جدول أعمال تركيا حول مدينة إدلب السورية
إدلب هي إحدى المدن السورية النادرة التي لم يتوضّح مصيرها إلى الآن، وكانت ضمن أهداف النظام السوري وروسيا وإيران منذ البداية، لكن تم تأجيل المسألة أو إيجاد حلول بديلة في كل مرة، وكان النظام السوري المدعوم من قبل روسيا والذي وصل إلى مدينة حلب مسبقاً يؤجل مسألة إدلب إلى أجل غير مسمى بسبب انتهاء طاقته عند اقترابه من إدلب.
لاحقاً تدخلّت تركيا في مجرى الأحداث وساهمت في إخلاء حلب من المدنيين، إضافةً إلى تهدئة الأمور من خلال تأسيس نقاط عسكرية في إدلب، لكن كان وجود العامل التركي وتأسيس نقاط عسكرية تركية في إدلب يتسبب بالإزعاج لإيران ونظام الأسد، في حين أن روسيا دعمت الوجود التركي في المنطقة لأنها تشاهد الأمور من منظور السياسة الواقعية، لكن لطالما كان الجانب الروسي يسعى لدفع تركيا إلى مكافحة بعض التنظيمات مثل جبهة النصرة.
من المؤكد أن تركيا تستطيع مواجهة جميع التنظيمات المتطرفة في الساحة السورية، لكن الوقت ليس مناسباً لذلك، إذ كان موقف تركيا تجاه مدينة إدلب منذ بداية الأمر يهدف إلى تطهير المنطقة من المجموعات الراديكالية، ويجدر بالذكر أن تركيا اتّخذت خطوات عديدة في الصدد ذاته، لكن لكي تتمكّن من القيام بذلك كان يتوجّب عليها فتح المجال التقدّم أمام المجموعات المعتدلة، وكانت روسيا تتقبّل هذا الواقع حتى وإن كان الأمر صعباً عليها، لكن حاول نظام الأسد وإيران الضغط على تركيا بسبب موقفهم القاسي تجاه المسألة المذكورة.
بطبيعة الحال لم يكن موقف النظام السوري وإيران هاماً كثيراً، بل كان الموقف الروسي الأمر الأهم في هذه النقطة، ولذلك ما تزال تركيا تجري معظم مباحثاتها ومفاوضاتها مع روسيا ضمن إطار دبلوماسي، وخصوصاً أن روسيا عقب عملية عفرين أصبحت تنتظر من تركيا أن تتّخذ خطوات أسرع من السابق في الساحة السورية.
من جهة أخرى يجب أن لا ننسى أن تل رفعت ما زال تحت سيطرة روسيا إلى الآن، إذ تستغل روسيا هذه المنطقة كورقة رابحة لكونها هامّة في خصوص أمان مدينة حلب وكذلك أهميّتها بالنسبة إلى المفاوضات الروسية-التركية، في حين أن تركيا تهدف إلى تداول مسألة تل رفعت بعد الانتهاء من قضية منبج أولاً، لكن روسيا تستعجل المسألة لأنها تسعى لزيادة امتدادها في الساحة السورية والسيطرة على تل رفعت بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية في هذا الصدد.
في هذا السياق ليس من الصعب أن نتوقّع جريان مفاوضات صارمة جداً حول مسألة تل رفعت، إذ أجرى رئيس منظمة الاستخبارات الوطنية "هاكان فيدان" ووزير الدفاع القومي "خلوصي أكار" اجتماعين خلال أسبوع واحد مع نظرائهم حول هذه المسألة، لا نعلم مضمون الاجتماعات لكن يمكننا توقّع البعض منه، بشير المظهر الخارجي للاجتماعات إلى أن روسيا مصرّة على موقفها، في حين أن تركيا لا ترغب بتنفيذ عملية عسكرية بطرف واحد فقط، عند ذكر مسألة إدلب يذهب الجميع إلى التفكير بقدوم موجة جديدة من اللاجئين السوريين إلى تركيا، لكن أعتقد أن أهمية المسألة لا تقتصر على اللاجئين فقط، إذ يمكن لموجة لجوء واردة من مدينة إدلب التي يقطن فيها مليون ونص مواطن سوري أن تتسبب ببعض المشاكل لتركيا، لكن إن الأزمات الأمنية التي قد يؤدي إليها وفود مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين ستكون أكبر بكثير من المشاكل التي سنواجهها بسبب حجم اللجوء.
عند النظر إلى احتمال دخول المجموعات الراديكالية إلى تركيا أو تنمية شعور عداوة تركيا لدى هذه المجموعات، وسيطرة قوات النظام السوري لوحده على منطقة واسعة بهذا القدر، نرى أنه يتوجّب على تركيا إيجاد حلول بديلة في مثل هذه الظروف، ولذلك يجب على تركيا أن تكون يقظةً إلى أكبر درجة ممكنة نظراً إلى وجود احتمال تنفيذ روسيا لعملية عسكرية في المنطقة، خصوصاً أن الظروف الراهنة مناسبة جداً لعملية عسكرية روسية، لا يمكن لتركيا أن تكتفي بمحاولة منع روسيا من تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، إذ يمكن لتركيا اتخاذ بعض الخطوات الهامّة وأخذ الاحتياطات اللازمة في حال لم تتمكّن من إيقاف العملية بشكل مباشر، وإن لم تتمكّن تركيا من السيطرة على المنطقة لوحدها يمكنها منع سيطرة النظام السوري لوحده على إدلب أيضاً، أي إنه يمكن لتركيا أن تأسس منطقة آمنة في شمال إدلب على الأقل.