حاتمي في سوريا: البقاء أو الانسحاب؟
أمير حاتمي هو وزير الدفاع الإيراني، الذي كانت زيارته لدمشق الأسبوع الماضي لافتة للنظر. تحدث عن رغبتهم في «تعزيز ترسانة (سوريا) العسكرية»، ومساعدتها في «تعزيز عتادها العسكري»، كما أوردت الخبر وكالة الطلبة للأنباء، الإيرانية. ولمح بأنه «يحاول تمهيد الطريق للمرحلة المقبلة من التعاون». فما هي هذه المرحلة المقبلة؟ هل تعني انسحاب إيران من سوريا؟
محاولات فك التوأمة بين النظامين السوري والإيراني لم تفلح، رغم القصف الإسرائيلي لقوات إيران في سوريا، الأكبر منذ حرب 1973، ورغم تصريح روسيا بأنها ليست مع بقاء إيران ولن تحميها من غارات قوة الجو الإسرائيلية. والأميركيون يقولون إنهم جربوا إغراء نظام دمشق وفشلوا، وسبق لإعلام إيران في لبنان أن ادعى أن السعودية حاولت وفشلت.
علاقة دمشق بطهران إشكالية للمنطقة، قديمة مستمرة، تعود إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. نشأت في إطار تحالفات الضرورة، البعثي السوري مع الديني الإيراني. وفي أواخر التسعينات انتفت علاقة الضرورة هذه. وقد سعى حافظ الأسد، الأب، إلى تقليص المواجهات - يمهد لما بعد وفاته - تقارب مع نظام صدام المحاصر، وتصالح مع تركيا بعد أن سلم زعيم المعارضة الكردية التركية، وفاوض إسرائيل على السلام ووصل مرحلة اتفاق متقدم معها في جنيف، لولا أن إسرائيل هي من عطل التوقيع بدعوى تدهور صحة الأسد، وخشيتها من مستقبل سوريا بعده.
ومع صعود بشار إلى سدة السلطة عمَّ التفاؤل المنطقة حتى اتضح أن العلاقة مع طهران أصبحت أعمق في السر. وتأكدت بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وكان يفترض أن يمهد انسحابها لانفراجات تشمل انسحاب القوات السورية من لبنان، ومصالحات تتوازى مع مشروع السعودية للسلام الذي قبلت به سوريا، وكل الدول العربية والإسلامية. إنما الذي حدث العكس تماماً، فقد عزز الحليفان، إيران وسوريا، وجودهما في لبنان. ونفذا موجة اغتيالات واسعة، وهيمن النظامان على البلاد تقريباً بالكامل. ولم يعد هناك شك في العلاقة الخاصة بين دمشق وطهران عندما اتضح تعاون الحليفين في تبني المقاومة العراقية، ودعم الجماعات الإرهابية في العراق بما فيها تنظيما «القاعدة» والزرقاوي، (داعش) لاحقاً، وظهر بعدها مصطلح «قيام الهلال الشيعي».
اليوم، تبدو محاولات إخراج إيران من سوريا بمثابة قطع الحبل السري، احتمالات نجاحها ضئيلة. فالعلاقة إسمنتية بين النظامين، وأيضاً نتيجة لتهاوي مؤسسات الأسد الأمنية والعسكرية جراء الحرب الأهلية.
ولا تخرج حسابات المرحلة المقبلة عن ثلاثة مؤثرات، الأول مطلب إدارة ترمب من إيران، بالخروج من سوريا، ضمن شروطها الاثني عشر لوقف حربها الاقتصادية. والثاني، إصرار إسرائيل على خروج قوات إيران وميليشياتها وإلا سيتم تدمير قدراتها. والثالث أن الأميركيين يشترطون لبقاء نظام الأسد أن تخرج إيران وميليشياتها. وقد تراجعت إدارة ترمب عن مغادرة سوريا وقررت الإبقاء على وجودها العسكري والسياسي.
نظرياً، خروج القوات الإيرانية وحزب الله والبقية، تبدو النتيجة المتوقعة، لكن من ذَا الذي سيصدق أن إيران في وارد التعاون والخروج بعد خسائرها البشرية والمالية الهائلة في حرب سوريا؟ خروجها سيعتبر هزيمة مجانية، وسيضعف قدرة حكومة طهران التفاوضية مع إسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى أنه سيتسبب في إنهاء استثمارها في لبنان، أي حزب الله الذي بنته من الصفر وأنفقت عليه مليارات الدولارات. أما بالنسبة للأسد، فإن حلفه مع طهران قديم منذ بدايات حكمه، وعلى مدى عقد ونصف فشلت كل المحاولات القديمة لفكه.