75 منظمة مجتمع مدني سوري تطالب ببدء إجراءات تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب ضد النظام أمام محكمة العدل الدولية
أصدرت قرابة 75 منظمة من منظمات المجتمع المدني السوري والمنظمات الدولية، بياناَ مشتركاً، طالبت فيه ببدء الإجراءات المتعلقة بتطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية من قبل هولندا وكندا.
وقالت المنظمات، إنّ مباشرة الإجراءات ضد النظام السوري بشأن مسؤولية الدولة عن أعمال التعذيب تُتَمِّمُ جهود المساءلة المتواصلة بموجب الاختصاص القضائي العالمي، وهي تمهّد الطريق لمزيد من الاعتراف بسياسة الدولة التي ينتهجها النظام السوري في التعذيب، وأعربت المنظمات عــن دهشــتها وقلقهــا إزاء تأجيــل جلســات الاستماع العلنيــة لمــدة 3 أشــهر بشــأن التدابيــر المؤقتــة نظــرا للحاجــة الملحــة لمعالجــة الإنتهاكات المستمرة لإتفاقيــة مناهضـة التعذيــب.
وأوضحت أنه منذ عام 2011، ارتكب النظام السوري التعذيب وسوء المعاملة بنحوٍ مُمنهَج، في انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب، حيث أشارت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية إلى أنه من النادر للغاية العثور على شخص احتجزه النظام السوري ولم يتعرض للتعذيب الشديد.
ويتناول الطلب المقدم من هولندا وكندا انتهاكات التعذيب وسوء المعاملة التي تعرَّض لها المدنيون على أيدي النظام السوري، بما في ذلك من خلال تناول أشكال محددة من التعذيب، مثل العنف الجنسي والإخفاء القسري، ومن خلال الإشارة إلى استخدام السلاح الكيماوي الذي نتج عنه “معاناة جسدية ونفسية جسيمة”. وفي هذا الصدد، يرحب المجتمع المدني السوري بإدراج الإخفاء القسري في القضية كأول حالة يمكن فيها إسناد مسؤولية النظام السوري عن الإخفاء القسري إلى محكمة.
وذكرت أنه طيلة ما يزيد على عقد من الزمان، كان المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية السورية في طليعة جهود توثيق الانتهاكات في سوريا وإيجاد فُرصٍ لمحاسبة النظام السوري على جرائمه. وفي عامي 2021 و2022، ثبتت مسؤولية مسؤولي الدولة عن جرائم تعذيب ضد الإنسانية أمام المحاكم الألمانية بموجب المسؤولية الجنائية الفردية في قضيَّتَي أنور ر. وإياد ا.
ولفتت إلى وجود قضية إضافية بحق علاء م. ما تزال جارية. وفي عام 2023، أمرَ قضاةُ التحقيق في محكمة باريس القضائية باتهام علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود أمام محكمة باريس الجنايات بارتكاب أعمال تعذيب واحتجاز تعسفي وإخفاء قسري في حق مواطنَيْن سوريَّيْن فرنسيَّيْن قُتلا تحت التعذيب على يد النظام السوري.
وقد أكدت هذه الحالات أن أعمال التعذيب المرتكبة في سوريا لم تكن أعمالاً فردية لأفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم، بل كانت جزءاً من سياسة مُمنهَجة بتوجيهٍ من أعلى الرتب في النظام السوري وبموافقتهم وإشرافهم – وهي تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
وبينت أنه يمكن لمحكمة العدل الدولية الآن النظر في أعمال التعذيب المرتكبة في سوريا في إطار مفهوم مسؤولية الدولة – وهو ما سيسمح بإسناد أعمال التعذيب وسوء المعاملة والإخفاء القسري والعنف الجنسي مباشرة إلى سوريا ككيان دولة. ويمكن أن تكون لهذه النتيجة أهمية قصوى في معالجة مساعي التطبيع التي تقودها البلدان، ولا سيما من المنطقة العربية والدول المجاورة، وفي التعامل مع اللامبالاة التدريجية للمجتمع الدولي إزاء النظام السوري. لا بل إنّ أهميتها تفوق ذلك في ضوء الخطاب المستمر بشأن عودة اللاجئين إلى سوريا وترحيلهم من قِبل الدول المجاورة وغيرها في انتهاك لمبدأ عدم الإعادة القسرية.
ورحبت منظمات المجتمع المدني السوري والمنظمات الدولية الموقعة بافتتاح جلسات الاستماع العلنية بشأن التدابير المؤقتة، والتي كان من المفترض أن تعقد أول مرة يومي 19 و20 تموز/يوليو، إلا أنها تأجلت إلى تشرين الأول/أكتوبر 2023 بناءً على طلب النظام السوري.
وقالت إن النظام السوري قد تلاعب في السابق بالعمليات السياسية وعمليات المساءلة وأوقفها لتجنب المواجهة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا. ونظرا للطبيعة الملحة التي تتسم بها التدابير المؤقتة لضحايا التعذيب والتي تحافظ على الأرواح، دعت المنظمات المحكمة الى شرح الأساس المنطقي وراء التأجيل وإعادة التفكير في هذا القرار. بعد أكثر من عقد على التعذيب، لا يمكن لضحايا التعذيب في سوريا الإنتظار أكثر من ضلك. للمضي قدماً، ندعو المحكمة والأطراف المعنية إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هذه القضية من تكتيكات التلاعب التي يتبعها النظام السوري.
وفي هذا الصدد، ونظرا للـتأثير المؤذي للتأجيل على الضحايا، دعا بيان المظمات المحكمة والأطراف المعنية الى اتخاذ التدابير اللازمة لضمان وصول أفضل إلى المعلومات والمشاركة في الإجراءات من قبل الضحايا والناجين.
ورحب البيان، بحقيقة أن بإمكان المجتمع المدني السوري والضحايا وعموم السوريين متابعة الإجراءات من خلال البثّ المباشر لجلسات الاستماع العلنية والوصول المباشر إلى الوثائق والمعلومات بشأن القضية. لكن مع توفُّر مواد القضية وبثّ الجلسات باللغتين الإنجليزية والفرنسية فقط، يجب أن تجد المحكمة والأطراف ذات الصلة طرقاً أكثر فعالية لضمان الوصول الكامل إلى المعلومات للمجتمع المدني السوري والجمهور الأوسع (على سبيل المثال، من خلال ضمان التغطية باللغة العربية لجلسات الاستماع).
وأعرب المجتمع المدني السوري عن أسفه لعدم إتاحة الحصول على المعلومات في مساعي المساءلة السابقة، فإنّنا نحث المحكمة والأطراف ذات الصلة على ضمان وصول أكثر فعالية وشمولية للمعلومات ونحثّ مبادرات المساءلة المستقبلية على اتّباع النموذج الذي وضعته المحكمة لضمان اتخاذ تدابير مماثلة في مساعي العدالة المستقبلية.
ودعا البيان كلاً من "هولندا وكندا" إلى ضمان تمثيل ومشاركة أكثر جدوى للمجتمع المدني السوري والضحايا والناجين من التعذيب ومشاركتهم في الخطوات المقبلة من الإجراءات. ولئِن كانت قضية هولندا/كندا المرفوعة ضد سوريا مُنازَعةٌ بين دول، فمن المهم التأكيد على الحاجة إلى اعتماد نهج أكثر شمولاً وتشاركية لمبادرة العدالة هذه التي اتُّخذت نيابة عن الضحايا. وعليه فإننا نحثُّ على مزيد من الوصول إلى المعلومات بشأن القضية وما يُحرَز من تقدّمٍ فيها، وعلى ضمان تمثيل الضحايا والناجين من التعذيب وإشراكهم فيها إلى أقصى حدٍّ ممكن قبل جلسات الاستماع المقبلة في تشرين الأول/أكتوبر 2023.
يأتي بدء الإجراءات بشأن أعمال التعذيب أمام محكمة العدل الدولية تأكيداً لما يعرفه الشعب السوري منذ عقود، وهو أنّ سوريا دولة تعذيب. نعرب عن ترحيبنا بالبدء الرسمي لمبادرة العدالة هذه ونكرّر التأكيد على أنّ مستقبل سوريا لا يمكن أن يُبنى إلا على الاعتراف بما تعرّض له الضحايا والناجون وبحقوقهم، ولا بدّ أن يرتكز على المساءلة والعدالة عن الجرائم المرتكبة في العقد الماضي ومستمرة حتى الأن.