مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٦ ديسمبر ٢٠١٤
بعد أربع سنوات ثورة… سورية إلى أين؟

■ عاشت سورية ثلاثين عاما تحت حكم حافظ أسد لا يستطيع الأخ أن ينبس ببنت شفة أمام أخيه، خوفا من أن تكون للجدران آذان، فيذهب هو وأخوه ومن خلفوه.
كان السوريون من قبل ذلك، كما اللبنانيون، صحافيي العرب بحق. عندما هلك حافظ وورثه ابنه بشار استبشر البعض، حسب مقولة القائل «موت الرؤساء رحمة للأمة».
وبدأ المثقفون يلتقون في بعض الدارات التي فتحت صالاتها لهم، مثل «منتدى الأتاسي»، وقرأنا عن بيان الـ»99» الذي وقعه 99 مثقفا، ثم بيان الـ «1000»، حيث رفع موقعو البيانين من وتيرة كلامهم مطالبين ببعض الحرية. تصدى لهم حرس النظام القديم مثل عبد الحليم خدام، يسفهون كلامهم، قبل أن ينشق هو عن نظام خدمه قرابة 40 عاما، ولم يقف الأمر عند التسفيه فقد أودع بعض المثقفين المعتقل.
تغيرت الأمور منذ 15 آذار/مارس 2011 وحتى اليوم، فلم يعد الأمر مسألة خوف أو جرأة، فمتظاهرو الأمس وجد أغلبهم طريقة أو أخرى ليحمل السلاح وينضم مع الفصائل التي كانت تقاتل جيش بشار أسد، فقتل من الطرفين خلق كثير. ورغم الدعم الذي قدمته طهران وموسكو، فقد استطاع الثوار أن يحاصروا قصر بشار حتى رأيناه يستقبل زواره في غرفة صغيرة في مبنى صغير. كما استطاع الثوار أن يعطلوا مطار دمشق عن استقبال الطائرات وإقلاعها. حتى أن وليد المعلم كان مضطرا للذهاب إلى بيروت ليطير إلى الوجهة التي يريدها لنقل رسائل بشار.
وعندما كان سقوط نظام بشار قاب قوسين أو أدنى، تحرك أوباما بنصيحة من مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، وبتعليمات من اللوبي اليهودي لمنع سقوط بشار الأسد، بحجة دعمها الحل السلمي، رغم نصائح كل من الوزيرة كلينتون ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس الـ(cia) كي يسلح المعارضة السورية. رفض اوباما تسليح المعارضة السورية. يومها لم يكن زعيم «تنظيم الدولة» سوى مقاتل يقود مجموعات قليلة، وقد طالب أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة ليتوحدا تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
اليوم يبحث الكتاب العرب والأجانب مآلات الحل في سورية. فمنهم من يعلق آمالا على تدخل واشنطن لتفرض حلا سلميا تحت البند السابع، يبقي سورية مقسمة، وكل جهة تحكم ما تحت يدها من مدن بموجب الأمر الواقع. وآخرون يتوقعون أن ينقلب ضباط علويون على بشار أسد بعد أن قُتل منهم خلق كثير، فيأتلفون مع من تبقى من ضباط سنيين ألجأهم الراتب أو الخوف، إلى البقاء في جيش بشار. وبالمناسبة يعتقد هؤلاء أن واشنطن سترتب لانقلاب كهذا، وينسون أن واشنطن هي من دعم بقاء بشار حين اهتز كرسيه تحته من ضربات الثوار.
الأكيد أن الشعب الذي يعيش داخل سورية لن يرضى أن يتعايش مع من تسبب بقتل ربع مليون سوري. فلم يبق بيت إلا قتل من أهله واحد أو أكثر. والفصائل المقاتلة كلها صنفتها واشنطن تحت بند الإرهاب، وأي مقاتل يعرف أن إلقاء سلاحه يعني ذهابه إلى محكمة لاهاي ليحاكم بصفته إرهابيا.
يعتقد السوريون أن «تنظيم الدولة» وزعيمه أبو بكر البغدادي سيضمحل كسحابة صيف مهما عظم خطره. وأنه لا يستطيع أن يمتلك حاضنة شعبية تجعله يطمئن كأنه يعيش بين عشيرته، التي تدفع عنه تكالب أعدائه. أما الفصائل المقاتلة الأخرى بما فيها جبهة النصرة فستترسخ داخل محيطها لأن أفرادها جزء من الشعب السوري، وسيأتي يوم على بشار الأسد لينفض عنه مناصروه ويعودون إلى جبل العلويين. وحين يذهب إلى المطار ليغادر سورية فلن يجد الوقت كي يقول إلى لقاء، أما ما سيتبقى من كتائب علوية ناصرته، فلن يكون أمامها إلا الصلح مع الكتائب السنية المقاتلة، وعندها لن يكون لواشنطن ما تفعله إلا التسليم بما اتفق عليه السوريون.
قد يقول قائل هذه أضغاث أحلام، أما نحن فنقول هذا ما نعرفه عن سورية، قبل أن يفسد حافظ الأسد السلم الأهلي بين مكوناتها. قد يطول الأمر أو يقصر، لكن لا بد أن يدرك الجميع أن الحل يجب أن يأتي من الذين اكتووا بنار الحرب الأهلية، لا من واشنطن وطهران.

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٤
عن سورية التي لن تعمر إلا بعد خراب

ثمّة انتقادات شديدة لإدارة أوباما، من الأميركيين أنفسهم، ومن العرب، والسوريين خصوصاً، لجهة عدم اتخاذ قرار حاسم يتعلّق بمصير رأس النظام السوري، وإطلاق الحبل له كي يدّمر سورية، وأن ذلك فتح الباب على مصراعيه لرياح التطرّف والإرهاب والاحتراب الأهلي. وهذه الانتقادات في محلّها. وثمّة تحليلات كثيرة تناولت تباطؤ إدارة أوباما، بل تورّطها غير المباشر، في إطلاق يد الأسد، ومن خلفه إيران وروسيا، في المنطقة.

ويرى كثيرون أن أحد أبرز حوامل الموقف الأميركي «انعدام البديل» ضمن المعارضة السوريّة التي يمكنها الحلول محلّ نظام الأسد. ذلك أن فساد وتشتت وتخبّط قواها هي ما لا حاجة لشرحه. لكن صحيح أيضاً أن الغرب، وواشنطن تحديداً، لم تهتم بالمعارضة السوريّة ودعمها، حتّى في مراحل اشتداد الخلاف بين نظام الأسد الأب والغرب، في السبعينات والثمانيات، أو بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، ولا حتّى مع ارتكاب نظام الأسد الابن جرائمه في لبنان وفي العراق!. ذلك أنه لو كان إسقاط نظام الأسد الأب أو الابن نصب عين أميركا، لأعدّت العدّة لذلك، منذ سنوات، وهيّأت البديل، أو أعادت تأهيل المعارضة السوريّة لتكون البديل!. وهذا فيما المعارضون السوريون سقطوا في مستنقع المزايدة العروبيّة والوطنيّة على نظام الأسد، ورفضوا الاتصال بالغرب، لئلا يتمّ اتهامهم بأنهم كالمعارضة العراقيّة التي أتت إلى السلطة على متن الدبابة الأميركيّة. وهذا علماً بأن هذه المعارضة كانت تعلم أنه من عاشر المستحيلات الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع!

وهذا ما يعني أن هذه المعارضة لم تكن آنذاك معارضة هدفها تغيير النظام والوصول للحكم، بقدر ما كان هدفها إقناع النظام بوطنيّتها، وأنها تستحق أن تشارك في السلطة وتكون جزءاً من النظام!. وهذا ما كان يرفضه نظام الأسد الأب، وما زال يرفضه نظام الأسد الابن.

وحتى بعد مرور سنة تقريباً على الثورة السوريّة، وتكشير الأسد عن أنيابه ومخالبه، كانت المعارضة السوريّة خجلة جداً من الإفصاح عن رغبتها في التدخّل الأجنبي الفوري والعاجل لإنقاذ البلاد والعباد من التوحّش الأسدي!. وبدأت المعارضة تجهر بهذا المطلب فقط «بعد خراب بصرة»، أي حين أصبحت القضيّة السوريّة في موقع ثانٍ أو ثالث أو رابع في مسلسل الاهتمام العالمي، بعدما استأثرت «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» بجلّ تركيز واهتمام الغرب وواشنطن.

ويمكن النظر إلى المشهد من زاوية أخرى، قياساً بالوقت الذي استغرقه اقتلاع نظام صدام حسين. فجورج بوش الأب كان بإمكانه خلع صدّام عام 1991، بعد حرب تحرير الكويت، عبر تقديم الدعم الفوري والمباشر، العسكري والسياسي واللوجستي، للانتفاضة الشيعيّة - الكرديّة التي اندلعت في نفس العام، والحؤول دون ارتكاب صدّام المذابح بحقّ الشيعة والكرد العراقيين!. لكنه لم يفعل ذلك. إدارة بيل كلينتون أيضاً، وجّهت ضربات جويّة وصاروخيّة لنظام صدّام، ولكنها أبقته حاكماً للعراق وشعبه تحت رحمة الحصار المفروض عليه وعلى العراق الذي أهلك نحو مليون عراقي. كل ذلك وصولاً إلى آذار (مارس) 2003، وحلول ساعة الإطاحة بنظام صدّام إبان إدارة جورج بوش الابن.

وعليه، مخطئ من يقول إنه لو كان جورج دبليو بوش الآن في البيت الأبيض، لكان أطاح بنظام بشّار الأسد. ومخطئ من يقول إنه لو كان أوباما في البيت الأبيض عام 2003، لكان أبقى على صدام حسين. فالمسألة ليست أمزجة أشخاص أو أحزاب تقود أميركا، بل مقتضيات المصلحة السياسيّة والاقتصاديّة الأميركيّة بالدرجة الأولى.

غالب الظنّ أن السيناريو العراقي، لجهة التعاطي مع نظام صدّام، ينتظر نظام بشار الأسد أيضاً. مع اختلاف مدّة بقائه في مكانه. فمن غير المعقول أن تقوم الإدارة الأميركيّة ببدء تشكيل معارضة سوريّة مسلّحة (معتدلة) وتخصص لذلك برامج وموازنة، وفي الوقت عينه، تحاول الإبقاء على نظام الأسد، إلى الأبد، عبر عقد الصفقات مع ملالي إيران!؟. إذ لن تكتفي واشنطن بتحريك ملف المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، ولو على نار هادئة وحسب، بل ثمّة ملف جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، خلال السنوات الأربع الماضية، مما يمكن تحريكه لملاحقة الأسد.

بتقديري، تنتظر سورية سنوات أكثر دمويّة وقتامة وبؤساً، ولن تنتهي هذه السنوات بإسقاط نظام الأسد، بحيث تكون سنوات الاحتراب الأهلي - الطائفي أشدّ وطأة من سابقاتها. وربما يلزم سورية نحو عقدين حتى تجد الأحوال طريقها إلى الاستقرار والخروج من هذا النفق الكارثي، الذي لا مناص منه. وبعد أن تتحوّل «سورية الأسد» إلى أكوام من الخراب والركام، قد يتمّ البدء بمشروع مارشال غربي - خليجي لإعادة إعمارها. والسؤال: كم من السنوات يلزمنا، وعبر كم مشروع مارشال سياسي، اجتماعي، ثقافي، تربوي ونفسي، حتى نعيد ترميم وبناء الأنسجة الوطنيّة والثقة والأمل بالتعايش الوطني المشترك بين المكوّنات التي تصارعت في مستنقعات الأحقاد والكراهيات على مدى سنوات؟!.

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٤
التطبيع مع «الشيطان»

الترحيب الأميركي بالغارات الإيرانية على مواقع تنظيم «داعش» في العراق ومقابلة مجلة فرنسية مع بشار الأسد وإعادة فتح السفارة السورية في الكويت، إشارات قد تكون بسيطة وغير مرتبطة ببعضها، لكنها لا تنفصل عن المفاوضات الأميركية – الإيرانية الجارية ولا عن المآلات التي انتهت إليها الثورات العربية.

بعد أربعة أعوام من بداية الثورات، يمكن القول بقدر من الثقة أن موازين القوى الاجتماعية والداخلية في العالم العربي قد مالت إلى غير مصلحة التغيير العميق الذي تتطلبه الثورة كمفهوم ومسار. انحازت أكثرية المصريين إلى الخيار السلطوي المألوف ورفضت مغامرات «الإخوان المسلمين» وتبنى التونسيون خياراً مشابهاً مع بعض التحسينات، وغرقت ليبيا في صراعاتها الجهوية والقبلية، فيما وقع اليمن في قبضة النفوذ الإيراني الذي يسيّر ممثلوه وضباطه يوميات الحرب في سورية.

تركت الثورات آثاراً عميقة على المجتمعات العربية ولن تُمحى من الذاكرة قريباً لا صور الملايين المحتشدة في الميادين مطالبة بالكرامة والعدالة ولا صور زبانية الأنظمة الذين صوبوا أسلحتهم إلى صدور المتظاهرين العزل. ستظل مفارقات الثورات العربية وتناقضاتها ومصائر المشاركين فيها حاضرة في وعي الشعوب العربية على امتداد عقود طويلة. وستظل كذلك الإخفاقات الكبرى لهذه الثورات في نقل المجتمعات نحو سوية أرقى اجتماعياً وسياسياً، من الدروس الكبرى في فهم مجتمعاتنا وشعوبنا وطرقها في تحديد مصائرها وتصوراتها للمصائر هذه.

يجوز إلقاء اللوم على قسوة الظروف المحيطة بالثورات التي وقعت في زمن أزمة عالمية تمثلت في غياب القيادة والانكفاء إلى أضيق التعريفات للمصالح الوطنية، على ما ظهر من تعامل القوى الدولية مع آمال الشباب العرب.

ويصح كذلك النظر إلى عجز الثورات عن تحقيق شعاراتها الأولى من خلال ضراوة التدخل الخارجي، الأميركي والإيراني والتركي، وإلى تعارض قيام دولة عربية ديموقراطية وحديثة مع المصالح الإسرائيلية (على ما يُفهم من التمسك الإسرائيلي بالأسد ونظامه). بيد أن تاريخ هذه المنطقة هو سلسلة من التدخلات الضارية والصراعات التي لم يبدِ أي طرف منها وعلى امتداد الأجيال، أي رحمة أو رأفة بأعدائه.

وليس الترحيب الأميركي بالغارات الإيرانية أو المقابلة مع الأسد وسواهما إلا من العلامات على بدايات تطبيع دولي مع الوضع القائم بذريعة أن العالم الذي لم يساعد على نجاح الثورات العربية، لن ينتظر وقتاً أطول لظهور نتائجها وأنه على استعداد لاستئناف سيرته الأولى من التعامل مع الأمر الواقع والحوار مع «الشيطان الذي نعرفه» بغية استخراج الفوائد المرجوة منه.

وسيان، من هذا المنظور، أن يكون النظام الإيراني قد سيطر على العراق واليمن ولبنان وسورية أو أن تكون أيدي مسؤولي النظام السوري ترشح دماً من مئات آلاف الضحايا الذي سقطوا في ملحمة المقاومة الأسطورية لحكم الأقلية العائلية المسلحة.

ولا تحرك صور الأطفال الذي قضوا تحت أنقاض مباني حلب ببراميل الممانعة مشاعر أحد في «المجتمع الدولي»، ولا تقول معاناة ملايين السوريين الذين قُطع عنهم الغذاء في مخيمات الشتات شيئاً لعالم بارد لا يرى إلا بعيني مصالحه وعلى استعداد دائم للتحالف مع من يحميها ويوفرها.

في المقابل، إذا كانت هذه الثورات قد كشفت هول الخراب في مجتمعاتنا ومدى نفاق ولامبالاة العالم، فذلك سيكون مقدمة لأنواع جديدة من الحراك والاعتراض اللذين سيستمران لآماد طويلة.

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٤
فرنسا تجامل السيسي على حساب الثورة السورية

أهداف الزيارة التي قام بها السيسي إلى فرنسا عديدة، فقد أراد الرجل تغطية أوروبية لتدخله العسكري السافر في ليبيا، وأرد أن يظهر نفسه بصورة المدافع عن قيم العلمانية وتشاركه مع الغرب في الحرب على الإرهاب حيث يدعي الرجل أنه يقاتل مجموعات إرهابية في شمال سيناء. إضافة لمحاولة الفريق المنقلب محاصرة تركيا، وتحجيم دورها في المنطقة.
كما شكلت المواضيع الاقتصادية والعسكرية جانباً هاماً من نقاشات الجانبين، حيث أسفرت عن توقيع عقود بملايين اليوروهات، والاتفاق على دعم عسكري فرنسي للسيسي في مجال البحرية والطيران، إذ تنوي فرنسا تزويد الجيش المصري بأربعة زوارق «غويند» وتجديد الأسطول الجوي بطائرات الميراج.
لا يفاجئنا الأسلوب الفرنسي في التعامل مع القضايا العربية والإسلامية، وما هذا بجديد على السياسية الفرنسية التي كانت على الدوام داعماً للدكتاتوريات العربية والطغمة العسكرية في بلادنا. وأولاند الذي استقبل السيسي بالترحاب وبالغ الحفاوة، لا يختلف كثيراً عن ساركوزي الذي استقبل بشار الأسد بالسجاد الأحمر، وهو بدوره لا يختلف عن جاك شيراك، الذي أطلقت مدفعيته إحدى وعشرين طلقة في استقبال حافظ الأسد.
بالعودة إلى الملف السوري، فهناك نقطة هامة وحساسة استقبل بها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الجنرال الفريق المنقلب على الشرعية في مصر عبد الفتاح السيسي، وهي الحديث عن محاربة تنظيم الدولة قبل محاربة الأسد، وإنني أجزم أن وسائل الإعلام العربية قصدت تجاهل تلك القضية الخطيرة، بسبب الموقف العالمي المهادن للأسد، والذي وصل أخيراً حد تشكيل تحالف دولي لضرب بعض المناطق المدنية في سوريا تحت ذريعة محاربة الإرهاب.
المؤكد أن الرئيس الفرنسي كان مستعداً لمجاملة السيسي على حساب الشعب السوري، ولهذا أكد عند استقباله، على ضرورة التوصل إلى حل سياسي في سوريا حتى «لو كنا مضطرين في البداية الى مكافحة «إرهاب» الدولة الاسلامية». ولا يخفى أن هذا التصريح يطابق إلى حد بعيد طريقة تفكير السيسي، الذي يريد أن يحارب «الإرهاب» في سيناء، وليبيا، والعراق، وسوريا أيضاً، وأعتقد أن شرح معنى كلمة الإرهاب عند السيسي لا يحتاج إلى مجهود كبير، فالمقصود به محاربة رغبة الشعوب العربية في التحرر من نير الدكتاتورية، وهذا ما لا يرضاه الرجل، وما لا ترضاه فرنسا أيضاً، فالتحرر من التسلط يُسقط السيسي وكثيرين مثله كما يعصف بتبعية الدول العربية للغرب والولايات المتحدة.
 تصريح الرئيس الفرنسي حول البدء بمحاربة تنظيم الدولة، يعد أولاً تخلياً صريحاً عن كل التلفيقات السابقة التي ادعتها فرنسا حول الشعب السوري وضرورة حمايته، إذ توافق باريس اليوم بوضوح على ترك الأسد في هذه المرحلة يقتل السوريين كيف يشاء بصواريخ سكود والبراميل المتفجرة.
 كما يعد التصريح تراجعاً عن الموقف الذي أبداه أولاند في الشهر الماضي إثر زيارة أردوغان للإليزيه، بأن باريس ترى ضرورة محاربة تنظيم الدولة والأسد معاً. كما يعد مجاملة للسيسي على حساب تركيا أيضاً، ذلك أن التعبير عن الموقف السابق تم خلال زيارة الوفد التركي إلى باريس.
دخول بيرنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا الأسبق إلى عين العرب في سوريا، قبل يوم واحد من زيارة السيسي لباريس، دون علم الثوار أو الائتلاف، وتأييده المكشوف للحكم الذاتي شمال البلاد، يفضح الموقف الفرنسي من الثورة السورية، فقد جاء الرجل ليرسخ فكرة تقسيم الأراضي السورية.
بكل حال، ساندت فرنسا ولا تزال، الدكتاتوريات في العالم كله، وافتخر أولاند بدعم الأقليات في العراق وسورية مشيراً للأكراد واليزيدية، وتلك هي السياسية الفرنسية التي تستغل الأقليات وتألب بعضها لإفساد البلاد واستغلال ثرواتها، أما الأكثرية التي يقتلها بشار الأسد فلا تحظى بالدعم الفرنسي، ولربما تنتظر باريس أن نصبح أقلية في بلادنا، وإنني لأعتقد أنها تنتظر ذلك بفارغ الصبر، غير أنها لن تدعمنا أيضاً.

اقرأ المزيد
٥ ديسمبر ٢٠١٤
المشاهد غير الواعدة في سوريا!

تجري عدة أمور سلبية وعلى أصعدة مختلفة في سوريا. وأبرز هذه التطورات وآخِرها ما صار يُعرف بمبادرة دي مستورا للتهدئة في مناطق أولها حلب. لكن هناك أيضا تقدم النظام البطيء في بعض المناطق بريف دمشق والغوطة بمساندة من حزب الله. وهناك الحركة الروسية الغامضة باتجاه «جنيف 3» أو «موسكو - 1». وهناك استمرار الجدل الأميركي - التركي بشأن المنطقة الآمنة بشمال سوريا. وهناك أخيرا وليس آخرا تقدم جبهة النصرة على فصائل المعارضة الأخرى خارج مناطق «داعش». وهذا تطور سلبي لا ينبغي تجاهله ولا شك!
أول المشاهد أو التطورات غير الواعدة ولا شك هو ازدياد فظائع النظام بالبراميل المتفجرة وبصواريخ سكود، وبعودة المذابح ضد المدنيين. فحتى عندما تقصف طائرات النظام «داعش» بالرقة أو دير الزور تتعمد أو لا تتعمد إصابة المدنيين، فالذين يقتلون من «داعش» بقصف النظام قليلون، وهو قصف بدأ قبل 5 أشهر فقط. وعدم إصابة «داعش» قد لا تكون متعمدة باعتبار أن التنظيم صار يخفي مراكزه بعناية خوفا من ضربات قوات التحالف الدولي. إنما الطريف هو تطور الموقف إلى حد أن النظام صار يقاتل بالطائرات في المناطق ذاتها التي تقاتل فيها طائرات التحالف الدولي، دونما احتجاج أو اعتراض من جانبهم. وكان الجميع قد ظنوا بعد بدء الهجمة على «داعش» في سوريا، أن حرب الطيران من جانب النظام قد انتهت. ثم تبين أن أوباما ما اتفق مع الروس فقط؛ بل وطمأن الخامنئي في رسائل سرية إلى أنه لن يتعرض للنظام السوري، وأنه سيكافح معه الإرهاب في العراق وسوريا. وعلى أي حال، ودون المزيد من الاستطراد؛ فإن الأعداد الرسمية للقتلى في سوريا تقترب بالفعل من ربع المليون. أما المهجَّرون فصاروا بالفعل أكثر من 10 ملايين. وقد ذكرت مفوضة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة أموس أن المهجَّرين بلغوا 13.6 مليون، وأن 12 مليون سوري وعراقي بالداخل والخارج يحتاجون للمساعدة العاجلة من الجوع والصقيع!
ولنمضِ إلى دي مستورا والحركة الروسية. دي مستورا قال إنه يريد إنقاذ حلب بترتيب وقف لإطلاق النار هناك، يمكن إن نجح أن يمتد لمناطق أخرى. بيد أن الشيطان في التفاصيل. فقد تبين أن ما يقصده لا يختلف جوهريا عما جرى بحمص. وما جرى بحمص خروج لبقية المقاتلين، وعدم السماح للسكان بالعودة بحجة أن المباني مدمرة أو ملغومة. وهذا شبيه بما يجري الآن بالعراق. فالمناطق التي تستعيدها الميليشيات الشيعية بمساعدة الطيران الأميركي، يهجر منها السكان أو يقتلون، أما الذين هربوا من «داعش» فيمنعون من العودة بحجة أن «داعش» يمكن أن تتسلل معهم عائدة إلى أمرلي وجرف الصخر!
هل لخطط دي مستورا علاقة بالمبادرة الروسية؟ يبدو أن إحداها تكمل الأخرى. وكنا قد اعتبرنا الكلام الروسي جديا عندما رأينا أن وزير الخارجية السعودي زار موسكو، وهو أمر لم يفعله منذ زمن طويل. ثم زارها المعارضون القوميون واليساريون السابقون. وزارها معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السابق، والذي صار «معتدلا». وأخيرا زارها وزير الخارجية السوري بصحبة بثينة شعبان بالطبع! ولو تجاوزنا تصريحات السوريين بعد لقاء لافروف أن الطرفين يتعاونان في مكافحة الإرهاب، فإن المفهوم أمران: أن هناك فهما مشتركا بين الروس والسوريين (وربما الأميركيين) لجنيف - 1، وأن المقصود تصفية المعارضة المسلحة، من طريق إعطاء المعارضين السياسيين بعض المناصب ما تلبث أن تذوب كما ذاب «الربيع السوري» (2001 - 2004)، ومن طريق إلحاق كل المسلحين بإحدى خانتين: خانة المتطرفين والإرهابيين، أو خانة قطاع الطرق.
إن الأمر الذي يجري السير فيه بقوة وسرعة الآن هو إدخال المعارضة المسلحة بالفعل في خانة التطرف والإرهاب. وهذا المنزع يعمل عليه الروس والإيرانيون بقوة، بعدم الإغارة على المناطق التي تسيطر عليها جبهة النُصرة وجبهة ثوار سوريا، وبعض التنظيمات الحليفة لهم - واندفاع جبهة النُصرة من جهتها للاستيلاء على مناطق الثوار الآخرين. جبهة النُصرة، أفادت عام 2012 مثل «داعش» من النظام السوري بإطلاق مئات من السجون، والدفع إلى المناطق التي كان المسلحون الآخرون قد سيطروا عليها لانسحاب قوات النظام منها تركيزا على المدن والبلدات الكبرى. وفي عام 2013 أعلنت جبهة النُصرة عن الانتماء لـ«القاعدة» (قاعدة الظواهري). وما غيَّر ذلك من سياسات النظام تجاهها، إلى أن اشتبكت كما هو معروف مع «داعش» التي انشقت عن الظواهري وأقامت «الدولة الإسلامية في العراق والشام». النصرة تجنبت في البداية الاشتباك مع الثوار الآخرين بقدر الإمكان، بل وتعاونت معهم ضد «داعش»، وضد قوات النظام (دون المناطق التي فيها حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى). لكن الضغوط اشتدت عليها أخيرا من جهتين: جهة إغارة الأميركيين عليها عندما أغاروا على «داعش» في سوريا. وجهة صعود مطامح التنظيمات الأخرى الداخلة وغير الداخلة في الجبهة الإسلامية للدخول في عداد التنظيمات المعتدلة التي يعينُها الأميركان والأتراك وبعض الدول العربية! ولذلك فإن جبهة النُصرة التي لم تتفق مع «داعش» حتى لا تذوب فيه وفي مشروع الدولة، اتجهت للعمل الأسهل وهو المزيد من الاستيلاء على مناطق الموسومين ذاتيا أو من الغير بأنهم من المعتدلين. وقد أُذيع أخيرا أن النُصرة استولت على تلبيسة (البلدة الكبيرة جانب حمص)، كما أنها هي السائدة في بلدة الشيخ مسكين التي سيطرت عليها قوى المعارضة أخيرا بمنطقة درعا باتجاه دمشق وريفها. وكانت جبهة النُصرة قد استولت على مناطق المعارضة (جمال معروف) في ريف إدلب، ساعة بحجة أنهم أميركيون، وساعة بحجة أنهم قتلة وقطاع طرق. وفي المقابل اتهم جمال معروف الجولاني زعيم النصرة بأنه إيراني وأسَدي! لماذا نخوضُ في هذه التفصيلات؟ لأن استيلاء النُصرة على المشهد ضمن المعارضة المسلحة، يجعل من النظام السوري بديلا وحيدا عن «داعش» والنُصرة معا. باعتبار أن النُصرة من «القاعدة»، و«داعش» قاعدة وزيادة في سوريا والعراق. فسواء أكانت النُصرة مندفعة ضدّ المعارضة المسلّحة (المعتدلة) لأنها هوجمت منهم، أو لأن الأميركيين والإيرانيين والنظام دفعوها لذلك بطرائق غير مباشرة؛ فإن المشهد المسلح إن استمرت التطورات فيه على هذه الشاكلة لعدة أشهر؛ فإن الناتج سيكون الانفصال الكامل بين الائتلاف أو القيادة السياسية بالخارج من جهة، والمشهد المسلح الذي تسيطر عليه النصرة بالداخل من جهة ثانية! وإذا سار النظام بالمشهد الشكلي الذي يريده دي مستورا والروس فلن يبقى أي حائل دون اعتبار النظام بديلا وحيدا لنفسه! والخطورة ليست في قبول النظام للترتيبات الروسية و«المستورية»؛ بل في دخول الإيرانيين والأميركيين على هذا المسار، فالآن لإيران علاقات في المعارضة السياسية السورية، وعلاقات بالداخل السوري المسلح ومن ضمنه جبهة النصرة!

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٤
رياح تسوية لإنقاذ ما تبقى من نظام الأسد

رياح سياسية ساخنة تهب على سوريا وتلفح بعض أوجهها، ويأتي هذا الهبوب على نمط سلسلة من المبادرات على خط الأزمة، تكشّف منها حتى اللحظة التحرك الروسي وخطة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، بالإضافة إلى حراك سري تجريه القاهرة مع طرفي الأزمة.

ويكشف تفحص هذا التحرك عن وجود سياق واحد له مقاربة معينة، وتقوم آلية عمله على التمفصل في أكثر من حكومة ومنظمة ودولية، بحيث يشكل قطعا متعددة تعمل كل واحدة منها على جزئية معينة، فتتخصص روسيا بالبنية السياسية التمثيلية لأطراف الأزمة وتهيئتها لولوج التسوية، فيما تركز القاهرة على إيجاد حاضنة إقليمية لها، بالتوازي مع تركيز دي ميستورا على الترتيب العملاتي عبر تكتيك الهدن "تجميد النزاع " بين الأطراف المتقاتلة، على أن يصار في النهاية إلى جمع هذه الأجزاء وصياغة حل نهائي للأزمة.

تتقاطع هذه التحركات مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معها على صيغة واحدة محددة، إذ تعتبر أنه طالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية، وإذا كان هناك خلاف في تفاصيل العمل فالأمر قابل للتفاهم ما دامت الصيغة لم تزل في طور التظهير والبناء.

    "تتقاطع التحركات الحالية مع النهج الأميركي في المنطقة، وإن لم تتفق معه على صيغة واحدة، فطالما أن واشنطن تصوغ موقفها في المنطقة انطلاقا من أولوية الحرب على إرهاب التنظيمات المتطرفة فهي تتلاقى معها عند هذه النقطة الجوهرية"

غير أن تصريحات الرئيس باراك أوباما على هامش قمة العشرين التي عقدت في أستراليا تمهد لإمكانية الانخراط في هذا السياق، حيث قال "نريد حلا سياسيا يرضي جميع الأطراف الداخلية، والأطراف الخارجية على حد سواء، وسيضطر الشعب السوري للقيام بتفاهمات سياسية مع كل من تركيا وإيران وكذلك الأسد، فهذا ما تمليه طبيعة العمل الدبلوماسي، ففي بعض الأحيان ستضطرون للدخول في علاقات دبلوماسية مع أناس وأنظمة لا ترغبون في التعامل معها".

وسرّبت مصادر تركية عن أن أوباما أعطى في لقاء له برئيس الوزراء التركي داود أوغلو "إشارة واضحة لأوغلو، مفادها تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن سياستها تجاه سوريا".

مرجعية هذا السياق تتمثل بـ"مؤسسة الحوار الإنساني" وهي تتخذ من جنيف مقرا لها وتعمل في مجال حل النزاعات، وسبق أن توسطت المؤسسة في اتفاق بين الإسلاميين والعلمانيين قاد لتنظيم انتخابات سلمية في تونس. وفي أفغانستان تعمل على المفاوضات مع طالبان. أما في سوريا فإنها تسعى لترتيب وقف إطلاق نار محلي منذ العام 2013، وتأمل الآن في التوصل إلى اتفاق بين الثوار والأكراد السوريين.

بالإضافة لذلك فإنها تقوم بتقديم الاستشارات وإصدار تقارير حول بعض النزاعات المعقدة، وقد أصدرت تقريرا عن الحالة السورية تحت عنوان "خطوات لتسوية النزاع السوري" وينطلق التقرير من فرضية "أنه لا النظام ولا الثوار قادرون على هزيمة بعضهم الآخر، وأن هذه الحالة من الجمود الوحشي تخلق الظروف الملائمة لنمو داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والنصرة".

ويحذر التقرير من أن "تنهار سوريا مثل الصومال"، لذا فالحاجة ملحة للحفاظ على الدولة" حتى لو كان ذلك يعني أيضا إبقاء الأسد في السلطة"، إذ إنه "من الأفضل أن يكون هناك نظام ودولة من عدمه"، ولجعل الأمر منطقيا ومقبولا لدى الجميع يروج القيمون على المؤسسة لقناعة مفادها "أن الجميع على نفس الدرجة من السوء، الأسد ومعارضوه، غير أن الأسد يمثل النظام ولا بد من قبوله على هذا الأساس"، وهي من هذه الزاوية تراهن على قبول الغرب لهذه المقاربة.

تقوم آلية العمل التي تطرحها المؤسسة على عكس المقاربات السابقة على طريقة التنفيذ محليا من الأسفل إلى الأعلى، بدلا من أن يفرض الأمر من الخارج من الأعلى إلى الأسفل كما طرح في مؤتمرات جنيف السابقة، "سوف يحكم المدن التي تتوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق النار من جانب الحكومة أو الثّوار، كل حسب المنطقة التي يسيطر عليها.

ومع مرور الوقت، تشكل هذه البلديات حاضنة "الإدارة المحلية والسياسية" ويدفع المجتمع الدولي تكاليف إعادة الإعمار على أن يؤسس كيان يسمى "هيئة السلام وإعادة الإعمار"، الذي من شأنه تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية وتكون بمثابة سلطة انتقالية، بحيث يرفع مسؤولو البلديات الجدد تقاريرهم، ليس للنظام ولكن إلى مؤسسة محايدة".

    "خطة مؤسسة الحوار الإنساني  تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها"

ما مصير الأسد وفق هذه الخطة، وهو السؤال الأكثر جوهرية في الحدث السوري؟ التقرير يجيب بأن مصيره" "سيتقرر من قبل الشعب السوري" ففي أعقاب نهاية الحرب سيجرى إصلاح شامل للدستور، وانتخابات تحت إشراف دولي".

وبعيدا عن إغراء الجانب التقني للمقاربة وطريقة صياغتها الأكاديمية من قبل خبراء مختصين في حل النزاعات، وقد يكون ذلك البعد الإبهاري هو الرهان الأكبر على قبولها، فإنها تنطوي في التطبيق العملي على كمائن خطيرة تشكل ثقوبا واضحة في جسم هذه الخطة:

- فهي تشرعن وضعية "أمراء الحرب" على طرفي الصراع، وذلك انطلاقا من التفسير الدولي لطبيعة الأزمة في سوريا والمائل إلى اعتبارها حربا أهلية وبالتالي تساوي المسؤوليات بين أطرافها، وليس مصادفة هنا أن تتوقف وزارة الخارجية الأميركية عن دعم اللجنة الخاصة بالتحقيق بجرائم الحرب في سوريا.

- كما أنها تشكّل بداية تقسيم "ناعم" لسوريا، إذ ينطوي هذا الوضع على ترسيم المناطق التي تحت سيطرة الأطراف وتحويلها إلى عنصر تفاوضي أساسي ودائم، وهو الأمر الذي يناقض التكتيك الذي تنبني عليه المقاربة من تحويل الحالة إلى دينامية تصالحية شاملة، فهذا التكتيك الضعيف والساكن تلغيه جدلية الصراع المحتدمة.

- ولعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويلها الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها من خلال تأمين بعض الحاجات الأساسية للمناطق المنهكة وتسوية أوضاع بعض المطلوبين في تلك المناطق، وبالتالي طي صفحة الثورة السورية بصفتها تحولا جذريا في قلب المجتمع، وإعادة النظام إلى سكة الحياة وتوفير كل الظروف المناسبة له لإعادة إنتاج ذاته!

تحاول المؤسسة ستر هذه العيوب من خلال تركيزها على مقولة الحفاظ على الدولة وعدم انهيارها وتحولها إلى كيان فاشل، وفي الواقع فإن الدولة السورية كانت فاشلة وفق معايير الفشل في السنوات الأخيرة قبل الثورة، وفشلها كان أحد أسباب الثورة فما بالك باللحظة الحالية، حيث يراد إعادة إنتاج الفشل بطريقة كارثية، فشل ممركب، احتلال خارجي "إيراني" مع قهر وفساد.

    "لعل الخطورة الكبرى تكمن في إقرار المجتمع الدولي في حال تمرير الخطة بالرؤية الروسية الإيرانية لحل الأزمة، عبر تحويل الثورة السورية، برموزها وتضحياتها، إلى مجرد حالة تمرد في بعض المناطق وإيجاد حلول موضعية لها "

لكن هذا الطرح المغرق في الأكاديمية والمبهر من حيث الشكل يسقط من حساباته البعد الأخلاقي والقيمي في القضية السورية عبر الترويج لفكرة السماح للأسد بالبقاء في السلطة وهروبه من جرائم القتل، والقتل الجماعي الذي ارتكبه، ويراد لهذه الفكرة أن تجري عبر اتفاق دولي توافق عليه دول العالم وتقبل أن يحافظ كل على موقعه بانصياع وخضوع جبان!

كيف يمكن لعواصم دولية وإقليمية أن تقبل المشاركة بهذا النوع من عمليات التدليس والتبييض لأنظمة فقدت كل مبررات وجودها الأخلاقي مثل نظام الأسد واعتبار أن العدالة لم تعد مسألة مهمة وأنه من السهل التضحية بها على مذبح الاعتبارات والمصالح الجيوسياسية؟

ربما ليس أفضل من توصيف هذه المقاربة سوى كلام أندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إذ ينظر إلى الاقتراح باعتباره وحيا من نظام دمشق و"نداء للمجتمع الدولي لدعم ما تبقى من نظام الأسد".

