أنه لم يتم اختبارها جدياً بأي حلول إقليمية، لكن، يقول المدافعون عن هذه الاتصالات، إنها أدت إلى بعض نتائج إيجابية لإيران والغرب مثل تخفيف الجمود السياسي في لبنان عام 2016، ثم إن أميركا استفادت من العمل مع إيران من خلال الحكومة العراقية، في مكافحة «داعش».

من ناحيتها تشعر إيران بالإحباط بسبب المستوى الضعيف للاستثمار الأوروبي في الاقتصاد الإيراني. يريد روحاني اجتذاب 50 مليار دولار سنوياً من الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز نمو الوظائف. بعض المصارف الأوروبية الصغيرة والمملوكة من الدولة، خصوصاً في النمسا والدنمارك وفرنسا وألمانيا، وفّرت تمويلاً لصفقات واستثمارات في إيران، وقدمت بعض الحكومات مثل الدنمارك وإيطاليا قروضاً ائتمانية لدعم الصادرات إلى إيران، لكن المصارف الأوروبية الكبيرة التي إيران في أشد الحاجة إلى تمويلها لاستثمارات ضخمة وطويلة الأجل ظلت مترددة.

لكن على الرغم من الجهود الأوروبية لإبقاء الأبواب مفتوحة مع إيران والتحرك في الاتجاه المعاكس لإدارة ترمب، هناك ميل في واشنطن لدى الحزبين إلى أن الحكومات الأوروبية عندما تواجه خيار التجارة مع إيران أو عقوبات أميركية ثانوية، فإنها والشركات الأوروبية ستختار الحفاظ على علاقاتها الأميركية. كما أنهم يعتقدون أن اعتماد موقف تصادمي مع طهران، مثل قتل الاتفاق النووي، أو الضغط من أجل تغيير النظام، سيدفع بالأوروبيين إلى قبول شروط أقل تطرفاً مثل إعادة التفاوض على الاتفاق، ومطالبة إيران بتغيير سلوكها في الملفات الإقليمية.

يتساءل التقرير الأوروبي عما ينبغي أن تفعله أوروبا، ويجيب بأنه في ظل ترمب ستكون واشنطن أقل مرونة وتعاوناً في حل المشكلات المصرفية والمالية التي تواجه الشركات الأوروبية حالياً، وتحتاج أوروبا بالتالي إلى السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بتوفير التمويل للشركات الأوروبية التي تقوم باستثمارات مشروعة في إيران. لكن بالنظر إلى الدرجة العالية من التداخل بين المصارف الأوروبية والنظام المالي الأميركي، فإن للشركات الأوروبية الآن أصولاً أكثر تعرضاً للمراقبين والمنظمين الأميركيين الذين يمكنهم أن يجبروها على الاختيار بين السوق الإيرانية والأسواق الأميركية، وسيكون من الصعب جداً على القادة الأوروبيين تهديد ترمب سياسياً عبر الآليات الدولية، التي لم يبدِ تجاهها أي احترام. ولهذا ينصح التقرير أوروبا بأن تضع عدة خطط طوارئ ذكية، ويرى أنه من الضروري أن تزيد الحكومات الأوروبية من تنسيقها مع الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية واليابان.

لكن، من دون الولايات المتحدة من المستبعد أن تقبل إيران جميع الالتزامات الواردة في الاتفاق النووي، أما أوروبا فترى أن بقاء إيران متمسكة بالاتفاق، يحدّ من قدرتها على توسيع برنامجها النووي، وهذا بدوره يقلل من احتمال قيام إسرائيل أو أميركا بضربات عسكرية ضد منشآتها النووية.
يعتقد التقرير أنه في العام المقبل يجب أن تتحقق نتائج ملموسة للجهود الأوروبية التي عليها أن تعمل على حرية الملاحة في الخليج العربي، خصوصاً أن إدارة ترمب قالت بشكل صريح إنه مجال يجب فيه التحقق من الأنشطة الإيرانية المشبوهة.

وحول الصراع اليمني يرى التقرير أن فرنسا والمملكة المتحدة تدعمان بقوة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، لذلك على أوروبا أن تدفع للتوصل إلى حل وسط بالتركيز على وقف إطلاق النار. أما في سوريا فنظراً إلى رفض الإدارة الأميركية التعامل مع إيران، قد يكون من المفيد أن تقوم فرنسا بدور التواصل مع إيران للمضي قدماً في عملية سياسية في سوريا، وعلى الأوروبيين أن يؤكدوا للإيرانيين أنه من دون التقدم على هذه الجبهات، سيكون من الصعب على إدارة ترمب أن تتراجع عن اتخاذ مواقف أكثر تشدداً تجاه الحرس الثوري.

في المستقبل القريب جداً، سوف تضغط واشنطن على الأوروبيين لفرض عقوبات صارمة رداً على برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وهناك دعم أوروبي لهذا النهج شرط ألا تقوض العقوبات الاتفاق النووي.

