عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تحرير الموصل من تنظيم «داعش»، اتجهت الأنظار نحو سورية على أمل أن تحظى بالنتيجة المرضية ذاتها. ولكن تحرير العراق من تسلط «داعش» لا يعني عملياً أن العبادي أصبح في وضع سياسي مريح يسمح له بالسيطرة الكاملة على مقاليد الحكم. والسبب أن قائد «فيلق القدس» الجنرال الايراني قاسم سليماني تدخل بقوة لتشكيل جبهة عريضة تضم مرجعيات شيعية وسياسيين موالين لطهران بهدف منع تقديم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الى المحاكمة.
ويعتقد سليماني أن المالكي لم يكن حراً في قراراته، وأن كل ما أقدم عليه من أعمال مخالفة للقوانين كانت تتم بموافقة المرشد الأعلى للثورة الايرانية علي خامنئي. وقد أُعطي ذلك النفوذ الاستثنائي بغرض منع المؤسسات العراقية الرسمية من فك ارتباطها بطهران.
وبما أن ايران اعتمدت سياسة إضعاف العراق، ومنعه من التحوّل دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً، لذلك تدخلت مع عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ومقتدى الصدر، رئيس التيار الصدري، من أجل القبول بحيدر العبادي وكيلاً غير كامل الصلاحيات.
والثابت أن أحزاب الطائفة السنيّة في العراق قد تنبهت إلى خطورة هذه التبعية وأثرها السلبي على الوحدة الوطنية. وهذا ما دفعها الى عقد مؤتمر في فندق بابل تحت شعار: «نحو دولة المواطنة... لا دولة المكونات!».
واعتمد رئيس البرلمان سليم الجبوري هذا الشعار مدخلاً لتحقيق التسوية السياسية في دولة اتهمت السنّة في الموصل بالانحياز الى أبو بكر البغدادي. تماماً مثلما اتهم بول بريمر كل أفراد الجيش العراقي بالانحياز الى حزب البعث. واستناداً الى هذه النظرية، قرر طردهم من صفوف القوات المسلحة، الأمر الذي شجعهم على الالتحاق بقوات «القاعدة» ثم «داعش» بعد مساهمتهم في خطة التآمر لخلق دولة سنيّة.
الجديد في هذا السياق ما نتج عن لقاء هامبورغ بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين حول مستقبل سورية، ذلك أنهما اتفقا على عملية تقاسم النفوذ، ومن ثم تقاسم الأدوار عبر المنطقة الجنوبية الغربية التي تتميز بـ «انخفاض التصعيد».
وعلى الفور، رحب المبعوث الدولي الى سورية ستيفان دي ميستورا بهذه الخطوة السياسية، مؤكداً دعمه كل هدنة تدعو إلى وقف إطلاق النار وتمنع تقسيم البلاد. وقد أتبع تصريحه بضرورة تشكيل نظام مراقبة دولية، لأن خبراته السابقة في هذا المجال لا تطمئن إلى سلامة المرحلة الانتقالية.
ويبدو أن تلميح المبعوث الدولي كان يشير إلى التجاوز الذي قامت به تركيا على طول ثمانين كيلومتراً من الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين سورية. وفوق هذه المساحة ثبتت القيادة العسكرية التركية كاميرات مراقبة معززة بدعم وحدات أمنية من أجل حماية القرى المتاخمة من هجمات المتسللين. وادّعت أن هذه الإجراءات الاحترازية تمت من أجل مواجهة تسعة أحزاب كردية كانت أصدرت بياناً موحداً طالبت فيه بإنشاء إدارة ذاتية في ظل نظام دستوري.
والثابت أن الأكراد وسواهم من العناصر المؤثرة التي يتألف منها النسيج الاجتماعي السوري، كل هؤلاء يطالبون بحل النظام المركزي السابق والاستعاضة عنه بنظام فيديرالي. والسبب أن الفيديرالية تستطيع استيعاب التعددية بحيث لا تبقى القرارات المصيرية -كالحرب والسلم- رهن مزاج رئيس الجمهورية. وبما أن سورية تتألف من طوائف وعرقيات مختلفة، كالسنّة والعلويين والأكراد والأرثوذكس والتركمان والسريان وسواهم، فإن الانصهار الوطني يبقى الضمانة الوحيدة لنجاح أي حل سياسي.
ومن هذا الواقع ينطلق السؤال المهم المتعلق بمصير بشار الأسد، وما إذا كانت المعارضة التي حاربت من أجل إسقاطه مستعدة للتعايش معه؟
هذا الأسبوع أعلن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن عن حصيلة النزاع داخل سورية لمدة ست سنوات تقريباً، فقال: «قتِل أكثر من 330 ألف شخص بينهم نحو مئة ألف مدني، وذلك خلال الفترة الممتدة من 15 آذار (مارس) 2011 حتى 15 تموز (يوليو) هذا الشهر».
وفي تفسير دوافع هذا النزاع، قال مدير المرصد: «بدأت الحرب الأهلية باحتجاجات سلمية ضد الرئيس بشار الأسد. ولكنها سرعان ما تحولت حرباً دامية تسببت -الى جانب العدد الكبير من القتلى- بدمار هائل في البنى التحتية، وبنزوح وتشريد أكثر من ست ملايين نسمة».
ويُستدَل من توقيت إعلان هذه المعلومات أن المرصد حريص على إظهار بعض الحقائق التي دفع الشعب السوري ثمنها بسبب فشل بشار الأسد في احتواء تداعياتها.
وبالإضافة الى حصيلة الموت والدمار وكل ما ذكره المرصد عن دور روسيا وايران في دعم الجيش النظامي، أدى الأمر الى ارتهان هذا البلد العربي الى قوى خارجية تتحكم بمصائر شعبه في الداخل والخارج.
وفي تقدير بعض المحللين فإن محاولة تعويم نظام بشار الأسد من قِبَل روسيا وايران سوف تؤسس لحرب ثانية قد تحول دون عودة ملايين النازحين، إضافة الى تفكيك ما بقي من عناصر الوحدة الوطنية.
وفي تصور الرئيس الروسي بوتين، فإن الأسد يمثل له ضمانة استمرار التحالف الى حين اكتشاف شخصية سياسية محايدة تحل محله. لذلك وعد رجب طيب اردوغان بضرورة تمرير فترة انتقالية قبل أن يُصار الى وضع دستور جديد خالٍ من تأثيرات حزب البعث.
ولما عبّر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن تجاوبه مع طلب بوتين حول عدم الاعتراض على بقاء الأسد في الحكم، زاره الدكتور رياض حجاب ليحذره من مخاطر المجازفة بهذا الرهان. وقال له المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية إن بقاء الأسد في منصبه يعزز الفوضى، ويرسخ دور المنظمات الإرهابية، ويؤجج عوامل الكراهية والاحتقان لدى الشعب الذي يتوق الى صنع مصيره ومستقبله.
ومع أن طهران أنكرت أنها تبني قاعدة عسكرية برية في وسط سورية، إلا أن الأقمار الصناعية الاميركية إلتقطت لها عدة صور، إضافة الى صور طائرات حربية ايرانية رابضة في مطار سوري.
وذكرت الصحف الاميركية أن طهران درّبت أكثر من خمسة آلاف متطوع من أفغانستان وباكستان، سوف يتواجدون في القاعدة بصورة دائمة، وإنما تحت إشراف قيادة «الحرس الثوري». والى جانب ذلك، وافقت دمشق على إقامة مصفاة مستقلة لايران في ميناء طرطوس.
إضافة الى هذه النشاطات الحربية في سورية، فإن العراق يبقى الجار الأكثر أهمية بالنسبة لاستراتيجية طهران على مختلف الأصعدة: الأمنية والسياسية والاقتصادية. ولقد أقيم عند ديالى معبر جديد تمر عبره كل يوم أكثر من مئتي شاحنة ايرانية محمّلة باللحوم والخضار ومواد البناء. ويتردد في هذا السياق أن شركات البناء والتعمير باشرت أعمال الترميم عند حدود البلدين. ومن أجل ترسيخ هذه العلاقة وتمتين أواصرها، اختارت طهران أحد أهم جنرالاتها سفيراً في بغداد هو ابراج مسجدي. ويُقال إن قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» ضمن «الحرس الثوري» هو الذي اقترحه لهذا المنصب بعدما اختبره عدة سنوات مستشاراً أول.
ورأى الديبلوماسيون في هذا الاختيار مؤشراً على تزايد نفوذ «الحرس الثوري» في العراق. كما هو في الوقت ذاته مؤشر على أهمية العراق بالنسبة الى نظام الملالي في طهران.
وعندما قدم السفير الايراني الجديد أوراق اعتماده الى وزير خارجية العراق ابراهيم الجعفري، حرص على تذكيره بأن ايران كانت دائماً الى جانب العراق وفي كل الظروف. وهو يعني بهذه الكلمات: «الظروف التي حكم خلالها صدام حسين، وكان ابراهيم الجعفري آنذاك لاجئاً سياسياً في طهران (حزب الدعوة).» وختم السفير مسجدي كلمته بالقول: إن ايران والعراق بلدان شقيقان، ويتعيّن العمل على رفع مستوى العلاقات بينهما على مختلف المستويات.
وقالت وكالات الأنباء أن السفير الايراني كان يلمح الى الانتخابات التشريعية المقبلة في العراق، والى احتمال إقامة وحدة بين البلدين لأن غالبية النواب ستكون مجندة لهذا التوجه.
أن تطرد الكويت دبلوماسيي الجمهورية الخمينية الإيرانية من أراضيها وتغلق مكاتب السفارة الفنية، فهذا يعني أن السيل بلغ الزبى لدى هذه الدولة الخليجية الودودة مع الجار الإيراني.
الكويت صبرت صبر أيوب على شرور الجارة الكبيرة، ولعبها بصميم الأمن الوطني الكويتي، ليس من اليوم، بل مذ ولد هذا النظام الإرهابي المتأسلم الطائفي الخطير عام 1979 حين بدأت حكاية العصر الخميني. من فجّر موكب أمير الكويت السابق المرحوم الشيخ جابر الأحمد؟ من فجّر مقاهي الكويت الشعبية؟ من خطف الطائرة المدنية؟ من جنّد خلية التفجيرات الكويتية في مكة؟
أخيراً، من أنشأ أخطر خلية إرهابية خمينية في الكويت، خلية أو شبكة العبدلي؟ الداخلية الكويتية، كانت قد أعلنت في أغسطس (آب) 2015 عن ضبط عدد من المتهمين مع كمية كبيرة من الأسلحة عثر عليها في مزرعة بمنطقة العبدلي قرب الحدود العراقية، وفي منازل مملوكة للمشتبه بهم، وشملت المضبوطات 19 طناً من الذخيرة، و144 كلغم من المتفجرات، و68 سلاحاً متنوعاً و204 قنابل يدوية، إضافة إلى صواعق كهربائية. في وقتها تواقحت السفارة الإيرانية، وأصدرت بياناً استنكارياً ضد الداخلية الكويتية، وهو الأمر الذي استفز عدداً من أهل الكويت، وحق لهم، واليوم تصدر الخارجية الإيرانية استنكاراً ووعيداً ضد الكويت بسبب حقها «السيادي» الأخير بعدما قال القضاء الكويتي كلمته في حق إرهابيي خلية العبدلي. أعضاء الخلية الآن تحت الرصد والملاحقة، وأعلنت سلطات الأمن الكويتية قائمة بهم محذرة من إيوائهم، بعد أنباء ترددت عن فرارهم فوق قوارب إيرانية إلى الجمهورية الخمينية.
نتذكر في هذا الصدد حادثة الهجوم الخمينية على سجن «جو» البحريني في يناير (كانون الثاني) الماضي لتهريب أعضاء الخلية الإرهابية بعد قتل رجل شرطة بحريني، لكن الأمن البحريني نجح في القبض على الأشرار قبل الوصول لشاطئ الشيطان.
الكويت منذ عقود أخذت جانب اللين مع الجار الإيراني، ويتمتع الحزبيون الموالون للجمهورية الخمينية بهامش كبير من الحركة بالكويت، ومنهم النائب الشهير، الهارب، عبد الحميد دشتي، وقبل فترة ذهب وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد لطهران من أجل الوساطة مع دول الخليج، وبعد هذا كله يكون هذا هو الجزاء!
بيان الكويت الرسمي عبّر عن: «الأسف للتطور السلبي الذي طرأ على علاقات البلدين في هذا الصدد»، على الرغم, أنها ليست الأزمة الأولى بين الكويت وطهران, فقد سبقها أزمات كان آخرها قبل 5 سنوات.
العبرة من هذا كله، أن مساعي جمهورية الشرّ الخمينية لن تهدأ حتى تخريب كل شيء، فهم مناديب السماء حسب وهمهم القاتل!
هذه هي الحقيقة للأسف، إيران دولة غير قابلة للتفاهم، أحسن حلّ معها هو «الهدنة» أما السلام... فلا سلام.
على مدى الأشهر الستة الماضية، بطريقة أو بأخرى، ركل الرئيس دونالد ترمب الكثير من العلب الموروثة من إدارة باراك أوباما السابقة على طول الطريق.
بعد الكثير من المحاولات لإلغائه، انطلق برنامج أوباما - كير للرعاية الصحية إلى غياهب اللجان التشريعية. وجرى تعديل ما على سياسة التودد التي انتهجها باراك أوباما مع الأخوين كاسترو غير أنها لم تسقط تماماً. ورفض الرئيس الجديد اتفاق باريس المناخي شفهياً ولكن لم يتم دفنه عملياً لا لشيء سوى أنه لن يدخل حيز التنفيذ الفعلي حتى عام 2020.
وآخر العلب التي يحاول الرئيس الأميركي ركلها على طول الطريق هي ما يعرف إعلامياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي البيان الصحافي الغريب للغاية والذي يعدد الأمور التي يتعين على إيران القيام بها حيال مشروعها النووي المثير للجدل في مقابل الرفع المؤقت للعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها.
يوم الاثنين الماضي، أبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بأن الرئيس ترمب يعتزم تمديد الإعفاء بشأن تعليق العمل بالعقوبات الاقتصادية المقررة على إيران لمدة ثلاثة أشهر أخرى. وقد بررت وزارة الخارجية قرار الرئيس بناء على الزعم بأن إيران قد احترمت نص خطة العمل الشاملة المشتركة في حين أنها خالفت روح الخطة وفحواها.
ويأتي قرار الرئيس الأميركي بالتمديد لصالح إيران بعد عامين تماماً من إماطة اللثام عن خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا والإشادة الكبيرة التي تلقتها على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني باعتبارها «أكبر انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام». وحقيقة الأمر بالطبع هي أن إيران قد انتهكت نص وروح الخطة في آن واحد.
على سبيل المثال، خفضت إيران من عدد أجهزة الطرد المركزية لديها والمسؤولة عن تخصيب اليورانيوم، ولكنها لم تخفض القدرة الإنتاجية العامة بسبب أن الأجهزة الجديدة ذات الطاقة العالية لديها إنتاجية أعلى بكثير من الأجهزة القديمة التي تخلصت منها طهران.
وعلى أي حال، وحيث إنه لا توجد لدى إيران أي محطات للطاقة النووية قد تحتاج لاستخدام اليورانيوم المخصب كوقود، يمكن للمرء افتراض أن كافة المخزون من اليورانيوم المخصب سوف يتم تخزينه لأغراض أخرى بما في ذلك الرؤوس الحربية النووية عندما تقرر القيادة الإيرانية ذلك.
ولكي تحافظ طهران على استمرار «خدعة» احتياجها الضروري لليورانيوم كوقود، تعلن القيادة الإيرانية بصورة دورية عن خطط لبناء محطات الطاقة النووية بمساعدات من الصين أو روسيا. ومع ذلك، يعلم الجميع أن إيران لا تملك المال الكافي لإنفاقه على مثل هذه المشاريع النووية الضخمة وأنه لا روسيا ولا الصين حريصتان أو عازمتان فعلياً على الاستثمار في مشروع مجنون من الناحية الاقتصادية. ويعكس التقرير الذي أعدته وزارة الطاقة الإيرانية أن محطات الطاقة النووية سوف تكلف أموالاً بنسبة 40 في المائة على الأقل بأكثر من المطلوب لإنتاج الطاقة من الغاز الطبيعي الذي تمتلك إيران كميات هائلة منه.
وهناك مثال آخر يتعلق بمخزون الماء الثقيل الذي تمتلكه إيران وتحتفظ به على مر السنين. تم إخراج منشأة البلوتونيوم في آراك من الخدمة فعلياً، مما أدى إلى عرقلة مؤقتة لواحدة من طريقتين رئيسيتين تؤهلان إيران لامتلاك الرؤوس الحربية النووية. ولكن ما الذي سوف تفعله إيران بالاحتياطي الذي تملكه بالفعل؟ بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة فإنه يجب بيع هذا الاحتياطي في الأسواق العالمية. ولكن ما الذي سوف يحدث إذا تعذر العثور على مشترٍ؟ ونزعاً للحيرة عن هذا التساؤل، تعهد الرئيس أوباما بترتيب شراء المخزون الإيراني عبر شركات أميركية في حالة عدم العثور على مشترين آخرين. وبعد عامين، ليس هناك مشترون، ومن غير المرجح أن ينجح الرئيس ترمب في إقناع الشركات الأميركية بشراء المخزون الإيراني الذي قد يرقى أو لا يرقى إلى المعايير العالمية المطلوبة.
لم يكن الهدف من خطة العمل الشاملة المشتركة أبدا هو إيجاد حلول للطموحات النووية الإيرانية الحقيقية أو المتصورة. كما لم يكن الهدف منها إعادة التأكيد على صلاحيات معاهدة عدم الانتشار النووي والتي اعترفت إيران علنا بانتهاك بنودها على الأقل حتى عام 2003. بل كان المقصود من خطة العمل الشاملة المشتركة أن تكون جزءاً من استراتيجية موسعة من قبل إدارة الرئيس السابق أوباما لتمكين «الفصيل المعتدل» في طهران، ومساعدته على الفوز بنصيب أكبر من السلطة داخل البلاد، ثم في خاتمة المطاف، محاولة تعديل الجوانب الأكثر كراهية في تصرفات طهران وسلوكياتها الإقليمية.
وبعد مرور عامين، يعرف الجميع بعض ما كان بعضنا على دراية به منذ البداية: ليس هناك من «فصيل معتدل» داخل الزمرة الخمينية، وليست هناك من فرصة كبيرة أو صغيرة لتغيير الأسلوب أو السلوك الذي يمليه عليهم الحمض النووي الآيديولوجي الذي يتأصل في أعماق قلوبهم.
ولا يعني ذلك أن النظام الخميني عاجز عن تغيير السلوك، بل إنهم يفعلون ذلك فقط عندما يكونون مضطرين إليه. ففي سوريا، على سبيل المثال، خفضت طهران من وجودها على الأرض ليس بسبب أنها أصبحت على بينة من تكاليف الحماقات التي ارتكبتها وإنما لأن روسيا قد أكدت أنها سيدة الأمر الواقع هناك.
وفي العراق، أيضاً، أدى تحرير مدينة الموصل إلى تراجع الظهور الإيراني لا لشيء إلا لأن قوات الأمن العراقية، التي تؤيدها القيادة الشيعية في مدينة النجف ويدعمها زعماء العشائر العربية السنية، قد أحرزت بنفسها النصر المحقق.
وفي اليمن، كذلك، انخفض الوجود الإيراني على أرض الواقع للدرجة الثانية بسبب أن الجماعات التي تدعمها طهران، ومن أبرزها المتمردون الحوثيون، قد فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف الحربية التي أعلنوا عنها من قبل.
واضطر الملالي أيضاً إلى ابتلاع غصة خانقة حول قضية الحج الشائكة؛ إذ بعد أن تقدمت طهران بـ16 طلباً بخصوص استئناف إرسال بعثة الحج الإيرانية، اضطرت طهران إلى سحبها كلها تباعاً. ووافق الملالي أيضاً على ارتداء الحجاج الإيرانيين للأساور الإلكترونية حتى يمكن متابعة كافة تحركاتهم داخل المشاعر المقدسة وعلى مدار الساعة.
والمسيرة الشهيرة التي تمتدح الإمام الخميني والتي تعلن شعار «الله واحد والخميني هو القائد»، سوف تنظم اعتباراً من الآن داخل خيمة واحدة خارج المدينة في الصحراء. وسوف تصور طهران بالطبع الأفلام لتعرضها على التلفزيون الرسمي في البلاد استمراراً للعبة الوهم بأن المسلمين من كافة أنحاء العالم يقدسون ويجلون إمامهم الراحل.
وبسبب هذه الانتكاسات الدبلوماسية في الخلفية، ليس من المستغرب أن الملالي يتمسكون وبشدة بخطة العمل الشاملة المشتركة باعتبارها من أبرز إنجازاتهم على الصعيد الدولي.
فهل الرئيس الأميركي على حق في السماح لهم بهذا التشبث، لمدة ثلاثة أشهر أخرى على الأقل؟
يجب للإجابة أن تكون نعم، ولو لمجرد أن الرئيس ترمب لم يدرس المشكلة الإيرانية بصورة تامة ناهيكم عن وضع سياسة بديلة للتعامل مع طهران. ولقد تحدث الرئيس الأميركي عن تغيير النظام الحاكم بدلاً من تغيير السلوك من دون أي دليل على المنهج الجديد المؤيد بالإجراءات الواقعية الملموسة. وفي مثل هذا الموقف، لن يكون من المنطقي إدانة خطة العمل الشاملة المشتركة وإثارة حالة من النزاع مع الحلفاء الأوروبيين من دون المقدرة على توفير بديل مناسب. وبعبارة أخرى، فإن ركل العلبة على طول الطريق كان الخيار الأقل سوءاً حتى الآن.
ومع ذلك، سوف تعود العلبة الإيرانية إلى الظهور مرة أخرى خلال ثلاثة أشهر من الآن، مما يدفع الرئيس ترمب إلى الاختيار بين وضع نسخة جديدة من استراتيجية أوباما الفاشلة أو طريقة أكثر فعالية للتعامل مع ما وصفه هو والرئيس السابق أوباما بأنه «التحدي الأول للمصالح القومية الأميركية».
يشهد لبنان، منذ أسابيع، أعمالاً مثيرة للجدل من قبل الجيش اللبناني ضد اللاجئين السوريين نتج عنها إحراق عدد من مخيماتهم والتنكيل بمئات منهم واعتقال وتعذيب العشرات مما أدى إلى مقتل أربعة مواطنين أثناء توقيفهم.
ساهمت أجهزة أمنية وقضائية لبنانية عديدة بإخفاء طبيعة القتل تحت التعذيب وعزا الجيش وفاة اللاجئين الأربعة إلى «أسباب صحية» كما قدم رواية ركيكة عن تعرضه لهجمات «انتحاريين» خلال اقتحامه المخيمات، وقال إن أحدهم قام بتفجير نفسه فقتل ابنته، لنكتشف بعد ذلك أن الفتاة (حسب رواية النائب اللبناني خالد الضاهر) ماتت نتيجة صدم آلية عسكرية لخيمتها وأن أباها ليس انتحارياً وأنه لم يمت أصلا.
وجدت روايات الجيش تقبلا لدى رأي عام لبناني، يكره بعضه اللاجئين السوريين (والفلسطينيين من قبلهم وبعدهم) على أسس طائفية وعنصرية، وجزء آخر يعتبر نفسه متضررا من وجود اللاجئين، وحين خرجت بعض الأصوات للتنديد بالانتهاكات ودعا بعض الناشطين للتظاهر احتجاجا تزايدت حملة التأجيج المحمومة وقام بعض اللبنانيين بأخذ مسألة إهانة السوريين على عاتقهم عبر التنكيل والتحريض ببعض الأبرياء والمساهمة بحماس في حملة على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الطائفي والرسمي.
الحماس الذي تم رفعه على رايات احترام الجيش اللبناني ما لبث أن تعرض للإحراج بعد أن تكشفت الأهداف السياسية والعسكرية لما يجري.
دخل «حزب الله» اللبناني على الخط من باب الدعوة لإخراج «المسلحين الإرهابيين» من جرود عرسال مطالبا الجيش اللبناني بالعمل على قتالهم. تبعت ذلك فعلاً تحشيدات للجيش اللبناني حول المدينة لحصارها ثم جاءت موافقة رئيس الوزراء سعد الحريري على الخطة قائلا إنها تتم «من دون تنسيق مع جيش النظام السوري». النظام السوري، من ناحيته، قام بالتمهيد للمعركة، التي لا يريد الحريري تنسيقها معه، بقصف مواقع «المسلحين».
يحمل ما يجري العديد من المفارقات لأن «حزب الله» الذي دخل إلى سوريا بدعاوى تبدلت بالتدريج من حماية مرقد السيدة زينب إلى «محاربة التكفيريين» وحماية النظام الممانع في دمشق بحيث وصل عناصر الحزب إلى حمص في وسط سوريا وحلب في شمالها ودير الزور في أقصى شرقها، وبالتالي فإن الحزب كان أولى بإكمال «المهمة» التي ادعاها لنفسه بدلا من توريط جيش لبنان.
يرتبط انخراط «حزب الله» في الدفاع عن النظام السوري ارتباطا شديدا بالأوضاع التي يعيشها لبنان الآن، فهذا القرار باجتياز الحدود اللبنانية نحو سوريا أعطى المبرر للتنظيمات المناهضة للحزب في الساحة السورية بالدخول إلى لبنان، كما أدى لهروب مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى لبنان.
الجيش اللبناني، الذي كان مغلوبا على أمره (إن لم يكن متواطئا مع تدخل «حزب الله» في سوريا) استيقظ فجأة ليدافع عن سيادة البلد التي اكتشف انتهاكها من جانب اللاجئين و«الإرهابيين» فحسب.
لا يتعلق الأمر بحسابات أطراف الساحة اللبنانية فقط الذين يريدون التخلص من نتائج أفعال النظام السوري وحلفائه لأنهم لا يستطيعون مواجهة أسبابها، بل أيضاً بالحسابات الإقليمية العربية التي تشهد بدورها تغيرات سلبية، فانشغال السعودية بتبعات العمل الحثيث لتوريث العرش لابن الملك محمد بن سلمان فتح المجال للإمارات ومصر للضغط باتجاه تمرير أجندتهما والتي تضغط باتجاه حلول عسكرية وأمنية لإنهاء أي أمل بالتغيير.
ولهذه الأسباب وجدنا سعد الحريري الذي كان طرفا مضادا للنظام السوري و«حزب الله» في بداية الأزمة، وكان رجاله وسطاء أساسيين في تمويل وتسليح المعارضة السورية، يتحمس هو أيضاً لقيام الجيش اللبناني بـ«عملية مدروسة» في عرسال، وتناغم ذلك مع دعوة حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله» للخلاص من التهديد الذي يشكله اللاجئون، وقيام الجيش السوري بقصف أولئك «المسلحين» بالطيران.
الانطباع الذي تركته ممارسات ومواقف داخلية حيال النازحين السوريين في لبنان منذ أسبوعين، وبث أفلام يتعرض فيها نازحون للتعنيف من قبل لبنانيين، هو أن السوريين سواء كانوا موالين للنظام أم معارضين له، توحدوا في وجه بعض المناخ اللبناني المعادي لهم.
وإذا كانت الأمور اختلطت بين العمليات الأمنية ضد المجموعات الإرهابية التي تتلطى ببعض مخيمات النازحين، وبين ممارسات أمنية فرضت طغيان صورة عدم التمييز بين النازح والإرهابي، فإن المشاعر العنصرية المتنامية عند مجموعات لبنانية في المجتمع وفي المؤسسات، حيال النازحين، سهّلت هذا المزج وأطلقت العنان للعصبيات المريضة، بالتزامن مع حملة سياسية إعلامية لإعادة النازحين إلى سورية، لم يكن هدفها الفعلي إلا دفع السلطات اللبنانية إلى التواصل مع النظام السوري بهدف التسليم بشرعيته. مفعول هذا الهدف السياسي كان تأجيج مشاعر العداء. ولا يحتاج المرء إلى دليل على أن تحقيق مآرب النظام تسبب منذ 6 سنوات ونيف بالأضرار والمآسي للسوريين. إلا أن اللبنانيين بدورهم سقطوا ضحية ذلك. وهي ليست المرة الأولى طبعاً. تنبه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي ينتمي إلى الفريق الملح على إعادة النازحين، إلى ضرر الحملة فقال إن حل أزمة النزوح لا يكون بنشر الكراهية.
لتنامي هذه المشاعر الذي يفاقم الحساسية بين الشعبين، عوامل كثيرة في ظل الوضع الاقتصادي اللبناني الصعب، والفوضى الإقليمية. منها إطلاق الحملة السياسية الإعلامية أيضاً، تحضيراً من «حزب الله» للتخلص من المسلحين التابعين لـ «النصرة» و «داعش»، في جرود عرسال، بعملية عسكرية، أثارت المخاوف من أن يدفع مدنيو مخيمات النزوح فيها وأهالي عرسال، ثمناً جديداً بتهجير آخر. وهي عملية أغراضها السياسية أبعد من مواجهة الإرهاب ومجموعاته، تتعلق بحاجة ايران إلى استكمال اقتطاع منطقة النفوذ التابعة لها في الميدان السوري، من دمشق ومحيطها إلى منطقة القلمون، في سياق التقاسم مع روسيا وأميركا وتركيا للكعكة السورية. وليست المرة الأولى التي يدفع فيها السوريون واللبنانيون بمن فيهم رموز السلطة اللبنانية، أثمان أهداف متصلة بالصراع الإيراني- الأميركي. فالحاجة الإيرانية للسيطرة على هذه المنطقة تتعدى تطهير الحدود من هؤلاء المسلحين.
قضى الاتفاق الأميركي- الروسي على المنطقة الآمنة في جنوب غربي سورية، بإخراج إيران منها وإبعادها من الحدود مع الأردن ومع الجولان المحتل من قبل إسرائيل في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء. انكفأت الميليشيات الإيرانية و «حزب الله»، منها وبقيت في بعض محافظة القنيطرة. والتفاوض يدور على انسحابها إلى ما بين 30 كيلومتراً عن حدود الجولان (كما يطالب الأميركيون) أي إلى محيط دمشق الإدارية في سعسع، و50 كيلومتراً كما يطالب الإسرائيليون، أي إلى غرب دمشق. وأبعد الأميركيون الإيرانيين من الحدود العراقية- السورية عند معبر التنف والمثلث الأردني العراقي السوري وفي محيطه حين حاولوا التقدم مع «الحشد الشعبي» العراقي، (بحجة انتهاء معركة الموصل والمشاركة في المعارك مع «داعش» في الرقة). كما أبعد الأميركيون وبغض نظر روسي، الميليشيات الإيرانية عن البادية السورية التي تقود إلى تدمر ودير الزور، ثم الرقة... وحال كل ذلك دون استثمار إيراني بالانتشار على مساحات كبيرة من الأرض السورية بعد 6 سنوات من القتال الذي خاضوه دفاعاً عن نظام بشار الأسد، في وقت تصاعدت حملة إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد التدخل الإيراني في سورية وغيرها وصولاً إلى العقوبات ضد قيادات في «الحرس الثوري» التي صدرت قبل 3 أيام، بتهمة رعاية الإرهاب... بل أن الأميركيين زادوا قواعدهم في سورية تدريجاً من دون الإعلان عنها إذ باتت 7 قواعد، مرشحة لأن تصبح 12 قاعدة.
ترمي طهران من وراء تمهيد «حزب الله» لعمل عسكري في الجرود إلى استكمال السيطرة على غرب دمشق والقلمون المحاذية للبنان (وهي متصلة بالطريق نحو حمص وريفها حيث لها قوات) وإلى ضمان طريق الإمداد بالسلاح للحزب بين طهران وشرق لبنان وجنوبه. والإمداد الإيراني يتم بثلاث طرق: جواً من طريق مطار دمشق والمطارات العسكرية المحيطة بالعاصمة. براً عبر العراق، الذي حال دونه الأميركيون حتى الآن من دون استبعاد مواصلة طهران محاولتها فتحه. وهناك خيار ثالث في حال تعذر الطريقين الأولين، هو أن يتيح تصاعد الخلاف الأميركي- التركي حول دعم واشنطن الأكراد في شمال سورية، واستمرار احتضان واشنطن فتح الله غولن، لإيران استخدام طريق بري من الحدود مع تركيا وصولاً إلى الساحل السوري، (سبق أن تم استخدامه على رغم طوله) ومنه إلى القلمون، ثم لبنان.
فما علاقة لبنان وجيشه والنازحين بأثمان تلك الأهداف؟
ترتفع في بيروت هذه الأيام أصوات المطالبين بعودة السوريين إلى ديارهم، فنسمع وقع صيحاتهم المدوية على أسماع مواطنيهم، ويتردد صداها في خيام و «منازل» اللاجئين، الذين يلملمون حاجياتهم ويضعونها في أكياس مهترئة بفعل الانتظار، يمسحون المكان بعيونهم الغائرة في وجوههم.
هنا تحت «سقف» لا يقي من برد أو مطر، ولا يعين على رد لهيب الشمس، كانت حياتنا، نحن «السوريين» (اللاجئين)، هاربين من الموت على يد النظام، حتى أصبحت أقدارنا المهزومة تواجهنا بموت آخر، وأن ما من مهرب. عودوا إلى موتكم الأول تحت حكم نظام الأسد، قنابله وبراميله، طيرانه وصواريخه، فهي ربما لا تؤدي إلى مصير مختلف عندما يكون الموت هو الخاتمة، ولو تحت التعذيب.
هكذا، أمام حال العجز والبؤس والإنكار، قابلت مجموعة من الناشطين السوريين حكم الموت على سوريين تحت التعذيب بـ «حرب الأمعاء الخاوية»، بهاشتاغ: (# صيدنايا- لبنان)، في إشارة منهم إلى ما يجمع مصائر المعتقلين السوريين، سواء في معتقلات نظام الأسد أو في بلدٍ طالما كانت تؤرق حريته مضاجع حكام العرب، فيهرب إليه كل باحث عن مساحة حرية لينشر فيه ما عذب من كلام الحق والحب والمواطنة الممنوعة عنه في «بلاد العرب أوطاني».
طبيعي أن موت بعض السوريين (لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين) في معتقل لبناني لا يقارَن بعشرات الآلاف ممن قضوا في سجون النظام، إذ يقول التقرير الأخير لـ «المرصد السوري لحقوق الانسان» إن ٤٥ ألف سوري قتلوا تحت التعذيب واحتجاز الحرية والإهمال، لكنّ الحدث اللبناني يأخذ بعداً آخر، حيث يفترض أن مؤسسة الجيش في لبنان ليست بيد حكومة ديكتاتورية، إلا إذا كان «حزب الله» الذي يقتل السوريين في سورية هو الذي يتحكم بمصائرهم في لبنان.
يمارس «حزب الله» إحدى أهم الاستراتيجيات المسلحة الايرانية في سورية (ولبنان)، وهي سياسة التهجير والتغيير الديموغرافي وفق خريطة مرسومة منذ الأسبوع الأول لاندلاع الثورة في سورية (آذار/ مارس ٢٠١١) وحتى ما بعد الاتفاق في جنوب سورية الذي تم أخيراً بين روسيا والولايات المتحدة لإنشاء ما سمي منطقة آمنة خالية من الوجود الايراني الذي يهدد امن السوريين وجوارهم، الأردن واسرائيل. ويبدو أن هذا الأمر نشّط الحراك الاجرامي للحزب بحق السوريين خارج الحدود السورية أيضاً، في الداخل اللبناني، وفي مخيمات اللاجئين تحديداً، ما حوَّلها محطَّ أنظار المجتمع الدولي من جهة، ومحلَّ صب جام غضب بعض اللبنانيين، من خلال آلاتهم الاعلامية وشائعاتهم التي أججت الخلاف وحوّلته، اضافة إلى طائفيته، خلافاً مناطقياً وطبقياً، وضاعفت توتر اللبنانيين بسبب ظرفهم الاقتصادي والمجتمعي والسياسي المتأزم، قبل ثورة السوريين ولا يزال.
وضمن خطة تبييض واقع النظام وميليشيا «حزب الله» في مناطق سيطرتهما المزعومة في القلمون، ولإقناع المجتمع الدولي بقدرتهما على اعادة الحياة الطبيعية إلى تلك المناطق المسترجعة من المعارضة، كان لا بد من فبركة «مشهد العودة» إلى الوطن والترويج له، والذي يعني بمضمونه العودة إلى الانضواء تحت حكم النظام، والتسليم بنجاحه المزيف في فرض حالة الأمن وإعادة المهجرين الذين ساهم «حزب الله» نفسه في تشريدهم من ديارهم ومدنهم واستولى على ممتلكاتهم وزرع بينهم غرباءه، لإحداث الشرخ المجتمعي والتغيير الديموغرافي. كانت عودة الأسر المغلوبة على أمرها من لبنان إلى القلمون عودةَ الهارب من جمر النار إلى جحيمها، بينما كانت مشاهد العائدين عبر كاميرات «حزب الله» تصور انتصار سلامهم المدمّى، متناسية أنهم يعودون إلى حيث قُتل أولادهم، وهم ينتظرون من المآسي ما يساوي فاجعتهم بمدنهم المدمرة، ومجتمعهم الذي لُوِّن بما ليس منهم.
في المقابل، يمنح «حزب الله» أمثاله من المتطرفين في الجانب الآخر، ممن سُمُّوا «متطرفي السنّة»، من «داعش» و «النصرة»، الفرصة ليكونوا عاملَ جذب آخر لعودة اللاجئين السوريين، حيث تخشى تلك الأسر على أولادها من تهمة الارهاب، بسبب نشاط تدعو إليه هذه المجموعات المصنفة ارهابية، وهي بذلك تخدم تماماً هدف النظام و «حزب الله» في خلط الأوراق، وتأكيد أن الحرب الدائرة هي فقط بين ارهابيين وحكومة شرعية، لتنجح في خطتها بإبعاد صفة الصراع السياسي عما يحدث في سورية ولبنان معاً.
يعود بعض العائلات المشردة من لبنان إلى ريف دمشق وفق الخطة التي وضعتها إيران وينفذها «حزب الله» من دون أي ضمانات سلامة، ومن دون أن تجد ما ينتزع خوفها على حياة أولادها المطلوبين للنظام، إن لم يكن بـ «جريمة» التظاهر ضده، فبجريمة الهرب من الخدمة الالزامية، التي ربما تستوجب استعداد المجند وأهله للتحول من مدافع عن الوطن وحدوده إلى قاتل لأبناء هذا الوطن، الذي فُتحت حدوده لكل من هب ودب من قوات عسكرية وأفراد بأجندات ارهابية عبروها ليقولوا إن الصراع في سورية هو صراع مع قوى ارهابية، مبتعدين بذلك من أي حلول سياسية تقربنا من اليوم الأول للثورة، التي انطلقت من اجل الحرية والكرامة وحق المواطنة، فغابت تلك المطالب وحضرت الفوضى والغوغائية، ووحدها حرية القتل هي المنتصرة حتى اليوم، وكذلك حضرت أجندات الفصائل المتقاتلة في ما بينها لتكون عامل فشل اضافي لثورة النصف مليون شهيد، ومنهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء بحسب المرصد، وأكثر من مليوني مصاب ومعوق.
يعود بعض العائلات إلى سورية، إلى حيث تجد مبرراً لتموت هناك في ظل نظام القهر والحصار والقهر والتجويع في زمن الحرب، بينما لا سبب يبقيها في لبنان طالما يد الموت تطاولها فيه، وبحجج واهية، ومعارضة تتوهم أنها تفاوض، وتنسى أن من تفاوض باسمهم يتجرعون مرارة الذل والحصار والتجويع.
قالت لي «عائدة»، وهي سيدة سورية تهم بالعودة إلى دمشق، إنها اشترت كل ما سوف تحتاج إليه هناك لدى عودتها إلى بلد النصف مليون ضحية، وضمن ذلك كفن أبيض، ربما استعداداً لما قد يكون مصيراً أسود، إلا أنها أردفت: لكنه أقل من سواد أن تموت لاجئاً، بذات اليد والسلاح اللذين هجّراك (حزب الله) وقتلا أولادك، ودمرا مدنك واحتلت أعلامهما الصفراء ساحات دمشق وطرق سورية «المفيدة».
ما إن بدأ عملياً تنفيذ ما بات يعرف بالتفاهم بين أميركا وروسيا حول وقف إطلاق النار في جنوب سورية وحظر المنطقة على المقاتلين الأجانب، حتى بدأت الأسئلة تثار عن جدية هذا التفاهم وجدواه وعما قد يترتب عليه من نتائج وطنية وتداعيات إقليمية.
ما سبب اختيار هذا الوقت بالذات لإعلان تفاهم كان متاحاً للطرفين منذ زمن طويل؟ هل لأن القوتين الأكثر تأثيراً في الصراع السوري، اكتفتا بما حصل من قتل وخراب وتشريد وباتت مصالحهما تتطلب إخماد هذه البؤرة من التوتر؟ أم أنه يقترن من جانب موسكو بالرد على أعباء باتت ترهقها بعد فشل لقاء الآستانة الأخير نتيجة تشدد الحليفين التركي والإيراني، وكأنها بذلك تريد تحذيرهما من وجود بديل قوي ومستعد لمشاركتها في إدارة الملف السوري؟ أم ربما كان محاولة من جانب زعيم الكرملين للتقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائهما الأول في هامبورغ، ومغازلة مطلبه في الحد من تمدد طهران في المنطقة على أمل استمالته وتشجيعه على التعاون في ملفات أخرى تهم البلدين، في مقدمها المسألة الأوكرانية، وربما كبادرة استباقية لاحتواء السياسة الأميركية الجديدة تجاه الصراع السوري والتي بدأت تتحرر من انكفائها البليد في عهد أوباما، نحو نشاط نسبي تجلى بالضربة الصاروخية لمطار الشعيرات، والدعم المتواتر لقوات سورية الديموقراطية في معاركها ضد تنظيم داعش؟
صحيح أن توازنات القوى وتجارب بؤر التوتر المريرة تؤكد أن لا مخرج جدي لمحنة بلادنا من دون توافر إرادة دولية تحدوها سياسة أميركية حازمة، وصحيح أن شرعنة دور واشنطن في الجنوب السوري مكسب مريح لها، يمكّنها، ربطاً بحضورها في شمال البلاد، من تعزيز أوراقها وكلمتها في الصراع الدموي الدائر منذ سنوات، لكن ما الثمن؟ هل هو تسليم البيت الأبيض بشروط الكرملين ومنها الحفاظ على النظام القائم، بدليل التصريح الأميركي بقبوله مشاركة رموز السلطة المرتكبة في المرحلة انتقالية؟ أم يتعلق بتلبية حاجة أمنية إسرائيلية وبدرجة ثانية رغبة أردنية، في إبعاد القوات الإيرانية وميليشيا «حزب الله» مسافة آمنة عنهما، بما يعني فرض ما تمكن تسميته منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي الفاصل؟!
مما لا شك فيه أن تفاهماً يرعاه الطرفان الأقوى عالمياً يمتلك حظاً وافراً من النجاح، بخاصة إن بقي مقتصراً على جبهة الجنوب، بينما يرجح أن تعترضه عوائق كبيرة ومقاومة جدية إن تقرر تعميمه في مختلف جبهات القتال، فأنّى لطهران أن تقف مكتوفة الأيدي تراقب كيف يلجم طموحها الإقليمي وتدمر نتائج جهودها السياسية وتدخلاتها العسكرية في المنطقة؟ أوليس أشبه بإعلان حرب تصريح أهم مسؤوليها بأنها غير معنية بالتفاهم بين روسيا وأميركا؟ أولا يحتمل أن تلجأ، إن شعرت بالحصار الشديد وبجدية العمل على تفكيك نفوذها المشرقي، إلى تحريك أدواتها وتوسل التعبئة المذهبية لإفشال هذا التفاهم أو إعاقة تنفيذه بالحد الأدنى، بما في ذلك افتعال حرب مع إسرائيل لخلط الأوراق؟
وأيضاً لماذا ترضى تركيا بما يترك لها من فتات، بخاصة مع تنامي قلقها من اقتران التفاهم الأميركي الروسي برؤية مشتركة تتفهم مظالم الأكراد السوريين وحقوقهم وتراهن على دورهم الرئيس في مواجهة الإرهاب الجهادي؟ ألا يرجح أن توظف أنقرة ما تمتلكه من أوراق للعبث أمنياً بالترتيبات المزمع إجراؤها لتنفيذ التفاهم؟ أولم يشجعها ذلك على مزيد من التنسيق مع خصمها الإيراني اللدود، لتوحيد جهودهما ضد من يحاول منازعتهما على ما حققتاه في سورية، بما في ذلك توسل ورقة اللاجئين السوريين على أراضيها للضغط على خصومها وابتزازهم؟
وبين من لا يعول على أي دور للتفاهم الأميركي - الروسي في كسر الاستعصاء القائم، مذكراً بتفاهم مماثل لم يصمد إلا أسابيع قليلة أمام استعار معارك حلب، وبين من يسخر من تفاؤل المبعوث الدولي دي ميستورا، حول انعكاس التفاهم بنتائج ايجابية طال انتظارها في مفاوضات جنيف، وبين من يعتبر ما حصل نقلة نوعية قد تخمد الصراع السوري عسكرياً لتطلقه سياسياً، مستقوياً بجدية إدارة البيت الأبيض الجديدة، وحالة الإنهاك المتزايد للقوى الداخلية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ثمة من يسأل محذراً: ألن يشكل ذلك التفاهم، وربطاً باتفاق مناطق خفض التوتر الذي ترعاه روسيا وإيران وتركيا، عنواناً لتقسيم البلاد وبداية لشرعنة مناطق النفوذ القائمة في ما درجت تسميته بدويلات تنازع سلطة قائمة في دمشق وحمص وحماه والساحل السوري على السيطرة، تبدأ بجبهة الجنوب، فالحكم الذاتي للأكراد في شمال البلاد وشرقها، فمدينة إدلب وأريافها، فمنطقة «داعش» في دير الزور وما حولها؟
لن تبقى المعادلات السياسية الداخلية وما يرتبط بها من توازنات بمنأى عن التأثر بهذا التفاهم، بخاصة إن تكلل تطبيقه بالنجاح وتضافرت الجهود لتعميمه، ليحضر السؤال: هل يصح من هذه القناة توقع صراعات خفية وربما معلنة بين مراكز قوة سلطوية تميل لدعم النفوذ الإيراني ضد أخرى تحبذ الدور الروسي في إدارة الصراع ورسم مستقبل البلاد؟ وهل يجوز الذهاب بعيداً مع المتفائلين في توقعاتهم بأن تفضي المناخات الأمنية والسياسية المرافقة لتعميم التفاهم، إلى تبديل الصورة النمطية للمشهد الدموي السوري، وإلى تفكيك الدوائر المحلية الضيقة المتمسكة بخيار العنف وقد باتت مجرد أدوات لأطراف خارجية تتصارع على تحسين مكاسبها وحصص النفوذ، ما يتيح بلورة قوى، سياسية وثقافية ومدنية، لها مصلحة في إنقاذ المجتمع السوري من المصير الأسوأ؟ أم علينا الاكتفاء بالحد الأدنى، وبأن أهم وجه لما حصل هو تخفيف معاناة الناس، بإيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين وفتح الباب لمعالجة قضية اللاجئين السوريين الذين ينتمون للمناطق التي يشملها التفاهم، ما يشجعهم على العودة لديارهم والتخلص من ظروف تشرد سمحت للآخرين بازدرائهم وإذلالهم والاستهتار بأرواحهم؟
عندما سألته مجلة «ذي آيلاندر» الطلابية: لماذا وافقت، من بين آلاف الطلبات على إعطائنا مقابلة مطولة؟
كان جواب جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، والضابط المتقاعد صاحب النجوم الأربعة، والذي كان مسؤولاً في الحلف الأطلسي، والقيادة المركزية، وشارك في الحروب في أفغانستان والعراق: لقد حاولت دائماً مساعدة الطلاب (كان أستاذاً في جامعة ستانفورد لمدة 3 سنوات)، نحن مدينون للشباب لإطلاعهم على ما تعلمناه خلال مسيرتنا؛ كي يرتكبوا أخطاءهم، ولا يكرروا تلك التي ارتكبناها».
ماتيس صاحب مكتبة الألف كتاب، ركز على أهمية دراسة التاريخ، هو المتخصص أيضاً في التاريخ قال: إنه لو كان يعرف ما ستحمله له الحياة، لتعمق أكثر في التاريخ. قال لـ«ذي آيلاندر»: بغض النظر عما سوف تذهب إليه سواء كان العمل أم السياسة أم العلاقات الدولية أم السياسة الداخلية، لا أعتقد أنك تخطئ إذا حافظت على تعطشك للتاريخ، والسبب في قولي هذا، أن لا شيء جديداً تحت الشمس بخلاف بعض التكنولوجيا التي نستعملها.
سئل عن الحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط تحديداً، حيث أمثال تنظيم داعش يتكبدون الخسائر العسكرية من خلال تجنيد المقاتلين الأجانب، فأجاب ماتيس: إن مفتاح خلق مناخ من الاستقرار في الشرق الأوسط يكون من خلال التعليم؛ إذ يمكن مواجهة الآيديولوجيات بمنح الناس تعليماً أفضل وأملاً بالمستقبل. أخذ ماتيس المملكة العربية السعودية مثلاً، وأشار إلى برنامج العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز للمنح الدراسية في عام 2005 لتمكين المواطنين السعوديين المؤهلين أكاديمياً من الدراسة في الخارج في الجامعات العريقة بهدف أن يعودوا إلى المملكة للمساهمة في التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. إضافة إلى ذلك، قال ماتيس إن بلدان الشرق الأوسط يجب أن تصبح أكثر إنتاجية اقتصادياً لضمان أنها يمكن أن تدعم التحديات المرتبطة بدعم المجتمع؛ كي تحقق الأهداف المتعلقة بتوسيع التعليم. ثم تحدث عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأشاد بمحاولته التغيير السريع من الاقتصاد الاستهلاكي إلى الاقتصاد المنتج، قائلاً: «هذا جهد ثوري»، وعاد يركز على الطاقة الشبابية؛ لأنه من أجل تحقيق الازدهار في الشرق الأوسط «يجب أن يكون الشباب جزءاً من مناخ إيجابي يشعرون فيه بأنهم ينتمون إلى هذا المناخ بحيث يتجنبون أن يكونوا جزءاً من المجموعة الأكثر عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة».
وعاد ماتيس إلى التاريخ الذي لا يعطيك كل الأجوبة، إنما يوحي لك بالكثير من الأسئلة كي تطرحها. عبّر عن رفضه للآيديولوجيين «إنهم مثل الناس الذين توقفوا عن التفكير». يرفضون كل من ليس مثلهم. يتساءل لماذا يتعبون ويصرفون كل الجهد لإظهار أن «هذا الآخر» إما شرير أو مجنون! يقول: لا أحد منا مثالي أو كامل المعرفة.
وتسأله المجلة الطلابية «ذي آيلاندر» عن الحرب لنكتشف إعجاب ماتيس بالمؤرخ والقائد الإغريقي «ثوسيدايدس» مؤلف أول كتاب في التاريخ عن التاريخ قبل ألفين أو ثلاثة آلاف سنة. يقول ماتيس: إن الطبيعة الأساسية للحرب لم تتغير منذ «ثوسيدايدس»، والدافع إليها لا يزال الخوف والشرف والمصالح، وهذا مستمر حتى يومنا: «هذا ما قصدته عن دراسة التاريخ»، صحيح أن التكنولوجيا دخلت في الحرب الآن، لكنها لا تزال مليئة بالخوف والشجاعة، الجبن والازدواجية والغدر، الوضوح والصدق والارتباك.
عندما اختاره الرئيس دونالد ترمب لتسلم منصب وزير الدفاع، وفي شهادته أمام الكونغرس قال ماتيس: إن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون فتاكة. في المقابلة يشرح: في عالم ليس مثالياً، فإن الطريقة الوحيدة الذي تجعله يصغي إلى الدبلوماسيين تكون عندما تدعمهم بالقوة الصلبة. يؤكد أن الدبلوماسيين هم من يجب أن يقودوا السياسة الخارجية، وليس العسكريين. «أتناول الإفطار مرة كل أسبوع مع ريكس تيلرسون وزير الخارجية، وأضعه في جو العوامل العسكرية لسياسته الخارجية؛ لأن دور العسكريين هو تقوية الدبلوماسيين». لذلك؛ لا يغيب ما بعد هزيمة «داعش» عن تفكير «العسكري» ماتيس، يروي كيف أن تيلرسون دعا قبل سبعة أسابيع إلى مؤتمر في واشنطن شاركت فيه 65 دولة ومنظمات دولية عسكرية ومالية وإنسانية وتحدث فيه ماتيس. ما أراد الوصول إليه هو أنه ليس المطلوب من الولايات المتحدة وحدها القيام بكل الأعباء. «قالت دول عدة لنا، إذا توليتم القيادة فإننا سنساهم؛ لأن الكثير من الدول لا تثق ببعضها بعضاً، لكن كلها تثق بأميركا وبغض النظر عما تقرأ في الصحف الآن».
قال ماتيس: إن 85 في المائة من المؤتمر حول «داعش» لم يكن حول الجوانب العسكرية، ونصح بمراجعة «مشروع مارشال» بعد الحرب العالمية الثانية «إنما لن تتحمل أميركا العبء الكامل، أو حتى العبء الثقيل».
اعترف ماتيس بـ«خسارة» أميركا للحروب بعد الانتصارات العسكرية، واحدة برأيه جنبت أميركا الصراعات الكبرى. قبل أن يشرح «عاصفة الصحراء» أكد أن الأهم إذا كان لا بد من الحرب، بذل كل ما يمكن لتجنب الذهاب إليها. في «عاصفة الصحراء» حققت أميركا الانتصارات على كل المستويات: يقول: قال الرئيس جورج بوش الأب لن نتسامح مع دولة تحتل دولة أخرى». وذهب إلى الحرب. «ذهبنا، طردنا العراقيين من الكويت، حررناها، ثم لم يذهب أبعد من ذلك. تصاعدت أصوات للوصول إلى بغداد، رفض، لقد كان هدفنا تحرير الكويت، ثم أننا ذهبنا بقوات أكثر من حاجتنا، أنهينا الحرب بسرعة. انطلق بالحرب بعد أن وضع نهاية سياسية لها. يضيف ماتيس: حتى الروس كانوا معنا في تلك الحرب. أبلغونا بالضبط ماذا زودت راداراتهم صدام حسين بحيث كنا نعرف أين تحلق طائراتنا وتتجنب تغطية الرادارات».
من العراق إلى إيران، وهل يمكن إعادة ثقة الشعوب العربية بإيران؟ يقول ماتيس «سيكون ذلك صعباً. لا تجري انتخابات صحيحة في إيران. المرشد الأعلى يقرر من سيتنافس ويفوز، تماماً كأن يقرر الرئيس الأميركي من سيخلفه، لكنه يبقى هو في البيت الأبيض ويبقى الآخرون يتناوبون. (هناك المرشد الثابت والآخرون يأتون ويذهبون). إيران بلد يتصرف كقضية ثورية وليس للمصالح الأفضل لشعبه؛ لذلك من الصعب جداً جداً الوثوق به. ما يجب القيام به في نهاية المطاف هو ما أقدمت عليه هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية آنذاك، أي تحريك العقوبات على كل صعيد، ولا سيما الصعيد الاقتصادي ودفعهم إلى طاولة المفاوضات؛ لأنهم يريدون البقاء في السلطة». يضيف ماتيس «لقد حاولوا اغتيال سفير عربي وسط واشنطن، وفي الوقت الحالي نقلوا صواريخ باليستية إلى اليمن أطلقت على السعودية. سيكون من الصعب جداً التعامل مع هذه القيادة. نريد أن يدرك الشعب الإيراني أن لا مشكله لنا معه. نحن لا نريد الضغط على الشعب الإيراني كي لا ينمو بظلال قيادته. لكن المؤكد أن النظام الإيراني أكبر مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط».
ماتيس يعرج في النهاية على سوريا، حيث يعود الفضل في بقاء نظام بشار الأسد إلى إيران وروسيا. يشرح: اختارت روسيا أن تكون منافساً استراتيجياً للحلف الأطلسي ولأميركا، وسوريا هي المكان الوحيد الذي تستطيع أن تنافس فيه: «لكن بصراحة يحافظ الجيشان الأميركي والروسي على اتصالات عسكرية مفتوحة بينهما»، النقطة الحالية الآن: نحن لا نشارك في الحرب للتخلص من الأسد، نحن فقط هناك لمقاتلة «داعش»، بينما يحاول الروس معرفة كيف يخرجون.
المقابلة مع «ذي آيلاندر» مطولة. فيها التاريخ والدروس منه، فيها كيف ظلت الدوافع للحروب واحدة ولم تتغير وإن كانت الأسلحة التي تخاض بها تغيرت. يكشف ماتيس وزير الدفاع والضابط عن إنسان وإنسانية، عن ثبات وليونة. هو يرسم الحاضر ويعرف أن الشريك الأساسي لمستقبل صحيح، هم الأجيال الجديدة الشابة، شرط أن تكون تشربت ثقافة وتعليماً وهي على عجلة التاريخ. ما قاله ماتيس بتفاصيله يحتاج إلى تعميم.
في ضوء الاستعصاء السياسي بشأن سورية، وقد عبر عنه الفشل المتكرّر لاجتماعات مساري أستانة وجنيف، والذي عكس رفض الولايات المتحدة مسار أستانة، على خلفية اعتبار نجاحه "انتصاراً" لروسيا وإيران والنظام السوري، ورفض روسيا الاتحادية مسار جنيف، على خلفية اعتبار نجاحه "انتصاراً" للولايات المتحدة والسعودية والمعارضة، وفي ضوء حاجة كل من الرئيسين الأميركي، دونالد ترامب، والروسي، فلاديمير بوتين، كلّ لاعتباراته الخاصة، إلى تحقيق تقدّم، ولو كان رمزياً، جاء اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، محافظات درعا، السويداء، القنيطرة، مساراً ثالثاً، وحلاً وسطاً يعبر عن تعارض مواقفهما إزاء أستانة وجنيف، ويلبي تطلع كل منهما إلى إنجاز ما.
عبرت الولايات المتحدة عن رفضها مسار أستانة من خلال المستوى المتدنّي لمشاركتها في اجتماعاته، حيث شاركت فيه مراقباً، ومن خلال تحفظها على نتائج تلك الاجتماعات، تحفظت على دور إيران ضامناً للاتفاق على مناطق خفض التوتر. وكان تأكيد مسؤوليها المتكرّر تمسّكها بمسار جنيف وبيان 2012 وقرار مجلس الأمن 2254 الذروة في هذا المجال.
عملت روسيا الاتحادية على عرقلة أي تقدّم يمكن أن يحصل في اجتماعات جنيف، من خلال تصريحات مسؤوليها الاستفزازية ضد المعارضة ومواقفها، ومن خلال شل الاجتماعات، عبر طرح جدول أعمالٍ لا يمسّ جوهر القضايا، ووضع لازمة توحيد وفد المعارضة على الطاولة، للتشكيك بتمثيل الهيئة العليا للمفاوضات، وكسر وحدانية تمثيلها المعارضة، وبالحلول التي تطرحها "الهيئة" لملفات التفاوض بالتالي، وسعيها إلى تحديد أسس الحل في مسار أستانة، وفرض محدّداتٍ تنطلق من رؤيتها لمتطلبات الحل السوري ومخرجاته على مسار جنيف.
جاء اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية تجسيداً لرفض الإدارة الأميركية الجديدة الدور الروسي الكبير في سورية، من جهة، وتحفظها، من جهةٍ ثانية، على إشراك الدول الإقليمية (تركيا وإيران) في الحل، ومنحها حصة في الكعكة السورية، ما يغريها للعب دور مستقل في ملفات الإقليم الأخرى، وتجسيداً لفشل موسكو في إرغام الأطراف الدولية الأخرى على قبول مبادرتها في أستانة، ودفعها إلى التخلي عن استراتيجياتها الخاصة، فقد كان بوتين بحاجةٍ إلى "نجاحٍ" يُعلن عنه يحوّل الانتباه عن فشل أستانة "المهين"، وفق مصدر دبلوماسي غربي، ويمنحه فرصة للمناورة لاستكمال مشروعه الساعي إلى احتلال روسيا موقع القوة العظمى الثانية في نظام ثنائي القطبية، عبر عقد صفقةٍ شاملةٍ مع الولايات المتحدة الأميركية.
وهذا جعل توافقهما واتفاقهما عرضةً للاهتزاز، إن لم يكن للفشل، والدخول في منعطفاتٍ خطرةٍ في ضوء عاملين رئيسين، أولهما ما تشهده العاصمة الأميركية من تطوراتٍ على صعيد ملف التحقيق في علاقة أركان حملة المرشح دونالد ترامب بمسؤولين روس، ابنه وصهره بشكل خاص، ودور الكرملين في نجاحه، وما ترتب عليها من ردود فعلٍ تجسّدت في تحرك نوابٍ في الكونغرس على مستويين: تمرير قانون يفرض عقوبات جديدة على روسيا، وطرح فكرة عزل الرئيس. ما سيضطر الإدارة الأميركية إلى التشدّد في تعاطيها مع موسكو في ملفاتٍ عالقةٍ بينهما، أوكرانيا وضم جزيرة القرم. ويثير شكوك روسيا في جدوى التوافق والاتفاق مع إدارةٍ مهدّدة بالعزل، ويدفعها إلى السعي إلى تعزيز موقعها التفاوضي، عبر فرض أمر واقع ميداني في مناطق (الحدود السورية العراقية، وشرق الفرات) سبق وألمحت واشنطن إلى أنها تريدها (المناطق) ضمن نطاق نفوذها، وتكريس نفوذها في سورية بغض النظر عن الاتفاق مع واشنطن.
بدأ ذلك بإنشاء قاعدة عسكرية في خربة رأس الوعر في البادية السورية، وهي موقع حسّاس جيوسياسياً، يبعد نحو 50 كيلومتراً عن دمشق، و85 كيلومتراً عن خط فك الاشتباك في الجولان المحتل، و110 كيلومترات عن جنوب الهضبة، ويبعد 96 كيلومتراً من الأردن و185 كيلومتراً من معسكر التنف التابع للجيش الأميركي في زاوية الحدود السورية ـ العراقية ـ الأردنية، وبمصادقة مجلس الدوما على البروتوكول الملحق باتفاقية نشر القوات الجوية الروسية في سورية الذي يسمح لموسكو بنشر قواتها الجوية في سورية 49 عاماً، مع إمكان تمديدها 25 عاماً إضافياً، واستثمار الاتفاق في تحرير قوات النظام وحلفائه من المليشيات الشيعية التابعة لإيران المرابطة في المنطقة، وزجها في معارك بادية شرق محافظة السويداء، المشمولة بالاتفاق، وبادية محافظة حمص، وجنوب غرب محافظة الرّقة، والغوطة الشرقية، وتقديم غطاء جوي لهذه القوات، واستغلال رغبة النظام وإيران في الاستمرار بالحل العسكري لإحداث تغييرٍ ميدانيٍّ كبير، لتوظيفه في المفاوضات مع واشنطن، ما يعني قطع الطريق على احتمال تطور التوافق، ومد الاتفاق إلى مناطق أخرى.
أما العامل الثاني فهو رد فعل القوى الإقليمية، خصوصاً إيران وتركيا وإسرائيل، على الاتفاق واستجابتها، السلبية والإيجابية، لمخرجاته، حيث عبرت إيران عن تحفظها عليه، وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني في الشؤون العربية والأفريقية، حسين جابر أنصاري، في رده على سؤالٍ عمّا إذا كان الاتفاق بين أميركا وروسيا في جنوب غربي سورية سيترك أثراً على وجود القوات الإيرانية هناك: "وجود إيران بأي شكل وأي مستوى في الأزمة السورية، تم بطلبٍ من الحكومة، والتوافقات الحاصلة بين البلدين ليست مرهونة بأي طرف إقليمي ودولي"، ناهيك عن تحرّك المليشيات الشيعية التابعة لها، لتحقيق مكاسب ميدانية في البادية، وربط تقدمها بتقدم مليشيا الحشد الشعبي العراقي على الجانب الآخر من الحدود السورية العراقية، تحقيقاً لمشروع الطريق البري من إيران إلى لبنان، وباستعدادات حزب الله لشنّ هجومٍ على جرود عرسال انطلاقاً من القلمون الغربي.
وقد عبّرت تركيا عن عدم رضاها عن التوافق الأميركي الروسي، خوفاً من تطوره وامتداده ليشمل الحدود الشمالية، حيث المشروع الكردي الذي تخلت عن أولوياتها لمواجهته، والذي تخشى حصوله على مباركة الدولتين، بتصعيد ضغوطها على "قوات سورية الديمقراطية"، برفع لهجة مسؤوليها وتهديداتهم لها، وبتعزيز حشودها العسكرية على الحدود مع سورية قرب عفرين وتل أبيض والقامشلي، وتلويحها بإطلاق عمليةٍ بريةٍ بالتنسيق مع فصائل من الجيش السوري الحر، تحت اسم "سيف الفرات". وعبرت إسرائيل عن تحفظها على الدور الإيراني في سورية، واعتبرت "أن الاتفاق يرسّخ الوجود الإيراني في سورية"، وفق قول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، خصوصاً بعد ما تسّرب عن اتفاق بين النظام وإيران، لإقامة قاعدة جوية إيرانية وسط سورية، تديرها قوة عسكرية إيرانية من خمسة آلاف جندي.
يبدو أن نجاح الاتفاق واستمرار التوافق الأميركي الروسي رهن قدرة ترامب على تجاوز العاصفة الداخلية، وحصوله على مباركة وزارة الدفاع (البنتاغون) الاتفاق الذي تم من دون مشاركته، وقدرة بوتين على لجم إيران، وتقليص دورها، ووضع حد لنفوذها، الثمن المطلوب لإغواء ترامب بمواصلة التعاون، وتوسيع التوافق ليصبح شاملاً، واستسلام تركيا وإسرائيل لمخرجات التوافق الأميركي الروسي ومترتباته.
غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إثر بضع ساعات من اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة الجنوب الغربي السوري، الذي أنجزه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبشراكة واضحة من المملكة الأردنية وملكها، كتب: «وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ سيكون سبباً في إنقاذ أرواح عدة». وتابع: «حان الوقت للمضي قدماً في العمل البناء مع روسيا!».
تأتي تغريدة ترامب لتصرّح عن تفاؤله بصمود وقف إطلاق النار في ثلاث محافظات سورية أدمتها وأثكلتها الحرب لسنوات ست، هي القنيطرة ودرعا والسويداء. وجاءت هذه الهدنة نتيجة لمحادثات معقدة ومشاورات ديبلوماسية استراتيجية دامت أشهراً، وليست البتة وليدة ساعتها حين التقى الرئيسان في مدينة هامبورغ الألمانية. تلك المحادثات كانت دائرة على قدم وساق بين إدارة ترامب الجديدة وموسكو حيث حليف النظام الأعظم فلاديمير بوتين.
فما هو معيار تفاؤل ترامب، وهو المعروف عنه تبدّل طقسه السياسي وانقلابات تصريحاته الغرائبية؟ وما الضامن الحقيقي والحيادي لصمود تلك الهدنة، بل ما هي آليات فرضها على مناطق النزاع في الجنوب الغربي السوري المجاور لإسرائيل، وقد دمرت ست سنوات من القتال والحصار درعا، إحدى المدن الأولى التي شهدت احتجاجات كبرى ضد بشار الأسد في 2011، وأحالت المدفعية الحكومية والقوة الجوية الروسية رقعة كبيرة منها إلى أنقاض، بينما لا يزال قتال «داعش» دائراً في القنيطرة والسويداء من قوات النظام والمعارضة، على افتراقهما، حيث لم يشمل اتفاق وقف إطلاق النار الحرب على القوى الإرهابية هناك.
لم يأتِ هذا الاتفاق متماسكاً وصلباً من فراغ، بل جاء نتيجة أسابيع من المشاورات الكثيفة غير المعلنة، والبعيدة من الإعلام وحتى من ممثلين للجسم السياسي للمعارضة من الائتلاف أو الهيئة العليا للمفاوضات، مشاورات دارت وما زالت بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن، في عمّان، لمعالجة تدفق الميليشيات الإيرانية المنشأ، والطائفية المذهب، والداعمة لنظام الأسد، باتجاه الحدود الإسرائيلية والأردنية. هذا وقد أعلنت إسرائيل مراراً أنها لن تسمح لإيران التي دخلت في حلف جهنمي مع نظام الأسد، بترسيخ قواعدها في سورية. وحدث أن نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات جوية عدة ضمن الأراضي السورية ضد شحنات مشبوهة من الأسلحة المتجهة إلى «حزب الله» في لبنان. كما استُهدفت المنشآت العسكرية التابعة لقوات الأسد في مواقع عدة هذا العام بعد سقوط قذائف داخل الجانب الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان.
يشكّل الدخول الأميركي على خريطة القوى المتصارعة تحولاً نوعياً استراتيجياً للسياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب عن سابقتها في عهد باراك أوباما. فبعكس سلفه الذي اكتفى خلال سنوات الثورة الست باللهجة الخطابية العالية المفرّغة من أية إرادة سياسية، اتجه ترامب إلى فعل مباشر تجلّى في الشمال بتسليح ثقيل ومباشر للقوات الكردية المقاتلة هناك، على رغم تذمّر أنقرة.
أما من الغرب، فأمر ترامب باستهداف موقع عسكري للنظام بصواريخ كروز أطلقتها إحدى البوارج الأميركية من البحر إثر استخدام النظام السلاح الكيماوي ضد مدنيي خان شيخون، وذلك في أول هجوم أميركي صاروخي مباشر على هدف عسكري نظامي هو مطار الشعيرات. وفي النهاية جاء دعم ترامب لجبهة الجنوب المعارضة، والدخول في توافق روسي على إقامة منطقة آمنة محظورة الطيران في الجنوب الغربي للبلاد.
وإذا كان الهدف غير المباشر لمنطقة الحظر الجوي تلك ضمان بيئة آمنة على حدود إسرائيل، فالولايات المتحدة إنما تؤسس في الوقت عينه لهدفها الاستراتيجي الأساس برفع حاجز يحول دون الحلم الإيراني بتمديد الممر الشيعي الذي يفترض أن ينطلق من طهران ماراً ببغداد ودمشق ليصل إلى البحر المتوسط عبر بيروت.
في جولة جنيف السابعة للمفاوضات السورية، التي يديرها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، كانت لي فرصة الحديث العلني مع المبعوث الأميركي للملف السوري، مايكل راتني، حيث كان يشرح لأعضاء الهيئة العليا والوفد، وبحضور سفراء ومبعوثي أصدقاء سورية، عن أهمية اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سورية لحماية الأرواح السورية، ولمنع إيران ووكلائها من تطوير وجود عسكري على طول الحدود. قلت له: هل نفهم أن تجربة وقف إطلاق النار تلك ستكون «نموذجاً» بالمعنى التقني والتطبيقي للمصطلح، يتم تعميمه على مناطق ساخنة أخرى، ولن يكون مشروع اقتطاع أجزاء من سورية للتعامل معها أمنياً، ما قد يمهّد لتقسيم سورية؟
جاءت الإجابة بعد يومين بتصريح أدلى به ترامب من باريس حيث قال: إثر نجاح خطة وقف إطلاق النار التي تمت بتوافق روسي- أميركي، فستشهدون في القريب تنفيذاً لخطة موازية في منطقة هي الأشد اقتتالاً اليوم في سورية.
هذا ولم يعمّر أي اتفاق لوقف إطلاق النار منذ فترة طويلة في سورية خلال السنوات الست الأخيرة، علماً أنه لم توضع أية آلية علنية لرصد أو تنفيذ الاتفاق الأخير، ناهيك عن تغييب المعارضة السياسية تماماً عن المشاركة فيه، ما ينبئ بنضوج فكرة تشكيل مجلس عسكري مشترك للمرحلة الانتقالية بالمناصفة بين من لم تتلطخ يداه بدماء الشعب السوري من ضباط النظام ومن فصائل المعارضة، وهو سينضوي تحت مظلة الجيش الوطني السوري، وهو ما بدأت بوادره تلوح في الأفق إثر إعلان جيش الإسلام في اليوم الأخير من جولة جنيف 7 عن حل نفسه استعداداً للانضمام إلى صفوف الجيش الوطني المرتقب.
تزداد التقارير الصحافية التي تتحدث عن وعود يقطعها نظام بشار الأسد لكل من روسيا والصين بأن شركات هذين البلدين ستكون لهما الأولوية في جهود إعادة الإعمار، وأن استثماراتهما ستكون ببلايين الدولارات مقابل استمرار جهودهما في دعم نظام الأسد سياسياً وعسكرياً حتى يتجاوز «أزمته». لا بد من القول إن هذا النوع من الوعود «المعسولة» لم تعد تنطلي على أحد، فلا القيادة الصينية ولا الروسية بالغباء الذي يمكن أن يقنعهم أن «إعادة الإعمار» في سورية ممكنة أو أنها ستكون قريبة، ولعل الموقف الروسي الأخير في اتفاق التهدئة في الجنوب يصب في نفس القناعة الأميركية التي تولدت في نهاية عام 2015 أنه لا إمكانية لإنهاء النزاع في سورية ولا بد من العمل على «تجميده» و «احتوائه» لمنع اشتعاله إقليمياً.
لكن، لماذا يستمر نظام الأسد في بيع هذا النوع من الأوهام التي اعتاد على بيعها لقاعدته «المؤيدة» في الساحل السوري؟ ينبع الجواب في شكل كبير من حقيقة أن الأسد لم يعد يمتلك أية أوراق كي يراهن عليها، أو يساوم عليها، فكل ما راهن عليه تبخر يوماً بعد يوم من «انتهاء الأزمة» في سنتها الأولى إلى عودة «الاستقرار» قريباً إلى تحسن الوضع الاقتصادي إلى دحر الإرهاب وأخيراً «خرافة» إعادة الإعمار وبيع الوهم أن ذلك ممكن في الوقت القريب.
التحدي الرئيس في ما يتعلق بإعادة الإعمار في سورية هو انتهاء الصراع العسكري وبداية تحقيق الاستقرار السياسي من أجل بدء ما يسمى إعادة الاستقرار والأمل. وهو وفق كل السيناريوات المطروحة اليوم يحتاج إلى سنوات عدة إن لم نقل ربما إلى عقد من الزمان لتحقيقه، أولاً بسبب تعدد الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة وتنازع وتضارب مصالحها واستحالة توافقها على الحد الأدنى هو وقف الحرب في سورية، فهناك أطراف وعلى رأسها إيران ترى مصلحة حقيقية في استمرار الحرب بدل خروجها نهائياً من المعادلة السياسية في سورية لأنه ليست لديها أية قاعدة اجتماعية يمكن لها أن تدافع عن مصالحها.
ثانياً بسبب تعدد الميليشيات الداخلية، فانتشار الميليشيات المسلحة من الطرفين سواء من قبل نظام الأسد الذي أعطى الضوء الأخضر للميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية للعمل على الأراضي السورية. وأيضاً من طرف المعارضة المسلحة من جهة تعدد الفصائل وتفرقها. بالتالي فإن جلب الاستقرار وإعادة الأمان تبدو مسألة معقّدة وتحتاج للكثير من الجهود الدولية والمحلية. فعدد الميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام أصبح يعادل عدد الكتائب المتناحرة التي تقاتل باسم المعارضة وهو ما يعقد سيناريو الاستقرار في شكل يجعله مستحيلاً في ظل انعدام أي أفق لاستقدام قوات حفظ سلام دولية أو بروز جيش وطني يضمن السلام متفق عليه ومدعوم اجتماعياً وشعبياً.
التحدي الثاني هو تأمين الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار خصوصاً مع الدمار الكبير الذي جرى في سورية والذي كان من أهم أسبابه الاستخدام المكثف لسلاح الجو من قبل نظام الأسد، فنحن نتحدث عن عشرات البلايين من الدولارات. هذه الموازنات الضخمة من المستحيل اليوم تحقيقها لدولة صغيرة نسبياً ومحدودة الموارد كسورية وليست ذات أهمية كبرى على الخريطة الدولية. كما أنه لا بد من أن نتذكر دوماً أنه بالنسبة الى إعادة الإعمار ليس المهم هو الدمار البنياني لسورية، بل الأهم هو دمار النسيج الاجتماعي السوري والذي باستمراره وعدم معالجته سيمنع عودة الاستقرار والأمل وأيضاً سيمنع عودة الوحدة السياسية بين الأطراف المجتمعية من أجل الاتفاق على سورية المستقبل.
التحدي الآخر هو العدد الكبير من المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأحياءهم حيث نتحدث اليوم عن أكثر من ٨ ملايين لاجئ و ١٠ ملايين نازح داخلياً، بالتالي فإن ثلثي سكان سورية تقريباً هم من المهجرين عن بيوتهم الأصلية وعودة هؤلاء جميعاً الى بيوتهم وأحيائهم ومدنهم الأصلية سيحتاج إلى ما يمكن وصفه بالمعجزة.
بالتأكيد هنالك تحديات أخرى إنما هي أقل أهمية مثل إدارة التوقعات العالية للمواطنين السوريين من عملية إعادة الإعمار ونتائجها خلال المراحل المقبلة.
فالتحدي الرئيسي اليوم هو إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري. فنظام الأسد خلال السنوات الست الماضية عمل في شكل رئيسي على تفريق وتفتيت السوريين والتحريض طائفياً بين الطوائف المختلفة ليستفيد من ذلك تحت مبدأ فرق تسد وأنّ بقاءه في الحكم هو الضمان الوحيد لوحدة سورية الأمر الذي لم يعد صالحاً للتصدير أبداً بعد اليوم بعدما تدمر النسيج الاجتماعي السوري بفعل ممارسات منهجية على مدى السنوات السبع الماضية. لذلك وجب على النظام السياسي الجديد خلق سياسات موازية ترافق إعادة الإعمار من أجل التخلص من الوعي والسياسات الطائفية السابقة بهدف إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع السوري.
فالعمل بمبدأ العدالة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية من خلال عملية محاسبة رؤوس النظام الملطخة أيديهم بالدماء وأيضاً عملية بناء وتقوية مؤسسات الدولة المختلفة وكذلك القيام بالتعويضات الضرورية كل ذلك ضروري من أجل تحقيق السلام المستدام من أهم هذه القيم الجمعية هو إيمان السوريين بوحدتهم وأنّ ما حدث بينهم في هذه الحرب كان بسبب سياسات مدبرة من نظام الأسد. فإنْ استطاع السوريون وضع سياسات التفرقة خلفهم والانطلاق لما سيجمعهم لبناء سورية جديدة فسيكون أمر لم يتكرر عبر التاريخ إلا في حالات نادرة مثل اليابان وألمانيا.
إنّ عملية بناء الوعي الجمعي للمجتمعات هي عملية تراكمية ومستمرة ولا تحصل بين ليلة وضحاها ولكن بالحالة السورية سيكون من الصعب جداً بل نوع من الترف التركيز على عملية بناء الوعي الجمعي في ظل الصراع العسكري وعدم الاستقرار السياسي. لذلك الأمر الأهم الآن لبدء عملية الوعي الجمعي هو وقف الحرب والبدء بعملية التسوية السياسية.
ففي حالتي ألمانيا واليابان نجحت عملية إعادة الإعمار في شكل كبير بينما في حالة العراق فشلت في شكل مطلق وليس فقط بالإعمار وإنما أيضاً في إعادة بناء النظام السياسي على أسس ديموقراطية. ودليل هذا الفشل الذريع في العراق هو سيطرة «داعش» على كبريات المدن العراقية الموصل خلال فترة وجيزة جداً. الاحتلال ليس هو العامل الحاسم لفشل أو نجاح مشروع إعادة الإعمار، بل إنّ العامل الحاسم في حالة اليابان وألمانيا كان في وحدة النخب وفي إنتاج حكومة قادرة على توحيد السوريين على هدف واحد وهو إعادة الإعمار وإعادة بناء سورية.
للأسف الشديد لا نجد اليوم قيادات في سورية عليها إجماع مجتمعي، وأيضاً ليس هناك تصور قريب لطريقة وآلية إنهاء هذه الحرب ولذلك، يبدو المستقبل السوري غامضاً أكثر من حالة العراق عام ٢٠٠٣ حيث تم الحفاظ وقتها على الحكومة المركزية. الآن نحن في سورية أسوأ من هذا الوضع بكثير بسبب غياب فكرة الحكومة المركزية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وفي المقابل فإنّ المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام تقع تحت حكم حكومة مركزية لكنها فاقدة للشرعية بسبب سياساتها الممنهجة لقتل وتعذيب السوريين.
سورية بالنسبة الى القانون الدولي لا تعتبر تحت الاحتلال في وضعها الحالي، فالأمم المتحدة ما زالت تصنف حكومة الأسد حكومة شرعية على رغم عدم شرعيتها بنظر غالبية السوريين، بالتالي فإن الوجود الروسي هو بطلب من الحكومة السورية. ولذلك أفضل حل بالنسبة الى سورية اليوم هو الدخول تحت الإدارة الانتقالية للأمم المتحدة كما جرى في حالة تيمور الشرقية، ففي الحالة السورية يمكن هذه الإدارة الأممية بالتعاون مع الإدارة السياسية الوطنية تهيئة الأجواء للانتخابات ومن ثم انتقال إدارة البلاد للقوى السورية المنتخبة. هذا الحل يعني بالطبع وجود قوات عسكرية أممية على الأراضي السورية (القبعات الزرق) لضمان حصول الانتخابات وتحقيق الأمن في الفترة الانتقالية. إنّما حتى هذا السيناريو يبدو غير متاح في الحالة السورية بسبب تعدد الفئات المتصارعة على الأراضي السورية، بالتالي لن تجد بلداناً ترغب بإرسال جنودها لهكذا مهمة في بلد تعد الأخطار فيه عالية جداً. وعلى رغم صعوبة حصول هذا الأمر يبدو بحسب المعطيات الراهنة أنّ هذا هو الحل الوحيد على الأرض بعد الاتفاق السياسي لإنهاء العنف والاقتتال، ومن دون هذا السيناريو لا يبدو أنّ الظروف مهيأة لإنهاء الحرب.
الرسالة الوحيدة لكل مسار آستانة، والبحث المتشعب بـ«مناطق خفض التصعيد»، ومفاوضات عمان، والاتفاق الكبير في هامبورغ بين الرئيسين ترمب وبوتين، بشأن الهدنة في الجنوب السوري تحت رقابة روسية بمشاركة أميركية وأردنية، وكل الاتصالات الأميركية الروسية منذ زيارة الوزير تيلرسون إلى موسكو في أبريل (نيسان) الماضي، تؤكد المؤكد، وهو أن المفاوضات الجدية بشأن الأزمة السورية لا تدور بين السوريين، وأن الاتفاقات الكبرى باتت بين الكبار خارج مسار جنيف، وخارج رعاية الأمم المتحدة.
في الجولة السابعة من مفاوضات جنيف الأخيرة، التي أكد خلالها السيد دي ميستورا، أنه يتوقع إنجاز التسوية السياسية قبل نهاية العام الحالي، لم يكن يتحدث عن تقدم في مجرى جنيف، بل كان يشير إلى المفاوضات الموازية، بمعنى أن سوريا لم تُترك لمصيرها، وهي مركز اهتمام الكبار، الذين يطرحون سيناريوهات عن كيفية تسهيل التوصل إلى تسوية الأزمة السورية بأبعادها المختلفة. فالسيد دي ميستورا كوفود المعارضة ووفد النظام، يعرفون أن هناك سريالية في البحث بمكافحة الإرهاب، والدستور الجديد، وحتى حكومة جديدة، من دون أي بحث أو اتفاق على أسس التسوية السياسية، وحتى من دون وجود أي تفاوض مباشر بين وفود النظام والمعارضة. في العمق كل أطراف جنيف، بما فيها الموفد الأممي، يعرفون أن ما يقومون به أشبه بعمل خبراء يناقشون ملفات منفصلة، في حين التفاوض الحقيقي في مكان آخر، بعدما سلّم النظام بالقرار الروسي، وراهنت المعارضة على تفعيل إيجابي للدور الأميركي، وهو الأمر الذي بدأ يتقدم مع تسلم إدارة الرئيس ترمب.
منذ التدخل العسكري الروسي العنيف والواسع في سوريا، رسمت موسكو ما تريده من خلال تغييرها ميزان القوى بالقوة العسكرية، سعت منذ البداية لإبرام صفقة مع الأميركيين، تؤكد من خلالها أنها شريك استراتيجي في معالجة كثير من القضايا الدولية، ومنها أن دورها من القرم وأوكرانيا إلى سوريا ومنطقة المتوسط، ثابت وخارج النقاش. بالمقابل عبّرت عن جاهزية للإقرار بأدوار الآخرين وحصصهم، ولنتذكر أن موسكو منذ أن قلبت ميزان القوى العسكري في سوريا ميدانياً رفضت المضي بالحل العسكري، كما أراد النظام السوري وحليفه الإيراني، بل أكدت أن الحل السياسي هو هدفها، وتلافياً لأي التباس لم تشر يوماً إلى الحل العادل، وهي ببساطة في كلِّ هذا النهج حاذرت أن تتحول قوة قتال أرضي كي لا تسقط في فخ يستنزفها، بل تحكمت في سياق المواجهات وحجمها، وأبرمت تفاهمات إقليمية مع إسرائيل والأردن وتركيا، ولم تُسقط رغبات أطراف إقليمية أُخرى، قوام هذه التفاهمات أنه لا يمكن الذهاب إلى أي حل إلاّ بالتوافق، ولكن البداية تكون مع الأميركيين لأنه من دون التوافق بين موسكو وواشنطن لن تضمن الأولى الإقرار بمصالحها ودورها. الترجمة الأولى كانت اتفاق كيري - لافروف الذي أسقطته إدارة الرئيس أوباما، فاتسع القتال في سوريا، ومعه التداعيات على المعارضة الآخذة في التفتت، والنظام الذي أُصيبت قواه بالهذيان، ومعه الأذرع العسكرية للحرس الثوري التي عجزت عن أي انتصار حقيقي، من دون التغطية والحماية الجوية الروسية.
الرئيس ترمب منذ تسلمه الزعامة الأميركية حدد اقتلاع «داعش» والإرهاب هدفا أول، وحددت الإدارة الأميركية هدفها الثاني وهو تحجيم النفوذ الإيراني، بعدما اعتبرت أن إيران هي الجهة التي زعزعت الاستقرار في المنطقة، وبعد جريمة استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون، والضربة الأميركية التأديبية على الشعيرات، اعتبرت واشنطن أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، لكن لا واشنطن ولا أي طرف غربي وضع شرطاً لاستئناف المفاوضات إزاحة الأسد مسبقاً، بل إن مفاوضات تيلرسون في موسكو طرحت كثيرا من الخيارات، التي يتم العمل عليها، وإذا كانت واشنطن قد وضعت مناطق خفض التصعيد تحت المجهر، فإن التوصل لإعلان الجنوب السوري منطقة آمنة، مثّل خطوة متقدمة جداً على طريق تحقيق الأهداف الأساسية التي وضعتها واشنطن، وهي أهداف يفترض إنجازها تعاونا أميركيا - روسياً وهذا ما جرى، فالاتفاق المذكور أخرج الأذرع العسكرية للحرس الثوري من كل الجنوب وبعمق يتجاوز الثلاثين كلم، ومن منطقة امتدت من القنيطرة في الجولان وحتى التنف. وتكريس الجنوب السوري منطقة آمنة يعني عودة مئات ألوف اللاجئين إلى الأردن، ما يمثل تخفيضاً للأعباء عن الأردن، ويحقق مطلبا سوريا بالعودة، وأساساً يمنع قوى التطرف والإرهاب اللعب على أوتار الصراعات الدينية والعرقية ومقتلة الهويات فيحول مخيمات النزوح إلى حاضنة للإرهاب، وقنابل موقوتة يتم تفجيرها على الطلب.
في أوساط المعارضة السورية تأكيد أن لا أولوية تتقدم وقف النار، الذي يخفض الأعباء الملقاة على عاتق السوريين، وما حصل يعد إنجازاً قياساً على السابق، والمطلوب تعميم وقف النار ومناطق آمنة تُسرع من عودة اللاجئين، وهذه الأهمية أبرزتها كل الأطراف، فأكد الرئيس الأميركي الأربعاء الماضي أن «واشنطن وموسكو يمكنهما العمل معاً في سوريا وقضايا أخرى كثيرة». والأمر ذاته أكده الكرملين، ووصفه السيد غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بأنه «في هذه المرحلة خطوة مهمة نحو الحد من العنف، ويتماشى مع السعي إلى تحقيق هدف وقف النار الشامل على نطاق سوريا». ومع إعادة الاعتبار لمقترح روسي قديم بإنشاء مجلس عسكري، توضع بين يديه صلاحيات واسعة، محصورة اليوم بيد الرئاسة، ويضم ممثلين عن الجيش السوري والمعارضة المسلحة التي خرجت عنه، وعمليا فإن 219 مجموعة عسكرية من المعارضة المسلحة، أنجزت «مصالحات» مع النظام بإشراف «حميميم»، تمّ دمجها في وحدات عسكرية يشرف عليها الضباط الروس مثل الفيلق الخامس وسواه... وبالتوازي، دعا الوزير الروسي لافروف المعارضة إلى «عدم انتظار وضع دستور سوري جديد لبدء بحث مشاركتها في إدارة شؤون سوريا».
وبعد، فما يجري على أرض الواقع في سوريا هو ما تريده موسكو وهو يمثل الرؤية الأميركية، وعبثاً البحث عن أمر آخر. وتعاون البلدين مرشح للتطور رغم العواصف السياسية والإعلامية، انطلاقاً من الزعم بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وبقدر ما يتقدم وقف النار يتعزز الإشراف الدولي الثنائي أساساً على سوريا، وتتراجع احتمالات تحول مناطق النفوذ الآنية إلى حالات تقسيم، ويكون ممكناً تبلور ظروف تصححُ من العملية السياسية، وتحد من الاستئثار بالسلطة، وتضع سوريا على خط الحد من التهميش، الذي طال أوسع الأوساط السورية، ومحاصرة نفوذ وأدوار الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران.