غارة على مطار المزة
غارة إسرائيلية جديدة على مطار المزة العسكري في دمشق. الغارات هذه صارت بوصلة يمكن المرء أن يعتمدها لتحديد خرائط النفوذ الدولي والإقليمي داخل النظام السوري. موسكو أبعدت طهران عن الحدود السورية الإسرائيلية. هذه خطوة استدلال أخرى. تل أبيب طلبت أن تشمل الخطوة كل سورية. موسكو لم تستجب، ويبدو أن غارة الأمس مؤشر إلى صحة هذه المعلومات. والمشهد وفق هذه المعطيات يكشف عن أغرب حرب يشهدها المرء.
إسرائيل تقصف وطهران تتجاهل أنها مستهدفة. موسكو تتعهد ضبط الحدود لكنها غير معنية بما يجري خارج جنوب سورية. مطار المزة يحترق والنظام يقول إن احتكاكاً كهربائياً تسبب بهذا الحريق الهائل الذي عاينه معظم سكان دمشق. وفي هذا الوقت كان الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله يُعلن النصر من على شاشة كبيرة مثبتة على حائط في بيروت، وكان أنصاره يحتفلون معه، بينما كان خصومه ينشرون صور المطار وهو يحترق.
هذه الحرب يمكن لأي كان أن يدعي أنه منتصر فيها.
إسرائيل منتصرة، فهي تملي شروطها والراعي الروسي يتولى تصريفها. «حزب الله «منتصر أيضاً، فالمهمة المتمثلة بحماية النظام أنجز الجزء الأكبر منها. النظام السوري انتصر أيضاً، فها هو يلتقط أنفاسه بعد سنوات طويلة من الاختناق.
علينا إذاً أن نبحث عن المهزوم في هذه الحرب. فالقول إن السوريين هم من هُزموا صحيح، إلا أننا ابتذلنا هذا القول إلى حدٍ جعلنا نشك فيه. من هم السوريون «المهزومون»؟ الإجابة عن هذا السؤال تبدو لي مستحيلة. هل هم نصف المليون قتيل؟ القتلى لا يُهزمون، كما أنهم طبعاً لا ينتصرون. وهذه حال نصف المليون مختفٍ، وأيضاً حال ملايين اللاجئين من أبناء المدن المدمرة والأرياف المستأصلة.
إذا لم يتمكن المرء من العثور على مهزوم واضح في هذه الحرب، فعليه أن يعيد النظر بهوية المنتصر. والحال أن إسرائيل، وهي أكثرنا واقعية في هذا المشرق، لا تشعر أنها منتصرة، وهي مرتابة بكل ما تم إنجازه، ووضعته موسكو على الطاولة بصفته إنجازاً. غارة الأمس على مطار المزة تكشف أن تل أبيب غير مقتنعة بما أنجزته لها موسكو. وتكشف أيضاً أن طهران لم تستكن لإرادة موسكو في إبعادها عن الحدود. وغارة الأمس تقول الكثير عن هذه الحرب الغامضة والغريبة، وتكشف فصولاً من العلاقات المعقدة التي تربط أطرافها. فهل من شيء أغرب من هذا «الاحتكاك الكهربائي» الذي عاينه أهل دمشق؟ إنه القناع الحقيقي لكل مقولات الصراع الأبدي مع عدو يقصفنا ونحن ننكر على أنفسنا أنه يقصفنا ويُمعن في قصفنا. ثم ماذا عن تفاهم تل أبيب- موسكو، الذي كان من المفترض أنه حقق للأولى شروطها؟ لقد أوقفت إسرائيل قصف المواقع في جنوب سورية. جيش النظام هناك في مأمن، بينما هو نفسه مع حلفائه هدفاً في دمشق!
الأرجح أن الغارة الأخيرة هي مقدمة لفصلٍ جديد من الحرب في سورية. وإذا كانت علامة على قناعة تل أبيب وواشنطن بأن طهران لم تستكن لتعهدات موسكو بضبطها، وهذا هو المرجح، فهذا يعني أن مشهد النيران في مطار المزة سيكون امتداداً لنيران مواجهات في سورية وفي غير سورية قالت واشنطن بالأمس إنها لن تكون بعيدة عنها.