كثرت المبادرات والخطط المطروحة لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، دون أن تفضي إلى تخفيف وقع الكارثة التي أصابت سوريا والسوريين، وذلك بالرغم من مرور أربع سنوات على بدء الأزمة.
وتبدو الممكنات الفعلية للحل المأمول ومتحققاته بعيدة المنال وفق المعطيات الراهنة، إذ لا يزال النظام السوري يعتقد أن بإمكانه القضاء على معارضيه، والعودة بسوريا وناسها إلى ما قبل الخامس عشر من مارس/آذار 2011. وفي المقابل، هناك من يعتقد من المعارضين للنظام أن بالإمكان إسقاطه عسكرياً.
وقد بات واضحاً للجميع أن الأزمة الوطنية العامة تحولت إلى حرب كارثية تخوضها إيران والمليشيات الطائفية (اللبنانية والعراقية والأفغانية وسواها) التابعة لها، دفاعاً عن بقاء النظام الأسدي ومن أجل إعادة تثبيته بقوة السلاح، ورغماً عن إرادة غالبية السوريين.
انسداد الأفق
تفترض أبجديات علم السياسة أنه للتوصل إلى أي حلّ سياسي لأزمة سياسية ما، يتوجب على الأطراف المتصارعة أن تحتكم إلى حقل السياسة وأن توليه اهتماماً، أو أن يُفرض عليها حل سياسي تتوافق عليه مجموعة من القوى الدولية بوصفها ضامنة لإنجاح خطواته، كما حصل في مواضع عديدة من العالم مثل دول البلقان ولبنان.
وهو أمر لم يحصل إلى يومنا هذا في الأزمة السورية، فالنظام الأسدي -الجاثم على صدور السوريين منذ ما يقارب نصف قرن- لا يعترف بالسياسة ولا يسمح للسوريين بخوض غمارها، بل وجرّد المجتمع السوري من أية ممارسة سياسية بعد أن صادر فضاءه العام.
وجسدت مصادرته إغلاق الحقل السياسي ومنع التواصل والاجتماع العام، وبالتالي منع أي نقاش أو حوار بين عموم السوريين يمكنهم من خلاله أن يتناولوا فيه شؤونهم ومشاكلهم وهموهم، ويبحثون فيه عن ممكنات ومعالم طريق الانتقال السلمي نحو مندرجات دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تضمن المواطنة وحقوق المواطن، وتنهي احتكار السلطة والاستبداد المقيم منذ عدة عقود.
"تبدو الممكنات الفعلية للحل المأمول ومتحققاته بعيدة المنال وفق المعطيات الراهنة، إذ لا يزال كل من النظام السوري والمعارضين له يعتقد أن بإمكانه القضاء عسكريا على الطرف الآخر"
وأفضى انتفاء السياسة ومصادرتها إلى اغتيال صوت العقل لصالح الجنوح إلى نهج أمني وعسكري لا يعرف سوى لغة القمع والتوغل في استخدام العنف المنفلت من عقاله، والذي حصد -ولا يزال يحصد- أرواح مئات الآلاف من السوريين، بعد أن قسّم النظام السوريين إلى معسكرين: "واحد معنا، وآخر ضدنا".
وكان ينظر إليهم -ولا يزال- بوصفهم خانعين اضطروا للوقوف معه أو خونة يقفون ضده، وعليه فتجب تصفيتهم ومحاربته باعتبارهم جراثيم ينبغي القضاء عليها، حسبما وصفهم بشار الأسد في بدايات الثورة.
وعلى هذا الأساس، بدأ النظام منذ أربعة أعوام شن حرب شاملة على المحتجين الذين كانوا سلميين وعُزْلاً في بداية الثورة، ورفع شعار "الأسد أو نحرق البلد".. و"الأسد أو لا أحد"، للتعبير عن بدئه حرباً شاملة، وبالتالي فلا يمكن لمن يمتلك مثل هذا العقل والنهج أن يحتكم إلى السياسة، أو أن يقبل بحل سياسي للأزمة.
ولذلك عمل النظام على إفشال كافة المبادرات والمقترحات والخطط الهادفة إلى إيجاد حل سياسي منذ أربعة أعوام، بدءاً من محاولات من كانوا في صف أصدقاء النظام مثل قادة تركيا وقطر وفرنسا، ومروراً بمبادرة الجامعة العربية وإفشاله مهمة المراقبين العرب ثم إفشاله خطة كوفي أنان، ووصولاً إلى إفشال مفاوضات مؤتمر جنيف-2، واعتراف الأخضر الإبراهيمي بإفشال النظام السوري لمهمته.
محاولات دي مستورا
بعد فشل مؤتمر جنيف-2 واستقالة الإبراهيمي، عُيّن ستيفان دي ميستورا مبعوثاً أممياً إلى سوريا، وطرح مجموعة من الأفكار لا ترقى إلى مصاف مبادرة لحل سياسي في سوريا، وتهدف إلى نسف الأساس السياسي الذي نهض عليه "اتفاق جنيف-1" في 30 يونيو/حزيران 2012، والمتعلق بالتوصل إلى تشكيل هيئة الحكم الانتقالية الكاملة الصلاحيات، وكذلك البنود الستة التي تضمنتها خطة كوفي أنان، بالرغم من حديثه عن أنه يستند إلى الاتفاق في تحركاته.
والبديل الذي قدمه دي ميستورا هو التركيز على "تجميد القتال" في مناطق محددة مقابل إدخال المساعدات الإنسانية إليها، وذلك انطلاقاً من فهم يقوم على اختصار الأزمة السورية إلى مجرد أزمة إنسانية، تحقيقاً لمقولته التي تعتبر أن "المشكلة الأساسية في سوريا تكمن في الأزمة الإنسانية".
لا جدال حول أهمية المسألة الإنسانية في سوريا التي يجب أن يضمنها المجتمع الدولي دون نقاش أو تردد، إلا أن ما يطرحه دي ميستورا، يتضمن خروجاً عن المهمة الأساسية التي أوكلت إليه، والمتمثلة في تكثيف جهوده لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة ويلبي طموحات الشعب السوري.
حيث بدأ يتنصل منها شيئاً فشيئاً، فطرح جملة من الأفكار التي تبدأ من الأسفل، دون المساس برأس نظام الحكم، وتحدث في البداية عن تجميد القتال في أكثر من 15 منطقة سورية، ثم عاد وتراجع عن طرحه -بسبب معارضة النظام- ليقتصر على تجميد القتال في مدينة حلب.
"عمل النظام على إفشال كافة المبادرات الهادفة إلى إيجاد حل سياسي منذ أربعة أعوام، بدءاً من محاولات من كانوا في صف أصدقائه، ومروراً بمبادرة الجامعة العربية وانتهاء بإفشال مفاوضات مؤتمر جنيف-2 "
وبعدها راح يتحدث عن "إيجابية النظام" وترحيبه بخطته، ثم أطلق تصريحات وقام بعدد من الزيارات إلى دمشق تصب في سياق رفع مستوى التنسيق مع نظام الأسد إلى مستوى تعويمه وإعادة تأهيله بإعادة الاعتراف الدولي به، وجعله شريكاً في الحرب على داعش، بل واعتبره جزءا من الحل في سوريا.
كما طالب المعارضة بالتوحد مع النظام "لمواجهة خطر داعش الذي يتهدد الجميع"، مستغلاً انشغال المجتمع الدولي وتركيزه على الحرب ضد تنيظم داعش، ليسوق أفكاره كي تتناغم مع الجهود الرامية إلى تحويل كل الجهود نحو هذه الحرب.
وتجاهل دي ميستورا -عن قصد ودراية- دور الأسد في جذب الإرهابيين وتوفير ممكنات تمددهم، لكونه المسؤول عن إطلاق سرحهم من سجونه، ولانسحاب قوات جيشه من العديد من المواقع لصالحهم، حتى باتوا قوة لا يمكن تجاهلها.
حصاد الروس
وبدورها، استغلت روسيا الفراغ السياسي الذي أحدثه تراجع الإدارة الأميركية في التعامل مع الملف السوري، وظهر تحرك روسي شحيح المحصول، تجسد في زيارات واتصالات قام بها عدد من المسؤولين الروس، بدءاً من التنسيق مع المسؤولين في كل من طهران ودمشق، ومرورا بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا، ووصولا جولات ميخائيل بوغدانوف (نائب وزير الخارجية الروسي) في كل من إسطنبول وبيروت والقاهرة، التي التقى خلالها شخصيات في المعارضة السورية، وانتهاء إلى عقد لقاء تشاوري بموسكو في الفترة ما بين 26 و29 يناير/كانون الثاني الماضي، بين وفد من النظام وآخر من المعارضة التي يمكن وصفها بأنها معارضة من أجل النظام وليست ضده.
وظهر أن ما بذله الساسة الروس من جهود وما طرحوه من أفكار لحل الأزمة السورية لم يرقَ إلى مصاف مبادرة متكاملة لها مرجعية وأسس وخطوات محددة، ولم يحظ برعاية دولية من طرف الدول الفاعلة في الملف السوري. ولذلك، بدوا وكأنهم يستغلون فراغاً سياسياً يحاولون إشغاله، في ظل غياب الفاعلين الآخرين في الملف السوري عن القيام بأي فعل لحل أزمته الكارثية.
وارتكز التحرك الروسي حيال الأزمة السورية على تطلع الساسة الروس للقيام بدور وسيط يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، لكن حيثيات تحركهم مشدودة إلى طرف النظام، وتحاول إعادة تأهيله وتلميعه بالنظر إلى الدعم العلني الذي قدمته روسيا إلى النظام السوري -على مختلف الصعد- منذ بدء الثورة السورية.
ولا تبتعد حيثيات التحرك الروسي عن فرضية مفادها أن النظام والمعارضة وصلا إلى نهاية الطريق في الأزمة، وأن حالة من الاستعصاء باتت تسود الوضع، بعدما تبيّن أن قوات النظام غير قادرة على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، مما يعني أن النظام لم يعد يحكم كل سوريا.
"لا يمكن لخطة دي ميستورا أن تعالج الأزمة الكارثية التي أصابت السوريين، وهي تضاهي التحرك الروسي لأنها لا تنظر في مسببات الأزمة، وتتغاضى عن الحرب الشاملة ضد أغلبية الشعب التي بدأها النظام الأسدي منذ اندلاع الثورة السورية"
وفي المقابل، فإن المعارضة أيضاً أضحت غير قادرة على الاحتفاظ بجميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها أمام هجمات النظام من جهة، وهجمات التنظيمات المتطرفة (خاصة "جبهة النصرة"، وتنظيم "داعش"، من جهة أخرى)، الأمر الذي يقتضي توحيد جهود المعارضة والنظام للوقوف في وجه التنظيمات والمجموعات الإرهابية.
ولا شك في أن الروس نسقوا تحركاتهم مع ساسة النظام الإيراني لتسويق حلّ سياسي للأزمة السورية يخدم النظام قبل كل شيء، ولم يفتهم التشاور مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته لموسكو مؤخراً.
وربما، تكفل الأخير خلالها بإطلاع السعوديين على الطرح الروسي، وتسويق مقولة إن الحرب ضد داعش هي حرب ضد الإخوان المسلمين أيضاً، وأن لا فرق بين الاثنين باعتبارهما "تنظيمين إرهابيين" بالنسبة له، وبالنسبة للمملكة السعودية التي تصر على إيجاد بديل عن بشار الأسد.
وأظهرت حصيلة التحرك الروسي أن الساسة الروس يهمهم التركيز على الشكل دون الاهتمام بمضمون ما يطرحونه، لذلك انفضّ لقاء موسكو التشاوري السوري/السوري دون أن ينتج عنه شيء يذكر بشأن التوافق أو الاتفاق على خطوات أو حتى مقدمات لحلّ سياسي للأزمة السورية، التي باتت تشكل كارثة مدمرة ضربت البلد وناسه، وبصورة غير مسبوقة في التاريخ السوري قديمه وحديثه.
ويبدو أن ما زرعه الروس قد حصدوه، حيث إن اللقاء لم يحضّر له جيداً قبل المجيء إلى موسكو، ولم يتضمن أجندة أو خطة أو سقفاً للتحرك، ولم توجه الدعوة إلى الكيانات والتشكيلات السياسية السورية المعارضة وصاحبة التمثيل والتأثير الحقيقي في سوريا، إضافة إلى رفض العديد من المدعوين بصفتهم الشخصية المشاركة في اللقاء.
وإذا كان التحرك الروسي يلتقي مع خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، فإن واقع الحال يكشف أنه لا يمكن لخطة دي ميستورا أن تعالج الأزمة الكارثية التي أصابت السوريين، وهي مثل التحرك الروسي لأنها لا تنظر في مسببات الأزمة، وتتغاضى عن الحرب الشاملة ضد أغلبية الشعب التي بدأها النظام الأسدي منذ اندلاع الثورة السورية.
ويدرك المتابع للنهج الذي يتبعه النظام السوري وسلوكه وممارساته أنه لن يقبل بأي حل سياسي للأزمة إلا حين يعي تماماً أن نهايته قد اقتربت، وأن كرسي السلطة قد بدأ يترنح تحت بشار الأسد، أو في حال خضوعه لضغوط وتهديدات خارجية جدية يشعر أيضاً بأنها قد تودي بكرسي حكمه.
وهذا ما شاهدناه حين اضطر إلى سحب قوات احتلاله من لبنان الذي بقيت فيه ثلاثين سنة، وحدث الأمر أيضاً حين سلّم مخزونه من الأسلحة والمواد الكيميائية في صفقة روسية أنهت تهديد الولايات المتحدة الأميركية بتوجيه ضربة عسكرية للنظام، وبالتالي لا يمكن أن يمتثل هذا النظام لأي حل سياسي بالطرق الدبلوماسية والوساطات، ومهما كثرت الخطط والمبادرات السياسية.
أظهرت جبهة النصرة منذ تأسيسها نهجا براغماتيا لافتا في التعامل مع تعقيدات المشهد السوري، وحاولت رغم صلاتها التأسيسة بالفرع العراقي المتمرد على تنظيم القاعدة المركزي تجنب الوقوع في صدام مع حواضنها الاجتماعية المحلية والتنسيق مع كافة الفصائل والقوى الثورية السورية على اختلاف إيديولوجياتها وتوجهاتها الفكرية والتنظيمية وارتباطاتها الإقليمية والدولية، وقد برهنت إبان صعودها عن قدرتها ومرونتها بالتكيّف مع المشهد الثوري المتقلب، وعلى الرغم من ارتباطها بتنظيم القاعدة إلا أنها حافظت على نهج معتدل نسبيا في تدبير الخلافات مع الفصائل المقاتلة المحلية، لكن صعود تنظيم الدولة الإسلامية وبروز التدخلات الإيرانية وتشكيل التحالف الدولي، عمّق من أزمة النصرة الإيديولوجية والتنظيمية باعتبارها حركة إرهابية، وباتت مستهدفة من كافة القوى المحلية والإقليمية والدولية.
لعل مقتل القائد العسكري لجبهة النصرة أبو همام الشامي في 5 آذار/ مارس 2015، إلى جانب عدد من القيادات البارزة (أبو عمر الكردي، وأبو مصعب الفلسطيني، وأبو البراء الأنصاري)، يكشف عن عمق الأزمة التي تعاني منها جبهة النصرة، إذ لم تصدر النصرة بيانا يوضح ملابسات عملية قتله مع رفاقه، وهل هي بغارة جوية لقوات التحالف أم أنها بقصف لطائرات النظام أم بعملية من أحد الفصائل أم نتيجة لصراع داخل النصرة، أم هي عملية مركبة من جهات عديدة، وهل تؤسس عملية اغتيال الشامي مرحلة جديدة في مسار جبهة النصرة كما حدث عقب اغتيال أبو خالد السوري، فقد تزامنت عملية اغتيال أبو همام الشامي مع بروز الجدل حول إمكانية فك ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة والتكيّف مع الشأن المحلي، وإذا كان مقتل أبو خالد السوري قد حسم توجهات النصرة آنذاك باتجاه تعريف تنظيم الدولة الإسلامية كعدو تجب محاربته والذي كان يعارضه السوري، فإن الشامي كان يعارض تعريف حركات وفصائل مسلحة كحركة حزم وجبهة ثوار سوريا وغيرها كصديق، ولعل غيابه يفضي إلى دخول النصرة في تكيّفات وتحولات جديدة تشدد على هويتها السورية المحلية وحسم علاقاتها مع المقاتلين العرب والأجانب، وفق عملية تفضي إلى محاولة إعادة تأهيلها واستدخالها كقوة مستقبلية معتدلة.
يمثل أبو همام الشامي (سمير حجازي) أحد أهم القيادات الجهادية المعولمة داخل جبهة النصرة، فهو يتوافر على تاريخ جهادي حافل فقد عرف داخل تنظيم القاعدة بــ "فاروق السوري"، ذهب إلى أفغانستان أواخر تسعينيات القرن الماضي (1998-1999)، والتحق بأبي مصعب السوري لمدة عام في معسكر "الغرباء"، وعين أميراً على منطقة المطار في قندهار، وهو من القلائل الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة ممن تعاملوا مع أسامة بن لادن وأبو مصعب السوري وأبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المهاجر، وقد بايع أسامة بن لادن الذي عيّنه مسؤولاً عن السوريين في أفغانستان، وشارك في بعض معارك القاعدة، وقد بعثه المسؤول العسكري للقاعدة مصطفى أبو اليزيد إلى العراق أثناء تحضير الولايات المتحدة لغزو العراق، ثم اعتقل على يد المخابرات العراقية وتم تسليمه لسوريا، التي أطلقت سراحه، حيث عاد إلى العراق واستلم منصب المسؤول العسكري لمكتب "خدمات المجاهدين"، إلا أن الأمن السوري اعتقله مجدداً عام 2005 ضمن حملة أمنية واسعة قام بها ضد متهمين ومتورطين بما وصفها بـ"أعمال إرهابية أو تنظيمات جهادية ودينية متشددة"، ثم أطلق سراحه مرة أخرى فغادر إلى لبنان، ومنه عاد إلى أفغانستان مجدداً، قبل أن تطلب منه قيادة القاعدة العودة إلى سوريا، وفي طريق عودته إلى سوريا اعتقل مجدداً في لبنان، لمدة خمس سنوات، وفور الإفراج عنه 2012 دخل سوريا والتحق بـ"جبهة النصرة"، وشغل منصب القائد العسكري العام للجبهة.
لقد حافظت جبهة النصرة على مدى سنوات على نهج يقوم على الحفاظ على علاقات ودية مع كافة فصائل الثورة السورية، وتجنبت الصدام مع كافة القوى المحلية والإقليمية والدولية، وقدمت تطمينات عديدة بعدم فرض رؤيتها حول مستقبل سوريا واعتماد منهج الشورى في تدبير الخلافات وإدارة المناطق المحررة، والحرص على تقديم الخدمات والإغاثة للجميع، وعدم الانفراد في تحديد شكل الحكم، وتأجيل موضوع تطبيق الحدود وإقامة الشريعة، إلا أن ذلك لم يفلح في إعادة النظر بالتعامل مع النصرة كحركة إرهابية.
عندما تشكل التحالف الدولي للتصدي لتنظيم الدولة الإسلامية، كانت جبهة النصرة هدفا مفضلا لغارات التحالف الجوية منذ 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي الوقت نفسه بدأت الفصائل والقوى السورية الموسومة بالاعتدال من طرف الولايات المتحدة وحلفائها تنشط في تقديم خدماتها للحلول مكان الحركات الإسلامية الموصوفة بالتطرف والإرهاب، وبعد ستة أسابيع من بدء الضربات الجوية في سوريا حسمت جبهة النصرة والحركات الإسلامية أمرها بالتعامل مع حلفاء أمريكا وشركائها المحليين باعتبارهم "عملاء"، ودخلت مؤخرا جبهة النصرة في صدام مسلح في ريف إدلب، واستولت على معاقل كل من "جبهة ثوار سوريا"، وحركة "حزم"، وباتت المنطقة تقع تحت سيطرتها التامة.
انتصارات جبهة النصرة بقيادة أبو همام الشامي على الفصائل المعروفة بقربها من الولايات المتحدة حلفائها الإقليميين كانت مزعجة لقوات الحلفاء التي تعمل على بناء معارضة محلية سورية معتدلة، فهي تعيد إلى الأذهان صورة جبهة النصرة التي فقدتها منذ الخلاف والصدام مع أشقائها في تنظيم الدولة الإسلامية، عندما كانت تحقق نجاحات كبيرة، وتستقطب مقاتلين محليين وأجانب، وتتمتع بدعم واسع النطاق من الجهادية العالمية، فقد تمكنت النصرة حتى كانون أول/ ديسمبر 2012 من تنفيذ عمليات كبيرة، وأعلنت عن مسؤوليتها عن أكثر من 500 هجوم، منها سلسلة من الهجمات الانتحارية.
وبفضل تميزها عن جماعات الثوار العاملة في سوريا، فقد اكتسبت شرعية لدى أفضل المُنظرين الجهاديين في العالم، الذين دعوا المناصرين على المستويات الشعبية في جميع أنحاء العالم إلى المساعدة في تمويل الجماعة أو الانضمام إليها، وقتها لم تنتظر الولايات المتحدة طويلا على محاولة "جبهة النصرة" التعمية على هويتها وانتمائها، فقد أدرجتها على قائمة الإرهاب في 11 كانون أول/ ديسمبر 2012، واعتبرتها امتداداً للفرع العراقي للقاعدة والمعروف باسم دولة العراق الإسلامية. وكما فعلت إدارة أوباما آنذاك بمحاولة وأد صعود "جبهة النصرة" في المهد وعزلها من خلال تصنيفها كمنظمة إرهابية، هي الآن تعمل على وأدها عسكريا وتفكيكها استخباريا.
مقتل أبو همام الشامي ورفاقه واستهداف الجناح المعولم داخل النصرة ممثلا بمجموعة "خراسان" سوف يفضي إلى مزيد من التصدع في صفوف النصرة، وقد نشهد سلسلة من الانشقاقات، وبروز نهج مختلف في التعامل مع تطورات مشهد الثورة السورية والحالة الإقليمية والدولية المرتبكة، فالنصرة لا تتوافر على هوية إيديولوجية متجانسة ولا تنظيم مركزي متماسك، وهي في حالة مراجعة دائمة وأجنحة متصارعة وأهداف متبدلة، وخياراتها محدودة، ومعظم المقاتلين العرب والأجانب في حالة من الارتباك والشك وخياراتهم تتجه صوب الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية، فحروب الأنصار أوشكت على نهايتها والحواضن الشعبية المحلية لم تعد كما كانت عليه، وبهذا فالنصرة كما عرفناها توشك على الأفول والزوال بانتظار سلالات جديدة عنوانها مفارقة تنظيم القاعدة وتأسيس معتدلي التحالف الدولي وأخرى تنتظر معانقة الدولة الإسلامية.
لم يخف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حقيقة الموقف السعودي وعمقه بالنسبة الى موضوع السياسة التوسعية الايرانية في الشرق الاوسط، حين ألصق وصف "الاحتلال" بايران قائلا خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الاميركي جون كيري الذي كان يزور الرياض "ان ايران تحتل اراضي عربية وتشجع الارهاب". لقد كان موقفا قويا جدا، اذ لامس وضع ايران ووضعها في المرتبة نفسها مع اسرائيل التي توصف بدولة الاحتلال. ولكن بالرغم من قوة الموقف السعودي الذي رأى في سياسات ايران في العراق وسوريا واليمن ولبنان تهديدا مباشرا للامن العربي، فقد بدا الموقف الاميركي الذي عبر عنه الوزير جون كيري ضعيفا، بل انه في مكان آخر.
هذه ليست بداية الخلاف العربي - الاميركي حول الدور الايراني. فالخلاف مع ادارة الرئيس باراك اوباما لم يتوقف منذ بداية الثورة السورية في عام ٢٠١١، وخصوصا ان سياسة الادارة الاميركية الراعية لبقاء نظام بشار الاسد منذ البداية، والاكتفاء بمواقف كلامية لا طائلة منها، أدت الى نحر المعارضة السياسية السلمية والمعتدلة بداية، ثم المعارضة المسلحة المعتدلة مرة على يد النظام، ومرة أخرى على يد التنظيمات المتطرفة التي جرى فتح الابواب امامها لدخول سوريا بكل الاشكال، ولا سيما من جانب النظام وحلفائه الذين آثروا دخول التنظيمات مثل "داعش" وغيرها، وتدمير سوريا بأسرها على رؤوس اهلها، على مواجهة المعارضة السياسية او المسلحة المعتدلة.
في مطلق الاحوال، ثمة وعي عربي مستجد (تأخر كثيرا) لخطورة الاختراق الايراني للمنطقة. فمشهد قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني الذي يتجول بين العراق وسوريا ولبنان لادارة الحروب فيها، ولقيادة آلاف المقاتلين من ميليشيات مذهبية مختلفة، وصولا الى قوات نظامية، لم يحصل من قبل. ولم يحصل أن جاهر مسؤولون حكوميون او برلمانيون بسيطرتهم على عواصم خارجية كما جاهر الايرانيون. هذا لم يحصل حتى ايام السيطرة السوفياتية على اوروبا الشرقية. لقد كان سعود الفيصل في وصفه الاختراق الايراني بالاحتلال حاسما بالنسبة الى موقف السعودي، ولكنه في المقابل رحّب بالمفاوضات حول البرنامج النووي الايراني، معتبرا ان اي اتفاق يمنع ايران من حيازة اسلحة نووية يكون جيدا.
لقد تطور الموقف العربي من السياسات الايرانية على نحو كبير، ولكن لم يقترن الموقف بعمل جاد لانشاء تحالف عربي حقيقي لمواجهة "الاحتلال" كما سماه الامير سعود الفيصل. فحتى الآن لم يظهر اي تطور جذري على الارض في سوريا. وهنا بيت القصيد والاساس. فمن دون اسقاط نظام بشار الاسد، الحاق الهزيمة بالايرانيين وبميليشياتهم، وعلى رأسها "حزب الله" لن يكون ممكناً عكس المسار في الاتجاه الآخر، اي تحرير المشرق العربي.
لذلك يفترض العمل بجدية وبسخاء على خط بناء التحالف الرباعي السعودي - المصري - التركي - الاردني لاسقاط النظام من الشمال والجنوب، أيا يكن الموقف الاميركي. على الدول الاربع ان تحل خلافاتها وتتجاوز ادارة اوباما باسقاط نظام الاسد مهما كلف الامر.
انقلب السحر على الساحر، هذه المرة أيضاً، ووجدت الأطراف، التي تجاهلت الظاهرة الأصولية، أو حابتها ودعمتها بصور مباشرة، أو غير مباشرة، نفسها في مواجهة ما سكتت عنه، أو صنعته أيديها.
... لا أريد اتهام الخارج بالوقوف وراء تأسيس تنظيمات أصولية، على الرغم من كثرة المعلومات التي تؤكد ضلوع دول كبرى وإقليمية في تشكيل هذه التنظيمات ودعمها. لكنني لا أستطيع أن أكون ساذجاً إلى حدٍ يجعلني أصدق أن "داعش" هبطت إلى سورية من السماء، وأن من روجوا أصولية الثورة، عندما كان عدد الأصوليين في بعض تنظيماتها لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، لم يكونوا يعلمون ما يفعلون، وأن دولة عظمى رصدت أقمارها الصناعية، قبل خمسين عاماً، بدقة مذهلة محصول القمح والشعير في القارة الصينية الشاسعة، لم تلاحظ بما لها من أعين كونية ولواقط فضائية ومجسّات إلكترونية فائقة التطور ما يجري على أرض سورية وحدودها، وإن من يسجل من أميركا مخابرات سيارات الشرطة في روسيا لم يسجل مخابرات "داعش" وأضرابها.
ولا أصدق، أيضاً، أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الإرهاب كانت تجاهله، وتركه يستفحل إلى درجة تتحدى أقوى القوى المحلية، بما فيها جيش العراق الذي أشرفت أميركا على تدريبه وتسليحه طوال عقد، وبلغ تعداده، مع أجهزة القمع، قرابة مليون شخص، وامتلك من السلاح ما لم يمتلكه غيره، وجيش الإقليم في أربيل الذي كان، وما زال، يحظى بمزايا واضحة في التعامل الدولي مع منطقتنا. ولا أصدق، أيضاً، أن من يحصون أنفاس السوريين، كي يفرزوا الصالح منهم عن الطالح، لم يفكروا بخطورة الابتلاع الإرهابي الجيش الحر ومعظم المناطق التي حررها. أخيراً، لا أصدق، لأن هؤلاء الجبابرة لم يروا كيف كان الإرهاب يفتك، بأشد الصور تبجحاً وعلانية، بالعناصر والقوى الديمقراطية في مواضع انتشاره وسيطرته، وأنهم كانوا ضد ما يفعله.
هل كان الذين أمسكوا بقضيتنا، وساعدت سياساتهم عن نظام الأسد على تحويل ثورة حرية قام السوريون بها إلى اقتتال مفتوح، وسورية من دولة ربيع عربي إلى مكان تدار، من خلاله، صراعات المنطقة المتعددة بدماء شعبنا، يجهلون أن ما يفعلونه سيفضي إلى القضاء على القوى الديمقراطية، أو على أقل تقدير إلى إضعافها لصالح النظام والأصوليين/ الإرهابيين، وأن تلاشي هذه القوى وصعود التنظيمات التكفيرية، في وقت واحد، سيضعهم أمام تحديات صريحة ولا أسرار فيها، أم إن ما وقع هو ما خططوا، عن سابق عمد وتصميم، لإحداثه ونجحوا فيه؟ ألا نكون سذجاً إذا لم نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة، ونستخلص منها النتائج الضرورية لإعادة تصويب مواقفنا تجاه القوى الإقليمية والدولية، التي مكنتها غفلتنا، وما زالت، تمكنها من الركوب على ظهورنا، وسوقنا إلى حرب نخوضها بالنيابة عن عسكرها؟
ليس صحيحاً أن الحرب على الإرهاب كانت في أولويات من أداروا مأساتنا، فقد سبقتها الحرب على الديمقراطية والديمقراطيين، التي تعاونوا فيها مع الأسد، وعانى شعبنا الأمرين منها، ونرى، اليوم، نتائجها في كل مخيم ومشرد ومهجر ومعتقل وميت تحت التعذيب ومقتول بالأسلحة المحرمة دولياً، من كيماوية وبراميل متفجرة وصواريخ فراغية وغازات سامة.
إذا كانت الحرب ضد الإرهاب صعبة وطويلة، فلأنها جاءت، بعد حرب أولى أضعفت وأنهكت قوى الاعتدال الديمقراطية، وأخرجت قواها الرئيسة من الصراع ضد الإرهاب، بعد أن حاربته بمفردها طوال نيف وعام. وما يجري، اليوم، هو انتقام النتائج التي ترتبت على سياساتهم منهم، وانتقام الديمقراطية من أعدائها الدوليين.
كلام قد لايعجب الكثيرين … ولكن هذا هو المشهد اليوم
الموالون و “المنحبكجية ” متفقون على شخص “الديكتاتور ” بشار الاسد ويلتفون حوله كقائد لهم ولم نسمع بصدامات مسلحة بين فصائلهم وقواتهم وهذا سبب بقاء مايسمى ب ” نظام ” إلى الان .
اما المشهد في صفوف ” الثواااار ” هم منشغلون بالقتال بين بعضهم البعض ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن صدام مسلح بين الفصائل المسلحة والاتهامات متعددة ! هذا على الجانب العسكري , اما على الجانب السياسي والثوري والنشاط على صفحات التواصل الاجتماعي ” للأسف ” لم تترك شخصية معارضة او ثائرة او ناشط او ناشطة الا وقلل من شأنها واحترامها و تم شتمها والتهكم عليها و وصلت الامور في كثير من الاحيان إلى حد التخوين و الاتهام العمالة , كأننا تخلصنا من النظام المستبد ونعيش في بلد ديموقراطي مستقر لاينقصه الا ممارسة اخر واسخف شكل من اشكال الديموقراطية وهو الشتم والنقد والتجريح والتهجم على أي شخصية تبرز ” سياسياً ” وتحاول ان تتقدم المشهد ,والتي يفترض بها ان تقود هذه المرحلة الصعبة ويقدم لها كل الدعم والعون ممن يدعون انهم ” جمهور الثورة ” كل ذلك لمصلحة من ؟ هنا نتكلم عن ( الشخصيات الوطنية المعارضة ) التي كانت تستحق الدعم والمساندة والنصح والعون والتي باتت اليوم بعيدة كل البعد عن مركز القرار و استبعدت او ابعدت مرغمة عن المشهد الثوري , هل يعقل ان تعجز الثورة السورية العظيمة عن تقديم شخصية قيادية يلتف حولها الناس ويتفق عليها الناس بعد اربع سنوات من التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري !؟ اين الخلل ؟ من المسؤول ؟
لم يترك رجل من المعارضة ولافصيل ولا حزب ولا ناشط ولا ثائر الا واختلفوا عليه و وجهوا له كل انواع واشكال النقد والتهكم والشتم, . من منا انساناً كاملاً وبلا اخطاء ؟!
صراعات وخلافات المعارضة الحاصلة اليوم , هي مرآة لحالنا جميعا نحن لسنا افضل حال منهم.
نحن ايضا نحتاج لإصلاح وإعادة تأهيل (تربوي ومجتمعي) وأخلاقي … المعارضة والنظام لم يأتوا من الفضاء الخارجي بل هم ابناء سوريا ويعكسون ثقافة وحال وفكر شريحة من الشعب السوري . هنا نتكلم عن فئة الفاسدين و الطامعين والمتصارعين والمتسلقين وعن جمهور الشتامين والمخونين والمشككين والغوغائيين ,
طبعا باستثناء النخبة من صفوة شباب وشابات سوريا الاحرار الذين اطلقوا هذه الثورة وضحوا بدمائهم وحاضرهم من أجل حريتنا جميعاً. فهؤلاء الأبطال هم اليوم إما في المعتقلات يعانون شتى أنواع التعذيب والذل والقهر ,أو استشهدوا في أجل الثورة وحرية الشعب السوري .ومن تجاوزه الموت أو الاعتقال من تلك النخبة الثائرة ,إما هاجر او تنحى جانبا , مندهشا مذهولا مما يحدث على الارض ,عاجز وسط فوضى السلاح والسياسة و فوضى ( الثورة ) الحاصلة اليوم , هو مازال ثائراً بقلبه وفكره لكن لاحول له ولاقوة . ومعهم من يقبع في مخيمات اللجوء وراء الحدود يعاني القهر والحسرة ولايملك من أمره شيء ولا أحد يسمع صوته , وهناك من يقبع في الداخل تحت سطوة النظام يعيش الرعب والخوف والقهر كل يوم , ومنهم من حمل السلاح ليدافع عن نفسه وترك للمصير المجهول دون دعم أو عون ,
كل هؤلاء ضاع صوتهم وسط الغوغاء الحاصلة بين جمهور الموالين المتفقين على قائدهم المجرم و بين جمهور ( المعاااارضين !!!! ) الذين لم ولن يتفقوا على رجل حتى لو كان ” منزلاً ” من السماء.
حين نتمكن من الاتفاف والالتفاف حول شخصية وطنية واحدة على الاقل في هذه المرحلة الحرجة والصعبة التي نعيشها منذ سنوات للعبور من هذا النفق , ان تمكنا من ذلك حينها ” فقط ” ربما سنقترب من تحقيق النصر والحسم الذي يبدو مازال بعيداً للاسف وفق المعطيات الحالية ,مالم نعمل جميعا على تغيرها بانفسنا اولاً , هنا نتكلم عن المرحلة الاولى من النصر وهي اسقاط النظام , فالدرب امامنا مازال طويل ويحتاج لجهد الجميع, فنصر الثورة السورية لن يكون بسقوط النظام فقط , امامنا ثورة كبيرة مابعد السقوط , ثورة بناء وتنمية وعمل واعادة ثقة وتضميد للجراح,
هذا طبعاً ان استبعدنا الصراع السياسي الذي سيحصل على السلطة , وما اهون الصراع السياسي امام الصراع العسكري المسلح , فيبدو وفق ما يحصل اليوم على الارض ,بات من غير المستبعد انه سيكون هناك صراع عسكري دامي بين الفصائل المسلحة متعددة الولاءات والقيادات .
لن يتغير المشهد الحالي لا اليوم ولا غداً ,مالم نجتمع على قلب رجل واحد وندعم بعضنا البعض ونثق ببعضنا البعض ونحترم بعضنا البعض ونبتعد عن الانشغال بصغائر الامور , علينا العودة لثورتنا وعلمنا و شعاراتنا وما اقسمنا عليه , ونقف صفاً واحداً كما بدأنا , انتبهوا جيداً ولا تأخذكم الحمية والانسياق وراء الاوهام كونوا على يقين ان من يحمل السلاح وله مشروعه ” الخاص ” ورايته الخاصة وحلم دولته وامارته وتنظيمه واميره ومعهم الجمهور الذي يصفق لهم كل هؤلاء شركاء في تفريق الصفوف وضياع الثورة والحلم السوري بالحرية والعدالة والديموقراطية , نعم كل هؤلاء لاتعنيهم ثورتكم بشيء ولاتهمهم حريتكم و لا تضحياتكم , لاتنتظروا منهم شيء , هؤلاء ان كانوا “صادقين ” عليهم ان يعملوا لاجلكم ولمصلحتكم ويحققوا حلمكم وتطلعاتكم بالحرية , على هؤلاء ان ينضموا اليكم لااا ان تنضموا انتم اليهم , فأنتم الشعب وانتم المرجعية وانتم الشرعية وانتم اصحاب الثورة وانتم من اطلقها وانتم من قدمتم التضحيات ,
تماسكوا وعودوا كما بدأتم واتفقوا على قائد وطني “شريف ” فسوريا لا تخلوا من العظماء , دافعوا عن ثورتكم وكونوا اوفياء لتضحيات الشهداء والمعتقلين لنحقق النصر …
من سوريا اليوم، وبعد أربعة أعوام من ثورة تحولت إلى كابوس، يعاني 11 مليون نازح سوري، منهم أكثر من سبعة ملايين نازح يجدون صعوبة في توفير أبسط حقوق: الغذاء والدواء والملجأ الآمن.
11 مليون ! هو العدد الإجمالي للاجئين في 16 دولة في وسط وشرق إفريقيا، حسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
هي واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ، وواقع صادم، وأوضاع أقل ما توصف بالمأساوية، بهذه العبارات تفتتح التقارير الأممية التي تتحدث عن واقع النزوح السوري، وأما ردات الفعل الدولية و العملية على هذه التقارير، فلم تتعد المطالبة بهدن قصيرة وتجميد الصراع في حارات أو شوارع أو أحياء، مشروط ببنود غير مقبولة – لإدخال المساعدات- تجد فيها المقاومة السورية الشعبية مزيداً من الفوضى والتدهور الأمني والاقتصادي على الشعب لا أكثر .
مشاريع سياسية تتخفى وراء عبارات إنسانية ، بحجة إدخال المساعدات الإنسانية أو إخراج النساء والأطفال والمسنين، من وراء جحيم حصار الموت و القهر إلى جحيم الخيمة وذلها ليصارعو موتاً من نوع آخر.
للأسف؛ لم ترق استجابة المجتمع الدولي إلى اليوم إلى مستوى فك حزام الجوع عن المحاصرين، وذلك على الرغم من التحذيرات المستمرة للمنظمات الإنسانية، والتنبيه إلى أهمية اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لرفع المعاناة عن اللاجئين، و تخفيف الضغوطات عن الدول المضيفة، إلا أن أياً منها لم يلق إلى اليوم أذناً صاغية.
مساع شعبية كبيرة قامت بها منظمات إنسانية و إغاثية و خيرية، بجهود فردية مخلصة تهدف إلى جمع التبرعات وتقديم المعونات والإغاثات للشعب السوري، لكن هل حقاً يمكن أن تغطي هذه الجهود احتياجات 11 مليون نازح، يعاني أكثر من سبعة ملايين منهم الجوع لنقص التمويل، وفقاً لمؤشرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وما يدفعنا للوقوف مطولاً قبل البحث في أي مفاوضات أو مبادرات سياسية تطرح على الطاولة، وتعنون بمانشيتات الحلول السلمية للصراع الدموي في سوريا، أو حلول الإنقاذ، أو موائد الحوار السوري – السوري، وما إلى ذلك من شعارات هو هذا التخاذل الأممي المعيب لإيجاد صيغ وأساليب للضغط على الأطراف المسلحة كاقة في سوريا، من أجل إقامة ممرات آمنة للمدنيين ومناطق عازلة تحمي من بقي منهم من همجية المطامع السياسية التي تستلهم كل ما هو وحشي و قمعي و لا إنساني، ليمارس على الشعب السوري ، دون أي محاسبة.
فعلاً واقع أقل ما يوصف بأنه صادم، فكيف تدعو الأمم المتحدة اليوم الشعب السوري ليؤمن بأنها اليد القوية التي ستحمي حقه كإنسان، وهي إلى اليوم لم تقدم خطوة حقيقية لحماية حقه في الحياة وضمان وصول الإغاثات الإنسانية التي تسد رمقه و تمنع عنه الموت جوعاً . منظمة العفو الدولي من جهتها أيضاً، قدمت تقريرا عما وصفته "بالتقاعس الدولي" تجاه قضية اللاجئين السوريين، ملقية الضوء على دول الخليج التي يعد بعضها من أثرى الدول في العالم، و التي امتنعت عن استضافة أي لاجئ سوري، و على العكس من ذلك شددت الحصار لمنع السوري من دخولها، و قد علقت بعض المطارات إعلاناً ( ممنوع دخول السوري).
الملايين بل المليارات اليوم تصرف على تمويل وتسليح الأطراف المتصارعة في سوريا ، ولكن عندما نسأل عن الإغاثة فهي مهددة بين الفينة والأخرى بالتوقف والسبب نقص التمويل !
وقد أدركت المقاومة الشعبية السورية، بألا أمل إلا بالاستعانة بالله، و الاعتماد على الذات ووضح ذلك من خلال شعاراتهم التي هتفت " يا الله ما لنا غيرك يا الله" كذلك أدرك النشطاء و العاملون في مجال الإغاثة، بأنه لا بد من العمل الجاد من أجل جمع الفتات لسد ما يمكن سده من احتياجات النازحين من الغذاء إلى الحذاء، وقد سيرت الحافلات المحملة بالدفء والأمل متوجهة إلى مخيمات السوريين ، لكن الطريق إليها لم يكن يوماً يسيراً ، فكم من شحنات أدوية فَسُدت و كم من أغذية سَوست قبل أن تصل إلى من يحتاجها ، والسبب الذي جاء على لسان ناشطين، إجراءات أمنية صارمة !
قد توقفها شهوراً حتى تصبح غير صالحة للاستهلاك في كثير من الأحيان، فهل الأمم المتحدة "حقيقة" عاجزة عن اتخاذ التدابير وسن الأنظمة و القوانين الملزمة لتسهيل مرورها و فتح معابر آمنة لإيصالها .
لا الروابط الدينية و لا اللغوية كان لها تأثير يذكر في سياسة الحكومات العربية إلا من رحم ربي، إذ لا نغفل دور المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب السوري، أما تركيا التي أعلن ممثلها في الأمم المتحدة أنها أنفقت 6 مليار دولار على ضيوفها السوريين، فهي إلى اليوم الأكثر رفقاً بإنسانية السوري.
و ما نراه اليوم من مواقفها الداعمة للمعارضة السورية مقارنة بنظيراتها من الدول الإقليمية والإسلامية يجعلنا نتفاءل بأن يؤثر إيجاباً في مستقبل سياسة السلطات السعودية و يحفز الملك الجديد "سلمان" على دعم أكثر فاعلية للسورين سواء أكانوا نازحين أم مقاومين على الجبهات ، بحيث يشكل تغييراً حقيقياً في الواقع السوري الأليم، و خصوصا بعد لقاء أردوغان في زيارته الأخيرة الذي نتوقع أنه قدم التطمينات الكافية تجاه المخاوف المشروعة للعاهل السعودي، من الجبهات الإسلامية المعارضة التي تشكل النسبة الأكبر من المقاومة السورية الشعبية ، و بأنه في أغلب الظن أكد على وسطيتها واعتدالها ، التي لمسها جيداً في أثناء مراقبته لما يحادث في حدوده و أرض الجوار.
هذا وطرحت في الفترات الماضية قضايا أثارت الرأي العام العربي و الدولي ، كإجراءات منع الإقامة أو الزيارة أو دخول المطارات ، حتى ولو كان السوري يحمل جواز سفر أمريكي أو أوروبي ! و ترى أوساط شعبية أنه من المخزي أن توقف تأشيرات العرب السوريين الذين يعانون الأمريًن ، ثم تشرع الأبواب لما يقل عن 35 جنسية غربية دون قيد أو شرط ، بل تفرض على تنقل المقيمين بين دول الخليج قيوداً جديدة لم تكن موجودة قبل الثورة .
ليبقى التساؤل المشروع، إلى متى ستبقى السياسة عائقاً في وجه إنسانية الإنسان، غير عابئة بغضب الله وخطية المظلوم، فإذا كانت السياسة لا دين لها هل نقول أيضاً: السياسة لا أخلاق لها؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). احشدوا الجيوش، واصنعوا التحالفات من عشرات الدول، وهاجموا مواقع التنظيم في سوريا والعراق وليبيا وفي أي مكان آخر. واشغلوا الدنيا إعلامياً بأفعاله وشيطنوه. قولوا إن داعش أكبر تنظيم إرهابي متوحش لا يمت للحضارة الإنسانية بصلة. لن نعارضكم. ماذا تريدون أكثر من هذا؟ لا أعتقد أن أحداً يستطيع الآن أن يتهمنا بأننا داعشيون أو حنكوشيون أو فنطوشيون. الحمد لله.
وبما أننا الآن برأنا ذمتنا، واعترفنا لكم، لا بل زايدنا عليكم في شيطنة داعش، نرجوكم الآن أن تجيبوا على بعض الأسئلة البسيطة التي يسألها ملايين العرب البسطاء وهم يرون الحشود الدولية التي تجهزونها ضد داعش إعلامياً وعسكرياً وأمنياً في العراق وسوريا وليبيا. لماذا ثارت ثائرتكم عندما احتل داعش مدينة عراقية، فأسرعتم إلى اتخاذ القرارات العاجلة حتى بدون العودة إلى مجلس الأمن الدولي أو استشارة أحد للتصدي لداعش وإخراجه من مدينة الموصل والمناطق العراقية الأخرى أولاً، ثم محاربته لاحقاً على الأرض السورية عن طريق جيش سوري جديد تدربه أمريكا خصيصاً لهذه المهمة؟ ما الفرق بين اقتحام داعش لمدينة الموصل العراقية واقتحام الحوثيين، أنصار إيران، لمدينة صنعاء اليمنية؟ لماذا الأول إرهاب والثاني ليس إرهاباً؟ أيضاً لا تفهمونا خطأً هنا، فنحن لا نعارض ما تقومون به أبداً. لكن بالله عليكم ألا يصب تصديكم لداعش بهذه الضراوة في سوريا والعراق في مصلحة نظام بشار الأسد وإيران أولاً وأخيراً؟
نحن نعرف جيداً أن إيران تعتبر داعش أكبر خطر يهدد أمنها القومي منذ عقود، بدليل أنها اختارت أبرز جنرالاتها قاسم سليماني ليقود المعارك ضد داعش في العراق. وفي المحصلة النهائية يشكل داعش أيضاً تهديداً رهيباً للنظام الأسدي، ولن نفاجأ ذات يوم إذا وجدنا قوات التنظيم في قلب الساحل السوري أو حتى في قلب دمشق يقطعون رؤوس أنصار الأسد. فإذا كان داعش يشكل كل هذا الخوف والرعب للإيرانيين وأذنابهم في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ألا يعتبر الحشد الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» عندئذ دعماً غير مباشر لإيران وبشار الأسد؟ بعض البسطاء يضعون السؤال بطريقة أبسط: ألا يصبح نظام الأسد بعد كل ما فعله بسوريا والسوريين في وضع مريح جداً بعد أن تتخلصوا له من أكبر خطر يهدد نظامه، ونقصد داعش طبعاً؟ من يبقى على الأرض للتصدي لجيش الأسد وحلفائه الشيعة غير تنظيم الدولة، يتساءل محمد شام في موقع «تويتر»؟ نحن لا نقصد من هذا الكلام أننا نؤيد داعش. لكن من حقنا أن نسأل هذا السؤال: لماذا تقضون على وحش داعش، وتتركون الوحش الأسدي؟ داعش ذبحت بضعة أشخاص بطريقة بشعة للغاية، وحرقت شخصاً بطريقة همجية، لكن بشار الأسد حرق وطناً بأكمله بطريقة نيرونية، وشرد خمسة عشر مليوناً من بيوتهم. أيهما أولى بالاجتثاث أولاً؟ جماعة إرهابية، أم دولة إرهابية؟
لا بأس. ربما لا نعرف مخططاتكم لاحقاً في سوريا بعد القضاء على داعش. لكن يبقى سؤال أهم: ألا تعتبر الحملة الدولية ضد داعش محاولة مفضوحة لتسهيل التغلغل والتمدد والتوسع والاحتلال الإيراني للعديد من البلدان العربية؟ قبل أسابيع فقط تفاخر أحد أبواق الحرس الثوري الإيراني بأن إيران احتفلت أخيراً باحتلالها للعاصمة العربية الرابعة بعد أن سيطر أنصارها الحوثيون على صنعاء. لم نسمع ولا حتى تعليقاً أو عتباً دولياً على إيران بعد أن اعترفت بعظمة لسانها باحتلال بلدان عربية. وبينما كانت الطائرات العربية والأمريكية والغربية تدك مواقع داعش في العراق وسوريا، كان الحوثيون يغزون صنعاء، ويذبحون اليمنيين في الشوارع أمام عدسات التلفزيون والسفارة الأمريكية في صنعاء. ولم نسمع مجرد تعليق بسيط، فما بالك إدانة للغزو الحوثي الإيراني لا سمح الله.
وقبل أسابيع كلنا شاهد القائد العسكري الإيراني الشهير قاسم سليماني يقود القوات الإيرانية الغازية في العراق وسوريا أمام كاميرات التلفزيون العالمية. لم نسمع أي تعليق أمريكي على الحشود والميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية واليمنية والعراقية واللبنانية التي يقودها الإيراني سليماني في جنوب سوريا أو في تكريت العراقية.
العراقيون والسوريون باتوا يتندرون بأن بلديهما سيفقدان هويتهما العربية بعد أن تحولا إلى مستعمرات إيرانية شيعية مفضوحة. اذهبوا إلى دمشق القديمة كي تتأكدوا بأنفسكم. ولا داعي للحديث عن تغيير الخارطة الديمغرافية في العراق واستئصال السنة في مناطق كثيرة وإحلال سكان شيعة محلهم. إنه احتلال إيراني شيعي إحلالي مفضوح. مع ذلك لم يتحرك الضمير الدولي للحفاظ على هوية العراق أو سوريا وقريباً اليمن من الأيرنة والفرسنة. كل ما يهم أمريكا وشركاءها حتى العرب هو الخطر الداعشي «السني» ما شاء الله.
أخيراً: سؤال بسيط ألا يمكن أن نعتبر هذه الحملة الدولية على داعش بأنها محاولة مفضوحة لتسهيل المهمة أمام إيران كي تحتل ما تبقى من العواصم العربية بدعم أمريكي ومساندة رسمية عربية؟ من المضحك أن بعض العرب اشتكى كثيراً من التغول الإيراني منذ الثورة الإيرانية، لكن مع ذلك شاركوا في القضاء على صدام حسين الذي كان يشكل الحصن المنيع أمام التغول الإيراني. ثم راحوا بعدها يشتكون أكثر فأكثر من التمدد الإيراني في المنطقة العربية بعد سقوط البوابة الشرقية التي كان يحميها صدام حسين. لكن الغريب الآن أن بعض العرب يقترفون الخطأ نفسه، فبدلاً من أن يتركوا الجماعات الإسلامية كداعش تكون بعبعاً وتقف في وجه الهيمنة الإيرانية، راحوا أيضاً يشاركون في القضاء على داعش وغيرها فاسحين بذلك المجال أمام إيران لتبتلع المزيد من العواصم العربية.
نرجوكم لا تتوقفوا عن اجتثاث داعش، لكن نرجوكم أيضاً أن تجيبونا: لماذا لا تتصدون للاحتلال الإيراني والإرهاب الشيعي، إلا إذا كنتم تعتبرون الاحتلال والإرهاب الداعشي السني محرماً، والاحتلال والإرهاب الإيراني والشيعي حلالاً.
لا غرابة أن نشهد خلال الأيام القليلة القادمة ظهور جديد لاستخدام غاز الكلور كسلاح فتاك في الحرب السورية ، و لا غرابة أن يتم ذلك على منطقة أو منطقتين من المناطق الخاضعة لقوات الأسد ، فالجهود التي بُذلت طوال الشهور الماضية يجب أن لا تضيع سداً.
خرج بالأمس مجلس الأمن منتصراً على ذاته باستحواذ قرار على موافقة 14 دولة ، و امتناع واحدة عن التصويت دون ابداء الرفض ، حول ادانة استخدام غاز الكلور كسلاح فتاك في الصراع الدائر في سوريا .
القرار المعجزة جاء أصماً و أبكماً عن المرتكب لهذه الجريمة ، ليكتمل الفصل الجديد من الجهود الروسية التي قادة حملة شعواء ضد أي محاولة لوضع نظام الأسد حتى في خانة الاتهام و ليس الإدانة.
فبعد الاستخدام الأشهر و الأوضح في غوطة دمشق في آب 2013 ، و ما تبعها من تهديدات باستخدام القوة ضد الأسد كونه تجاوز خط أوباما الأحمر ، هدّأت روسيا الأوضاع و تم الاتفاق على نزع أنياب نظام الأسد الكيميائية ، و دفن الجريمة مؤقتاً ريثما تهدأ العاصفة و يجد مخرجاً يكون مضموناً كما اعتادت القذارة الروسية على دفن جرائهما.
و خلال الشهور الأربعة الماضية دأبت روسيا توجيه نظام الأسد لإعداد تقارير عن وجود مواد كيماوية لدى المعارضة عموماً ، و تنظيم الدولة بشكل مسمى و عريض ، لتتالى بعدها التقارير واحداً تولى الآخر و تعمل روسيا على بثها و تأكيدها و توثيقها ، بالتزامن مع أحاديث و تقارير من منظمة نزع الأسلحة الكيميائية التي تخرج بين الفينة و الأخرى لتقول أنها دمرت منشأة أو اثنتين أو انها باتت قريبة من انهاء السلاح الكيماوي الموجود لدى الأسد ، حتى عندما أرسلت الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق حول استخدام الكيماوي كان الطلب محدداً أن يتم التثبت من استخدام هذا السلاح ، دون التطرق أو الاقتراب من قام بهذا الفعل !!.
هذه الجهود تم تكلليها بقرار اخذ ظاهره أنه أمريكي ، و دون علم روسيا ، ولكن مع صدوره و قبول و سعادة روسيا به ، بات الأمر واضحاً ، أن "الطبخة انتهت" و بحاجة لبعض المنكهات لتكون جاهزة تماماً.
خلو القرار من تسمية المجرم و تضمينه لغة التهديد تحت الفصل السابع لمن يستخدم هذا السلاح في المستقبل ، فإن الأمر يدل على أن الحسم و توجيه ضربة إضافية للثورة و الثوار ، لتكون عمليات القصف و التدمير و القتل مباحة و مسموح بها ، و حتى مع مساندة دولية .
ولا غرابة أن يكون تفكيرنا هكذا و لا غرابة أن نتحضّر لفصل جديد و تهمة جديدة تساق إلى الثورة و الثوار ... فاليوم نحن إرهابيين ، طائفين ، غائرين في الاجرام ، متمرسين في الإتجار بالدم ، نستجلب مقاتلين من كل العالم المنافق ، و لم يعد ينقصنا إلا استخدام السلاح الكيماوي لنكون قد أنهينا كافة فصول الجريمة بحق الوطن .
يبدو لافتاً اليوم، وعلى رغم صعود التطرف السياسي بمختلف أشكاله الدينية والدنيوية، تراجع نزعة الاستقلال القومي عند أكراد سورية لحساب الروح الوطنية، وتقدم خطاب يجاهر بانتمائهم الوطني وبقلق كبير على مصير الاجتماع السوري. ولا يغير هذا الأمر بل يؤكده تشديد مطالبتهم بحق الإدارة الذاتية، وبوضع دستور ديموقراطي يكرس الكرد كقومية ثانية، ثم سرعة تطويق الاندفاعات القومية الثأرية التي تخللت الصراع الدائر، وكأن هؤلاء الانفصاليين، الذين طالما كان يشك بولائهم لوطنهم، يريدون أن يثبتوا عملياً أنهم لن ينتهزوا الفرصة التي يوفرها الاضطراب الراهن لدفع هدفهم القومي إلى حده الأقصى، الأمر الذي أثار في تفسيره حزمة من الاجتهادات.
ثمة من يعتبر الموقف أحد تداعيات الانتصار النسبي الذي تحقق في عين العرب (كوباني) ضد تنظيم داعش، إن لجهة انكشاف حدود القدرة الذاتية الكردية على تحقيق مطامحها القومية إن لم تأخذ في الاعتبار الدعم الدولي والأفق المتاح إقليمياً، وإن لجهة منح الأكراد سمعة في المجتمع السوري كانوا بحاجة إليها للتخلص من عقدة المظلومية ولاستعادة الثقة بأنفسهم وبدور يمكن أن يلعبوه لإنقاذ الوطن من المسار المأسوي الذي وضع فيه، متوسلين اعترافاً شعبياً وسياسياً، تكرس موضوعياً، بحقوقهم القومية، وقربهم من آمال غالبية السوريين التي تجمع بين تغيير واقع الاستبداد القائم ورفض الجماعات الإسلاموية كبديل، وأيضاً من تاريخٍ يضج بأسماء كردية تبوأت النضال من أجل الاستقلال وبناء الدولة الوطنية، وربما من حرج أخلاقي يعيب فكرة الخلاص الذاتي، كجماعة قومية، تترك مجتمعاً، احتضنها وخفف الظلم عنها، وحيداً في محنته.
وهناك من يقلل من مبدئية هذا التوجه ويعتبره براغماتياً وطارئاً فرضته عوامل لا علاقة لها بالقيم الوطنية والجذور الفكرية للأكراد السوريين، إما لحسابات تتعلق بالموقف التركي وقدرته على سحق كيان قومي معادٍ يمتد على شريط حدودي يفتقد العمق الجغرافي ومخترق بجيوب عربية وتحيط به قوات تنظيم داعش، وإذا أضفنا ضعف القدرة الاقتصادية للوليد القومي وتحكم الجارة التركية به، كأهم معبر له إلى العالم، وكمصدر وحيد لضمان حاجته من المياه، وأضفنا أيضاً طابع الوجود الكردي في سورية الذي لا يشكل موقعاً مركزياً في النضال القومي، ويستحيل عليه أن يزايد على موقف أقرانه في تركيا، الذين، وبرغم ثقلهم السياسي والاجتماعي، طووا صفحة الاستقلال واكتفوا بمطلب الحكم الذاتي في إطار الدولة التركية، نقف عند أهم الأسباب التي تشجع أكراد سورية على تخفيف نزعتهم الاستقلالية والالتفات لمعالجة مظالمهم القومية في الإطار الوطني الديموقراطي. وإما لأن ليس هناك ما يغري عملياً في الدولة القومية المستقلة، والأمر لا يتعلق فقط بما يكابده النموذج السياسي الكردي في العراق بقدر ما يتعلق بتجربة الإدارة الذاتية التي قادها الحزب الديموقراطي الكردي أو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، حيث تحول حلم الأكراد بكيان يخلصهم من تشتتهم ومن اضطهاد الأقوام الأخرى، إلى معاناة جديدة من حكم متسلط يحاول التفرد بالقوة والاستئثار بكل شيء، لكن هذه المرة تحت غطاء قومي، ويزيد الأمر وضوحاً تنامي ما يسمى الإسلام الكردي وتمدد تنظيم داعش وما يشكلانه من تهديد إنساني، الأمر الذي يعطي أهمية مضافة للرابطة الوطنية، كطريق أجدى في مواجهتهما.
في المقابل ثمة من لا يعتبر الموقف الوطني لأكراد سورية أمراً جديداً ويرجعه إلى خصوصيتهم التكوينية وميلهم تاريخياً نحو تغليب وطنيتهم على حساب الهم القومي، حيث تبنت غالبية تعبيراتهم السياسية شعارات تؤكد على الانتماء السوري وقرنت إنهاء الظلم والتمييز بضمان حقوقها القومية في دولة المواطنة الديموقراطية، وبعبارة أخرى، لم يطرح حل القضية الكردية في سورية بمعزل عن المعاناة المشتركة لعموم السوريين، بل ظلت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمجمل المعضلات السياسية العامة لدرجة أنها أصبحت قضية وطنية بامتياز. ونضيف أن الأكراد السوريين كانوا أكثر المعنيين، بحكم وزنهم وموقعهم، بتمثل دروس هزائم شعبهم والتجارب التاريخية التي مر بها، ما جعلهم أشد المدافعين عن أولوية الانتصار للوطن الديموقراطي التعددي كمدخل لحل معضلتهم القومية ولقطع الطريق على أطراف دولية وإقليمية تستخدم المسألة الكردية وسيلة أو ورقة ضغط في صراعاتها وتسوياتها.
واستدراكاً، ربما يعتقد البعض أن ثمة مبالغة مقصودة في إظهار تقدم الروح الوطنية للأكراد السوريين بغرض مغازلتهم واستمالتهم والاتكاء عليهم كطرف واعد ومقبول لملء فراغ سياسي. وإذا افترضنا جدلاً صحة ذلك، وهو ليس قائماً، فما الضير من التعويل على هذه الكتلة، في هذا الوقت العصيب بالذات، كرافعة من الروافع القادرة على حماية الوحدة الوطنية وانتشال البلاد من محنتها الدموية؟! وأين الخطأ في التشجيع على دور وطني للأكراد يحدث نقلة نوعية ليس فقط في ملف قضيتهم القومية وإنما أيضاً في جهود إنقاذ بلدهم ومستقبل جميع السوريين؟!.
وأيضاً نسأل، ألا يشكل تراجع الأكراد عن تطرفهم القومي وتقدم همومهم الوطنية مثالاً يحتذى للرد على طبيعة الصراع السوري وما يولده من عنف وتعصب وشروخ وتخندقات؟ وألا تقتضي المصلحة الجمعية من السوريين على مختلف فئاتهم وأطيافهم، تفهم التحولات والتغيرات التي يفرزها صراع دامٍ ومزمن، والمبادرة لدعم وطنية كردية تعزز فرص المعالجة السياسية وعملية الانتقال الشاقة إلى دولة مدنية تضمن حقوق الجميع بدون تمييز أو تفضيل قومي أو ديني أو مذهبي؟!.
ربما لا يزال في الأفق ما يشجع الرهان على ذخيرة السوريين في التسامح والتعايش وحماية هويتهم الوطنية ربطاً بحقيقة تاريخية يصعب تجاوزها في خصوصية بلادنا بتعددية مكوناتها الدينية والقومية، تتمثل، باستحالة عيش هذه المكونات كجماعات منفصلة آمنة مستقرة وقادرة على النماء والتطور، وبأن الخيار الوطني، هو أشبه بخيار إجباري، للحفاظ على الذات، وبناء مجتمع ديموقراطي مستقر يؤمن الجميع به.
قد تكون عبارة الحل السياسي هي أكثر ما يتم الحديث عنه سواء في الأوساط السياسية السورية على اختلاف مشاربها، أو في أروقة الدبلوماسية الدولية، وقد امتدت هذه العدوى اللفظية لتصل الأوساط الشعبية التي باتت تنتظر “الخلاص” الذي قد يجلبه الحل الموعود والذي لم يتم تقديم تصور له حتى الآن، لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة.
هذا الفشل ينسحب على من يمكن تسميتهم بالراعين أو المشرفين على المؤتمرين اللذين عقدا في جنيف، وقد كانت مبادئ جنيف 1 مرضية وقتها، وطالبت المعارضة بالعمل بها لكن النظام ماطل ثم عاد لاحقا، ليطالب بالعمل بتلك المبادئ، ثم نتج اللقاء الذي عقد مؤخرا في موسكو، والذي انتظرت عواصم كثيرة ما سيسفر عنه دون أن تكون متفائلة نظرا للمقدمات التي سبقته والتي أعلنتها موسكو برفضها لفكرة تنحي الأسد.
وفق ذلك، فإن البحث عن حل سياسي بات أمرا مربكا والأجدى هو البحث عن مقدمات سليمة للوصول إلى هذا الحل، وهو ما افترض المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا أنه منوط بالوصول إليه فتعددت زياراته ومقترحاته، بل تشعبت أفكاره إلى درجة دفعته لاعتبار الأسد جزءا من الحل وهو ما أثار حفيظة المعارضة التي اعتبرت أن المبعوث الأممي لا يدرك تعقيدات الوضع، ولا ينظر إلى الأسد بوصفه مسؤولا عن كل ما يحدث.
المبعوث الأممي طرح مؤخرا مبادرة لوقف القتال في حلب وقد ووجهت مبادرته بالرفض من الفصائل الموجودة على الأرض، والتي تساءلت لماذا حلب؟ وبينما حاول دي ميستورا توضيح أن خطته بداية لاتفاق قد يشمل باقي المناطق السورية، فإن النظام الذي أنكر قيامه بقصف حلب سارع إلى القبول بهذه المبادرة في ضوء الخسائر التي منيت بها قواته والميلشيات المقاتلة معها في الشمال السوري، فوجد أن هذه المبادرة بمثابة طوق النجاة الذي سيمكنه من رصّ صفوفه استعدادا للعودة التي حدد المبعوث الأممي مهلة لها ستة أسابيع.
دي ميستورا اكتفى بوصف الحالة بالحرب الأهلية، ملحقا هذا الوصف بما يعانيه الشعب السوري من صعوبات ومن تهجير، وهو محق في الشق الثاني من تشخيصه ولذلك فإنه قد يكون قادرا على الوصول إلى مقترحات تكون كفيلة بإنهاء المأساة، لكنه سيصطدم بالشق الأول من تشخيصه لأنه يتعامل مع النظام بوصفه نظاما شرعيا، وهذا ينافي تاريخ الحدث السوري الذي مرت عليه أربع سنوات ثقيلة، فإذا كان المطلوب من دي ميستورا جلب الأطراف المتحاربة للجلوس إلى طاولة مفاوضات وهو ما تفضي إليه الحروب عادة، فإن هذا لا يصح إطلاقا أمام هذا التعدد غير المسبوق في الجبهات والولاءات والاختلاف في الرؤى والتوجه لا بين أطراف المعارضة فقط، بل في ضفة النظام وحلفائه أيضا، فبينما لا يتوقف حزب الله اللبناني، الشريك الأساسي لنظام الأسد، عن تكرار أنه يقاتل في سوريا للدفاع عن المقدسات الشيعية، وهو ما تردده بعض الميليشيات العراقية أيضا، فإن هدف إيران يبدو مختلفا كليا وإن كانت توافق على ما يقوله نصرالله وحزبه، إلا أنها تفضل تصوير الأمر على أنه تحصيل حاصل لوقوفها في وجه “إسرائيل” هذا إذا أردنا أن نصدق هذه التصريحات. وبالمقابل فإن النظام يسوق في اليوم الواحد أكثر من رواية للمجازر التي يقابل بها الثورة السورية بدءا بدفاعه عن السيادة الوطنية، وصولا إلى مقاتلة الإرهاب والدفاع عن الإسلام المعتدل.
على هذا، فإن لم يضع دي ميستورا كل هذه الأطراف والتعقيدات في حسبانه فإنه لن يستطيع الوصول إلى الجهات التي يجب عليه دعوتها لطاولة الحوار التي يأمل بأن يصل إليها، وحتى يقتنع المبعوث الأممي بأن ما قدمه حتى الآن لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون، فإن الكارثة المطبقة على السوريين سوف تستمر حتى يقتنع أن النظام هو المشكلة وليس جزءا من الحل.
اختتمت القمة السعودية التركية التي عُقدت بجلسة مباحثات واسعة في الرياض خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان في سياق متوقع، هذا السياق لا يتطابق مع المشاعر العاطفية التي يبديها الجمهور الخليجي والعربي الإسلامي تجاه آماله في مستوى العلاقة، لكنّه أيضا -ووفقاً للتحليل السياسي المهني- يتقدم خطوة مهمة للأمام، ويتجاوز مستوى من الخلافات في بعض الملفات.
الإعلان الرسمي في واس (وكالة الأنباء السعودية) وفي وكالة أنباء الأناضول التركية متشابه بشأن نتائج الزيارة أو توافقات المباحثات، لكنه كان أصرح في الأناضول. وإجمالاً تركزت المباحثات على وضع اليمن وسوريا والأوضاع الإقليمية، ثم خُصص الإعلان المهم عن سوريا باتفاق على دعم المعارضة السورية لإحداث تغيير ملموس على الأرض، وهذا نص مهم جداً في سياق الزيارة ومجمل العلاقات التركية السعودية.
وهذا يعني أن الرياض وأنقرة ثبتتا التعاون في مسارات التوافق ولكن بدفع جديد، وحيّدتا ولو مؤقتا الموقف من الملف المصري الذي يشهد تفاعلات واضطرابات كبيرة، قد تكون العاصمتان فضّلتا ترحيل أي بحث فيه حتى تستقر الأمور على وضع مختلف، أو تتبلور رؤية بينهما عن مستقبل مصر والتعاطي معه بالتعاون أو تنظيم الخلاف حوله.
أما الموضوع الثاني -وهو رغبة وأولوية سعودية- فقد كان طرح الملف اليمني بعد الانقلاب الحوثي وتمكّن الإيرانيين من ضم عاصمة عربية جديدة إليهم، مع إضافة مصطلح "الأوضاع الإقليمية" الذي يرمز لمناقشة ملف التوسع الإيراني في المنطقة.
وهي رغبة مشتركة بين الطرفين رغم وجود علاقة وجسور قائمة بين أنقرة وطهران، نتيجة للسياسة البرغماتية لدى الخارجية التركية التي تُراعي مصالح أمنها القومي، وتخشى استخدام أي نفوذ أو تحالفات ضدها، فتبقي الأبواب مفتوحة للجميع.
إلا أن ذلك لا يُلغي قلق تركيا الشديد من تغول الإيرانيين في ملفات واسعة على تماس مع أمنهم القومي مباشرة، إضافة للصراع السياسي الشرس في سوريا ودور إيران المباشر كشريك عسكري وسياسي كبير لنظام الأسد، ونفوذ إيران الخطير على أكراد سوريا، ومزجه بالملف الداخلي لتركيا، ثم وجود ملف داعش وكوباني في شراكة مزدوجة بين طهران وواشنطن خاصة في الميدان، وهي النقطة المهمة المشتركة مع السعوديين.
وبالتالي فإن الجديد هو توسّع فضاء التعاون بينهما بحيوية كبرى، ودعم تركيا للمبادرة السعودية الجديدة في اليمن -بتثبيت الشرعية ووقف هيمنة طهران عليه- هو إحدى النتائج التي يمكن استخلاصها من الزيارة، وإن لم تتضح تصورات القمة لمساعدة هذه الشرعية، لكن حيوية السياسة السعودية الأخيرة في اليمن بجمع القبائل والقطاعات الوطنية المتعددة مع الرئيس هادي تبدو ركيزة لهذا المشروع.
"الرياض وأنقرة ثبتتا التعاون في مسارات التوافق ولكن بدفع جديد، وحيّدتا ولو مؤقتا الموقف من الملف المصري الذي يشهد تفاعلات واضطرابات كبيرة، قد تكون العاصمتان فضّلتا ترحيل أي بحث فيه حتى تستقر الأمور على وضع مختلف"
ولكون قلب المشروع الإيراني التوسعي هو سوريا، فقد تم التأكيد على ملفها، وهو أهم ملف إقليمي حساس في ظل تقدم النظام وتهديده الماثل بإسقاط حلب، وبالتالي تصفية الثورة السورية نهائيا عبر وجبات مذابح كبرى تُنفذ من جديد قبل أن تصمت المدافع وتقف الدبابات على أشلاء عشرات الآلاف من أطفال سوريا.
وسواء تم تسلم حلب عبر نتائج جهود المبعوث الدولي دي ميستورا أو انهيارات عسكرية جديدة للثوار، فإن الخلاصة واحدة في نتائج هذه التصفية على بقية الشعب المنهك، ثم على المنطقة إثر إعلان إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة في عمق المشرق العربي.
غير أن الطريق إلى إعادة تنظيم الثورة السورية ليس بالأمر الهيّن، كبوابة مهمة للدعم والوصول إلى نتائج ملموسة تقود إلى النصر، أو إرغام النظام على الانسحاب والتنازل السياسي القهري.
ورغم مسؤولية الأطراف العربية عن ضعف التمويل أو غيابه -في توقيت مهم حساس، كانت فيه لدى الثورة قدرات لحسم المعركة وجسم اجتماعي رمزي توحدي- فإن المشكلة اليوم مع غياب الدعم والمنطقة الآمنة للمدنيين هو في واقع ميدان الثورة ذاته.
إن الحملة العسكرية التي شنتها جبهة النصرة على حزم ومجموعات الجيش السوري الحر، والتي وصلت إلى مستوى تصفيات لمواقع في ظل أحلك حصار على حلب مفروض من إيران، هي أحد هذه المظاهر، فتشرذم الثوار وعودة مجموعات من جبهة النصرة لاستنساخ ممارسات داعش وتفتيت الميدان المُجزأ أكثر، وعجز المشاريع المعلنة للتوحيد العسكري لجبهة ثوار سوريا الأصليين يفاقم الوضع.
وأولى مسؤوليات التغيير الملموس هي تغيير هذه الحالة الممزقة في ميدان الثوار، وتنسيق وضعها ودمجه في تصور سياسي محدد، عبر إعادة تفعيل المجلس الوطني السوري أو ببناء آخر، بخريطة اتفاق واضحة المعالم ومنظمة للعلاقات بين العسكري والسياسي وتسليم من يُختار للقيادة الزمام الفعلي للتوجيه.
وهنا يُطرح سؤال مهم، وهو: هل لدى الرياض وأنقرة قدرة على التأثير اللوجستي المهم في ساحات القتال بين فصائل الثوار والمجموعات السلفية المتداخلة مع الدعم الشعبي في المنطقة الخليجية؟ وخاصة أن النُصرة ليست شريحة واحدة، ففيها من يقترب من السلفية السنية المعتدلة، وفيها من هو منخرط كلياً في فكر داعش، والخلاف بينهما في توقيت التنفيذ فقط. وإجابة على هذا السؤال نقول: نعم.
"إن دخول الرياض وأنقرة بمشاركة قطر على الملف اللوجستي المتعلق بالثورة السورية قادر على التأثير ومساعدة كل المجموعات للتقارب لتتشكل جبهة مركزية بقيادة واحدة يكون بها الفعل الميداني قادرا على دفع إيران وتشكيلات النظام والميلشيات المنوعة عن مناطقه، وبالتالي صمود الثورة واستعادتها زمام المبادرة"
إن تعاون الرياض وأنقرة في تغيير العلاقات بين المجموعات الثورية والجهادية المختلفة (خارج داعش وبعض مجموعات النصرة) ممكن، وهو ما أضحى اليوم ضرورة في ظل الفشل الذاتي للميدان في تحقيق هذه الوحدة، ووجود قدرات الدعم المالي لدى توجهات مصلحية انتهازية أو متشددة، بينما يعاني الثوار الإسلاميون والوطنيون من حصار شديد وخانق على جبهاتهم.
ودخول الرياض وأنقرة بمشاركة قطر على هذا الملف اللوجستي -الذي يَعبر بطريقة غير علنية- قادر على التأثير ومساعدة كل المجموعات في التقارب.
وليس المقصود أن تنخرط كل مجموعة في البناء العسكري الموحد، وإنما المقصود أن تتشكل جبهة مركزية بقيادة واحدة من تشكيلات صلبة، فيكون الميدان قادرا على دفع إيران وتشكيلات النظام والميلشيات المنوعة عن مناطقه، وبالتالي صمود الثورة واستعادتها زمام المبادرة.
إن من المؤكد أن هذه الأمور ستتم عبر السوريين أنفسهم، لكن مستوى الضياع والتشتت والتشرذم -الذي يحبط اليوم الشعب السوري وهو ينزف- يحتاج إلى قوى مؤثرة في الحدود وفي الدعم الاجتماعي والثقافي للثورة.
وهي جهود وقوى دول وليس أفراد أو مشايخ مخلصين من الخليج، رأينا كيف توالت النكبات والانقسامات بعد تدخلهم، وإصرارهم على التمسك بقرار المرجعية الدينية للثورة من خارج الانسجام الإسلامي السني السوري.
فقدرات الدول تختلف، وحين تتحد على رؤية دعم لا جدول صراع وتنافس فبالإمكان تسخيرها لمصلحة الشعب السوري، وقد يسأل سائل: ماذا عن داعش في سوريا؟
ونقول إن داعش في سوريا، ورغم أنها لا تخوض معارك شرسة مع التحالف في سوريا -إلا في كوباني ولديها مساحة مسترخية في جبهات أخرى- فإن تراجع نفوذها واضح -ولا يُغيره الإنتاج الإعلامي المذهل الذي ينفذه جناحهم المعنوي القوي من المتطوعين- بين 1200 مليون مسلم.
وبشهادة الصحفي الألماني -الذي زار داعش بدعوة من خليفتها- فإن السوريين لا يمثلون إلا أقلية في التنظيم، خلافا لمنشئه في العراق الذي يعاني اليوم أيضاً سُنته من جولة النظام الطائفي عليهم باسم حروب داعش.
وقد يتشظى تنظيم داعش وتتوسع انشطاراته في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، وهذا يحتاج تفصيلا؛ لكنه سيتراجع في سوريا والعراق لحساب إيران والغرب فيخسر المشرق بصعوده وخسارته، في حين أن تنظيم صفوف الثورة السورية وإعادة بنيانها، سيقطع الطريق على هذا المشروع فتخرج سوريا بأمل الإنقاذ، قبل إعلان إيران والغرب النصر الجديد على العرب والمسلمين.
في الأسبوع المقبل تدخل الثورة السورية عامها الخامس، وقد بات السوريون يخشون أن تمر السنون، كما مرت على الفلسطينيين، والمفارقة أن أعداد المشردين السوريين تفوق بأضعاف أعداد الفلسطينين يوم تعرضوا للتشرد على مدى سنوات النكبة والنكسة، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن عدد المشردين والنازحين، واللاجئين السوريين يزيد على أحد عشر مليوناً، وهذا رقم مثير، وهو يشكل عبئاً كبيراً على دول الجوار ودول اللجوء وبخاصة الأوروبية، التي باتت تضيق بكثرة الأعداد المتدفقة، والمفجع أن كثيراً من اللاجئين أو الهاربين هم من التكنوقراط، الذين يشكلون الطبقة المتعلمة العليا، فهناك -مثلاً- أكثر من ثلاثين ألف طبيب من مختلف الاختصاصات هاجروا في السنوات الأربع الماضية، وربما وصل العدد اليوم إلى أربعين ألفاً، وهؤلاء إضافة لآلاف الأطباء السوريين، الذين سبقت لهم الهجرة من سنوات مضت، حيث يقدر عدد الأطباء السوريين في ألمانيا وحدها بنحو عشرين ألفاً، وفي الولايات المتحدة يزيد العدد على ستة آلاف حتى مطلع العالم الماضي، ويضاف إلى الأطباء الصيادلة والقضاة وأساتذة الجامعات والمحامون وعشرات الآلاف من الموظفين ذوي الخبرات، ومئات الآلاف من أصحاب المهن، فضلاً عن رجال الأعمال الذين تعرضت منشآتهم للتدمير، أو سرقت أموالهم ولم ينجُ منهم إلا عدد قليل ممن تمكنوا من نقل استثماراتهم إلى الخارج، وتشكل هذه الهجرات خسارة كبرى لسوريا -فضلاً عن مئات الآلاف ممن قتلوا أو اعتقلوا وانتهت طاقاتهم- لأن كثيراً من هؤلاء المهجّرين قد يستقرون في بلاد اللجوء مع امتداد زمن المحنة، فتخسر سوريا كوادرها المقتدرة.
أما أبناء الطبقات دون المتوسطة علمياً فمنهم من هاجروا عبر مغامرات أسطورية عبر البحار إلى أوروبا وكثير منهم تعرضوا للغرق في البحر، حيث يقوم المهربون بنقلهم تكديساً في قوارب صغيرة لا تتحمل الوزن الزائد، وقد توفي الآلاف منهم غرقاً في تغريبة ملمحية لم تشهد البشرية لها مثيلاً لشعب متحضر، كل جريمته أنه طالب بتخفيف القبضة الأمنية التي كانت تخنقه.
ولم تعد قبضة النظام وحلوله العسكرية وحدها تخيف السوريين الهاربين الباحثين عن ملجأ أو مأمن، فقد باتت بعض فرق المعارضة المسلحة مصدر رعب وخوف مماثل مع خروجها عن أهداف الشعب البسيطة المتمثلة في (الحرية والكرامة وبناء دولة ديمقراطية، كما كانت تعلن شعارات الثورة) فقد ظهرت الكتائب الإسلاموية المتطرفة بشعارات باعدت بينها وبين مطالب الشعب، وباتت تبحث عن تطبيق الشريعة حسب فهمها المنحرف، هذا فضلاً عن ظهور «داعش» المريب وإعلانه «الخلافة» المزعومة وقيامه بقطع الرؤوس بحد السيف وتهجيره بعض الأقليات، مما استدعى قيام تحالف دولي لمكافحة الإرهاب يعلن أنه بحاجة إلى عشر سنين كي ينهي حروبه، وتوجهت كل الأنظار إلى «داعش» وأخواتها، وتم إهمال الملايين من الشعب المشرد، الذي بات عليه أن يعاني مأساته الفجائعية إلى أجل غير مسمى.
وكان من سوء حظ السوريين أن كل الصراعات الدولية الراهنة انعكست على قضيتهم، فقد وجدت إيران فرصتها لضم سوريا إلى إمبراطوريتها، وإلى حل قضيتها النووية، وقد صارت سوريا ورقة تفاوضية لصالحها. ووجدت روسيا فرصة تمكين حضورها الدولي، ولا سيما بعد ما تعرضت لهزة قاسية في أوكرانيا، ووجدت إسرائيل فرصة تاريخية لرؤية سوريا مدمرة، كما دمر العراق من قبل. ووجدت الولايات المتحدة فرصة «صيد الذباب» وتحالفت قوى كثيرة من أجل تحويل طبيعة الصراع في المنطقة من «صراع عربي - إسرائيلي» إلى «صراع سني - شيعي». وكانت فرصة نادرة أيضاً استفادت منها قوى كثيرة حين وقع «حزب الله» في خطيئة قاتلة عندما غرق في مستنقع الدم السوري، ومن المحال أن يخرج منه ويستعيد مكانته. وبدا أن الشاة السورية التي تتعرض للذبح وللسلخ، باتت وليمة دولية كبرى، وأصبح الحديث عن تقسيمها متاحاً بوصفه تركة الرجل المريض.
ولا يغيب عن أحد أن سقوط سوريا بيد إيران بعد العراق، فضلاً عما يحدث في اليمن، سيعني تهديداً خطيراً لمستقبل العرب جميعاً، كما أن خروج الشعب السوري من محنته سيكون مفتاح النجاة.