باختصار، إيران والولايات المتحدة تسيران نحو التصعيد، وفي حالة تأرجح الاتفاق النووي، يعتقد الأوروبيون أن الأمل ضئيل في انفراج دبلوماسي مع إيران حول قضايا خلافية أخرى، وبالتالي فمن المرجح أن يتفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

نجحت إيران في أخذ المنطقة رهينة، ونجحت في اللعب على نقاط الضعف الأوروبية، أوروبا خائفة من أن تنجرّ إلى علاقة مواجهة مع إيران يعمقها استكمال العقوبات، فتصحو وتقوم على تهديد دائم من التصعيد. لم تنجح إيران في رمي الكرة في الملعب الأميركي، ووقعت أوروبا في حب الاستثمار في إيران والتجارة معها، فكافأتها هذه بكرةٍ من نار قد تسقط في الملعب الأوروبي قريباً، لأن القرار بيد ترمب.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
الحرب بين إسرائيل وحزب الله.. بدأت

في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بالحروب المندلعة في سوريا والعراق، فإن حربا شرسة تندلع في الإقليم وقد تجاوزت مرحلة البداية بأشواط كثيرة، غير أن ما يؤجل النقل المباشر لوقائعها ورفعها إلى مستوى الأحداث الخطرة في التقييم الدبلوماسي والعسكري؛ حقيقة أن الحرب تخاض، حتى اللحظة، ضمن نطاقات محددّة، وكونها تجري من طرف واحد في الغالب.

مؤشرات الحرب على لبنان تؤكد انخراط إسرائيل بشكل جدي في تفاصيلها. فطائرات الاستطلاع تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة، ولا تستثني كيلومترا واحدا من المساحة اللبنانية، من جنوبها إلى شمالها ومن شرقها إلى غربها، كما يعمل سلاح البحرية الإسرائيلية على إجراء مسح يومي للمياه الإقليمية اللبنانية، وكذلك زرع إسرائيل لأجهزة التشويش والتنصت قرب الجنوب اللبناني بكثافة، فضلا عن الرصد العادي والمكثف لقرى الجنوب وتعزيز بنك الأهداف الإسرائيلي، والذي يبدو أنه يركز على مناطق شرق البقاع التي يعتقد الإسرائيلون أنها ستكون مواقع إطلاق الصواريخ في الحرب القادمة.

وكانت إسرائيل قد أعلنت، على الملأ، أنها أنجزت البنية التحتية للحرب على حزب الله، وأتمت استعداداتها النهائية قبل أكثر من شهر، عندما أجرت مناورات وصفها المراقبون بأنها الأقوى منذ سنوات. وقد جرى الحديث حينها عن مسعى إسرائيل لمعالجة وترميم نقاط الضعف، وخاصة في سلاحها البري، وتعويض هذا الضعف من خلال جعل الخطط الحربية أكثر رشاقة ومرونة، بما يتكيّف مع التغيرات الحاصلة في قوّة حزب الله، سواء على مستوى تطوير قدراته الصاروخية وزيادة كميتها ومدى استهدافها، أو من خلال الخبرة التي حصل عليها عبر مشاركاته في الحروب الدائرة في سوريا والعراق، وحتى اليمن.

وليس خافيا أن نهاية الحرب السورية، أو على الأقل انخفاض زخمها إلى حد بعيد، دفع إسرائيل إلى تغيير حساباتها بعد أن تغير المشهد؛ نتيجة الانخراط الروسي في الحرب لصالح المنظومة التي تقودها إيران، وبعد أن وجدت إسرائيل نفسها أمام واقع جديد أصبحت إيران فيه دولة حدودية معها من خلال انتشار مليشياتها (العراقية والأفغانية) وحزب الله، قرب الجولان وتشكيلها وضعية خطيرة من شأنها إضعاف الموقف الاستراتيجي الإسرائيلي، وخاصة إذا استقرّت هذه المليشيات في هذه المنطقة وأسّست أنساقا دفاعية وخطوط إمداد مع العمقين السوري والعراقي، مستغلة انشغال القوى الكبرى (روسيا وأمريكا) بالحرب على داعش في الشمال.

تقوم التقديرات الإسرائيلية في شن الحرب بهذا التوقيت على حزب الله؛ انطلاقاً من عدم السماح للترتيبات الإيرانية بالاكتمال في الجبهة المقابلة، وتحوّلها إلى أمر واقع يصعب إزاحته بعد ذلك، واعتقاد إسرائيل أن حزب الله الآن يمّر بمرحلة ضعف مفصلية نتيجة استنزافه في سوريا بشكل كبير، وانتشاره على مساحة واسعة، ما يفقده التركيز في الرد على إسرائيل. ورغم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الحرب، إلا أن التقدير الإسرائيلي يذهب إلى أن تلك المخاطر ستكون أكبر فيما لو انتهت انشغالات حزب الله وإيران في العراق وسوريا، حيث سيكونان أمام مرحلة ترميم قوتهما العسكرية وتحشيد آلاف المقاتلين على الحدود، كما ستعمل الحرب مع إسرائيل على ترميم صورة الحزب وإيران في الشارعين العربي والإسلامي؛ بعد التأثيرات السلبية التي طالتهما نتيجة حروبهما في سوريا والعراق.

يحاول حزب الله، ومن خلفه إيران، التهرّب من المواجهة المباشرة مع إسرائيل، ويعمل بأقصى طاقته على استيعاب استفزازاتها اليومية التي تهدف بشكل واضح وعلني إلى استدراجه للاشتباك معها. ويفعل الحزب ذلك انطلاقا من قناعته بأن الحرب مع إسرائيل لا تشكّل له أولوية؛ ما دامت الأمور غير مستقرة لصالح حلفائه في سوريا والعراق، وأنه (أي الحزب) يعمل مع إيران على صناعة مشهد استراتيجي، ستكون له، في حال اكتماله، تأثيرات بعيدة المدى على الوضع الإقليمي؛ تجعل إسرائيل وغيرها يخضعون للأمر الواقع الذي ستتم صناعته، والذي ستتشكّل عناصره من تموضع عشرات آلاف المقاتلين على خطوط التماس السورية، مدعومين بخطوط إمداد مفتوحة من إيران مباشرة، وعشرات القواعد الثابتة في الأراضي السورية، بالإضافة إلى مصانع إنتاج الذخيرة والأسلحة التي سيجري تشغيلها في سوريا ولبنان، الأمر الذي سيؤدي إلى انقلاب المشهد الاستراتيجي كلية لصالح إيران ووكلائها.

بالإضافة لذلك، ما يشجع إسرائيل على تطوير الحرب، التي بدأت بشنها بالفعل على حزب الله، وتحويلها إلى حرب كاملة الأوصاف، التشجيع الأمريكي، والذي يأتي في سياق استراتيجية ترامب في الحد من نفوذ إيران عبر ما يسمى بتقطيع مناطق نفوذها وتقليم أذرعها، بعد أن أكدت الإدارة الأمريكية أن حزب الله يشكل الذراع الإقليمية الأخطر في كامل المنظومة الإيرانية. كما أن لعبة الموازنة التي تقوم بها روسيا في المنطقة، والتي تهدف إلى إرضاء الجميع وعدم إغضاب أي طرف، تشكل محفزاً لإسرائيل لتطوير الحرب ضد حزب الله، وخاصة أن روسيا تفصل بين تحالفها مع الحزب في سوريا وصراعه مع إسرائيل، باعتبار أن هذا الأمر خاضع لتقدير المصالح الأمنية الإسرائيلية، ويجري خارج إطار المصالح الأمنية الروسية المحصورة في سوريا.

من المبكر السؤال عن الكيفية التي ستنتهي إليها الحرب والزمن الذي ستستغرقه، لكن الحرب بدأت بالفعل، وكونها لا زالت من طرف واحد، فذلك لا ينفي صفة الحرب عنها. ويكفي للتدليل على حقيقة أن قطارات الحرب قد انطلقت على سككها، أن الرأي العام الإسرائيلي والدولي صارا مهيأين بشكل كبير لتقبل فعالياتها، وحتى التعايش معها.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
حرب تلد أخرى في سوريا

استعادة الرقّة من تنظيم "الدولة الإسلامية" دشّنت مرحلة جديدة في الأزمة السورية، قوامها مَن يدير محافظة الرقّة وكيف ولأي هدف. وفيما كان التوافق على إنهاء سيطرة "داعش" وطرده قائما وعلنيا، بين الأطراف الدولية والإقليمية، إلا أنه كان شكليا، بدليل أن التناقضات التي بدأت تظهر من شأنها أن تخلق صراعات لاحقة.

فمن جهة كشفت المراحل الأخيرة من الحرب على التنظيم تغلغل الدول وأجهزتها في صفوفه، وسعيها إلى سحب عملائها قبيل الهجمات الأخيرة، ومن جهة أخرى نشأ سباق بين تلك الدول إلى لملمة فلول التنظيم واستيعابها بغية إعادة تدويرها لاحقا.

في الوقت نفسه يبدو الصراع على دير الزور، المعقل الأخير وحقوله ومنشآته النفطية، أكثر انكشافا في جانبه الدولي، تحديدا بـ"تقاسماته" الأمريكية - الروسية، ذاك أنه كان باستطاعة مقاتلي الميليشيات الإيرانية المقاتلين تحت مسمّى "قوات النظام" خوض المعركة في عموم محافظة دير الزور بغطاء جوّي روسي، غير أن موسكو شاءت تغليب "تفاهماتها" مع واشنطن على معطيات الوضع الميداني، وتركت أكراد "قوات سوريا الديمقراطية" يتقدمون شرقي المحافظة، وتعمل حاليا على استقطابهم واستمالتهم سياسيا بحيث لا يكونون ورقة يحتكرها الأمريكيون.

ما إن أُعلن أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تعتزم تخصيص تمويل عاجل للرقة حتى ردّت روسيا بموقف مستغرب يمزج الترحيب "بأي مساعدة" بالتساؤل "لماذا الرقّة وحدها؟". إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إن بلاده ناشدت الأمريكيين والأوروبيين خلال الأعوام الماضية "إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا، ولم نلقَ منهم أي تجاوب"، وعزا المساعدة العاجلة إلى الرغبة في "إخفاء آثار القصف الوحشي لطيران التحالف الدولي والأمريكي، ودفن آلاف المدنيين تحت الأنقاض في الرقة". لماذا هذا القلق الروسي، خصوصا أن "مناشدات المساعدة" المشار إليها لم يكن لها أثر في الأنباء، ثم إن مصير مدنيي الرقّة بالقصف الأمريكي لا يختلف عن مصير مدنيي حلب بالقصف الروسي، فكلاهما كان مأساويا والقصف في الحالَين كان وحشيا.

