مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٣ فبراير ٢٠١٧
بعد مذبحة “لواء الأقصى” .. ليت “تحرير الشام” صمتت بدلاً من ...

لا أظن أن من فُجع بابنه أو ابيه أو زوجه ، سيكترث كثيراً بإعلان هيئة تحرير الشام ، عن تحقيقها النصر المؤزر على “لواء الأقصى” ، بعد أن أفضت هذه المعركة عن خسارة الثورة السورية لأكثر من ١٤٠ روحاً بأيدي المجرمين ، وجدت لنفسها طريقاً للخلاص و الخروج من مسرح الجريمة كـ “المنتصر” دون محاكمة أو محاسبة ، و إنما أقصى ما حصلوا عليه “الذل” ، وفق ما جاء في بيان هيئة تحرير الشام .

قد يكون من الأفضل على هيئة تحرير الشام أن تصمت و أن لا تتحدث بالقضية في الوقت الراهن ، وتنتظر بعضاً من الوقت حتى يخف حجم القهر و الحزن الذي يخنق المكلومين ، الذين فقدو أبنائهم ، في أشنع مجزرة تطال الجيش الحر على يد من قال في كل لحظة و ثانية، أنه جاء لنصرتهم، إذ به يبدع في قتله وحصاره و استجلاب المصائب .

تغنى بيان هيئة تحرير الشام بـ ”الثورة السورية” ، وحذر من الأخطار والمؤامرات في صف “الثورة والجهاد”، و خصصها لمن تحول من نصرة المظلوم المستضعف إلى تكفيره وقتله، و ساوى بينه و بين من وصفهم بـ” استثمار التضحيات والبطولات في ميدان السياسة والمفاوضات” ، في الوقت الذي قررت فيه إنهاء ( إنهاء كامل و مسح وجوده ) كل من قرر اللجوء للسياسية للتخفيف قدر المستطاع من آلة الموت ،  في حين تكافئ الهيئة (تحرير الشام) من يقتل لمجرد القتل و يدعي الصدق و هو مخادع ، يحارب الأخطار و هو الخطر الأكبر ، بأن تفتح له الطرق للذهاب حيث ينتمي .

ليس من حق هيئة تحرير الشام أو غيرها اتخاذ القرار عن أصحاب الدم ، و أن يقرروا عنهم إطلاق سراح المجرم و فتح الأبواب أمامه ، ولا يوجد أي مبرر لذلك ، إذ أننا هنا أمام معضلة رهيبة ، تنذر بأن أي مجرم ممكن أن يتقمص دور “لواء الأقصى” من جديد ، يفعل ما يفعل وفيما بعد يتم ترحيله إلى أي مكان يطلب .


بيان تحرير الشام الذي حمل في طياته تعابير النصر و النجاح في المهمة ، لم يتطرق إلى بأي حرف عن أكثر من ١٤٠ شهيد من الجيش الحر الذين تم تصفيتهم على يد الخوارج ، الذي كانوا أخوتهم و تحت رعايتهم وحمايتهم ، و لم يتم محاربتهم إلا عندما رفضوا بيعة الأمير و خرجوا عن عباءته، فلو لو بقوا لكانوا محميين آمنين، لو قتلوا كل من هو موجود في المناطق المحررة .


و لو تمتلك هيئة تحرير الشام ، هذه القدرة الكبيرة على الانتصار و نصرة المظلوم و إبعاد المجرمين، لتخرج من سجونها مئات السوريين الأحرار الذين اختطفتهم و اعتقلتهم طوال السنوات الماضية ، دون محاكمة أو معرفة مصيرهم، رغم أنهم جرائهم (إن وجدت) لا تعتبر شيء أمام كارثة “لواء الأقصى”.

لا يمكن أن نصمت مع الصامتين و نقرر أن الذي مضى، و إنما هناك عوائل و حقوق ، و هناك عدل يجب أن يطبق علي الجميع ، الحليف قبل العدو ، الصديق قبل الرفيق ، و إلا سيكون الشرع الذي ندعي دعمه و رفع رايته ، مشوه مهاناً بدلاً من عزه و عليائه.

الثورة السورية ثورة ولدت من رحم شعب صبور و قوي ، إن صابه و أعابه بعض البثور، لا يعني أنه ضعيف يرضى بأن جهة تتمتع ببعض القوة أن تحكمه و تسلبه حقوقه و حريته.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
سلاماً أيها السوريون الشرفاء

بعد تقرير استخدام الأسلحة الكيميائية وملف القتل الجماعي تحت التعذيب لآلاف المعتقلين في سجون النظام السوري التي كشفها مصور الجيش الشرعي، وقدّم عنها أكثر من 50 ألف صورة، اعترفت المنظمات الدولية الإنسانية بأصالتها، جاء تقرير منظمة العفو الدولية، الأسبوع الماضي، عن سجن صيدنايا، ليؤكد أن ما سمته "المسلخ البشري" لا ينطبق على هذا السجن وحده، وإنما يشمل سجون سورية بأكملها. وردا على تكذيب النظام وحماته من الروس التقرير ، تحدت "العفو الدولية" نظام الأسد بالسماح لها بزيارة السجون، للكشف عن حقيقة ما يجري فيها. وجاء الجواب على لسان بشار الأسد، صاحب المسلخ البشري ذاته، بأن سورية ترفض السماح بزيارة منظمات أجنبية سجونها.

هندسة الموت السورية
وبينما يغذّي التفاهم الدولي على احتواء عواقب المأساة السورية الأمل ببدء مفاوضاتٍ لن تكون بالتأكيد سهلة، لكنها صارت حتمية للخروج من المذبحة المستمرة منذ ست سنوات، تشكل قضية المعتقلين الذين يتراوح عددهم، حسب تقديرات المنظمات الإنسانية بين مئتي ألف وثلاثمئة ألف، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين الذين تم اعتقال معظمهم على سبيل الإرهاب والترويع، ملفا رئيسيا وحاسما في هذه المفاوضات. ليس ذلك لما يمثله إنقاذ حياة أكثر هؤلاء، أو على الأقل من لايزال على قيد الحياة منهم، من مصيرهم المحتوم، ولا انسجاما مع مبادئ الحق والأخلاق التي تفرض علينا التضامن ضد أفعال منافية للإنسانية، وحاطة من قيم مجتمعاتنا وسلامتها، وإنما أكثر من ذلك لحماية السوريين والأجيال القادمة من احتمال أن تبقى الجريمة من دون عقاب، ويبقى المجرم طليقا ومستعدا للعودة إلى جرائمه، في وقتٍ تسعى أطرافٌ من المجتمع الدولي إلى تجنيبه أي عقاب، وإعادة تأهيله ليكون شريكا رئيسيا في عملية السلام، والخروج من لهيب الحرب الذي كان وراء إشعالها لمعاقبة السوريين على تظاهرات احتجاجهم.
لن يستطيع السوريون، مهما عظمت روح التسامح بينهم، تجاوز الصدمة التي سببتها تلك الأشكال غير المسبوقة من القتل الجماعي الذي يكشف عن هندسةٍ كاملةٍ للموت، مع مخططات للإبادة المنهجية بدم بارد ومع سابق تصميم. ولا تفيد التغطية على ما حصل في تجاوز هذه الصدمة، ولن تساعد على الخروج منها.

الحقيقة وحدها هي التي تشكل مدخلا للمصالحة، بمقدار ما تشكل اعترافا بالجريمة، وكشفا عن فظاعتها، وتحمل المسوؤلية السياسية والقانونية والأخلاقية.

ليس الجلادون الذين مارسوا أفعال التعذيب حتى الموت والقتل الجماعي والتمثيل بالجثث، هم وحدهم الذين كانوا يتلذّذون بشرب دماء ضحاياهم، ويتحملون مسؤولية الكارثة الإنسانية. يشاركهم في المسؤولية، كما في المتعة السادية، معلّموهم ومن أعطوا الأوامر لهم والتعليمات، وأولئك الذين دعموهم بكل الوسائل، داخل سورية وخارجها، لكن أيضا أولئك الذين صمتوا، وغضوا النظر، واعتبروا أن الأمر لا يعنيهم، أو ليس من شؤونهم. إلى هؤلاء الأخيرين بشكل خاص، وهم أي أحد، أريد أن أنقل هذه الشهادة الاستثنائية التي تغلبت على هندسة الموت، وخرجت إلى العلن، وكان من المفروض أن تبقى مخنوقةً إلى الأبد.

ليس لأي فردٍ منا حصانة في مواجهة نظام البريرية، ولا ضمانة كي لا نكون نحن أيضا في أي وقت أحد ضحاياه. إذا كانت لدينا أي إرادة للخروج من الكارثة، والعودة إلى مصاف الإنسانية، لا يمكن أن نتجاهل هذه الشهادة التي خرجت من داخل فرع التحقيق للمخابرات الجوية في مطار المزة، قرب دمشق، لا يقل شناعةً في تعامله مع السوريين عن سجن صيدنايا الدموي.

سأرتدي ملامحكم يا رفاق العذاب
كتب شاهد باسم وائل الزهراوي باسمه الصريح:
مضى يومان، وأنا مشبوح في غرفة الموت، والأصفاد كانت قد دخلت في لحم يدي، عندما أدخلوا ذاك الرجل الأربعيني بالأمس فجراً عارياً من كل شيء.

علقوه بالسقف من رجليه على غير عادتهم. كان يرتعد بشدة، لقد أدرك، بحكم أنه ضابط، ما الذي سيفعلونه به بعد قليل، دخل اثنان منهم يحملان كبلين للدبابات، وتبعهم واحدٌ منهم، يحمل قطعةً من سلك معدني شائك من النوع الذي نراه على الحدود بين الدول.
أمسكه أحدهم من شعره، وقال له .شو، سيادة المقدم، بحياتك شفتو لـ الله؟ هلق بدك تشوفو شخصي.

كانت عيونه تبكي، من دون أن يحركَ ملامح وجهه. يبكي بكبرياء لم أر مثلها في كل لحظات اللقاء مع الموت. كنت عاجزاً إلى درجة أني لم أستطع حتى البكاء معه.

أمسك المساعد السلك الشائك، وبدأ يلفهُ حول كبل الدبابة، حتى غطى كامل الكبل، فصار شكل الكبل مع الأسلاك الشائكة كوجه الموت الزؤام. وكنت قد سمعت عن آلة لِحام الحديد، ورأيت أناساً أحرقوهم بماكينة لحم الحديد. لكني لم أكن قد رأيتها أبداً قبل تلك الليلة.

دخل أحدهم، وأدخل معه آلة اللِحام. وصلها بالكهرباء. بدأت أرتجف. وكانت حركتي تزيد ألمي، لأن الأصفاد كانت تحتك بلحم يديَّ.

كبلوا له يديه للخلف. كانت أول ضربةٍ هوت على جسده العاري بالكبل الذي كانوا قد وضعوا عليه السلك الشائك، فصرخ صوتاً كأن الأرض قد صرخت معه. وفي كل ضربةٍ كانت تقع على ظهره، كانت الأشواك الحديدية تنغرس بجسده، فيشدّها المساعد المسخ، مقتلعاً بها كل ما تحمله معها من لحمه الطاهر.

وعندما كان الكبل ذو الأسلاك الشائكة يصادف معدته، كانت الأشواك الحديدية تغوص بلحمه، إلى درجة أن المساعد كان يشدّها مرتين، لتخرج وتأخذ معها قطعاً من جسده الذي كان كالوطن، يعطيهم دمه وأجزاءه، وهم يقطّعونه بأيديهم.

اقترب المساعد الثاني، وطعنه بآلة لحام الحديد، فثقب له كتفه كلها، فبدأ يتقيأ دماً. وكأن مشهد الدم كان يغريهم، فزادوا عليه بالكبل على كل أنحاء جسده، وهو يصرخ: يالله يالله مالي سواك يالله، يالله ساعدني، يارب. ولازلت أسمع صوته حتى هذه اللحظ … اقترب المسخ بآلة اللِحام، وطعنه بكتفه الثانية بقضيب اللحام، فثقب له كتفه الأخرى. فأغمي عليه، وصمت تماما.

ذهب أحدهم، وعاد ومعه عصا الكهرباء. كان المسؤول عن التعذيب هو المساعد أول نصر إسبر. قال لهم: يالله، صَحوه... ما بيطلع من هون غير عالقبر. بدي صوتوا يوصل لعند الله. بدي جربها على هادا سيدي. كنت أقرب معتقل له. نظر في عيني وقال:
إذا بتراجع وبتوسخ الأرض بعدمك هون، فهمت ولا كلب (يا كلب)، لسا بروح وبرجع بشوفك بخلقتي. ما بقى تموت ولا حيوان.

كنت أنتفض، وأنا معلق وأرجوه ألا يفعل. لم أترك شيئاً لم أتوسل به له، لكن القدر أبى إلا أن أواجه مصيري في ذاك اليوم. ضحك واقترب مني وصعقني بها في ركبتيّ. أردت أن أصرخ، لكن شيئاً ما شَلَّ فمي. شعرت كأن أحداً ما أدخل سكيناً في نقي عظامي، وكأن قلبي قد انفجر، وتجمدت عيناي، ولم أعد أرى بهما. كانت الثواني تمر كأنها سنوات. وجاء الألم أقسى من الجوع، وأعمق من الطعن، وأبعد بكثير من قدرة البكاء.

يا وطناً يحكمه الغرباء.
شهقت ولم أعد أقوى على التنفس. فبدأ يصفعني على وجهي. حتى عدت وشهقت من جديد. سمعته يقول لي: طلع (أنظر) فيني هون ولاك، طلع فيني هون. لم أكن أراه، حتى أنظر إليه. كنت ألتفت إلى الجهة الخطأً، فيصحح لي جهة رأسي بالكبل الذي أمسكه بيده الأخرى.

سألني" شو اسمك، شو اسمك ولاك عرصى؟ قلت له: أنا الرقم 1646 سيدي.
قال بعرف، بس شو اسمك ولاك، احكي:

قلت له: وائل سيدي، وائل الزهراوي سيدي. فقال أيوه، وهي لسّاك (ما زلت) متذكر اسمك. أنا، أصلا، كل الدارسين حقوق بحبن... .ثم أمسك الكبل الذي يقطر من دم المقدم، ومسحه برأسي، يريد أن ينظفه، وقال لي: أصلا كلكن دمكن متل بعض، دم وسخ.
وكم كان ما فعله عظيما، وكم كان فعلاً جميلاً من مسخ قبيح لا يعي كل ما أشعر به أبدا. وكم فرحت أني أحمل بعضاً من دم ذاك الضابط الشهيد. فقطرات الدم تلك تساويهم جميعاً عندي. وفي عمق ذاك الألم، كنت أتساءل عما يشعر به، وربع لحم جسده قد وقع تحت رأسه.

سكبوا على المقدم وعاءً من الماء. وما إن بدأ يصحو حتى صعقه المسخ بعصا الكهرباء في ظهره الذي لم يبق فيه جلد يغطي عموده الفقري. وزادوا عليه بكبل الدبابة. وبدأوا يضربونه على رأسه، والكبل الملفوف بالأسلاك الشائكه اقتلع نصف فروة جمجمته.

يا وطناً سقيتك من دمي
يا كل بقع الدم اصرخي. يا أيتها الجدران تكلمي، أخبري كل هذا العالم ماذا جرى هناك، وماذا فعلوا بنا.

يا وطناً سقيتك من دمي، وأعطيتك من لحمي وتقاسموك كالغنيمة، يا هتافاتنا التي كنت أرى فيها الحرية والإباء: أين اختفيت أين أين؟ وما لن أنساه حتى ما بعد الموت. كيف حاول في آخر لحظات حياته أن يثني جسده ويصل إلى الأصفاد التي كان معلقا بها. كانت عيناه قد عميتا وورمتا إلى درجةٍ لا توصف. ومع ذلك، يريد أن ينجو. بصق نصف أضراسه تحت رأسه. يحاول أن يقاوم الموت القادم لا محالة. ولكن. هيهات هيهات. ولات حين مناص.

ثقبوا له فخذه، وانغرس قضيب اللحام في عظامه، وأثقلوه بالكبل ذي السلك الشائك في أماكن الثقوب، وعلى رأسه، حتى غابت كل ملامحه، كما يغيب الوطن خلف أحقاب القهر، وكما يغيب الضوء، عندما ينتصر الظلام، وكما كنت أستسلم للموت، وأدعوه أن يأخذني من هناك ويأبى.

ورأيته كيف كان ُيمطر الأرض دماً، كأنه ينتقم من ظلمهم بنزفه. وشعرت أن الكون كله يمطر دماً. كان صوت تساقط دمه يشبه صوت ارتطام أكداس الجثث، حين كانوا يرمونها فوق بعضها، جثث أبناء الوطن.

المقدم الطيار 20/31، هذا رقمه واسمه وتاريخه وبطولاته وأطفاله وحياته. صرخ بكل قوته، ثم أسلم الروح هناك. هناك حين كنا نحب بعضنا إلى درجة أننا ندفن معاً في مقابر جماعية.

بعد ساعة، كان دمه قد ملأ الغرفة. فكّوا أصفاده، فوقع على الأرض جثةً لا يتحرّك. وسحبوه من رجليه، ليكون رقماً بين مئات الأرقام التي هي جبين الوطن وعزته وشرفه ورائحته.

في صباح اليوم التالي، أنزلوني. لم أكن أشعر بيدي، ولا أستطيع التحكم بكتفيّ مطلقاً. لبست سروالي الداخلي بعد سبعة عشر يوماً قضيتها عارياً. أدخلوني للجماعية الرابعة زنزانة المرضى.

عندما دخلت غرفة المرضى، كان عددنا 89 شاباً سورياً. بعد عشرة أيام، أصبحنا 62. البقية قدموا أرواحهم لكم ورحلوا. تركوا لكم كل أحلامهم وصرخاتهم ورسائلهم ودمائهم ونظراتهم قبل الموت. وهبوكم أغلى ما لديهم واستشهدوا تحت التعذيب.
لعل الأمل فيكم لا يخيب.

ومن كان صاحب حقلٍ، فلا يتسول حفنة طحين. وبعد كل تلك الأرواح، كيف يمكن أن نتخيل أن هناك سورياً حراً يمكن أن يساوم على الدم، أو يقايض على العذاب.

وبعد أن كنت هناك، ما الذي يمكن أن يبقى من حياتي سوى أن أخلص لأولئك الأحرار في أغلالهم.

سأرتدي ملامحكم، يا رفاق العذاب. سلاما عليكم أيها الشهداء الأحياء. سلاماً أيها السوريون الشرفاء.
الضابط الذي أشرف على هذه الأعمال لا يزال يمارس هوايته الدموية بانتظام في السجون السورية.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
"جنيف 4"... التفاوض إلى أين؟

تنعقد جولة مفاوضات سورية جديدة في جنيف، تترافق مع تجدد آمال السوريين وتطلعاتهم في إيقاف القتال وإنهاء جميع أشكال الحصار، وإطلاق سراح جميع المعتقلين أو جزء كبير منهم من المعتقلات والسجون السورية السرية والتابعة بشكل مباشر للنظام، أو تلك التابعة للمليشيات الموالية له، إلا أن الآمال والتطلعات الشعبية في تحقيق حل سياسي يشكل مقدمة لتضميد الجراح ولملمة الشتات والأحزان باتت شبه معدومة، نتيجة غياب البحث في الحلول السياسية التي تدفع السوريين إلى الخلاص من جميع أشكال الاحتلال الدولية والإقليمية والجهادية والمحلية، والتي تمثل أولى الخطوات لبناء الوطن السوري الجامع لجميع أبنائه.

فمن الواضح أن الشعب السوري قد لمس خلو المفاوضات المزمع عقدها من البحث في متطلبات جميع مكوناته ورغباتهم، لحساب طرح تطلعات ورغبات القوى الدولية والإقليمية الفاعلة ورغباتها بشكل مباشر أو غير مباشر في الساحة السورية، حيث باتت هذه الجولات التفاوضية تعكس، وبشكل فج، الاستبعاد الدولي للسوريين عنها، سواء من الأطراف الداعمة للنظام السوري، وخصوصا الروس، وبشكل أقل فجاجة الإيرانيين، أو من الأتراك، وكذلك تعكس الرغبة الدولية في استحضار بعض الشخصيات والأطراف فقط عند الحاجة لإضافة بُعد سوري للمفاوضات الجارية، وخصوصاً في المفاوضات ذات الرعاية الدولية، والتي شكلت العصب الرئيسي للمفاوضات ذات الرعاية الأممية المزمع عقدها في جنيف.

إذاً هي مفاوضات دولية على سورية أو حولها، و لمزيدٍ من الدقة هي مفاوضات عمادها السيطرة والإرادة الروسية، فقد بات النجاح في عقد مفاوضات لحل الأزمة السورية أو في استقراء نتائج هذه المفاوضات مرتبطاً بشكل شبه حصري بالإرادة السياسية الروسية، والتي غالباً ما يؤدي الخطأ في قراءتها إلى بناء آمال وأوهام حول حدوث تغيير جذري في الممارسة الروسية، ومنها الوقوع اليوم في الفخ الذي نصبته الخارجية الروسية، عبر تصويرها أن الإيرانيين والنظام السوري هما الطرفان الرافضان للحل السياسي المزمع الوصول إليه عبر التفاوض، ويرغبان في الاستمرار في العمليات القتالية وفرض الحل العسكري الشامل، على الرغم من عجز التحالف الطائفي والإجرامي السوري والإيرانيين من تحقيق أي نجاحات عسكرية، من دون الغطاء الجوي الروسي منذ ما يزيد عن عام، وهو ما أكده الرئيس السوري، بشار الأسد، نفسه في أكثر من لقاء صحافي أخيرا، فقد اعتبر أن التدخل الروسي المباشر كان السبب الرئيسي في الحيلولة دون انهيار النظام السوري وحليفه الإيراني، أي أن القيادة الروسية هي من تسعى إلى فرض الحل العسكري حتى اليوم. كما تستند الخارجية الروسية إلى صورتها الوهمية المزعومة، راعية للحل السياسي في دعواتها إلى تحقيق التمثيل الأوسع للشعب السوري في جلسات التفاوض، عبر تضمين وفد المعارضة شخصيات ومنصات محسوبة أو مقربة منها، مثل منصتي موسكو والقاهرة، لتصبح موسكو الوسيط والراعي والمشكل الرسمي لجلسات التفاوض السورية وفرق التفاوض القائمة ظاهريا به، فضلا عن كونها عمليا الطرف الأكثر حسما وتأثيرا على مجريات الصراع العسكري الدائر في سورية.

كما نجحت القوة الجوية الروسية في تحجيم التطلعات الإقليمية، وخصوصا التركية، ودفعتها نحو التنسيق والتعاون مع روسيا، من أجل ضمان المصالح التركية في سورية مستقبلا، ما انعكس على قدرات ومواقف وتكتيكات الفصائل والكتائب والقوى المعارضة السورية، لتسير مرغمة من الأتراك وبعض الدول الداعمة والحليفة للأتراك نحو جلسات التفاوض الدولية والأممية منزوعة من أوراق القوى التفاوضية، وأهمها الشعبية، والتي خسرتها على مدار السنوات الثورية السابقة، نتيجة اتباعها نهج القوى الداعمة، والذي يتعارض مع تطلعات الشعب السوري الثائر وغاياته، ونتيجة سعيها إلى تحقيق مكاسب شخصية مالية وسياسية على حساب السوريين والأرض السورية. كما يبدو أنها خسرت الجزء الأكبر من قوتها العسكرية، نتيجة ضغوط وسيطرة القوى الداعمة عبر تحكمهم في موارد هذه القوى المالية والإعلامية والعسكرية. ما جعل أعضاء عديدين في وفد المعارضة السورية للمفاوضات يعبر عن هذا العجز بطريقة غير مباشرة، مثل اعتبار قرارات مجلس الأمن والتشريعات الدولية مصدر القوة التفاوضية التي تحول دون هزيمة المعارضة السياسية.

إذاً، نحن أمام جلسات تفاوض بعناوين دولية أو أممية، لكنها جميعها ذات مضمون روسي، بمعنى أن السياسة والإرادة الروسية هي المتحكّم الأول في المسار التفاوضي، وفي نجاح الحل السياسي إن أرادت ذلك، إلا أن الممارسة العسكرية الروسية لا تدع مجالا للشك في نيات موسكو في المضي في طريق الحل العسكري، عبر توسيع العمليات العسكرية المدعومة روسياً في كل من محيط دمشق ودرعا، وأحيانا على مشارف مدينة الباب السورية. لذا أقصى ما يمكن أن يقدمه الروس في جنيف، إن حدث، يتمثل في إطلاق سراح أعداد محدودة من المعتقلين، من دون أن تترافق مع آليات تمنع استمرار الممارسة ذاتها، أي الاعتقال، فهي مجرد ورقة يقدمها الروس من أجل امتصاص الأصوات الناقدة، ومن أجل تعزيز صورة الحمامة الروسية البيضاء!. كما تجدر الإشارة إلى الغياب الكامل للحضور الثوري السوري عن جميع الاجتماعات التفاوضية، وخصوصا بعد التوافق التركي - الروسي، حيث كان بعضهم يرى في تركيا الحامي، وربما الحامل السياسي للثورة السورية، نتيجة تغيّب الحركة الثورية الشعبية أو تواريها، وتواري الحناجر الثورية. ليشكل هذا الغياب النقطة الأهم في جميع الجلسات التفاوضية، ما يدفعنا إلى الإيمان بأن عملية استعادة الصوت والفعل والحضور الثوري هي المهمة الأولى من أجل الخلاص السوري من مستنقع الإجرام والاستبداد والإرهاب المستفحل في سورية. وهو السبيل الوحيد لاستعادة القضية السورية من مخالب الدب الروسي ونظرائه الدوليين.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
حرب ترامب وإيران التي لن تقع

توحي تهديدات الرئيس الأميركي وكبار مسؤولي إدارته لإيران، وردود طهران المتحدية، بأن البلدين يتجهان في شكل مؤكد إلى مواجهة قد تنفجر في أي لحظة. لكن الوقائع تفيد بأن دونالد ترامب وعلي خامنئي ليسا في وارد خوض حرب قد تكلفهما الكثير، وإنما يتفاوضان على رسم حدود للعلاقة بين دولتيهما، بعد تداخل نفوذهما في أكثر من «ساحة» مشتركة. فالأول لم يخرق في فرضه عقوبات إضافية إطار الاتفاق النووي المبرم، وهو الأهم بالنسبة إلى إيران، والثاني لم يتجاوز في رده الشعارات المعتادة المستخدمة طوال العقود الأربعة الماضية، والتي لم تحل من دون التوصل إلى تفاهم.

وكان ترامب توعّد خلال حملته الانتخابية بأنه «سيمزق الاتفاق النووي السيء مع إيران فور تسلمه» الرئاسة، لكنه تراجع عن تهديده وطمأن حلفاءه الأوروبيين إلى أنه سيحافظ على الاتفاق. ثم عاد ووجه «تنبيهاً» إلى طهران بسبب زعزعتها الاستقرار الإقليمي، لكنه لم يوضح حتى الآن كيفية مواجهتها وأين سيتم ذلك.

وبعد عملية الإنزال الأميركية الأخيرة الفاشلة في اليمن، سرت تكهنات بأن ترامب قد يختار هذا البلد ساحة للمواجهة الأولى مع إيران، على رغم محدودية الفعل الأميركي فيه وتركيزه على متطرفي «القاعدة». وفي حال صحّ التوقع، يكون الرئيس الأميركي يحاول بذلك استغلال فرصة قائمة، والاستفادة من قرار إقليمي سبق أي قرار دولي، بعدم ترك هذا البلد يقع في يد الإيرانيين، لما قد يشكله من اختراق للنواة الصلبة الحالية في مواجهة المشروع الإيراني.

والمقصود بالنواة الصلبة دول الخليج العربية، بما هي مركز ثقل ديني واقتصادي، بعدما انهار الجناحان الشرقي والغربي للعالم العربي، أو يكادان. ففي الشرق، ينوء العراق وسورية تحت وطأة الانقسام الطائفي والعرقي، والحرب المكلفة على داعش، فيما تقضم إيران تدريجاً من سيادتهما وتحكم قبضتها على قرارهما السياسي والعسكري. وفي الغرب، تتعثر مصر في عقبات السياسة والاقتصاد والأمن، فيما ليبيا ممزقة ومحتربة، وينشغل المغرب والجزائر بمشكلاتهما الداخلية الملحّة وخلافهما الصحراوي.

وفي ما يخص العراق، اضطر وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أثناء زيارته بغداد قبل أيام، إلى نفي أي نية لبلاده في «مصادرة» النفط العراقي، في التفاف على تصريحات ترامب الذي قال إن على الولايات المتحدة الاستيلاء على نفط العراق، بل كان عليها أن تفعل ذلك في 2003 وإبقاء قواتها في بلاد الرافدين التي تجاهر إيران بضمها إلى «امبراطوريتها» بتسهيل من أميركا نفسها.

أما في سورية، فيدافع ترامب عن إمكان التعاون مع روسيا في محاربة «داعش» وفي إيجاد حل لأزمة النظام يبقي على الأسد. لكن الوضع على الأرض يشير إلى أن التعاون المزمع محكوم بإشراك إيران في أي ترتيبات أو تسويات، كونها تملك روابط وثيقة جداً بنظام دمشق وتنشر ميليشيات عدة صارت جزءاً أساسياً من آلة النظام العسكرية. ويصعب تصور كيف يمكن لواشنطن التوفيق بين كلامها عن الحد من النفوذ الإقليمي لإيران وبين إشراكها في الحل السوري، فضلاً عن تحقيق أهدافها في هذا البلد.

وبالتأكيد، فإن طهران التي تغلب البراغماتية الانتهازية على سلوكها رأت في تهديدات ترامب فرصة لإعادة تطهير سمعتها التي تلوثت بدماء السوريين، لذا سارعت إلى إعادة رفع شعارات العداء لأميركا، بعدما تخلت عنها في أواخر عهد أوباما، وباشر «حزب الله»، وكيلها في لبنان، الحديث عن احتمالات مواجهة جديدة مع إسرائيل، وهي «الفزاعة» الجاهزة دوما للتشكيك في أي دعوة للحد من تورطه المجرم في سورية واستفراده بلبنان.

ترامب وإيران يتقنان كلاهما لغة الصفقات والمقاولة والمواجهات عبر أطراف ثالثة، ولن يورط أي منهما نفسه في ما قد ينعكس سلباً على «منجزات» بذل جهوداً مضنية لتحقيقها، سواء الوصول إلى البيت الأبيض أو مد النفوذ إلى دول عربية، وما التصعيد الكلامي سوى واجهة للتنفيس والتفاوض لن تغير من حقيقته مناوشات هنا وهناك.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
إيران في مرمى ترامب

يكاد لا يمر يوم واحد لا تظهر فيه مؤشرات على أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب قد وضعت إيران على رأس لائحة استهدافاتها في منطقتنا، جنباً إلى جنب مع «دولة» أبي بكر البغدادي «الإسلامية» (داعش).

لا يقتصر الأمر على تصريحات أقطاب الإدارة الموجهة ضد النفوذ الإقليمي لإيران أو المتحدثة عن كون جمهورية الخامنئي «الإسلامية» هي أكبر راع للإرهاب في العالم! بل تجاوزتها إلى تحريك حاملة طائرات أمريكية إلى خليج عدن، في أعقاب استهداف سفينة سعودية من قبل مقاتلي الحوثي. وتتحدث تقارير صحافية عن سعي الإدارة الأمريكية لتشكيل تحالف عسكري عربي ـ إقليمي لمواجهة التهديدات الإيرانية، أطلق عليه «ناتو» عربي ـ إقليمي، من المفترض أن يضم مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات العربية وتركيا.
هذا مما يزيل استغراب شن حسن نصر الله ـ قائد الميليشيا الإيرانية في لبنان ـ هجوماً مفاجئاً على دولة الإمارات، إذا اعتبرنا هجومه على السعودية من مألوف خطاب الرجل.

الواقع إن إيران بدأت تتحرك على خطين متباعدين لاستيعاب الهجمة الترامبية: أولهما محاولة التقرب من دول الخليج، من خلال حديث وزير خارجيتها جواد ظريف عن «الانفتاح على الحوار» مع الجوار العربي الخليجي، كما من خلال زيارتي الرئيس حسن روحاني إلى كل من الكويت وسلطنة عمان. والثاني خط الابتزاز والتهديد من خلال حسن نصر الله الذي فتح النار، مجدداً، على دول الخليج، واستعاد تقليداً بات منسياً منذ سنوات في إطلاق التهديدات اللفظية ضد «عدوه» الإسرائيلي المزعوم.

على الضفة الأخرى، لا تفوت المراقب مؤشرات لافتة في الخطاب التركي ضد إيران، وظهور علامات على قرب نهاية شهر العسل القصير بين تركيا وروسيا في الموضوع السوري. فقد تلقف الأتراك فكرة المناطق الآمنة التي طرحها ترامب، وكلف فريقه بوضع تصور عملي للموضوع خلال فترة ثلاثة أشهر. أعلنت إيران صراحةً اعتراضها على هذا المشروع الذي يمنح الأمريكيين والأتراك منطقة نفوذ دائمة داخل ولايتها السورية (الخامسة والثلاثين، ودرة تاج توسعها الإقليمي)، فمن شأن تحقق ذلك أن يعرض مشروع إمبراطوريتها المفترضة للخطر، في حين سمحت لها السياسة الأمريكية السابقة في عهد باراك أوباما بأن تشط في أحلامها الإمبراطورية تلك. وجاء البيان الأمريكي بصدد مباحثات نائب الرئيس مايكل بنس ورئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، التي تضمنت «اتفاق الجانبين على مواجهة النفوذ الإقليمي لإيران» لتُخرج إيران عن طورها تماماً، فيستدعى السفير التركي في طهران إلى وزارة الخارجية الإيرانية ويحمَّل رداً قاسياً على المواقف والتصريحات التركية الجديدة من إيران.

لم يمض على انتقال السلطة في واشنطن شهر واحد، وبتنا أمام هذا المشهد الخطير الذي يذكر بالحملات التمهيدية لشن الحروب. وفي الهدف اليوم دولة إيران. والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدو، في شعبويته وارتجاليته وجهله، أخطر حتى من سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش الذي أمضى ولايتيه في خوض غمار الحروب المدمرة في منطقتنا. ترى هل ينوي ترامب استكمال حروب بوش بضرب إيران هذه المرة؟ أم أن البراغماتية الإيرانية ستتمكن من استيعاب العدوانية الأمريكية ضدها باختيار طريق الانحناء أمام العاصفة؟ وكم سيكلفها هذا الانحناء المفترض من جموحها السابق واستثماراتها في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين؟ أم أن الأقدار ستنقذها من خلال احتمال إطاحة فضيحة مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي مايكل فلين برئاسة ترامب؟ فهذا من السيناريوهات المطروحة حالياً في الرأي العام الأمريكي الذي لا يكن قسم كبير منه الود للرئيس الجديد. وحتى لو نجا ترامب من ارتدادات هذه الفضيحة، فسيكون مضطراً، فيما تبقى من ولايته، للامتثال لثوابت السياسات الأمريكية التقليدية، أو يطاح به عند أي زلة جديدة لا تستبعد شخصيته ارتكابها.

من المحتمل أن قادة النظام في طهران يأملون بتطور الأمور في هذا الاتجاه. لكن السياسة لا تبنى على آمال، بل على تدابير وأفعال. وهو ما تحاول إيران تلمس الخيارات المتاحة للقيام به، سواء من خلال السعي لاسترضاء الجوار الخليجي بمعسول الكلام، أو هز عصا حزب الله بمسمومه، أو تهديد الجارة التركية.

الواقع أن السياسة التوسعية الإيرانية في السنوات السابقة، ومسلكها التخريبي في الدول العربية، لم يتركا لطهران أحداً يتعاطف معها في محنتها الراهنة، باستثناء أدواتها من الميليشيات الطائفية بطبيعة الحال. أما المجتمعات الشيعية في الدول العربية التي ورطتها تلك الميليشيات المؤتمرة بأوامر ولي الفقيه في استقطابات مذهبية مدمرة ضد المكونات الأخرى الشريكة، فسوف تدفع ثمن قرارات لم يكن لها يد في اتخاذها.

إيران دولة جارة تنتمي إلى العالم الإسلامي. كان المأمول أن يحميها محيطها العربي والإسلامي في وجه التهديدات الأمريكية. من المؤسف أن مشاعر العداء لإيران هي الطاغية اليوم في الرأي العام العربي على الأقل، بما في ذلك قيادات الدول. وتتحمل إيران وحدها مسؤولية ذلك من خلال سياساتها التدخلية اللامسؤولة في شؤون دول الجوار. تدخل لا أفق إيجابيا له، ولا ينطوي على مشروع جذاب، بل يقتصر على التخريب وتعميم الصراع المذهبي السني ـ الشيعي العابر للدول. وفي المأساة السورية بالذات تدخلت إيران لمصلحة نظام يدمر بلده ويقتل شعبه طوال ست سنوات، مع مساهمة الميليشيات الإيرانية متعددة الجنسيات بصورة مباشرة في جرائم القتل والتنكيل والتهجير والتخريب.

لن يكسب أحد من شعوب المنطقة من حرب أمريكية جديدة هدفها إيران هذه المرة. ولكن على نفسها جنت براقش.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
“درع اليرموك” في الجنوب يتم تحضيراته للانطلاق في القريب العاجل

دخلت المنطقة الجنوبية في مرحلة متقدمة جداً من اطلاق تحالف جديد و هو الأكبر ، في خطوة يمكن وصفها بأنه اعادة لتجربة الشمال السوري ، و لكن بمسمى جديد يحمل في طياته هدفاً أساسياً و هو القضاء على تنظيم الدولة ، وفق ما يشي به الاسم الذي يحمله التحالف ألا وهو “درع اليرموك”.

وتشير معلومات متقاطعة إلى قرب الإعلان عن اطلاق أكبر تجمع في المنطقة الجنوبية ، و الذي سيضم الغالبية العظمى من المكونات الثورية في المنطقة ، ضمن قالب “درع اليرموك” ، الذي يضع تنظيم الدولة هدفاً أولياً و رئيسياً له ، ضمن خطة شاملة و عامة تصل إلى حدود منطقة آمنة تبدأ بالمناطق الحدودية مع الأردن و الاحتلال الإسرائيلي، في حين تبقى المساحات المتعلقة بالعمق و المناطق التي من الممكن أن تشملها غير محددة.

وعجّل هجوم تنظيم الدولة الأخير ، قبل ثلاثة أيام ، على مناطق الجيش الحر انطلاقاً من حوض اليرموك ، من تسريع عمليات اطلاق “درع اليرموك” ، الهجوم  الذي كان بمثابة ضربة قوية جداً ، سواء من حيث حجم الخسائر الجغرافية أم البشرية أو من جهة ما خلفه من فظائع يرفض الجميع ذكرها على الإعلام، في حين لازالت فرق الإحصاء تعمل على كشف فداحة ما حدث ، وصحيح أنها أصدرت تقريراً أولياً يشير إلى أكثر من ١١٠ شهيد غالبيتهم من عناصر الجيش الحر ، لكن بيانها تضمن تحذيراً أن الأمر سيكون كارثياً بالفعل ، نتيجة الهجوم الذي كان مباغتاً و فجاً و في توقيت قاسي ، بالتزامن مع معركة “الموت ولا المذلة” التي أعادة الروح لدرعا بعد خبوها لأكثر من عام ونيف.

لاشك أن الأحاديث التي دارت قبل فترة من الزمن عن وجود منطقة آمنة بالجنوب ، برغبة إقليمية و دعم أمريكي من قبل الإدارة الجديدة ، لكن بقي توقيتها ضبابياً ، وما حدث قبل ثلاثة أيام جعل الأمر أكثر وضوحاً ، سيما أن التحضيرات اللوجستية و الإدارية و الفنية لمنطقة آمنة في الجنوب السوري ، قد قطعت أشواطاً طويلة ، حيث تتمتع درعا بتكتلات كبيرة على رأسها الجبهة الجنوبية و جيش الثورة و إضافة إلى الأعداد لما يشبه دستور لادارة المنطقة بشكل كامل (من الألف إلى الياء ) ، كما يقال ، وهي بانتظار وضعها موضع التنفيذ ، وفق ما كشفت وسائل إعلام مؤخراً.

و بالعودة إلى “درع اليرموك” ، فإن التوقيت المبدئي لإطلاقه سيكون مع بداية شهر آذار القادم أي بعد قرابة أسبوع، و لكن تبقى الكثير من التفاصيل تحمل في طياتها نوع من الأخبار غير المؤكدة ، اذ تشير المصادر إلى أن “درع اليرموك” سيضم إلى جانبه قوات من الأردن و قطر و السعودية ، في اطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

في العموم لا يمكن الحديث عن مراحل تالية لـ”درع اليرموك” ، إلا بعد الانتهاء من تنظيم الدولة الهدف الأول و الأكبر للتحالف ، و لكن لابد من الإشارة إلى وجود خطة قد تكون غير واقعية بالوقت الراهن ، إذ تشير بعض المصادر أن التحالف لن يختص بمناطق تنظيم الدولة فحسب ، بل سينتقل بعدها إلى مناطق يسيطر عليها الأسد و حلفاؤه ، إذ أكدت المصادر أن المنطقة ستشمل مدينة درعا و خربة غزالة وصولاً إلى حدود ازرع ، في حين ستمتد بالجزء الصحراوي وصولاً إلى ريف حمص الجنوبي و الشرقي.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٧
السوريون في سجون جديدة!

لطالما جرى وصف حياة السوريين في ظل نظام الأسد، بأنها حياة داخل سجن كبير، والأمر في هذا الوصف، لم يقتصر على العدد الهائل الذي أقامه نظام الأسد من سجون ومعتقلات منذ أن استولى الأسد الأب على السلطة في سوريا عام 1970، فأسس مزيدًا من السجون التابعة لوزارة الداخلية في مختلف المحافظات والمدن والمناطق، بل أضاف إليها فروعًا ومفارز أمنية فيها مراكز اعتقال وتوقيف، تتبع إدارات أمنية، تبدأ من إدارة أمن الدولة، وتمتد إلى المخابرات العسكرية وشقيقتها المخابرات الجوية، وصولاً إلى إدارتي الأمن السياسي والأمن الجنائي، إضافة إلى سجون الوحدات العسكرية المنتشرة في كل المناطق والوحدات العسكرية.


لم تكن تلك السجون تعبيرًا عن تحول سوريا إلى سجن كبير؛ بل كانت جزءًا من ذلك ليس إلا، أما الأساس في ذلك التحول، فإنه كامن في صعوبات الحياة السورية وفي أنماطها الصعبة؛ فقمع الحريات الفردية والجماعية، ومنع الناس من حقوقها الفردية والاجتماعية، وانتهاك خصوصيات الفرد والمجتمع، وتقييد الحقوق في العمل والتعليم والصحة والسفر والاختيارات، وتغييب القانون، كانت أيضًا من تعبيرات تحول سوريا إلى سجن كبير.


وبخلاف ما كانت الوعود من انفتاح في السجن الكبير، في عهد الأسد الابن مع عام 2000، وإعادة تطبيع حياة السوريين؛ فقد حول نظام الأسد سوريا إلى معتقل عام ومسلخ بشري ثابت في بعض أماكنه، ومتنقل في أغلب الأماكن في السنوات الست الماضية، موزعًا القتل في كل الأنحاء السورية، بعد أن خرج السوريون محتجين على سوء أحوالهم ومعاملتهم في مارس (آذار) عام 2011، ثم استدعى لتعميم الاعتقال والقتل ميليشيات طائفية متشددة من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان، وقوات وخبراء من إيران وروسيا، إضافة إلى خطوته في إطلاق قادة متطرفين وإرهابيين من سجونه، وفتح مداخل سوريا أمام المتطرفين الإرهابيين من «القاعدة» و«داعش» وأخواتهما، ليصيروا أدوات في المقتلة السورية، التي تشير التقديرات إلى وصول ضحاياها إلى قرابة مليون شخص من القتلى، ونحو نصف مليون شخص من المعتقلين والمختفين قسرًا، والتي أشارت إليها وقائع؛ من بينها «فضيحة سيزار» المتضمنة عشرات آلاف الصور للسوريين الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد، وتقرير منظمة العفو الدولية «أمنستي» الصادر مؤخرًا الذي قال: «50 معتقلاً يساقون إلى المشانق كل أسبوع في سجن صيدنايا بعد أن يعذبوا في طريقهم إلى الإعدام».


لقد بدا من الطبيعي في ضوء تحولات السجن السوري الكبير إلى معتقل ومسلخ، أن يلجأ السوريون إلى الهرب نحو جوارهم في حركة لجوء واسعة، سجلت في السنوات الست الماضية، أكثر من خمسة ملايين سوري، أكثر من نصفهم في تركيا وحدها، فيما تتوزع البقية على التوالي بين لبنان والأردن وأقلهم في العراق. ولئن وجد الأولون منهم ظروفًا أفضل للجوئهم، فإن التالين منهم صاروا إلى مخيمات هي أقرب إلى المعتقلات، وعشوائيات لا تقل سوءًا في أوضاعها الإنسانية والمعيشية عن الأخيرة.


ولئن استطاع بعض لاجئي دول الجوار السوري اللجوء والهجرة نحو بلدان الغرب الأوروبي، عبر انتقال أكثرهم في قوارب الموت وبواسطة مافيات الاتجار بالبشر في طرق العبور البرية، فإن كثيرين منهم صاروا إلى مخيمات أشبه بمعسكرات اعتقال ومراكز إقامة مؤقتة، تؤكد الوقائع ظروفها الصعبة وغير الإنسانية.
السوريون اليوم في أماكن اللجوء والهجرة، بل والإقامة، في أوضاع صعبة.


لقد هرب السوريون من حياتهم في السجن الكبير بعد أن تحول إلى معتقل ومسلخ، وأصبح أغلب بلدان لجوئهم وهجرتهم وإقاماتهم، سجونًا جديدة، كل واحد منها بمواصفات وشروط، لكنها تمنعهم من الحياة بصورة طبيعية، وبدل أن يعالج العالم قضيتهم، ويساعدهم في العودة إلى بلدهم، ليعيشوا حياة إنسانية وكريمة فيه، سكت عن سياسات الأسد الدموية وحلفائه في اعتقال وقتل وتشريد السوريين، وفتح سجون جديدة، تضم السوريين أينما حلوا في معظم أنحاء العالم في بلدان جديدة، وكانت تلك محصلة النظرة العوراء للمجتمع الدولي، ونتيجة عجزه، وتهافت سياساته إزاء السوريين وقضيتهم ومطالبهم بالحرية والكرامة.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٧
سورية: جنيف مرة أخرى والآفاق ما زالت قاتمة

تتجه أنظار السوريين مرة أخرى نحو جنيف حيث يفترض أن تعقد الجولة الثالثة من المفاوضات بين وفد النظام، ووفد، إن لم نقل وفود، المعارضة، وتحت إشراف أممي وبرعاية دولية - روسية النكهة في المقام الأول. أما جنيف 1 فغاب عنه السوريون، وكانت المباحثات بين الأطراف الدولية، بخاصة الجانبين الأميركي والروسي. وتم التوافق حينئذٍ على بيان جنيف 1 في حزيران (يونيو) 2012 المستند إلى خطة كوفي أنان ذات النقاط الست المعروفة. وهو البيان الذي تحفظنا عليه في حينه، لتضمنه نقاطاً عدة غامضة، وأخرى لا تمتلك أية قابلية للتحقق في ظل غياب إرادة أميركية فاعلة للتعامل مع الموضوع بحزم وفاعلية، وعدم وجود أية رغبة روسية في التخلي عن التحالف مع نظام بشار، طالما أنه يمنحها ورقة قوية في المعادلات الإقليمية والدولية.

فدور الأسد في مستقبل سورية كان العقدة الأساسية، وما زال. وقد تعامل معه بيان جنيف 1 بموجب عقيدة الغموض «الخلّاق» الذي يبيح لكل طرف تفسير الموضوع وفق حساباته الخاصة. كما أن تشكيل هيئة الحكم الانتقالي بكامل الصلاحيات وبموافقة الطرفين كان، وما زال، عصياً على أي تطبيق واقعي، لا سيما في ظل انعدام إرادة دولية ملزمة، ومن الجانب الأميركي تحديداً. ومع تيقّن الروس من هشاشة الموقف الأميركي على صعيد دعم المعارضة، بخاصة بعدما قفز أوباما من فوق الخط الأحمر الذي كان قد أعلن عنه وحدّده بنفسه، بدأوا بالترويج لفكرة تمحورت حولها استراتيجيتهم منذ البداية، وهي أن ما يهدد السوريين جميعاً، معارضة وموالاة، هو الإرهاب، ولمواجهته لا بد أن تتضافر جهود الجميع. هذا ما حاول الروس تمريره في جنيف 2 وجنيف 3. ولمّا أخفقوا في تسويق الموضوع عبر جنيف، لاذوا بأسلوب صناعة المعارضات في حميميم وآستانة وغيرهما لإجهاض مخرجات مؤتمر الرياض للمعارضة أواخر 2015 الذي عُقد بناء على توافق دولي في اجتماع فيينا.

عمل الروس بالتوازي مع تدخلهم العسكري إلى جانب النظام، على استغلال الانهيارات والخلافات والصراعات بين الفصائل المسلحة الميدانية المعارضة، كما استثمروا في متغيرات أولويات السياسة التركية، بخاصة بعد الانقلاب الفاشل. وبدأوا بنسج العلاقات مع العديد من تلك الفصائل. ثم كانت اللقاءات المعلنة بين الفصائل المعنية والجانب الروسي في أنقرة. كل ذلك مهّد الطريق لاجتماع آستانة الذي جمع ممثلي بعض الفصائل المسلحة ووفد النظام. وكان واضحاً أن الأخير شارك في الاجتماع مرغماً بضغط روسي للاستفادة من نتائج السيطرة على حلب. ومع إدراك الجانب الروسي استحالة ترتيب الأوضاع في سورية لمصلحته من دون دور فاعل أميركي، ومشاركة عربية مؤثرة، وذراً للرماد في الأعين، كان التأكيد بأن آستانة مجرد محطة تمهيدية، تركز على وقف إطلاق النار، واعتماد آلية بين الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، للتحقق من التزام مختلف الأطراف بوقف إطلاق النار. أما الهدف الأبعد روسياً من آستانة فإحداث الشرخ بين الفصائل العسكرية والهيئة العليا للمفاوضات من ناحية، وبين الفصائل أنفسها من ناحية ثانية، وذلك في إطار الاستراتيجية الروسية لتفتيت المعارضة وتطويعها، تمهيداً لإعادة تشكيلها، أقله إبان استفرادها بالملف السوري.

وفي المقابل، يبدو أن الأمور على الضفة الأميركية بدأت تتبلور ملامحها بعض الشيء، ما يُستشفّ من حوادث وتحركات وتصريحات عدة لعل أبرزها استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين على خلفية اتصاله بالروس، ويبدو أن الأمور لن تقف عنده بل ستشمل آخرين بهذه الصورة أو تلك. إلا أن الجوهري أننا سنشهد تشدداً أميركياً في التعامل مع روسيا، وبالتالي لن تترك المفاتيح كلها للكرملين، ليتحكّم بقواعد اللعبة وفق حساباته ومصالحه.

في هذه الأجواء، تجرى الاستعدادات للجولة الجديدة من مفاوضات جنيف التي لن تتميز عن الجولتين السابقتين، بل لن تخرج عن كونها مجرد حركة للإيحاء بوجود رغبة دولية في دفع الأطراف السورية للتوصل إلى حلٍ توافقي ينهي الصراع، ويمهد الطريق لانتقال سياسي غير واضح المعالم، قابل للتأويل بألف صيغة. وهذا ما يستنتج منه أن الأمور لم تصل بعد بين الأطراف الدولية والإقليمية المعنية إلى تفاهمات نهائية، أو أن الأمور ما زالت قيد المشاورات والأخذ والردّ. ويُشار ضمن هذا السياق إلى جولة مدير السي. آي. أي. مايك مومبيو ورئيس الأركان الأميركي جوزيف دانفورد إلى المنطقة، ما يشير إلى أن القضايا المتصلة بالجانب الأمني والعسكري في الملف السوري هي التي تُبحث راهناً، تمهيداً لقرار سياسي يضع النقاط على الحروف. وما يُستدل من المعطيات المتوافرة أن الجولة القادمة من جنيف لن تكون مؤهلة لإحداث خرق في هذا الاتجاه أو ذاك، بل سيستمر الطرفان في موقفيهما، مع إدراكهما أن الأمور الأساسية تُبحث في مكان آخر.

الاتصالات والتحركات والوقائع تعطي انطباعاً مفاده بأن المرحلة القادمة ستشهد تثبيتاً لمناطق النفوذ بين مختلف الأطراف المتصارعة، انتظاراً لما سيسفر عنه المستقبل. روسيا في عجلة من أمرها. تريد تأمين حصتها من «المولد» السوري، لكنها تدرك أنها لا تستطيع بلوغ ذلك من دون تنسيق مع الجانب الأميركي، وتفاهم مع الجانب الإسرائيلي بطبيعة الحال. كما أن تحالفها مع إيران يسجل لها وعليها. فهي في حاجة إليها تحسباً لأية مفاجآت مع الجانب الأميركي، وتدرك في الوقت عينه أن العلاقة المتميزة مع طهران لن تفيدها كثيرا، بخاصة في رفع العقبات أمام علاقات متميزة تريدها مع تركيا ومع السعودية ودول الخليج.

أما تركيا، فتريد إفهام الحليف التقليدي، الولايات المتحدة، ومعها دول الناتو بأنها ليست ضعيفة، بل تمتلك البدائل، لكنها لا تستطيع المغامرة أو المقامرة بعقود من العلاقات الاستراتيجية مع الغرب، ومن التواصل النفسي معه، إلى جانب الحجم الكبير للمصالح الاقتصادية وتداخلها. هكذا، فجنيف هذه المرة لن تكون استثناء، ولا محطة جديدة في الملف السوري، بل مجدداً فرصة للاستكشاف وكسب الوقت.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٧
سيّارة الرئيس السوري!

يتداول بعض السوريين قصة تعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، مفادها أن الرئيس السوري شكري القوتلي لم يتمكن من تجديد سيارته القديمة، لأن البرلمان السوري رفض ذلك لأن المواطن السوري أحق بثمنها، فيما تقول روايات أخرى إن القوتلي لم يرغب بتجديد سيارته، وقرر الإبقاء على سيارته القديمة منعا لهدر أموال الدولة. أتذكّر هذه الحكاية لأقول إن السوريين عرفوا التجربة البرلمانية وخاضوا الانتخابات، وأصدروا الكثير من الصحف وعرفوا بناء الدولة منذ وقت طويل، لذلك هم وحدهم من يمكنهم بناء مستقبلهم وحياتهم السياسية والديمقراطية، وأنا واثق أن لديهم قدرات هائلة للقيام بذلك.

كما أستذكر هذه القصة ونحن على أبواب إتمام الأزمة السورية عامها السادس والدخول في مفاوضات جنيف 4، فيما يتطلع السوريون إلى النظام والمعارضة والمجتمع الدولي بنظرة مؤلمة تحمل سؤالاً كبيراً: ماذا أنتم فاعلون لإنهاء كارثتنا؟

بالتأكيد هذه مفاوضات سورية-سورية وللسوريين أن يقرروا فيها. موقف بريطانيا يتلخص بدعم هذه المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وعلى أساس بيان جنيف الذي يدعو إلى هيئة انتقالية تقود حوارا وطنيا جامعا وشاملا لكل أبناء البلد. نعم إن سوريا بحاجة إلى انتقال سياسي. بعد سنوات طويلة من انتهاكات النظام لحقوق الإنسان ورفض الحوار الجدي مع أطياف البلد، ودخول تنظيمات إرهابية وأخرى طائفية إلى الأراضي السورية، وتشرد الملايين من الشعب السوري في مخيّمات اللجوء والنزوح، وبعد الكوارث التي أحلت باقتصاد البلاد، وموت وفقدان واعتقال واختطاف مئات الآلاف من الشعب السوري، هل يحتاج "الانتقال السياسي" بقيادة كل السوريين إلى جدل ونقاش؟ إنه حاجة ماسة لإعادة الحياة والاستقرار إلى سوريا.

هناك ملفات إنسانية كبيرة عالقة تحتاج إلى حل عاجل. اليوم أتساءل ما هو مصير شخصيات معارضة سلمية كان سلاحها الرأي والقلم فقط مثل المحامي المدافع عن حقوق الإنسان خليل معتوق والدكتور عبد العزيز الخيّر، ومن المناسب التذكير أن النظام دأب على إطلاق سراح متطرفين في وقت أبقى فيه على شخصيات سورية لامعة وراء القضبان. المشكلة السورية سببها رفض النظام الانفتاح الجدي نحو تغيير يلبي تطلعات الناس. كما أني عندما أتحدث عن شخصيات إنسانية وسياسية وحقوقية وإعلامية وراء قضبان النظام السوري أود أن أشير إلى أن هؤلاء هم الذين يمثلون المجتمع السوري المتنوع والغني وليس أولئك الذي يقطعون الرؤوس أو يقتلون لأسباب طائفية أو عرقية.

المواطن السوري سواء كان بائعا متجولا في الشارع، سائقا، ممرضا، مزارعا، مثقفا، أو في أي عمل ومهنة كانت، كان تاريخيا يتسم بالاعتدال والعيش مع الآخر فيما التنظيمات المتطرفة والإرهابية تمثل نفسها وفكرها الأسود المريض ولا تمثل شارعا أو مجتمعا. هذا الإنسان السوري يتطلع لعودة الاستقرار والحياة الكريمة؛ واحترام حقوقه وحرياته، وفق قانون يحميه لا يأسره، ودستور هو يقرره وليس مقررا له، وحكم هو يحاسبه وليس بالعكس. هذا الإنسان السوري يأتي من كل الجغرافيا السورية وينتمي إلى أطياف وأعراق عديدة تريد العيش بسلام.

دعونا نتفاءل ونأمل نجاح السوريين في جنيف 4، وعلى جميع المفاوضين المشاركين في هذا المؤتمر التفكير جيدا وجديا بأن هناك الملايين الذين ينتظرون حلا سوريا-سوريا ينقلهم من عصر القمع والخوف والاستبداد إلى عصر جديد هم يقررون سماته ومواصفاته بما يلبي حقهم في العيش الكريم والاستقرار والحرية.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٧
ملاحظات لمفاوضات جنيف

1
تكمن أولى الملاحظات في أن قرار مجلس الأمن الدولي 2254 يعتمد آلية للحل السياسي السوري معاكسة تماماً لآلية وثيقة جنيف 1، الصادرة يوم 30 يونيو/ حزيران من عام 2012، عن توافق الخمسة الكبار أعضاء مجلس الأمن، والتي تقول بتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية" كاملة الصلاحيات التنفيذية بتراضي الطرفين المتصارعين، لتحقق الانتقال السياسي إلى النظام الديمقراطي. بدل الهيئة التي مرجعيتها القرار الدولي وثيقة جنيف 1 والقرار 2118، يتحدّث القرار 2254 عن حكومة موسعة وغير طائفية يشكلها بشار الأسد الذي يزيحه عن منصبه قرار دولي، يفسر معنى جملة "صلاحيات الهيئة التنفيذية الكاملة" بقوله، إن بشار الأسد يجب أن يغادر منصبه، لأن صلاحياته ستذهب إلى الهيئة، بمجرد أن تشكل من أجل أن تتولى مهامه. لذلك لن يكون مرجعيتها، بل ضحيتها. لا تبقي وثيقة جنيف بشار الأسد في موقعه، خلال المرحلة الانتقالية، بينما يجعله القرار 2254 رئيساً لها، ومشرفاً على حكومة موسعة وغير طائفية، سيتولى هو تشكيلها، لن تكون بأي حال مساوية في هويتها ووظائفها للهيئة الحاكمة أداة للتحول الديمقراطي، في حين ستكون الحكومة أداة بيده، باعتباره رئيساً معادياً للديمقراطية، ولأية وظيفة تشبه ما هو مطلوب من الهيئة. هذا الافتراق بين مهام هيئةٍ مرجعيّتُها وثيقة جنيف والقرار الدولي رقم 2118، مهمتها نقل سورية سياسياً إلى الديمقراطية بضمانات دولية، والقرار 2254 الذي يشكل حكومة لا تقوم بتراضي الطرفين، بل بقرارٍ يصدر عمّن عليه مغادرة السلطة (بشار الأسد) وليس من مهامها إنجاز انتقال سياسي إلى الديمقراطية، بل قطع الطريق عليه، ومنع تحقيقه. لذلك، تتناقض النتائج التي ستترتب علي تشكيلها مائة بالمائة مع ما يجب أن تكون عليه السلطة السورية التي ستنجز الانتقال السياسي.

هذا التناقض هو العقبة التي لا بد من تجاوزها في المفاوضات، إذا كان يُراد لها أن تحقق تلك النتائج التي أريد لتطبيق وثيقة جنيف والقرار 2118 تحقيقها، ولا بد أن تعرف في ضوء تحديداتهما، وليس في ضوء إصدار دستور وإجراء انتخاباتٍ تحت إشراف دولي، كما ينص القرار 2254 الذي يحدد مهاماً يعني تطبيقها إلغاء الانتقال والتخلي عن هدفه: التحول الديمقراطي. جسر الهوة بين الوثيقة والقرار 2118 والقرار 2254، هو المهمة الرئيسة التي يجب على الوفد المفاوض التركيز عليها وإنجازها، لا سيما وأن الهيئة ستكون، بطبيعة الحال، موسعة وغير طائفية، وأنه لم يكن هناك من داع لإصدار قرارٍ يعرف صفاتها التي ليست في حاجة إلى تعريف. وبالتالي، لا مسوّغ لإصداره غير استهداف مهامها، ونقل الموضوع من هويتها إلى صفاتها، وهي حمّالة التباساتٍ لا حصر لها.

والآن، إذا ما نظرنا إلى مهام الهيئة الحاكمة، وجدنا أنها موسعة ولا طائفية، وستصدر دستوراً، وتجري انتخابات برلمانية ورئاسية. لماذا إذن صدر القرار 2254؟. إذا كان يريد التأكيد على صلاحياتها، فإن هذا لا يتطلب إصدار قرار خاص باسم مختلف، تعتمده موسكو وأتباعها من كارهي الشعب السوري وثورته، بديلاً لوثيقة جنيف والقرار 2118. أما إذا كان يريد التذكير بمهام الهيئة، لماذا غيرها وحذف الانتقال الديمقراطي باعتباره وظيفة وحيدة للانتقال السياسي الذي تقول الوثيقة والقرار إنه يجب أن ينجم نتيجة وحيدة عن التفاوض، وأن يُغطّى بضماناتٍ دولية؟. ولماذا يطرح القرار 2254 باعتباره مرجعية وحيدة أو رئيسة للتفاوض؟. ولماذا، أخيراً، تحولت مهمة الهيئة من إعداد مستلزمات الانتقال الديمقراطي، في ما يتصل بتشكيل لجانٍ تتولى حل المشكلات الخطيرة والكثيرة التي ترتبت على حرب النظام الإجرامية ضد الشعب، أو تشكيل جمعية تأسيسية، وإصدار دستور، وعقد مؤتمر وطني، وصولاً إلى إجراء انتخابات برلمانية، يتم بعدها تنظيم انتخابات رئاسية، تحل الهيئة بإنجازها؟. هل أرادت روسيا تكرار المكرّر، أم أن وراء الأكمة ما وراءها، مما شرحت بعضه في هذه العجالة، لأؤكد أن مهمة الوفد التفاوضي السوري لا يجوز أن يكون لها أي موضوع آخر غير إعادة الأمور إلى نصابها، واعتبار مهام الهيئة مادة المفاوضات الوحيدة، بحيث تغدو بنية الهيئة ومهامها هي بنية الحكومة ومهامها، مهما كانت الطرق إلى هذا الهدف التفافية أو معقدة ومتشعبة. في هذه الحال: إذا كانت الحكومة ستحقق مهام الهيئة، فإن أي تعطيل للتفاوض حولها لا بد أن يعد تعطيلاً للتفاوض، ورفضاً للحل السياسي.

2
ثاني الملاحظات تكمن في ما يطرحه بعض أعضاء المعارضة حول عدم جواز طرح شروط مسبقة للمفاوضات، وهو طرح تبناه الروس والنظام. باختصار شديد: تعطينا وثيقة جنيف 1 والقرار 2118 حقوقاً لا يجوز أن نتنازل عنها لأي كان، ولأي سبب كان، وتحت أي ظرف كان، يعترف العالم بها كحقوق هي:

أولاً، هيئة حاكمة انتقالية هي أداة انتقال تضم السوريين، ليس الأسد من أعضائها، ولا يحق له البقاء في منصبه بوجودها، فهل المطالبة بها وبرحيله شرط مسبق أم حق منحنا إياه العالم بإجماع دوله، وفي قرار مضى على إصداره ثلاثة أعوام عطّله الروس والنظام خلالها، ولا بد اليوم من تطبيقه؟.

ثانياً، انتقال سياسي هو الانتقال الديمقراطي دون سواه، فهل تمسّكنا به بشرط مسبق أم إصرار على حقٍّ لا يجوز التفريط فيه أو التنازل عنه؟.

ثالثاً، مسار حل يلزم الطرف الآخر بالانضمام إلى الهيئة، ما دام يؤكد أنه قبل الوثيقة والقرار، وكما هو معلوم، فإن قبول القرارات الدولية لا يجوز أن يكون انتقائياً أو كيفياً: تقبل ما يعجبك وترفض ما لا يعجبك، إلا إذا أبديت تحفظاً على بعض ما جاء فيها، وهو ما لم يحدث في حالتنا السورية، من كلا طرفي الصراع. ليس قبول وثيقة جنيف والقرار 2118، الذي يجب أن يكون أول موضوع يطرح للتفاوض، شرطاً مسبقاً، بل هو أساس لا يمكن التفاوض من دون تثبيته. لذلك، لا بد عند بدء التفاوض من طرح السؤال على الطرف الآخر: هل يقبلون وثيقة جنيف 1 والقرار 2118 أساساً ومرجعيةً للقرار 2254، كما يقول نص هذا القرار نفسه، وهل يقبلون تطبيقه بالتالي كاملاً، في ضوء أن الانتقال الديمقراطي اعتمده حلاً؟. لا يجوز أن تبدأ المفاوضات بغير قبول الطرفين مرجعية جنيف والقرار التي يذكرها القرار 2254 بالاسم. ومن الضروري أن يعتمدها الوفد السوري مرجعية وحيدة له، وأن يصر على تلقي إجابة إيجابية عن سؤاله، ليبدأ التفاوض، بما أنه من المحال التفاوض على مرجعيةٍ لا يقبلها الطرفان (!). ليست حقوق الشعب السوري المعترف بها دولياً من الخمسة الكبار شروطاً مسبقة، بل هي الموجه والهدف الذي يجب أن يحكم التفاوض، لكي تتوافق نتيجته مع حقوق السوريين وإرادة المجتمع الدولي ومنظماته الشرعية.

3
كان الطرف السوري قد أجاب عن أسئلة طرحها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، عليه وعلى الطرف الأسدي الذي كان قد اقترح أيضاً موضوعاتٍ للتفاوض، تبدأ بعد تشكيل الهيئة بتأسيس جيش وطني. من الضروري توجيه مذكرة إلى ممثل الأمين العام تطلب إليه إدارة التفاوض بما يخدم تطبيق الوثيقة والقرار 2118 ، والقرار 2254 بمرجعيتهما، وليس فقط بنصه، فذلك أيضاً من حقوق الشعب السوري التي منحه إياها المجتمع الدولي. ومن الضروري الإصرار على إحراز نتائج تفاوضية، تتفق وتصريحات دي ميستورا حول الانتقال السياسي، باعتباره موضوع التفاوض الوحيد وجوهره، ومع الردود التي تلقاها من الهيئة العليا وبعض أعضاء الوفد السوري (ردود جهاد مقدسي) بشأن أسئلته.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٧
صراع التعليم والتفوق مع اللجوء

يعتبر حجم التحديات والصعاب التي تواجه السوريين في دول اللجوء والجوار كبيرا جدا خصوصا في ظل المسؤوليات الأسرية والعمل على تكوين وإعالة أسر بأكملها، ولعل الطلّاب السوريين أيضا يواجهون صعوبات جمّة في طريق إكمال تعليمهم الجامعي أو حتى ما هو أبعد منه خصوصا مع تردي المستوى المعيشي لدى الغالبية العظمى.

تبدأ التحديات عند بعض الطلاب بصعوبة التوفيق بين الواجبات الدراسية والعمل الذي يلتزمون به لإعالة أسرهم، ولا تنتهي عند آخرين بطول فترة الانقطاع عن الدراسة والتي وصلت عند بعضهم لخمسة أعوام، ومثل ذلك الطلاب الذين فروا من سوريا خلال السنوات الماضية خوفا من الاعتقالات وخوفا من الذهاب للخدمة العسكرية الإجبارية في جيش الأسد.

كما أن الطالبات يعانين من ظروف صعبة أيضا، إذ أن العديد منهن يلتزمن بأعمال خارج البيت لإعالة أسرهن بالإضافة لأعمال منزلية يومية، فضلا عن وجود عدد لا بأس منه من الطالبات المتزوجات وحتى اللاتي أنجبن أطفالا.

كما ولا يجب إغفال الحالة النفسية السيئة لعشرات الطلاب الذين قد يسمعون في أي وقت نبأ أو خبر استشهاد أحد أقاربهم أو زملائهم القدامى في الداخل السوري، فضلا عن سوء الحالة النفسية التي تراكمت مع سنين الانقطاع والابتعاد القسري عن المقاعد الدراسية.

ولكن، سِر، امضِ، تحرّك، لا تيأس، ففي المقابل لا يمكن إنكار قدرة أي شخص على تحطيم وتذليل الصعاب مهما كَبُر حجمها، إذ أن طرق النجاح متوفرة للجميع ولكن المسير فيها بالتأكيد يحتاج لصبر ومثابرة وإرادة.

ففي كل فصل دراسي يتخرج العشرات من السوريين من جامعاتهم بمعدلات إمتيازية وجيدة، وبات التفوّق والتنافس السوري في الجامعات محط أنظار الجاليات العربية في الجامعات الأردنية مثلا، كما أن التنافس الشريف بين الطلبة السوريين أنفسهم على أشدّه.

وأبرز ما يلفت الانتباه هو التلاحم والتعاون الواضح بين غالبية الطلاب السوريين في مختلف الجامعات، وتتميز الجالية السورية بتنظيم وأداء عالي وقيام عشرات الأشخاص بأعمال تطوعية لخدمة المجتمع المحيط بهم، ويجب أن لا يتم إغفال التفاهم بين الطلاب السوريين وغيرهم من رواد الجامعات من الجنسيات الأخرى، ولا سيما الأردنية منها.

وبات حاليا أمام الطلاب اللاجئين في المملكة الأردنية فرص واسعة لمتابعة تعليمهم، حيث أطلقت جهات مختلفة منح دراسية كاملة لا يتكلّف فيها الطالب أي رسوم جامعية، حتى بل أن بعض الجهات المانحة دعمت الطلاب برواتب فصلية كافية لسد مختلف الحاجيات الدراسية تقريبا.

اقرأ المزيد
٢١ فبراير ٢٠١٧
إيران تلوح بحزب الله للجم ترامب وتطويق انكسارات اليمن

فجأة ومن دون سابق إنذار عادت نغمة التصعيد المتبادل على ضفتي الحدود بين لبنان وإسرائيل. التصعيد اللفظي والاستعراضي يقابله استمرار الهدوء والاستقرار في أكثر منطقتين آمنتين في الشرق الأوسط منذ نحو أحد عشر عاما، نقصد جنوب لبنان ومنطقة الجليل الإسرائيلية، فهل المنطقة أمام مشهد تفجيري جديد طرفاه إيران عبر ذراعها حزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية على الأرض اللبنانية وداخل الحدود الإسرائيلية؟

نقطة البداية في هذا المشهد التصعيدي بدأت منذ بداية الشهر الجاري، منذ أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب مواقف عدّة تجاه إيران، أوحت بوجود سياسة أميركية جديدة عنوانها الحدّ من النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، قال الرئيس الأميركي الجديد إنّه يريد الحدّ من النفوذ الإيراني في العراق، ووجّه أكثر من رسالة واضحة حيال التجارب الصاروخية الباليستية، وأعاد إيران إلى مربع العقوبات الأميركية الأول، ووجه رسالة مباشرة من على شواطئ اليمن بعد العملية الانتحارية التي استهدفت فرقاطة سعودية. كل هذه التطورات واستعراض أوراق القوة الأميركية، كان لا بد للقيادة الإيرانية أن ترد في المقابل باستعراض أوراق قوتها، وحزب الله الذي يمسك بالحدود اللبنانية مع إسرائيل، هو الأكثر قدرة على تلبية النداء الإيراني للرد على التهديدات الأميركية، ومن دون أن تتحمل إيران أيّ مسؤولية مباشرة.

على أنّ حزب الله الذي يدرك حساسية اللعبة الدولية، منذ أن غضت واشنطن النظر عن انخراطه في الحرب السورية دعما لنظام بشار الأسد، حرص على أن تكون رسائله الصوتية ضد إسرائيل ولا تقترب من أيّ موقف يمكن أن يشتم منه أيّ تهديد للمصالح الأميركية المباشرة في لبنان والمنطقة، لذا عندما نشرت وكالة رويترز الإخبارية قبل أيام نقلا عن مصدر في حزب الله أنّ الأخير يوجه تحذيرات لترامب، سارع حزب الله إلى نفي الخبر معتبرا أنّ لا أساس له من الصحة ببيان صدر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله.

التهديدات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، كانت مدروسة أيضا تجاه إسرائيل، فهي مسبوقة دائماً بـ“إذا قامت إسرائيل بعدوان على لبنان فإنّ حزب الله سيرد”، ويكمل أنّ لدى حزب الله مفاجآت للجيش الإسرائيلي، مؤكدا أنّ معلومات إسرائيل عن إمكانيات حزب الله التسليحية والقتالية ضعيفة. لكن نصرالله وهو يستعرض في خطابه ضد إسرإئيل، كان يوجه سهامه إلى المنظومة العربية، وتحديدا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، في مواقف كشفت عن انقلاب على ما قيل عن تفاهم لبناني عبرت عنه محطة انتخاب العماد ميشال عون رئيسا ومحطة تشكيل الحكومة، وتأكيد الأطراف اللبنانية، على اختلافها، على ضرورة إعادة تنشيط العلاقة مع الدول العربية ولا سيما الدولتين المذكورتين. من هنا جاء تصعيد حزب الله ضد إسرائيل وضد الدول العربية، مع فارق استمرار الهدوء وعدم القيام بأي خطوة عسكرية ضد إسرائيل، في مقابل ضخ مستمر للمقاتلين سواء باتجاه سوريا أو غيرها من الدول العربية كما هو الحال في اليمن والعراق.

الكلفة القتالية ضد إسرائيل هي وجودية لحزب الله، فإسرائيل ردت على مفاجآت نصرالله التي لوّح بها في خطابه، بموقف من أفيجدور ليبرمان وزير الأمن الإسرائيلي قال فيه، إنّ كلّ مقومات الدولة اللبنانية ستكون هدفا لإسرائيل ولم يذكر حزب الله، وهي إشارة إلى أنّ هذه الحرب ستزيد من أعداء حزب الله أكثر ممّا ستجد تعاطفا معه. فالكل يعلم أنّ الدولة اللبنانية في أسوأ أوضاعها المالية والاقتصادية، فيما حزب الله بات يدرك أنّ التعاطف اللبناني أو العربي لن يكون متوفرا كما حصل في حرب العام 2006، لذا فإنّ بعض المراقبين يقرأون في مواقف الحزب التصعيدية الأخيرة محاولة للجم أيّ حرب إسرائيلية محتملة ضده بتشجيع من ترامب، فيما يضيف بعض المراقبين أنّ تصعيد حزب الله هو محاولة إيرانية للتذكير بأنّ لإيران دورا محوريا في حماية الاستقرار على الحدود الشمالية لإسرائيل سواء مع لبنان أو مع سوريا، وأنّ إيران تنبه إلى أنّها في حال تعرضت مصالحها ونفوذها في المنطقة العربية لأي تهديد أميركي فهي يمكن أن تذهب إلى خطوة انتحارية على الحدود الإسرائيلية.

في هذا السياق لا يمكن المرور على موقف السلطة اللبنانية من دون الإشارة إلى موقف لبنان الرسمي. حيث برز موقفان واحد عبر عنه رئيس الجمهورية المنهمك في ترتيب وضعية انتخابية برلمانية تتيح له أن يحصد حزبه التمثيل المسيحي الكاسح، وهي وضعية لا يمكن أن تتحقق له من دون رعاية حزب الله سياسيا ولوجستيا، فكان واضحا في القول إنّه إلى جانب سلاح المقاومة وضرورة بقائه في المعادلة اللبنانية لأن الجيش عاجز عن مواجهة أيّ عدوان اسرائيلي.

الموقف الآخر كان من الحكومة اللبنانية التي انتقدت مواقف نصرالله من الدول العربية واعتبرها الرئيس سعد الحريري تخريبية لمصالح لبنان وعلاقاته الأخوية مع دول الجوار، فيما جدد التأكيد سواء على طاولة الحكومة أو في خطابه من على منبر 14 فبراير، أي في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أنّ قضية السلاح غير الشرعي لم تنته كقضية محورية يسعى إلى إنهائها في سبيل دعم خيار السلاح الشرعي من قبل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.

لم تذهب المواجهة الداخلية نحو مسارات الانقسام السياسي الحاد، فحزب الله اكتفى بتوجيه رسائل باتجاه الخارج، وأظهر اهتماما بعدم الانجرار إلى مواجهات داخلية، واختفى خلف موقف رئيس الجمهورية الذي بدأ بتلقي الرسائل الدولية والأميركية المعترضة على مواقفه التي تتناقض مع مقتضيات القرار الدولي رقم 1701 والتي لا تقرّ بوجود سلاح غير سلاح الشرعية اللبنانية والقوة الدولية المنتشرة منذ العام 2006 في منطقة الجنوب وإلى جانب الحدود مع إسرائيل.

يبقى أنّ المخاوف وتداعيات التصعيد الكلامي لم تكن لصالح الدولة اللبنانية، التي يفترض أنّها مع العهد الجديد، تحاول أن تستعيد بعض النشاط الاقتصادي من خلال تحفيز السياحة والاستثمار وجذب المساعدات العربية والدولية، لكن يبدو أنّ الحسابات الإيرانية تتقدم على كل الحسابات اللبنانية وعلى نظام مصالح اللبنانيين عموما، فإيران لن تقبل بأن يتم تهديد نفوذها دوليا في المنطقة العربية، وصراخ حزب الله لا يمكن إلاّ أن يكون نتيجة تحسسه لخطر تنطوي عليه مواقف الإدارة الأميركية تجاه إيران، وهو إن كان يدرك أهمية دوره اليوم كحام للحدود اللبنانية مع إسرائيل ضد أيّ محاولة مقاومة فلسطينية أو عربية أو إسلامية ضد احتلال فلسطين، فيستخدم هذه الورقة في مواجهة التطور الأميركي تجاه الحرب في اليمن، فالحياد العملي الذي اعتمدته إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه الانقلاب الحوثي في اليمن، تبدو إدارة ترامب حاسمة أكثر من الإدارة السابقة في إنهاء الأزمة اليمنية انطلاقا من مواجهة النفوذ الإيراني في هذا البلد، ولعلّ تعزيز حضور البوارج الأميركية في مياه الخليج، هو الرسالة الأكثر وضوحا، مع ما يقابلها من تراجع استعراضات الحرس الثوري والبحرية الإيرانية التي لمست أنّ الأميركيين جادّون بتوجيه ضربة لإيران هذه المرة.

الأصوات الإيرانية المرتفعة ضد إسرائيل هذه الأيام، لم تكن هي ذاتها قبل عام، ما يؤكد أنّ التلويح بورقة حزب الله، وعقد مؤتمر دعم فلسطين هذه الأيام في طهران، والتهديد بضرب مفاعل ديمونا الإسرائيلي، ليست إلاّ محاولات خطابية مرفقة بكيل الاتهامات للنظام العربي، ولكن من دون أي استعداد لتوجيه أي رصاصة باتجاه العدو الإسرائيلي.

إيران التي غامرت بالعرب في سبيل كسب ودّ الغرب، تحاول اليوم ألا تخسر ودّ الغرب أيضا، وما أصوات نصرالله في لبنان والرئيس الإيراني حسن روحاني في الكويت وعُمان، إلاّ محاولة للحدّ من خسائرها الدولية بعدما صارت عدوا لمعظم الدول العربية، فيما الدول الكبرى غير راغبة في إعطائها المكافأة التي طمحت إليها بعد إنجازها التاريخي في المشاركة الفعالة بتدمير الدول والمجتمعات العربية فداء لغير العرب ولغير المسلمين.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٥
موقع سوريا في مواجهة إقليمية محتملة بين إسرائيل وإيران: حسابات دمشق الجديدة
فريق العمل
● مقالات رأي
١٢ يونيو ٢٠٢٥
النقد البنّاء لا يعني انهياراً.. بل نضجاً لم يدركه أيتام الأسد
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٦ يونيو ٢٠٢٥
النائب العام بين المساءلة السياسية والاستقلال المهني
فضل عبد الغني مدير ومؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٥ يونيو ٢٠٢٥
قراءة في التدخل الإسرائيلي في سوريا ما بعد الأسد ومسؤولية الحكومة الانتقالية
فضل عبد الغني مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان