أربعة عشر عاماً من النضال من أجل حرية وكرامة الشعب السوري: الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في ذكراها الرابعة عشرة تنطلق من دمشق
 أربعة عشر عاماً من النضال من أجل حرية وكرامة الشعب السوري: الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في ذكراها الرابعة عشرة تنطلق من دمشق
● أخبار سورية ٣٠ يونيو ٢٠٢٥

 أربعة عشر عاماً من النضال من أجل حرية وكرامة الشعب السوري: الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في ذكراها الرابعة عشرة تنطلق من دمشق

أعلنت "الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان" عن بدء نشاطها الرسمي من العاصمة دمشق، عقب حصولها على الترخيص القانوني لمزاولة أعمالها الحقوقية داخل سوريا وافتتاح أول مكتب لها على الأراضي السورية، وذلك في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024. 


وتمثل هذه الخطوة التي تصادف الذكرى الرابعة عشرة لتأسيس الشبكة الحقوقية، محطة مفصلية في مسيرة الشَّبكة، وتكريساً لمكانتها كمؤسسة وطنية مستقلة تُعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان ومناصرة الضحايا، في إطار المرحلة الانتقالية وإعادة بناء سوريا الجديدة.

نشأة ومسيرة الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان: صوت للضحايا وأرشيف للعدالة
تأسست الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في حزيران/يونيو 2011، إثر انطلاقة الحراك الشعبي في آذار/مارس من العام نفسه، بهدف توثيق الانتهاكات اليومية المرتكبة بحق المتظاهرين السلميين، وحفظ الذاكرة الوطنية، ومنع طمس الحقيقة. وعلى مدار الأعوام، تطور عمل الشَّبكة من جهود توثيق أولية إلى أداء مؤسسي متكامل، قائم على تطوير منهجيات دقيقة، وإنشاء قواعد بيانات متخصصة، من أبرزها:
• قاعدة بيانات ضحايا القتل خارج نطاق القانون: وثّقت مقتل ما لا يقل عن 234,576 مدنياً، بينهم 30,559 طفلاً و16,526 سيدة.
• قاعدة بيانات المعتقلين والمختفين قسرياً: وثّقت نحو 177 ألف حالة اعتقال وإخفاء قسري.
• قاعدة بيانات ضحايا التعذيب: وثّقت مقتل ما لا يقل عن 45,342 شخصاً، بينهم 225 طفلاً و116 سيدة.
• قاعدة بيانات الهجمات على المراكز الحيوية والأعيان المدنية: تشمل 39 فئة من المنشآت الحيوية والبنى التحتية؛ من أبرز ما وثق فيها: 919 اعتداءً على منشآت طبية، 1477 على أماكن عبادة، و1703 على مدارس.
• قواعد بيانات نوعية خاصة بالمسؤولين المتورطين في الانتهاكات: تتضمن معلومات عن أكثر من 16 ألف مسؤول من الأجهزة الأمنية والعسكرية والمدنية.
• قواعد بيانات متخصصة باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً والعشوائية، منها:
• البراميل المتفجرة: توثيق إلقاء 81,954 برميلاً متفجراً وما نتج عنها من خسائر بشرية ودمار واسع للبنية التحتية.
• الذخائر العنقودية: توثيق 499 هجوماً وما نجم عنها من أضرار بشرية ومادية.
• الأسلحة الحارقة: توثيق 182 هجوماً وما تسببت به من دمار وأذى.
• الأسلحة الكيميائية: توثيق 222 هجوماً وما خلفته من آثار إنسانية ممتدة.

تعتمد هذه القواعد على معايير تحقق صارمة ومتعددة المصادر، ما جعلها مرجعاً معتمداً لدى جهات دولية رفيعة، مثل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM)، ولجنة التحقيق الدولية، وتقارير وزارت الخارجية للعديد من دول العالم، إضافة إلى عدد من المحاكم الأوروبية التي تعتمدها ضمن مسارات التقاضي المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
 
إنتاج التقارير والمشاركة الحقوقية الدولية
أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أكثر من 1469 تقريراً حقوقياً شاملاً، ونحو 520 بياناً عاجلاً، إلى جانب نشر ما يزيد على 19,357 خبراً حقوقياً، وثقت من خلالها يومياً الانتهاكات والأحداث الجارية على الأرض. كما شاركت الشَّبكة بفاعلية في أكثر من 110 فعاليات دولية رفيعة المستوى.

وأسهمت الشبكة في جهود المساءلة الجنائية الدولية من خلال تزويد محاكم أوروبية وأمريكية بأدلة ووثائق حقوقية ضمن ست مسارات قضائية. وقد استُخدمت بيانات الشَّبكة رسمياً في مذكرة الادعاء الكندية-الهولندية المقدمة إلى محكمة العدل الدولية.

وتُعد الشَّبكة عضواً نشطاً في تحالفات حقوقية دولية، مثل التحالف الدولي لمبدأ مسؤولية الحماية (ICRtoP)، وأبرمت 33 مذكرة تفاهم واتفاقية لتبادل البيانات مع هيئات أممية، وحكومات، ومراكز بحث، ومنظمات حقوقية عالمية، مما يعكس تأثيرها الواسع على الساحة الدولية.

تحديات واجهت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في مسيرتها
تُعد مهمة توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من بين المهام الأكثر تعقيداً وخطورة، نظراً للبيئة الأمنية بالغة التوتر، وتشابك أطراف النزاع، وتعدد الجهات المسؤولة عن الانتهاكات. وعلى مدى أربعة عشر عاماً، واجهت الشَّبكة تحديات كبرى تمثلت في:

1. التحديات والتضحيات كجهة حقوقية:
• الخطر الأمني واستهداف الفريق: تعرّض العديد من أعضاء الشَّبكة للملاحقات الأمنية، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري من قبل أطراف النزاع. ولا يزال ثلاثة منهم في عداد المختفين قسراً. كما طالتهم محاولات اغتيال، وقصف مناطق تواجدهم، إضافة إلى مصادرة ممتلكاتهم.
• العمل الميداني داخل سوريا: واصل الفريق عمله التوثيقي رغم ظروف أمنية شديدة الخطورة، من رقابة مشددة وقصف متواصل، مما جعل دقة المعلومات المستخلصة من الداخل ذات أهمية محورية.

• الهجمات الإلكترونية ومحاولات الاختراق: تعرّض موقع الشَّبكة وحساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي لهجمات ممنهجة بهدف تعطيل نشاطها، خصوصاً بعد توثيقها لجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية.

• حملات التشويه والتضليل الإعلامي: واجهت الشَّبكة حملات منظمة لتشويه سمعتها، وصلت إلى قيام نظام الأسد بإنشاء منظمة تحمل نفس الاسم بهدف إرباك الجمهور، إضافة إلى اتهامات وتخوين من جهات عدة، بينها تنظيم داعش ووحدات حماية الشعب الكردية.

1. تحديات فرضها الواقع المعقد:
• خوف الشهود والضحايا: شكّلت خشية الضحايا والشهود من الانتقام عائقاً كبيراً أمام الحصول على شهاداتهم.
• تضارب الروايات وتناقضها: فرض الواقع السوري المعقد تطوير منهجيات صارمة للتحقق من المعلومات.
• القيود على الوصول للمناطق المنكوبة: أعاقت ظروف الحصار والمعارك وصول الفريق إلى العديد من المناطق المتضررة.
• بيئة النزاع المتداخلة: صعّب تعدد أطراف النزاع من إمكانية تحديد المسؤوليات بدقة.
• الإحباط الناتج عن الإفلات من العقاب: أثر استمرار غياب المحاسبة على تجاوب الضحايا وسير عمليات التوثيق.
• الإرهاق النفسي المزمن للفريق: عانى الفريق من ضغط نفسي مستمر نتيجة التعرض المتواصل لشهادات الضحايا وصور الانتهاكات.
رغم هذه التحديات، ظلت الشَّبكة ملتزمة بالمعايير المهنية والأخلاقية، مؤكدة أنَّ حماية الحقيقة وإنصاف الضحايا هو التزام قانوني، وأخلاقي وإنساني.
 
رؤية الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في العمل الحقوقي
1. الرؤية منذ التأسيس:
منذ انطلاقتها في عام 2011، ارتكزت رؤية الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان على دعم مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة، والتصدي لانتهاكات نظام الأسد وسائر أطراف النزاع. وقد بُنيت هذه الرؤية على أهداف واضحة تشمل:
• توثيق الانتهاكات بدقة ومنهجية.
• تحديد المسؤولين عنها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
• حفظ الذاكرة الوطنية وترسيخ سردية الضحايا والناجين.
وقد بذلت الشَّبكة جهوداً قانونية وإعلامية منسقة لإدراج المتورطين في قوائم العقوبات الدولية ومنع إعادة تأهيلهم، بما يسهم في ترسيخ ثقافة المساءلة والمحاسبة على الصعيدين المحلي والدولي. كما تبنت الشَّبكة نهجاً حقوقياً يتمحور حول الضحايا، باعتبارهم أصحاب حق وأصواتاً يجب إيصالها، لا مجرد أرقام إحصائية. ويتجسد هذا النهج في هوية الشَّبكة، حيث يشكّل الناجون وأفراد عائلات الضحايا الغالبية العظمى من فريقها، ممن خاضوا تجربة النزاع بشكل مباشر.

1. الرؤية في المرحلة الانتقالية:
تُعد المرحلة الانتقالية في سوريا منعطفاً محورياً لإعادة بناء النظام السياسي على أسس تضمن التعددية والمشاركة الشعبية الواسعة، وتحمي حقوق جميع مكونات المجتمع السوري.
وبعد أربعة عشر عاماً من العمل الحقوقي المتواصل، طوّرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان رؤية متكاملة للعدالة الانتقالية، تستند إلى مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتستجيب لتطلعات السوريين في تحقيق الإنصاف والمساءلة وإصلاح المؤسسات. وتُعد هذه الركائز أساساً ضرورياً لبناء مستقبل مستدام يقوم على حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتشمل:
• العدالة والمحاسبة: إيمان راسخ بأنَّ المحاسبة شرط جوهري لتحقيق العدالة، واستعداد تام لتقديم قواعد البيانات الشاملة حول المتورطين في الانتهاكات.
• كشف مصير المفقودين: أولوية وطنية لا تقبل التأجيل، مع تعزيز التعاون مع المؤسسة الأممية المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.
• مراقبة أداء السلطات الانتقالية: لضمان تطبيق الالتزامات القانونية التي نص عليها الإعلان الدستوري في معاهدات حقوق الإنسان.
• إصلاح المؤسسات: المساهمة الفعالة في إصلاح مؤسسات الدولة، لاسيما الأمنية والقضائية، وتحويلها إلى أدوات لحماية حقوق الإنسان.
• المساهمة في المسارات السياسية والدستورية: بالدعوة إلى تضمين مبادئ العدالة الانتقالية في الدستور السوري الجديد.
• توثيق الانتهاكات الفردية وتعزيز صوت المواطن: من خلال إبراز كل ضحية كفرد له كيان وحق، لا مجرد رقم في سجل الانتهاكات.

التزام متجدد وشكر مستحق
مع دخول سوريا مرحلة مفصلية بعد سقوط نظام الأسد، تجدد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان التزامها بمواصلة دورها من خلال: الاستمرار في التوثيق الميداني، إصدار التقارير والتحليلات القانونية والحقوقية، دعم برامج التدريب وبناء القدرات، تقديم الدعم المؤسسي، وتعزيز التعاون مع الشركاء المحليين، إلى جانب تكثيف جهود المناصرة على المستويين المحلي والدولي.
وتوجهت الشَّبكة بأسمى عبارات الشكر والتقدير لكل من دعم مسيرتها، وفي مقدمتهم الضحايا وعائلاتهم، والناجون، وشهود العيان، والمتطوعون، والناشطون المحليون، والداعمون، وأعضاء الفريق كافة الذين واجهوا أخطاراً جسيمة هددت حياتهم في كثير من الأحيان. كما تستذكر بكل وفاء زملاءها الأعزاء من أعضاء الفريق والمتطوعين الذين فقدتهم خلال رحلة الدفاع عن الحقيقة، متعهدة بمواصلة الطريق حتى تتحقق المحاسبة، وتغدو سوريا وطناً حراً ديمقراطيا، عادلاً، كريماً لكل أبنائه.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