مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ أغسطس ٢٠١٧
جوهر الثورة وفكرة هزيمتها

تتزايد الأسئلة حول نهاية الثورة في سوريا، ويساعد في تزايد هذه الأسئلة، ما وصلت إليه الأحوال السياسية والميدانية في الصراع السوري مع اتساع حجم التدخلات الإقليمية والدولية، الأمر الذي جعل هذه الأسئلة، لا تقتصر على السوريين الذين غمرتهم التطورات الكارثية في الصراع، وإنما تشمل من هم خارج الصراع من المهتمين بما حصل في سوريا، وما يمكن أن يؤول إليه مستقبلها ومستقبل أبنائها، وهو مستقبل يبدو للكثيرين غامضاً، يحتاج إلى كثير من الوقت، حتى تنجلي ملامحه.

والأسئلة عن نهاية الثورة في سوريا، ليست جديدة، بل رافقت بداياتها في العام 2011. لكنها كانت تمر همساً أو بأصوات لا تكاد تكون مسموعة، ترافق كل تطور يدلل على مكسب يحققه نظام الأسد، أو انتصار يتحقق على معارضيه سواء كان انتصاراً سياسياً أو ميدانياً، أو فيما يطرأ من تطورات إيجابية أو سلبية على التدخلات الخارجية الكبرى.

غير أنه وقبل مقاربة الجواب حول مصير الثورة، ثمة حاجة إلى مقاربة فكرة الثورة ومعناها، ليكون الحديث أكثر تدقيقاً وعمقاً، يتجاوز التبسيط في معنى الثورة وفكرتها على نحو أظهر معناها لدى الغالبية الشعبية وفي أوساط نشطاء ونخبة السوريين باعتبارها حركة احتجاج ومظاهرات واعتصامات وإضرابات، بدأت أولا في مناطق محدودة في أواسط مارس من العام 2011، ثم امتدت وتوسعت، لتشمل أنحاء مختلفة من البلاد، ثم تبعتها انشقاقات في المؤسستين الأمنية والعسكرية للنظام.

وفي الحقيقة، فإن ما اعتبره جمهور كبير من السوريين من تحركات ونشاطات، لم يكن هو الثورة، وإنما بعض تعبيراتها ومظاهرها، وهذا ما انطوت عليه المظاهرات والاعتصامات والانشقاقات عن النظام ومؤسساته، وكان ذلك الالتباس أمراً طبيعياً في بلد، منع عن شعبه كل أشكال التعبير عن رأيه وموقفه، وفرضت عليه أشكال سطحية من السياسة، وجرى فيه اضطهاد الجماعات السياسية والقادة الذين لم يكن وجودهم، يتجاوز السجون والمعتقلات أو المنافي، أو الانخراط في مسارات العمل.

أما الثورة بمعناها العميق والمختصر، فقد كانت تعني عملية تغيير كلي وشامل في مختلف مناحي الحياة العامة، أو باختصار أشد، فإنها تعني تغيير بنية الدولة والمجتمع والعلاقات القائمة بينهما، وهذا هو المحتوى الأساسي للثورة.

وللحق، فإن الهتافات والشعارات الأولى للمتظاهرين والمحتجين المطالبة بالحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ووحدة السوريين، كانت تضمر المعنى الحقيقي لثورة السوريين على نظام الأسد الغارق في الديكتاتورية والاستبداد والفساد والاستئثار بالسلطة والمال.

ولم تكن هتافات وشعارات المتظاهرين وحدها، التي تحمل معنى الثورة، بل إن المظاهرات والأنشطة الأخرى، أبرزت الحامل الاجتماعي للثورة من خلال المشاركة الشعبية الواسعة وخصوصاً لجهة مشاركة الشباب والنساء في المدن والأرياف على السواء، الأمر الذي كان يؤشر إلى القوى الحاملة لمشروع التغيير السوري ومضامينه.

لقد أدرك نظام الأسد المعنى الحقيقي لما يقوم به السوريون، وما يمثله من أخطار على وجوده ومستقبله، خصوصا بعد تصاعد الهتافات المطالبة بتغيير النظام ورحيل رأس النظام، مما جعله لا يذهب نحو القتل والتدمير والترحيل فقط، وإنما السعي إلى عسكرة الثورة بالتزامن مع تغذية أسلمتها وتطييفها، وهي المجالات التي يجد صدى لها في الأوساط الشعبية محدودة الرؤية السياسية، مما أدى في النتيجة إلى تراجع الحراك الشعبي وانحسار كبير في مظاهره في التعبير عن ثورة السوريين وأهدافها، بل إن الأسوأ في نتائج هذا التحول، قيام التشكيلات المسلحة، التي اتجهت نحو الأسلمة والتطييف، أنها ذهبت في مسار النظام ذاته نحو وأد الحراك الشعبي ومقاومة نشاطه في مجال التظاهر والاحتجاج والأنشطة المستقلة.

وسط هذا التحول وفي ظل تغييرات سياسية وميدانية عاصفة، صارت الأسئلة عن نهاية الثورة مطروحة أكثر وبأصوات أعلى، ومن أوساط سورية وخارجية، لكن دون أن تكلف هذه الأصوات نفسها بالتدقيق في الواقع السوري، وقد صار واقعاً مختلفاً عما كان عليه قبل الثورة.

فالسوريون لم يعودوا كما كانوا قبل 2011، ولا النظام ذاته، والكل يعرف أن تغييرات عميقة حدثت، وأنه لن يتم الرجوع إلى «سوريا الأسد» مهما كانت حدود التسوية والحل المقبل في سوريا، ولن تتوفر من خلالهما فرصة لأي مشروع متطرف إسلامي كان أو طائفي أو قومي متشدد بالوجود في مستقبل سوريا.

وفي ظل هذه الحقائق، فإن ثورة السوريين، تركت بصماتها الواضحة على مستقبل البلاد، وإن كان من الصحيح أنها لم تحقق كل ما طالب به السوريون وما حلموا بتحقيقه، فإن بعضه تحقق، والبعض الآخر بحاجة إلى جهد ومتابعة على نحو ما حدث غالباً في كل ثورات الشعوب التي سبقتهم، وفي النادر القليل استطاعت ثورات في العالم، أن تحقق أهدافها دفعة واحدة، وحتى عندما حصل انتصار سريع، فإن الشعوب احتاجت زماناً من أجل تكريس أهداف الثورة وقيمها في الواقع المعيش.

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٧
«تفاهم الضرورة» بين أنقرة وطهران لا يبني تحالفاً

زيارة رئيس الأركان الإيراني الجنرال محمد باقري تركيا شغلت الإعلام في البلدين. عدّها تطوراً بارزاً ومحطة مفصلية في التعاون والعلاقات الثنائية. انطلق من كونها الزيارة الأولى من نوعها منذ 1979. ونسبت صحيفة «زمان» إلى الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي التركي، تونجار كيلينتش، قوله إن الزيارة تشكّل «نقطة تحوّل مهمة وتاريخية بالنسبة إلى السياسة الداخلية التركية والديبلوماسية الإيرانية في المنطقة». وبشر بأن «التاريخ سيشهد فتح صفحة جديدة في المنطقة إذا تحرّكت تركيا وإيران معاً». لكن واقع الحال ليس على هذه الصورة، لن يكون بمقدور هذا التقارب تغيير المشهد الاستراتيجي في المنطقة وليس بمقدور هذه الحملة الإعلامية طي صفحات من التاريخ القديم والحديث جداً من العلاقات الحادة بين البلدين. الصحيح أن هذا الحدث يجيء في مرحلة يتبدل فيها المشهد الإقليمي سريعاً، ولعل أحد أبرز تجليات هذا التبدل يكمن في تفاهم الضرورة بين واشنطن وموسكو في الساحة السورية، على رغم ما بينهما من توتر يؤشر إلى قيام نوع من آخر من الحرب الباردة. هذا التفاهم دفع الكرملين إلى تقديم مصلحته في العلاقة مع البيت الأبيض على أي مصلحة أخرى، سواء كانت مع طهران أو أنقرة. يتماشى هذا مع منطق الكبار حين يجلسون إلى الطاولة. ولا شك في أن تركيا وإيران لا يريحهما لجوء موسكو إلى القاهرة للمساعدة في إقامة منطقتي خفض توتر في الغوطة الشرقية لدمشق أو شمال حمص. هذه الخطوة تباركها واشنطن، وتدعمها عواصم خليجية ما دام أنها تعزز حضور حليفها المصري في بلاد الشام، وتعيد إليه شيئاً من دوره القديم، وتحد من غلواء خصومها من دول الطوق.

أبعد من هذا التفاهم الدولي المقلق، تتوجس إيران وتركيا من إقامة القوات الأميركية عدداً من القواعد في سورية كأنها باقية لسنوات، وأن يكون ميدان هذا الانتشار في مناطق الشمال خصوصاً، انطلاقاً من الدعم الذي توفره الولايات المتحدة لـ «قوات سورية الديموقراطية». وهذه القوات يغلب عليها ويقودها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي الذي ترى إليه أنقرة فرعاً لحزب العمال وتشمله بلائحة «الإرهاب». وأوضح الناطق باسم هذه القوات طلال سلو أن القوات الأميركية ستبقى في شمال سورية لفترة طويلة بعد هزيمة «داعش»، وتوقع إقامة علاقات مستمرة بين واشنطن ومناطق سيطرة الكرد، وتحدث عن سياسة استراتيجية أميركية لعشرات السنين في المنطقة. وأكد أن اتفاقات عسكرية واقتصادية وسياسية ستعقد بين الولايات المتحدة وقيادات منطقة الشمال السوري، وكشف أن الأميركيين يلمحون إلى إقامة قاعدة جوية كبيرة قد تصبح بديلاً من قاعدة إنجرليك في ولاية أضنة التركية. وهو في أي حال لم يشكف جديداً؛ إذ لم يخف مسؤولون في إدارة الرئيس دونالد ترامب مثل هذا التوجه، بل تحدثوا في أكثر من مناسبة عن بقاء القوات الأميركية لفترة طويلة في بلاد الشام. وقد تولت هذه حماية الكرد من تهديدات القوات التركية في أكثر من موقع وحالت دون تقدم عناصر «درع الفرات» نحو مناطق «وحدات حماية الشعب». وحال الجمهورية الإسلامية ليست أفضل مع الإدارة الجديدة التي تضاعف عليها العقوبات وتسعى إلى ضرب نفوذها في الشرق الأوسط.

وتتزامن زيارة الجنرال باقري أيضاً مع انطلاق الحرب على «داعش» في تل عفر. ومعروف أن تركيا ترفض دخول «الحشد الشعبي» هذه المدينة التي تسكنها طائفة كبيرة من التركمان. وتتزامن أيضاً مع إصرار الرئاسة في إربيل على إجراء استفتاء على قيام دولة كردية، وهو استحقاق بات قريباً... إلا إذا نجح معارضوه الكثر في تأجيله. ولا حاجة إلى تكرار ما ساقته طهران وأنقرة من تهديدات لإربيل إذا مضت في هذا الاستحقاق المقرر في الخامس والعشرين من الشهر المقبل. وتاريخ اعتراضهما على استقلال كردستان طويل منذ أن حطت الحرب العالمية الأولى رحالها إلى اليوم. خوفهما أن تمتد «العدوى» إلى الكرد في تركيا وإيران، لذا هما تنذران بأن مثل هذه الخطوة سيزعزع استقرار العراق ويترك آثاراً سلبية على المنطقة كلها. كل هذه المتغيرات والاستحقاقات، إضافة إلى ما تعانيه المنطقة العربية من تفكك وشرذمة وحروب، وآخرها الأزمة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة ثانية، تدفع إلى اصطفافات جديدة وعلاقات متبدلة ومصالح متشابكة. لذا، لا يجد البلدان مفراً من إعادة النظر في علاقاتهما نحو مزيد من التعاون والحد من تضارب المصالح والتطلعات.

إنها إذاً مرحلة تفرض على تركيا وإيران عقد زواج مصالح مرحلي أو تفاهم الضرورة، تماماً كما هي حال روسيا وأميركا هذه الأيام، في سورية أو غيرها، بعيداً من الخلافات والتناقضات في الأهداف والمصالح والتناحر لاقتطاع مناطق سيطرة ونفوذ وفتح أسواق في المنطقة العربية. كلتاهما تحتاج إلى الأخرى مرحلياً في حمأة الصراع على الإقليم. في هذا الإطار يجب وضع زيارة الجنرال باقري، إنها محطة إلزامية فرضتها ظروف يواجهها البلدان، لكنها لا يمكن أن تطوي عقوداً من التوتر والخلاف بينهما، أو تشكل منطلقاً أو خطوة نحو بناء تحالف استراتيجي. ستظل لكل منهما سياستها الخاصة، سواء في العراق أو سورية، وحتى في آسيا الوسطى والجمهوريات السوفياتية السابقة. تسعى كل منهما إلى بسط سلطتها وتجارتها وتوسيع فضاء أمنها في الإقليم على حساب العرب... وإسرائيل أيضاً. لأشهر، كان الرئيس رجب طيب أردوغان يصر على رحيل الرئيس بشار الأسد، ويندد بالتمدد الفارسي في المنطقة. وكان قبل ذلك يهاجم بشدة نوري المالكي، حليف طهران الأول، ويتهمه بتأجيج الصراع المذهبي في العراق. وفي بدايات لقاءات آستانة، كان ممثل أنقرة يطالب بانسحاب الميليشيات الشيعية و «حزب الله» من سورية. المسؤولون الإيرانيون هددوا تركيا مراراً وحذروها من التدخل في أزمة جارتها الجنوبية، واتهموها بدعم الحركات الإرهابية. وليس خافياً دعمها حزب العمال في حربه مع أنقرة. مثلما ليست خافية تفاهمات «الحشد الشعبي» مع هذا الحزب الذي وفرت له الأزمة السورية وقيام «داعش» فرصة التمدد نحو جبل سنجار والشمال السوري، وهو ما أثار ويثير حفيظة إربيل...

زيارة رئيس الأركان الإيراني أنقرة قد لا ترتب على طهران تعقيدات مماثلة لتلك التي تواجه حكومة الرئيس أردوغان. فالجمهورية الإسلامية حرصت، على رغم كل ما شاب تاريخ العلاقات مع تركيا، على تفاهمات اقتصادية معها تتيح لها باباً لخرق العقوبات الأميركية المتجددة، وتعينها على حفظ نفوذها في عدد من البلاد العربية، خصوصاً سورية والعراق. وهي تفيد حتماً من الفتور بين القاهرة وأنقرة، وما يمكن أن يطاول العلاقات بين الأخيرة وعواصم خليجية بسبب وقوفها إلى جانب الدوحة، ومواصلة رعايتها قوى الإسلام السياسي خصوصاً «الإخوان». في حين يطمح الرئيس التركي إلى تعاون مع موسكو وطهران، يعينه على مواجهة السياسة الأميركية حيال الكرد في بلاد الشام، وعلى مواجهة أوروبا التي أدارت له ظهرها وتسوق إليه شتى الاتهامات في شأن حقوق الإنسان والسعي إلى بناء ديكتاتورية. ولا شك في أن سعيه إلى تنسيق عسكري كبير مع الإيرانيين سيفاقم غضب الغربيين عليه. ولا حاجة هنا إلى ذكر استياء واشنطن وحلفائها في حلف «الناتو» من إبرام حكومته صفقة مع موسكو لمده بمنظومة صواريخ من طراز «اس 400».

ومهما كانت مخاوف واشنطن من بناء تحالف بين موسكو وطهران وأنقرة، لا يمكن هذه القوى الثلاث الذهاب أبعد من عقد صفقات أو مقايضات مرحلية، تشمل الوضع في تل عفر ومستقبل محافظة إدلب التي باتت بيد عناصر «جبهة فتح الشام» (النصرة). كأن تلقى تركيا دعماً من شريكتيها في آستانة لإحباط محاولة الكرد تثبيت «إدارتهم» أو فيديراليتهم وربط الجزيرة والقامشلي وكوباني بعفرين غرب الفرات، في مقابل أن تخفف هذه مثلاً معارضتها مشاركة «الحشد» في معركة تل عفر، والمساعدة في إقامة منطقة خفض توتر في الشمال الغربي لسورية. مثل هذه المقايضات أو «تفاهم الضرورة» لا يبني حلفاً استراتيجياً، خصوصاً أن الدول الثلاث ترتاب واحدتها من نيات الأخرى في أكثر من ملف وساحة... وعينها على أميركا وأوروبا!

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٧
نعم... وصاية دمشق تزحف نحو بيروت

لا يندرج تفصيل تلبية وزراء لبنانيين دعوة دمشق لافتتاح معرضها «الدولي» ضمن إطار السجال المحلي اللبناني الصرف. مهدت زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى طهران للأمر، بما أوحى أن القيادة الإيرانية أفرجت عن مزاج، لا يحتمل تردداً، يروم وصل دمشق ببيروت سياسياً قبل أن يتم لها وصل طهران بالبحر المتوسط برياً.

وإذا ما أراد الوزراء الزائرون الذين اعتادت تياراتهم السياسية التحرك وفق أجندتي دمشق وطهران إحداث ضجيج صاخب حول ما يفترض أنه سلوك طبيعي يمارسونه منذ سنوات من دون وجل، فإن ذلك كان بمثابة إعلان من قبل طهران ودمشق و «حزب الله» عن تبدل قواعد اللعبة التي أنتجت رئيساً للجمهورية وأثمرت توليفة خرجت منها الحكومة اللبنانية الحالية.

والواضح أن الاجتهادات التي صدرت من داخل مجلس الوزراء في الادعاء بأن للزيارة طابعاً شخصياً ولا تمتلك مواصفات رسمية، تخفي داخل ركاكتها عزماً من قبل خصوم دمشق على عدم الصدام وتمرير العاصفة صوناً لديمومة الحكومة. في المقابل يشي التحدي الذي لجأ إليه الوزراء الزائرون بأن الفريق السياسي القريب من محور دمشق- طهران بات جاهزاً، وفق أمر عمليات مطلوب، لرفع السقوف داخل الصيغة التي أتت بالعهد، حتى لو كانت في ذلك مخاطرة تطيح بحكومة سعد الحريري.

على أن تأملاً للحدث يقود إلى استنتاج دينامية جديدة يريد «حزب الله» من خلالها حصد ثمار لبنانية لفلاحته في الحقول السورية خلال السنوات الأخيرة. وفيما انحشر خصوم الحزب في مطالبته بالخروج من سورية والعودة إلى لبنان، فإن الحزب يبلغ اللبنانيين أنه عائد يوماً وفق ميزان قوى آخر يملي قواعد جديدة وجب على ساسة لبنان أن ينخرطوا بها.

تعلن الزيارة في بعدها الرمزي أن نظام دمشق باقٍ ولن يتغير وأن من واجهات هذا البقاء عودة بيروت إلى أحضانه. وتواكب الزيارة في مناسبتها الاحتفالية إطلالة النظام السوري على المنطقة، وليس على العالم، من خلال إعادة إنعاش معرض دمشق الدولي، الذي لا تنطبق عليه صفة الدولية.

وفي الكلام عن الواجهة ما يخفي المسلّمة التي تريد دمشق تسويقها من أن بيروت باتت قيمة ساقطة في حسابات الأرباح والخسائر لمصلحة نظام سورية ورئيسه. ولئن ما زالت دمشق غير مدركة لمآل نظامها الحقيقي داخل مطحنة التفاهمات الأميركية الروسية، فإنها وطهران تعملان على صناعة «أمر واقع»، وتسعيان لتجنيبه شرور تلك التفاهمات وحصادها. ووفق تلك المقاربة يسقط لبنان داخل حسابات ذلك المحور طالما أنه ما زال خارج حسابات القوى الإقليمية والدولية الأخرى.

والحق أن بري الذي صمت كثيراً أثناء الأزمة السورية ولم يجارِ «حزب الله» في إرسال مناصريه الشيعة رسمياً للقتال إلى جانب نظام الأسد، لم يكن ليدفع باتجاه إعادة الوصل الوزاري مع دمشق لو لم يكن قد تبلّغ جدياً في طهران بأجواء لا تحتمل تدللاً أو تحفظاً، ولو لم يكن مدركاً لوجود فراغ دولي إقليمي مقابلٍ لا يعترض على هذا المسعى. وبالتالي فإن رضوخ الحكومة اللبنانية لمبدأ نسج وزراء لعلاقات «شخصية» مع نظرائهم الدمشقيين، لا يعدو كونه نفخاً في فراغ يعترف بقدرية مستقبل الترابط بين نظامي لبنان ودمشق.

غير أن اكتفاء المعترضين على ورشة التطبيع الجارية بين لبنان والنظام السوري بردود سطحية تشبه رفع العتب، يأتي أقل بكثير مما كان يتوقعه «حزب الله» وسفير دمشق في بيروت. والحال أن ظهور المعترضين بمظهر الحرص الممل على الحفاظ على العهد وحكومته، يجعل منهم رهينة أمر واقع سيحولهم حكماً من شركاء في الطبخ إلى مستهلكين نهمين لما سيطبخه الآخرون، بما سيجعل من عودة بيروت بيدقاً في يد محور طهران- دمشق تفصيلاً لن تلحظه مصالح الدول الإقليمية والدولية الكبرى.

قد لا يمتلك لبنان ترف معاندة أي تسوية كبرى يجري إعدادها في آستانة وجنيف وينشط انتاجها في غرف عواصم القرار الدولي. لكن سيكون من غير المفهوم تموضع لبنان المسبق في مواقع مهرولة متقدمة في الوصل مع نظام دمشق من خارج الخرائط والتفاهمات التي ستنتجها المداولات الدولية اللاحقة.

ولا يبدو أن «حزب الله» يملك هامشاً مريحاً في فرض خياراته اللبنانية على النحو الذي يعيد اللبنانيين إلى ذاكرة «السابع من أيار»، ولا يبدو أن طهران المربكة داخلياً وخارجياً تتحلى برشاقة تبرر الإذعان لإملاءاتها، ولا يبدو أن أجندات واشنطن وموسكو كما أجندات أنقرة والرياض تتيح مشهداً يعيد لنظام دمشق محورية دور نوستالجي بائد. بيد أن عجز المتحدرين من معسكر 14 آذار العليل عن توفير حد أدنى من المقاومة، سيجعل من مقاربة «حزب الله» التجريبية تمريناً حلالاً لا يقف ضده أي حرام.

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٧
مستقبل الصراع الدولي على سورية

عندما كان مرشحا يخوض حملته الانتخابية باسم الحزب الجمهوري؛ أثار دونالد ترامب مسألة المناطق الآمنة في سورية، حيث وعد بإنشاء مناطق لحماية المدنيين، واستخدامها مأوى للاجئين السوريين، لكنه لم ينفذ الفكرة، بعد أن اكتشف مدى تعقيدها وبعد تحذير روسيا ورفضها. وكانت المعارضة السورية قد دعت إلى تنفيذ هذه المناطق منذ عام 2011 وسيلة لحماية المدنيين داخل سورية، وهذا هو السبب في أن الموقف الروسي الجديد لدعم فكرة "مناطق التصعيد" كان مفاجأة لمعظم جماعات المعارضة المتشكّكة جدا في النية الروسية في سورية.

وقد ساعد الغموض في شروط "مناطق تخفيف التصعيد" الروس على قطع الطريق على فكرة المناطق الآمنة التي لا يرغبون برؤيتها تفرض على عكس رغبتهم ورغبة نظام الأسد. لجأت روسيا في سورية مراراً إلى لغة الغموض، في محاولة منها لتجنب الانتقادات المتكرّرة، بحيث أصبحت هذه اللغة سياسة بحد ذاتها، فلجميع القوى الدولية والإقليمية مصطلحاتها ومفاهيمها التي تحاول دوما فرضها.

دعمت تركيا فكرة المناطق الآمنة منذ بداية عام 2012، ثم دعمت مجدّدا فكرة مناطق خفض التصعيد أو التوتر التي حدّدتها محادثات أستانة؛ وهي تعني التخلي تماما عن مفهوم المناطق الآمنة أو مناطق حظر الطيران، حيث تضع تركيا الآن كل طاقتها لمحاربة حزب الاتحاد الديمقراطي والمليشيات الكردية، وهذه هي النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني الموضوع على قائمة المنظمات الإرهابية التركية.

لم تقدم إدارة ترامب أي تفسير للاتفاق الموقع بشأن جنوب سورية، حيث حاولت تقديمه قصة نجاح بعد الاجتماع بين الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في محاولةٍ لتجنب الانتقادات الداخلية في العلاقة بين حملة ترامب الانتخابية والقيادة الروسية. هذا هو السبب في أن مستقبل هذا الاتفاق لن يكون مختلفا عن غيره، ومن الصعب جدا على إدارة ترامب أن تجادل العكس، لكن الاتفاق ربما يكشف عن استراتيجية ترامب الجديدة في سورية التي هي ببساطة استمرار لسياسة أوباما السابقة، من حيث التركيز في القتال والقضاء على "داعش"، بالاعتماد على مليشيات محلية، من دون وجود قوات أميركية على الأرض. لكن ما لم تدركه إدارة ترامب اليوم أن الوضع في في سورية اليوم مختلف عمّا كان عليه الصراع في سورية في عام 2013 أو قبله.

لدينا اليوم ثلاثة مستويات مختلفة من الصراع، وفي كل مستوى هناك فاعلون وأطراف عديدون مشاركون. على الصعيد الدولي، تتنافس روسيا مع الولايات المتحدة على مصالحها في سورية. على المستوى الإقليمي، لدينا تركيا من جهة، وهي تشترك على الأقل بـ560 ميلا من الحدود مع سورية، في منافسة مع إيران والسعودية على القضايا الطائفية، والتوسع في سورية. وعلى المستوى الثالث، لدينا مجموعات محلية داخل سورية تتقاتل مع بعضها بعضا، كما أن النظام السوري الذي يخاتل دوما باستخدام مصطلح السيادة، لجأ إلى الاعتماد أكثر فأكثر على المليشيات الشيعية للقيام بالقتال، في مقابل جماعات المعارضة المسلحة التي باتت تنقسم إلى تلك الإسلامية المتطرفة، وتلك الوطنية تحت راية الجيش السوري الحر الذي فقد وجوده يوما بعد يوم.

تجعل هذه الخرائط المعقدة من الصعب جدا على أي إدارة أميركية بناء سياسةٍ فعالة في سورية، إذ على جميع أصحاب هذه المصالح المتضاربة أن تتوافق على ما ترغب بتحقيقه في سورية، وهو، في الوقت نفسه، يفرض على هذه الأطراف المختلفة أن تتفق في فهمها للمصطلحات المختلفة، عندما نقول "وقف إطلاق النار" أو "الهدنة" أو "مناطق التصعيد"، وإلا فإن هذه الأفكار أو المفاهيم ستصبح مصطلحات "نظرية"، لا معنى لها على الأرض، وستبقى الأطراف المختلفة تتقاتل على سوء نوايا الأطراف في سياساتها تجاه سورية.

ولذلك، ليس صعبا أن تتهم المعارضة السورية اتفاق "خفض مناطق التصعيد" بأنه خطة لتقسيم سورية. ذلك أن روسيا ترغب في استخدام "مناطق التصعيد" هذه وسيلة لتجميد الصراع في سورية، ثم زيادة فرص حكومة الأسد في قضم الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة. وعندما تتخلص الولايات المتحدة من "داعش" في الرقة ودير الزور، لن يكون أمام سورية أي خيار آخر، بدلا من تسليم هذه الأراضي إلى الحكومة السورية لحكمها، لأن الولايات المتحدة لن تكون قادرةً على إرسال قواتٍ إلى هناك، للسيطرة الكاملة على هذه المناطق. فعلى الرغم من الخطابة التي استخدمتها إدارة ترامب، في كل مرة، للتمييز عن إدارة أوباما في كل مرة، وعلى كل المستويات، إلا أنها تبدو أنها تتبع خطى أوباما التي سارت من قبل في سورية، التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية كما قلنا، والاعتماد على المليشيات المحلية، للتخلص من المجموعات الإرهابية، والاتفاق مع روسيا لتخفيض التصعيد، أو تجميد الصراع، لأنه ليس لديك مصالح لاستثمار مزيد من الموارد في حلها، والبقاء النهائي بعيدا بقدر ما تستطيع من "المستنقع السوري".

هذا هو مستقبل الصراع الدولي على سورية، وهو تجميد الصراع على حاله، ومنع أقلمته، لكن من دون حله، لأن كل هذه الأطراف الدولية، وخصوصا الولايات المتحدة، ليست مستعدة لاستثمار أية موارد إضافية لحل المسألة السورية بشكل نهائي، وبما يستجيب لحق الشعب السوري في اختيار نظام حكمه وانتخاب رئيسه، بل وأبسط من ذلك، ستبقى قضية اللاجئين السوريين مثارةً باستمرار، مع تصاعد أعمال العنف الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا، وهي ما يزيد معاناة السوريين التي لا يبدو أن أحدا ما في هذا العالم القاسي يكترث لها، أو يعير لها بالاً. سورية اليوم مثال نموذجي لفشل المجتمع الدولي في حل قضيةٍ كان التدخل المبكر قادرا على إيجاد حلٍ لها، لكن رؤية المصالح الضيقة، والخوف من الفشل، بعد ما جرى في العراق انتهى بنا بالوضع في سورية إلى ما هي عليه اليوم، ثلاث أزمات تتكاثر: انتقال سياسي يستعصي على الحل، ويزيد الألم والمعاناة مع تمسك الأسد بموقعه، ورغبته المشؤومة في تدمير سورية حلا لها، ولاجئون لا يجدون سوى البحر ملاذا آمنا، ومنظمات إرهابية تزداد عنفا وسوداوية، وجدت في سورية موئلاً مناسبا لها لتحكم وتنفذ ما لم تكن تحلم بتحقيقه أبداً، والنتيجة سورية التي نعرفها لم ولن تعود كما كانت من قبل.

اقرأ المزيد
٢٣ أغسطس ٢٠١٧
إلى أين تتجه العلاقات الأميركية - الروسية؟

على رغم اختلاف النظم والعهود، إلا أننا نستطيع أن نجد تماثلاً بين ما يجرى اليوم في العلاقات الأميركية - الروسية، وبين ما حصل خلال العهد السوفياتي. فعندما شرع ريتشارد نيكسون وهنري كيسينجر في بناء علاقات «الوفاق» مع الاتحاد السوفياتي في أوائل سبعينات القرن الماضي، انعقدت أربع قمم في موسكو وواشنطن، صدر عنها نطاق عريض من الاتفاقيات في مجالات العلاقات الثنائية، وفي جوهرها اتفاقيات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، سالت، فضلاً عن مبادئ السلوك في الأزمات الإقليمية والدولية. غير أن هذا التحول من المواجهة إلى الحوار والتفاوض، وُوجه بمقاومة من قوى سياسية أميركية تملكتها عقلية الحرب الباردة والنظر إلى الاتحاد السوفياتي كخصم يجب احتواؤه، تمهيداً لزوال نظامه. ونجحت هذه القوى في أن تستصدر من الكونغرس الأميركي ما عرف بقانون جاكسون فينك الذي يقضي بعدم منح الاتحاد السوفياتي حق الدولة الأولى بالرعاية، وهو ما كان قد تمَّ الاتفاق عليه في مؤتمرات القمة.

واشترط القانون أن يسمح الاتحاد السوفياتي لليهود بالهجرة لإسرائيل، وهو الشرط الذي رفضته موسكو. وكان ذلك من بدايات تراجع ما تحقق في مفهوم «الوفاق»، حتى انهار تماماً في عهد رونالد ريغان وسط ترحيب شامل من قوى اليمين الأميركي، وإن كان عدد من المؤرخين والسياسيين مثل جورج كينان، قد عبَّروا عن خشيتهم من تجدد الحرب الباردة، وانطلاق سباق التسلح.

في هذه الخلفية التاريخية تماثل مع ما نجحت فيه قوى أميركية تتربص بروسيا، مستغلة التحقيقات التي تجرى حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، في وأد اتجاه ترامب منذ حملته الانتخابية إلى التعاون مع موسكو. ترامب كان قد وصف معارضي ذلك الاتجاه بالحمقى. أما فلاديمير بوتين، فبات يرى أن تدني مستوى العلاقات الأميركية - الروسية يرجع إلى السياسة الداخلية الأميركية. ومن المفارقات أن يتفق هذا مع اتهام دونالد ترامب الكونغرس الأميركي بأنه المسؤول عن تدهور العلاقات الأميركية - الروسية. في بداية ولايته، نصح خبراء أميركيون ترامب بأن اتباع استراتيجية متشددة مع موسكو سوف يولد استجابة استفزازية من بوتين ويعيق مجالات تعاون تحتاج لها وشنطن (فوريين افيرز آذار/مارس – نيسان/أبريل 2017). فهل ستترك العلاقات الأميركية - الروسية لتجاذبات السياسة الداخلية الأميركية؟ أم سيفوز إدراك أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون مع روسيا في قضايا رئيسية: الأزمة السورية ومحاربة «داعش»، والأزمة المتصاعدة مع كوريا الشمالية، وإيران، فضلاً عن الملف الحافل حول قضايا التسلح؟ ونتصور أن ريكس تليرسون يدرك هذه الاعتبارات ويحاول وقف التدهور في العلاقات، وأن بوتين من البداية كان يتطلع إلى علاقات إيجابية مع ترامب وإدارته.

اقرأ المزيد
٢٣ أغسطس ٢٠١٧
«بيونغ يانغ» تحيي بشار الأسد!

كملت!

الأنباء تتحدث عن تقرير سري للأمم المتحدة مؤلف من 37 صفحة، تسرب للصحافة، بشأن انتهاكات العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، وأنه تم اعتراض شحنتين كوريتين شماليتين إلى وكالة تابعة للحكومة السورية مسؤولة عن برنامج الأسلحة الكيماوية السوري، خلال الأشهر الستة الماضية.

يعني لم يكن بشار الأسد ينقصه شيء من أدوات الماكياج السياسي الذي اجتمع له خبراء التزيين الروس والأوروبيون والأميركان، إلا أن يضع ديكتاتور «بيونغ يانغ» لمسته الخاصة عليه!

بعيداً عن هذا، وبعيداً عن الحرص الأسطوري للمندوب الدولي الناظر ستيفان دي ميستورا، الذي عقد حتى الآن 7 جولات في جنيف، ويعد بالمزيد...

وبعيداً عن جولات الروس والترك والفرس والفرنجة الجدد في آستانة بكازاخستان...

وبعيداً عن الركض اليائس لمنصّات المعارضة السورية - حلوة منصّات – وعجز المعارضة عن توحيد كلمتها بعد إجبار الغرب المعارضة السورية «الحقيقية» على «إقحام» منصة موسكو - جماعة قدري جميل، الذي هو معارضة «لطيفة» على معدة بشار ولسانه وليد المعلم...

بعيداً عن كل هذا التذاكي واللؤم الدولي على القضية السورية، يحسن تذكر هذه الأرقام السوداء ببركة السياسات الغربية، والسند الروسي - الإيراني لبشار الأسد... بالمناسبة مبروك للأخير زيارة الوزراء اللبنانيين الشجعان!

من هذه الأرقام:

نسبة المستشفيات السورية العاملة 43 في المائة فقط، وفرّ نصف الأطباء السوريين للخارج. زهاء 80 ألف طفل في سوريا مصابون بشلل الأطفال الذي تم استئصاله من سوريا عام 1995. مدرسة من كل 4 مدارس إمّا تضررت، أو دمرت، أو استخدمت للنازحين.

6.3 مليون شخص مشردون داخلياً، وما يقرب من 5 ملايين سوري خارج البلد لاجئين. تكلفة الصراع في سوريا حتى الآن 275 مليار دولار.
كمشة من أرقام المأساة السورية، بفضل بشار أولاً، وإيران الخمينية وروسيا البوتينية ثانياً، وتهافت وتفاهة؛ إن لم نقل لؤم السياسة الغربية، وتواطؤ بعض العرب مع قاتل الشام بشار.

أمور جعلت كاتباً مثل ألون بن مائير، أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية، بجامعة نيويورك، يصفها بـ«الفضيحة الأخلاقية الكبرى»، ويضيف: «الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي كان بمقدوره وقف هذا الرعب تحت إدارة أوباما. من المحزن أن أوباما لم يفعل شيئاً».

أرقام لم تحدش ضمير آية الله خامنئي، الذي نقل عنه سفيره المتجول للفتنة والقتل قاسم سليماني، حسب وكالات الأنباء: «قال أحدهم: هل نذهب لندافع عن الديكتاتوريين؟ لكن المرشد أجابه: هل ننظر لأي حاكم للدول التي نقيم علاقات معها؛ هل هو ديكتاتور أم لا؟ نحن نراعي مصالحنا».

حتى لو بقي بشار بقصر الشعب بقاسيون، فلن يبقى في ضمير الشام، وهو الضمير الذي سينتج عاجلاً أو آجلاً، ثورة أخرى... بالإذن من الناظر دي ميستورا.

اقرأ المزيد
٢٣ أغسطس ٢٠١٧
الأسد: الإبادة كحل نهائي لمجتمع أكثر تجانسا

قبل يوم واحد من الذكرى الرابعة لقصف قواته لغوطة دمشق بالسلاح الكيميائي ألقى الرئيس السوري بشار الأسد خطابا آخر من خطاباته التي تثير عادة الدهشة لامتلائها بأفكار غريبة لديكتاتور يقف على قمّة كبرى من المجازر والمآسي الهائلة فلا يجد غير بضاعته الكاسدة من التعالم والتفاصح والغطرسة التي لا حدود لها.

لم يستذكر الأسد طبعاً أحداً من قتلى هجومه الوحشيّ قبل أربع سنوات الذي قتل مئات الأطفال في ليلة واحدة، ولكنّه أشار مع ذلك إلى أن البلد خسر خيرة شبابه وبنيته التحتيّة لكن، سيادة الرئيس المحترم، ربح «مجتمعا أكثر صحة وتجانساً».

والحقيقة التي يجب أن تقال إن صلافة الأسد المرعبة هذه ما كان لها أن تحصل لولا أنه خرج من مجزرة الغوطة تلك من دون عقاب بعد أن تراجع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن «الخط الأحمر» الشهير الذي رفعه بوجه الأسد، وكانت تلك، عمليّاً، بداية مشوار طويل لتفكيك مفاعيل الثورة السورية وإيصالها إلى النهاية المحزنة التي آلت إليها.

كان ذلك قراراً دوليّاً شاملاً ومحكماً بإبقاء بشّار الأسد في السلطة وتدمير إرادة السوريين بالقوة والخبث والتلاعب لتمكين «السيناريو» الذي رسمه الأسد منذ بداية الثورة: أنا أو المتطرّفون الجهاديون.

كان مستحيلا ألا تتخلق هذه المعادلة من رحم العبث الفظيع الناتج من عدم قدرة المعارضة السورية المدنية، وحدها، ومن دون دعم دوليّ حقيقي، على وقف مجازر الأسد وحلفائه التي كان قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي أحد أركانها، ما أدّى، كما نعلم، إلى صعود «جبهة النصرة» وبعدها ـ على خلفية المستنقع العراقي المديد ـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، اللذين تكفّلا، هما أيضاً، بإنهاء ما تبقى من طابع مدنيّ ديمقراطي ووطنيّ للثورة السورية.

من الصعب، مع ذلك، أن تجادل طاغية فريداً مثل الأسد في فكرته هذه عن «المجتمع المتجانس»، من دون ربطها مع فكرة «الحل النهائي» الذي ابتدعه النازيون للخلاص من اليهود، والذي استتبع أيضاً الخلاص من «أجناس أدنى» أخرى كالمسلمين والغجر، ومن كل الأحزاب السياسية المعارضة، وهكذا قاد الأسد، حرب إبادة ضد السوريين غير المتجانسين، ما أدى لمقتل قرابة نصف مليون، واعتقال وإخفاء مليون ونصف المليون، وتهجير 15 مليون سوري، ليكسب «مجتمعاً صحيا متجانساً».

ما يقوله الأسد، أيضاً، أن المجتمع السوريّ كان غير متجانس قبل شنّه حربه الكارثية تلك، والسؤال الذي يخطر في البال هو ماذا كان يمكن أن يفعل أكثر نظام حكم لقرابة خمسين عاماً بحزب شمولي مطلق، وعدد هائل من أجهزة المخابرات وتوابعها التي يسيطر عليها من اتحادات عمال وفلاحين وشبيبة وصيادلة وأطباء ومهندسين وكتاب، كي يتمكن من تأسيس «مجتمع متجانس»؟

بعد الملايين الذين دمّرت مدنهم وهجّروا ولوحقوا واعتقلوا واختفوا وماتوا يحقّ فعلاً للرئيس السوري أن يتحدّث عن «مجتمع متجانس» و«صحي»، وهذا ربح كبير، لكن الربح الأكبر، هو أن الأسد ما زال واقفاً يخطب في الجمهور، وأن عرشه المضمخ بالدماء والمبني على الجثث محميّ بقوات صحية ومتجانسة من الجنود الروس والإيرانيين.

اقرأ المزيد
٢٣ أغسطس ٢٠١٧
ثلاث بلطات وفؤوس سورية كثيرة

تنطلق هذه المقاربة التأملية عن بعد، والملتاعة إلى أبعد الحدود، من وجهة نظر كاتب ظل مؤيداً للثورة السورية من دون تردد، ومنافحاً عنها طوال الوقت، ابتهج لها في محطاتٍ عديدة، وأشفق عليها لكثرة ما تخللها من أخطاء، إلا أنه بقي يرى فيها العنصر المسارع لحدوث تحولاتٍ أكبر طال انتظارها في الإقليم كله، ويعتبرها إحدى أهم الثورات الشعبية العربية المعاصرة، كون نتائجها المرجوّة لا تخاطب مستقبل البلد الأشد أهمية في المشرق العربي، وإنما تفيض عن جغرافيته الحاكمة إلى المحيط المجاور كله.

على هذه الخلفية التوضيحية، يسمح المرء لنفسه بتشخيص المآلات الأخيرة لهذه الثورة اليتيمة بحذر وتحوّط، ويجتهد بحسن نيةٍ في تحديد أهم العوامل التي تضافرت معاً لحرف الثورة عن مسارها أول الأمر، ودفعها نحو دروبٍ ليست دروبها بعدئذ، عبر إقحام دخلاء عليها من كل سحنةٍ وملةٍ، ناهيك عن تشويه خطابها وصورتها وأهدافها المعلنة، ومن ثم السعي إلى إضعافها وتفتيتها أكثر فأكثر، تمهيداً لوأدها بكل السبل الممكنة، بما في ذلك حصارها من الخارج، والتآمر عليها من الداخل، على نحو ما تقصّه علينا وقائع السنوات الثلاث الماضية.

وأحسب أن عدة فؤوس متفاوتة الأهمية ضربت جذع هذه الثورة، بعضها بتطرّف ممجوج وسوء نية، وبعضها الآخر جرّاء ضحالة التجربة والعشوائية السياسية، وهي فؤوسٌ لا يتسع المقام هنا لتعدادها، وإن كان معظمها من إنتاج عوامل محلية قد لا تكون محل اتفاقٍ واسع النطاق، غير أنها تسببت في ما آلت إليه ثورة الحرية والكرامة من فوضى عارمة، وأسهمت كل واحدة منها في إضعاف هذا التمرد الشعبي الهائل ضد جمهورية الصمت والخوف، إن لم نقل إنها قلبت أنبل صفحات الثورة لصالح أشد فصولها مدعاة للتحسّب وعدم اليقين والحسرة على التضحيات والدماء والخراب، والآمال المقصوفة.

لذلك، تخصص هذه المطالعة، ليس لتعداد تلك الفؤوس المكسورة، على أهمية بعضها، بل لبيان هويات تلك البلطات التي كان لها الأثر الحاسم في ضرب جذع الثورة المغدورة، وهي ثلاثُ، عملت على نحو مستقل، وفي فترات زمنية متعاقبة، كلٌّ لحسابها الخاص، ولمنفعة النظام في نهاية المطاف، حيث صبّ الحطّابون الكبار جام نزعاتهم الاستئصالية على ذلك الجذع الذي ما كان له أن يتحمل كل هذه الضربات الموجعة إلى أجل غير معلوم، فكان ما كان من نتائج وتداعيات ومضاعفات باتت تُلمس باليد، وتُرى بالعين المجرّدة.

تمثلت أولى هذه البلطات في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية الذي راح يوجه سلاحه من داخل المناطق المحرّرة من قبضة النظام إلى وجود الثورة ذاته، حيث أخذ يستنزف المقاتلين، ويسطو على معسكراتهم وأسلحتهم، ويثخن فيهم بلا هوادة، الأمر الذي شكل التنظيم معه تحالفاً موضوعياً مع النظام القاتل، وقدم له أجلّ خدمة كان يشتهيها منذ بدأت المظاهرات السلمية في ربيع العام 2011، أي وصم الثورة بالإرهاب، ووضع السوريين والعالم أمام خيارين، أو قل بين بديلين؛ السيئ والأسوأ، أي إما نظام الاستبداد الأسدي أو تنظيم الدولة الإسلامية المجمع عليه دولياً تنظيما إرهابيا كامل الأوصاف.

ثاني هذه البلطات التدخل الروسي على رؤوس الأشهاد، باسم الحرب على الإرهاب، فيما كان هدفه شبه المعلن الحفاظ على النظام المنهك، وذلك بعد أن فشلت المليشيات الشيعية وقوات الحرس الثوري الإيراني في هذه المهمة التي تكفلت القوات الجوية الروسية القيام بها بوحشيةٍ أعادت إلى الأذهان أفعالها المشينة في الشيشان، فكانت هذه البلطة الثقيلة المعول الأكثر فاعلية في ضرب الثورة التي كانت تشارف عتبة انتصار كبير، ليس فقط في حصار حلب وتدميرها خصوصا، وإنما في انفرادها شبه المطلق في الملعب السوري، ومن ثمّ نجاحها في تمزيق شمل الثوار، عبر ما سميت الهدن والمناطق منخفضة حدة التوتر.

