الجولاني وأبو ماريا القحطاني
الجولاني وأبو ماريا القحطاني
● أخبار سورية ٧ مارس ٢٠٢٤

"تحـ ـرير الشـ ـام" تُناقض نفسها وتُعلن براءة "أبو ماريا القحـ ـطاني" من تهمة "العمالة"

برأت اللجنة القضائية التي شكلتها "هيئة تحرير الشام"، للبت في "قضية العملاء"، القيادي البارز في الهيئة "أبو ماريا القحطاني"، من تهمة العمالة، وأوصت بالإفراج عنه، في وقت كانت توقعت مصادر عدة نقلت عنها "شام" في تقارير سابقة أن يتم الإفراج عن "القحطاني" في سياق مساعي "الجولاني" للخروج من المستنقع الذي وضع نفسه به ضمن تلك القضية.


وقالت اللجنة في بيان حمل رقم 2: "بعد اطلاع اللجنة على قضية المتهمين بالعمالة، وبعد ثبوت براءة من كان موقوفا في هذه التهمة، ولأن الموقوف : ميسر الجبوري - أبو ماريا القحطاني - تم توقيفه بناءً على شهادات وردت من موقفين على هذه التهمة، ولأن الدليل الذي أوقف لأجله ظهر للجنة بطلانه، ولم تكتف اللجنة بدليل الإيقاف بل اطلعت على أدلة أخرى قدمت من مدعيين وبعد النظر فيها قررت اللجنة براءة المدعى عليه من تهمة العمالة، والإفراج عنه".


وفي الأول من شهر شباط المنصرم، نشرت شبكة "شام" تقريراً بعنوان (ضغوطات على "الجـ ـولاني" للإفراج عن "القحـ ـطاني" وإنهاء مسرحية "العملاء"، ونقلت الشبكة عن مصادر داخل "هيئة تحرير الشام"، بأن هناك ضغوطات كبيرة يتعرض لها قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني"، للإفراج عن كافة المعتقلين بقضية "العملاء" بما فيهم القيادي البارز "أبو ماريا القحطاني"، وإنهاء المسرحية، وفق تعبير المصادر.

وذكرت مصادر "شام" حينها أن شخصيات أمنية وعسكرية تمثل تيارات متضررة في الهيئة جراء قضية العملاء، تطالب "الجولاني" بإنهاء الملف كاملاً والإفراج عن جميع المتهمين بما فيهم "أبو ماريا القحطاني"، لاسيما بعد تحرك التيارات التابعة له ضمن الهيئة، بعد أن تكشف زيف ماروج من ادعاءات حوله من قيادة الهيئة.

وفي تقرير آخر حمل عنوان "الجـ ـولاني" يسقط في فخ "العمالة" ويُحاول لملمة هيبته المنهارة أمام حاضنته" بينت "شام" أن القائد العام لـ "هيئة تحرير الشام"، وقع في مستنقع كبير من خلال خلق ماعرف بـ "قضية العملاء" والتي جاءت لضرب "أبو ماريا القحطاني" ذراعه ورفيق دربه "الجهادي!، وهي ذات الحجة التي أنهى فيها "الجولاني" عشرات الفصائل من مكونات الثورة العسكرية، بحملات بغي منظمة، دون أن يستطيع أن يثبت حتى يومنا الحاضر أي تهمة بأدلة أو عبر قضاء مستقل.

وجاء ذلك مع كشف "الجولاني"، مخطط التمرد على مشروعه والتحضير للانقلاب الذي يخطط له "القحطاني"، سارع لتلفيق تهمة "العمالة" التي اعتاد على تمريرها شعبياً وضمن الفصيل دون اعتراض، وبدأ بتفكيك الامبراطوية التي بناها "أبو ماريا" لتحقيق مخططه عبر اختراق الأجهزة العسكرية والأمنية، من قادة ألوية وكتائب ومواقع حساسة في بنية الهيئة، اضطر "الجولاني" لاعتقالهم جميعاً بحملات أمنية كان الترويج لها أنها "حرب على العملاء".

وقال التقرير إن "الجولاني" لم يدرك أن اعتقال قادة بارزين في الجناح العسكري والأمني أبرزهم (أبو ماريا القحطان - أبو مسلم آفس - أبو أسامة منير - عبد الحميد سحاري "أبوعبدو طعوم" وآخرون .. )، أن لهؤلاء قوة عسكرية أمنية وشعبية وعشائرية حتى ضمن بنية الهيئة، تطالب بهم وبإثبات عمالتهم بالأدلة، وهي مالم يستطع "الجولاني" إثباته رغم طول المهلة التي منحت له، قبل إدراكه أن الأمور ستكون في غير حساباته، وأنه مقبل على صراع داخلي قد يفكك مشروعه ويهدده شعبياً.

ولعل حملة "الشيطنة وتشويه السمعة" التي شنها الإعلام الرديف للهيئة ضد كل من تم اعتقاله، من تخوين وتشويه مسيرة القادة المشهود لهم بين أهلهم وعناصرهم، على غرار الحملات التي مورست ضد كل من حاربه "الجولاني" وبغى عليه، كانت في غير حسابات الأخير، إذ أنها ألبت حاضنتهم ضد الهيئة، وباتت تتصاعد المطالب لتقديم أدلة واضحة على "العمالة" في ظل تخبط كبير عاشته قيادة الهيئة وجهازها الأمني لأشهر.

وبين التقرير أن "الجولاني" قد أدرك أن الأمور باتت تسير باتجاه صراع وتفكك داخلي، إذ لم تكن حاضنة المعتقلين في السجون برقم سهل، فهم موزعون في جميع مفاصل الهيئة، أمنياً وعسكرياً ومدنياً، وبالتالي فإن خروجهم عن قرار قيادتها كان قاب قوسين أو أدنى، مع تهديدات باقتحام السجون وإخراج المعتقلين من القادة بالقوة، أو الإسراع في البت في مصيرهم، دفع "الجولاني" لتدارك الموقف والرضوخ، سعياً لتهدئة النفوس المتصاعدة ضد التيارات التي سيطرت في الهيئة.

ومع مساعي "الجولاني" للملمة القضية، بدأ بسلسلة إفراجات كبيرة لجميع القادة والعناصر الذين اتهمهم بالعمالة وشوه صورتهم إعلامياً وشعبياً، وبدا واضحاً مساعيه لزيارة أبرز هؤلاء القادة فور الإفراج عنهم، وتبرير ماحصل، وظهر في أكثر من موقع حجم الهالة الأمنية التي تحيط به، والإرباك بين مرافقته من أي ردة فعل قد يتعرض لها.

في الطرف الآخر، كان واضحاً حجم الابتهاج المضاد من قبل عناصر وحاضنة القادة المفرج عنهم، وحجم الاستفزاز لقيادة الهيئة، من خلال مواكب السيارات والظهور المسلح وإطلاق النار الذي لم يتوقف، وكأنه رسالة تخط بالرصاص لقيادة الهيئة، بأن الإفراج عن قادتهم لم يكن قرارها بل كان تحت الضغط الذي مورس والتهديد بالعصيان والخروج عن قيادتها.

ظن "الجولاني" أن تهمة "العمالة" التي أنهى بها عشرات المكونات العسكرية، يستطيع تمريرها ضد قادة وتيارات كبيرة ضمن الهيئة كانت شريكة له فيما سبق، وتعي جيداً مخططاته والحجج التي ساقها زوراً وبهتاناً ضد تلك المكونات، ليحاول الإيقاع بها بذات الأسلوب والطريقة، فكان وبالاً عليه وأوقعه في فخ كبير، كاد أن يخلق حالة من الصراع الداخلي والاغتيالات الأمنية، والتي ستكون بداية سقوط مشروعه لامحال.


وسبق أن أعلن "جهاز الأمن العام" التابع لـ"هيئة تحرير الشام" في بيان رسمي، ما أسماه "إحباط مخطط أمني وتعزيز القوة والاستقرار في المناطق المحررة"، معتبراً أن إن إفشال هذا المخطط وكسره سيشكل "إنجازا جديدًا يضاف لإنجازات المشروع الثوري، في المناطق المحررة، وسيكون مال ذلك مجتمعًا آمنًا ومشروعًا متماسكا تتحطم آمال العدو على أسواره وتحت أقدامه".

وقال البيان: "في الأشهر القليلة الماضية، تمكنا مـن إحباط مخطط أمني تقف خلفه جهات معادية، يهدف إلى تجنيد بعض الأفراد والعمل من خلالهم على بث الفتنة وشق الصف وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطقنا المحررة، ومع إعلاننا استكمال التحقيقات واستيفاء أركان القضية وشواهدها، فإننا نطمئن الجميع بأننا شارفنا على إنهاء الأعمال الأمنية المتعلقة بها"، واعتبر بأن "الثورة اليوم هي أقوى من ذي قبل، وقادرة على مواجهة النوازل بصدق وأمانة وشفافية".

البيان - وفق متابعين - سرد رواية الهيئة التي تحاول تسويقها في أنها كانت معرضة لمخطط أمني من جهات خارجية، وأن من جرى اعتقالهم وتحييدهم متورطون بالتعامل لتلك الجهات سواء (التحالف أو روسيا أو أي جهة خارجية أخرى)، لكن حقيقة الأمر الذي تحاول الهيئة تغييبه هو أن المخطط كان "انقلاب على قيادتها" مرجعه لخصومات بنوية في هيكليتها القائمة على المناطقية وتملك النفوذ والسلطة من قبل تيارات متصارعة ضمن الهيئة.

وبنظر الخبراء، فإن اتهام " أبو ماريا القحطاني" بالعمالة لجهة خارجية، كان لصرف الأنظار على الحدث الحقيقي الذي واجهته الهيئة خلال الأشهر الماضية، والذي تمثل في كشف مخطط لـ "الانقلاب" على قيادتها "أبو محمد الجولاني" من قبل تيار يقوده "أبو ماريا القحطاني" وبمساندة "أبو أحمد زكور"، أحد أبرز قيادات وأذرع الهيئة سابقاً، بعد هيمنة تيارات أخرى على القرار، تبين أن "القحطاني" اخترقها جميعاً بشبكة من التابعين، اعتقلوا جميعاً على أنهم "عملاء".

وحمل البيان الصادر عن "جهاز الأمن العام" إشكاليات عدة، إذ أنه واصل تسويق "قضية العملاء" والتباهي بتفكيكها، والادعاء بأن الهيئة تمثل الثورة برمتها وأن إفشال انقلاب ضمن بينة الهيئة التي باتت تحت سيطرة "تيار بنش" حالياً يعتبر انجازاً للثورة، وأي انجاز بعد سنوات من التهجير والقتل وخسارة المناطق والبؤس الذي يعانيه الملايين في المنطقة وفق تعبير بعض المتابعين.

وكانت أصدرت "هيئة تحرير الشام"، يوم الخميس 17/ آب/ 2023، بياناً أكدت فيه استدعاء واستجواب القيادي المذكور وتجميد مهامه، ما أثار جملة من التساؤلات عن هدف الهيئة من وراء هذا الإعلان، في وقت لم يسبق أن كشفت الهيئة عما يدور في أروقة القيادة العليا، لاسيما أن الأجراء هذا جاء بعد كشف خلية كبيرة للتحالف ضمن الهيئة، أدت لاعتقال رؤوس كبيرة في الهيئة، مع ترجيحات بتورط "القحطاني" حينها.

وجاء في بيان الهيئة أن بعض وسائل الإعلام "تناقلت أخبارًا مضخمة" حول القيادي "أبو مارية القحطاني"، متحدثة عن ورد اسم "أبو مارية القحطاني" في بعض التحقيقات التي أجريت مؤخرا، وأن القيادة العامة وجهت لتشكيل لجنة خاصة لمتابعة القضية، وبادرت اللجنة باستدعائه ومساءلته بكل شفافية ووضوح".

و"أبو ماريا القحطاني" هو  "ميسر علي موسى عبد الله الجبوري"، هو إسلامي متشدد من العراق، من مؤسسي "جبهة النصرة" إلى جانب "أبو محمد الجولاني" بعد قدومهما من العراق إلى سوريا، وهو من مواليد مدينة الموصل بمحافظة نينوى العراقية، حيث كان من قيادات تنظيم داعش في العراق وشغل منصب رئيس الشرطة الدينية.

هذا ويحظى "القحطاني" بوجه إعلامي بارز إذ تلقى تغريداته وكلماته المكتوبة اهتماماً ملحوظاً وسط أنصار وعناصر "هيئة تحرير الشام"، الذي يعد من قادتها كما شغل منصب قائد مجلس الشورى في تنظيم "جبهة النصرة"، سابقاً، وتنقل بين دير الزور ودرعا لينتهي المطاف في إدلب شمال غرب البلاد.

و"أبو ماريا القحطاني" أحد الشخصيات العسكرية والأمنية النافذة في "هيئة تحرير الشام" ومقرب من أميرها "أبو محمد الجولاني" وعدة شخصيات أخرى منها "مظهر الويس"، ولعب دوراً بارزاً في قيادة قطاع البادية، قبل انتقاله للجناح الأمني وتسلم ملفات السجون ويعتبر اليد الطولى للجولاني في كثير من المهام.

 وظهر جلياً حجم الانقلاب الذي تعاطى به إعلام الهيئة الرديف كعادته، في الشيطنة بداية ثم في تجميل صورة مايجري حالياً من إفراجات والترويج لعدالة القضاء وحكمة القائد، إلا أن الهيئة فيما يبدو تسير لمرحلة جديدة لن تكون قبل "فخ العمالة"، لاسميا بعد تعزيز سطوة "الجولاني" ومركزية القرار، وإنهاء كل التيارات التي توقع أن تخرج ضده، فاعتقل قادتها كعملاء ثم أفرج عنهم وحولهم لأبطال كانوا فداء لصالح المشروع، ولربما يفرج عن "القحطاني" ذاته العميل الأكبر كما روج، لكن  بعد تفكيك أذرع وتقويض امبراطوريته التي بناها لسنوات طويلة.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