"الجيش الوطني" بين أزيز الذباب الإلكتروني وجلد النشطاء
من حقك أن تتبنى رأياً متشدداً أو رأياً هابطاً مهما يكن! لكنك لا تملك الحقيقة كاملة، وليس لك الحكم من منبرك على وسائل التواصل على أولئك الشباب الذين خرجوا إلى ليبيا للقتال، أو وصفهم بالمرتزقة دون الاطلاع على الحيثيات والظروف التي يعيشونها، أو البيئة التي انحدروا منها، فلا تحاول أن تقنع الناس بوجهة نظرك ما دام الالتزام بها من باب الحينية، وما دامت قناعتنا نحن البشر بالمجمل متغيرة وتصنعها الظروف المحيطة بنا.
ابتليت الثورة منذ اندلاعها بقناص ماهر في اصطياد أخطاء الجيش الحر، ولديه سرعة فائقة في جلد الثورة لأي سبب عارض، ومتطوع مجتهد مناوب على تشويه الجيش الوطني، ومشارك ملم ومتابع لصفحات النقاد الذين تقتات على اللايكات المحصلة نتيجة طعن العاملين في صفوف الثورة أو فعالياتها الوطنية أو الثورية، لصالح التنظيمات المتشددة، إنه الجيش الالكتروني الخليجي والذباب الإلكتروني الموازي لإعلام نظام الأسد والمزروع في صميم الثورة.
آلاف الشباب والفتيات كانوا أطفالا مع اندلاع الثورة في مطلع 2011م، بلغوا الرشد والثورة تعاني أمامهم من مخاض عسير، قتال داخلي لكسر عظم الثورة وثنيها وتفتيتها وحرفها عن مسارها، اختلطت بعدها البطولة بالتهور وفقدت الحاضنة الشعبية ثقتها بالخطابات الرنانة، وارتبط الدعم وفق منظور الحاضنة الشعبية بالفساد، وتحول نقل المعاناة إلى تسول وارتزاق، وأصبح الإعلام مطية للصاعدين الجدد ممن لا يملك رؤية واضحة، وغير ملم بتاريخ الثورة، وتتقاذفه الأمواج بين المذاهب الفكرية المؤدلجة والمدارس الجهادية المستوردة والتشكيلات والفعاليات الثورية الهشة.
تعاني الثورة من التشويه الممنهج من قبل الجيوش الالكترونية الخليجية المساندة للنظام السوري، كما يعاني الشباب في المناطق المحررة من التشتت وضياع الحقوق والضغط النفسي وفقدان القدوة والدليل، بسبب ضعف التعليم وعيشة المخيمات العشوائية مع الفقر والبطالة والتهجير، وانتشار مشاهد العنف والاغتصاب والقتل، هذه العوامل تسببت بالتشويه (الخُلقي) للمجتمع زاد عليه التآمر العالمي والتغرير بالسوريين، وخذلان مجلس أمن المصالح المتواطئ مع القوى المسيطرة عليه.
ليس دفاعا عن تلك الفئة المسحوقة نتيجة عوامل وظروف قاهرة، قادرة على التسبب بالانحراف لأولئك الشباب، مع العلم أن الحال في مناطق سيطرة النظام والمليشيات -متعددة الجنسيات- أشد بؤساً وانحطاطاً وتنتشر الجريمة الحكومية المرخصة من قبل النظام، ويتوزع الفساد أضعافاً مضاعفة من الرأس إلى القدم، إلا أن الأجهزة الأمنية قادرة على بسط سيطرتها وضبط وسائل التواصل لصالح النظام المجرم وهي قادرة على البطش بأي جهة تحاول أن تنال من هيبتها، على العكس تماماً مما هو عليه الحال في معقل الثورة ولا يتوفر في مناطق سيطرة المعارضة، كما أنه غاب الجيش الالكتروني الثوري المنظم، واقتصر الأمر على عمل الناشطين الذين تولوا المهمة، لكنهم يجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام جيش الكتروني موازي للنظام ومحسوب ظلماً على الثورة.
يحق انتقاد تصرف أي مجموعة محسوبة على الثورة لإخلالها بصالح الثورة العام، إلا أن جعل تلك الأخطاء شماعة لرجم الثورة وتصوير من يعيش ضمن تنظيماتها بالمرتزقة تعميماً؛ هو عين الجهل وينم عن التبعية العمية لجهات حرصت على محاربة الثورة رغم ادعائها نصرتها، ولا يحتاج الأمر لكثير من البحث والتقصي لاكتشاف خلفية أولئك الأقلام، والذين يتبعون لمحطات ووسائل وشبكات خليجية، أو محسوبين على المذاهب المؤدلجة أو لديهم تارات شخصية مع أفراد ينتمون لتلك الجهات المستهدفة تظهر واضحة في المناكفات والتعليقات على منصات وسائل التواصل مثل تويتر وفيسبوك، تلك المنابر التي تمنح لطابور من الحمقى، أن ينالوا من قيادات مجتمعية والتشهير بهم، وقد كانوا قبل تلك الوسائل محجور عليهم ضمن بيئاتهم العائلية المغلقة، ولا يتسببون بأي ضرر للمجتمع لوجود الرادع، القادر على إسكاتهم فوراً، بينما وفرت شبكات التواصل للبلهاء والحمقى منابراً مجانية يخاطبون بها جماهيراً تائهة تتهافت على التفاهة لملئ الفراغ وتهرب به من واقعها، حيث أصبح لهم الحق بالحديث عن أي قضية دينية أو فكرية مهما كانت شائكة ومعقدة، مثلهم مثل أي عالم ممن يحمل أكبر الشهادات العلمية المتخصصة.
السوريون في نكبتهم العظيمة ليسوا بهذا المستوى الهابط التي تحاول الجيوش الإلكترونية القذرة تصويرهم بها، وليسوا ملائكة منزهين عن الأخطاء، ولو أن الدول المالكة لتلك الجيوش، والدول المتحضرة عانت ما يعانيه المجتمع السوري من القصف والظلم والتهجير والاعتقال والخوف والتفتت والقهر والحرمان والاستغلال لرأينا منها العجائب، ولكشف الغطاء عن الوجه الحقيقي لتلك المجتمعات الموصوفة بالإنسانية.
السوريون بأطيافهم بانوراما معقدة كانت متعايشة بصورة استثنائية، لكنها تعرضت لمحرقة طائفية عظيمة، في كل جزء من تلك اللوحة يتصاعد دخان برائحة البارود، وينتشر الرماد المشبع بالدماء نتيجة الجرائم وحرب الإبادة التي يتعرض لها السوريون عامة والإدلبيون خاصة لرفضهم أي نوع من أنواع المصالحة، ومهم لجأ أو هجر إليهم برعاية دولية، هؤلاء الشباب اليوم أحوج لليد الحانية التي ترعاهم، وتأخذ بيدهم بعيداً عن الحرب الطائفية، أو تنير لهم الطريق، وتزودهم بوسائل المعرفة بدلا من تلك الأقلام الجارحة الحاقدة، والمتناوبة على لسعهم بالاشتراك مع الذباب الالكتروني الساقط والحائم حول جراحها، لأن كسبهم هو الطريق الأقصر لترميم المجتمع السوري المترهل، وكسب عدائهم لن يزيد الأمر إلا سوءا.