مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٨ يوليو ٢٠١٧
في سوريا دول وحروب وصفقات وأمل

منذ اجتماع هامبورغ بين الرئيسين الأمريكي ترامب والروسي بوتين، في السابع من الشهر الجاري، على هامش «مؤتمر العشرين»، والإعلان عن اتفاقهما على منطقة «خفض التصعيد» في جنوب سوريا، بمشاركة الأردن، وسيل التكهنات لا يتوقف حول مضمون الاجتماع فيما خص المشكلة السورية. هل هو اتفاق موضعي أم ينطوي على صفقة سياسية أوسع بصدد مستقبل سوريا؟ هل هو اتفاق قابل للحياة أم وقف هش لإطلاق النار سرعان ما سيتداعى أمام تناقض أجندات الفاعلين الدوليين والاقليميين؟ هل يطوي الاتفاق الجديد مسارات جنيف وآستانة أم يتحرك في مسار موازٍ لهما ومتكامل معهما؟

ويعود السبب في هذه الحيرة إلى أن مضمون التوافق الأمريكي ـ الروسي الجديد هذا غير معلن، إلا فيما خص بعض الجوانب الإجرائية من عملية «خفض التصعيد» وآليات مراقبتها وضبطها. وحتى هذه اصطدمت سريعاً بتصريحات متناقضة بشأنها من الأميركيين والروس، بما يوحي وكأن الاتفاق لن يتحقق على الأرض. ربما يمكننا تلمس بعض الإشارات من ردود فعل بعض الأطراف المعنية، وتحديداً إسرائيل وإيران. فبحكم الجوار الجغرافي المباشر للمنطقة المحددة المشمولة بالاتفاق، كان على إسرائيل أن تقول كلمتها. وقالتها، بعد تلكؤ، على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو الذي عبر عن عدم رضا تل أبيب. في حين جاء الموقف الإيراني سريعاً ومحيراً. فعلى لسان الناطق باسم الخارجية، لم تعلن طهران رفضها للاتفاق، ولا أبدت حماسةً له. بدا شيء من التحفظ غير الصريح في الموقف الإيراني الذي طالب بأن يشمل الاتفاق جميع الأراضي السورية! اتفاق أمريكي ـ روسي يستبعد أي دور لطهران، وتطالب هذه الأخيرة بتوسيعه ليشمل كل سوريا؟ هذا يعني أحد احتمالين: إما أنها حققت مكاسب ولا تريد التشويش على الاتفاق بإعلانها على الملأ، أو أنها خضعت لأمر واقع أكبر من قدرتها على المواجهة ولا تريد الظهور بمظهر الخاسر.

ينطبق الأمر نفسه على موقف إسرائيل المفاجئ. فقبل إعلان نتنياهو عدم رضى إسرائيل عن الاتفاق، كانت التخمينات تذهب إلى مشاركة إسرائيلية سرية في صياغته، إلى جانب الروس والأمريكيين والأردنيين. ذلك لأنه لا يمكن تصور استبعادها من تقرير مصير منطقة تعتبرها امتداداً لأمن كيانها، من قبل الروس والأمريكيين على حد سواء. لذلك بدت تصريحات نتنياهو مفاجئة، مما اضطر وزير الخارجية الروسي إلى التأكيد على حرص بلاده على مصالح إسرائيل وهواجسها الأمنية.

النظام الكيماوي، من جهته، فضل التزام الصمت الذي يعتبر علامة رضى، في حين فضل حسن نصر الله الاحتفال بتحرير الموصل والاستعداد لخوض معركة جرود عرسال، على التعليق على الاتفاق الأمريكي ـ الروسي الذي من المفترض أنه يعني بصورة مباشرة استراتيجية حزب الله في المنطقة الجنوبية من سوريا التي كان يعول على التمركز فيها تعويضاً عما فقده في جنوب لبنان بعد حرب العام 2006. الأمر الذي لا يمكن لإسرائيل أن تقبل به.

الأسابيع الثلاثة التي انقضت بعد إعلان الاتفاق الأمريكي ـ الروسي، شهدت جملة من التطورات قد تكون كاشفة جزئياً لبعض مضامينه:
توقفت أخبار حملات الميليشيات الشيعية التابعة لإيران باتجاه معبر التنف الحدودي، مقابل تصاعد تحضير حزب الله الأجواء اللبنانية لمعركة جرود عرسال، وكانت بدايتها مع مداهمة وحدات من الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين السوريين، في محاولة لكسب غطاء «وطني» للمعركة القادمة. وهو ما نجح حزب الله في تحقيقه بصورة ملحوظة ومؤسفة. فلأول مرة منذ انخراط حزب الله العسكري في الصراع السوري، يحقق إجماعاً سياسياً لم يحظ به إلا في العام 2000 حين انسحبت إسرائيل، بقرار أحادي، من الأراضي التي كانت تحتلها في جنوب لبنان. مؤسف هذا «الإجماع الوطني» لأنه في الحالتين قائم على أكاذيب: أكذوبة «التحرير» في الحالة الأولى، وأكذوبة محاربة الإرهاب في الحالة الثانية المدعمة بدور مزعوم للجيش اللبناني. لا بد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن «الإجماع» المذكور هو إجماع الطبقة السياسية الحاكمة، أي قادة الطوائف المتحالفة في إطار الحكومة، ولا يعبر بالضرورة عن حالة وطنية عامة. ذلك لأنه تم قمع محاولات التعبير عن رأي عام مخالف لهذا «الإجماع» بشدة بلغت التهديد بالقتل على لسان إبراهيم الأمين رئيس الكتيبة الإعلامية لحزب الله الإيراني في لبنان. فلا يمكن، في ظل هذه الشروط القاهرة، معرفة حجم المعارضة الاجتماعية للحزب الإيراني ودولته في لبنان.

إلى ذلك جاءت مفاجأة ثانية، هذه المرة من القاهرة: اتفاق خفض التوتر في الغوطة الشرقية بوساطة من أحمد الجربا! وذلك بعد مفاوضات في القاهرة بين الفصائل العسكرية المعنية وروسيا، مع غياب تام للنظام الكيماوي الذي «ضمنته» روسيا. يمكن أن نقرأ «دولة الإمارات» بدلاً من أحمد الجربا، بالنظر إلى علاقة متينة بينهما هي التي تمنح الرئيس السابق للائتلاف الوطني المعارض وزنه التمثيلي. ترى هل يمكن القول إن هذا الاتفاق بشأن خفض التصعيد في الغوطة الشرقية هو الحصة التي ارتأى الروسي تقديمها لمحور السعودية ـ الإمارات ـ مصر في بازار تقاسم النفوذ في سوريا المستباحة؟ وهل كان إعلان جيش الإسلام ـ أكبر فصيل عسكري في الغوطة الشرقية ـ عن حل نفسه تمهيداً للانضمام إلى «جيش وطني»، قبيل الإعلان عن اتفاق القاهرة، هو العربون الذي قدمه المحور المذكور لروسيا لإنجاح الاتفاق؟ أما في الشمال، فأبرز التطورات تمثل في حرب جبهة النصرة ضد أحرار الشام في محافظة إدلب ومناطق مجاورة في ريف حلب الغربي وريف حماه الشمالي.

حرب انتهت سريعاً لمصلحة «النصرة» فيما يذكر بسيطرة داعش على الرقة أوائل العام 2014، بعدما كانت حركة أحرار الشام تشاركها في السيطرة على المدينة. قد لا تكون هذه الحرب الفرعية على صلة بتطورات الجنوب، بل مرتبطة أكثر بمسار آستانة وما يحتمل من حصول تركيا، في إطاره، على «الحق» في السيطرة على محافظة إدلب بموافقة روسية.

فإذا أضفنا إلى ذلك، حرب التحالف الدولي ضد داعش في الرقة ومناطق أخرى، بقوات كردية في إطار «سوريا الديمقراطية»، لظهرت أمامنا لوحة من الصراعات المنفصلة بعضها عن بعض، تديرها قوى إقليمية ودولية مختلفة، في مناطق مختلفة مما كان يسمى سوريا. لوحة قاتمة لا مكان فيها لإرادة السوريين.

لكن خياراً آخر لاح كضوء في نهاية النفق المظلم والدامي: بلدة سراقب في الشمال، وسقبا في ريف دمشق، حيث تم انتخاب المجلسين المحليين باقتراع شعبي مباشر. نعم، هناك أمل ما زال.

اقرأ المزيد
٢٨ يوليو ٢٠١٧
روسيا توسّع الشراكات في سورية... رقعة إيران تتقلّص

في النهاية لم توضح الإدارة الأميركية أي سياسة جديدة لها في سورية، ومضى شهران على الموعد الذي حدّدته مبدئياً للإفصاح عن استراتيجيتها التي استُبقت بتصميم متكرّر على تقليص النفوذ الإيراني، وثلاثة شهور على الضربة الصاروخية لمطار الشعيرات التي بُنيت عليها حساباتٌ وتكهناتٌ كثيرة. كان يؤمل من أي استراتيجية جديدة بأن تقطع مع سلبية الإدارة السابقة، وأن تعيد شدّ عصب المعارضة سياسياً من دون أن يُتوقّع منها إنعاشها عسكرياً في المناطق القليلة التي بقيت في يدها. وبعدما ارتبكت روسيا لوهلة حيال التحركات الأميركية الأولى، فإنها ما لبثت أن تكيّفت معها وامتصّت انعكاساتها، ثم انتقلت مع أول لقاء بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في هامبورغ إلى إبرام اتفاق مختلف نوعاً بالنسبة إلى درعا والقنيطرة في الجنوب الغربي، ما أعطى قوة دفع لترتيباتها مع إيران وتركيا في شأن منطقتين لـ «خفض التصعيد» وليس أربعاً، كما في الاتفاق الأوليّ. لكن الغوطة الشرقية لدمشق، وهي جزء من إحدى المنطقتين، شهدت أخيراً اتفاقاً على وقف النار أنجزته روسيا مع المعارضة، بوساطة مصرية، وألزمت به النظام السوري. أما المنطقة الرابعة، وهي إدلب، فتخضع لتنسيق روسي - تركي غير بعيد من الجانب الأميركي.

كان «مسار آستانة» تلكّأ بسبب خلافات أطرافه، لذا عمدت موسكو إلى تجزئته لتتمكّن من تسييره، في ما يُنظر إليه على أنه توزيع لمناطق النفوذ بشروط روسية. في الأساس، كانت إيران تفضّل شراكة ثنائية مع روسيا تشمل كل سورية، ثم قبلت على مضض إشراك تركيا في صيغة آستانة، لكنها تجد الآن أن مشاركتها تتقلّص لتقتصر على وسط سورية (من دمشق إلى حلب مروراً بحمص والقلمون) حيث تنتشر ميليشياتها إلى جانب وجود شكلي لقوات النظام. لذلك، تسعى طهران إلى تعزيز سيطرتها على هذه المنطقة، ومعركة جرود عرسال جزء من هذا التوجّه، لإبعاد أي فصائل مقاتلة عنها واستكمال مدّ السيطرة وتواصلها مع الحدود والأراضي اللبنانية. ويبدو الإيرانيون أنهم يستبقون على الأرض أي تنسيق أو ترتيبات قد يطلبها الروس لتحقيق نوع من الانسجام بين المسارات كافة، مع الأميركيين والمصريين والأردنيين والأتراك.

في هذا السياق، تلقّت موسكو «الأخبار الممتازة التي طال انتظارها»، وفقاً لقيادي برلماني روسي في وصفه قرار ترامب إلغاء برنامج تسليح لفصائل معارضة كانت ترعاه وكالة الاستخبارات الأميركية. وقيل أنه قرار يرمي إلى «تحسين الأجواء» في العلاقة مع روسيا، لكنه يذهب أبعد من ذلك بتأكيد التوافق الأميركي مع روسيا على تصفية المعارضة المسلحة، وهو توجّه أقرّته إدارة باراك أوباما من دون الجهر به إلا أنه أصبح الآن «رسمياً» مع إدارة ترامب. هذه الخطوة لا تغيّر معالم الخريطة العسكرية الحالية لسورية، إلا أنها تلبي هدفاً رئيسياً لروسيا، وهو إنهاء أي قتال ضد نظام بشار الأسد، إذ تعتبره موسكو شرطاً لازماً لتحريك أي مفاوضات سياسية لحل الأزمة. وبالطبع لم يلغِ ترامب برنامج البنتاغون لدعم «قوات سورية الديموقراطية» وقوات «جبهة الجنوب» وأي فصيل قد يعتمد عليه في الحرب على «داعش» في دير الزور وغيرها، ذاك أن هذه القوات دُرّبت وجهّزت وسلّحت بشرط عدم مقاتلة النظام.

هل ينطوي قرار ترامب، كما يقول ناقدوه الأميركيون، على اعتراف بمحدودية النفوذ الأميركي وبالهيمنة الروسية على سورية، وعلى قبول ببقاء الأسد في منصبه، وعلى «منح عاصمة عربية أخرى للإيرانيين»؟ ليست هناك مؤشّرات تنفي أيّاً من هذه الاستخلاصات، وهي منطقية في ما يتعلّق بالأفضلية التي تمتلكها روسيا في إدارة الملف السوري، فطالما أشارت واشنطن إلى أن لا مصالح لها داخل سورية، لكنها فرضت نفسها لاعباً وشريكاً سواء باستخدام المعارضة سابقاً أو باستخدام حلفائها الإقليميين دائماً، بل إن موسكو أصرّت في مختلف المراحل على التفاهم مع واشنطن في شأن سورية كجزء من تفاهمات أكثر شمولاً تتناول ملفات لا علاقة لها بسورية. أما بالنسبة إلى الأسد وإيران فتكثر الافتراضات، لكن قرار إنهاء دعم المعارضة بعد أسبوعين على قمة ترامب - بوتين يوحي على الأقل بأن الجانب الأميركي لم يعد يعطي أولوية لـ «مصير الأسد»، بل لدفع الخطط الروسية والتأثير فيها ولو في شكل غير مباشر، كما فعل لتعديل منهج آستانة رافضاً الاعتراف لإيران بشراكةٍ ودورٍ لا تستحقهما. ولعل واقعية هذا الموقف فرضت نفسها على روسيا، إذ يوضح بعض مصادرها أن وجود إيران في «مسار آستانة» حال دون تقدّمه، كما أن وجود ميليشياتها في ما يسمّى «قوات النظام» بات يحبط إصرار موسكو على استعادة النظام السيطرة على مناطق سورية كافةً.

على رغم أن هذه المعطيات تتكرّر في تحليل الإشكال الروسي - الإيراني، إلا أنه لا يمكن البناء عليها لاستنتاج سيناريوات مواجهة لا يريدها الطرفان ولا يسعيان إليها. لكن عوامل التعارض تتكاثر مع الوقت، ولا بد أن تبرز أكثر كلما توسّعت موسكو في توزيع المناطق والأدوار، وكلما اقتربت من وضع تعتقده «مستقرّاً» أمنياً ومساعداً على تحريك التفاوض السياسي، إذ إن طهران تملك ورقة تخريب الحلول، إمّا بالتوتير على الأرض أو بتحريض «جناحها» في النظام، وقد لعبت هذا الدور في مراحل عدّة لعل أحدثها غداة اتفاق وقف النار في الغوطة الشرقية وإعلان النظام التزامه بالتزامن مع هجمات جوية وبرية نُسبت إلى «قواته». وسبق أن حاول الإيرانيون إسقاط هدنة الجنوب الغربي قبل أن يتوصّل الأطراف إلى وضع آليات ثابتة لمراقبتها.

مع وجود أربعة أطراف، أميركا وتركيا ومصر والأردن، إضافة إلى أطراف أخرى يصعب تجاهلها، تحاول جميعاً العمل مع روسيا وعبرها لبلورة ظروف ميدانية جديدة ومنسجمة في مناطق القتال، تحديداً بضبط فصائل المعارضة وبفرض وقائع على النظام حتى لو أدّت إلى تحجيم طموحاته، لا بدّ لإيران من أن تتكيّف مع التطوّرات ومع ما يدعمه المجتمع الدولي، أو تنفرد بموقف يكشف سعيها إلى إدامة الصراع، ما لم تحصل على «ضمانات» مسبقة لمصالحها في سورية، وامتداداً في لبنان. عملياً لن تنجرّ روسيا إلى مواجهة مع إيران، بل تواصل التشاور الدوري معها، لكن الاتفاقات التي تعقدها مع كل تلك الأطراف تقود تلقائياً إلى تطويق الدور الإيراني ورسم حدود له. كما أن استكمال نهج «خفض التصعيد» والتوجّه إلى ترجمته سياسياً في رعاية روسية - أميركية، خلال شهري أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر) المقبلَين، يثيران أيضاً توجّسات إيران التي ستجد شيئاً فشيئاً صعوبة في استخدام الأسد ونظامه للتأثير في ما سيُطرح من خيارات أو تعطيلها.

ثمة خللٌ دائم، جوهري وموضوعي، في الخطط الروسية كما في الأميركية، لكن مع بعض الفوارق الشكلية. فهي إذ تسعى إلى تصفية المعارضة المسلّحة تنحاز بوضوح إلى الطرف الآخر، أي نظام الأسد، ولا توازن انحيازها بتعامل جدّي مع المعارضة السياسية ومطالبها المعبّرة بنسبة كبيرة عن طموحات الشعب الذي انتفض ضد هذا النظام. في المقابل، تبدي دولٌ غربية عدة استعداداً براغماتياً لغضّ النظر عن استمرار الأسد في السلطة، وهي لا تبحث في موازنة الفظاعة التي ترتكبها بتشديد الشروط لبقائه أو بدعم الخيارات الصحيحة لتحقيق الانتقال السياسي، بل إنها تستخدم هذه الورقة في مقايضات تجارية أو سياسية مع روسيا وإيران من دون أي اعتبار لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ستبقى في سجل النظام مهما بذل من جهد لتلميعه وتعويمه. وإذا كان الجميع يتغطّى بضرورة وقف القتال للذهاب إلى حل سياسي، فإن أي حلّ مبني على هزيمة الشعب وانتصار النظام وتريد روسيا تمريره بالضغط والاحتيال، وبالتفاهم مع أميركا، سيكون محكوماً عليه بالفشل لأنه يضمر استخدام القوة لفرضه. ومن شأن ذلك أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة الشعبية.

 

اقرأ المزيد
٢٨ يوليو ٢٠١٧
معركة عرسال الدونكيشوتية

لا يتردد حزب الله أن يدخل البلد في أتون معاركه في كل مرة يريد أن يحقق مكاسب إقليمية أو داخلية، هو الحاكم بأمره لا يلتفت إلى شركاء الوطن، ومن سأله مرة!! فالفاسدون يهمهم أن يبقوا على تقاسم سرقاتهم، وأصحاب المصالح تسد وترضي مصالحهم، أما هو فعرف من أين تؤكل الكتف منذ انسل في الحياة السياسية اللبنانية عام 1992 إلى اليوم، واستولى على الدولة كالأخطبوط، مرة لا يشارك في الحكومة، ومرة يترفع عن الوزارات السيادية بحجة أنه حزب مقاوم، وكان يتغلغل في عمق هذا البلد المهترئ.

لا يفوّت حزب الله فرصة لإظهار فائض القوة عنده وهو بذلك تطور، إذ كان في السابق متواضعاً قليلا، ويحسب حساب شركائها على قطعة الأرض هذه المسماة لبنان.

أما ومن بعد التسوية الرئاسية الأخيرة أُطلقت يد حزب الله الحاكم بأمره الآمر الناهي، المايسترو، والكل يدور في فلكه، دولة رئيس الوزراء يريد أن يخرج البلد من أزمته الاقتصادية كيفما يكن، وهو بذلك يحاول بشتى الوسائل التي لم تعد تجدي نفعاً لهذا البلد الغارق في الإفلاس، ونتيجة لدخول سعد الحريري في بازار التسوية الرئاسية كانت انعكاساتها عليه سلبا وعلى البلد تخريبا، منذ سنة تقريبا، إذا ساوم من جهة طامعون في المناصب هواة سياسة أي التيار العوني ومن جهة حزب الله المنفذ لسياسة الأخطبوط الإيراني في المنطقة.

منذ عام 2000 وحزب الله يمنن اللبنانيين بانتصاره الجنوبي، ويقيم المربعات الأمنية كيفما وأينما يشاء دون حساب، ويكفي أن تمر شاحنة أو سيارة له على أي حاجز لبناني ويعرف سائقها بكلمة "مقاومة" حتى يستطيع أن يمر دون تفتيش، جاءت حرب 2006 ودفع لبنان ثمنها حجرا وبشرا، وكان التبرير "لو كنت أعلم" ومن ثم محاولة السيطرة على بيروت عام 2008.

جاءت الحرب السورية وأخذ حزب الله القرار بالتدخل دون مشاورة أحد مع أنه فريق سياسي على طاولة مجلس الوزراء وضمن طاولة الحوار اللبناني، ضرب بعرض الحائط كل مكونات البلد، ودخل الأراضي السورية كطرف ضد طرف، بغض النظر عن كل التبريرات التي أعطيت، ودفع لبنان ومازال يدفع وسوف يدفع في المستقبل ضريبة هذا التدخل.

إلى أن استفاق اللبنانيون على معارك جرود عرسال حدد حزب الله الساعة صفر لضرب المسلحين الذين يتحصنون منذ 3 سنوات في تلك الجرود وهو يعلم بوجودهم، فلماذا لم تشن هذه المعركة الدونكيشوتية على المسلحين يوم خطف العسكريون على الأقل كان هناك مبرر؟؟ ما سبب هذه الحرب المبالغ بها وتكبير "العدو" وتصوير "أبو مالك التلي" كأنه بنيامين نتنياهو يدير المعركة، واستعمال مصطلحات النصر وما إلى ذلك وكأنها معركة وجود الأمة تدار من جرود عرسال؟ وهذه التغطية الإعلامية الموسعة وهذا التوقيت بالذات، كما أن هذه "الحرب" على المسلحين كان الأجدى بالدولة اللبنانية القيام بها ومداهمة المسلحين منذ اختطاف جنودها وذلك بحث آخر.

علما أن هذه "الحرب" سبقتها حملة عنصرية قبيحة على النازحين السوريين هدفها تشويه صورة النازح المعدم وتحميله كل صفات الإرهاب والتطرف.
إذاً هل حزب الله يفتعل معركة هنا ليداري خيبة في مكان آخر؟ وهل صحيح ما حكي عن الاتفاق الروسي - الإيراني في الجنوب السوري والذي قام على إخراج إيران وحزب الله من تلك المناطق، حيث كشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن البلدين "سيحرصان على أخذ مصالح إسرائيل في الاعتبار عند إقامة مناطق عدم تصعيد في سوريا"، في رد، غير مباشر على تصريح لرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وقوله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن هذه المناطق "تكرس الوجود الإيراني في سوريا"، وإنه أمر يقلق حكومته. وقال لافروف بالحرف "إن واشنطن وموسكو فعلتا كل ما في وسعهما لمراعاة مصالح إسرائيل"، وإن لقاءاتهما التمهيدية شملتها، فقام حزب الله بالارتداد إلى الداخل اللبناني وكي لا يعود خائبا أراد أن يعود منتصرا فعاد بالنصر ولو من جرود عرسال؟

الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة مع الخريطة الجديدة لـ "سوريا المفيدة".

ذلك أن المنتصر لا ينقض على شركاء الوطن بلغة التخوين والتهديد والوعيد لكل من يخالف أسلوبه في إدارة البلد، حزب الله يريد من الناس كل الناس في هذا الوطن الصغير أن يطأطئوا الراس ويوافقوا في كل مرة أراد أن يدخل مشروعا، مشروعه هو أي مشروع إيران في المنطقة وليس مشروع الوطن.

والأجدى به إن كان يحمل هم الأمة كما يقول أن يمد يده إلى شركائه وليس الإصبع عند الشاردة والواردة وإرسال التهديدات عبر كتّابه وكأنه "أمر اليوم" بل ترك الناس تتنفس الصعداء طالما يقول إنه خلص البلد من "الإرهابيين"، أن يكون تخليص البلد من "الإرهاببين" في الجرود وإرهاب الناس في الداخل عبر إسكات حق التعبير وتكميم الأفواه.

وتلك المعزوفة وحملات التخوين بوجه من يخالف حزب الله أصبحت لغة ممجوجة آن لها أن تنتهي لأنها أصبحت مكشوفة، ولأن هذا البلد مازال دولة ويخضع للقوانين الدولية، معركة عرسال هي معركة لذر الرماد في العيون وأن الغد لناظره قريب.

اقرأ المزيد
٢٨ يوليو ٢٠١٧
في علاقات الضمير اللبنانية ـ السورية

في خطوة تمت قبل أيام، وقع مائتان وخمسون لبنانياً من الكتاب والصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين وفي المجتمع المدني، بياناً ضد الممارسات التي تطال المدنيين السوريين في لبنان.

وقال بيان الناشطين اللبنانيين، إنه انطلاقاً «من موقع إيماننا بلبنان وطناً للحرية والتعدد واحترام حقوق الإنسان»، و«إن الجيش ينبغي أن يكون الطرف الوحيد المسلح في هذا البلد، نعلن رفضنا القاطع، واستنكارنا لبعض الممارسات المقززة بحق المدنيين السوريين، الذين اضطرتهم مأساتهم إلى اللجوء إلى بلدنا». وأضاف البيان، أن ما يرافق هذه الممارسات من حملات تحريض على السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف وشاشات التلفزيون، أو على ألسنة بعض السياسيين، لا يقل بشاعة عن الممارسات الإجرامية نفسها، وهذه مثل تلك، لا تسيء للسوريين الأبرياء فحسب، بل تسيء أولاً وأخيراً إلى صورة لبنان، كما تنقص من ضمائر اللبنانيين، فما يجري على هذا الصعيد، لا يمثلنا بتاتاً، بل يواجهنا بخيارات حادة، يتعلق بعضها بتنظيف وطنيتنا من شوفينيتها، ويجعل الموقف من اللاجئين، أحد هذه المعايير، التي نريدها صنواً للديمقراطية وحقوق إنسان.

لقد بدت هذه الخطوة متوقعة ومطلوبة. متوقعة لأن لبنان واللبنانيين، لا يمكن أن يكونا متوافقين على نسق من ممارسات عنصرية دموية تم ارتكابها بدم بارد ضد اللاجئين السوريين، وقد سبق وقامت فعاليات لبنانية في السنوات السبع الماضية بأنشطة متعددة، أظهرت مواقف لبنانية سياسية وضميرية حول ما جرى ويجري ضد السوريين، ليس في سوريا وحدها، بل في لبنان أيضاً. وكانت الخطوة متوقعة، ليس فقط، لأن لبنان واللبنانيين، لا يمكنهما السكوت عما جرى في عرسال ومخيماتها، وهو أمر يمكن أن يتكرر إلى مناطق لبنانية أخرى، ينتشر فيها أكثر من مليون لاجئ سوري، مما يعني تحويل لبنان إلى ساحات دم وعنف واضطهاد، ذاق اللبنانيون مرارته في سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) ولا يرغبون في عودته كلياً أو جزئياً إلى حياتهم، بل إن الأهم في ضرورة إصدار البيان، إعادة تصويب النقاش حول وضع اللاجئين السوريين في لبنان، وتأثيراته الراهنة واللاحقة على مستقبل العلاقات السورية - اللبنانية، التي لا يمكن تجاوز قدريتها، ليس بحكم العلاقات التاريخية والاجتماعية فقط، بل بحكم المصالح التي تربط البلدين والشعبين، خصوصاً أن بعض الأوساط اللبنانية والسورية، ذهبت في نقاش القضية باتجاه تأسيس مرحلة من الصراع التناحري بين البلدين والشعبين، وهي خطوة ينبغي أن تتوقف، لأنها لا تخدم البلدين ولا الشعبين في الراهن ولا في المستقبل.

خطوات الضمير اللبناني في العلاقة مع السوريين، ليست طارئة، ولا ظرفية، إنما هي جزء من تاريخ العلاقات السورية - اللبنانية، وخصوصاً في الحالات التي كانت تجور فيها السلطات ضد مواطنيها أو ضد البلد الآخر ومواطنيه، وهو سلوك طبيعي، تكرر في الماضي البعيد، كما في العقود الماضية، وكلف أصحاب الضمير، ولا سيما السياسيين منهم أثماناً باهظة في بعض الأحيان. فبعد اندلاع الأحداث اللبنانية في عام 1975، سعى نظام الأسد في سوريا إلى إحكام قبضته على لبنان أرضاً وشعباً، ثم قرر أن يحول سيطرته في لبنان إلى احتلال مباشر، فدفع قواته للدخول إلى لبنان في صيف عام 1976، وقد قوبلت الخطة باعتراضات سياسية وأخلاقية من جانب قطاع واسع من السوريين، وشارك في الاعتراضات كتاب ومثقفون وفعاليات بينها أحزاب سورية، كان الجوهري في اعتراضاتها، حق اللبنانيين في تقرير مصيرهم ومعالجة شؤون بلدهم دون تدخلات خارجية، ويذكر الذين عاصروا تلك الفترة، أن اعتراضات السوريين ضد رغبة نظام الأسد في احتلال لبنان، كانت بين مقدمات الهجوم على القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية السورية المعارضة، فتم زج كثير من القيادات والكوادر في سجون ومعتقلات النظام، وجرى تشريد مئات منهم في بلدان الشتات وبينها لبنان.

قد يكون الأهم في علاقات الضمير السورية - اللبنانية الأقرب، ما حدث في مايو (أيار) من عام 2006، حيث وقع مئات من المثقفين السوريين واللبنانيين ما عرف باسم «إعلان دمشق - بيروت، بيروت - دمشق»، وطالبوا فيه بوقف تدخلات نظام الأسد في لبنان، ووقف عمليات اغتيال الناشطين والسياسيين في لبنان، وتصحيح العلاقات السورية - اللبنانية، بحيث تقوم على احترام استقلال لبنان وسيادته، وإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، ومعالجة القضايا المشتركة بين البلدين بمستوى الندية.

إن أهمية تلك الخطوة، تنبع من توقيتها كما من مضمونها. ففي المضمون كانت أول نداء علني سوري - لبناني لإعادة صياغة العلاقات بين البلدين والشعبين خارج إطار السيطرة السورية والتبعية اللبنانية، التي كرسها نظام الأسد العسكري - الأمني ما بين 1976 و2005، وإعادة بنائها على أسس موضوعية ووفقاً للقانون الدولي والمصلحة المشتركة للشعبين والبلدين، وهذا من شأنه تعزيز العلاقات الخاصة متعددة الجوانب بين سوريا ولبنان.

وأهمية الخطوة من حيث توقيتها، أنها جاءت في فترة نهوض شعبي سوري - لبناني في مواجهة نظام الأسد في سوريا وامتداداته في لبنان، الأمر الذي كرسته تطورات ربيع دمشق السوري بحراكيه الثقافي والسياسي، وانتفاضة الاستقلال اللبنانية التي أعقبت اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.

تعيد خطوة اللبنانيين في بيانهم الأخير الروح لتضامن اللبنانيين مع السوريين الذين لا يواجهون تداعيات سياسة نظام الأسد الدموية فقط، بل يصبحون فريسة سياسة امتداداته السياسية والأمنية في لبنان، وهي تعكس في الوقت ذاته طموح اللبنانيين إلى بلد حر ديمقراطي ومستقل، يؤمن بحقوق الإنسان ويحرص على العمل بها.

اقرأ المزيد
٢٧ يوليو ٢٠١٧
هذا ليس انتصاراً

صباح الإثنين الفائت، ظنّ اللبنانيّون أنّهم سيفيقون على انتصار: «حزب الله» يهزم خصومه، وخصومنا، في جرود عرسال.

أفاقوا، في المقابل، على تهديد: كلّ من لا يوالي «حزب الله» عميل. جاسوس. خائن. عليه إمّا أن يشرب البحر أو أن يشربه البحر.

هذا كان سيُعتبر تفصيلاً قليل الأهميّة لولا أنّه صوت إعلاميّ، محسوب على حرّيّة الرأي والتعبير وعلى الحقّ في الاختلاف.

نضع الحرّيّات جانباً. فمع المتخمين بمعرفة الحقّ والصواب لا حاجة إلى الحرّيّات وإلى آراء أخرى.

لكنْ، يبقى أنّ من ينتصر يتعلّم الرحابة والثقة في النفس. يدعو خصومه، وقد انتصر، إلى طيّ صفحة الماضي. إلى فتح صفحة جديدة. قد يفتعل ذلك افتعالاً لكنّه سيكون افتعالاً ذا معنى يقتضيه العرف، بل السياسة، بل التمدّن. قد يقول، مثلاً، عبارات من نوع: عفّى الله عمّا مضى. قد يتذكّر الأوصاف القديمة التي نسبتها كتب الإنشاء إلى العرب: «العفو عند المقدرة».

لحظة الانتصار، في حالتنا هذه، كانت هي ذاتها لحظة التهديد والوعيد اللذين يُطلقهما في العادة المهزوم والمحتقن واليائس. والحال أنّ التهديد اكتمل قبل أن يكتمل الانتصار. لكنْ، إذا كان الإعلام يهدّد هكذا، فكيف، يا ترى، يهدّد الأمن؟

في هذا العالم الموحل، حين يأتي صوت التهديد أعلى من صوت الانتصار، وأشدّ اكتمالاً وأسبق ظهوراً، فهذا يعني شيئين متلازمين:

- الأوّل أنّ المنتصر المفترض يستعجل التهديد. يستعجل بناء النظام الأمنيّ المرجوّ. يستعجل الانتقام والثأر. يستعجل «إعادة الربط بين بيروت ودمشق»، أي تعبيد طريق ميشال سماحة وتوسيعها. وأنّه، بالأصل، لم يكن معنيّاً بـ «النصرة» أو «داعش» أو إسرائيل إلّا لأسباب أخرى من بينها... تهديدنا. هذا تقليد يكاد يغدو عريقاً: «الانتصار» في 2000 اكتمل بجرائم 2005. «الانتصار» في 2006 تحقّق عبر غزو بيروت في 2008. هكذا فقط يكون الانتصار الممكن.

- الشيء الآخر أنّ المنتصر غير واثق في انتصاره. لهذا يوضّبه بسرعة على شكل تهديد. تساوره الشكوك في ما خصّ قدرته على إدامة هذا الانتصار. تساوره الشكوك في نفسه. ينظر حوله فلا يجد إلّا صحراء من الهزال. لقد فاز بضربة كفّ سريعة وفرّ. لكنّه يخاف من مستقبل قد يتأخّر، إلّا أنّه يبقى كابوساً ماثلاً في الأفق.

إنّه يعرف أنّ المسألة، هذه المرّة، ليست عبوة تودي برفيق الحريري أو سمير قصير. «الانتصار» بالعبوة مضمون بالطبع. العالم كلّه يُقرّ بالأستاذيّة فيه. بالحرفة الرفيعة والصنعة الدقيقة.

إنّ «منتصراً» كهذا مخيف. قد يكون مخيفاً أكثر من المهزوم الذي يفوقه بشاعة. وفعلاً، المهزوم يبقى أبشع من المنتصر من دون أن يكون بالضرورة أخطر.

إنّه يخيف كثيراً لأنّه لا يكفّ عن الظهور على عكس ما هي عليه الحال. طريقه من غرفة نومه إلى مطبخه يزعمها طريقاً إلى القدس. إنّه مخيف أيضاً لأنّه يفعل ما لا يُفعل، بما في ذلك تحويل الإعلام إلى آلة تهديد للزملاء ولغير الزملاء. لكنّه، قبل ذلك وبعده، مخيف لأنّه يطرد سواه من «الشعب». لأنّه يعتبر أنّه ومن لفّوا لفّه هم وحدهم «الشعب». سواهم «أنصار الإرهاب»!

انتصار طرف كهذا – وليكن على «داعش» أو «النصرة» أو إسرائيل – هزيمة. لن يُبتزّ أحد بالطبيعة القبيحة للطرف الآخر، لكنّ أحداً ينبغي ألّا يُبتزّ بالطبيعة المثيرة للغثيان في هذا الطرف.

اقرأ المزيد
٢٧ يوليو ٢٠١٧
ماذا بعد سيطرة هيئة تحرير الشام على محافظة "إدلب"

تمكنت هيئة تحرير الشام من فرض سيطرتها على محافظة إدلب بعد معارك مع حركة أحرار الشام التي كانت تسيطر على معظم مناطق المحافظة، حيث انتهى الاقتتال بين الطرفين إلى توقيع وثيقة صلح تضمنت انسحاب حركة أحرار الشام من معبر باب الهوى ومن مدينة إدلب مركز المحافظة.

وبذلك تصبح الهيئة بحكم المسيطرة فعلياً على كامل محافظة إدلب باستثناء بعض المناطق التي تخضع لسيطرة بعض الفصائل الصغيرة والتي تربطها بالهيئة معاهدات ومواثيق تدفع من خلالها الأخيرة ضرائب وإتاوات للهيئة مقابل ابقائها وعدم التعرض لها في أماكن تواجدها.

وقد فرضت الهيئة حصاراً خانقاً على فصيل صقور الشام المتواجد في القسم الشرقي من جبل الزاوية والذي يعتبر آخر الفصائل التي لم تخضع للهيئة، وأسفر الحصار المفروض عن توقيع اتفاق بين الطرفين يقضي بفض النزاع وعودة الأمور بينهما إلى ما كانت عليه قبل الاقتتال الأخير بحسب ما قال الشيخ بسام أبو عطا مسؤول لجنة التفاوض.

وأضاف الشيخ بسام أن الهيئة كلفت لجنة برئاسته لمتابعة الأمور العالقة بين صقور الشام وبين الهيئة والتي بدأت بتوقيع الاتفاق الذي ينص على وقف الأعمال العسكرية بين الطرفين والالتزام بهدنة كاملة ورفع الحواجز في المنطقة وعدم التعرض لأي شخص من الطرفين وإطلاق الأسرى ثم تشكيل محكمة لتفصل بالمسائل العالقة بين الطرفين وتعود الأمور إلى طبيعتها.  

وعملت هيئة تحرير الشام على القضاء على أهم الفصائل العسكرية في الشمال السوري، حيث كانت البداية مع جبهة ثوار سوريا التي حاربتها بتهمة العمالة والفساد وتمكنت من دخول قرية دير سنبل مسقط رأس قائد الجبهة جمال معروف لتعلن بذلك عن سيطرتها على أخر معاقل الجبهة وتمكنها من القضاء عليها بشكل كامل.

وقد اعتمدت الهيئة سياسة تحييد الفصائل الأخرى وذلك لعدم تمكنها من محاربة الفصائل مجتمعة، حيث يرى الناشط الإعلامي الليث العاصي أن السياسة التي تتبعها جبهة النصرة تعتمد على دب الفتن والخلافات بين الفصائل من جهة وبين الفصائل والحاضنة الشعبية من جهة أخرى لأنها ليست قادرة على مواجهة الفصائل مجتمعة وغير قادرة على تنفيذ أعمالها في ظل الرفض الشعبي ولذلك فإنها تنجز كل أعمالها في الاعتماد على هاتين الخطوتين.

ويعتبر الليث أن هذه من سياسة النصرة العامة التي تقوم على فكرة التغلب وإحكام السيطرة على كافة المناطق التي تتواجد فيها وبالتالي فرض مشروعها الخاص بالقوة وفي ذلك دليل على عدم قبول الآخر وتهديد لاستمرارية المشاريع الأخرى ما يعني مصادرة حرية الآخرين والتدخل في شؤونهم العامة وهو ما يناقض أفكار الثورة.

في حين حمل الليث الفصائل العسكرية الثورية مسؤولية سيطرت النصرة على المحافظة مشيرا إلى أن الفشل الذريع الذي منيت به الفصائل العسكرية الثورية ولا سيما على صعيد التنظيم ووحدة الصفوف كان له الدور الأساسي في تمكن النصرة من فرض سيطرتها العسكرية على المنطقة.

ودعت هيئة تحرير الشام الفعاليات المدنية والخدمية العاملة في محافظة إدلب بعد سيطرتها على المنطقة إلى لقاء تشاوري تخلص منه إلى إدارة ذاتية مدنية تعمل على تسيير مؤسسات المحافظة والعمل على متابعة الشأن الخدمي العام من تعليم وصحة ومجالس محلية وغيرها.

وقال علي سلطان الناشط السياسي وعضو تجمع سوريا الثورة إن بقاء جهة واحدة هي المسيطرة على القرار في المحافظة قولاً واحداً يصب في المصلحة العاملة لأن كل المشاكل التنظيمية التي نشأت ولا تزال نتيجة تعدد الفصائل وعمليات المحاصصة التي طرأت على المؤسسات الخدمية والمدنية وما تبعها من مشاكل وعراقيل نأمل أن تنتهي في ظل توحيد القرار.

وعلى الرغم من التخوف الذي يبديه كثير من الناس من عملية سيطرت الهيئة واستئثارها في القرار وتضييقها على الناس والمؤسسات المدنية يرى سلطان أن الأمر لا يزال قيد التنبؤ والظاهر أن الهيئة تحاول أن تغير من سياستها لتكون أكثر انفتاحا على المجتمع وذلك من خلال دعوتها للحوار مع الهيئات والفعاليات المدنية وما صدر من تصريحات عنها برغبتها تسليم المؤسسات الخدمية إلى الجهات المدنية القادرة على تفعيلها بما فيه مصلحة المواطنين والبلد والأيام القليلة القادمة كفيلة ببيان صحة ما تقوله الهيئة.

ورأى سلطان أن الغاية المهمة في الموضوع أن تسير الأمور بسياقها الطبيعي وأن تتمكن المنظمات المدنية والمجالس المحلية من أخذ دورها الطبيعي في تأمين حاجات المنطقة التي تتزايد بشكل يومي نتيجة ظروف الحرب التي تمر بالبلد وازدياد أعداد النازحين في محافظة إدلب.

اقرأ المزيد
٢٧ يوليو ٢٠١٧
لبنان في غنى عن هذا النوع من الانتصارات

لمن سيهدي “حزب الله” انتصاره الجديد؟ في العام 2006، انتقل “حزب الله” من حرب ذلك الصيف التي افتعلها مع إسرائيل ليحتل وسط بيروت، متابعا عملية تدمير البنية التحتية للبلد بغية نشر الفقر والبؤس وتهجير أكبر عدد من الشباب اللبناني من البلد.

كان الهدف من حرب صيف 2006 واضحا كلّ الوضوح. أراد “حزب الله” وقتذاك التغطية على جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه عبر افتعال حدث كبير في حجم الحرب مع إسرائيل.

استغلت إسرائيل تلك الحرب ودمرت جزءا لا بأس به من البنية التحتية للبلد. حدث ذلك في وقت كان لبنان يستعيد أنفاسه بعد الضربة التي تلقاها في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 عندما فجّر موكب رفيق الحريري من أجل تأكيد أنّه لن تقوم قيامة لبيروت وللبنانن وأنّ الوصاية السورية ـ الإيرانية باقية إلى الأبد.

تخلّص اللبنانيون الذين نزلوا إلى الشارع، ردّا على اغتيال الرجل الذي أعاد الحياة إلى بيروت وأعاد وضع لبنان على خارطة الشرق، من الوصاية السورية. لكنّ الوصاية الإيرانية بقيت وترسّخت، خصوصا بعد غزوة بيروت والجبل في أيار – مايو من العام 2008.

ما يحصل حاليا في جرود عرسال تكرار لسيناريو مملّ لأحداث سابقة سيعلن بعدها “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني عن “انتصار إلهي” جديد. كانت نتيجة حرب صيف 2006 انتصارا حقيقيا لـ“حزب الله” على لبنان وليس على إسرائيل.

في صيف 2017، كانت هناك رغبة واضحة في تحقيق انتصار جديد على لبنان من أجل تكريس الوصاية الإيرانية عليه وتحويله إلى مجرّد مستعمرة وأرض تعتبرها إيران “ساحة”. خرج السوري وبقي الإيراني. هذا كلّ ما في الأمر.

زادت الرغبة الإيرانية في تحويل لبنان إلى مجرّد مستعمرة إيرانية في ضوء التطورات الأخيرة في سوريا. لا يمكن لإيران القبول بأن تكون خارج اتفاق أميركي- روسي- أردني في شأن الجنوب السوري يشمل جبهة الجولان.

من الواضح أن إيران مستعدة لكلّ شيء، بما في ذلك التضحية بعشرات المقاتلين المنتمين إلى “حزب الله” لتأكيد أنّها ما زالت لاعبا في سوريا، بل لاعبا أساسيا لا يمكن تجاوزه وأن “حزب الله” ليس مجرد حزب لبناني لديه نوابه في البرلمان ووزراؤه في الحكومة.

تبدو الرسالة التي تريد إيران إيصالها لكل من يعنيه الأمر أن “حزب الله” يتحكّم بلبنان، أي أنها تتحكم بلبنان عبر الحزب وأن ما تحقق من نسف للسيادة الوطنية اللبنانية عن طريق إزالة “حزب الله” الحدود المعترف بها مع سوريا صار أمرا دائما.

حلّت فكرة الرابط المذهبي مكان فكرة السيادة اللبنانية. ذهب “حزب الله” إلى سوريا بحجة حماية أماكن مقدسة شيعية في البداية. إنه موجود هناك الآن بحجة أنّ النظام السوري وُجد ليبقى، وأن التغييرات ذات الطابع الديموغرافي في دمشق وكل المنطقة المحيطة بها صارت أمرا واقعا وذلك بغض النظر عن دخول أميركا وروسيا في اتفاقات يمكن أن تمهّد، في المدى الطويل، لصفقة بينهما في شأن مستقبل سوريا.

التزم الجيش اللبناني بحماية أهل عرسال ومخيّمات النازحين السوريين. يقاتل “حزب الله” في أراض لبنانية وفي الداخل السوري مجموعات إرهابية كان النظام السوري في أساس قيامها. لدى إيران عنوانان تعمل في ظلهما. الأول أنها شريك في “الحرب على الإرهاب”. أما العنوان الآخر، فهو الدفاع عن الوجود الإيراني في سوريا ولبنان والارتباط المباشر بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية التي تتم عملية طرد سكانها السنّة بغية تحقيق أهداف إستراتيجية محدّدة باتت أكثر من معروفة. في مقدّمة هذه الأهداف تغيير طبيعة دمشق وذلك بعد تدمير حلب وحمص وحماة.

ما الثمن الذي سيطلبه “حزب الله” بعد انتهاء معركة جرود عرسال وقوله إنه رفع العلم اللبناني فوق تلال ذات أهمية عسكرية، وبعد القضاء على “جبهة النصرة” وفلول “داعش” في تلك المنطقة؟

ثمّة مؤشرات خطيرة على رغبة الحزب في دور أكبر على الصعيد اللبناني، بما في ذلك تغيير النظام القائم منذ اتفاق الطائف. هذا الاتفاق لا يزال، إلى إشعار آخر، خير ضمانة لبقاء لبنان في ظلّ توازن معيّن بين طوائفه. لا شكّ أن اتفاق الطائف ليس اتفاقا مثاليا. لكن المفترض أن أي تعديل للطائف يجب أن يتمّ في ظل حوار بين اللبنانيين من دون وجود مسدس، اسمه سلاح “حزب الله” موجّه إلى رؤوس المتحاورين الآخرين.

يُخشى دخول لبنان، بعد “الانتصار الإلهي” الجديد لـ”حزب الله” مرحلة في غاية الخطورة، خصوصا أن الحزب تصرّف بمعزل عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها ووضع هذه المؤسسات أمام أمر واقع، وذلك في وقت يوجد فيه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في واشنطن. الهدف من زيارة سعد الحريري معروف ويتلخّص في المساعدة في عملية نهوض مؤسسات الدولة اللبنانية من جهة، والسعي إلى تجنيب لبنان وقطاعه الخاص أيّ انعكاسات سلبية لقوانين وعقوبات يمكن أن يقرّها مجلسا الكونغرس من جهة أخرى.

لا يحتاج لبنان إلى “انتصار إلهي” آخر، يكون بمثابة انتصار جديد عليه. إنه في غنى عن مثل هذا النوع من الانتصارات. لا يحتاج بالتأكيد إلى انتصار من هذا النوع بحجة “مكافحة الإرهاب” و“الحرب على الإرهاب”.

من يريد محاربة الإرهاب لا يشنّ حربا على الشعب السوري من منطلق مذهبي. من يريد مكافحة الإرهاب بالفعل لا يلجأ إلى السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة في قصف المدنيين السوريين. من يريد مكافحة الإرهاب، أخيرا وليس آخرا، لا يلجأ إلى ميليشيات مذهبية لتهجير سوريين من أرضهم كي تثبت إيران أنّها طرف في أي اتفاق، طرف لا يمكن استبعاده في أي صفقة أميركية-روسية.

هناك أحداث كبيرة تدور على الصعيد الإقليمي. ليس صدفة أن العملية العسكرية لـ”حزب الله” في جرود عرسال في أراض ليس معروفا هل هي سورية أو لبنانية، لأسباب مرتبطة بالرفض الدائم للنظام السوري لترسيم كامل الحدود بين البلدين، جاءت بعد الانتصار الذي تحقق في الموصل.

لم يكن الانتصار في الموصل على “داعش” بمقدار ما أنّه كان انتصارا على المدينة الثانية في العراق التي تحوّلت شوارعها إلى شاهد حيّ على كيف يكون تدمير المدن العربية الواحدة تلو الأخرى.

مرة أخرى، لمن سيهدي “حزب الله” انتصاره الجديد؟ ستكون لهذا الانتصار ارتدادات على الداخل اللبناني. الخوف الكبير أن تكون الحاجة الإيرانية إلى مزيد من الإمساك بالورقة اللبنانية، لا أكثر ولا أقل.

تبدو كلّ الحجج صالحة لتبرير ذلك. هل آن أوان الانتقال إلى مرحلة جديدة من منطلق أن الأحداث كشفت أن لا خيار لبنانيا آخر غير خيار “الشعب والجيش والمقاومة”، وأن لا بد من ترجمة هذا الشعار إلى واقع بدءا بإدخال تعديلات جذرية على اتفاق الطائف؟

اقرأ المزيد
٢٧ يوليو ٢٠١٧
ماذا عن إيران بعد سقوط نظام الملالي؟

في هذه الأيام كثيراً ما يتم تداول أنواع من السيناريوهات والتكهنات والتحليلات والتنبؤات حول الاحتمال الوشيك بسقوط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكم الملالي في طهران.

ربما يظن البعض أن هذا الأمر مجرد أمنيات وأحلام تطلقها الجماعات المعارضة الإيرانية المحبطة الموجودة في الخارج، خصوصاً في ظل ما يتبجح به الإعلام الحكومي الإيراني من تطوير للقدرات العسكرية ولدور إيران ونفوذها العسكري والاستخباراتي والسياسي في سوريا والعراق واليمن ولبنان، الأمر الذي يجعل انهيار النظام في إيران يبدو كأنه أمر مستبعد جداً.

لكن لو نظرنا للأمور من زاوية مختلفة، فسوف نرى أن هناك حقائق تجعل من سقوط نظام الملالي مسألة وقت؛ فالانقسامات الداخلية العميقة الأخيرة بين أقطاب النظام، والأوضاع الاقتصادية المتردية باستمرار، والمشكلات الاجتماعية الناتجة عن مصادرة الحريات جراء القوانين التي تتحكم بالحريات الشخصية لمعظم فئات الشعب خصوصاً الشباب والنساء، بالإضافة إلى الفساد المستشري في أجهزة السلطة وقمع الشعوب الإيرانية غير الفارسية ومصادرة حقوقها بالكامل، تجعل النظام الإيراني يعوم وسط بحر من مشكلات، ليس فقط لا يستطيع أن يجد لنفسه مخرجاً منها؛ بل لم يعد مجدياً له أن يعالجها بالوصفات السريعة، كما كان يفعل سابقاً؛ حيث يحقن البلد بالمهدئات لبعض الوقت دون أن يعالج أساس المشكلة، وذلك بسبب تراكمها وطبيعة النظام الآيديولوجية المجبولة على التآكل عبر الزمن، وسياسته البعيدة كل البعد عن العقلانية السياسية التي من شأنها أن تضع رخاء وراحة الشعوب أولى أولوياتها، وتتجنب التدخل في شؤون الجيران، وبناء الإمبراطوريات.

ولو أضفنا لما ذكرنا من مشكلات، ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة على إيران، فسوف تقوى عندنا احتمالية سقوط هذا النظام بشكل كبير، وذلك يدفعنا إلى التفكير فيما هو أهمّ؛ أي ما سيحصل في مرحلة ما بعد سقوط نظام ولاية الفقيه. فليس هناك أي شك في أن تلك المرحلة سوف تشهد نهاية التمدد الإيراني، وجملة من التغييرات في منطقة الشرق الأوسط. ولكن ليس هذا هو بيت القصيد، ويبقى التساؤل الأهم يدور حول مستقبل المذهب الشيعي وما ستكون عليه مرجعيته وأتباعه داخل إيران وخارجها...
* أولاً: ما طبيعة النظام الذي سيخلف «الجمهورية الإسلامية» في إيران؟

مما لا شك فيه أن النظام المقبل في إيران سوف يكون علمانياً بامتياز؛ أي سيعمل على فصل الدين عن الدولة، فبعد المعاناة التي ذاقتها الشعوب الإيرانية، لم يبقَ مجال لطرح فكرة الإسلام السياسي مرة أخرى، خصوصاً على شاكلة أطروحة ولاية الفقيه. وانهيار النظام سيسجل نهاية ولاية الفقيه إلى الأبد، والمطلع على تاريخ الفكر السياسي يعرف ذلك جيداً. إن محصلة نظام ولاية الفقيه خلال أربعة عقود حكم فيها البلاد كانت سيئة للغاية؛ حيث بدأ النظام حياته بالإعدامات وتصفية المعارضين ومصادرة الحريات العامة على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية، وعمد إلى إطالة أمد الحرب مع العراق لثماني سنوات، وممارسة التدخلات السافرة في شؤون دول الجوار بهدف إثارة الفتن، وذلك عبر تصدير الثورة على صعيد السياسة الخارجية. أما سياسات النظام في قطاع الاقتصاد، فقد أدت إلى التضخم، وارتفاع معدل البطالة، وتدهور سعر العملة الإيرانية بصورة غير مسبوقة. وبالتأكيد هذه المحصلة لن تغيب عن حسابات النخب السياسية والشعوب في إيران، وهذا ما سيدفعها إلى نبذ أطروحة ولاية الفقيه، وحتى فكر الحكم الديني الذي سيبعد عن الساحة السياسية بالكامل.

* ثانياً: ماذا سيكون فهم المواطن الإيراني من المذهب الشيعي؟
إن المواطن الإيراني الذي استبشر خيراً بـ«الثورة الإسلامية»، وبذل في سبيلها الغالي والنفيس في بادئ الأمر، ذاق الويلات وعانى الأمرّين على يد هذا النظام، لذا سيبقى ينظر بريبة وشك لتعاليم هذا المذهب وتفسيره للأمور جملة وتفصيلاً، وسوف يتجه أكثر نحو الأفكار العلمانية، ولربما الإلحادية، أو حتى تغيير المذهب، وهذا ما نشهده الآن أيضاً؛ حيث هناك ظاهرة التَسَنُّن في الأحواز التي تمثل اليوم مشكلة للنظام الإيراني يسعى لمكافحتها بشتى السبل. كما أن الرواية الإيرانية للمذهب الشيعي التي تزعم أن الإمام الحسين تزوج من ابنة يزدجرد آخر الملوك الساسانيين ولذلك فإن الأئمة من أبناء الحسين بن علي متحدرين من أصول فارسية - زرادشتية، والتي تروج لربط المذهب الشيعي بالعرق الفارسي، ستندفن، فهي لم تعد تجد من يهتم بأمرها من الإيرانيين.

* ثالثاً: كيف سيكون وضع المرجعية الشيعية ومركزية اتخاذ القرار؟
إنه من المحتمل جداً أن تنتقل مركزية اتخاذ القرار في المرجعية الشيعية من إيران؛ وتحديداً من مدينة قم، إلى النجف كما كانت سابقاً، فصعود نظام ولاية الفقيه مثّل نقلة نوعية في تاريخ المذهب الشيعي، حيث إنه تم تسلم السلطة من قبل رجال الدين الشيعة لأول مرة في التاريخ، فحتى في أيام الصفويين لم يصل رجال الدين بهذه القوة لسدة الحكم. إن سقوط نظام ولاية الفقيه سيسحب ما يتمتع به رجال الدين الشيعة من صلاحيات سياسية وسيفقدهم نفوذهم السياسي وما يترتب عليه من امتيازات مادية واقتصادية، ومن المرجح أن يدفع ذلك بمعظم رجال الدين الشيعة للهجرة إلى العاصمة التقليدية للمذهب الشيعي في العراق وسيضطرون إلى اعتزال السياسة.

وفي الختام لا بد من أن نطرح تساؤلاً عن مصير الجماعات الموالية عقائدياً وسياسياً لنظام ولاية الفقيه، مثل «حزب الله» والأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق وفي باقي البلدان. إن الأدلة التي ذكرناها لم تترك مجالاً للشك حول مصير هذه الجماعات ومستقبلها؛ ففي حال انهيار نظام ولاية الفقيه، فسوف تواجه هذه الجماعات مشكلة كبيرة لكي تستمر في حياتها، لأن خطابها الفكري أثبت عقمه وعدم كفاءته في تحقيق أهداف هذه الجماعات المزعومة على مستوى كبير، كما أن انقطاع الدعم المادي والسياسي الإيراني عنها سيشكل بلا أدنى شك ضربة قاضية لها. وربما على هذه الجماعات من الآن التفكير في هذا الأمر بهدف شق طريقها بعيداً عن نظام صار عبئاً ثقيلاً على مواطنيه والعالم وحتى على نفسه، لكي تستطيع هذه الجماعات أن تحدد أهدافها وترسم استراتيجياتها بطريقة أكثر عقلانية وأقل عدائية تجاه من يحيطون بها لعلها تنجو بجلدها قبل فوات الأوان.

اقرأ المزيد
٢٦ يوليو ٢٠١٧
إيران تورط الجيش اللبناني بحرب في لبنان

تواصل براكين القارة العربية قذف حممها اللاهبة. في الأسبوع الفائت، دشن «حزب الله» حرباً مذهبية لصالح إيران في لبنان. ونشبت معركة دينية فلسطينية/ يهودية في القدس الشرقية حول المسجد الأقصى. وتهدد بالتحول إلى انتفاضة دموية.

في الجغرافيا السياسية، تنفجر البراكين العربية معاً. وتهدأ سوية. هي الآن في حالة هيجان وانفجار في الخليج. اليمن. المشرق. مصر. ليبيا. المغرب. وبالتالي لا يمكن التوقف عند بركان واحد منفرد. فالتحليل والتفسير لا يستقيمان إلا برؤية كلية للوحة الملتهبة، لمعرفة ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وإلى متى؟ وأين؟ ولمصلحة من؟...

تندرج حرب لبنان الجديدة، في إطار استراتيجية إيرانية تستهدف تغليف الحدود اللبنانية مع سوريا، بشريط شيعي مسلح. ويتركز هجوم مرتزقة «حزب الله» والميليشيات الأفغانية والعراقية الشيعية، بقيادة ضباط «فيلق القدس» الإيراني، على معسكرات «داعشية / قاعدية» في روابي وجرود عرسال البلدة اللبنانية (السنية) الوحيدة، بين قرى شيعية لبنانية تطل على القطاع الأوسط من إقليم القلمون السوري.

هذه الحرب ليست سهلة، بحكم الطبيعة الجبلية لإقليم القلمون المحاذي لحدود لبنان الشرقية. وينطلق الهجوم الشيعي من الأراضي السورية، مدعوماً بقصف مدفعي وجوي كثيف يقوم به الجيش السوري. وقد حقق الهجوم تقدماً. لكن الثمن كان باهظاً. وقد اعترف «حزب الله» بفقد 19 قتيلاً في اليوم الأول.

وورط «حزب الله» في هذه الحرب الجيش اللبناني. لكن الجيش لم يستطع الوصول إلى المعسكرات. فاقتحم المخيمات السورية المجاورة لعرسال. وأجرى اعتقالات وسط حملة إعلامية على النازحين السوريين. وأدت وفاة أربعة مدنيين منهم تحت التعذيب، إلى توتر سياسي داخل تركيبة الحكومة اللبنانية الهشة وفي الشارع اللبناني. فاختصر الجيش دوره في الحرب بالقصف المدفعي، وبمحاصرة المخيمات لمنع لجوء الفارين من «الدواعش والقواعد» إليها، مستفيدين من وجود أسرهم وأطفالهم فيها.

وهكذا كلفت إيران «حزب الله» تحمل وطأة الهجوم. ويتوقع المراقبون اللبنانيون أن تستغرق الحرب وقتاً طويلاً. فتضطر إيران. والحزب. وبشار. والجيش اللبناني إلى العودة للمفاوضات مع المعسكر. وإقناع المدافعين عنه بالرحيل إلى محافظة إدلب السورية التي باتت مأوى للتنظيمات المتزمتة والمعتدلة (السنية) المتناحرة.

تداخلت حرب إيران في لبنان مع أزمة حادة بين الكويت وكل من لبنان وإيران. الأزمة تظهر مدى عمق التورط الإيراني في صميم الشؤون العربية. ومدى عجز أميركا. وأوروبا. وروسيا، عن لجم إيران التي اعتبرت اتفاقها النووي مع الغرب بمثابة ترخيص لها بعسكرة تدخلها في العراق. وسوريا. ولبنان. واليمن.

طالبت الكويت لبنان بتسليمها أعضاء في «حزب الله» أدانهم القضاء الكويتي بتدريب خلية «العبدلي» الإرهابية الإيرانية في الكويت. عجزُ السلطات اللبنانية عن تسليم المتهمين، قد ينعكس بانصراف الكويتيين عن قضاء فصل الصيف في لبنان.

ربما لا تتجاوز مضاعفات أزمة الكويت مع إيران حدود طرد دبلوماسيين إيرانيين. فقد تكتفي إيران بنجاحها في تهريب أفراد الخلية الإرهابية من الكويت. وإيوائهم لديها. لكن سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية ذهب إلى واشنطن، لاستيضاح موقف إدارة الرئيس ترمب من ألعاب إيران النارية في لبنان والمنطقة العربية.

أين المملكة العربية السعودية من هذه التطورات المتسارعة؟ أعادت القيادة السياسية السعودية أخيراً ترتيب بيتها الداخلي. ومواصلة حربها الداخلية والخارجية على الإرهاب، فقد ألحقت مؤسساتها الأمنية والمباحثية، بمؤسسة أمنية واحدة مرتبطة بمجلس الوزراء.
لماذا مجلس الوزراء بالذات؟ لأن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يترأس تقليدياً الحكومة. ويستطيع متى يشاء أن يكلف ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان الإشراف على المؤسسة الجديدة، باعتبار ولي العهد هو تقليدياً نائب رئيس مجلس الوزراء.

الواقع أن موقف إدارة ترمب بات أقرب إلى الوضوح من إيران. وأزمة الخليج. وفي العراق. ويحتاج إلى إيضاح تام في سوريا. ولبنان. وفلسطين. ترمب مع حل سياسي للنزاع الخليجي يراعي رغبة السعودية، في تحقيق تنسيق أكبر بين دول مجلس التعاون الخليجي، إزاء إيران.

الأزمة الخليجية مستمرة. لكن التسوية ما زالت متاحة، إذا كانت هناك حقاً جدية راغبة في حل دائم تلتزم به الدول المعنية كلها. لماذا الحل متاح؟ لأن النزاع الخليجي ليس صراع وجود. إنما هو خلاف عربي/ عربي على سياسات متناقضة، يمكن تنسيقها بين دول مجلس التعاون، إزاء إيران. وإزاء «الإخوان المسلمين» الذين يكيدون للسعودية. ومصر. والإمارات، لكن نفوذهم وتأثيرهم يتضاءلان في تركيا. وقطر، نتيجة الانقسامات الحزبية الشديدة بينهم.

ترمب شدد لهجته التهديدية لإيران، مطالباً بالإفراج عن المعتقلين الأميركيين لديها. ووقف تطوير الصواريخ الباليستية. والمساهمة في مكافحة الإرهاب، واستعادة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. لكن المهم معرفة ما إذا كان التصعيد ضد إيران، يستهدف الدخول في حرب معها.

ثمة تباين في وجهات النظر داخل معسكر ترمب إزاء هذه النقطة بالذات. هناك أجنحة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي مع الدخول في حرب، لإقناع إيران بالتخفيف من غلوائها. وطموحها. والانسحاب من المشرق العربي. ووضع حد لمغامراتها الإرهابية في المنطقة والعالم. وهناك دوائر سياسية ترى الاكتفاء بفرض عقوبات إضافية على إيران. والعمل دبلوماسياً وسلماً على تفكيك أواصر هيمنتها على العراق. ولبنان. واليمن.

في هذا المجال، حث ترمب الدول العربية على الانفتاح على نظام حيدر العبادي في العراق المنتشي بنصره العسكري في الموصل. وبالفعل زار وزراء عرب بغداد برفقة عسكريين كبار. ويريد العرب معرفة ما إذا كان العبادي يستطيع لجم ميليشيات الحشد الشعبي (الإيرانية) التي تعيث فساداً وفوضى في العراق. ثم ما إذا كان العبادي قادراً على إغلاق الممر الذي فتحته هذه الميليشيات أمام تدفق تعزيزات عسكرية ولوجيستية إيرانية، على سوريا ولبنان.

في سوريا، ترمب غير واضح. فقد أوقف تمويل وتدريب تنظيمات محلية سورية في الأردن. واهتمامه الوحيد يبدو مركزاً على دعم وإسناد الميليشيات الكردية التي تقاتل مع القوات الأميركية، لإسقاط «الخلافة الداعشية» المزعومة في شرق سوريا. ساير ترمب روسيا في إقامة منطقة تهدئة في جنوب سوريا، تمتد من الجولان غرباً. إلى درعا في الوسط. وصولاً إلى السويداء (الدرزية) شرقاً.

هذه المنطقة العازلة التي تحميها حالياً شرطة عسكرية روسية تعتبر نكسة حادة للوجود العسكري الإيراني الممنوع من الاقتراب من الجولان المحتل إسرائيلياً. ولهذا السبب، تحاول مرتزقة «حزب الله» في حربها اللبنانية رد الاعتبار لمصداقية الجنرال الإيراني قاسم سليماني، فيما تطالب إسرائيل بتوسيع منطقة الهدنة لإبقاء قوات سليماني في الصحراء السورية. في حين تبقى هي مشغولة بارتكاب كل ما في وسعها، لإشعال انتفاضة فلسطينية ثالثة ضدها!

اقرأ المزيد
٢٦ يوليو ٢٠١٧
جرود عرسال.. آخر حلقات إحكام السيطرة الإيرانية على لبنان

المئات من عناصر تنظيمي جبهة النصرة وداعش يتمركزون في مناطق على الحدود اللبنانية-السورية في ما يعرف من الجانب اللبناني جرود عرسال، ومن الجـانب السوري تلال القلمون الغربي. التنظيمان متواجدان منذ سنوات، حصلت في الأصل مواجهات عسكرية بينهما حيث يتمركز تنظيم داعش في المناطق الشمالية من هذه الجرود، فيما جبهة النصرة (جبهة فتح الشام) في الجزء الجنوبي، كما يتواجد في هذه الجرود فصيل تابع للجيش السوري الحر.

حزب الله قرر أخيرا أن ينهي هذا الوجود العسكري بالتعاون مع الجيش السوري، بدأ حملة عسكرية مسبوقة بحملة إعلامية واسعة في الداخل اللبناني، ساهمت في تصعيد العداء ضد اللاجئين السوريين، حيث صدرت مواقف من حلفائه فيما تكفل الإعلام الممانع بلصق المآسي اللبنانية باللاجئ السوري. هذه الحملة العسكرية والتي شملت مناطق جرود عرسال وهي منطقة وعرة تمتد على مساحة أربعمئة كيلومتر مربع يتحكم حزب الله وجيش النظام في سوريا بالسيطرة شبه الكاملة عليها، فيما المسلحون داخلها هم في حالة حصار.

ويؤكد المراقبون أنّ حزب الله كان قادرا منذ العام 2015 على إنهاء وجود هذه المجموعات من الناحية العسكرية، إذ يجب الإشارة إلى أن هؤلاء المقاتلين في معظمهم هم من أبناء بلدات وقرى القلمون تلك التي كان حزب الله سيطر عليها في ذلك العام بشكل شبه كامل، فيما شكّل وجود هذين التنظيمين الإرهابيين أحد أهم أسلحة حزب الله التي استخدمها في مواجهة اللبنانيين الذين رفضوا تدخله في الأزمة السورية، بالقول لهم إنه هو من يحميهم من الإرهاب وأن هذه التنظيمات الإرهابية المتواجدة في جرود عرسال متأهبة للدخول إلى لبنان لولا أن حزب الله يحول دون ذلك.

اتفاق الجنوب السوري الذي قام بين روسيا والولايات المتحدة وبالتنسيق مع الأردن وإسرائيل، قضى بأن لا يكون للإيرانيين وميليشياتهم أي تواجد في عمق يصل إلى 40 كلم بعيدا عن حدود الجولان المحتل وعن الحدود الأردنية. طهران لم تنبس ببنت شفة التزمت وسحبت قواتها بصمت لإدراكها أنّ مثل هذا الاتفاق بين الدولتين الكبيرتين لا يمكن أن تواجهه، فالأفضل هو الرضوخ والتعويض في مكان آخر، علما أنّ النظام السوري اعتبره اتفاقاً ملائما له.

الحملة العسكرية في جرود عرسال اللبنانية، هي خطوة إيرانية بالدرجة الأولى، وعلى خلفية اتفاق الجنوب السوري المذكور، ولإحكام النفوذ على المثلث الشرقي الممتد من دمشق- حمص- لبنان وعرسال تقع في وسطه، وعلى ما يمكن استنتاجه فإنّ المحور الإيراني ربما وجد أنّ بقاء شماعة المجموعات الإرهابية لم يعد ذا أهمية إزاء إحكام السيطرة الكاملة للمحور الإيراني.

من هنا فإنّ أبعاد معركة جرود عرسال لها وجهان. وجه أول يتصل بإحكام السيطرة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة في الجانب السوري. والوجه الثاني استكمال حلقات السيطرة الأخيرة على لبنان، وهنا تمكن الاستفاضة في الإضاءة على الخطة التي اعتمدها حزب الله على هذا الصعيد.

إذ يعرف الجميع، وفي مقدمتهم اللبنانيون، أنّ حزب الله ضرب بعرض الحائط كل الاعتراضات اللبنانية الرسمية والشعبية التي طالبته بالخروج من سوريا منذ أن أعلن رسميا ما سمّاه “الواجب المقدس” كعنوان لحربه التي انطلقت من لبنان ضدّ كل فصائل المعارضة السورية، بل ضدّ كل من يعارض النظام السوري، وإن برر تدخله بالقول إنه يريد الدفاع عن المقامات الشيعية في سوريا في البداية.

استهزأت قيادات حزب الله في ذلك الحين بكل المواقف والمناشدات اللبنانية التي تطالبه بالخروج من سوريا، هذا الاستهزاء ترافق مع عملية تطويع للقوى السياسية اللبنانية عبّر عنه بالدرجة الأولى عدم انتخاب رئيس للجمهورية وإلزام اللبنانيين بانتخاب مرشحه أو استمرار الفراغ، وفعلا نجح حزب الله في فرض مرشحه العماد ميشال عون بعد فـراغ في هذا المنصب استمر لأكثر من عامين ونصف، وتمّ تشكيل حكومة على قاعدة تسوية سياسية رضخ فيها معارضوه لشروطه (ما لي لي وما لكم لي ولكم) أي أنّ حزب الله له مطلق الصلاحية عمليا في ما يعتبره مهمات أمن قومي خارجي ومنها سلاحه وتدخله في سوريا، أمّا القضايا الداخلية المتصلة بالسياسات الاقتصادية والمالية وما إلى ذلك فهي بالشراكة بين حزب الله وبقية اللبنانيين.

الجديد في الحلقة الأخيرة من إحكام السيطرة على لبنان، أن المشروع الإيراني المتمثل بحزب الله بدأ من خلال عملية جرود عرسال العسكرية، إظهار أنّ اللبنانيين ولا سيما شركائه في السلطة الداخلية في لبنان هم لا يشيحون بوجوههم عن تدخله في سوريا، بل هم في موقع الملتفين حول دوره في مواجهة تنظيم إرهابي موجود على الأراضي اللبنانية، رغم أنّ الجميع يعلم أنّ وجود هؤلاء هو بسبب دخول حزب الله إلى بلدات القلمون، فيما البعض من هذه التنظيمات كانت بوعي عناصرها أو بغير وعيها تنفذ أجندات المشروع الإيراني.

