على المعارضة السورية مقاطعة مسار جنيف
تبرّر المعارضة السورية اليوم، أو ما تبقى منها ممثلاً في ما تسمى الهيئة العليا للمفاوضات، المنبثقة عن مؤتمر الرياض 2، مشاركتها فيما تسمى مفاوضات اللجنة الدستورية بأنها تهدف إلى تحقيق أدنى المكاسب، بعد الهزائم العسكرية المتتالية التي منيت بها المعارضة من حلب إلى الغوطة الشرقية إلى القلمون، وأخيراً درعا، وتتحجّج بأن عدم مشاركتها لم يمنع مجموعة أخرى من السوريين المتنطعين، يركبون كل موجة وينتهزون كل فرصة عند كل منعطف وممرّ، من المشاركة، وبالتالي الحجة التي يجري تردادها دوماً أن ذلك هو أفضل الحلول.
ما أقوله هنا هو بالعكس، إن مشاركة المعارضة، ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي ما زال يشكل تغطية للهيئة العليا للمفاوضات، تمثل أسوأ الخيارات وليس أفضلها على الإطلاق، فانطلاق مسار جنيف للمفاوضات كان على أساس بيان جنيف الذي أكد مجلس الأمن الدولي عليه في قراره 2254 الصادر في عام 2015، ونصّ على أن دعمه بيان جنيف، المؤرخ في 30 يونيو/ حزيران 2012، واعتبره أساسا لانتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، من أجل إنهاء النزاع، وحدد هذا القرار لمجلس الأمن العملية السياسية بوصفها على ثلاث مراحل رئيسية، يجب أن تتم في فترة مدتها ستة أشهر حددها كالتالي: حكم ذو مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، انتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحقّ لهم المشاركة، بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
وربط قرار مجلس الأمن بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملا ببيان جنيف، وبضرورة التعجيل بالدفع بكلتا المبادرتين، وأعرب عن تأييده وقف إطلاق النار في جميع سورية، وهو ما التزم الفريق الدولي بدعمه والمساعدة على تنفيذه، على أن يدخل حيز النفاذ بمجرّد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان جنيف، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، على أن يتم ذلك على وجه السرعة.
ليس هذا النص لنشطاء أو معارضين سوريين، إنه قرار أصدره مجلس الأمن الدولي عام 2015، وافقت عليه روسيا والصين ودعمتاه. وعلى الرغم من أنه صادر تحت الفصل السادس، وليس السابع، فإنه يبقى ملزما لكل الأطراف بتنفيذه، وفي مقدمتها روسيا، والأهم هنا مبعوث للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، الذي أثارت تصريحاته بشأن إدلب استهجاناً كبيرا بين السوريين، انعكست في مظاهرات الجمعة في كل أنحاء الشمال السوري حيث يسمح بالتظاهر، وليس في مناطق النظام حيث لا خبز ولا حرية هناك.
وبالتالي، على المعارضة السورية أن تلزم المبعوث الأممي بتنفيذ خطوات القرار الأممي بحذافيره، وليس ما يحلو له منه، فهو لم يفهم من القرار سوى أنه أعطاه صلاحية ما سماه تحقيق "الهدف المتمثل في جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة، باختيار السوريين، الذين سيقرّرون من يمثلهم في المفاوضات ويحدّدون مواقفهم التفاوضية، حتى يتسنّى للعملية السياسية أن تنطلق، وإذ يحيط علما بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة، وبما اتخذ من مبادرات أخرى تحقيقا لهذه الغاية، وإذ يلاحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض، المعقود من 9 إلى 11 ديسمبر/ كانون الأول 2015، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع، وفقا لبيان جنيف و "بياني فيينا"، وإذ يتطلع إلى وضع المبعــوث الخاص للأمين العام إلى سورية اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة تحقيقا لهذه الغاية".
وبالتالي، لم يفوّض قرار مجلس الأمن الهيئة العليا للرياض بالمفاوضة نيابة عن المعارضة، وإنما طالب المبعوث الأممي بوضع اللمسات الأخيرة وباختيار الوفد، وبالتالي هو استغلّ هذه الفقرة للتحجج دوماً بتغيير الوفود كما يشاء، ويشكلها كما يشاء، وخرجت المنصّات يمنة ويسرة من القاهرة إلى موسكو التي هي صنيعة مخابرات دول أجنبية، تريد أن تحصل على نسبتها من الكعكة، أو تريد أن تعرقل جهود دول إقليمية أخرى، لحساب مصالحها الخاصة، وغابت مصالح السوريين تماماً.
يجب الحديث مع دي ميستورا بصراحة أن نص قرار مجلس الأمن ركّز على تشكيل حكم انتقالي، قبل تشكيل لجنة دستورية وليس العكس، ولا يمكن بكل الشرائع الدستورية في كل دول العالم صياغة دستور، قبل أن يتحدّد شكل النظام السياسي الذي سيعبّر عنه هذا الدستور.
وإذا ما أصرّ دي ميستورا على رفضه، وهو ما يبدو واضحاً من ترداده الرغبة الروسية، وتسليمه لها، فلا حاجة للمعارضة أن تلعب دور شاهد الزور في جنيف، أو في أي مكان آخر، ولا ننسى أن الحل يحتاج إلى سوريين، وإذا ما رفضنا، نحن السوريين، أشباه الحلول هذه، فلا يمكن لأحد أن يفرض علينا حلوله.