
سقوط الطغيان وعودة المنفيين: بداية جديدة لسوريا بعد عقود من القهر
بعد سقوط المجرم بشار الأسد، وانتهاء حقبة آل الأسد التي احتلت سوريا لأكثر من نصف قرن، اُتيحت الفرصة للكثير من السوريين بأن يعودوا من المنفى إلى الموطن، ومن بينهم محمد خير الشربجي، الذي عاد بعد أربعة عقود من الاغتراب في الأردن.
وقال الشربجي في تصريح لـ "تلفزيون سوريا": "أنا الآن في داريا بعد 44 عاما من التهجير القسري في الأردن، بسبب تصرفات النظام التي أجبرتنا على الخروج داريا، والحقيقة كان سبب الخروج من البلاد هو الملاحقة المستمرة لأي شخص له اتجاه وطني أو ديني اتجاه أي عمل يصب في تحقيق خير للبلاد واستقرار لها".
وأوضح أن الملاحقات صارت تزداد شيئاً فشيئاً حتى اضطرَّ للتخفي في البلاد في بساتينها ومناطقها لفترة من الزمن إلى أن قرر مغادرة البلاد، ليستقر في الأردن ويعيش فيها طوال السنوات الماضية، ثم يرجع إلى داريا بعد التحرير.
وعلق بالقول: "متمسكين في أرضها وشعبها وترابها ولن ننساها مهما حصل، ولله الحمد بعد التحرير شعرنا أن الأرض لنا ولن نتنازل عنها، وبدأت الأمور تسير بشكل أفضل على الرغم من الدمار".
ولم يكن محمد خير الشربجي الوحيد ممن ابتعدوا عن وطنهم لعقود؛ فقد عانت سوريا لسنوات طويلة من سطوة المجرم حافظ الأسد، الذي ارتبط اسمه بفترة من الترويع والتخويف والملاحقات الأمنية المستمرة للأهالي. وقد دفع هذا الواقع القمعي العشرات من أصحاب الفكر السياسي الحر، ممن رفضوا الخضوع له، إلى مغادرة البلاد، إضافة إلى عدد كبير من أصحاب الخبرات والكفاءات العلمية، الذين بات وجودهم في الوطن يشكل خطراً على حياتهم.
ولم تختلف الحال كثيراً في عهد بشار الأسد، الذي ورث الحكم عن والده بعد وفاته، فواصل النهج نفسه في القمع والاستبداد. بل ازدادت عنجهيته بشكل ملحوظ، خاصة بعد أن كسر الشعب حاجز الخوف وخرج بالآلاف إلى الساحات، مطالبين بالحرية والكرامة، ومصرّين على إسقاطه مهما كان الثمن.
وكان الثمن باهظاً جداً؛ إذ لجأ النظام إلى استخدام مختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك المحرّمة دولياً، لقصف المدن والبلدات الثائرة. امتلأت السجون بالمعارضين والثوار، ولم يسلم المدنيون من الاعتقال، بما في ذلك النساء والأطفال. كما تعمّد النظام احتلال وتدمير القرى والمدن المعروفة بموقفها المعارض له. كل ذلك أجبر مئات العائلات وآلاف الشباب على النزوح داخل البلاد، فيما اضطر كثيرون إلى اللجوء خارجها هرباً بحياتهم من آلة القمع والدمار.
وبعد سنوات من النضال والمعاناة، انتصر الشعب أخيراً على حاكمه المستبد، الذي فرّ هارباً إلى روسيا مع وصول قوات المعارضة إلى العاصمة دمشق في 8 كانون الأول/ديسمبر. وهكذا وُضِعَت نهاية لحقبة طويلة من الاغتراب والقهر التي أثقلت كاهل السوريين. وبدأت العائلات تتوافد من جديد إلى قراها ومدنها، من داخل البلاد وخارجها، لتستعيد شيئاً من حياة سُلبت منها لعقود.