"الجـ ـولاني" من قائد عسكري لـ "عامل إنساني" .. تسويق لمكرمات القائد وإمعان في خنق المحرر
في الوقت الذي تواصل فيه "هيئة تحرير الشام"، حصار ملايين المدنيين في إدلب بالمعابر التي تقطع أوصال المحرر، وتسلط مؤسسات حكومتها "الإنقاذ" على المنظمات الإنسانية وتضيق عليها، تحاول في كل مرة إظهار الوجه الآخر لهذه الكيانات، عبر استثمار الأزمات التي لها يد في افتعالها، من خلال عملية تسويق واضحة لـ "القائد" الذي تجاوز حدود العسكرة، وبات عاملاً إنسانياً.
مكرمات على حساب المنظمات
وأعلنت معرفات تابعة لـ "هيئة تحرير الشام وحكومتها الإنقاذ"، إطلاق حملة بعنوان "دفء الشتاء في الشمال المحرر"، تستهدف الحملة المخيمات الغير مكفولة من قبل المنظمات وفق إعلانها، وكذلك تستهدف العوائل الأشد فقرا المقيمين في أماكن خطوط التماس بما يقارب ١٥ ألف عائلة، بإشراف "وزارة التنمية التابعة لحكومة الإنقاذ والهيئة العامة للزكاة.
وتقتات مؤسسات "الإنقاذ" على المشاريع التي تنفذها المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب، سواء الحملات الرامية لتقديم مواد التدفئة أو سلل الإغاثة، أو بناء القرى السكنية، لتقوم مؤسسات الهيئة بتبني الإشراف على تلك الحملات وأحياناً تبنيها بشكل كامل، علاوة عن السلل التي يتم مصادرتها من المنظمات بنسب مفروضة على كل منظمة، كذلك للهيئة حصة الأسد من المساعدات التي تدخل عبر خطوط التماس وتشرف هي على تأمين حمايتها.
وتأتي الحملة المذكورة، في وقت في الوقت الذي تعمل فيه "هيئة تحرير الشام" على ممارسة المزيد من التضييق على المنطقة عبر معابر مصطنعة تقطع أوصال المحرر، وباب ما يعرف باسم "معبر الغزاوية" الفاصل بين ريف عفرين ومناطق ريف حلب الغربي، من أكثر المعابر فرضاً للأتاوات، ومصدر دخل كبير لخزينة "هيئة تحرير الشام"، من خلال فرض الأتاوات على قوت المدنيين في المنطقة واحتياجاتهم، حتى بات سلاحاً بيد الهيئة لخنق إدلب وممارسة تسلطها على التجار وعوام المدنيين.
استثمار المعاناة وزيادة التضييق
ولاقت الحملة حالة استنكار وسخرية كبيرة من نشطاء الحراك الثوري، لما تحمله من تناقضات واسعة بين تصرفات الهيئة على الأرض بحق المدنيين والتضييق عليهم بوسائل شتى، وبما يتم الترويج له واستثمار معاناتهم وآلامهم، ورصدت "شام" تعلق للقيادي في الجيش الوطني السوري "الفاروق أبو بكر" قال فيه "يسرق أموالهم ويفرض عليهم المكوس والضرائب".
وأضاف الفاروق في منشور على صفحته الشخصية: "يقسم محررهم لمنطقتين ويقطعها بمعبر يمنع فيه الملوخية والفليفلة ويفتش على دابوهات السيارات ويثقب بيدونات المازوت للأطفال الذين يحاولون تأمين لقمة عيشهم، ويقتل امرأة ويعتدي على غيرها بسبب تجارتهم بالمازوت بين الدولتين، ويمنع وصول المحروقات من الشمال لإدلب، وبعدها وبكل وقاحة يقيم حملة دفء الشتاء ويتصدر المجلس، إنه السيد الرئيس أبو محمد الجولاني".
وخلال الشهر الفائت، برزت أزمة محروقات خانقة في إدلب، وارتفعت أسعار المحروقات محافظة إدلب وريفها شمال غربي سوريا، بنسبة كبيرة وذلك وسط انتشار الطوابير وحالات الازدحام الشديد على محطات الوقود في عموم مناطق إدلب، في ظل غلاء أسعار المحروقات وندرة وجودها لا سيّما مادتي البنزين والغاز المنزلي.
وكشفت تلك الأزمة الستار عن حجم الأتاوات التي تفرضها الهيئة على دخول المحروقات القادمة من مناطق "قسد" إلى ريف حلب لتكريرها، ومن ثم إلى إدلب، حيث تفرض "هيئة تحرير الشام" مبلغ 30 دولار على كل برميل يدخل من المعبر، ثم تقوم ببيع المحروقات عن طريق احتكار إدخال المحروقات لمنطقة إدلب عبر شركة واحدة تدعي أنها مستقلة.
ويحمل "أبو محمد الجولاني" قائد "هيئة تحرير الشام"، تاريخاً مثقلاً بالانتهاكات و"البغي" على الثورة السورية ومكوناتها، ويحاول تقديم نفسه على أنه حامل لواء الثورة والحريص عليها، متبنياً خطاباً مغايراً تماماً لما بدأ فيه مسيرته "الجهادية"، منقلباً على كل مبادئه ومعتبراً مشروعه هو "مشروع الثورة الوحيد" الذي يجب أن يفرضه على الجميع بقوة السلاح.
الجولاني من العمل العسكري إلى الانساني
وسبق أن أطلقت جهات رسمية تابعة لحكومة الإنقاذ الذراع المدنية لـ "هيئة تحرير الشام"، هاشتاغ "قيادة المحرر تدعم التعليم"، حيث ظهر قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني"، وسط الإعلان عن دعم قطاع التعليم بكفالة شهرية، مكررا مسرحية دعم مادة الخبز، حيث أكد ناشطون بأن الحكومة يقتصر على تصدير نفسها والترويج الإعلامي فحسب.
ونقل عن "الجولاني" الذي حضر الاجتماع مع أعضاء مجلس الشورى العام في الجلسة الدورية العاشرة، أن "العملية التعليمية هي أساس أي نهضة للمجتمعات التي تمر بحروب وأزمات ، عملنا على إعادة النظر في موارد المحرر ورأينا أن نقتطع من كل مؤسسة جزءا حتى نوجهه لدعم التربية بما يكفي العملية التربوية بالحد الأدنى".
ويعمل "الجولاني" على تصدير نفسه على أنه رجل معتدل ومقرب من الحاضنة الشعبية، وكأنه يلعب دور "محافظة إدلب"، من خلال الحضور في فعاليات أو مواقع ليست من اختصاص رجل عسكري قائد فصيل مسلح، وإنما هي دور الجهات المدنية العاملة في المنطقة، يصر "الجولاني" أن يواصل تلك الحملات الدعائية ولو على حساب الأهالي والمدنيين هناك.
وسبق أن تداولت معرفات تابعة لـ "هيئة تحرير الشام"، صور للجولاني وقيادات عسكرية وأخرى مدنية، قالت إنها لتدشين مشروع بئر مياه لتغذية عدة قرى في جبل السماق بريف إدلب بحضور "الجولاني"، والذي يتعامل مع تلك المشاريع وكأنه "محافظ إدلب" وفق تعبير نشطاء.
الجولاني من التشدد إلى الإعتدال
ويرمي "الجولاني" من وراء هذه المشاريع، سياسة تسويق نفسه بأنه قريب من الفعاليات المدنية تارة، وأهالي المخيمات تارة أخرى، وفي الأسواق، وهذه المرة لدى أبناء الطائفة الدرزية أو من تبقى منهم في ريف إدلب ضمن منطقة جبل السماق من المسنين، للظهور بمظهر الحريص على الطوائف، على غرار مايروج من حماية الطائفة المسيحية بريف إدلب الغربي.
وتعتبر هذه الحركة - وفق متابعين - رسالة من "الجولاني" للدول الغربية المعنية بالملف السوري، بأنه رجل مدني معتدل، قريب من جميع المكونات، ويتمتع بشعبية كبيرة في المنطقة، كأوراق اعتماد لدى تلك الدول، لمسح التاريخ الأسود من جرائم الحرب التي ارتكبها، والظهور بمظهر رجل المرحلة القادر على إدارة المنطقة.
وسبق أن تداولت حسابات ومعرفات مقربة من "هيئة تحرير الشام"، مقاطع فيديو تظهر قائد الهيئة "أبو محمد الجولاني" في جولة مفاجئة ضمن سوق مدينة إدلب، في ليلة عيد الفطر، وسط المئات من العناصر الأمنية المدججة بالسلاح، بينهم بلباس مدني، خلال مروره مشياً على الأقدام في سوق مدينة إدلب، وسط اكتظاظ كبير للمدنيين هناك.
وسبق أن ظهر "الجولاني" أيضاً، في مخيمات المهجرين في منطقة دير حسان بريف إدلب الشمالي، ترافقه قوات أمنية كبيرة، ووسط عدد من المهجرين، تحيط بهم من كل الجهات كمرات التصوير، في سياق إخراج مسرحية جديدة لتبييض صورة الأمير وإعطائه صبغة مدنية على أنه قريب من الحاضنة الشعبية ويشعر بمعاناتهم.
وكان "الجولاني" بدأ مرحلة إعادة تسويق نفسه كشخصية مقربة من الفعاليات الإعلامية الثورية حيث عقد سلسلة لقاءات سرية مع نشطاء وفعاليات مدنية، لتجميل صورته، والظهور بمظهر الحريص على المنطقة، وأنه يعمل على إشراك الجميع ومشاورتهم في قراراته.
هذا وعرفت "تحرير الشام" وهي "جبهة النصرة سابقا"، بممارساتها في تفكيك الفصائل الثورية التي قتلت وشردت عناصرها وسلبت سلاحها بشكل ممنهج ضمن سلسلة من الخطوات التي تبدأ بترويج الروايات الخاصة بها وصولاً إلى اختلاق نقاط الخلاف ومن ثم الانقضاض على الفصيل وتدميره.
كما مارست السياسة ذاتها في تفكيك "المجتمع الثوري" باعتباره الحاضنة الشعبية المحبة للثوار والتي شاركتهم نشوة الانتصار وتحرير المدن والبلدات قبيل ظهورها بسنوات، ما يزيد من غرابة ظهور الجولاني بشكل متكرر محاولاً تسويق نفسه بما يخالف الواقع الذي عهده عليه السكان.
يشار إلى أن حملة الترويج والإعلان تتواصل لقيادة "تحرير الشام" متمثلة بشخص "الجولاني" صاحب الشخصية البراغماتية المتحولة في الأفكار والأيديولوجية، لتسويقه بوجه جديد، وتظهره بموقع قريب من الحاضنة الشعبية، واليد القابضة على كل ماهو في الشمال المحرر، من خلال سلسلة لقاءات واظب على عقدها مؤخراً، ترافقه عدسات الكاميرات، لإيصال رسائل داخلية وخارجية معينة.
وكانت قالت صحيفة "واشنطن بوست"، في تقرير لها، إن جماعة "هيئة تحرير الشام"، تسعى إلى إظهار أنها أصبحت حركة إسلامية معتدلة، وذلك بغرض الحصول على الدعم من السكان المحليين واعتراف أميركا وبقية دول العالم كمنظمة سياسية لا علاقة لها بالتطرف والقمع.
وبحسب تقرير "واشنطن بوست" تحاول الحركة إظهار أنها قد أنشأت دولة قادرة على إدارتها، إذ ينتشر عناصر شرطة المرور في الطرقات لتنظيم حركة السير، وتدير عبر حكومة الإنقاذ شؤون التعليم والاقتصاد والخدمات العامة، بيد أنها فشلت في تخفيف مصاعب الحياة اليومية في رقعة كبيرة من الأرض تضم مخيمات مترامية.