ويبدو الأمر أكثر وضوحا إذا ما ربطناه مع جملة الأحداث الجارية في المنطقة، من المحاولات التي يجريها نظام الأسد للارتباط بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، إلى محاولة تمرير إيران لاشتراط تسهيل مفاوضاتها في الملف النووي بإبقاء بشار الأسد في منصبه، عند ذلك يتضح حجم الرهانات الكبيرة التي يحاول الأسد الاتكاء عليها وخشبة الخلاص التي ينتظر هبوطها عليه فيما تصل طلائع قوات المعارضة القادمة من الجنوب إلى مشارف دمشق.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٤
قرار دولي باستمرار معاناة السوريين

الأوضاع في سوريا تسير من سيئ إلى أسوأ، والتغيير الكبير الذي أعلنته الإدارة الأميركية قبل أشهر بالتركيز أولا على دحر «داعش» وتأجيل النظر في الجوانب الأخرى المعقدة للأزمة، لم يسفر حتى الآن عن أي تغيير جوهري يقلب المعادلات على الأرض. فالضربات الجوية ضد «داعش» لم تحدث الأثر المطلوب، وهو ما حذر منه الكثيرون عندما قالوا إن القصف الجوي وحده ضد تنظيم سائل ومتحرك مثل «داعش» لن ينجح في القضاء عليه. ومع انهيار الاستراتيجية الغربية، وصعوبة تصور حدوث اختراقات كبرى خلال العامين الأخيرين من ولاية أوباما الذي سيواجه صعوبات جمة مع الكونغرس الذي يسيطر عليه خصومه الجمهوريون، سوف تزداد معاناة السوريين الذين تراجع الاهتمام بهم وحل ما يوصف في الغرب بالتعب من الشفقة أو الإرهاق من الإحسان.
هذا التعبير يستخدم عادة عندما تتراجع المساعدات الدولية المخصصة لمواجهة أزمة إنسانية بسبب تراجع الاهتمام أو لتعدد الأزمات الدولية وعدم وجود موارد كافية، سواء من تبرعات الدول أو الأفراد. الضحية هذه المرة الشعب السوري الذي يعاني منذ أزيد من 3 سنوات من حرب لا يبدو في الأفق ما يبعث على الاعتقاد أنها ستجد حلا قريبا. فما أعلنه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة قبل أيام عن أنه بات مضطرا لوقف توزيع كوبونات أو قسائم الطعام على نحو مليون وسبعمائة ألف لاجئ سوري بسبب أزمة التمويل والتبرعات، يعد فضيحة دولية وأخلاقية بكل المقاييس. ففي إطار هذا البرنامج كانت توزع قسائم للاجئين السوريين المحتاجين في لبنان والأردن والعراق ومصر وتركيا يستخدمونها لشراء المواد الغذائية، ومن دونها لن تجد أسر كثيرة ما تسد به الرمق. المحزن أن الأزمة لم تحدث بشكل مباغت؛ لأن البرنامج كان قد وجه نداء وتحذيرا للمجتمع الدولي قبل 3 أشهر من أنه سيضطر إلى وقف قسائم الطعام بسبب تراجع الموارد المالية وعدم تسديد مانحين لالتزاماتهم التي تعهدوا بها.
برنامج الأغذية العالمي وصف الأمر بالكارثة، خصوصا على أعتاب فصل الشتاء، حيث تزداد معاناة اللاجئين والنازحين الذين تعيش أعداد كبيرة منهم في المخيمات في ظروف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها بالغة القسوة. وحذر البرنامج من أنه إضافة إلى المخاطر على صحة اللاجئين وسلامتهم لا سيما الأطفال وكبار السن والمرضى، فإن الأمر قد يؤدي إلى مزيد من التوترات في الدول المضيفة التي تواجه ضغوطا على الموارد والخدمات. المأساة لا تتوقف عند هذا الحد، لأن البرنامج حذر من أنه سيضطر الشهر المقبل إلى وقف مشابه لبرنامجه المخصص لمساعدة نازحين يعتمدون على المساعدات داخل سوريا.
هذه المعاناة المستمرة والمتفاقمة تعكس حجم الفشل الدولي في مواجهة الأزمة على جميع المستويات، عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وإنسانيا. فالحقيقة المؤلمة أنه لا توجد رؤية واضحة، ولا إرادة سياسية قوية للإسراع في إيجاد حل للأزمة التي لم تعرف سوى التخبط رغم كثرة المؤتمرات واللقاءات التي عقدت باسمها. وفي غياب أي استراتيجية واضحة أو خطة سلام محددة ومتفق عليها، حاولت أطراف غربية أخيرا تسويق خطة «الحد الأدنى» المتمثلة في تجميد القتال، وهدنة من اتفاق غير مكتوب يلتزم فيها الطرفان، النظام والمعارضة، بوقف تام لإطلاق النار وتبقى قوات كل طرف في مواقعها. وجرى التسويق لهذه الخطة الفضفاضة من باب أنها ستسمح بفتح المعابر لتدفق المساعدات الإنسانية، أما الهدف الآخر فهو أن تسمح هذه الهدنة لقوات النظام والمعارضة «المعتدلة» بالتفرغ لمقاتلة «داعش» والحركات الجهادية الأخرى. هذا التفكير يبدو أشبه بأحلام اليقظة أو بسيناريوهات الخيال العلمي. فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تصور أن يقاتل النظام والمعارضة في خندق واحد ضد «داعش» والتنظيمات الجهادية الأخرى، وفي ذهنهما أنه بعد الفراغ من هذه المهمة سيتفرغان لقتال بعضهما البعض.
مثل هذه الخطط غير الواقعية ليست إلا ذرا للرماد في العيون، أو محاولة لتغطية عورات سياسة العجز الدولي. خلال ذلك ستبقى المنطقة تتحمل تبعات استمرار الأزمة السورية، ويدفع الشعب السوري أفدح الأثمان. فمعاناة هذا الشعب الذي كلفته الحرب حتى الآن أكثر من 200 ألف قتيل، وأزيد من 6 ملايين نازح في الداخل و3 ملايين لاجئ في الخارج، لا تأتي على رأس الأولويات لأن الأولوية صارت لحرب «داعش». تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس أكدت هذا الأمر بجلاء وأنذرتنا مجددا بأن هذه الحرب سوف تستمر سنوات عدة، وإذا كان للمرء أن يستخلص أي دروس من تجارب العراق وأفغانستان، فإن الحرب على «داعش» ستكون طويلة جدا، ومكلفة جدا ولا ضمان بحدوث استقرار أو أمن بعدها. إنه حكم على السوريين بالحياة في المعاناة لسنوات طويلة مقبلة، وهذا أمر مخز.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٤
أضعف رئيس أميركي منذ جورج واشنطن!

المفترض ألا يأخذ وصول الأزمة السورية إلى البيت الأبيض معه وزير الدفاع تشاك هيغل فقط وإنما أيضا وزير الخارجية جون كيري؛ فالرئيس باراك أوباما، الذي لو أردنا الحقيقة من وجهة نظر عربية وشرق أوسطية لقلنا إنه أضعف رئيس عرفته الولايات المتحدة وعرفه العالم في القرن الماضي وما انقضى من هذا القرن، فهو انتهج، وبخاصة في السنتين الأخيرتين، إزاء الأوضاع المتفاقمة في سوريا وإزاء آخر تطورات القضية الفلسطينية وأيضا إزاء مشكلة القدرات النووية الإيرانية، سياسات ومواقف اتسمت بالتردد والميوعة، لم يرضَ عنها هذان الوزيران وحدهما وإنما الكثير من الذين يلعبون أدوارا رئيسية في رسم «الاستراتيجيات» الأميركية.
بدأ أوباما ولايته الأولى متحمسا وحاسما تجاه الكثير من قضايا هذه المنطقة العالقة، التي ورثها من الذين كانوا قد سبقوه إلى البيت الأبيض، وأولها القضية الفلسطينية، وهنا فإن الكل يذكر تلك الخطبة العصماء التي ألقاها في مدرج جامعة القاهرة خلال زيارة له إلى جمهورية مصر العربية في عام 2009، تلك الزيارة التي وصفت بأنها فريدة ومميزة وتاريخية، لكن للأسف، صدى هذه الخطبة ما لبث أن تلاشى عندما بقيت الوعود وعودا معلقة وعندما ازداد الإسرائيليون في عهد هذه الإدارة الديمقراطية تطرفا وغطرسة، فتراجعت عملية السلام في الشرق الأوسط إلى أن وصلت إلى هذه الأوضاع المخيبة للآمال التي جعلت الفلسطينيين يفكرون جديا في تسليم مفاتيح السلطة الوطنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.
لم يستطع أوباما أن يوفي ولو بالحد الأدنى من الوعود التي ألزم نفسه بها في خطبة مدرج جامعة القاهرة في عام 2009، ولعل الأسوأ أن وزير خارجيته جون كيري بقي يقوم بجولات مكوكية في هذه المنطقة وبقي يتنقل بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون إحراز أي تقدم يمكن الاعتداد به أو البناء عليه، بل وقد أمعن بنيامين نتنياهو كثيرا في السنتين الأخيرتين في تحدي المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة برفع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة وبمواصلة إذلال الشعب الفلسطيني وممارسة سياسات عنصرية ضد أبناء هذا الشعب، لا تشبهها إلا ممارسات الـ«أبرتهايد» ضد السود في جنوب أفريقيا.
وهكذا فإن فشل أوباما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، قياسا بما كان وعد به في خطبة مدرج جامعة القاهرة في عام 2009، كان ذريعا وكان محبطا للعرب والفلسطينيين، وذلك إلى حد أن كثيرين بدأوا «يترحمون» على جورج بوش الأب وعلى جورج بوش الابن، وإلى حد أن كره الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما للولايات المتحدة قد تضاعف مرات عدة خلال هاتين السنتين الأخيرتين، ولعل ما عزز هذا الكره الذي على الأميركيين أن يتوقفوا عنده طويلا هو تلك الأساليب الغريبة المثيرة للكثير من الأسئلة والتساؤلات التي اتبعها الرئيس الأميركي تجاه الأزمة السورية، التي ازدادت تدهورا واستفحالا وتحولت إلى أزمة كونية لا يبدو هناك أي ضوء ولو خافت في نهاية نفقها المظلم.
وما انطبق على الصراع في الشرق الأوسط، وتحديدا على القضية الفلسطينية، ينطبق أيضا على الأزمة السورية، فالرئيس الأميركي لدى انفجار الصراع في سوريا عام 2011 بدا حازما وحاسما وأعلن مرارا وتكرارا أنه لا حل مع بقاء بشار الأسد في مواقع الحكم والمسؤولية، لكنه ما لبث أن بدأ المراوحة في المكان ذاته، وما لبث أن أصبح بالنسبة لهذه الأزمة يقول شيئا في الصباح ويتخلى عنه في الظهيرة، مما أوصل الأمور إلى هذه الأوضاع المأساوية وجعل حتى المعارضة «المعتدلة» تعاني من كل هذه الإشكالات التنظيمية والسياسية التي تعاني منها، ومما أدى إلى ظهور «داعش» وأخواتها واستفحال التدخل الإيراني والروسي في الشؤون السورية الداخلية.
لقد ثبت وبالأدلة القاطعة أن باراك أوباما بات يبدو كما لو أنه إما متواطئ وإما عاجز تجاه الأزمة السورية، وإلا ما معنى أن يقول ويعلن، وفي الوقت ذاته الذي نسب فيه إلى الروس استعدادهم للتخلي عن الرئيس السوري إن هم حصلوا على ضمانات ببقاء الحكم الحالي، أنه «لا توجد لديه أي خطط في الوقت الحالي لإطاحة بشار الأسد»؟ ثم ما معنى أن يبدأ هذه الحرب الكونية على «داعش» وعلى الإرهاب وأن يقيم هذا التحالف الذي بات يضم نحو 60 دولة بينما في الوقت نفسه يؤكد ويواصل التأكيد على استبعاد استخدام قوات أميركية برية (أرضية) لحسم الأمور؟
لقد بدأت العمليات الجوية ضد «داعش» و«النصرة» و«خراسان» منذ فترة طويلة، ومع ذلك فإن أي شيء لم يتغير على الأرض حتى في تلك البلدة السورية الصغيرة، عين العرب (كوباني)، وكل هذا في حين أن ميليشيا «داعش» قد وسعت انتشارها في الأراضي السورية، وأنها انتقلت في بعض المناطق العراقية من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وأنها غدت تقترب من احتلال الرمادي واستكمال احتلال الأنبار.. ما معنى هذا يا ترى؟ وما الذي يريده أوباما الذي يزداد عجزا ويزداد ترددا يوما بعد يوم؟!
هناك من يقول، وهذا صحيح، إن أوباما لديه اعتقاد راسخ بأن إيران رقم رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة المنطقة، وإنه لا يثق بالعرب ولا يرى إمكانية فعلية لأي دور فعلي لهم في موازين هذه المنطقة، ولذلك فإنه قد وجه إلى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي تلك الرسالة العجيبة الغريبة التي تعهد فيها بضمان بقاء بشار الأسد وأيضا بالتعاون مع طهران ضد «داعش» لقاء التوصل مع الإيرانيين إلى اتفاق شامل بالنسبة للقدرات النووية الإيرانية.
ثم إن ما يثير الاستغراب بالفعل هو أن أوباما، الذي لُدغ من الجحر الروسي مرات عدة، أخطرها إفشال حل المرحلة الانتقالية في سوريا في «جنيف الثانية»، الذي كان قد تم الاتفاق عليه في «جنيف الأولى»، لا يزال يثق بالرئيس فلاديمير بوتين وبوزير خارجيته سيرغي لافروف ولا يزال يصدق أن الروس سيتخلون عن بشار الأسد، وهذا مع أن لافروف قد جدد التأكيد، حتى قبل أن يصيح الديك، على أن موقف بلاده سيبقى على ما هو عليه تجاه الأزمة السورية، وأن الدعم الروسي لنظام دمشق لن يتوقف، وأن روسيا ستبقى تعتبر أن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وبالطبع فإن المعروف أن موسكو كانت ولا تزال تصر على أنه لا توجد معارضة معتدلة إلا معارضة الداخل، وأن كل هذه الفصائل «الخارجية» ومن بينها الجيش الحر هي تنظيمات إرهابية مثلها مثل «داعش» و«النصرة»!!
كان أوباما قد قدم اتفاقية «الكيماوي»، التي أنقذت بشار الأسد من سقوط محتم، كهدية مجانية للرئيس بوتين ولوزير خارجيته لافروف، وكان أوباما قد تواطأ مع الإيرانيين لقناعته بهم وبدورهم الأساسي في المعادلة الشرق أوسطية، وتركهم يتدخلون تدخلا عسكريا وسياسيا سافرا في سوريا، حتى بما في ذلك السيطرة على القرار السوري، وبالنسبة لكل شيء، والمعروف أن أوباما هو الذي أحبط فكرة المناطق السورية العازلة وفكرة مناطق حظر الطيران وهكذا، وبالتالي فإن المفترض أنه لا خلاف على أن الرئيس الأميركي بتردده وميوعة مواقفه هو المسؤول عن المأساة السورية من أولها إلى آخرها، وأنه المسؤول أيضا عن كل هذه الغطرسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، وأنه المسؤول عما يجري في ليبيا وفي اليمن، وبالطبع في العراق وفي أفغانستان.
ولذلك فإنه يمكن القول إن باراك أوباما بالنسبة لنا وبالنسبة لقضايانا الملتهبة في هذه المنطقة امتدادا حتى أفغانستان هو أضعف رئيس أميركي منذ جورج واشنطن وحتى الآن، ولعل هذا هو ما جعل رجب طيب إردوغان يصف السياسة الأميركية بأنها «حمقاء»، وأن هذا هو ما جعل كيري يقول لوزير الخارجية الروسي: «استمعوا لما يقوله الرئيس الأميركي لكن لا تكترثوا له»، وهو أيضا ما جعل تشاك هيغل يقدم استقالته ويقفز من سفينة الديمقراطيين التي باتت تقترب من الغرق!!

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٤
"ألعاب الجوع" السورية!

لم يتوقف العالم الغربي، ولا الحكومات العربية، كثيراً عند إعلان برنامج الغذاء العالمي مؤخراً، على أبواب الشتاء، عن إيقاف برنامجه الغذائي للاجئين السوريين في دول الجوار، والذين يقدّر عددهم بمليون وثمانمائة ألف لاجئ، نسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، وحتى الرجال غير المتاح لهم العمل، ويعيش أغلبهم في ظل ظروف قهرية غير إنسانية.
بالإضافة، إذن، إلى هذه الأوضاع غير الآدمية، وإلى الخسائر الفادحة التي لحقت بالسوريين من الحرب الداخلية الراهنة، ومن القصف الهمجي اليومي من النظام السوري، فإنّ مئات الآلاف منهم سيعانون هذا الشتاء من الجوع الشديد والبرد، لأنّ برنامج الغذاء العالمي لم يعد قادراً على توفير الدعم المطلوب فقط لتوفير الحدّ الأدنى من الطعام لهؤلاء الأطفال والعائلات!
في الوقت نفسه، نقرأ جميعاً عن الموازنة الهائلة الضخمة التي يتم إعدادها للإنفاق على الحملة العسكرية الراهنة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، أغلبها بتمويل عربي، وتصل إلى مليارات الدولارات، بينما يجد الأطفال السوريون المشرّدون أنفسهم في العراء، بلا غذاء!
وعلى قاعدة "شرّ البلية ما يضحك"، فإنّ تحالف "أصدقاء سورية" الذي تبنّى المواقف الداعمة للشعب السوري، في البداية ضد نظام الأسد، لم يعد يخشى على هؤلاء المدنيين ضحايا هذه الحرب الطاحنة، بل هو حريص على مواجهة تنظيم "داعش"، الذي ليس إلاّ نتاجاً طبيعياً لهذه الظروف القاسية، وحالة اليأس والإحباط وغياب الحلول والآفاق، التي تنمو بصورة أكبر في ظل الفوضى والحرمان والجوع والفقر!
أي إنّنا، عملياً، بالتوقف عن الدعم الإنساني للاجئين السوريين، وبإغفال شروط صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتفكير فقط في ضرب هذا التنظيم، حتى وإن أدى ذلك لخدمة نظام الأسد، وحتى لو شاركت إيران والنظام السوري في قصف مواقع التنظيم في كل من الرقّة والحدود الشرقية العراقية، بالتناوب مع الطيران الأميركي؛ فإنّ ذلك كله لن يؤدي إلاّ إلى تفجير المنطقة وخلق حالة من الاستقرار الإقليمي، بل سيفجّرها من الداخل إلى أقصى مدى، عبر ما سمته الملكة رانيا (في مقال لها خلال الحرب الإسرائيلية على غزة) "ديستوبيا"، وهو المكان أو المجتمع الخالي من العدل والإنسانية، الذي يعجّ بالخوف والتعاسة.
في روايات الـ"ديستوبيا"، كما تصفها الملكة رانيا، هنالك عالم يشبه الكابوس "يتسم بالبؤس والخراب والظلم والأمراض". فهل هناك وصف أفضل من ذلك لحالة المهجرين السوريين اليوم، في دول الجوار وفي الداخل؟! لكن الفرق أنّنا لا نتحدث اليوم عن رواية أميركية ولا عن فيلم خيالي، بل عن واقعنا، وعن شريحة واسعة من الأشقاء السوريين، ممن أصبحوا تحت طائلة الجوع والفقر والخوف، أو القصف والبراميل المتفجرة والاعتقالات القاتلة، أو حتى الجماعات الدينية والطائفية المتطرفة العصابية، سواء كانت سُنّية أو شيعية!
ما يحدث في المنطقة العربية اليوم أقرب إلى الجنون الرهيب؛ فالإرهاب ليس حكراً على تنظيم "داعش"، بل هناك الميليشيات الطائفية وما يقوم به النظام السوري من إرهاب يولّد إرهاباً مقابلاً، إلى التخلّي التدريجي عن قضية اللاجئين السوريين، إلى الحروب الداخلية والفوضى والعنف والتشدد والقتل والفساد؛ ماذا تتوقعون بأن ينتج عن هذه المناخات؟! ما هو الجيل الجديد الذي تنتظرونه من اللاجئين السوريين الذي تربّى في هذه البيئات؟!
صحيح أن الحرب على الإرهاب والتطرف هي حربنا، لكنْ الإرهاب بأنواعه وصوره المختلفة. والأهم من هذا وذاك الشروط والقوى والمسؤولين عن خلق البيئة النموذجية لهذه الجماعات؛ عبر الإقصاء والقتل والظلم والتهميش والتجويع.

اقرأ المزيد
٤ ديسمبر ٢٠١٤
بوتين والأسد

يعود الروس للعب دور في الملف السوري، بعد أن أفشلوا مؤتمر "جنيف2"، حينما أتوا بوفد يمثّل الطرف الذي مارس كل الوحشية ضد الشعب، والذي أتى، وهو يرفض، أصلاً، مبادئ "جنيف1"، وبعد أن تورطت موسكو في أوكرانيا، فتعاملت بما يجعلها تخسر هذا البلد الحيوي لمصالحها، انطلاقاً من "نظرية المؤامرة"، على الرغم من أن الأمر يتعلق بشعب أسقط سلطةً أفقرته، كما سابقتها التي كانت ترتبط بأوروبا. وبالتالي، ضاع الروس في تفاصيل الوضع الأوكراني، ما جعلهم لا يلتفتون إلى الوضع السوري.

في هذه اللحظة، وضعت أميركا استراتيجية العودة إلى العراق والتحالف مع إيران، ومن ثم، الضغط، عبر سورية، للوصول إلى ذلك، تحت عنوان "الحرب ضد داعش"، وهذه أداة تبرير التدخل تحديداً. دفع هذا الأمر روسيا إلى العودة إلى الملف السوري الذي هو ضرورة بالنسبة لها كذلك، لكن في معادلة جديدة، بعد أن أصبحت أميركا طرفاً مباشراً، بعد أن كانت تدعم حلاً روسياً، منذ بداية 2012. جعل هذا الأمر روسيا تبدأ في حوار مع أطراف في المعارضة، ومع السلطة، من أجل ترتيب العودة إلى المفاوضات، في جنيف كما يتسرّب، وعلى أساس مبادئ "جنيف1". لكن، عادت روسيا إلى التأكيد على أن أمر بشار الأسد غير مطروح للنقاش، وأن الأمر يتعلق بترتيب وضع جديد بوجوده، من أجل محاربة الإرهاب.

لا أعرف ما إذا كان بوتين يعرف أن "الحرب ضد داعش" التي طرحتها أميركا فيلم هوليودي، للضغط على إيران لتحقيق تحالف معها، وترتيب وضع العراق، بما يجعل السيطرة الأميركية على الحكومة هي الأساس، من دون تجاهل دور إيران. وبالتالي، أن كل الحديث عن الحرب ضد الإرهاب ليس سوى تغطية على الثورات القائمة من جهة، ومن أجل تغيير في الوضع الجغرافي السياسي، من جهة أخرى. وأن كل سياسة السلطة السورية قامت، منذ البدء، على مبدأ تحويل الثورة إلى "إرهاب"، من خلال "زرع" التنظيمات "الجهادية التي كانت في سجونها، وترتيب نشاطها، من أجل جلب أميركا إلى دعمها، وهو ما ترى أنه ممكن، الآن، أكثر من الانتصار على الثورة، لأنه هو كما تعتقد سوف ينهي الثورة.

بالتالي، استغلال روسيا ذلك لتمرير تشكيل يقبل ببقاء بشار الأسد وحاشيته، يُظهر كم هي "غبية" في التعامل مع ما يجري، حيث تحاول استغلال بعبع لا يخفى على الشعوب أنه كذلك، وأنه يأتي ضمن لعبة أميركية، من أجل مصالح أميركا، وهو لعبة كذلك لتحويل الأنظار عن الثورة، وعن مطالب الشعب التي أولها إسقاط النظام، وإزاحة بشار الأسد. لهذا، لن يكون جنيف3 أو 4 أو 5 ممكناً نجاحها من دون ذلك، مهما جرت المناورة بالإرهاب، والذي هو هو إرهاب السلطة أولاً، المحمية روسياً، وإرهاب "السلفية الجهادية" ثانياً، وأن الصراع هو من الطرفين معاً، على الرغم من صعوبة ذلك، لأنه ليس ممكناً تجاهل طرف، والتركيز على آخر، فالواقع نفسه يفرض الصراعين، على الرغم من كل صعوبات الثورة والتدخلات الإقليمية والدولية التي تصبّ في ضعفها وتشويهها.

لهذا، يجب أن يبدأ "جنيف 2 أو 3" من إقرار روسي بحتمية إزاحة الأسد، وبوفد من السلطة لا يمثله، بل يمثّل طرفاً يقبل مبادئ "جنيف1" التي تنص على تشكيل هيئة (وليس حكومة) حكم انتقالي، لتحقيق الانتقال إلى سورية جديدة. هذا الإقرار ضرورة من أجل التفاعل مع أي مبادرة روسية، وإلا يجب أن يكون واضحاً أنه لا تفاوض معها، ولا حاجة لحوار ونقاش كثيرين. فالأمر واضح، الحل في سورية يجب أن يقوم على سلطة جديدة بدون الأسد، وهذا شرط كل تفاوض مع الروس، أو رفض كل حوار معهم.

يكفي مراوغة، ويكفي استغباء من دولة إمبريالية أظهرت غباءً مفرطاً.
-

اقرأ المزيد
٣ ديسمبر ٢٠١٤
في نقد الرؤى الاقتصادية السورية المتعددة

الأزمة الاقتصادية السورية ليست وليدة سنوات الثورة، بل لها جذورها العميقة في الاقتصاد السوري. تفاقمت بعد انتهاج النظام السياسيات الليبرالية الجديدة في الاقتصاد؛ فقد شهدت البلاد انفتاحاً اقتصادياً متسارعاً منذ عام 2007، حيث غزت المنتجات التركية والصينية والأوروبية والمصرية وكذلك الخليجية الأسواق السورية، لتدمر المنتج الوطني الصناعي والزراعي، وتصاعدت مع رفع أسعار الأعلاف والمحروقات.

هذه السياسات نتج عنها ملايين الشبان والشابات، ومنهم خريجو جامعات، بلا عمل وبلا أفق للحياة بالحد الأدنى. كل ذلك دفع الشباب للانخراط في الثورة، وتحدي الموت بدءاً بالرصاص وحتى البراميل المتفجرة.

ضاعفت حرب النظام على الشعب من حدة الأزمة الاقتصادية، بسبب التدمير والتجويع والحصار، والإنفاق الكبير على آلة القتل العسكرية؛ وأيضاً بسبب استمراره في انتهاج السياسات الليبرالية الجديدة نحو المزيد من الانفتاح الاقتصادي، والمزيد من الخصخصة، لتستفيد منها قلة فقط من رجال الأعمال المحيطين بالنظام، ويستمرون باكتناز رؤوس الأموال من أفواه الشعب، رغم أن معدل الفقر تزايد من 33 بالمئة في 2011، إلى ما يفوق الـ75 بالمئة اليوم. هذا فضلاً عن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تحل بالبلاد، وسيطرة التيارات الجهادية، بمختلف تنويعاتها، على الجناح العسكري للثورة.

معظم الرؤى الاقتصادية المطروحة تتبع مصلحة الفئات التي تقول بها: فرجال الأعمال غير المستفيدين من النظام يضعون المشكلة كلَّها في فساد النظام وسيطرته الأمنية، ويوافقون سياساته الليبرالية، وبالتالي هم يرون أن من حقهم أن يكونوا في الدائرة الضيقة المستفيدة من تلك السياسات، ليس إلا، دون النظر إلى تحسين الأوضاع المعيشية لكل الشعب، سوى توفير بعض الوظائف في مشاريعهم الخدمية والهامشية وباستغلال كبير.

أما المثقفون وأبناء الطبقة الوسطى، فهم يتطلعون إلى توسيع مساحة حرية التعبير، والحد من التدخلات الأمنية في أمورهم الشخصية، وليست لديهم تصورات حول الأزمة الاقتصادية، حيث يرونها نتيجة، وليست الأساس المسبب والمحدد للسياسات الأخرى؛ وهم في الغالب يتطلعون إلى وظائف في المرافق الخدمية التي تحتاج إلى بعض المهارات التقنية، والعمل في البنوك والمصارف؛ ويمكنهم إيجاد الفرصة عبر شبكة العلاقات التي يقيمونها في وسطهم الضيق. ولا يهتمون بأزمة بقية الشعب المفقّر في الأرياف والأحياء الفقيرة.

المعارضون السوريون في أغلبهم ينتقدون النظام لاحتكاره السلطة؛ هؤلاء مطلبهم الديمقراطية؛ الديمقراطية الضعيفة التي توصلهم إلى الحكم، أو أقلها المشاركة فيه. وهم ربما لا يشعرون بأزمة الشعب المعيشية، سوى للاستفادة منها في “شيطنة” النظام، ودعوة الغرب ليتدخل للإنقاذ والإطاحة به، كما يتوهمون، دون أن يطرحوا البديل السياسي والاقتصادي، كبرنامج واقعي يلبي حاجات كل الشعب؛ هؤلاء يطرحون أنفسهم كبديل، مع تأكيدهم على الاستمرار في سياسات النظام الليبرالية التفقيرية نفسها، لكن بتغيير الأشخاص المستفيدين، أو بالتشارك معهم. ولعل سلسلة مؤتمرات إعادة هيكلة الاقتصاد السوري وإعادة الإعمار، التي عُقدت بين دبي وبرلين، برعاية دول “أصدقاء الشعب السوري”، تؤكد تلك التوجهات.

إعلام النظام السوري ومنظروه يثنون على استمراره بالانفتاح الاقتصادي، رغم تهكم مؤيديه من المفقرين، ويؤيدون اللجوء إلى الاقتراض والاستثمارات الأجنبية لإعادة الإعمار. أما اليسار الممانع، خصوصاً “يسار قدري جميل”، فهؤلاء مصابون بانفصام شخصية “يساري”؛ فهم ينتقدون الانفتاح الاقتصادي للنظام على الغرب وتركيا والخليج، ويؤيدون الانفتاح تجاه ما يسمونه “الشرق”، أي روسيا والصين، بوصفها دولاً “اشتراكية” حسب رأيهم، وربما إيران أيضاً، وهم يتغافلون- قصداً- عن السياسات الإمبريالية لروسيا والصين في نهب الشعوب، والتي بنوكُها تنافسُ بنوكَ الغرب على الأدوار الاحتكارية ذاتها، في تقديم القروض وفرض سياسات التقشف على الحكومات، وإجبار الدول المقترضة على تقليل حجم الصرف الحكومي على الخدمات الاجتماعية، وفرض الضرائب التنازلية.

بعضُ الباحثين الاقتصاديين يرون أنّ حلَّ الأزمة الاقتصادية يمر عبر اقتصاد السوق الحر، والاعتماد على القطاع الخاص، وذلك بشكل مترافق مع الاستقرار السياسي، والديمقراطية، وإقرار العقد الاجتماعي الذي يكفل المواطنة والحريات العامة وغيرها من القيم الحداثية، لكن بشرط تدخل “ذكي” للدولة، من أجل ضمان توزيع أكثر عدالة للدخل، وضمان الخدمات الاجتماعية المجانية. هو رأي يريد محاكاة الدولة “الكينزية”، على غرار بعض الدول الأوروبية الغربية. هذا الطرح لا يخلو من ميل سلبي تجاه أيديولوجيا متخيلة تربط اليسار بالبيروقراطية والفساد. هذا الرأي يقرّ بكارثية الانفتاح الاقتصادي على الشعب، ويرى تحقيق التوازن بتدخلٍ إرادي للدولة لصالح الشعب؛ الأمر غير الواقعي.

فتلك الدّول “المثال” هي دول رأسمالية قبل كل شيء، ومحكومة بمافيات رجال الأعمال المستفيدة من سياساتها الداخلية والخارجية في نهب شعوب العالم. أما المكاسب الشعبية فقد حصلت عليها شعوب تلك الدول بعد تاريخ مرير من نضالاتها عبر المنظمات والأحزاب العمالية واليسارية، وذلك بعد التسوية التاريخية لتلك الأحزاب والمنظمات مع دولها. بحيث صارت حماية مكاسب الشعب، هي مهمة منظمات شعبية حكومية قوية شريكة في الرقابة وفي صنع القرار. وهي في صراع دائم مع الحكومات، للمحافظة على مكاسب الشعب؛ وكثيراً ما تنتصر السياسات الليبرالية الجديدة وتتقلص تلك المكاسب.

إذن هي مهمة اليسار في قيادة نضالات الشعب وفي حشده للضغط على الحكومة/ الدولة، لضمان حقوقه في العدالة الاجتماعية، وكذلك في مراقبته بنفسه للعملية الديمقراطية، ولضمان الحريات، ولجعل القطاعين العام والخاص منتجين، بعيداً عن السياسات الليبرالية الجديدة.

بقي القول أن السياسات الغربية للدول العظمى المتصارعة على سوريا غير معنية بالاستقرار وبتحسين معيشة الخلق، بل هي معنية أولاً بتقاسم النفوذ في المنطقة، وتقاسم الاستثمارات والهيمنة الاقتصادية والسياسية. وثانياً معنية بأمن إسرائيل؛ وثالثاً بتحويل سوريا إلى دولة ضعيفة عبر إطالة عمر النظام الذي يدمرها، وعبر السماح للجهادية بالتمدد فيها، وعبر إقرار حل سياسي، لاحقاً، يقوم على محاصصات، غالباً طائفية، لإغراق الشعب في مشكلات أيديولوجية، كي لا يقوى على العودة إلى الثورة.

اقرأ المزيد
٣ ديسمبر ٢٠١٤
ابني صار داعشيّاً؟

جاءني صوتها مخنوقاً عبر الهاتف، لم تستطع أن تقاوم رغبة في البكاء. ابنها (25 عاماً) قتل في سورية، وهو يتصور أنه يجاهد مع داعش ضد أعداء البغدادي، كتائب الجيش الحر.. ما دخله؟ كيف غسلوا ذهنه، حتى خرج من حضن العائلة إلى الحرب؟ حاولت أن أهدئ الأم المكلومة التي تريد أن تتقاسم قصتها مع أمهاتٍ أخريات، حتى ينقذن أبناءهن من مصيرٍ مماثل. طلبت منها حكي القصة، فقالت: شاب متعلم، كان على أبواب الزواج، أسرته متوسطة الحال. الأب كان مناضلاً في حزب الاستقلال المغربي، يحلم بوطن حر مستقل وتقدم، تصور أن هذه الأهداف ستتحقق، بمجرد خروج آخر جندي من المغرب، لكن سنوات الاستقلال أصابت الأب بالإحباط. الأم تشتغل في التعليم العمومي، وبما أنها تعرف أعطابه دفعت بابنها إلى التعليم الأجنبي. كبر الابن في أسرة من ثلاثة إخوة، هو أصغرهم. درس في مدارس البعثة الإسبانية، وحصل على عمل مع شركة دولية. لم تكن أسرته بعيدة عن التدين المغربي الوسطي، ولا كانت تظهر عليه علامات التشدد. كان مقبلاً على الحياة، مولعاً بتكنولوجيا التواصل الحديثة. كان يقضي ساعات أمام "النت" وعالمه الافتراضي. لم تفطن الأسرة إلى أن الابن خرج من العالم الواقعي، وانخرط في عالم الجهاد العالمي، حيث الصورة والفيديو يلعبان لعبتهما.
لم يُستقطب إلياس إلى داعش عن طريق المسجد أو الخلايا النائمة أو الاتصال المباشر بشيوخ أو دعاة أو مقاتلين. جرى اصطياده من وراء الشاشة في الشبكة العنكبوتية، حيث يشتغل جهاديو "النت" في "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأرض الحقيقية للمعركة. هنا، جرى غسل دماغه، أولاً بعرض فيديوهات معاناة السوريين ضحايا بربرية الأسد، في محاولة لإثارة مشاعر إنسانية طبيعية، ثم عرض "معاناة أهل السنة مع عصابات الشيعة"، ومنها إلى محاربة أميركا والغرب الكافر الذي يحتقر المسلمين، ويحتل أرضهم ويستبيح خيراتهم. ما الحل؟ إنه مبايعة البغدادي، والانتماء إلى الخلافة الإسلامية، ثم الجهاد والموت في سبيل الله، والذهاب إلى الجنة، مباشرة بلا حساب ولا عقاب ولا سؤال! هكذا وجد إلياس نفسه في طائرة تركية إلى إسطنبول، ومنها إلى الحدود السورية، وبقية القصة معروفة. غاب أسابيع، بعدها هاتف أمه: أنا في العراق، جندي أقاتل من أجل العقيدة. .. أية عقيدة تدفع شاباً إلى المحرقة في معركةٍ، لا يعرف عنها إلا الشعارات العاطفية. كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ لا جواب. الابن خرج من عالم ودخل عالماً آخر، وبعد أشهر، قُتل في ظروف لا يعلمها أحد.
ليس الفقراء وحدهم من ينتمون إلى داعش هناك، فهناك شباب متعلم في مدارس الغرب، يرتمي بلا عقل في أحضان الحركات الأصولية المتطرفة، يحلم بالبطولة والانتماء إلى مشروع يتصوره كبيراً. ولأن المشروع القومي مات أو يكاد، ولأن المشروع اليساري هرم أو يكاد، ولأن المشروع الإسلامي انتكس أو يكاد، ولأن المشروع الديمقراطي أجهض أو يكاد، توهم إلياس أنه وجد الحل، وعثر على البديل.
شباب الخمسينات والستينات والسبعينات في المغرب، والعالم العربي، كان مشدوداً إلى مشاريع وأهداف كبرى، مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين وثورة العمال والفلاحين. اليوم، الشباب ضائعون في زحمة انهيار المشاريع الكبرى، وحتى ربيعهم الديمقراطي الذي كان واعداً تكالبت عليه قوى الثورة المضادة. لهذا، ينزلق بعضهم، بسرعة، إلى مشروع انتحاري، صنعه الكبار، ويموت من أجله الصغار. لم يقرأ هؤلاء كتاباً عن الإسلام أو الجهاد، ولم يعرفوا شيئاً عن فقه الحرب وفقه السياسة. مع ذلك، وضعوا أرواحهم فوق أكفّهم، وسافروا إلى أرضٍ ليست أرضهم، وماتوا، أو أوشكوا على الموت، لأنهم لم يفكروا في فهم العالم قبل تغييره، ولا اهتموا بفك تعقيداته، قبل الدخول إليه.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان