
مشهد الإفراج من سجون قسد: لحظات الفرح الممزوجة بالألم
كانت لحظات الإفراج عن الموقوفين من سجون "قسد" محمّلة بالمشاعر الجياشة والمواقف المؤثرة التي لامست قلوب السوريين، لا سيما بعد فترات من الظلم والانتهاكات. فقد وثّقت مقاطع الفيديو المنتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي مشاهد لا تُنسى، حيث العناق الدافئ بين المعتقلين وذويهم، والدموع المنهمرة من فرط الفرح والحنين، في لحظات كأنها تحاول تعويض شهورٍ من الغياب والعذاب.
أحد المشاهد التي هزّت مشاعر المتابعين كانت لشابٍ عاجز عن الكلام بعد أن سمع صوت والدته لأول مرة منذ اعتقاله، لم يتمكن من إتمام حديثه معها من شدة بكائه وتأثره، فقد فُكّ أسره أخيراً بعد شهور من القهر والحرمان.
وفي مشهد آخر، ظهر الشاب ياسين الذي روى قصته أمام الكاميرا، قائلاً إنه قضى أكثر من خمسة أشهر في سجون قسد، بينهم شهران في الحبس الانفرادي. وأوضح أنه اُعتقل بخدعة، إذ ادّعى الخاطفون أنهم من جهاز الأمن العام، وكانوا يرتدون زِيَّه الرسمي، فاستغلوا ثقته بهم ليسلبوه سلاحه ويقتادوه مع مجموعة من الشبان.
ياسين، الذي لم يتمالك نفسه من البكاء عند خروجه، قال إن أصعب ما مر به لم يكن فقط الحبس بل الإذلال النفسي. وفي فيديو آخر، تحدث شاب آخر عن الضرب المتواصل والإهانات الجسدية والمعنوية التي طالتهم، وروى مأساة معتقلٍ آخر فقد القدرة على الكلام نهائياً بعد تعرّضه لضربات متكررة على رأسه.
الناجون أكدوا أن ما حدث لم يكن اعتقالاً قانونياً، بل اختطافاً تم بوسائل خبيثة لا تمتّ للقانون أو الإنسانية بصلة، وكان يكفي أن يُمسك أحدهم برغيف خبز إضافي حتى يتعرض لعقوبة قاسية.
أنباء الإفراج أدخلت الفرحة على قلوب الأهالي، لكنها في الوقت ذاته فجّرت مشاعر الغضب والحزن على من لا يزالون خلف القضبان، وسط مطالبات متصاعدة من النشطاء والحقوقيين بضرورة إطلاق سراح جميع المعتقلين. فشهادات الناجين تؤكد أن أعداد المعتقلين في سجون قسد كبيرة، وأن أوضاعهم مأساوية إلى حد لا يُوصف.
هذا الكابوس، الذي عاشه السوريون خلال سنوات الحرب، يعيد إلى الأذهان ممارسات نظام المجرم بشار الأسد، الذي استخدم الاعتقال وسيلة انتقام ممن خالفوه الرأي، فحوّل السجون إلى أدوات للقمع والإذلال الجماعي. فاختفى عشرات الآلاف ودخلت المأساة إلى بيوت العديد من العوائل، هناك زوجة فقدت زوجها، وأم مرضت من شدة القهر على ابنها، وغيرها من الصور الموجعة.
واليوم، لا يريد السوريون تكرار نفس الجريمة تحت مسميات مختلفة. الاعتقال القسري كان وما زال أحد أكثر أدوات التدمير النفسي والاجتماعي فتكاً، لم يُعذّب الضحايا فقط، بل مزّق أسرهم وأحلامهم. ولهذا، فإن الإفراج عن المعتقلين ليس مجرد لحظة فرح، بل بداية نضال جديد لاسترداد العدالة، ومنع تكرار المأساة، وكشف حقيقة من يستخدمون سطوتهم لقهر الأبرياء باسم الأمن.