حملت زيارة الرئيس دونالد ترامب الأخيرة للمملكة العربية السعودية وإسرائيل والمناطق الفلسطينية معها تصريحات متعددة حول دور إيران في رعاية الميليشيات في الشرق الأوسط، ما دفع طهران الى الرد من خلال الإشارة الى تدخلات في دول أخرى في المنطقة ولكن من دون دحض ما قاله ترامب حول رعاية إيران للميليشيات. وانتشرت هذه الرعاية على مدى السنوات الست الماضية بعد العراق ولبنان إلى اليمن وسورية، من بين أماكن أخرى.
يبقى أن نرى ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبني على كلمات ترامب القوية ضد إيران فعلاً عملياً ضد ميليشياتها في سورية، ولكن إيران بدأت بالفعل في إعداد نفسها لمواجهة أي جهود من قبل الغرب لاحتوائها في هذا البلد. والطريقة التي تستخدمها إيران في سورية ليست جديدة. فهي تتطابق في شكل عام مع ما نفذته إيران في لبنان والعراق. إن استراتيجية إيران للسيطرة في كل من تلك الأماكن تدور حول زراعة النفوذ من الأسفل إلى الأعلى. وهذا ينطوي على احتمال استمرار عدم الاستقرار على المدى الطويل في سورية حتى لو تم التوصل إلى تسوية للصراع، وبالتالي يجب أن تشكل معالجة هذه الطريقة للسيطرة جزءاً من أي استراتيجية من قبل الولايات المتحدة تهدف إلى احتواء إيران.
كما هو الحال، فإن تركيز الولايات المتحدة في سورية لا يزال عسكرياً ويركز على المعركة ضد تنظيم «داعش». وبعد فترة من النشاط العسكري المتراجع في الجنوب، تجري الولايات المتحدة محادثات مع الأردن حول احتمال استخدام المناطق الجنوبية من سورية، حيث لا يزال وجود «داعش» محدوداً بالمقارنة مع مناطق أخرى بخاصة في شمال شرقي البلاد، كمنطلق لإطلاق حملة عسكرية تتحرك باتجاه الشمال لتحرير الرقة ودير الزور من سيطرة «داعش». وشهد جنوب سورية في الأسابيع الأخيرة نجاحاً لقوات «الجيش السوري الحر» المدعومة من الولايات المتحدة والأردن في وقف تقدم «داعش» بعد هجوم هذا التنظيم على قاعدة التنف حيث تقوم الولايات المتحدة بتدريب جماعات «الجيش الحر» استعداداً لمعركة دير الزور.
إن إعادة تفعيل عمليات «الجيش السوري الحر» في الجنوب هي أحد الأسباب الرئيسية للقلق بالنسبة إلى إيران، حيث أن التنف نقطة عبور حدودية سورية إلى العراق، حيث ترعى إيران ميليشيات من بينها قوات «الحشد الشعبي» التي تقاتل «داعش» حالياً في الموصل. وقد تقدمت الميليشيات المدعومة من إيران، بالتعاون مع الجيش السوري، نحو التنف في منتصف هذا الشهر، ما تسبب في ضرب طائرات أميركية من التحالف الدولي ضد «داعش» قافلة للدبابات الموالية للنظام. ومن المرجح أن يكون الدافع وراء تقدم القوات المؤيدة للنظام هو ربط المناطق التي يسيطر عليها بشار الأسد وحلفاؤه في سورية مع المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الموالية لإيران في العراق.
جاء هذا التقدم العسكري في وقت أعلن فيه بعض قادة «الحشد الشعبي» استعدادهم لدخول سورية من العراق بحجة تحرير الرقة من «داعش» بعد تحرير الموصل من التنظيم. ولكن ربط المناطق السورية والعراقية تحت مظلة إيرانية يعني إنشاء قوس من الوجود العسكري لإيران من شأنه أن يسمح لقواتها أن تغلق على الجماعات المسلحة المعارضة السورية من الشمال الشرقي وكذلك من الغرب، والذي هو في معظمه تحت سيطرة النظام. وهذا من شأنه أن يزيد من دفع المعارضين السوريين نحو التمركز في محافظة إدلب على الحدود التركية.
ولم تردع الضربة الأميركية القوات المؤيدة للنظام والتي تتألف من السوريين والإيرانيين ومقاتلي «حزب الله» الذين واصلوا تحريك صواريخ أرض- جو نحو الخطوط الأمامية مع «الجيش السوري الحر» في الشرق. وجاءت هذه الخطوة بعد وقت قصير من موافقة روسيا وإيران وكذلك تركيا ضمن محادثات آستانة على السماح لإيران بإنشاء مراكز مراقبة في ما يسمى «مناطق التصعيد» في سورية، بما في ذلك في إدلب والجنوب، تحت ذريعة تخليص هذه المناطق من «داعش» وغيره من الجماعات المتطرفة. وبعد عمليات نقل السكان التي طردت السكان السنّة من بلداتهم الأصلية بالقرب من الحدود اللبنانية إلى إدلب، ليحل محلهم السكان الشيعة الذين غادروا بلداتهم في إدلب للانتقال إلى المنطقة الحدودية، قام «حزب الله» أيضاً بسحب 3 آلاف مقاتل من المناطق السورية المتاخمة للبنان من أجل إعادة نشرهم في شرق سورية.
كل هذه التحركات التكتيكية التي تقوم بها إيران والجماعات التي ترعاها تقلق الولايات المتحدة وحلفاءها في شأن جدوى إنشاء أي نوع من المناطق الآمنة في جنوب سورية، حيث من الممكن أن إيران والنظام السوري لن يسمحا بتكوين هذه المناطق وتنفيذها، اذ يريان فيها تهديداً لمصالحهما الحيوية.
لكن هذه الديناميكية العسكرية ليست سوى جزء واحد من القصة. فالدينامية المهمة الأخرى تخص أعمال إيران داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. في وقت مبكر من الصراع السوري، استدعت إيران «حزب الله» لدعم نظام الأسد الذي كان بدأ يفقد قدرته في مواجهة ضغط «الجيش السوري الحر». وفي وقت لاحق، لم ترعَ إيران إنشاء ميليشيات موالية للنظام فحسب، لا سيما قوات الدفاع الوطني، لمواصلة القتال جنباً إلى جنب مع النظام، ولكنها استوردت أيضاً مرتزقة من أفغانستان ودول أخرى للمشاركة في الصراع، إضافة إلى إرسال قوات خاصة إلى سورية.
في حين أن معظم المقاتلين الأجانب قد يجبرون في نهاية المطاف على مغادرة سورية في حالة تسوية النزاع، فإن إيران لا تستطيع تحمل فقدان النفوذ في سورية لأن ذلك يعني قطع خط الإمداد لـ «حزب الله». فإيران، التي تزعم أن ميليشياتها تقوم بمكافحة «داعش» وجماعات التطرف، تهدف إلى أن يواصل «حزب الله» القيام بدور في سورية بصفة استشارية على المدى الطويل. كما أن الميليشيات التي تمولها إيران في سورية تستعد أيضاً للوجود على المدى الطويل. وقد أنشأ العديد منها منظمات غير حكومية كوسيلة لجذب السكان المقيمين في مناطق النظام التي يعملون فيها وللحصول على التمويل من خلال الحكومة السورية، بما في ذلك التمويل الأجنبي المخصص للمساعدات الإنسانية.
وتردد هذه الميليشيات والمنظمات المرتبطة بها النموذج الذي استخدمه «حزب الله» في لبنان الذي شهد تحول الجماعة من مجموعة عسكرية إلى حزب سياسي مع أجنحة اجتماعية واقتصادية وعسكرية. كما بدأت إيران شراء الأراضي في سورية وإجراء صفقات تجارية واستثمارية مع الدولة السورية بهدف إقامة وجود اقتصادي طويل الأجل في البلاد. ولكن كما هو الحال في لبنان، حيث انه في مصلحة «حزب الله» أن تبقى مؤسسات الدولة ضعيفة من أجل تبرير استمرار وجود مؤسسات الحزب الموازية، من المرجح أن تصبح الجماعات المدعومة من إيران في سورية سبباً لهشاشة الدولة على المدى البعيد.
إذا كانت الولايات المتحدة جادة في احتواء إيران في سورية، فإن التركيز على التكتيكات العسكرية الإيرانية وحدها في المعركة ضد «داعش» ليس كافياً. ما يثير قلقاً أوسع هو محاولة إيران التغلغل في سورية من أسفل إلى أعلى، الأمر الذي من شأنه أن يمكّن إيران من الحفاظ على النفوذ بغض النظر عن الشكل الذي قد تتخذه تسوية الصراع. وهذا يتطلب استراتيجية تتجاوز المسائل العسكرية وتراعي التغيرات المؤسسية والاجتماعية المهمة التي ترعاها إيران في مناطق النظام وليس التغيرات في مناطق المعارضة فقط.
إدلب لم تعد المدينة المنسية بعد اليوم، كما أراد لها الأسد وعصابته، بل حاضرة وبقوة في أكثر الاتفاقات المتعلقة بالثورة السورية، وما تتمخض عنها من قرارات.
عقود من التهميش والتجاهل لم يكسرها الأسد، بل بقيت شامخة بزيتونها و برجالها وثوارها ومنشقيها الذين خلدتهم الثورة السورية، فمن ينسى المقدم أحمد إبراهيم العلي قائد ثورة الجبل الوسطاني؟ إلى أن استشهد في ريف اللاذقية، ومن ينسى المقدم حسين الهرموش؟ قائد ومؤسس الجيش الحر؛ الذي وقع في فخ المؤامرة ليسلّم إلى النظام.
بل من ينسى قادة الأحرار؟ الذين قضوا في رام حمدان بتفجير أدى لاستشهادهم، ومن ينسى وكل بلدة أو حي أو بيت قد أتاه ما يشغله؟ فإما شهيد أو معتقل أو مصاب، فجلست الأمهات خلف الأبواب تنحني، وتتكئ على سبحتها الطويلة؛ لتعبر الأيام منتظرة عودة الغائب السجين أو اللحاق بالشهيد الراحل.
وتختنق الزوجات بغصة أمام مشهد الوداع الأخير، فعين على ذكرى الحبيب، وعين تائهة في تيه المستقبل، وتدور أعين الأيتام باحثة عن ظلّ الأبّ الذي تستظل به من حر الحرب الطويلة.
آلاف الشهداء طويت أسماؤهم؛ لأنها أكبر من أن تسعها جدران صفحاتنا؛ فكيف ستدون بطولاتهم؟ ومن سيقدر الثمن الذي دفعوه من دمائهم؟ لنجلس في مأمن مع عائلاتنا، ونقلّب صورهم على صفحاتنا، نخاف أن ننساهم؛ فيداهمونا في أحلامنا ويقضوا عتبات مضاجعنا.
توزع من تبقى من شبابها على الجبهات، وانقسموا بين مرابط في ريف حلب أو اللاذقية أو حماة، وبين من انصرف عن الدنيا وزينتها، وزهدوا بمتطلبات الشباب الكثيرة، وذهبوا ليسدّوا ثغرة قد يتسلل العدو من خلالها.
دفعت البلدات ثمنا غاليا من الدماء والأرواح؛ لتبعد الأسد وميليشياته عن ترابها، ويحاولون مع أبناء الثورة من باقي المحافظات الاتساع في هذه البقعة، بكل الاتجاهات كلما سنحت لهم الفرصة المواتية.
وفي المقابل ومع اتفاق ” المناطق الهادئة” لا يترك النظام فرصة تفوته إلا ليتقدم أكثر في أراضيها، وعندما يعجز يقوم بقصف البلدات المجاورة لخطوط التماس بالمدفعية والهاون، ليهدم بيوتها، ويحرق محاصيلها، ويهجّر أهلها.
يبقى المقاتلون في حالة تأهب واستنفار، رغم كل الهدن والاتفاقيات، واضعين أصابعهم على الزناد، لا يفكرون بالعودة حتى إسقاط هذا النظام المجرم مهما كان الثمن.
أضافت غارة التوماهوك على قاعدة الشعيرات للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قبولاً في الشارع، فقد أنذر، تحت عنوان "عدم التغاضي"، روسيا وحليفها السوري من أي هجومٍ قد يحصل بالسلاح الكيماوي، وردَّ على ما تم تناقله إعلامياً عن محادثاتٍ وصداقةٍ له مع بوتين والنظام الروسي، الإنذار الثاني والأهم وجّهه ترامب لإيران، وأكّدته الغارة الأميركية التي حصلت، أخيرا، في الجنوب الشرقي السوري على قافلةٍ عسكريةٍ تحوي مكوناً إيرانياً وجد تحت شعار القوى المتحالفة مع الجيش السوري. وكانت إسرائيل قد شنت عدة هجماتٍ على ضواحي دمشق ومناطق القلمون ضد أهدافٍ قالت إنها مستودعاتٌ تخص حزب الله، أو منقولات عسكرية له، متحركة عبر الحدود. تظهر هذه الهجمات حجم التورط الإيراني في سورية، ومدى تمدّده العسكري على الجغرافيا السورية، وقد وصل إلى قلب حلب شمالاً، وإلى الحدود الجنوبية الشرقية التي قصفتها الطائرات الأميركية.
أطلق ترامب، خلال حملته الانتخابية، صيحاتٍ كثيرة ضد السعودية وإيران وكوريا الشمالية وحتى المكسيك، ولكنه بعد أن تبوأ الرئاسة، بدا رجلاً عملياً أكثر، وتعامل مع الموقف بواقعية، وأنزل عن كاهله بضع حمولاتٍ، مبقياً على أكثرها تأثيراً وخطراً، وهي إيران. لم يلغ ترامب الاتفاق النووي الذي وقعه أوباما وحلفاؤه في أوروبا مع إيران، فهو أمرٌ يتعلق بآخرين، يبدو أنهم متمسّكون به، ولكنه أحاط نفسه بمستشارين لا يكنّون لإيران أي ود، وبعضهم مستعد للذهاب أبعد من مواجهتها إعلامياً، واختار أن يذهب، في أولى جولاته العالمية، لزيارة المملكة العربية السعودية التي تكن لها إيران عداوةً خاصة، وهذه الزيارة خُصصت لتوقيع اتفاقيات عسكرية ضخمة بمئات المليارات، وتمتد صلاحيتُها إلى أكثر من عشر سنوات، وهي مدة تتجاوز فترة ترامب الرئاسية الحالية والمقبلة، فيما لو أعيد انتخابُه، ما يعني أن الحلف القوي بين السعودية والولايات المتحدة مرشّح ليعمر فترة طويلة مقبلة.
حاولت إيران أن تفتعل تصعيداً مقابلاً في مواجهة الموقف الحاد الذي أظهره ترامب، فأخرج خامنئي من جرابه السحري أحمدي نجاد، وهو أحد عناوين إيران المتطرّفة، ثم طواه لصالح وجه جديد هو المرشح إبراهيم رئيسي، ونشر على نطاق واسع بأنه مرشّح المرشد الأعلى، والتطرّف إحدى صفاته الرئيسية، ولكنْ بشكل واقعيٍّ يبدو أن إيران تسير في طريق المهادنة وكسب الوقت، فأكثرت من الحديث عن الاتفاق النووي وتمسّكها به، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، بإظهار فوز كبير للرئيس "الإصلاحي"، حسن روحاني، الذي يعتبر في إيران عرّاب هذا الاتفاق. هذا لا يعني أن إيران ستخفّف من طموحها، أو تقلص من محاولة وجودها، فقد كانت قافلتها العسكرية تبعد بأقل من ثلاثين كيلومتراً عن الأردن عندما تعرّضت للقصف، وقد لا يكون هذا الوجه "الإصلاحي" الذي اختارت أن تُظهره للسنوات الأربع المقبلة كافياً لتغيير خطط ترامب، وهو يستعد ليلتقي بزعماء محليين يحيطون بإيران، وسيحاضر فيهم عن الإسلام، بغياب إيران قبل أن يتوجه إلى إسرائيل.
الوجود الإيراني في سورية واسع وكثيف، وهو من عوامل استمرار الحرب، والضربة الإنذارية قرب الحدود الأردنية هي أحد الخطوط التي ترسمها الولايات المتحدة، ومن الممنوع تجاوزها، ولكن ذلك غير كافٍ لإلغاء الوجود الإيراني أو تخفيفه في سورية، وتأثيره المر على مسار الحرب. قد تمنع نشاطات ترامب الحالية، مع شركائه، إيران من التحرّك لكسب المزيد، ولكن من غير المعروف كيف ستؤثر على ما تستولي عليه إيران أساساً، خصوصا بوجود الحليف الروسي.
تعيد زيارة ترامب السعودية إلى الميدان لاعباً رئيسياً ومؤثراً، وبمساندة أميركية وإقليمية، ولكن الحسم بوصفه كلمة سحرية وخياراً نهائياً قد لا يكون حاضراً، بحسب مفردات الاتفاق الموقع بين الطرفين، خصوصا أن فترته طويلة نسبياً، ومن غير المعروف أيضاً ما إذا كانت طبيعة السلاح أو العلاقة الجديدة هي للردع فقط، أم لكسب المعارك أيضاً.
نحن اليوم أمام نهج جديد؛ حزم أكيد، لمواجهة كل جماعات الفوضى والتخريب والعسكرة المتأسلمة، من سنة وشيعة.
قمة الرياض الأميركية - الإسلامية، قطعت الشك باليقين، وتمّ العزم على مواجهة السياسات الخمينية الشريرة، وطبعا «القاعدة» و«داعش» وكل حركات الإرهاب المتأسلم، بالنسخة السنيّة.
من ثمرات الزيارة الأميركية التاريخية للرياض، بمباركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وخادم الحرمين الملك سلمان، إصدار قائمة أمنية موحدة للممنوعين. ومن هؤلاء هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لـ«حزب الله» الخميني في لبنان.
طبعاً غضب الأخير، وهو المتهم بتسهيل وتخطيط أعمال الشر والفتن في سوريا وغير سوريا، وقال: «الوعد في جبهات القتال وليس في المؤتمرات»!
وزير الخارجية والمهجرين اللبناني، جبران باسيل، وهو رئيس التيار العوني وصهر الرئيس، قال بعد أن عاد من الرياض، وصدور البيان الختامي الذي تضمن، فيما تضمن، إدانة «حزب الله» وغيره من المنظمات المحظورة، قال إن الوفد لم يكن على علم بمحتوى البيان، وإن لبنان مستمر بالنأي عن الصراع، حسبما يتوهم طبعا! محاولة لإرضاء هذا الحزب، لكن أنصار الثنائية الشيعية؛ «أمل» و«حزب الله»، لم يرق لهم الكلام، فأين جبران من الكلمات الكثيرة على منصة القمة المضادة للحزب؟
تصنيف «حزب الله»؛ سعوديا وأميركيا، وخليجيا وبعض الدول العربية والأوروبية، لم ينته عند هذا الحال، فهناك مشروع عقوبات مالية ضد الحزب، وربما معاقبة النظام المصرفي المالي بلبنان، ما لم يتم عزل الحزب وأمواله.
النقطة الأخيرة هذه موضع جدل لدى بعض الساسة والمصرفيين اللبنانيين، بدعوى أن «المواطن البريء» لا علاقة له بالحزب.
وهذا صحيح، فنحن نعلم أن هناك كثيرا من اللبنانيين ضد الحزب ومغامراته، ورهنه للبلد، لكن الحزب عضو بالحكومة والبرلمان، والدولة اللبنانية عضو في النظام الدولي بما فيه من اتفاقيات قانونية عالمية. هناك وفود لبنانية بأميركا، لترويج المقولة التالية: «حزب الله» يجب ألا يكون أولوية للمواجهة، والأهم الانتهاء من مواجهة «داعش» بسوريا (متى؟)، وإن لبنان لا علاقة له بسياسات «حزب الله» وسلاحه (طيب الحزب أين يوجد؟ في كوكب آخر؟).
الأعجب هو ترديد هذه المقولة المكررة، وهي أن العقوبات المزمع تطبيقها على الحزب وإيران هي: «عقوبات كتبتها إسرائيل، وطلب من ممثليها في الكونغرس السعي لإقرارها»، حسبما قال الكاتب جهاد الخازن مؤخرا.
الحزب معاقب من دول الخليج ودول عربية وأوروبية أخرى... فهل كل هؤلاء فعلوا ذلك لإرضاء الصهاينة؟
على كل حال... الوقت وقت المواجهة، وليس التسويف، ولبنان في نهاية الأمر، دولة عريقة محترمة.
كلما أوغلت الحرب السورية في العنف والوحشية، وكلما تقدمت في العمر، زاد استنزاف الموارد حد القحط الكامل. والموارد البشرية من أهم الموارد وأخطرها على مستقبل أي أمة أو حضارة، هذا فيما لو أبقت هذه الحرب على سورية بالحد الأدنى لمفهوم الوطن.
من يعيش في الداخل السوري، في أي منطقة، يرى ويشهد ويشعر بالواقع المرير الذي آلت إليه فئة الشباب من السكان الباقين تحت رحمة العيش في ظروف الحرب التي تعتبر الأخطر في التاريخ الحديث.
شبح السَّوْق إلى الخدمة العسكرية في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام يلاحق الشباب، ويشكل كابوسا يقضّ مضاجعهم، يحرمهم السكينة ويسلبهم القدرة، ليس على الأحلام فقط، بل القدرة على التفكير والتخطيط لمستقبٍل بات متخفيا وراء أفقٍ داكن تفوح منه رائحة البارود والموت.
منذ بداية الزلزال الذي يعصف بسورية، والشباب السوري يبحث عن سبل الهروب من مواجهة الموت، فقد كان العنوان صريحًا وحازمًا منذ البدايات: على من هو قادر على حمل السلاح أن يحمله تحت رايةٍ من الرايات التي تعدّدت فوق أرضنا، ومواجهة الموت في سبيل الوطن أو الله أو أية غاية أخرى تحمل ما تحمل من معاني القدسية القاتلة، قانعين بالشهادة التي يفصّلها كل طرف وفق أجنداته، ويقدمها بديلاً عن حياةٍ صارت، بحد ذاتها، معاناة وبلاء لا علاج لهما.
صار الشباب يلعبون مع القوانين والأنظمة لعبة القط والفأر، يحاولون استثمار المدد الزمنية التي توفرها بعض اللوائح الناظمة لأوضاع الطلاب، خصوصا الجامعيين، وفي مراحل الوساطات أو دفع الرشاوى كي يلحقوه بوحداتٍ تعمل في أماكن أقل خطورةً واحتداما للمعارك، في حال سدت جميع السبل أمامه، لكن القائمين على الأمور، والحريصين على الوطن وحمايته من المؤامرة الكونية، باتوا يقظين أكثر، وعازمين على تعديل القوانين والأنظمة الضابطة لأوضاع الطلاب، بطريقة يضيقون الخناق ويقلصون الفرص أمامهم، فيصير الوصول إلى المصير حتميًا.
هذه حال الشباب السوري، من بقي منهم في الداخل، وقد سدّت أمامهم جميع سبل الهروب من الموت. يناورون الدوريات التي لم تعد وقفًا على حواجز التفتيش، بل صار كثير منها يدور في شوارع المدن والأحياء، يلتقطون الشبان المارّين، يقيدونهم ويزجونهم في السيارات الملحقة، ويأخذونهم إلى الواجب الوطني "الإجباري"، ليعود القسم الأكبر منهم على شكل توابيت تحمل الموت رمزيا في الغالب، توابيت مغلقة ممنوع على الأهل فتحها لإلقاء النظرة الأخيرة، النظرة التي يجب أن توفّر للشاشات كي يُهدوا موت فلذات أكبادهم إلى الوطن وقائده. ولا تكتفي الدوريات باصطياد الشبان من الشوارع، بل تنقضّ عليهم في لحظات حياة مسروقة من شبح الموت المتغلغل في الهواء، عندما يجتمعون في المقاهي، ومعظمهم يفترشون الأرصفة أمام المقاهي، لأنهم لا يمتلكون ثمن كأس من الشاي أو فنجان قهوة ليتابعوا بطولة أو دوري كرة قدم.
يقول إدواردو غاليانو: "كرة القدم والوطن مرتبطان على الدوام، وكثيرا ما يضارب السياسيون والديكتاتوريون بهذه الروابط". ويقول: "لم يكن البروليتاريون بحاجة إلى إنهاك أجسادهم، لأن المصانع والورش كانت قد وجدت لتحقيق ذلك، ولكن وطن الرأسمالية الصناعية كان قد اكتشف أن كرة القدم، هوى الجماهير، توفر تسلية للفقراء وعزاء لهم، وتبعدهم عن الإضرابات، وعن الأفكار الخبيثة الأخرى". طبعا ليست الرأسمالية الصناعية وحدها، بل صارت وسيلة كل الأنظمة الاستبدادية في إلهاء شعوبها، وإقصائها عن التفكير بمشكلاتها وواقعها، خصوصًا لما تتمتع به هذه الرياضة من شعبيةٍ لدى الشرائح الفقيرة، فهي على رأي إدواردو غاليانو: "مثل التانغو، نمت انطلاقا من الأحياء الهامشية، فهي رياضةٌ لا تتطلب نقودا، وتمكن ممارستها من دون أي شيء آخر سوى الرغبة في اللعب".
ولأن كرة القدم، بحسب الباحث سعيد بنكراد، تحمل استراتيجية حربية، كما جاء في كتابه "مسالك المعنى": ربما تكون مباراة من هذا النوع من اللحظات المميزة التي تتيح لنا التعبير عن مواقفنا الحقيقية تجاه مجموعةٍ من القضايا الخاصة بالـ "القوة" و"العنف" و"الضعف" و ""الحرب" و"السلم". بل قد يصل الأمر إلى الكشف عن أحاسيس عدوانية متأصلة فينا، لم يفلح التهذيب الحضاري المتواصل في محوها والتخلص منها نهائيا. وانطلاقًا من هذا التحليل المفهومي، تمكن إضافة رمز آخر يندرج في سياق المعنى، السياق الذي يبقى مفتوحًا على التشكل والصياغة، من دون أن ينغلق على ذاته، طالما الشعوب تنتج ثقافتها وفق حركة التاريخ. لهذه الإضافة علاقة بالحروب من نمط الحرب السورية، فبعد لقاء كروي في الكلاسيكو الإسباني، لقاء يجعل الصمت مدويا وقت المباراة في الواقع، كما على صفحات التواصل الاجتماعي، لأن الجميع يكونون مسمّرين أمام الشاشات، كتب أحدهم على صفحة عامة: حدث في يوم الكلاسيكو أن شابًا "ريالّي" بلّغ عن أربعة من رفاقه "البرشلونيين" بأنهم متخلفون عن الالتحاق بالجيش، واستقدم الدورية "فشحططتهم".
فإذا كان اللعب، بحسب سعيد بنكراد أيضًا، يعدّ تشكلا ثقافيا قبْليًا لحياة رجولة متوقعة. أي هو من حالات التعلم الثقافي، وبعبارة أخرى، هو ليس سوى واحدةٍ من الوسائل المتعدّدة التي يتعلم من خلالها الطفل، كيف ينتمي إلى محيط ثقافي، له خصوصية في التقطيع المفهومي، وتمثل الوقائع الخارجية واستيعابها من خلال حالات الترميز المتعدّدة. إذا كان اللعب كذلك، فكم ينتظر هذا الجيل السوري المتشظي الذي، بأبسط البديهيات، توكل إليه مهمة البناء والنهوض، فالشريحة الشبابية هي خزّان الإبداع والابتكار، كم ينتظرهم من حياة متوقعة مبنية على ثقافةٍ قبْليةٍ تولد من رحم واقع تخلقه الحرب التي دمرت منظومة القيم والمعارف، وأخطر دمارها كان في استهدافها الموارد البشرية، رصيد سورية للمستقبل.
زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، ستشكّل معلما أساسيا في قراءة التطورات الاستراتيجية على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط على وجه الخصوص، فالقمم الثلاث التي نظمتها الرياض؛ الثنائية مع واشنطن، والقمة الخليجية الأميركية، والقمة الإسلامية العربية الأميركية، سوف تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها إعادة استنهاض الحلف الأميركي التقليدي في المنطقة الذي بدا أنه اهتز وتراجع منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وزاد في التصدّع مع السياسة الأميركية التي قادها باراك أوباما والتي كان من أبرز سماتها التقارب مع إيران على حساب الحلفاء التقليديين في المنطقة العربية.
نتائج القمم الثلاث التي شهدتها السعودية والتي يتقدمها توقيع عقود بمئات المليارات من الدولارات بين واشنطن والرياض، ترجمت إلى حد بعيد نوعا من الشراكة الاستراتيجية التي ضمنت للرياض دورا محوريا في السياسة الأميركية على مستوى المنطقة العربية والإسلامية يحظى بدعم واشنطن، ووفرت للإدارة الأميركية الجديدة مكسبا سياسيا واقتصاديا سيساعد الرئيس الأميركي في مواجهة خصومه داخل الولايات المتحدة الذين لا يزالون يشكّكون بأهليته في السلطة.
إلى هذين المستويين من الفوائد بين الرياض وواشنطن، يُمكن التركيز على جانب محوري يهمُّ المنطقة والعالم المتمثل في محاربة الإرهاب، فقد نجحت الرياض في بلورة رؤية مشتركة مع واشنطن حول محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، وفي التقدم خطوات مهمة لبلورة رؤية مشتركة تجاه النفوذ الإيراني وضرورة الحد من هذا النفوذ وامتداداته في المنطقة العربية.
صحيح أنّ ترامب تحدث بوضوح عن خطر هذا النفوذ وطالب الرئيس الجديد المنتخب في إيران بتفكيك المنظمات العسكرية والأمنية لإيران في الدول العربية، لكنه في المقابل دعا حلفاءه وفي مقدمتهم السعودية إلى أن يكونوا في مقدمة المواجهة، وألا يراهنوا على عودة أميركا عسكريا إلى المنطقة، لكنه شدد على التأكيد أنّنا معكم وسندعمكم.
الملفات المتعددة التي جرى بحثها في القمم الثلاث، تجعل المراقب أمام ما يشبه التأسيس لمرحلة جديدة على مستوى المنطقة العربية، إيران عنصر محوري فيه، فالإدارة الأميركية ومن خلال الاتفاقيات التي عقدتها، تُضيّق الخناق على إيران، فهي من جهة فتحت نافذة للتفاهم من خلال إتاحة الفرصة مجددا لها لأن تكون عنصرا من عناصر استعادة الاستقرار بشرط العودة عن سياساتها الأيديولوجية في المنطقة، ومن جهة أخرى لوّحت بصفقات التسلح ودعم خصوم إيران بقوة في حال استمرت طهران على نهجها في ما يسمى تصدير الثورة.
لذا كان ترامب حاسما تجاه تصنيف حزب الله في خانة الإرهاب وساوى بينه وبين تنظيمي القاعدة وداعش كما صنّف حركة حماس في نفس الخانة، وهذا مؤشر على أن ترامب يميز بين إيران وأذرعها ولا سيما حزب الله، فالرئيس الأميركي لم يذهب كما ذهب سلفه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن إلى وضع إيران في خانة محور الشر، لكنه في المقابل لم يراعِ السياسات الإيرانية في المنطقة كما فعل سلفه باراك أوباما، الذي في عهده جرت أكثر من عشرة لقاءات بين وزيري خارجية إيران وأميركا خلال أقل من سنتين وهذا ما لم يجرِ في تاريخ العلاقة بين الدولتين، بل وصل الأمر إلى أن اعتبر وزير خارجية أميركا جون كيري أن وجود حزب الله في سوريا لا يضر بالمصالح الأميركية.
القرار بضرب أذرع إيران في المنطقة العربية بالتوازي مع القضاء على “الإرهاب السني” هو الأكثر وضوحا في نتائج القمم في الرياض وفي خطاب ترامب الذي لم يميّز بينهما هذه المرة، وبالتالي فإن أهمية توقيت إعلان الرياض الأميركي السعودي، أنه رسم معالم طريق تجاه تطويق أذرع إيران بالتوازي مع ضرب الإرهاب، بحيث لم يجرِ التمييز بين الأمرين ولم يكن هناك أي محاولة لتحديد أولويات، بل يمكن توقع مجريات عسكرية على الأرض مختلفة عما سبق وستبدو هذه المرة أكثر تشددا ضد حزب الله.
أمّا لماذا حزب الله؟ فلأن الحزب كما كان خلال العقود السابقة يد القوة لإيران في المنطقة، هو اليوم الحلقة الأضعف والخاصرة الرخوة لإيران في المنطقة، فمبررات ضرب حزب الله في سوريا هو أنه أقل كلفة استراتيجية بالنسبة للأميركيين وحلفائهم سواء في المحيط العربي أو لدى الكيان الإسرائيلي، ذلك أنّ تورط حزب الله في الدم السوري، جعله بمثابة العدو الأول لمعارضي الأسد، فيما إيران التي أوصلت الرئيس حسن روحاني إلى سدّة الرئاسة مجددا، تقول من خلال هذه النتيجة أنّها تقدم خيار التسوية مع الشيطان الأكبر على خيار المجابهة معه، وبالتالي فإنّ حزب الله سيكون أقرب إلى أن يكون ورقة من الأوراق التي يمكن لطهران أن تساوم عليها وعلى طبيعة دورها ونفوذها لكي تخفف من الخسائر التي يمكن أن تطالها مباشرة.
الصورة تتضح أكثر والأرجح أن إيران وصلت إلى مرحلة حاسمة لجهة عسكرة نفوذها في المنطقة، فهي أمام خيار الإصرار على عسكرة نفوذها وبالتالي الاستعداد للمزيد من الإجراءات العدائية من محيطها ومن واشنطن، أو الذهاب نحو المساومة على هذا النفوذ عبر التضحية بأذرعها العسكرية لصالح مساحة من النفوذ السياسي وهذا قد لا يكون متوفرا على طول الخط إذا ما ضيعت إيران الفرصة المتاحة، ولم ينجح الرئيس الجديد في بلورة صفقة سياسية مع واشنطن بسبب تعنت جهات محافظة داخل النظام.
حزب الله الحلقة الأضعف في هذه المواجهة، والأرجح أن إيران اليوم هي بين خيار الاستمرار في دعم نظام الأسد وبالتالي تحمل تداعيات هذا الخيار على وجود حزب الله ليس في سوريا فحسب بل في لبنان أيضا، أو امتصاص الهجمة الأميركية السعودية بالمزيد من الانضواء تحت السقف الروسي والالتزام بشروطه، وتلقي المزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية التي لا مناص منها على ما تشير الإجراءات الأميركية المستمرة ضده وكان آخرها إدراج الشخصية الثانية في حزب الله هاشم صفي الدين على لوائح الإرهاب الأميركية والسعودية عشية زيارة ترامب إلى الرياض.
الفخ السوري يُطبق على حزب الله وليس في وسع الحزب تحمل أي تهديد جدي إقليمي أو دولي في سوريا، ولن يجد هذه المرة أي دولة عربية مستعدة للتضامن معه في ما لو تم استهداف قواته في هذا البلد حتى لو كانت إسرائيل هي الطرف الذي يستهدفه، علما أن الضربات الإسرائيلية المحدودة له لم تتوقف في سوريا من دون أن يقابل ذلك أيّ رد فعل مستنكر من قبل أيّ جهة عربية يعتد بها ولا حتى جهة إسلامية كما كان الحال في عقود سابقة عندما كان يتعرض لضربات عسكرية إسرائيلية على الأراضي اللبنانية.
حزب الله سيعلن قريبا سحب قواته من سوريا بطلب من الحكومة السورية أو بذريعة أخرى، لكن هذا الإعلان سيكون مرتبطا بنوع من الضمانات التي لا تجعله عرضة لضربة عسكرية في لبنان قد تقوم بها إسرائيل، وتضمن حماية الحدود مع سوريا ولو بقوات دولية وهذا ما مهد له قبل أسبوعين حينما أعلن تسليم نقاط تمركزه على هذه الحدود للجيش اللبناني، في المقابل ثمة خيار آخر هو الانتحار عبر فتح المجابهة مع إسرائيل. الانتحار الذي بات يؤذي إيران هذه المرة ولا يفيدها، علما أنّ حزب الله الذي بات محاصرا بالأعداء الذين برع في صناعتهم سواء في الداخل اللبناني أو المجتمع السوري أو العرب على وجه العموم صار بحكم الوقائع الاستراتيجية رهينة إسرائيل بعدما كان ذراعا إيرانية تزعج إسرائيل قبل سنوات.
تشاركت وسائل إعلام أجنبية وعربية في بث تحقيقات ونشر استطلاعات تتلخّص بأن العالم العربي يعلّق آمالاً كبيرة على زيارة الرئيس دونالد ترامب للمملكة العربية السعودية بما تعنيه من إحياء لعلاقة تاريخية ومن تقارب وتفاهم واستعداد للتعاون في مواجهة مخاطر وتهديدات يستشعرها أهل المنطقة خليجاً وشرقَ أوسط ومغرباً. وقد ساهم البرنامج المبتكر للزيارة في صنع حدث غير مسبوق، مُظهراً الأبعاد السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية و«التويترية/ التغريدية» التي تفيد بنيّة مشتركة لتأسيس تحوّل عميق، ليس فقط في المفاهيم التي قامت عليها العلاقة الثنائية، الأميركية - السعودية، بل أيضاً في علاقة الولايات المتحدة والمنطقة العربية. فلا أحدَ يجهل أهمية المصالح ودورها لكن كل أحدٍ كان ولا يزال يسأل لماذا تتحوّل علاقة المصالح بين أميركا والكثير من الدول إلى تحالفات وصداقات راسخة فيما تبقى مجرّد روابط هشّة مع العرب رغم اعتدالهم الذي تمثّل بقبول وجود إسرائيل والتخلّي الرسمي عن خيار محاربتها منذ عهد جورج الأب، وكذلك بعدم التشويش على المفاوضات النووية والاتفاق الذي أفضت إليه في عهد باراك أوباما.
كان التطلّع إلى سياسة أميركية إيجابية رهاناً عربياً دائماً، لكنه لم يحقّق سوى نجاحات ثنائية ومحدودة، غالباً ما كانت واشنطن توظّفها في استراتيجيتها من دون أن تعمّم نجاحها عربياً وإقليمياً. الجديد هذه المرّة أن الجانبين يبديان إرادةً لبناء رؤية استراتيجية شاملة. كان أوباما وجد في بداية عهده أن ثمة ضرورة لمخاطبة المسلمين والعرب فقصد تركيا ثم مصر، ورغم أنه لم يأتِ من خلفية معادية إلا أن التطبيق العملي لأفكاره أدّى إلى نتائج عكسية إسرائيلياً وإيرانياً، وتعرّض العرب لأضرار فادحة من سياساته داخلياً وإقليمياً. والأهم أنه ارتكب أخطاء كثيرة وتركها بلا معالجة فيما كان يشق الطريق لانسحابٍ أميركي من المنطقة. لذلك كانت مسّت الحاجة إلى فتح صفحة جديدة مع أي إدارة أيّاً يكن رئيسها.
لم تكن خلفية ترامب ومواقفه مشجّعة، إلا أن وجود شخصيات خبيرة بالمنطقة في إدارته وشروعها في العمل سرعان ما أوضحا الصورة: لا يمكن أن تتعاطى أميركا مع مخاطر الإرهاب أو مع التهديدات الإيرانية كما لو أنها تعني العرب وحدهم، أميركا معنية بمواجهتها أيضاً وبشكل مباشر، ولا بدّ لها من شركاء، وهم موجودون، السعودية ومصر والإمارات والأردن، موثوقون، ويمكن التعويل عليهم، ولأجل ذلك لا بدّ من إشعارهم بأنهم يمكنهم بدورهم أن يعوّلوا على أميركا. لكن وجبت أيضاً إعادة بناء الثقة مع هؤلاء الشركاء، فلكلٍّ منهم ما يمكن أن يساهم به. وهكذا تحوّلت زيارات العاهل الأردني وولي ولي العهد السعودي والرئيس المصري وولي عهد أبوظبي إلى ورشة عمل أميركية - عربية في العمق. وكان واضحاً منذ محادثات ترامب مع الأمير محمد بن سلمان أن تقدّماً مهماً قد أحرز، فالرياض التي صمّمت على إحداث اختراق مهما كانت المتطلّبات والأكلاف التقت مع واشنطن التي كانت تبحث عن سلّة متكاملة لتحسم أولوياتها وخياراتها.
تلك الورشة هي التي مهّدت للقمم التي شهدتها الرياض وكرّست وضعاً جديداً يرقى إلى شراكة استراتيجية تجسّدها الاتفاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية وتكون الدول العربية والإسلامية شاهدة على ولادتها. وإذ حرص الرئيس الأميركي في مختلف اللقاءات على إبداء موقف عقلاني ومعتدل حيال الإسلام والمسلمين فقد اقترح عليه وليّ وليّ العهد السعودي أن يزور الرياض ويخاطب قمة تدعو إليها السعودية زعماء العرب والمسلمين، في ما يشبه التنقيح لما حاوله أوباما (يونيو 2009) حين وجّه خطابه من جامعة القاهرة. وهكذا شُقّ الطريق إلى الحدث التاريخي في الرياض، ليس بهدف «العلاقات العامة» وإنما لتدشين تحوّل سياسي - دفاعي مهمّ على الصعيدَين الدولي والإقليمي.
تزامنت لحظة بدء القمة الأميركية - السعودية مع إعلان طهران فوز حسن روحاني بالرئاسة، ورغم الإدراك العام بأن شخصية الرئيس الإيراني المنتخب لا ترجّح وحدها احتمال التغيير في السياسة، إلا أن طهران توجد اليوم أمام حقيقتَين لا يمكن إنكارهما: الأولى داخلية، وهي أن الناخبين الإيرانيين ذهبوا عكس ما فضّله المرشد و«الحرس الثوري»، والثانية خارجية، وهي أن تحالفاً ولد لتوّه في الرياض وأحد أهدافه وضع حدٍّ للتمادي الإيراني في المنطقة. ولعل الحقيقتَين متداخلتان في مؤدّييهما، فشعب إايران مثل جميع شعوب المنطقة، يريد الخلاص من سياسة تنتج الإرهاب والميليشيات. إذاً، مرحلة جديدة، ولا جدوى فيها من شعارات التحدّي والممانعة.
يبدو أنّ كاهن إيران وديكتاتورها «علي خامنئي» قرر الخضوع والخنوع لقرارات القمم الثلاث التي عُقدت في الرياض، بعد أن سمح للرئيس الحالي الذي يصفه الإيرانيون بالاعتدال للوصول لكرسي الرئاسة، وأسقط رجل الدين المتشدد «إبراهيم رئيسي»، وكان كما تقول الأنباء إنه مرشح الولي الفقيه المفضل. إلاّ أنّ خامنئي قرأ قرارات القمم الثلاث قراءة موضوعية، وعلى إثرها قرر الامتثال لها؛ فهو يعرف يقيناً أنّ إيران كدولة ليس بمقدورها مواجهة هذه الضغوط التي اجتمعت عليها من كل حدب وصوب، والتي تتزعمها أمريكا أقوى دولة على وجه الأرض.
كاهن إيران يعرف جيداً أنه دون روسيا مجرد نمر من ورق؛ فقد مرغ ثوار سوريا أنفه في التراب السوري، وكادوا أن يهزموه شر هزيمة، وهم مجرد مجموعات مسلحة لا تملك إلاّ مقاتلين هواة وأسلحة جلها خفيفة، ولولا تدخل الروس بطائراتهم ما استطاع هو وميليشيات المرتزقة التي جلبهم من كل فج عميق أن يصمد؛ فثبت أن دعم الروس شرط ضرورة لجيش منهك مهترئ لا يملك أي طائرة مقاتلة ولا دفاعاً جوياً، وأن جعجعاته الإعلامية مجرد زوبعات في فنجان.
تراجُع خامنئي، وتخليه عن مرشحه المتشدد، يعني أن الإيرانيين قرروا المهادنة (تكتيكياً)، وربما التخلي عن مكاسبهم في العهد الأوبامي، بل ربما يتخلون عن بعض ما كسبوه في لبنان والعراق، وكذلك سوريا واليمن، إذا شعروا فعلاً بجدية دول الحلف الجديد في تقليم أظافرهم؛ فليس بوسعهم لا عسكرياً، ولا اقتصادياً تحمل تبعات هذا الحلف الجديد، الذي تمخضت عنه قرارات قمم الرياض الثلاث؛ أضف إلى ذلك أن التركيبة السكانية الإيرانية هشة وضعيفة، نتيجة لتنوع المذاهب والطوائف والإثنيات، ما يجعل الداخل الإيراني إذا ما تم استهدافه من قبل الحلف الجديد، وبقوة وإصرار، سيتصدع حتماً، كما أن هناك مظلوميات، وقمعاً، وتعسفاً، إضافة إلى تخلف في التنمية والخدمات، ما يجعل أغلبية الشعوب المكونة لدولة الملالي تنتظر أي فرصة لتُعبر عن تلك المظلوميات، وحكومة الولي الفقيه الكهنوتية جعلت من نشر المذهب الجعفري أولوية قصوى في أجندتها، تتقدم على كل الأولويات؛ ولتحقيق هذا الهدف الأيدلوجي، صرفت وبسخاء على تمددها وتوسعها، ونشر مذهبها، ونست شعبها؛ وهذا ما تسبب بشكل مباشر في الفقر والفاقة والبطالة وتخلف التنمية الشاملة؛ الأمر الذي حوّل المشكلة إلى كرة ثلج، تكبر وتتضخم مع مرور الزمن؛ وفي تقديري أن الداخل الإيراني جاهز لنسف استقراره فيما لو تمادوا في تمددهم واعتداءاتهم وتدخلاتهم في شؤون الدول الأخرى، التي تستنزفهم مالياً.
وقبل أن أختم هذه العجالة أود أن أنسب الفضل إلى صاحبه؛ فمهندس هذه الزيارة، وما تمخض عنها من منجزات سياسية واقتصادية وتنموية مبهرة، تحدث عنها العالم من أقصاه إلى أقصاه، هو سمو الأمير محمد بن سلمان، الذي أثبت فعلاً وعلى أرض الواقع أنه خير من يُمثل أحفاد عبد العزيز الشباب وعياً وإدراكاً وحيوية ومثابرة ، وأن ثقة والده فيه عندما عيّنه ولياً لولي العهد كانت عين الصواب، ومقتضى العقلانية، وليست مجرد عاطفة والد تجاه ابنه؛ فهو بحق خير من يحمل الأمانة ويصون الدولة، وكل صبح مشرق جديد يتأكد ما أقول؛ ومن يعرف المليك المفدى على حقيقته يعرف أن العواطف لا شأن لها في قراراته منذ أن كان أميراً للرياض، فكيف وقد أصبح زعيم الوطن، ويحمل الأمانة؟
«الحمد لله على السلامة» … قالها لي الرجل بكل لهفة وكأني خرجت من جب سحيق لا قرار له. عاد إلي هذا المشهد بحذافيره وأنا أطالع قبل أيام ما قاله لــ «القدس العربي» بدر الدين المعتقل السابق في الفرع 235 للمخابرات السورية المعروف باسم «فرع فلسطين» من أن «من يدخل هناك يُـــعد ميتا منذ دخوله وعلى أقاربه إقامة عزاء له بمجرد علمهم أنه في (فرع الجحيم) وأن الخروج منه يعني معجزة سماوية». وإذا ما بحثت عن تعريف سريع لهذا المكان في الإنترنت فستجد في الحد الأدنى أنه «أحد فروع شعبة المخابرات العسكرية بالعاصمة دمشق (..) وهو أحد أسوأ الفروع الأمنية سمعة ومن أكثر الفروع التي يخشاها الناس».
كان ذلك قبل عشرين عاما بالضبط، حجز جوازي في المطار عند الوصول وطلب مني مراجعة «الجهات المختصة». لم يقدم لي أي تفسير لذلك فقصدت في اليوم التالي إدارة الإعلام الخارجي وسررت لوجود قاضي أمين هناك، ذلك الشاب الأشقر الوسيم الذي سبق أن التقيت به في دمشق التي كنت وصلتها وقتها لتغطية «تجديد البيعة الرئيس القائد حافظ الأسد» عام 1991. أجرى اتصالا هاتفيا سريعا ثم قال «بسيطة.. إذهب غدا إلى اللواء فلان (نسيت إسمه) في فرع فلسطين ومنه تسترجع جوازك».
قصدت المبنى في اليوم الموالي وعند المدخل المخصص للمراجعين والأقرب في شكله إلى باب ورشة إصلاح سيارات سارع الرجل الواقف هناك إلى السؤال عن صاحب المعاملة رافضا أن يصحبني أي كان. الممرات الخارجية التي تقود إلى المبنى الرئيسي مهملة وملآنة بالكراسي والطاولات المكسورة. وصلت مكتب اللواء فطلب مدير مكتبه من أحدهم اصطحابي إلى مكتب آخر. ظننت من سذاجتي أني سأستلم جوازي.. وأمضي في حال سبيلي. لم يدر ببالي أن تحقيقا مطولا سيجري معي هناك.
- الإسم الثلاثي وتاريخ ومكان الولادة؟
- أنا هنا لتسلم جوازي الذي بين يديك.
- ما تعطلنيش…
- يا سيدي أنا فلان وجئت من طرف فلان لتسلم جوازي و…..
- ما تعطلنيش…
سلمت أمري لله وبدأت في الرد على أسئلة شخصية لا حصر لها، متزوج؟ اسم وتاريخ ميلاد الزوجة؟ عدد الأبناء وتاريخ ومكان ميلادهم؟ وسائل الإعلام التي عملت فيها؟ دراستك الابتدائية والثانوية والجامعية؟. أما أغرب سؤال فكان التالي: ما هي كل الدول التي زرتها في مهام صحافية، المناسبة والتاريخ ولحساب أي وسيلة إعلام؟
- أنت تتحدث عن 17 عاما.. كيف لي أن أتذكرها جميعا بهذه الدقة؟!
- ما تعطلنيش….
سردت ما أمكنني تذكره ولكن ما إن وصلنا إلى سنوات صلاحية الجواز حتى صار يقارن بين التواريخ التي أقولها والأختام التي عليه.
- إسبانيا والمغرب في يوليو/ تموز 1995 لحساب تلفزيون «البي بي سي» العربي لسلسلة تقارير عن العلاقات المغربية الإسبانية المتأزمة آنذاك..
- …. آب/ أغسطس وليس تموز/يوليو…
- يعني….
في خضم هذا التحقيق الذي سلمت فيه أمري إلى الله جاء أحدهم يطلب منه الجواز. فقال له بأنه لم ينته بعد من التحقيق فنهره وأخذ جوازي وطلب مني اصطحابه.
دخلنا هذه المرة عند اللواء الكبير الذي جئت إليه في الأصل، مكتب كبير مع أبهة وحراسات عند المدخل. استقبلني مبتسما بحفاوة: شاي أم قهوة؟ قبل أن يضيف:
- كان مجرد تشابه أسماء … ههه!! تعلم جيدا أنكم أنتم المشاهير، إذا لم نحجز لكم الجواز فلن تتاح لنا فرصة اللقاء بكم! وانتقلت الأسئلة الصارمة السابقة إلى أسئلة فضولية خفيفة من نوع هذا المذيع أو المذيعة من أي بلد ؟… متزوجة أم لا؟!
أخذت جوازي وغادرت لا ألوي على شيء بعد زهاء الساعة والنصف لأجد الرجل الذي جاء معي منتظرا بالخارج على أحر من الجمر وهذا ما يفسر «حمد الله على السلامة» التي قالها بكل ابتهاج. شيء واحد كنت أتمنى القيام به ولم أفعل:
حين كنت أنتظر دوري في التحقيق مع الرجل الأول، كان هذا الرجل يحقق مع شاب جزائري لا أدري ما قصته، لم أحضر سوى أسئلته له عن رأيه في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ومدى تأييده لانقلاب الجيش على نتائج الانتخابات عام 1991. كان واضحا أن هذا الشاب «غلبان» بالكامل ولا علاقة له بأي شيء. أعطاه جوازه في النهاية وطلب منه الانصراف. سار الشاب خطوتين ثم عاد ليسأل المحقق: أريد أن أزور الجولان والقنيطرة ..ماذا أفعل؟
تجاهله صاحبنا بالكامل أما أنا فكنت أريد أن أضربه على قفاه وأصرخ فيه : يا عمــــــــي روّح وإحمد ربك… بلا جولان… بلا بطيخ!
لاختيار واشنطن منطقة البوكمال على الحدود بين سورية والعراق مسرحاً للمواجهة مع طهران دلالة أخرى غير ميدانية هذه المرة. فقصة طهران مع الحدود، أي حدود، تنطوي على ممارسة لا تقيم وزناً للكيانات المتشكلة في مرحلة الخروج من الحقبة الاستعمارية. والوعي الإيراني المتشكل في ظل دولة ولاية الفقيه، ومنذ اليوم الأول له، أي بعد سقوط الشاه مباشرة، اعتبر أن الحدود ليست عائقاً قانونياً أو اجتماعياً لمد نفوذه. والخطوة الأولى في حينها كانت إرسال وحدات من الحرس الثوري الإيراني إلى لبنان، والمباشرة في بناء مساحة نفوذ فيه.
في سورية اليوم، لطهران طموحات حدودية جلية. هي تمسك بالحدود اللبنانية - السورية، وتسعى إلى فتح الحدود بين العراق وسورية، ولها أيضاً على الحدود بين سورية وإسرائيل حضور تقطعه الغارات الإسرائيلية المتواصلة على مواقع «حزب الله» هناك. أما الأردن فقد بدأ يشعر بأن طهران تقترب من حدوده مع جنوب سورية.
تركيا ليست دولة ناجية، فطهران حجزت نفوذاً على حدودها مع دمشق عبر علاقتها مع حزب العمال الكردستاني. وإذا كان هذا النفوذ غير مباشر، إلا أن مواظبة طهران على شق الطريق من الموصل إلى الرقة تؤشر إلى أن ما ليس مباشراً سيصبح مباشراً. والحال أن اختيار طهران الحدود بصفتها مسرحاً للعب بالكيانات لم يتم على نحو عشوائي أو أيديولوجي، إنما لإدراكها أن هذه الحدود هي من المساحات الرخوة لهذه الكيانات، فالجماعات على طرفي هذه الحدود تملك قابليات كبيرة لإعادة التموضع في خرائط سياسية وديموغرافية جديدة. وهنا تماماً تكمن أخطار الطموحات الإيرانية، وضعف حساسية طهران حيال السيادات «الوطنية» المتشكلة في الحقبة الاستعمارية.
محافظة دير الزور السورية تربط عشائرها بالعمق العراقي علاقات عاطفية ورحمية واقتصادية تفوق علاقاتها بالعمق السوري الطارئ. الحدود اللبنانية- السورية بدورها لم تكن يوماً حدوداً ثابتة، وهي مخترقة ببؤر نفوذ مذهبي كشفت عنها معارك القلمون في السنوات الفائتة. الحدود بين سورية وإسرائيل ملتبسة ومخترقة باحتلال إسرائيلي للجولان، وبعلاقات عابرة للحدود تقيمها الجماعات الأهلية هناك. أما الحدود مع الأردن فهي الأكثر وضوحاً لجهة الامتدادات العشائرية التي تخترقها. ويُشكل الأكراد في مناطق الحدود مع تركيا خاصرة رخوة لمفهوم السيادة الوطنية على طرفيها السوري والتركي. ناهيك بلواء الإسكندرون السليب تارة والمشطوب عن خريطة سورية البعثية تارة أخرى.
الدول أبقت جماعاتها الحدودية خارج طموحاتها «الوطنية»، والاستبداد الذي كان الأداة الرئيسة لهذه الوطنيات الجامحة والناقصة، ترك للجماعات الحدودية منافذ علاقات أوهنت صلتها بالمركز المستحدث. واليوم جاءت طهران لتستثمر هنا.
مساعٍ لإعادة وصل عشائر دير الزور بعمقها العراقي عبر جهود «تشييعها» من جهة وعبر محاكاة نموذج الحشد العراقي بحشد عشائري سوري موازٍ. أما الحدود مع لبنان، فالمهمة فيها أسهل، ذاك أن اهتراء الدولة على طرفيها تاريخي، والميليشيات التي تمسك بها لا تخفي طموحاتها في تبديد السيادة على مذبح السيد الإيراني. وعلى رغم الأخطار الكبرى المتولدة عن اقتراب طهران إلى الحدود السورية مع إسرائيل، إلا أن ذلك لم يثن طهران عن المواظبة على تأسيس نفوذ هناك. واليوم انضم الأردن إلى دائرة المخاوف على الحدود، فاختلطت عند حدود المملكة طموحات «داعش» في التقدم من بادية الشام، بطموحات طهران بالاقتراب من هذه الحدود عبر مدينة درعا، وانعقد على أثر ذلك مشهد شديد التعقيد في جنوب سورية.
طهران اختارت المساحات الرخوة في هذه الكيانات، وهي فعلت ذلك لأسباب شديدة البراغماتية والواقعية، إلا أن البعد الأيديولوجي ليس بعيداً عن هذه الخيارات. فالحدود في الوعي الإيراني ليست نهائية، وإعادة صياغة العلاقات الدولتية بين الجماعات لن ترتد على سيادة طهران على أرضها. فتح الحدود السورية- العراقية مغامرة ستصيب الجماعات الأهلية في كلا البلدين، لكن ارتداداتها ستكون خارج ايران بالتأكيد. والمغامرة بمصائر المجموعات الشيعية في هذه الدول لن تدفع طهران فاتورته، والانتكاسة إذا ما أصابت الموقع الإيراني في هذه الدول ستبقى خارج الجغرافيا الإيرانية المباشرة.
المواجهة بين واشنطن وطهران لن تجرى على أرضٍ إيرانية. هذه الحقيقة تُحفز طهران على الذهاب أكثر في مغامراتها، فهي في النتيجة لا تغامر برصيد إيراني، والثمن ستدفعه جماعاتها المستتبعة في هذا الإقليم المستتبع.
كنا في مطالع حياتنا السياسية، عندما كانت تنقصنا المعرفة والخبرة، نصدّق ما يقال لنا عن الإصلاح نقيضاً للثورة التي كنا نعشقها، ونرى فيها أولوية يرتبط تحقيقها بإرادتنا وحدها، وليس بأي أمر خارجها، فهي فعل ذاتي صرف، من غير الجائز أن يساورنا الشك في فرص نجاحه، وكيف لا ينجح إن كنا نعيش له، ونضع وجودنا كله في خدمته.
كنا نكره الإصلاح لثقتنا بأنه لا يمكن أن يكون غير محاولة بورجوازية، وتاليا رجعية، لإجهاض ثورتنا الوشيكة التي يستقتل "عدونا الطبقي/ السياسي" إلى قطع طريقها وزعزعة اقتناعنا بحتمية انتصارها، بدعوته إلى إصلاحٍ هو بالتأكيد شر مطلق، ما دام هدفه إنقاذ ما لا يمكن ولا يجوز إنقاذه: نظامنا الظالم والمريض، المرفوض من شعبٍ يرغب بقوة في الثورة، ويبدي استعداده الدائم لدفع ثمنها من دمائه. لذلك، من الخيانة لأنفسنا وللثورة قبول إصلاحٍ يقطع الطريق عليها، مع أنها هدف أية سياسة تستحق اسمها.
ما أن أحكم النظام الأسدي قبضته على سورية وأحزابها ومواطنيها، وأخضع شعبها لأشد أنواع التعذيب والاضطهاد، وجارَتْه بعض أحزاب المعارضة في اعتبار كارثة الثامن من آذار ثورة، حتى تبدّلت هذه المعادلة، وأدركنا أن الثورة لم تعد، كما كنا نتوهم، في متناول أيدينا، وأننا نفتقر إلى القدرة على تنفيذها. لذلك، لم تعد بديلا حتميا للأمر القائم، على الرغم من أنه كان يزداد فسادا، ويمعن في إضعاف (وسحق) التنظيمات والتيارات المطالبة بالحرية، وكنا نظن أن الثورة ستضع السلطة بين يديها، فبيّنت الوقائع خطأ هذا التصور، وأنشأت معادلة سياسية جديدة، حدها الأول النظام والثاني الإصلاح الذي لم يعد شرا مطلقا في أعيننا، بل وملنا إلى الاعتراف بأنه يمكن أن يمهد، في ظروفٍ معينة، لإنضاج تدرّجي للثورة ضد نظام عسكري استولى على السلطة عام 1963، وتطيّف بعد عام 1970، مع انقلاب حافظ الأسد على رفاقه. كما أدركنا، فضلا عما سبق، أن أعداء الثورة ليسوا بالضرورة إصلاحيين أو أنصاراً للإصلاح، ويمكن أن يكونوا ضد الإصلاح والداعين إليه. بهذا الفهم، الجديد، انقلب الإصلاح من نقيض رجعي للثورة إلى أداة ضد الاستبداد والفساد "الثوريين"، ومدخل إلى بيئة سياسية مجتمعية ثائرة، وانفصل مبدأ وواقعاً عن أحكامنا المسبقة، وغدا أكثر فأكثر هدفا مرحليا لا بديل له، حتى أن أستاذنا الراحل إلياس مرقص قال، وهو يتأمل ما آلت إليه أوضاع سورية، "إن إصلاحها سيكون أكبر من ثورة"، بما أن الإصلاح وحده سيخرجها من حال البربرية التي ركبتها، ويردّها إلى وضعٍ شبيه بما كانت عليه قبل عام 1963 من حال شبه مدنية.
وزاد اقتناعنا بالإصلاح أن العسكر الطائفي قام بكل ما هو ضروري من إفقار ونهب وإفساد وقمع وتجهيل، كي يكبت مطلب الإصلاح في صفوفه أيضا، ويحول دون فعل إصلاحي شامل، وإن رمم أوضاعه، خشية أن تفلت أدواره من يديه، ويقوض وحدته، ويقوده إلى نظام يحمل بديله في أحشائه. في المقابل، وضعت الأسدية مزق الشعب وتجمعاته ونخبه أمام خيار إجباري، هو الرضوخ للأمر القائم، أو التخلي عن المطالبة بالإصلاح التي كانت تضمر في برنامجها احتمال تغيير جوانب منه، والتخلي عن عديد من آليات إعادة إنتاجه. في هذا المفترق المفصلي، أدركنا أن الإصلاح لم يكن يوما رجعيا بالضرورة، وأنه كان، في الشرط السوري القائم، الخطر الوحيد على العسكر الذي يمكنه إضعاف مواقعه وتقويض تماسكه الأيديولوجي واختراق نواته السياسية والأمنية الصلبة، وتعبئة قطاعات مجتمعية واسعة وفاعلة ضده.
بسبب استحالتين، فرضهما ظرف مأزقي ومأزوم إلى أبعد حد: القيام بثورةٍ من جهة، والسكوت عن الأمر القائم من جهة أخرى، بلورت "لجان إحياء المجتمع المدني" في سورية برنامجا إصلاحيا واقعيا، كان في نظرها الإمكانية الوحيدة المتاحة لتغيير الظروف التي أنتجت موازين قوى لمصلحة النظام، ورضوخ الشعب للسلطة، وتخلت عن وهم جعل من الثورة أولوية وحيدة للأمر القائم، يمكن بلوغها من دون تدرّجات وتوسطات، بسحبة أو بضربة واحدة: بما هي تحول كيفي ينتج عن تراكمات كمية.
قرّرت اللجان العمل لإصلاح يحقق تدرجاً ما كان يطلب سابقا من ثورة مستحيلة، لطالما عطلتها قدرة النظام على تقطيع التراكمات الكمية والتلاعب بها، والتحكّم في طابعها وتعاقبها، بحيث يحول دون حدوث تراكم كمي ينقلب إلى تحول نوعي، أي ثوري. جعل النظام التراكم يدور في حلقةٍ مفرغةٍ، تتخابط الأحداث فيها وتتشابك، من دون أن تبارحها، اتخذت حركتها داخلها مسارا دورانيا انحداري التوجه، احتجز القفزة الثورية، وأحدث انهيارا متدرّجا وثابتا في الحياة العامة وأوضاع الأحزاب، وحفز نمو السلطوية التي احتكرت المجال العام أكثر فأكثر، وضبطت أنشطة الفاعلين فيه بالقمع الجسدي والأيديولوجي، وبسيطرتها على التعليم، والإعلام، وعالمي العمل ورأس المال، وتوزيع الدخل الوطني، والردع الانتقائي أو الدائم، المباشر وغير المباشر للمواطنين.. إلخ.
بإدراك النظام أن لا خطر عليه من الثورة، وأن الإصلاح يستجيب للحاجة إلى تغيير إن استجاب له طاول هيكله السياسي والتنظيمي وسياساته وتحالفاته المجتمعية، وأفضى إلى تخلق مركز سياسي داخلي إلى جانبه، وأفسح المجال لزعزعة جوانب من أوضاعه، وإرخاء قبضته عن عنق الشعب، والإخلال بتوازناته. لذلك رفضه جملة وتفصيلا، خصوصا أن اللجان كانت قد صاغت برنامجا للتغيير يمر في مراحل ثلاث:
أولى يجب دفع النظام إلى أن يتخلى خلالها عن آليات عمل وإدارة يعتمدها، ويستبدلها بآلياتٍ من خارج منظومته الأيديولوجية، لتساعده على تخطي نقاط ضعف وتكسبه دينامية يفتقد إليها، يعني غيابها تخلق أزماته وعجزه عن إدارة شؤونه بالطرق التي تضمن استمرار خضوع الشعب له.
ثانية يتبين خلالها أن ما استعاده لم يكن كافيا لحل مشكلاته، الكامنة في جمود أيديولوجيته التي تحتجز قدرته على الاستجابة للتحديات التي يطرحها الواقع عليه. لذلك، غدا من الملحّ التخلي عن بعض مكوناتها واستبدالها بعناصر أيديولوجية لا تنتمي إلى نظامه، لكنها يمكن أن تجدّده بتطعيمه بعناصر خارجة عن بيئته الخاصة.
ثالثة يدرك خلالها أن محاولات إصلاحه الجزئية لم ولن تحسن أوضاعه، بل تربكه وتضيف مشكلاتٍ جديدة إلى مشكلاته المعقدة، ينتجها تعارض واقعه المتحول مع أيديولوجيته الجامدة، التي لم يبق لديه من خيار غير التخلي عنها، وإلا فعن إصلاحاته التي تمت بوحيها، بتخليه عن منظومته الأيديولوجية، يخرج النظام من إهابه القديم ويدخل في بديله الذي لا يمت إليه بصلة عضوية.
وكانت اللجان تركّز على دفع النظام إلى القيام بالخطوة الأولى من المرحلة الأولى. وبما أنه لم يفعل، فإنه لم يبق لها غير استخدام مطلب الإصلاح للضغط عليه، عبر إقناع الشعب به، وتعبئة قوى مجتمعية متزايدة الحجم. أضعف هذا التكتيك المزدوج شرعية النظام وأربكه، وقلص صدقيته لدى قطاعاتٍ متعاظمة من السوريات والسوريين.
كان الإصلاح مطلبنا، وبعد دراسة مجتمعية معمقة، ربطناه بحراك الفئات البينية المستنيرة من الطبقة الوسطى، وجعلنا مشروعه الوحيد حرية المواطن السوري في ظل العدالة الاجتماعية وحكم القانون. بذلك، بدا ما نطالب به وكأنه أكثر من إصلاح و"أكبر من ثورة"، ونزعنا عنه طابعه التحقيري السابق، وجعلناه التوسط السياسي الفاعل بيننا وبين التغيير: هدفنا الوقتي، الذي علمتنا تجربتنا أن زعزعة النظام بين احتمالاته، وأنه يتيح لنا قدرا من الأمان يمكننا من العمل بما لدينا من مؤونة فكرية/ معرفية وتنسيق رفاقي، وخطط وبرامج تجلب لنا دعما وطنيا ومجتمعيا واسعا، بدأ يعبر عنه تشكل ضم قوى مجتمعية مستقبلية التوجهات.
بذلك، اعتمدنا الإصلاح مبدأ ونهجاً، وحولناه إلى سلاح نضالي، دافعنا بواسطته عن أنفسنا وشعبنا، ضد نظام تداعت سورية على يديه ثورياً، قبل أن يدمرها عسكرياً. أما القفزة، فأعتقد أن فكرتها لعبت دوراً مهماً في عجز الثورة عن رؤية مهامها الحقيقية، وفي تعثّرها.
القمم التي احتضنتها الرياض برئاسة الملك سلمان والرئيس ترمب كانت مدويّة؛ النتائج التي رشحت عنها لم تكن في حسبان الكثيرين، الفضاء الثقافي بين البلدين طبع القمة؛ لم يعد بالإمكان الحديث عن توترات ممكنة بين البلدين!
لقد امتن الرئيس الأميركي للسعودية حسن الضيافة، وعمق الثقافة التي تتمتع بها السعودية... أكثر من 55 قائداً من العالم الإسلامي بالقمة العربية الإسلامية الأميركية، أفصحوا من خلالها عن الكوامن التي من الممكن أن يتسلل إليها الإرهاب، والملك سلمان قاد القمة بحزمٍ معتضداً بتاريخٍ يمتد لأكثر من ثلاثمائة سنة، تاريخ بلاده مؤرخ بالتسامح والتعايش بين أبناء هذه الأرض، لم يكن ثمة إرهاب إلا بعد ثورة الخميني عام 1979، حين أسست ثورته المضادة لطبيعة الدول كل الحالات الدموية، مريداً بذلك التمدد نحو المنطقة واستغلالها طائفياً، وكرّس النظام آنذاك مفهوم «تصدير الثورة» للخليج والعالم الإسلامي، لم يرد الحوار؛ بل أراد التوسع.
أرادت السعودية منذ ثورة 1979 - ما أمكن - أن تحتوي سياسيا آثار الثورة الخمينية، وتم الاتفاق على ما سمي آنذاك الاتفاق مع رفسنجاني، لكنه سبب المزيد من الاطمئنان الإيراني، ذهب النظام بعيداً بتدخلاته، وممارسته العمليات الإرهابية، والعمل على إفشال مواسم الحج والعمرة، ورفع الشعارات الخمينية، ولم ينته عند نشر الطائفية.
أشار ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى أن الرجوع كرة أخرى للحوار مع إيران أمرٌ غير منطقي، إذ يستحيل عليك محاورة نظامٍ هدفه غير مدني، وإنما آيديولوجي، يسعى لتوسيع مساحات النفوذ، والتأسيس لنعرة طائفية بالخليج والعالم العربي والإسلامي، والظهور إعلامياً بأسلوب المدافع عن الحقوق المدنية والقوانين الدولية.
وحينما جاءت القمة؛ ومعها الكلمات الواضحة من الملك سلمان بن عبد العزيز وترمب، ظهرت المواقف الواضحة، الملك سلمان قالها: «إن المنطقة لم تعرف إرهاباً وتطرفاً حتى أطلت ثورة الخمينية برأسها، إن النظام الإيراني، وحزب الله، والحوثيين، وتنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وجوه لعملة واحدة، مبادرات حسن الجوار التي قدمتها دولنا بحسن النية، واستبدلت بدلاً من ذلك بالأطماع التوسعية والممارسات الإجرامية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، إن النظام الإيراني يعمل على نشر الطائفية بالتعاون مع جماعات موالية له، إن المملكة لن تأخذ الشعب الإيراني بالجرائم التي يرتكبها نظامه».
إن القمة حلّت على محور الممانعين كالصاعقة، حتى إن أحداً منهم لم يشر إلى الإيجابيات التي رشَحَت عنها القمة، بل راحوا يضربون بسهامهم نحو هوامش وجزئيات، بينما الرؤية الاستراتيجية التي آلت إليها القمة كانت تاريخية، وآية ذلك أن الانتقادات التي كتبت على جزئياتها، كان الهدف منها استهداف جوهر الاتفاقيات والرؤى والبيانات، وفي نص إعلان الرؤية المشتركة: «إن إيجاد هيكل أمني إقليمي موحد وقوي أمر بالغ الضرورة لتعاوننا، تنوي المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية توسيع رقعة عملهما مع بلدان أخرى في المنطقة، خلال الأعوام القادمة لتحديد مجالات جديدة للتعاون. لقد طورت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية على مدى تاريخهما، شراكة بناءة مبنية على الثقة، والتعاون، والمصالح المشتركة. إننا نقف اليوم معاً للتصدي، لأعدائنا المشتركين وتوثيق أواصر الروابط بيننا، ورسم مسار نحو السلام والازدهار للجميع».
وأكد الرئيس الأميركي ترمب في القمة على إدانة ممارسات «حزب الله» والحوثيين، ومنظمات إرهابية؛ من هنا يكون وجه الوجع الذي أصاب بعض المتأثرين من حضور الإدارة الجديدة وتحولاتها تجاه قضايا المنطقة. ترمب وصل إلى جملة من النتائج، منها ضرورة الاستمرار بالبناء الاقتصادي مع السعودية، وإنهاء الإرهاب بعد افتتاح الملك سلمان لمركز «اعتدال»، ومن ثم التأكيد على الدور الإرهابي لـ«حزب الله».
إنها قمم عالمية، تستبق بنتائجها ممارسات كارثية لإيران، الراعية الأكبر للإرهاب، وتلجم المنظمات التابعة لها وعلى رأسها «داعش» و«القاعدة».