تكشف عملية عرسال العسكرية والتي تزامنت أيضاً مع زيارة مقررة لرئيس الحكومة سعد الحريري إلى واشنطن، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب (اليوم الثلاثاء) وكما هو معلن في بيروت أن الحريري سيحمل للرئيس الأميركي مطالب لبنانية تتصل بعدم تصعيد العقوبات المالية على حزب الله لأنّها باتت تؤثر على كل اللبنانيين، كما سيطالب بدعم المؤسسة العسكرية، لكن الأهم في هذه الزيارة أنّ الحريري يحمل في طيات زيارته، ما يندرج في سياق التأكيد على أن لبنان يحارب الإرهاب في جرود عرسال.

علما أنّ الجيش اللبناني الذي لم يشارك إلى جانب حزب الله والجيش السوري في المعارك الجارية، إلا أن الحكومة اللبنانية والجيش يتعاملان مع معركة حزب الله وكأنّها حرب مشروعة من دون أن يظهر لبنان الرسمي أيّ موقف يبدو فيه مستاء مما يجري على الأقل من زاوية أنّ حربا تجري على أرضه ويجب أن يكون هو صاحب القرار في الحرب وفي خططها وإدارتها.

الاستسلام الرسمي لسلوك حزب الله يكشف إلى حد بعيد أن لبنان فقد القدرة حتى على مقاومة مصادرة سيادته ولو في الموقف. فقدان هذه المقاومة هو ما يمكن أن نسميه في الجانب الرسمي الاستسلام لمجريات التحكم والسيطرة، لا بل التسليم بأنّ لبنان صار من الناحية الرسمية ضمن المحور الإيراني أو منطقة النفوذ الإيراني التي جاءت معركة عرسال الجارية لتمثل الحلقة الأخيرة التي ستجعل حزب الله ومن خلفه إيران يستعد ليخاطب اللبنانيين وشركائه في السلطة كما فعل غداة تحرير الشريط الحدودي من الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000، حيث ادعى حزب الله أنّه هو من حرر الشريط المحتل طامسا كل النضالات وآلاف الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين الذين سقطوا خلال عملية التحرير التي بدأت منذ العام 1982.

سيخرج زعيم حزب الله بعد عملية عرسال وسيقول للبنانيين أنا من حرركم من إسرائيل ومن الإرهاب… والأمر لي.

اقرأ المزيد
٢٦ يوليو ٢٠١٧
حصّة لمن لا حصّة لهم

يمكن القول، من دون مبالغة، إن الصراع الدولي في سورية انتهى إلى نمطٍ من تقسيم عمل روسي/ أميركي، يترجم نفسه هذه الفترة من خلال علاقةٍ تكاد تكون اندماجية بين موسكو والنظام، تضمن بقاء الأسد، وتمرّر حلا دوليا/ إقليميا/ محليا، يعيد إنتاجه شخصا لا بديل له، ولا بديل سواه. في ظل ما بلغه الانخراط السياسي/ العسكري الروسي في سورية، من غير الجائز استبعاد بقاء النظام معدّلا، في حال جسّد الحل القراءة الروسية للقرارات الدولية الخاصة بسورية.

في مقابل علاقة روسيا الكيانية مع الأسد، ونجاحها في إقناع دول عديدة بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، متمسّك بتابعه، تبلورت، خلال العامين الماضيين، علاقة أميركية مع حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، مشابهة لعلاقة روسيا بنظام الأسد، ومع أنها أكثر غموضا والتباسا، فإنها تضمن كيانية دولوية، أو شبه دولوية، للحزب، توضع ركائزها اليوم بقوة تعيرها واشنطن له، تكرّسه قوة تحتل منطقة تعادل خمس مساحة سورية، ترشحها للاتساع الحرب ضد "داعش" التي مكّنت الحزب من تشكيل جيش كبير، يضم كردا عراقيين وإيرانيين وأتراكا وبعض السوريين، تحميه طائرات أميركا ومدفعيتها من تركيا، وتمكّنه من احتلال مناطق، ليس في مئات من قراها وبلداتها أي وجود كردي، تقع خارج المنطقة التي طرد عربها وتركمانها وآشورييها، وجرف قراهم، بحجة الدفاع عن حق شعبه الكردي في تقرير مصيره. هناك اليوم قوة عسكرية مشتركة ومتكاملة تضم أميركيين وكردا، وأعدادا قليلة من العرب والتركمان، تغطي قوات الحزب الكردي بواسطتهم مشروعا هو جزءٌ من مشروع إقليمي، يتخطّى سورية إلى تركيا وإيران، يتطلب تمريره دعما أميركيا وتفهما روسيا.

أين "المعارضة" من الكيان الأسدي المنفذ روسيّاً، وكيان حزب الاتحاد الديمقراطي (البايدا) المحمول أميركياً؟ ليس لديها مشروع تستطيع ترجمته إلى وجود مادي، تأخذه الدولتان في حسبانهما. أليس هذا حقيقة جلية، رسمتها نتائج الاحتلال الروسي وشلل "جنيف"؟ وفي المقابل، أليس برود أميركا السوري موقفاً يسهّل جهود روسيا، في مقابل برود روسي تجاه انتشار عسكر واشنطن شمال سورية وشرقها وجنوبها، الضروري لمعركتها القادمة ضد إيران، ولإنجاز حوار عربي/ كردي، إن نجح ساعد على إقامة وضع سوري جديد بموازين قوى مختلفة، يعزّز حضور اليانكي في سورية والعراق، حيث قرّرت البقاء فترة طويلة، وقد يخلق ظروفا مناسبة روسياً لتحقيق حل سياسي متوازن، يزيد فرص ترحيل الأسد. أليس من الضروري إنجاز هذا العمل، قبل أن يدخل الروس على الخط، ويضغطوا لقيام تفاهم بين "البايادا" والأسد؟ وهل تعترف واشنطن، عندئذٍ، بحق "البايادا" في الانفصال، لإبقاء ورقتهم في يدها. ماذا سيبقى، في هذه الحال، من خيار للمعارضة، غير ذهابها أو ذهاب أطراف منها إلى روسيا، علها تضغط على الأسد، كي يقبل مشاركتها في حكومة وحدة وطنية.

هناك أمران يطرحهما الوضع المعقد الحالي:
ـ حتمية انتخاب ممثلين لمجالس المناطق مخفضة التصعيد، يلتزمون التزاما لا شبهة فيه بوثيقة جنيف، والمواقف الوطنية التي يتبناها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والحراك الوطني والثوري السوري، لتكون جزءا من الثورة، إن فاوضت النظام والروس فاوضتهما باسمها، ولتحقيق أهدافها، على أن تكون، في الوقت نفسه، ممثلة في "الائتلاف" ومؤسساته.

ـ حتمية إجراء حوار مع واشنطن، يتناول تحديد نمط الدولة السورية البديلة للأسدية، على أن يواكبه تفاهمٌ مع مختلف أطراف الكرد على حقوقهم فيه، وينتهي بضماناتٍ أميركية لوحدة الدولة والمجتمع السوريين، ولما سيتم التفاهم عليه، فضلا عن حمايته من إيران، لتصبح نتائجه خيارا وطنيا يعبر عنه الحل السياسي المطلوب. بعد المجالس والحوار، لا بد من تواصلٍ مع روسيا يقنعها أن التمسّك بالنظام ليس لصالحها، ويغلق أبواب مصالحتها مع الشعب السوري.

بعد قيام كيانين، لا علاقة لهما بالثورة في وطننا، روسي/ أسدي وأميركي/ باياداي، وبعد نشوء مخاطر تهدّد وجود سورية، لم يعد بإمكاننا بلوغ أهداف شعبنا وثورته بالوسائل والممارسات التي اعتمدها "الائتلاف" والعمل الوطني خلال السنوات الماضية. ولم يعد ممكنا أو مجديا التخلي عن روح المبادرة ومتطلبات الواقعية السياسية، والتمسّك بطرق عمل وممارساتٍ عائدها الوحيد تفويت فرص تحقيق ما يُراد تحقيقه من أهداف بواسطتها.

اقرأ المزيد
٢٦ يوليو ٢٠١٧
«حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» و«وحدات حماية الشعب الكردية» شركاء أم أعداء محتملين لتركيا؟

لقد كان للرئيس التركي أردوغان دور مهم في رسم خطوط التحول في السياسة الخارجية، وبوصفه رجل دولة كان له دور مهم في قيادة السياسة الخارجية التركية وتوحيد الرأي العام التركي بعد أن تراجع تأثير الجنرالات الكماليين بمجلس الأمن القومي في صناعة هذه السياسة التي لم تأخذ الرأي العام التركي في اعتبارها...

وعبر السيد أردوغان عن ذلك بقوله:

إن ”تركيا ليســت دولة حديثة الدور، ولا دولة عديمة الجذور، وليست كذلك دولة صغيرة ولا ضعيفة، ولا يمكن لأحد أن يحاول جس نبض تركيا وصبرها.

وكما يحمل أصدقاء تركيا صداقة قوية، فإن أعداءنا يواجهون عداء قويًا في الوقت نفسه...

وأن الموقع الجغرافي لتركيا يحتم عليها القيام بدور إقليمي نشط في منطقتي الشرق الأوسط والبلقان.

”ولن نسمح بممارسة القوميــة الاثنية أو الدينية، ونحن ضد كل أشــكال التمييز، ونحن نؤمن بأن تركيا القويــة هي التي تضم كل الهويات.

ذكر أردوغان أن ”تركيا ليست بلدًا يحدد له جدول اعماله بل بلد يحدد بنفسه جدول أعماله ويسهم في تحديد وجهة الأحداث المحيطة به.

لقد تحولت تركيا إلى بلد ذي ثقل وتأثير،  وإلى لاعب مؤسس للنظام الإقليمي والدولي وهذا لم يعد خيارًا بل حتميةً تاريخيةً.

وفي  نهاية العام 2012 اندلعت أولى المعارك في شمالي سوريا وهي؛ المنطقة ذات الغالبية الكردية المحاذية للحدود التركية، عندما اجتازت العديد من المعارضة المسلحة الحدود التركية وهاجمت قوات النظام السوري التي كانت متمركزة في مدينة رأس العين وعلى إثر سيطرت تلك الفصائل على المدينة تشكلت "وحدات حماية الشعب"، وتعرف اختصارا بـ (YPG)، وهي تعد الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

ولا يزال «حزب الاتحاد الديمقراطي » يعتبر نفسه متفرعًا عن «حزب العمال الكردستاني» ويعبّر حتى الآن عن تعاطفه مع محنة أوجلان وقلقه إزاءها كما حصل في مؤتمر الحزب الأخير الذي عقد في بروكسل في أيلول/ سبتمبر 2016.

والمقاتلون من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «حزب العمال الكردستاني» يتنقلون ما بين الطرفين.

ولا تزال قيادة «حزب العمال الكردستاني» المعتكفة في جبال قنديل النائية على مقربة من حدود «حكومة إقليم كردستان» مع إيران وتركيا، تملك بعض النفوذ على قرارات «حزب الاتحاد الديمقراطي».

وبظهور حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بالقرب من غرب الفرات والحدود الجنوبية لتركيا أدرك رجل الدولة السيد أردوغان أن واقعا جيو سياسيا واستراتيجيا قد تشكل على الحدود الجنوبية لتركيا وبات هذا الواقع يهدد الأمن القومي التركي من ثلاثة اتجاهات.


تهديدات من الجنوب
«حزب الاتحاد الديمقراطي»، ووحدات حماية الشعب وهي جماعة سورية كردية، وتنظيم «داعش » والرئيس السوري بشار الأسد.

وقد تطرح التساؤلات المشروعة الاتية:

كيف يمكن للاستراتيجية العسكرية التركية أن تتعامل مع خطر ظهور «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي» و«وحدات حماية الشعب الكردية» بالقرب من الحدود الجنوبية التركية  بمنظار شركاء أم أعداء محتملين على المدى المنظور القريب والمتوسط؟

هل هناك فرصة واقعية بتوظيف القوة الناعمة التركية لإمكانية نجاح القوة الناعمة التركية بتحريك القوات الكردية في الجنوب نحو الرقة بدل من تحركها شمالا نحو الحدود التركية؟

وهل من الممكن أن تسهم كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإقليم كردستان العراق بتقريب وجهات النظر وتسهيل تطويق وتحجيم مخاطر حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب على الأمن القومي التركي؟

وإذ تم إيجاد أرضية مشتركة افتراضية بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي فما هي مطالب الطرفين عسكريا وسياسيا؟

وهل من الممكن أن يتم الاتفاق على تعهد حزب الاتحاد الديمقراطي وبضمانات أمريكية بالآتي:

1- تعهد «حزب الاتحاد الديمقراطي» على الامتناع عن إرسال الأسلحة إلى تركيا، والتعهّد بتجنب السماح لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني» بدخول تركيا عبر أراضيه.

2- تعهد قادة «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالتعاون مع كل من المعارضة السياسية السورية، لعزل الرئيس السوري بشار الأسد والتعهد بتوثيق العلاقات مع إقليم كردستان العراق وتنسيق المواقف بينهما أمنيا وسياسيا وعسكريا في منطقتي جبل قنديل وسنجار تمهيدا لدخول محادثات غير مشروطة وبوساطة أمريكية بين حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وأنقرة؟

ويبقى التساؤل المحوري، هل من شأن قيام علاقة وثيقة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» ووحدات حماية الشعب أن يمنح  كل من أنقرة وواشنطن بعض النفوذ على الجماعات المسلحة الكردية في كردستان سوريا؟

وهل من الممكن أن نجعل من الآتي:

أولًا: توظيف هذه الحقيقة التي تؤكدها المصادر الاستخبارية التركية والامريكية  إنّ المناطق الحدودية الخاضعة لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» هي تلك التي لا يتم فيها تهريب الأسلحة والمخدرات والأموال إلى تركيا.

ثانيًا:  توظيف بوادر حسن النية التي ألزمت «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالاتفاق الذي أبرمه عام 2012 والقاضي بتفادي الهجوم على تركيا، وعلى وجه التحديد وهي حماية منطقته الخاصة داخل سوريا عوضًا عن نقل الصراع الكردي عبر الحدود.

إن يجعل كل من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» شركاء محتملين لتركيا - لا تهديدًا لها - في ضمان حدودهم المشتركة بوجه «حزب العمال الكردستاني» أو تنظيم «داعش» أو التنسيق على اسقاط نظام بشار الأسد أو المساهمة في تحجيم النفوذ الروسي والإيراني في سوريا وأخيرا ممكن أن يسهم في زيادة التقارب مع إقليم كردستان العراق؟

وهل ربما سنشهد قيام «حزب الاتحاد الديمقراطي» بقطع أو على الأقل تجميد علاقاته مع حزب العمال الكردستاني سؤاء في مجال تبادل الخبرات والمعلومات الاستخبارية وإيقاف  للدعم اللوجستي والعسكري بينهما (وهو احتما ل غير وارد على المدى القريب أو المتوسط)؟

 وإنه لن يقطع أبدًا علاقاته مع «حزب العمال الكردستاني»، لكنّه قد يقتنع بالحد من التوتّرات مع تركيا واحترام مصالح أنقرة؟

ومن شأن مثل هذه النتيجة أن تساعد في تركيز جهود جميع الأطراف التركية والأمريكية وحزبي الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب وإقليم كردستان العراق نحو هدفين:

الأول: مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية بإنهاء ملف داعش.

الثاني: التنسيق مع فصائل المعارضة السورية المسلحة لعزل الرئيس السوري بشار الأسد.

وإذا تحقق الاتفاق على هذين الأمرين ربما تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد «وحدات حماية الشعب» - الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي السوري - بالأسلحة الثقيلة، بما في ذلك قاذفات صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات.

وكانت «وحدات حماية الشعب» قد ساعدت على استعادة السيطرة على الأراضي التي كانت بحوزة تنظيم «داعش  في العراق والشام».

إن محصلة الاجابة على هذه التساؤلات السابقة الذكر سوف تساعد في فهم مبررات دخول حكومة أردوغان بمفاوضات جدية مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحة العسكري وحدات حماية الشعب من جهة، وإن الدافع وراء سياسة تركيا في سوريا  سيكون كامنًا في الفرص التكتيكية بدلًا من الاعتبارات الاستراتيجية من جهة أخرى؟

ويمكن الآن تحديد المبررات والدوافع التي دفعت الرئيس التركي أردوغان بوصفه رجل دولة بالدخول بمفاوضات جدية  مع حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب وبوساطة أمريكية وبتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق وكما يلي:

أولًا: إن تركيا غير مستعدة أن تهدد أمنها القومي باستمرار وجود جماعات مسلحة كردية على حدودها مدعومة أمريكيا؟

وبنفس الوقت أنه لا يمكن تجاهل المصالح التركية في سوريا ولا تجاهل معاييرها في أمنها القومي، وبأن عدم التنسيق التركي الأمريكي من شأنه أن يضر بمصالح البلدين معا؟

ثانيًا: سنجار بالنسبة لحزب العمال الكردستاني أقرب بكثير إلى روجاڨا الأمر الذي يتيح لـ «حزب العمال الكردستاني» خطوط اتصال ولوجستيات ممتازة مع الأراضي الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب».

وأن تركيا تحاول بجدية أن تقطع الطريق على حزب العمال الكردستاني من تشكيل قواعد عسكرية ومقرات قيادة سيطرة وتحكم وبنى تحتية في سنجار من جهة، وقطع خطوط الاتصال والدعم والتنسيق اللوجستي وتبادل المعلومات الاستخبارية بين حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في شمال سوريا، من جهة أخرى.

إلّا أنّ منطقة سنجار الجبلية توفر لـ «حزب العمال الكردستاني» ميزة الأرض الوعرة الأكثر ملاءمة لتكتيكات الحرب غير النظامية التقليدية التي يخوضها، ضد تركيا، ويوفر الجانب الشمالي من جبل سنجار تحصينيات طبيعية تكاد تكون مشابهة للتحصينات الاستراتيجية لقواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل، وبالتالي أدركت القوات المسلحة التركية أهمية هذا الأمر وبالتالي ستحاول بشتى الطرق منع تكوين جبل قنديل ثاني بسنجار يهدد الأمن القومي التركي؟

ثالثًا: أدركت القيادة العسكرية التركية بأنها مرغمة على قبول تسليح الولايات المتحدة الأمريكية لوحدات حماية الشعب وهو الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي بالأسلحة الثقيلة  مع مخاوفها المشروعة من أن تنقل هذه الأسلحة الثقيلة إلى حزب العمال الكردستاني.

 وعلى الرغم من أن الأسلحة الثقيلة قد تُمكّن «وحدات حماية الشعب» من الاستيلاء على مزيد من الأراضي الواقعة تحت سلطة تنظيم «داعش واسقاط نظام بشار الاسد ان تم التنسيق مع بقية فصائل المعارضة السورية ؟

وإن التخلي عن «حزب الاتحاد الديمقراطي» يمكن أن يدفع بالأكراد السوريين نحو روسيا، وهو ما يعرض مصالح كل من واشنطن وأنقرة للخطر.

ووفقًا لذلك، فبينما يجب على واشنطن أن تفكر في عدم توفير الأسلحة الثقيلة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي»، تحتاج تركيا إلى بناء علاقات جيدة مع الجماعة والمصالحة مع «حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب».

رابعًا: إن الهدف الإسمي لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو تحقيق الاستقلال الذاتي الإقليمي والدفاع عن المناطق الكردية في سوريا ضد تنظيم «داعش».

لكن لدى «الحزب» جدول أعمال أكثر طموحًا: فبعد أن صدت قواته هجومًا قام به تنظيم «داعش» مع مساعدة من الولايات المتحدة ومن قوات التحالف في وقت سابق من هذا العام، شن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هجومًا لتوحيد الكانتونات الحدودية الكردية تحت هدف قطع طرق التهريب التي يستعملها تنظيم «داعش» إلى تركيا.

وقد، استولت الجماعة على تل أبيض - المنطقة الكردية التركمانية العربية المختلطة.

 وربما نتوقع ان يحاول «حزب الاتحاد الديمقراطي» إقناع واشنطن بالسماح له بالتحرك غربًا عبر نهر الفرات والاستيلاء على منطقة مختلطة من التركمان والعرب والأكراد،

 وذلك بهدف توحيد كوباني وجزيرة مع كانتون عفرين.

ومن شأن ذلك أن يشكل حزامًا كرديًا متجاورًا على طول الحدود - وهو خط أحمر واضح لأنقرة. ولعل هذا أحد الأسباب وإن لم يكن أهمها في خطوة تركيا باستخدام القوة الناعمة وكسب حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب كشركاء محتملين بدل من أعداء على المدى المدى المنظور القريب أو المتوسط؟

وربما  يتغير تصور أنقرة بأن «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو واجهة لـ «حزب العمال الكردستاني»، الجماعة التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها تنظيم إرهابي والتي شنت حربًا على الحكومة التركية منذ عقود؟

ولكن هذا التغيير التركي مشروط بضمانة امريكية على الالتزام بالخط الأحمر الذي وضعته أنقرة والذي ينص على أنه لا يمكن لأي قوات كردية عبور غرب الفرات، بضمها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي  ووحدات حماية الشعب ؟

خامسا : لا يمكن لأنقرة أن تتجاهل الأكراد في الكردستان السوري وإلا سيكون البديل توجه حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب نحو روسيا ونظام بشار الأسد؟

إن دعم روسيا لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«حزب العمال الكردستاني» سيضع هاتان الجماعتان في موضع «حزب الله» بالنسبة إلى إسرائيل؟

وربما يكون المزيج المناسب من المحفزات من واشنطن وأنقرة هو حث "حزب الاتحاد الديمقراطي" على أن يصبح حليفًا محل ثقة لكل من الأتراك والأمريكان؟

خاصة وأن تركيا وحسب مصادرها الاستخبارية تدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية قد التزمت من العام 2013، بالبرنامج السري لـ "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية المعروف باسم "قيادة العمليات العسكرية"والذي بموجبه يتم  تزوّيد الأسلحة والتمويل

لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي وجناحه المسلّح المعروف بـ «وحدات حماية الشعب»، علمًا أنّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» هو الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» - جماعة تركية تحارب أنقرة منذ عام 1984 - وهو مُدرج على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب منذ عام 1997.

وأخيرا سيكون أحد شروط تركيا بكسب ود حزب الاتحاد الديمقراطي كشركاء محتملين وليسوا أعداء في الفترة المقبلة أن تقدم الولايات المتحدة الأمريكية ضمانات لتركيا تلزم فيها حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بعدم التعرض أو شن هجمات على كل من تركيا والتركمان في حلب والذين تجمعهم بأنقرة روابط عرقيّة وخاصة لوائي (لواء السلطان مراد ولواء السلطان محمد الفاتح)...

وأخيرا ربما ترى أنقرة إن من شأن ترشيد الدعم العسكري الأمريكي إلى القوى الكردية في سوريا، أن يفتح بابًا واسعًا للتغيير الديمقراطي في سوريا، بما يرضي معظم الأطراف  الإقليمية المتنافسة إسرائيل وتركيا وإيران والسعودية، وأن يجعل من النموذج الكردي "بتعاونه مع باقي مكونات الشعب السوري" مفتاحًا لحل طويل الأمد بدلًا من يكون بابصا لحرب داخلية جديدة أيضًا ستكون طويلة الأمد. ومن هذا المنطلق، لا يعود الدعم الأمريكي لكل من «حزب الاتحاد الديمقراطي» و«وحدات حماية الشعب» بمثابة تهديد لتركيا وإخلالا بالعلاقات الاستراتيجية التركية الأمريكية، وحتى إذا افترضنا استمراره بعد تحرير الرقة وهزيمة تنظيم «داعش »، بل يصبح في الواقع حسنة تصب لصالح الأمن القومي التركي.

أما بالنسبة لتركيا، فقد تشمل الحصيلة المثلى استخدام القوة الناعمة لكسب ود «حزب الاتحاد الديمقراطي» وجناحه العسكري «وحدات حماية الشعب» كشركاء محتملين في المدى المنظور القريب، ولكن تركيا ستكون مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للدفاع عما تعتقد بأنه يهدد أمنها القومي.

وهذا ما أكده نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش لصحيفة حرييت في 5/ تموز 2017: "إذا لاحظت تركيا تحركًا لـ «وحدات حماية الشعب» في شمال سوريا بما يشكل تهديدًا لها، فسوف تردّ بالمثل".

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان