
حلّ المجلس الإسلامي السوري يشعل جدلاً واسعاً: مخاوف من احتواء المرجعيات الدينية وتحجيم المجتمع الأهلي
أثار إعلان "المجلس الإسلامي السوري" عن حلّ نفسه، يوم السبت 28 حزيران/يونيو 2025، تلبية لطلب رسمي من الدولة السورية الجديدة، موجة واسعة من ردود الفعل المتباينة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبين من رحّب بالخطوة ومن اعتبرها تهديدًا للتمثيل الأهلي المستقل، بدا أن القرار لم يمرّ بصمت، خاصة أن المجلس يُعد من أبرز الكيانات التي واكبت سنوات الحرب، وكان له حضور ديني ومجتمعي مؤثر.
قرار "صعب ومؤلم"
المتحدث الرسمي باسم المجلس، مطيع البطين، وصف قرار الحلّ بأنه لم يكن سهلاً، بل جاء نتيجة "ضرورات وملابسات لا تُعبر بالضرورة عما نُحب ونفضّل"، وأكد في بيان أن المجلس الذي امتد نشاطه لـ11 عاماً سيبقى، بروح أعضائه من علماء ودعاة ومفكرين، فاعلاً في خدمة الشعب السوري، ولو بطرق مختلفة.
ودعا البطين رئيس الجمهورية، "أحمد الشرع"، إلى توجيه رسالة شكر رسمية للمجلس تقديراً لدوره الكبير خلال الثورة، قائلاً إن "مثل هذه الرسالة تمثل حقاً مستحقاً لمؤسسة وقفت مع شعبها، وستترك أثراً طيباً لدى الآلاف من العلماء والدعاة الذين عملوا تحت مظلة المجلس".
تهميش للدور المستقل؟
من جانبه، اعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان "فضل عبد الغني"، أن غياب المجلس سيترك فراغاً خطيراً، قائلاً إن تراجع المؤسسات الدينية السنية التقليدية – سواء عبر التهميش أو التسييس – يُفسح المجال أمام الحركات الدينية المتشددة.
ولفت إلى أن هذه المؤسسات، بطبيعتها المعتدلة، شكلت على مدى عقود حاجزاً ثقافياً ضد الراديكالية، محذّراً من أن تسييسها أو تفكيكها سيؤدي إلى فقدان شرعيتها أمام الجمهور، وإلى بروز أطراف دينية أكثر تطرفاً وخطاباً عابرًا للحدود.
نحو مركزية الدولة؟
"مطر إسماعيل" رأى في القرار مؤشراً على توجّه الدولة لتفكيك أي كيان تمثيلي مستقل داخل المجتمع السوري، مستشهداً بحالة مجلس مصياف الأهلي، الذي اضطر لحل نفسه تحت ضغوط محلية رغم التنسيق المسبق مع السلطات.
حل مبكر أم ضرورة؟
أما الباحث عبد الرحمن الحاج، فاعتبر الخطوة ضرورية لكنها مبكرة، مؤكداً أن المجلس، حتى بصفته كياناً مدنياً، كان بإمكانه المساهمة في ضبط الخطاب الديني ومواجهة الكراهية والتطرّف.
تساؤلات مشروعة
في مداخلة على فيسبوك، تساءلت "ميساء سعيد"، عن ماهية مساعي الدولة السورية لضبط المرجعية الدينية السنية حصراً تحت سلطتها؟، ولماذا لا يُطرح حل المرجعيات الدينية الأخرى؟، وهل يُمكن للمرجعية السنية أن ترفض طلباً من الدولة إذا خالف المصلحة العامة؟
واعتبرت أن استقلال المرجعيات ضرورة لحماية التعددية الدينية، مشيرة إلى أن الاستهداف المتكرر للمؤسسات السنية يكرّس انعدام التوازن الديني.
المؤسسة الدينية ليست ذراعاً للسلطة
الأستاذ "بسام شحادات"، مدرّب واستشاري، وصف المجلس بأنه "ضمير الأمة"، مؤكداً أن إخضاع المؤسسة الدينية لسلطة الدولة أمر مرفوض، وأن بقاء المجلس كان ضرورياً لتحقيق توازن بين الدين والثورة، وبين الناس والدولة.
فقدان البوصلة؟
واختتم "محمد منير الفقير" بمراجعة نقدية لتجربة المجلس، قائلاً إن فشله في تعريف دوره منذ البداية ساهم في إضعافه، وإن التعاطي مع حلّه على أنه بداية لبناء الدولة هو "تأسيس لاستبداد جديد".
وأكد أن المجتمع المدني لا يُلغى، بل يُكمل المؤسسات الرسمية، محذّراً من خطورة طغيان أحد الأقطاب الثلاثة: الدولة، السوق، أو المجتمع المدني، على حساب الآخرين.
ولعل حلّ المجلس الإسلامي السوري فتح باباً واسعاً للنقاش حول العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، واستقلال المرجعيات الدينية، وهو ما يعكس جدلاً لم ينتهِ بعد في سوريا الجديدة.