أما ثالث هذه البلطات وأشدها تحطيباً في شجرة الثورة السورية، فقد تمثلت في ذلك المشهد الانقسامي المروّع الذي ظل مصاحباً للثورة منذ بداياتها المبكرة، بل وكان يتفاقم مع مرور الوقت إلى أن بلغ حد الاقتتال بين رفاق السلاح، وهم تحت الحصار المطبق، فضلاً عن التنازع على المناطق والسلاح والنفوذ والمال، الأمر الذي هشّم صورة الثورة في أنظار شعبها ومؤيديها وداعميها، وارتدّ عليها بمزيدٍ من الضعف والانكفاء، فيما راح النظام وداعموه يستفردون بكل فصيلٍ على حدة، ويقضمون أكثر فأكثر من المناطق المحرّرة بالدماء والعذابات، وسط سطوةٍ روسية، سياسية وعسكرية، كانت تحصد الثمار بالجملة، وتتقدّم بلا مصاعب تذكر من الشمال المشتت إلى الجنوب الذي فقد فيه الثوار استقلاليتهم إلى حد بعيد.

فيما كانت البلطة الثالثة تواصل العمل بلا توقف، بيدٍ سورية خالصة، كان الأداء السياسي للمعارضة المشتتة، بمكوناتها وألوانها المختلفة، أشد بؤساً مما كان عليه حال الفصائل العسكرية، حيث أخفقت هذه المكونات المتنافسة على المناصب الاسمية، المتنابذة فيما بينها، على الحصص التمثيلية، وعلى الصور الانطباعية والميكروفونات وغير ذلك، في إقامة جسم سياسي متماسك يمثل الثورة، ويتحدّث باسمها بصوت واحد، أو إنتاج قائد وطني محل إجماع نسبي، على غرار ما استقرّت عليه تقاليد المناضلين والثوار في كل مكان، وما تفيض به تجارب الجزائريين والفيتناميين والفلسطينيين، وكل من خاض غمار المواجهات غير المتكافئة.

وليس من شكٍّ في أن الثورة قد أصيبت، بدورها، بالإعياء الذي كان يشي بعطبٍ ما، وقع في مكانٍ ما، شأنها في ذلك شأن كل الثورات التي يطول بها المقام بين كرٍّ وفر، ولا تستطيع الحسم في أجل منظور، وهو ما تجلى على أوضح صوره في مواقع ميدانية عديدة، كان فيها الثوار يختفون لصالح المجاهدين الذين تقدّموا الصفوف، وتسيّدوا المشهد تدريجياً، وباتوا الوجه الأبرز، وأصحاب اليد الأطول، والوزن الأثقل، لا سيما في الشمال، حيث الحاضنة الأكبر والأوسع للثورة التي آلت إلى الجماعات الدينية والفصائل المحسوبة على السلفية الجهادية، مع قليلٍ من الاستثناءات الهامشية في نطاق المشهد العام.

ليس المراد هنا تأبين الثورة السورية، ولا إعلان اليأس منها، على الرغم من قتامة ما يعتور الصورة الكلية من مظاهر تبعث على الكآبة، وتدعو الى الإحباط، بل هذه مناصحة قد تكون متأخرة بعض الشيء، لاستدراك ما يمكن استدراكه من نواقص وعيوب وأخطاء، وتصحيح كثير مما ينبغي تصحيحه قبل فوات الأوان، بما في ذلك إجراء المراجعات العميقة، وتدوير الزوايا الحادة، وبناء التحالفات المجدية، بلا تردّد أو تأخير إضافي.

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٧
خطب الود الإيراني

لم تفلح محاولات رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في رفع الحرج عن السعودية، بعدما أعلن وزير داخلية بلاده، قاسم الأعرجي، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طلب وساطة بغداد في تحسين العلاقة بين الرياض وطهران. صدرت تفسيرات كثيرة عن بغداد لتعديل دفّة تصريحات الأعرجي، لكن الأخير وفريقه أصرّا على أن الطلب السعودي كان صريحاً في هذا المجال، ولا يحتمل تأويلاً كثيراً، وذلك بناء على شهادة مشؤوليْن كانا حاضريْن في جلسة الأعرجي مع بن سلمان.

اللافت في السجال بشأن الطلب السعودي هو صمت المسؤولين في الرياض حيال الأمر، مع إعلان نفي حكومي، وترك أمر تأكيد عدم حدوث الطلب السعودي للمسؤولين العراقيين، بعدما أحدثت تصريحات الأعرجي أزمة حكومية في بغداد، إذ سارع العبادي الى محاولة تدارك ما قاله وزير داخليته، بالتأكيد بعد طلب الرياض ذلك، إلا أن الأعرجي ومساعديه تمسّكوا بما قالوه، على اعتبار أنه صحيح جداً وموثوق، وليس أمراً خطيراً كما يحاول العبادي تصويره.

ليس الطلب بحد ذاته مستهجناً، وربما منطقي وحيوي بالنسبة الى السياسة في المنطقة، لتجاوز أزماتٍ كثيرة تمر فيها، بدءاً من سورية وصولاً إلى اليمن. ومحاولات التقارب بين السعودية وإيران ليست جديدة، فقد هدفت مساع كثيرة إلى جمع الطرفين على جدول أعمال متفق عليه بالنسبة إلى المنطقة، بدل التناحر الضمني والعلني التي تدفع ثمنه الدول التي تدور في فلك هاتين القوتين. ولعل محاولة التقارب الأبرز كانت في القمة الخليجية في الدوحة في العام 2007، والتي شارك فيها الرئيس الايراني السابق، محمود أحمدي نجاد، ودخل فيها قاعة الاجتماعات يداً بيد من ملك السعودية الراحل، عبدالله بن عبد العزيز. يومها ساهم هذا التقارب في تخفيف بعض التوترات في المنطقة، ولا سيما لبنان، قبل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها، إذ لم تصمد مفاعيل الصورة طويلاً. إذن، ليس خطب الود الإيراني بالنسبة إلى السعودية، وبالعكس، جديداً، غير أن توقيته، هذه المرة، أحدث هذا الكم من الإحراج بالنسبة إلى ولي العهد السعودي الذي يقود حملة حصار قطر بناء على ادعاءات، في مقدمتها تهمة التقارب بين الدوحة وطهران. وعلى الرغم من دحض هذه التهمة، وتبيان أن العلاقات بين قطر وإيران أقل بكثير ممّا هي عليه بين أبوظبي وطهران، على سبيل المثال، إلا أنها بقيت في مقدمة قائمة المطالب التي ترفعها دول الحصار في وجه الدوحة.

لا جديد في القول، إن قائمة المطالب والتهم ليست إلا شماعة للنيل من الدوحة، ومحاولة لتطويق سياستها الخارجية المستقلة، غير أن طلب الوساطة الذي أوصلته السعودية إلى إيران عبر الأعرجي يأتي دليلاً إضافياً على هذا الأمر، فالتفاؤل مع إيران ليس هو المشكلة في حد ذاته، فالمشكلة أنه لا يأتي تحت العباءة، أو الوصاية السعودية - الإماراتية التي تريد فرض سيطرتها على مفاصل كل شاردة وواردة في السياسة الخليجية، داخلية كانت أو خارجية. يأتي خطب الود الإيراني من ضمن هذه التوجهات السعودية - الإماراتية، فلا مشكلة في التقارب إذا كان يصب في مصلحة هذين البلدين فقط، بغض النظر عن رؤية الدول الأخرى لمصالحها. بناء عليه، مقياس الحلال والحرام بالنسبة إلى أبو ظبي والرياض خاضع لمعايير نسبية، فلا شيء ثابتاً باستثناء فرض الوصاية، بأي طريقة كانت.

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٧
عام "الإجازة" الروسية

دخلت روسيا مرحلة الركود السياسي الذي لن يجعلها تبادر في أي ملف، مكتفيةً بإدارة الأزمات شرقاً وغرباً، وهو ما تدركه الولايات المتحدة والدائرة القضائية المتحركة في الكونغرس، على خلفية التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

سببان يمنعان روسيا من القيام بأي مبادرةٍ، أو تسيّد جدال سياسي ما عاماً كاملاً تقريباً. السبب الأول مرتبط بالانتخابات الرئاسية الروسية، المقرّرة في ربيع 2018. انتخابات لم يعلن فيها الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، ترشّحه رسمياً لها، محتفظاً بالإعلان الرسمي حتى إشعار آخر. ربما حتى موعد المؤتمر الصحافي الكبير التقليدي السنوي، والذي يقام في النصف الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأول من كل عام. وفي غياب أي منافسٍ جدّي، فضلاً عن حملة الاعتقالات المتلاحقة للمعارضة الروسية، فإن نجاح بوتين في كسب ولاية رئاسية رابعة، تمتد حتى 2024، يبقى حقيقة أكيدة.

السبب الثاني مرتبط باستضافة روسيا كأس العالم لكرة القدم، بين 14 يونيو/ حزيران و15 يوليو/ تموز المقبلين، وهو ما يستدعي استنفاراً روسياً واسعاً، أمنياً كان أم سياسياً، خصوصاً أن التعامل مع المشجعين الآتين من مختلف أصقاع العالم سيكون التحدّي الأكبر لموسكو، المعروفة بعنصرية جماهيرها، تحديداً بعض الأندية الموسكوفية، وبشغب هذه الجماهير الذي تجلّى في بطولة الأمم الأوروبية العام الماضي في فرنسا.

حتى ذلك الحين، أمام روسيا ملفات عدة تستدعي "التجميد". الأول مرتبط بالشرق الأوروبي، من بحر البلطيق إلى أوكرانيا وصولاً إلى البحر الأسود. في البلطيق، قد لا تخرج الطائرات الروسية للتحليق فوق أجواء بعض البلاد الاسكندنافية، كما اعتادت في السنوات الثلاث الأخيرة. كما ستزداد الدعوات إلى عقد اجتماعات "رباعية النورماندي" (روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا)، المخصّصة لمناقشة الملف الأوكراني، في ظلّ هدوءٍ مفترض في جبهة حوض دونباس (منطقتي لوغانسك ودونيتسك).

الملف الثاني متعلق بسورية. هناك، ستعمل روسيا على تكريس الاتفاقيات الحاصلة حتى الآن مع الأميركيين، بما يتعلق بمناطق "خفض التوتر"، محتفظةً بتأجيل أي بحثٍ جذري في الوضعية السياسية، تحت شعار "الأمن أولاً". لن يقوم الروس بأي هجومٍ عسكري حاسم، لا في دير الزور ولا في غيرها، يشابه ما فعلوه في 30 سبتمبر /أيلول 2015، حين تدخلوا لمنع النظام السوري من السقوط.

الملف الثالث مرتبط بمسألة جزر الكوريل في أقصى الشرق الروسي والآسيوي، والمتنازع عليها بين روسيا واليابان. بات الملف في طور التهدئة، بعد اتفاقٍ سابق بين موسكو وطوكيو تمّ منذ أشهر، يقضي بالتعاون الاقتصادي في المنطقة حالياً، من دون التطرّق إلى ملكية أيٍّ من البلدين للجزر. بالتالي، فإن التطور الاقتصادي يهدف إلى التهدئة في تلك المنطقة وجوارها، تحديداً في ملف كوريا الشمالية الذي انتهى بأقلّ خسائر ممكنة، بعد أسبوعٍ عصيب، وتهديدات متبادلة بإطلاق الصواريخ بين الأميركيين والكوريين الشماليين، وذلك في انتظار تجدّد المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وبيونغ يانغ. وكان الروس معنيين مباشرة في منع أي صدام عسكري.

ماذا بعد التهدئة القسرية روسياً؟ اعتاد بوتين على "الضرب" بعد كل مناسبة انتخابية أو رياضية، تبقى هي السائدة. ففي عام 2014، وبعد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، على البحر الأسود، قام الجيش الروسي بعملية عسكرية خاطفة، ضمّ على أثرها شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى روسيا. وقبلها، اجتاح الجيش الروسي جورجيا، في أغسطس /آب 2008، بعد الانتخابات الرئاسية في ربيع العام عينه.

وإذا أراد بوتين "توحيد" الشعب الروسي حول قضيةٍ ما، بعد انقسام انتخابيٍّ مفترض بعد الانتخابات الرئاسية، فإنه قد يتجه، في العام المقبل، إلى تفعيل "فعل المبادرة" الروسية، من سورية إلى أوكرانيا، وصولاً إلى البلطيق. وقد تكون خطواته المقبلة أكثر تحرّراً من الخطوات الحالية، خصوصاً ميدانياً. كما أن مصير ندّه الأميركي، دونالد ترامب، يكون قد اتضح.

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٧
من الذي أفسد الآخر: الشعوب العربية أم الحكام؟

سئُل أحد الزعماء العرب ذات يوم عن الفساد الرهيب المستشري في بلاده، فقال إنه بسبب «الأخلاقيات التي يتربى عليها الإنسان في بيته»!!، لقد ألقى باللائمة على كاهل الشعب متهماً إياه بالفساد لخلل أخلاقي في تربيته المنزلية ومبرئاً بشكل غير مباشر الأنظمة العربية الحاكمة من تفشي الفساد الذي ينخر أبسط المصالح الحكومية في الدول العربية. إن أبلغ رد يمكن أن نواجه به ذلك المسؤول وأمثاله: رمتني بدائها وانسلت.

لقد كان حرياً بالذين يعزون الفساد المستشري في مجتمعاتنا العربية إلى انحطاط أخلاقي لدى الشعوب أن يعلموا أنه ليس هناك شعب صالح وشعب فاسد، وبقدر ما تكون الحكومات صالحة بقدر ما تكون الشعوب مستقيمة وشريفة. إنها معادلة بسيطة جداً، فصلاح الأولى يعني بالضرورة صلاح الثانية. وإذا فسدت الأنظمة فإن الناس ستفسد أتوماتيكياً تماماً كما يحدث للسمكة، فما أن يخرب الرأس حتى تسري النتانة في باقي أعضاء السمكة مباشرة. وهكذا أمر المجتمعات فلا تستقيم إلا باستقامة الرؤوس الحاكمة.

لقد تجاهل ذاك المسؤول الفيروس الأساسي الذي يسبب الفساد ألا وهو نظام الحكم العربي الذي راح يتاجر بكل شيء حتى بالاخلاق. وعندما يرى الناس أن المسؤولين عن أمورهم في سدة الحكم غدوا تجاراً وسماسرة ولصوصاً من العيار الثقيل فإنهم بدورهم سيلجأون للسمسرة والرشوة واللصوصية فيصبح الفساد ثقافة اجتماعية عامة. وكل من لا يمارسه يكون مخبولاً عقلياً أو شاذاً اجتماعياً. ولو أن المسؤول الهُمام أعلاه قرأ كتاب عبد الرحمن الكواكبي الشهير (طبائع الاستبداد) لتعرف أسباب فساد العباد عن كثب ولسحب لسانه على الفور عندما همّ باتهام الشعوب في أخلاقها.

يقول الكواكبي: «أما المستبدون فلا يهمهم إلا أن تستغني الرعية بأي وسيلة كانت». بعبارة أخرى فإن الذي يشجع الشعوب على الفساد والإثراء الوحشي هم الحكام المستبدون الذين بدورهم استغنوا بكل الوسائل، أولاً للتغطية على فساد الأنظمة ذاتها وثانياً كي لا يبقى هناك شرفاء في المجتمع. فالسياسة الثابتة لدى العديد من الأنظمة تقوم على الإفساد المنظم بحيث «يجب إفساد كل من لم يفسد بعد»، فمن غير اللائق أن يكون النظام فاسداً والرعية صالحة. إنه، كما يقول أحد الباحثين في مقال تحليلي لظاهرة الفساد، نوع من أنواع «الترويض للمواطن من خلال إغراقه وجعله مشاركاً في إحدى حلقات الفساد، وبتعبير آخر إشراكه في تلويث يديه». كيف لا وهو نفسه مضطر بشكل إجباري لممارسته من أجل الحصول على حقه، فالمواطن العربي من المحيط إلى الخليج يجد نفسه في كثير من الأحيان مجبراً على استخدام الأساليب الملتوية أو غير المشروعة ليحصل على حقوقه الأساسية.

وفي اللحظة التي يحس فيها الإنسان العادي أن علية القوم قد فسدت يطلق العنان لكوابحه الأخلاقية ليعيث في الأرض فساداً. وقد روى لي أحد الزملاء الذين يغطون الغزو الأمريكي للعراق أن مجموعة من الجنود الأمريكيين امتهنوا السطو على منازل العراقيين لسرقة مجوهرات النساء وما تيسر من أموال قليلة. ويضيف زميلي أنه حاول تقصي الموضوع لكن المعنيين بالأمر رفضوا رفضاً قاطعاً الإجابة عن تساؤلاته وكانوا يتهربون دائماً من إجراء مقابلات للرد على التهم الموجهة إليهم من قبل وسائل الإعلام. لكن ذات مرة استطاع زميلنا استجواب أحد الجنود بشرط ألا يكون اللقاء مسجلاً، فأخبره الجندي على انفراد أنه وعدداً من رفاقه يقومون فعلاً باقتحام بعض المنازل العراقية في بغداد وغيرها لسرقة النقود والمجوهرات. وعندما سأله الزميل: «وهل أنتم بحاجة إلى مال؟ ألا تحصلون على رواتب عالية جداً بحكم خدمتكم خارج الحدود الأمريكية؟ فأجابه الجندي: لا شك أن رواتبنا ممتازة، لكن ما العيب في أن نزيدها؟ ألا يمتلك المسؤولون في الإدارة الأمريكية المليارات ومع ذلك جعلونا نقطع آلاف الأميال من أجل أن نسرق لهم النفط العراقي؟ لماذا حلال عليهم أن ينهبوا النفط من العراق الذي يقدر بالمليارات وحرام علينا أن نسرق بضعة دولارات من بيوت العراقيين؟».

ولو سألت سؤالاً مشابهاً لمواطن عربي لربما قدم لك عذراً مشابهاً. كيف تطلب من الموظف البسيط ألا يطلب رشوة في بعض الدول العربية إذا كان يرى بأم عينه أن بعض القيادات لا يتاجر فقط بمقدرات الدولة وثروات الوطن بل أيضاً بالوطن ذاته؟ ألم يرهن بعضهم حاضر البلاد ومستقبلها مقابل منافع تجارية واقتصادية معينة؟ ألا يذهب القسم الأعظم مما يسمى بالمعونات الأجنبية إلى جيوب المسؤولين؟

كيف تطلب من المواطن ألا يسرق الوطن إذا كان يرى أمامه حُماة الوطن المزعومين وقد حولوه إلى مزرعة خاصة يعبثون بمقدراته وثرواته كما لو كانت متاعهم الخاص؟ وكم ضحكت عندما حدثني أحد المسؤولين العرب ذات مرة كيف اتهموه بالخيانة والتعامل مع الأعداء وبأنه عدو الشعب والوطن ولفقوا له التهم لمجرد أنه رفض أن يرسل من المؤسسة التي يديرها ألف علبة دهان ومائة طن أسمنت وعشرين طن حديد ومواد بناء أخرى لأحد المتنفذين. كيف تتهم الناس في أخلاقهم إذا كان «حاميها حراميها»؟

ويسألونك بعد كل ذلك عن العداء المستحكم بين المواطن العربي والدولة. فكلنا يعرف أن ملايين المواطنين العرب ينظرون إلى الممتلكات الحكومية على أنها جديرة بالنهب والسلب، والشاطر هو من يعرف كيف يسرق الدولة، أما الشخص النزيه فهو «مغفل أو حمار أو غبي». لا عجب إذن أن ترى الملايين من الناس يحاولون التلاعب مثلاً بعداد الماء أو الكهرباء كي لا يدفعوا فواتير كبيرة، ناهيك عن أن بعضهم يهدر كميات هائلة من المياه نكاية بالدولة. وكم سمعت أناساً كثيرين في العديد من الدول يصفون مال الدولة بأنه مال مباح. لقد طغت عقلية التصرف بثروات الوطن «كأنها غنيمة مستباحة أو لقية لا صاحب لها ويأخذها من يسبق إليها».

كيف تريد من المواطن أن يحمي المال العام إذا كان الكثير من الحكام العرب لا يفرقون حتى الآن بين المال العام والمال الخاص؟ ألا يسير بعضهم على نهج الخليفة العباسي المنصور الذي كان يعتبر نفسه الأمين الأول والأخير على بيت المال يتصرف به كيفما يشاء بينما تطلب الدول المتقدمة من أي شخص يترشح لمنصب حكومي أن يعلن عن حجم ثروته قبل تبوؤ المنصب كي يكون تحت المراقبة المالية؟ كيف تطلب من المواطن ألا يرشي ومن الموظف ألا يرتشي إذا كان النظام العام يقوم على مبدأ العمولة في معظم الدول العربية حتى في السياسة؟ وكم من العمولات السياسية دُفعت أو قـُبضت مقابل تمرير مشاريع سياسية معينة! فما بالك إذن بالحياة اليومية؟ لقد غدا الجميع إما راشياً أو مرتشياً مع العلم أن الإسلام لعن الراشي والمرتشي. لقد «استطاع الفساد أن يتسلل إلى جميع المؤسسات والقطاعات، ولا يمكن الحديث عن أي مؤسسة من مؤسسات بعض الدول دون الحديث عن الفساد. ويمكننا أن نقول بامتياز إن النخر عام وشامل». والأخطر من ذلك أنه غداً علنياً في بعض البلدان، «ومن المألوف أن ترى مواطناً يدس في يد أو جيب أو حتى في درج الموظف، وأحياناً بين الأوراق قطعة نقدية. وربما يطلبها الموظف جهاراً أحياناً أخرى، أو يساوم عليها إن كان المبلغ قليلاً، وكثيراً ما تأخذ في بعض الأمكنة شكلاً أو نوعاً من أنواع التسعيرة». وهذا يعني أن الفساد «قد دخل في مراحل متقدمة وبات هو المهيمن على مسار الأمور وهي حالة نادرة في العالم بشكل عام». لقد أصبح الفساد هو القاعدة وكل تصرف آخر استثناء.

ويحدثونك بعد كل ذلك عن مكافحة الفساد في الدول العربية بعد أن أفسدوا البلاد والعباد. آه لو يعلم أولياء الأمر في هذا الوطن العربي الذي يقطر فساداً وإفساداً أن غسيل الدَّرَج يبدأ دائماً من الأعلى إلى الأسفل.

اقرأ المزيد
٢٢ أغسطس ٢٠١٧
كيف نلتقي وطنياً؟

من أهم عيوب المعارضة السورية أنها بلا ذاكرة، لا تعرف ولا تريد أن تعرف كيف تراكم معارف وخبراتٍ، تتيح لها التعامل بفاعليةٍ ونجاعةٍ مع ما تواجهه من تحديات، ويمر بها من أحداث.

لو تأملنا العمل المعارض، لوجدناه يفتقر إلى وعي تاريخي ذي أبعاد مترابطة وعقلانية، ويعامل الوقائع المتكرّرة وكأنها تحدث أول مرة، بينما يتخبط ويرتجل، حين تمس حاجته إلى وسائل وآلياتٍ يطوع بواسطتها خيارات الآخرين، ويؤقلمها مع ما يعتمد من مواقف، ويتبنى من مصالح. لا عجب في وضعٍ كهذا أن يتجاهل العمل المعارض وجهات نظر سبق إعلانها مراراً وتكراراً، من دون أن يأخذها أحد في حسبانه، أو يدرجها في نسقٍ تراكميٍّ، يجعل منها خياراتٍ لا يتم التعامل معها كل مرة وكأنها جديدة.

وقد سبق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن مر بتجربةٍ دامت قرابة عامين، تعاون خلالها ديمقراطيون وسياسيون إسلاميون ومحايدون وتكنوقراط على تطبيق رؤيةٍ برنامجية، لو اعتمدها العمل الوطني العام، لكان في حال أفضل بكثير من حاله الراهنة.

قالت الرؤية التي حدّدت أسس التجربة إن النظر إلى الثورة، باعتبارها فاعلية مجتمعية شاملة، بدلالة حسابات ومصالح جزئية، أو حزبية، أوصلت ثورة السوريين إلى مأزقٍ شامل، يجسّده ضعفها السياسي والعسكري، وافتقارها لبرامج وخطط تنفيذية، يلتزمون جميعهم بها. وأضافت إن إخضاع الوطني/ الثوري العام للجزئي/ الحزبي، أدخل الثورة في احتجازٍ لن تخرج منه من دون مواقف وطنية جامعة، تعتمد قيماً ورهاناتٍ سورية عامة، يحدّد الساسة والعسكر مواقفهم انطلاقاً من طابعها الموحد، وبدلالته الشعبية والمجتمعية العامة، ويدرجونها في حاضنتها، فلا تضر عندئذ بالشأن العام، وتأخذه إلى سياقاتٍ ما دون وطنية/ ما قبل مجتمعية، ولا تتخلى عن أولويات العمل الثوري الصحيحة التي سيفشل تجاهلها الثورة، بل تربط أي فعل من أفعالها بالولاء للوطن ولمصالحه العليا، وترى كل قرار تتخذه بدلالته، وتجعله أعلى من أي ولاء آخر، مهما كان نوعه وطابعه. برؤية الوطن بعين ولاءاتٍ تنظيميةٍ وحساباتٍ فئوية ما دون وطنية، يصير هدف كل طرف سياسي، أو عسكري، تكبير حصته من كعكة سلطةٍ تزين له أوهامه أنها ساقطة لا محالة في حجره، وأن مصالحه تلزمه بالانخراط في تنافسٍ يقصي الآخرين عنها، وإن حول خلافاته معهم إلى صراعاتٍ لا تخدم، في نهاية المطاف، غير من تؤمن بحتمية سقوطه: النظام الأسدي الذي ترفض مواجهته بتوحيد قدراتها مع من يفترض أنهم ينتمون مثلها إلى نضالٍ ثوري هدفه انتصار الثورة، بالالتزام بالوطنية السورية الجامعة مبدأً أعلى.

توافقت مكونات التجمع الوطني السوري الذي تأسس عام 2015 في "الائتلاف"، على أولوية الجامعة الوطنية ساحة لا بد أن تقرّر فيها، وعلى ضوئها، مواقفه وخياراته، وما يطوّره من آليات عمل وطني هو، في الوقت نفسه، شأنٌ ديمقراطي، تتفق أولوياته مع احترام فسح أطرافه الحزبية والخاصة، وترعاها ضمن الأطر الوطنية الجامعة، وتلك لا تتعارض معها، أو تعطلها.

وقالت خطة "التجمع" إن الانتقال السوري إلى الديمقراطية سيمر في مراحل ثلاث، تمر أولاها بتنافس إقصائي وشديد بين قوى سياسية وحزبية، لطالما حفلت علاقاتها بالتنافس والصراع. هذه المرحلة التي كان أعضاء "التجمع" يعيشونها تقرر تخطيها، والانتقال إلى تلمس وبلورة أسسٍ جامعةٍ، يعتمدونها في عملهم الموحد لإقامة نظام بديل، يتوقف نجاحهم في بلوغه على تجاوز صراعاتهم البينية، والالتزام بما توافقوا عليه، ريثما تجري انتخاباتٌ برلمانيةٌ تنتهي معها المرحلة الثانية، وتبدأ الثالثة التي سيشكل حكومتها، بمفرده أو بالتعاون مع آخرين، من يفوز بأغلبية الأصوات الانتخابية الذي سيبقى متمسكاً بـ "أسس الوطنية الجامعة".

توافقت أطراف "التجمع" على أن الوطنية السورية تظل ديمقراطية المضمون، وإن حاد خيار التأسلم المسلح عن ثوابتها وعمل آلياً لتدميرها، وصار طبيعياً أن يعتبر الوطنيون أنفسهم ديمقراطيين وأعداء للخيار المذهبي، المتعسكر المتأسلم، وأن تتطابق في نظرهم الديمقراطية مع هوية الثورة الوطنية السورية.

اعترف إسلاميو "التجمع" بتماهي الديمقراطية والوطنية، واعترف ديمقراطيوه بشرعية القراءة الإسلامية لأسس الوطنية الجامعة، وتعاون الطرفان بسلاسةٍ وتكامل لإنجاح نهجها كركنين للمعارضة والثورة، يتوقف على تفاهمهما إسقاط النظام الأسدي، وبناء سورية وطنية ديمقراطية تواجه التحديات بوحدتها التي تطوي ملفات صراع الماضي.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان