
أبناء المدمنون في سوريا: ضحايا صامتون بين الحرب والمعاناة
أدت الحرب في سوريا إلى تفشي ظاهرة الإدمان بين فئة كبيرة في المجتمع، خاصة مع تورط النظام البائد في إنشاء معامل لإنتاج المخدرات وتغاضيه عن تعاطيها بين المواطنين، وعلى الرغم من الحديث المتكرر في الإعلام عن مكافحة المخدرات، إلا أن التأثيرات العميقة لهذه الظاهرة على الأطفال غالباً ما تُهمل، إذ يعيشون في بيئة مدمنة تؤثر سلباً في مختلف جوانب حياتهم.
ويتميّز المدمن بتجاهله لمسؤولياته، وتركيزه الكامل على الحصول على المادة المخدرة، ولو على حساب أسرته، ولا يوجد وضع أكثر بؤساً من أن يكبر الطفل في ظل والدين أحدهما أو كلاهما مدمن. في هذا التقرير، نرصد أبرز الآثار السلبية التي يعاني منها أبناء المدمنين استناداً إلى مشاهدات ميدانية.
مشكلات نفسية
بحسب مختصين نفسيين، فإن الأطفال الذين ينشؤون في بيئات يغلب عليها الإدمان يعانون من أعراض مزمنة كالقلق وانعدام الأمان العاطفي، بسبب السلوك غير المستقر للأهل، ما يعرّضهم لخطر الإصابة باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
وتتفاقم المأساة عندما يتحول الأب إلى مصدر عنف، خاصة إذا عجز عن شراء المخدرات، فيخرج عن وعيه ويمارس الضرب المبرح على أبنائه، ما يعرضهم لإصابات جسدية أو يضطرهم للقيام بأفعال خاطئة كالتسول أو السرقة من أجل تلبية احتياجاته.
الميول نحو الانحراف
على المستوى الاجتماعي والسلوكي، يواجه أطفال المدمنين صعوبات في بناء علاقات صحية مع الآخرين، وقد تنمو لديهم ميول منحرفة نتيجة البيئة غير المستقرة التي يعيشون فيها، وهو ما قد يدفعهم لاحقاً إلى ارتكاب جرائم أو حتى الإدمان بأنفسهم، مما يهدد مستقبلهم بالموت أو الانزلاق نحو المجهول.
إهمال صحي وتعليمي
انشغال الوالد المدمن بالمخدرات يؤدي إلى إهمال صحة أبنائه وتغذيتهم، ما يعرضهم لمخاطر سوء التغذية. كما أن غياب المتابعة الدراسية يؤدي إلى تراجع التحصيل العلمي، وقد يصل الأمر إلى التسرب المدرسي، ما يُهدد مستقبلهم التعليمي.
وللحد من تفاقم الظاهرة، تُعد التوعية المجتمعية خطوة أساسية، عبر رفع وعي الأسر بمخاطر الإدمان وآثاره على الأطفال، وتحطيم وصمة العار المرتبطة به، لتشجيع العائلات على طلب الدعم والمساعدة، وإشراك المجتمع في حماية الأطفال المتأثرين.
دور الحكومة في التدخل
تتطلب معالجة هذه المشكلة تدخل الجهات الحكومية، من خلال إطلاق برامج تأهيل للمدمنين، وربطهم بمراكز دعم متخصصة، وتوفير خدمات استشارية لأسرهم لمساعدتهم على تجاوز آثار الإدمان.
ويشير مختصو الدعم النفسي إلى أن الأطفال بحاجة إلى جلسات علاج منتظمة تساعدهم على تخطي مشاعر الخوف والقلق، إلى جانب إنشاء مجموعات دعم لتبادل التجارب، وتوفير أنشطة ترفيهية وتعليمية تستعيد الطفولة وتحسن الصحة النفسية.
كما أن حماية الطفل من الإهمال والعنف تتطلب خلق بيئة آمنة ضمن الأسرة أو في مراكز رعاية مؤقتة، إلى جانب تدريب الأهالي على التعرف إلى مؤشرات الإهمال والتعامل معها، ما يستدعي تدخلاً من مؤسسات حماية الطفل لضمان الأمان القانوني والاجتماعي.
نداء استغاثة
يلعب الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دوراً محورياً في مواجهة الإدمان، لما لها من قدرة على الوصول إلى شرائح واسعة من الأهالي. ويمكن من خلالها نشر تقارير توعوية عن آثار الإدمان، وعرض قصص واقعية لمن فقدوا حياتهم أو مستقبلهم بسببه، كما تتيح للأطفال إطلاق نداءات استغاثة لطلب الدعم عند تعرّضهم للخطر.
يُعد أطفال المدمنين من أكثر الفئات تضرراً من هذه الظاهرة، وإذا لم تُتخذ خطوات جدية لمعالجة أوضاعهم، فقد يدفعون ثمناً باهظاً من مستقبلهم وربما حياتهم.