اعتقال العشرات بعد ضرب الرجال والنساء.. أمنية "تحـ ـرير الشـ ـام" تقمع تظاهرة بالقوة في إدلب
على بعد أمتار قليلة من "معرض الكتاب" في مدينة إدلب، والذي تستثمره "هيئة تحرير الشام" لتلميع صورتها والتسويق لمؤسساتها، شهدت مدينة إدلب مساء اليوم الثلاثاء 10 أيلول 2024، احتجاجات لمئات المتظاهرين، واجهتهم الهيئة بالقمع عبر الضرب والاعتقال لم تميز بين النساء والرجال، وسط توتر وحالة استنكار كبيرة لما يجري.
وفي الوقت الذي غاب فيه صوت من يطلق عليهم اليوم اسم "المؤثرين" عن نقل مايجري في مدينة إدلب ليس اليوم فحسب بل خلال الأشهر الماضية، في وقت كرسوا جل وقتهم للتغطية اليومية وعلى مدار الساعة لفعاليات "معرض الكتاب" التي باتت حديث الإعلام المحلي خلال الأسبوع الجاري، تجاوزت التغطية حدود المعقول وفق وصف بعض النشطاء والمتابعين.
بالعودة إلى مدينة إدلب، تشهد المدينة بشكل يومي تظاهرات نسائية (يغلب عليها تمثيل حزب التحرير) لنساء من ذوي المعتقلين أمهاتهم أو زوجاتهم، يتوجهن يومياً للتظاهر أمام مبنى "ديوان المظالم" الذي أنشأته "هيئة تحرير الشام" مؤخراً، لا تحظى تلك التظاهرات بأي تغطية إعلامية، بسبب هيمنة "حزب التحرير" عليها وتوجيه إياها، رغم أن مطالب المحتجات هي الإفراج عن أبنائهم المغيبين في سجون "تحرير الشام".
وظهر اليوم الثلاثاء، جرت مشادات كلامية بين النساء المتظاهرات أمام مبنى "ديوان المظالم"، وتعرضت عدد من النسوة لاعتداء من قبل عناصر أمنية، في وقت تحدث نشطاء عن إساءة بعض النساء عبر شعارات قامت بترديدها لبعض المسؤولين في الهيئة أثناء محاولته تهدئتهن والحديث معهن.
أثارت واقعة الاعتداء على النساء حالة استياء شعبية واسعة، وصعد مناصرو "حزب التحرير" وكثير من الفعاليات الشعبية في عدة مناطق من ريف إدلب، ودعوا للتوجه لمدينة إدلب للتظاهر والتعبير عن رفضهم للتعدي على النساء أي كانت الأسباب، في وقت عملت "تحرير الشام" على تعزيز قواتها الأمنية في المدينة لمواجهة الحشود التي وصلت من كل المناطق.
ووفق نشطاء من المدينة، فإن التظاهرة جابت عدة شوارع في المدينة، تردد شعارات مناهضة لـ "هيئة تحرير الشام"، في الوقت الذي تدخلت فيه القوى الأمنية وقوى الشرطة التابعة للهيئة، وقامت بضرب المحتجين بينهم رجال ونساء، كما قامت باعتقال العشرات منهم، وسط حالة توتر كبيرة في المدينة بسبب طريقة التعاطي الأمنية التي ردت فيها الهيئة على المحتجين.
ومع تداول الأخبار عن قمع التظاهرة في مدينة إدلب، خرجت عدة تظاهرات احتجاجية في عدة مناطق بريف إدلب، استنكرت طريقة الاعتداء على المحتجين، في وقت برر عبر نشطاء في الحراك الثوري عن استنكارهم لصمت الكثير من النشطاء والفاعلين تجاه مايجري، في وقت يتم توجيههم لتغطيات تخدم مشروع الهيئة كـ "معرض الكتاب" ويتم التغاضي عن مثل هذه التعديات وانتهاك الحرمات.
وفي الطرف المقابل، يعتبر البعض أن تصدر "حزب التحرير" لموجة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضد "هيئة تحرير الشام" في الأشهر الأخيرة، هي التي قوضت الحراك وشوهت صورته، وسهلت على "الجولاني" تقويضه وقمعه بوسائل عدة منها الطريقة الأمنية والعسكرية، بعد نسب الحراك السلمي لـ "حزب التحرير" الذي جرى استثمار وجوده في شيطنة هذا الحراك.
ورغم توقف الاحتجاجات الشعبية المناهضة للهيئة بعد سلسلة الاعتقالات والتضييق الذي مورس على الفعاليات الشعبية، إلا أن "حزب التحرير" واصل احتجاجاته التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين من منتسبي الحزب بشكل خاص، ويشارك الحزب في التظاهرات التي يغلب عليها الطابع النسائي نساء من ذوي المعتقلين المغيبين في سجون الهيئة منذ سنوات، أملاً في تحقيق مطالبهم والوصول لخبر عن ذويهم.
وسبق أن أعلنت وزارة العدل لدى "حكومة الإنقاذ السورية" المظلة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام"، السبت 29 حزيران/ يونيو 2024، عن إحداث محكمة الجنايات الثانية التابعة لها، في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
ووفق قرار رسمي حمل توقيع وزير العدل في "الإنقاذ" القاضي "شادي محمد الويسي"، فإنّ محكمة الجنايات الثانية، "تختص في جرائم الجنايات ذات الطابع الأمني"، على أنّ يُصدر المجلس الأعلى للقضاء اللائحة التنظيمية لعمل المحكمة.
وأعلنت "هيئة تحرير الشام" يوم الخميس 27 حزيران/ يونيو، عن تشكيل "اللجنة العليا لديوان المظالم"، وتبين أنها مشكلة من شخصيات مقربة منها، وتدين لها بالولاء، ولاتتمتع بأي استقلالية، على رأسها "علي كدة" رئيس حكومة الإنقاذ سابقاً لولايتين متتاليتين.
وحسب بيان رسمي صادر عن جهة مستحدثة تحت مسمى "القيادة العامة - سوريا"، شاركته وزارات حكومة الإنقاذ المظلة المدنية لـ"تحرير الشام"، فإن تشكيل اللجنة استناداً إلى المؤتمر الثوري المنعقد في آذار الماضي، وفق تعبيرها.
ووفق البيان فإن رئيس اللجنة هو "علي كده" رئيس حكومة الإنقاذ سابقا لعدة دورات، وأما الأعضاء الأول "إبراهيم شاشو"، وزير العدل سابقا، ويشغل حديثا رئيس "جهاز التفتيش القضائي" لدى "الإنقاذ"، والثاني "حسين السلامة".
واختتم البيان بقوله إن ديوان المظالم يهدف إلى تعزيز العدالة وحماية حقوق الأفراد في المناطق المحررة، ويعتبر الديوان جهة أساسية لضمان الشفافية والنزاهة في التعاملات بين المؤسسات الحكومية وأهلنا الكرام"، وفق نص البيان.
وسبق أن نشرت شبكة "شام" الإخبارية تقريراً بعنوان (روايات صادمة عن التعذيب في سجون "هيـ ـئة تحـ ـرير الشـ ـام" وهذه أبرز أشكالها)، تطرقت فيها عما كشفته الأحداث الأخيرة المتعلقة باعتقال المئات من كوادر "هيئة تحرير الشام"، بتهم العمالة بينهم قادة بارزون، ومن ثم الإفراج عنهم، لتكشف عن استمرار النهج لدى الذراع الأمني في الهيئة، في تطبيق شتى أنواع الممارسات في تعذيب المعتقلين، حتى عناصر الهيئة أنفسهم لم يسلموا منها.
وتحدث التقرير عن روايات متعددة وصلت لشبكة "شام" عبر عدد من المفرج عنهم من كوادر "هيئة تحرير الشام" في قضية العملاء، أكدوا تعرضهم للتعذيب والإهانة بأصناف شتى، من قبل أمنيين في غالبيتهم مجهولي الهوية، خلال فترة اعتقالهم، كما كشفت المقاطع التي روجت لاستقبال المفرج عنهم من قيادات عدة، عن تعرضهم للضرب والتعذيب، وهذا ما أقره أيضاً "أبو محمد الجولاني" وقال إن هناك أخطاء حصلت في التحقيقات.
ليس الضرب والشبح وحده، والاحتجاز في ظروف غير إنسانية فحسب، بل هناك أصناف عديدة مورست بحق المعتقلين من قيادات الهيئة وعناصرها منهم قادة كبار معروفين، وفق ماقال أحد المفرج عنهم لشبكة "شام"، متحدثاً عن ضرب وتعنيف بالكرباج والشبح والسلاسل، بالتوازي مع إهانات لفظية تطعن في الدين والأعراض، وتهدد بالقتل والتنكيل حتى الموت، أو الاعتراف.
وفي تقرير حقوقي سابق، قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن الهيئة تمكنت من ابتكار أساليب تعذيب مميزة، وسجلت 22 أسلوب تعذيب، وقد يتعرض المحتجز غالباً لأزيد من أسلوب تعذيب واحد، وزعتها الشبكة إلى ثلاثة أصناف رئيسة وهي( 13 من أساليب التعذيب الجسدي - 8 أساليب تعذيب نفسي - أعمال السخرة).
وأشارت الشبكة إلى أن "هيئة تحرير الشام" تستخدم أساليب تعذيب متعددة ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها، مؤكدة أنها تشابهت إلى حدٍّ ما مع أساليب التعذيب التي يمارسها النظام في مراكز احتجازه، وأن هناك تشابهاً حتى ضمن استراتيجية التعذيب التي تهدف إلى إجبار المحتجز على الاعتراف، وتتم محاكمته بالتالي بناءً على اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب.