مؤتمر "وحدة الصف الكردي": بين الطموحات السياسية والتناقضات الواقعية
 مؤتمر "وحدة الصف الكردي": بين الطموحات السياسية والتناقضات الواقعية
● أخبار سورية ٢٧ أبريل ٢٠٢٥

 مؤتمر "وحدة الصف الكردي": بين الطموحات السياسية والتناقضات الواقعية

اختتمت القوى الكردية في سوريا مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" بالإعلان عن رؤية سياسية مفصلة لمستقبل القضية الكردية ضمن إطار الدولة السورية، وقد حمل البيان الختامي مجموعة من المبادئ والطروحات المهمة، إلا أن المتابعين والنشطاء السياسيين سجلوا عدداً من الملاحظات الجوهرية التي كشفت عن وجود تناقضات بنيوية في الرؤية المعلنة، ما يثير تساؤلات عن مدى قابليتها للتطبيق العملي.

تناقض بين حياد الدولة الديني والاعتراف الديني
أولى الإشكاليات ظهرت في التناقض بين بندين أساسيين: من جهة، يؤكد البيان على ضرورة "حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية"، ومن جهة أخرى، يطالب "بالاعتراف بالديانة الإيزيدية كديانة رسمية في الدولة".

هذا الطرح يثير إشكالية فلسفية وقانونية؛ إذ أن حيادية الدولة تقتضي عدم تبني أو تمييز أي ديانة رسمياً، بل معاملة جميع الأديان بشكل متساوٍ ودون اعتراف رسمي مخصص لأي دين. أما الاعتراف الرسمي بدين معين، فهو يتعارض مع مبدأ الحياد ويخلق امتيازاً لدين دون آخر، حتى لو كان من باب جبر الضرر أو دعم المكون الإيزيدي.

لذلك، يرى المراقبون أن المؤتمر كان يحتاج إلى حسم الموقف: إما الدعوة لدولة علمانية محايدة بالكامل أمام جميع الأديان، أو الإقرار بأن هناك ديانات تحتاج إلى وضع خاص مع ضمان المساواة للجميع.

ازدواجية الطرح بين توحيد المناطق الكردية وإعادة التقسيم الإداري
من جهة أخرى، دعا البيان إلى "توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة"، في حين تحدث في بند آخر عن ضرورة "إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية بما يراعي الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية".

وهنا يُطرح سؤال منطقي: ماذا لو أن المناطق الكردية الموحدة المقترحة لا تتطابق مع معايير الكثافة السكانية أو التوزيع الجغرافي العادل؟ هل سيتم التمسك بالتوحيد القومي أم احترام معايير إدارية وطنية موحدة؟

هذا التناقض يعكس ازدواجية في المنهج: المطالبة بتوحيد قومي خاص، وفي ذات الوقت الدعوة إلى تقسيمات إدارية تراعي التوزيع الوطني العام، ما يجعل تحقيق "هوية وطنية جامعة" أمراً أكثر تعقيداً مع إصرار كل مكون على كيانية إدارية خاصة به.

غموض بين الفيدرالية واللامركزية
من التناقضات الأخرى اللافتة، الدعوة إلى "توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية في إطار سوريا اتحادية"، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن "سوريا دولة لا مركزية تضمن التوزيع العادل للسلطة والثروة".
والفرق بين الفيدرالية واللامركزية جوهري كما هو معروف قانونياً ودستورياً، فالفيدرالية تعني أن الدولة تتكون من أقاليم تتمتع بحكومات محلية ودساتير خاصة ضمن دولة واحدة، كما هو الحال في الولايات المتحدة وألمانيا.

أما اللامركزية الإدارية، فتعني تفويض بعض الصلاحيات للسلطات المحلية مع بقاء الدولة موحدة بدستور وحكومة مركزية واحدة، كما هو الحال في فرنسا، وبالتالي فإن المزج بين هذين المفهومين بدون تحديد واضح قد يفتح الباب أمام إشكالات دستورية لاحقة، لاسيما مع المخاوف التاريخية لدى أطراف وطنية من أن الفيدرالية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السورية.

المفارقة حول حقوق الأطفال والانتهاكات الميدانية
البيان شدد أيضاً على "حماية حقوق الأطفال" وفق الاتفاقيات الدولية، غير أن واقع الممارسات الميدانية يناقض هذه الدعوة. فقد وثقت تقارير حقوقية محلية ودولية استمرار ظاهرة تجنيد الأطفال ضمن معسكرات "الشبيبة الثورية" في مناطق شمال شرقي سوريا، وهي ظاهرة تتناقض جذرياً مع مبادئ حماية حقوق الطفل التي تضمنها الرؤية السياسية المعلنة، وهذا التناقض بين الطرح النظري والممارسة الواقعية يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية الالتزام بهذه المبادئ على الأرض.

ويبدو أنه في زمن التحولات الكبرى، لا يكفي إعلان المبادئ، بل المطلوب تأسيس مشروع وطني متماسك يقوم على الواقعية السياسية والالتزام الصادق بثقافة المواطنة والدولة الجامعة، فين الطموح المشروع بوضع إطار عادل للقضية الكردية، وبين التناقضات العميقة التي شابت مضامين البيان، تبرز الحاجة الملحة لمراجعة شاملة ودقيقة لهذه الرؤية، بما يتجاوز الشعارات الفضفاضة إلى بلورة حلول عملية وقابلة للتطبيق، قادرة على بناء دولة سورية موحدة ديمقراطية تعددية، تحفظ حقوق جميع مكوناتها من دون تمييز أو تهميش.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