لماذا تعارض تركيا عملية إدلب؟
تنشط الدبلوماسية التركية في ربع الساعة الأخير، للحيلولة دون انطلاق العملية العسكرية المرتقبة لنظام الأسد ضد إدلب، وفي هذا السياق شدّد وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو على أن بلاده أبلغت الجانب الروسي، بأن الهجمات الأخيرة على محافظة إدلب خاطئة، مشيراً الى أن هدف النظام السوري هو السيطرة عليها بذريعة وجود تنظيمات إرهابية.
ويؤمن الجانب التركي بأن هذا الهدف تم التخطيط له منذ البداية، من خلال دفع المجموعات الإرهابية من جميع المناطق السورية باتجاه إدلب، تمهيداً لعملية عسكرية، يكون هدفها القضاء على المعارضة والسيطرة على المدينة. ولتجنيب إدلب هذا المصير، أجرى الجانب التركي جولات مكوكية من المفاوضات مع المسؤولين الروس، على اعتبار انّ اتفاق خفض التصعيد يحكم العلاقة بين مختلف اللاعبين.
وبالرغم من أن الآمال بإيقاف العملية العسكرية المنتظرة تتضاءل مع مرور الوقت، فإن الجانب التركي لا يزال يأمل في إمكانية إقناع روسيا وإيران في الاجتماع الثلاثي، الذي سينعقد في طهران اليوم، بإيقاف العملية والانتقال الى أنماط أخرى لمعالجة المشكلة.
وفي هذا الصدد، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الهجوم على إدلب، سيتسبب في مجزرة، لكنه أبدى تمسّكاً بتفاؤله حيال أمكانية أن تخرج قمة طهران بنتائج إيجابية، يتم من خلالها تحييد ما سماه «النزعة المتطرفة للحكومة السورية».
من وجهة نظر أنقرة، الجميع متّفق على إخراج التنظيمات الإرهابية وفصل المدنيين عن المقاتلين، لكن البعض يريد استخدام هذا الموضوع سياسيا، والبعض الآخر يبحث عن حل يجنّب المدنيين والمحافظة ويلات العمل العسكري.
وترفض أنقرة العملية العسكرية لعدة أسباب، لعل أهمها العامل الإنساني، حيث من المنتظر أن تؤدي مثل هذه المعركة الى إيقاع عدد كبير من القتلى المدنيين، بالإضافة الى موجات نزوح ولجوء، في وقت تتعرض فيه الحكومة التركية لضغوط داخلية وأوروبية بالحد من تدفق اللاجئين الى البلاد، لا سيما في الوقت الذي تعاني فيه أنقرة من تحديات اقتصادية هي الأكبر على الاطلاق منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام ٢٠٠٢.
واندلاع عملية عسكرية كبرى من شأنه ان يهدد القوات التركية المتواجدة داخل إدلب، التي تنتشر في ١٢ نقطة للمراقبة، وقد تجد هذه القوات نفسها منجرّة الى مواجهة مع النظام السوري والميليشيات المساندة له بشكل مباشر أو غير مباشر. بهذا المعنى، ستفرض مثل هذه العملية مخاطر أمنية عالية على تركيا، وبما ان هدف نظام الأسد هو السيطرة الكاملة على إدلب، فهذا يعني ان القوات التركية ستكون مجبرة على المواجهة أو على المغادرة لتفادي ذلك.
ومغادرة القوات التركية ستعني بالضرورة انتهاء المعارضة السورية هناك، وتراجع النفوذ التركي، كما ان سيطرة الأسد على إدلب ستضع ضغطاً على المناطق التي قامت تركيا بتحريرها شمال سوريا في العامين الماضيين، لاسيما مدينة عفرين، وهو الامر الذي سيضعف من موقف أنقرة السياسي والعسكري في الملف السوري. فحصول عملية عسكرية كبرى رغماً عن معارضة أنقرة سيقوّض من مصداقيتها ودورها كضامن في أعين المعارضة السورية.
انطلاقاً من هذه المعطيات المفترضة، ستضع العملية العسكرية في حينه دور تركيا في الملف السوري، وقدرتها على حماية السوريين في المناطق التي حررتها، موضوع تساؤل: هل ستنجح تركيا عبر سياسة نزع الذرائع في إقناع موسكو بضرورة تجنّب الاعتماد على عملية عسكرية كبرى، واللجوء إلى خيارات أخرى تضمن سلامة المدنيين، وتحافظ على التوازنات في الملف السوري، في وقت ستكون فيه روسيا بحاجة الى دور تركي أكبر في الملف السوري؟
قمّة اليوم الثلاثية ستساعد على الأرجح في معرفة المسار، الذي ستسلكه المدينة ومصير العملية العسكرية.