الواقع أن موسكو تروّج حاليا لعملية بقيادتها لإعادة الإعمار في سوريا، وتبدي انزعاجا من الشروط الأمريكية والأوروبية، ولذلك تنظر إلى محاولة إنعاش الرقة بارتياب، كونها منطقة خارج سيطرة النظام، أي خارج سيطرتها.

تعاني استراتيجية روسيا السورية مشكلة مزدوجة. فهي من جهة لم تكن تملك تصوّرا لنهاية الصراع المسلح ولا لما بعده، إلا أنها توصّلت بعد عامين من التدخّل المباشر إلى خطط تحاول تطبيقها على الأرض، وتحتاج فيها إلى شركاء (أمريكا والأردن وإسرائيل في الجنوب، تركيا في الشمال، دول الخليج في خلفية المشهد...)، ومن جهة أخرى تريد استخدام هذه الخطط في مساومات لا علاقة لها بالوضع السوري (مقايضات في أوكرانيا وملفات الدفاع في أوروبا...)، لكن الأطراف الغربية تستبعد مساومات كهذه.

ثمة جديد هو أن واشنطن توشك أن تعلن عن استراتيجية تمهّد لعودتها إلى التعاطي مع الأزمة السورية، والمعروف من عناصرها أنها تدعم حكما محليا في مناطق الشمال والجنوب التي لا يسيطر عليها النظام في انتظار بلورة حل سياسي. بل إن أمريكا تسعى إلى "مناطقها" للضغط على روسيا كي تشارك، بشكل أو بآخر، في تحجيم نفوذ إيران وصولا إلى إخراجها من سوريا. وأقلّ ما يعنيه ذلك أن حربا في صدد أن تلد حربا أخرى في سوريا.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
اجتماع واشنطن.. لا كان مؤتمرًا ولا صار “منصّة”!

شكّلت فعاليات (المنتدى الأميركي لسياسة سورية)، في العاصمة الأميركية واشنطن، يومَي 26 و27 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي دعت إليها منظمة “الأميركيين من أجل سورية حرة”، مع عدد من المنظمات الأخرى التي تضم نخبة من الناشطين السوريين – الأميركيين المعارضين للنظام، مبادرةً غير مسبوقة وعلى غاية الأهمية.

ما يجب التنويه إليه هنا أن هذه المبادرة هي الأولى من نوعها على الصعيد العالمي، التي تتوخّى تحويل الاهتمام الدولي في الصراع السوري إلى جذره السياسي، بعد أن استغرق في الجانب الإنساني أو الاجتماعي، لا سيّما على خلفية قضية اللاجئين، هذا أولًا. ثانيًا، لقد حصلت هذه الفعاليات في الولايات المتحدة الأميركية، أي في الدولة الأكثر قدرة على التحكّم بالصراع الدولي والإقليمي الجاري على سورية، لذا فثمة أهمية كبيرة لإقامة أنشطةٍ، يمكنها أن تلفت انتباه الرأي العام وصنّاع القرار فيها، إلى المسألة السورية، للتأثير في السياسة الخارجية المعتمدة في الصراع السوري، وبما يخدم توق السوريين للخلاص من الاستبداد والتدخلات الخارجية، والمضي في عملية التغيير الديمقراطي. ثالثًا، تكتسب هذه الفعاليات أهميتها من كونها تحاول أن تشتغل، على نحوٍ متوازٍ، على مسألتين: أولاهما، محاولة تشكيل جماعة ضغط (لوبي) يكون همّها التواصل المنتظم مع صناع القرار الأميركي (الإدارة، الكونغرس، رجال الإعلام، الشخصيات العامة المؤثرة). وثانيتها، محاولة تنظيم الجالية السورية في الولايات المتحدة، للاشتغال في خدمة القضية السورية، بوصفهم مواطنين أميركيين من أصول سورية.

وحقًا، إن فعاليات المنتدى لاقت نجاحًا لافتًا؛ حيث إنها استطاعت استقطاب عددٍ من النخبة الأميركية، من صناع القرار في الشأن السوري، وقد لفت الانتباه حضورُ نحو 25 عضو كونغرس حفلَ الاستقبال، في مقر الكونغرس، وإلقائهم كلمات أكدت وقوفهم إلى جانب الشعب السوري، وحقه في الحرية والمواطنة والديمقراطية. ومن دلالات نجاح المنتدى، المشاركة السورية الكبيرة في فعالياته، لا سيّما أنها التجربة الأولى، ما تمثل بحضور نحو 150 – 200 شخصية، من أطباء ومهندسين وأكاديميين وإعلاميين. وفضلًا عن هذا وذاك، ثمة المداخلات التي قدمت في فعاليات المنتدى، ولقيت نقاشًا مستفيضًا وحيويًا من الحاضرين.

على أي حال، فإن هذه المبادرة يفترض البناء عليها، وتطويرها، وتعميمها؛ لأن أكثر ما يفتقده السوريون في أحوالهم الصعبة، هو تشتّت قواهم وغياب المنابر التي تعبّر عنهم، كما أن هذا الأمر يعود بالسلب على الثورة التي بات غياب الشعب عن فعالياتها، من أهم عوامل ضعفها، بل إن هذا الأمر جعل فكرة الثورة ذاتها في موضع التساؤل. ومعلوم أن التغييب حصل نتاج عدة عوامل، يكمن أهمها، أولًا، في انتهاج النظام الحلَّ الأمني، بأقصى قدر من العنف، وبأقصى قدر من القتل والتدمير، والحصار والتشريد. وثانيًا، في حصر مواجهة النظام بالعمل المسلح، ما يعني إقصاء الشعب من معادلات الصراع، والاعتماد على مجموعات المقاتلين، وانتهاج العسكرة. وثالثًا، بسبب اضطرار ملايين السوريين إلى ترك بيوتهم ومناطقهم وبلدهم، والتشرد في أصقاع الدنيا.

يمكن القول إن النظام هو الذي يتحّمل المسؤولية الأساسية عن كل ما جرى، لتشويه الثورة أو لإضعاف بُعدها الشعبي، بيد أن ذلك لا يعفي كيانات المعارضة، السياسية أو المسلحة، من مسؤوليتها عن ذلك، أيضًا، نتيجة السياسات الطاردة، أو التسلّطية، التي انتهجتها في المناطق المحرّرة، ونتيجة عدم إيلائها الاهتمام المناسب لأهمية تنظيم مجتمعات السوريين في بلدان اللجوء.

من أجل كل ذلك، فإن مجموعة الشخصيات الأميركية – السورية التي اشتغلت، وسهرت من أجل عقد هذا المنتدى تستحق كل التحية والتقدير على الجهد الذي بذلته، أولًا، باعتبار ذلك خطوة لتنظيم أحوال الجالية السورية. وثانيًا، بالنظر إلى أهمية كل ذلك في تحريك الجالية السورية ضمن المجتمع الأميركي.

ما يجب التأكيد عليه هنا، وسط محاولات التشويش المقصود، أو غير المقصود، أنّ ما كان في واشنطن ليس مؤتمرًا للمعارضة، وإنْ كان ثمة قياديون من المعارضة بين المشاركين، مثل رياض سيف رئيس الائتلاف، ونصر الحريري رئيس الوفد التفاوضي، وجواد أبو حطب رئيس الحكومة المؤقتة، وميشيل كيلو الكاتب السياسي المعروف، والقيادي السابق في الائتلاف، وأيمن الأصفري رجل الأعمال السوري، وآخرون كثر.

في المحصلة؛ إن ما يجب لفت الانتباه إليه، أنه لم يكن ثمة مؤتمر في اجتماع واشنطن المذكور، كما لم يكن ثمة محاولة لإقامة منصّة تفاوض على ما تخيّل أو توهم وأشاع البعض.

اقرأ المزيد
٣ نوفمبر ٢٠١٧
في "سوتشي" تعددت البيانات المعارضة والموقف واحد ..... فإلى متى تشتتكم ..!؟

فشلت جميع مؤسسات المعارضة التي مثلت الحراك الشعبي سياسياً في توحيد موقفها ولو في بيان عن أمر أو حدث ما يكون فيه الموقف واحداً بين الجميع، لم تكن البيانات الرافضة لمؤتمر "سوتشي" في روسيا هي أولى معالم هذا التفرق بل سبقتها عشرات البيانات التي تظهر بشكل جلي وواضح تشرذم المعارضة الخارجية، وتفرقها.

هذا التفرق لأعوام عدة بدءَ من تشكيل المجلس الوطني وانتهاء بالائتلاف وعشرات المنصات التي مثلت المعارضة سياسياً على طول السنوات الماضية كان أحد أبرز أسباب تراجع موقف المعارضة أمام الدول الداعمة لنظام الأسد، والخنجر المسموم الذي طعن خاصرة الثورة السورية وأطال أمدها.

لايخفى أيضاَ التشتت العسكري على الأرض والذي يعتبر صورة للتشتت السياسي خارجياً وعدم وجود ممثل حقيقي موحد للشعب السوري سواء كان داخلياً أو خارجياً، الأمر الذي استغلته روسيا في تعزيز حالة التشتت واللعب على ذات الوتر من خلال خلق منصات سياسية إضافية ادعت تمثيلها للمعارضة والثورة وباتت ترعاها وتديرها لتكون هي الطرف الذي تعتمد عليه على أنه ممثل عن المعارضة.

من المؤكد أن الدول التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري هي من ساهم بشكل فاعل وحقيقي في تشتيت كلمة الثوار والثورة السورية داخلياً وخارجياً، قبل ان تتملص بعض الدول من مسؤولياتها تجاه الشعب السوري وتبدأ باللعب لتحقيق مصالحها وفق مقتضيات المرحلة الحالية من المواجهة دولياً.

طوال كل هذا التشتت كان الشعب السوري هو الضحية، وهو من تحل العبء الأكبر من المعاناة وحيداً، اقتصرت مواقف من يمثله سياسياً وعسكرياً على البيانات ثم البيانات ثم البيانات المستنكرة والشاجبة والرافضة لم تتعدى الحبر الذي كتبت به والورق الذي طبعت عليه، بينما الشعب السوري يدفع كل لحظة تفرقة من دماء أبنائه ومعاناته.

بات اليوم لزاماً علينا أن نعترف بالفشل "الفشل هنا في إيجاد تمثيل حقيقي للثورة السورية" وليس الفشل في ثورتنا، فالثورة ولادة وفيها من النخب الحقيقية التي تمنها من تمثيل نفسها بشكل فاعل وحقيقي عندما يكون هناك وعي وإدراك بخطورة المرحلة التي وصلنا إليها من قبل الجميع، والعمل الجاد والحقيقي على إيجاد جسم موحد عسكري على الأرض دون أي محاولة التفاف وجسم سياسي يمثله ويكون صاحب قوة وموقف تمكنه من الوقوف في وجه المخططات الرامية لتفكيك ثورتنا وتطبيق ماتريده الدول الكبرى على حساب تضحيات شعبنا طوال السنوات الماضية.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
هل بقاء الأسد أمر واقعي؟

خفَت صوت حملات التبشير ببقاء الأسد التي تلطّت خلفها دولٌ عدوة وصديقة وشخصيات وفاعلون سياسيون، والتي بدأت ألحانها من فرنسا بتصريح رئيسها الشاب، بأن “الأسد ليس عدوًا لفرنسا بل عدو الشعب السوري”، وآخر من رتّل أنغامها مبعوث حقوق البشر دي ميستورا، في إحاطته لمجلس الأمن في أيلول/ سبتمبر الفائت، بأن قوات الحكومة ومناطقها تتعرض لقصف بقذائف هاون تحمل بصمات المعارضة، بينما تتعرض إدلب لقصف جوي لم يتسنّ له التأكد من هوية صاحبه، تخللها زهوّ منصة موسكو، بعد إخطار الرياض وفد الهيئة العليا للمفاوضات، بأن الوضع في سورية يتطلب رؤية مختلفة تتماشى والعقيدة الدولية الجديدة، بعد أن قبضت روسيا على الملف السوري، وأصبحت الحلول مرهونة بتصوراتها.

يرتكز أصحاب المواقف السابقة على باكورة “الواقعية السياسية”، بوصفها مقاربة شمولية للعلاقات الدولية، تبجّل الدورَ المركزي للقوة في السياسة، إذ إنّ من تلهج ألسنتهم باختزالية المصطلح، وإطلاق أحكام نهائية بأن الأسد انتصر واقعيًا، وسيطر ميدانيًا على مساحات واسعة ستحسن موقعه على طاولة المفاوضات السياسية، يتناسون أنّ الواقعية التي تنظر إلى الحروب التقليدية بين دولٍ اختل توازن القوى والنفوذ على سكونية العلاقة بينهما، ليكسب أحدهما الحرب ويفرض شروطه على الآخر، لا تنسحب -بطبيعة الحال- على ديناميكية ثورة شعبية، بوصفها رغبة تغييرية عميقة مجتمعية وثقافية، وإن كان أحد أبعادها عسكريًا أصيبَ بخللٍ في موازين القوى والتطورات الميدانية، بمفاعيل دعمٍ خارجي غير متكافئ، كما يغفلون عن جوانب القصور المرتبطة بالقوة وبالطرائق التي يمكن من خلالها أن تخذل نفسها بنفسها، ويعمد أيضًا إلى خلط غير منطقي بين منطقَي الثورة والسياسة، فليست الثورة، كما السياسة، فنًا للممكن، ولا تتعامل دومًا مع الأحداث بعقلانية، ولا حدود لمطالبها، ولا تخضع لتسويات، نخطئ ونخسر كثيرًا؛ إن لم نتلمس الخيوط الدقيقة بين المركبين، على الرغم من أهمية السياسة للثورة، وبخاصة بالنسبة إلى الحدث السوري، وما يحويه من تقاطعات بين ثورة شعب وقضايا سياسية خارجية غريبة، فالسياسة لا تعرّف بأنها مركب متعالٍ على الثورة، يفضي فشلها إلى فشل محتوم للثورة، وإن كانت ممارستها باحترافية تفضي إلى تقصير الطرق وتقليل فاتورة الدم.

ليست مقارنة (أخيل – سلحفاة) بعيدة عن الواقع الداخلي، حيث سارعت سلطة بجلب آلة حرب مشهود لها على مجتمعٍ انسلخت عنه، وتعالت عليه ظنًا منها أن الأمر لن يطول كما في الثمانينيات، ولم تعر اهتمامًا لتغير الظروف؛ فورثت بلدًا منهَكًا مدمّرًا، وفقرًا وبطالة وفوضى، وعوزًا حادًا في موارده وانخفاضًا في إنتاجيته؛ بفعل الأعمال العسكرية وحركات النزوح خارج البلد، واقتصادًا يعتمد على هِبات الحلفاء والمساعدات الإنسانية، ووعيًا متدرجًا في الميدان السياسي لا تُحبّذه السلطة، فلم تعد السياسة حكرًا عليها وعلى أروقتها التقليدية، ولا مقتصرة على أحزابها الهجينة المصطنعة، بل أضحت تُمارس في التجمعات السكانية البسيطة والبدائية بعد قطيعة عقود، ولن ينسى هؤلاء طعم الحرية السياسية، وتجربة أن يكون للبشر رأيٌ في وطنهم لا تُصادره سلطة مستبدة.

ظرف آخر محكوم بمآل الأمور في سورية هو الواقع الخارجي المعقد وانعكاساته على  الداخل السوري بشكل خاص، والإقليم بشكل عام، وتغيير خارطة الاصطفافات باستمرار، والثابت الوحيد الواضح، ضمن هذه اللوحة المعقدة، والذي لا يصبّ بالضرورة في مصلحة السلطة، هو أن سيطرة الأسد وحلفائه على كامل البلاد هي قرار دولي، يبدو غير متوفر نظرًا إلى حجم التعقيدات الميدانية والجغرافية وتشابك أطراف إقليمية ودولية مصالحها متنافرة، على الرغم من أن النظام السوري وحلفاءه أحرزوا تقدمًا في مناطق عدة، واستعادوا أراضي سيطر عليها (داعش) سابقًا، في حملة منسقة ترافقت مع إعادة بعض المهجرين (ريف دمشق الجنوبي)، وإغلاق مراكز إيواء (دمشق)، لعكس صورة أن الاستقرار آيل إلى العودة، وأن النصر قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق، فإن أبرز ما يُدلّل على فشل هذه “الهمرجة”، كما راهن دائمًا النظام على صناعتها وبيعها، هو تعثّر حملته العسكرية التي كلفت (داعش) بضعة أيام، لتضعضع عمل صيف كامل بفضل قواته المنهكة ونقصها عدديًا، بما يحول دون إمكانية الحفاظ على الأرض، علاوة عن خيبة أمل للعائدين إلى مدنهم، فلا بنية تحتية ولا ماء ولا كهرباء ولا أبسط مقومات الحياة.

في الواقع المفترض، ثمة اعتقاد بأن العالم سلّم روسيا قيادةَ الملف السوري وتوزيع الحصص على الدول الإقليمية المنخرطة، وينتظر منها أن تضع الخطوط النهائية للحل السياسي الذي يجلب الاستقرار لسورية والمنطقة، بعد الفراغ الذي خلفته أميركا، لكي يبارك خطواتها، وأن ثمة استدارات تقوم بها دول الشرق الأوسط، منها السعودية وتركيا، بالتوجه نحو العباءة الروسية، منطلقة من أن موسكو وفيّة لحلفائها ولا “تُبازر” عليهم وعلى مصالحهم، كأميركا البراغماتية.

في الواقع، لم تُحرز روسيا تقدمًا استراتيجيًا في سورية، عدا تثبيت الأسد واستخدامها الآلة العسكرية الفظة، وعلى الرغم من كل محاولاتها الالتفافية على قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة وابتداعها مسارات موازية؛ لم يعترف لها العالم بدورها هناك بعد، ولم يُبارك حتى الآن خطواتِ موسكو في أستانا، بما يُفضي إلى ترجمتها كقرارات دولية، وأضحت تلهث وراء فصائل عسكرية هنا وهناك، تعقد معهم نظام “خفض توتر”، لتوحي للعالم -عبر ماكينتها الإعلامية النشطة- بأنها ضامنة سلام وتعمل كطرف حيادي، بل أدار العالم ظهره لمسارها السياسي، وأخذ يبتزها في إعادة الإعمار بحكم قدراتها الاقتصادية المتواضعة، ويبدو أيضًا أنه ليس بعيدًا عن الواقع إدراك موسكو ذاتها، بأنها لن تستطيع فرض حل سياسي من دون شريك “محرز” كأميركا، واتفاقيةُ خفض التوتر في درعا وثباتها خيرُ شاهد أمام هشاشة باقي الاتفاقات، كما تعي قدرة أميركا على إزعاجها والإضرار بصورتها، بدءًا من قصف الشعيرات، ومرورًا بإلهائها في البادية، بينما تتقدم  قوات (قسد) حليفة أميركا شرق الفرات بسرعة كبيرة.

يُشير واقع الحال إلى أن ثمة من يريد لموسكو أن تغوص أكثر في المأزق السوري، ولم يحن بعدُ وقت مساعدتها. وما استدارة تركيا باتجاهها إلا ورقة ضغط ترفعها بوجه الغرب، لتحسين موقعها وأخذ مخاوفها على محمل الجد، علاوة عن تنفيس أي دعم روسي للأكراد في سورية، ولا يخرج التقرب السعودي الأخير من حيّز ضمان صمت موسكو عنها في اليمن، وخاصة بعد تقارير الانتهاكات التي عرضتها الأمم المتحدة.

في الواقع المفترض، لم تعد سورية استراتيجيةً لأميركا، كما قال رئيس هيئة الأركان أمام جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي، فلا مطامع ولا مصالح سوى القضاء على (داعش)، ولكن واقع الأمر أن الطائرات الأميركية سابقت الزمن لتحقيق تقدّم ميداني، يُعكّر على الروس والنظام صفو قطعهما ضفة الفرات الشرقية، وأنشأت على عجل غرفة عمليات عسكرية، ونقلت مؤازرات من الرقة لإكمال التقدم. ومن الناحية الاستراتيجية؛ لا تبدو أميركا في عجلة من أمرها، ولا تقول ما تريد، قبل تحسين مواقعها على الأرض، عبر قواعد عسكرية وتفاهمات مع قوى محلية، لتزيد نفوذها في المنطقة.

طبعًا، إذا استمرت التوافقات الموضعية والمرحلية بين روسيا وأميركا، ولم تترق وتتفلت وتنقل الصراع إلى مستويات أخطر على الحدود السورية – العراقية، وضُبِط إيقاع القوات المتقدمة المتنافسة وقواعد الاشتباك بينها؛ فستكون استحقاقات ما بعد (داعش) و(هيئة تحرير الشام) قريبة، وهي كفيلة لوحدها بأن تُعيد معركة السوريين إلى جوهرها، بعد أن حرفتها ظروفٌ وقوى واهمة، عن هدفِها المتواضع، ومن غير المؤكد أن تفاعلات ما سبق، الداخلية والخارجية، تصبّ في مصلحة بقاء الأسد واقعيًا، لكن المؤكد أن التاريخ لن يعود إلى الوراء، ولن يقوى أحد على مواجهة إرادة التغيير المتدرج والمتقدم، وإن كان المعبر السياسي ما زال متواضعًا.

اقرأ المزيد
٢ نوفمبر ٢٠١٧
هل تصوبّ أمريكا أسلحتها نحو إيران لتضرب مكانًا آخر؟

يبدو لي أننا سوف نشهد تطورات غريبة على الساحة الدولية بدءًا من الأيام المقبلة.

إما أن التوتر سيتصاعد أو سينخفض مع اقتراب نهاية العام، ولن يكون هناك حل وسط!

تتحدث المؤسسات الاستراتيجية وخبراء العلاقات الدولية في الأشهر الأخيرة عن ثلاث قضايا.

الأولى..

أزمة مالية عالمية وموجة إرهاب من أجل التغطية عليها وامتصاص تأثيرتها.

الثانية..

صراع كبير حول الصين ومشروع طريق الحرير..

الثالثة..

مساعي الولايات المتحدة لإشعال حرب ساخنة (بعد تسلم البنتاغون زمام القيادة)

لندع قضيتي الأزمة المالية وطريق الحرير جانبًا، ولنركز على احتمال نشوب الحرب.

إن لم تقع الحرب في المحيط الهادئ، والتحركات هناك تبدو كاستعراض، فإن الأنظار ستتجه بطبيعة الحال نحو إيران.

كما هو معروف، منذ تسلمه مقاليد الحكم ودونالد ترامب يهاجم باستمرار إيران. وبعض المحللين يصرون على أن الطريق الذي بدأ مع أزمة قطر سيصل في النهاية إلى إيران.

والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل تحارب البنتاغون إيران؟

من أجل توضيح المسألة يجب طرح السؤال التالي:

هل ألمحت الولايات المتحدة من قبل أنها على عتبة حرب مع إيران؟

بالطبع، ولعدة مرات..

ومع ذلك فإن البنتاغون لم ولا تحارب إيران.

لكن هل هناك من لا يعلم أن الولايات المتحدة احتلت عراق صدام بعد أن دفعته لمحاربة إيران على مدى 8 سنوات (1980-1988).

والآن إلى الحرب الساخنة...

في أبريل/ نيسان 1980، لم تلجأ البنتاغون إلى عمليات عسكرية بغية التغطية على تركها طائرة ومروحة وجثث جنود لها في صحراء طبس الإيرانية جراء عملية إنقاذ باءت بفشل ذريع. (مازالت المروحية الأمريكية التي تعطلت وتركت في الصحراء تخدم في الجيش الإيراني).

تصوروا أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت ذريعة كافية للولايات المتحدة كي تحتل العراق وأفغانستان البلدين السنيين، لكنها لم تأتِ حتى على ذكر إيران.

لم أكتب ما سبق لأؤكد نظرية مؤامرة عن اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران في الحقيقة.

لكن لا تخطئوا فهمي، ليس لدي تحفظات عليها، فالعالم بأسره أصبح مؤامرة كبيرة.

ما أريده هو التأكيد على ناحية دقيقة..

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية دائمًا إيران مطية من أجل "أمركة" المنطقة (أو جعلها في وضع يناسب المصالح الأمريكية).

والحال اليوم يبدو كذلك..

فهل تصوبّ أميركا أسلحتها نحو إيران لتضرب مكانًا آخر؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو