مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٤ سبتمبر ٢٠١٧
مجالس مدنية لجبهة النصرة

ليس هناك ما يثير الاستغراب في تطابق آليات تفكير النظام الأسدي وطرق تصدّيه للمشكلات، وآليات تفكير قيادة جبهة النصرة وطرقها في التصدي لما يترتب، في الحالتين، على تفكير (وأفعال) استبداد سياسي في دمشق، مذهبي في إدلب، يلتقي عند أمر جوهري، يرى من السياسة السلطة وحدها: أداته لإعادة إنتاج مجتمع قطيعي، فقد بانعدام حريته إنسانيته، فهو مجزّأ ومتناحر وخاضع خضوعا مطلقا لفردٍ معصوم سياسيا في العلمانية الأسدية ذات الملامح والمضامين الدينية، ودينيا في المذهبية الجولانية ذات الإيحاءات السياسية. يفضح هذا الجوهر، بتظاهراته المتماثلة الصادرة عن تطابقه، حجم التزوير في تسميات النظامين، وكم هي الأسدية جولانية والجولانية أسدية، وكم تحفل علمانية الأولى بمضامين قاعدية، تتصل بعبادة فردٍ أبطلت عبادة الله، ودينية الثانية بتسييس فردٍ تجعل ستائره وحجبه من الأرباب الإلهية. لا عجب إن رأيت في الأسد جولاني نظامه، وفي الجولاني أسد نصرته، وأكدت أن أيا منهما ليس القائد الأول في تنظيمه، بل هو القائد الأوحد الذي لا يجوز أن يتردد في التخلص من أي تابعٍ يخال نفسه ثانيا فيه، فالقائد الأوحد لا ند ولا نظير ولا ثاني له، وإلا لكان، أولا، زعيما ذا مرتبة، بينما هو الزعامة في شخصٍ لا يوجد، ولا يجوز أن يوجد، بل ولا يمكن أن يوجد بين البشر، وفي شعب"ه" الخاص، من يحق أو يجوز له أن يماثله أو يدانيه.

في كل مرةٍ واجه النظام الأسدي مشكلة، عمل لتوسيع دوائر التضليل من حوله، لإخفاء حقيقته وإيهام السوريين أنه بدأ، أخيرا، يبدل بنيته وأساليب عمله، وشرع يمد يديه إليهم بالرغبة في التغيير. بما أنه كان يكذب في أقواله التهويلية حول التعاون مع الآخرين، وخصوصا المعارضين منهم، فإنه سرعان ما كان يضيف إلى أكاذيبه أكذوبة جديدة تشكو من عدم وجود من يتفاعل بإيجابية مع قراره بوضع نظامه في خدمة شعبه العزيز. لذلك يتحمل الآخرون المسؤولية كاملة عن فشل التغيير، وما قد يقع اليوم أو غدا من أخطاء سترجع حكما إلى لاعقلانية مطالبهم وخطابهم التهويشي اللذين يستهدفان إضعافه، في حين أن هدف التغيير لا يجوز أن يكون غير تقويته.

في كل مرة كانت سورية تواجه مشكلاتٍ أنتجتها الأسدية، كانت تتعالى دعوتها إلى تحميل الغير عبء مساعدتها على تجاوزها، وبعد تخطيها، كان القسم الأكبر ممن استجابوا لدعوتها حول التعاون يذهب إلى السجن، بينما ينضم قسم صغير منهم إلى فاسدين ولصوص ومجرمي الأسدية ويخونون شعبهم. بمرور الزمن وتعاقب الأزمات، صار من يخاطبهم الأسديون يقولون، حين يطلب تعاونهم: "اللي بيجرّب المجرّب بيكون عقله مخرّب".

.. واليوم، يحاول أسدي النصرة، أبو محمد الجولاني، تغطية مأزقٍ ليس لديه حل له، هو استحالة قيام نظام إسلامي في سورية بيده من جهة، وتزايد احتمالات تعرّضه للهلاك على يد تحالف أميركي/ روسي، يستهدف نصرته باعتبارها تنظيما قاعديا من جهة أخرى، هو في تصريحات جنرالات الطرفين الخطر الأشد على أمن العالم وسلامه. لذلك، لا مفر من القضاء عليه، إذا لم يوجد حل سياسي يضع حدا لوجوده. ماذا يفعل الجولاني لتفادي الكارثة؟ إنه يدعو إلى تشكيل مجالس مدنية تدير منطقة إدلب، تشبه "الجبهة الوطنية التقدمية" التي كان الأسد الأب قد "شكلها من تافهين لعبوا أدوارا خطيرة وغير تافهة"، كما كان أستاذ جيلي الراحل إلياس مرقص يقول. اليوم، يريد الجولاني تافهين يلعبون دورا خطيرا وغير تافه هو افتداء تنظيمه بأرواح الشعب، نسوا كم قتل منهم، واختطف من نسائهم وأطفالهم، وسجن من رموزهم، ودمر من تنظيمات جيشهم الحر، وسبب موت آلاف منهم. وكم تجبر وتكبر وأصدر أوامره الإلزامية إليهم من شرفات وحيه الرباني.

هل يسقط ضحايا جبهة النصرة في الفخ الذي تنصبه لهم، ويسمحون لها باستخدامهم، فيهلكون بدلا منها، بزعم أنهم "مجالس مدنية" تدير مناطقها، بينما تسيطر على قراراتهم بما تبثه في نفوسهم من رعب، وتمارسه ضدهم من ابتزاز يطاولهم هم وأسرهم وأصدقاءهم، وتوجهه إلى صدورهم من سلاح؟
"من يجرّب المجرّب يكون عقله مخرّب". لن تستحق المجالس اسمها، أو "تمون" على أي شيء. لذلك لا يجوز أن ينخرط فيها أحد، قبل إعلان الجولاني حل جبهة النصرة، بمختلف مسمياتها، ليس من أجل أن يلبي مطلبا أميركيا أو روسيا أو دوليا، بل استجابة لمطلب شعب سورية الذي لا يهدّد هو وجبهته أحدا سواه.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٧
شعوب المخيمات و «امبراطورية الحرس»

قد تتنفس شعوب المخيمات في المنطقة العربية آملةً بأن تكون مرحلة ما بعد تبخُّر «خلافة البغدادي»، بداية العدّ العكسي لانتزاع الخيم، بعدما انكفأ «داعش» وانتحاريوه... لكن الأكيد أن مسرح الحروب مع الإرهاب لم يسدل الستارة على الفصل الأخير من المذبحة.

شوط طويل ما زال على العراقيين استكماله، قبل عودة بلادهم إلى خريطة الدول العربية المؤثرة... شوط أطول على السوريين أن يتعايشوا معه تحت «وصاية» القيصر الروسي الذي عرف كيف تؤكل كتف الفراغ الأميركي، فشيّد قواعد عسكرية في سورية، ووسّع أخرى تمهيداً لإقامة طويلة، على ضفاف البحر المتوسط.

لم يعد القيصر فلاديمير بوتين مجرد ضيف عابر، رغم ذلك المشكلة أكثر تعقيداً من خداع الذات لأن «ليس بالإمكان أحسن مما كان». المشكلة أن بين حلفاء الروس وشركائهم مَن لا يزال يحلم بأن «الفراغ» يحتمل القسمة على «الإمبراطوريات الصاعدة». وأما المعضلة فربما يجسّدها غياب أي أفق يُمَكّن من تحديد عمر الانسحاب الأميركي.

الجميع ينتصر على «داعش»، لكن شعوب المخيمات ما زالت مهزومة... يتيمة في غياب القدرة على استعادة الإقليم من مشاريع «الإمبراطوريات» التي تبدو متخاصمة متنافسة، ومتقاتلة أحياناً، لكنها في المحطة الأخيرة متواطئة على رقابنا.

حين يحاربون الإرهاب، نحن «إرهابيون». حين يرفضون الإسلاموفوبيا، نحن في قفص الاتهام لأننا «لا نفعل ما يكفي» لوقف حملات الطعن والدهس في شرق أوروبا وغربها، وفي روسيا وأميركا.

هُزِمت «خلافة البغدادي»، لكننا لم ننتصر. بعد فلسطين، أكثر من فلسطين تجسّد نكبتها مآسي السوريين، شعوب المخيمات باتت من معالم المنطقة. العراق ما زال على خط النار، عدم التصدّي لاستفتاء الأكراد على الانفصال أزمة كبرى لبغداد، وصدّه يطلق شرارة حرب.

وحدهما القيصر بوتين والمرشد علي خامنئي يمكنهما ادعاء «نصر» لروسيا الكبرى وإيران «الإمبراطورية»، على رغم تباينات ليس أقلها عدم هضم معدة الكرملين كل أدوار الميليشيات الإيرانية في سورية. وإذ يبدو بوتين مفوّضاً بورقة أميركية لإدارة الصراع في سورية وعليها، لا يكتسب تحرُّك طهران شرعية دولية، رغم كل الضجيج حول «محاربة الإرهابيين والتكفيريين»، وحماية المقامات الدينية. وليست مجرد استنتاج حقيقة أن التدخّل الإيراني ألحقَ أفدح الأضرار بالثورة السورية، قبل أن يدفن تواطؤ «الكبار» أي أمل للمعارضة بإسقاط النظام.

قتلُ الأبرياء إرهاب، ماذا عن اغتيال وحدة دول ومجتمعات وطوائف ومذاهب؟... ومصادرة سيادات وحدود وخرائط بذريعة مطاردة الإرهابيين وقتالهم حيث هم؟

تاريخ شعوب المخيمات مع الثورة الإيرانية، لا يراكم سوى الخيبات والالتباسات، والعداوات، رغم كل ما يوحي به حلفاء المرشد وراء الحدود. وإذا كان بعضهم لا ينتظر جواباً عن السؤال «متى ينفجر الصراع بين النجف وقم»، لأن العراق استثناء، ماذا عن الدور الإيراني في البحرين، ولبنان وغزة؟ أي دور لطهران هناك لم ينجب حروباً واضطرابات؟

ليس نبأً سعيداً لأهل غزة المنكوبين بالجوع والحصار، تمتين «حماس» علاقتها مع إيران التي تزوّدها سلاحاً ومالاً. ليس خبراً عابراً تشاؤم الأميركي بـ «غيوم ملبّدة بالحرب» في جنوب لبنان. المرشحون ضحايا لأي حرب يرصّ بها اليمين الإسرائيلي صفوفه، هم مرة أخرى من شعوب المخيمات، أو المقاومات التي تحرّضها جمهورية المرشد، ويستدرجها الليكود إلى مقصلة مجانية... ودائماً بدماء عربية.

الأكيد في سجل علاقات الجوار بين إيران والمنطقة العربية، أن «إمبراطورية الحرس الثوري» التي راهنت على تفتيت اليمن إذا تعذّر ابتلاعه بفم حوثي، استقوت بأزمة قطر لعلها تشرذم وحدة مجلس التعاون الخليجي. وإن سألتَ في الخليج عمّا يحول دون صفحة جديدة مع طهران، يسألونك كيف يستقيم حوار مع مَنْ لا يرون تصحيحاً لاختلالات العالم إلا بأوامر من المرشد؟!

الإمارات آخر حلقة استهدفتها «لغة الجار» الإيراني، فيما تتراكم مؤشرات إلى مزيد من التصعيد تُقدِم عليه طهران مع إدارة ترامب في الملف «النووي»، لكنها تحضّر لمواجهة في مسرح آخر.

اقرأ المزيد
٤ سبتمبر ٢٠١٧
صفقة «حزب الله» و «داعش» برعاية سورية وإيرانية

مريبة حكاية الصفقة التي سمحت لمئات من عناصر «داعش» وعائلاتهم بمغادرة الحدود اللبنانية – السورية في حافلات مكيّفة، متوجهين الى مناطق التنظيم على الحدود السورية – العراقية. مربكة هي ردود الفعل العراقية التي تراوحت بين انتقاد لاذع للصفقة على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي باعتبارها «إهانة للشعب العراقي» وبين ترحيب حار من جهة سلفه الموالي لإيران، نوري المالكي، الذي عارض مَن قال إن الاتفاق الذي أبرمه «حزب الله» والحكومة السورية مع «داعش» أتى على حساب الأمن القومي العراقي. لافت هو شبه الصمت الروسي التام على الحكاية المريبة لحليفيه في الميدان العسكري في سورية، علماً أن الكرملين يرفض أية مفاوضات مع الإرهابيين وأية صفقة تؤدي الى نجاتهم من السحق الذي يُجمع على تحقيقه الكرملين والبيت الأبيض معاً. التحالف الدولي في سورية بقيادته الأميركية اعترض القافلة بالقصف وكأن الأدوار تم تنسيقها مسبقاً، فيما كانت الرسائل من واشنطن الى لبنان مفخخة بالتناقضات. فبعضها انطوى على استياء مما اعتبرته واشنطن رضوخ الدولة اللبنانية للاتفاق بين «حزب الله» والنظام في دمشق على صفقة إخراج مسلحي «داعش» من الأراضي اللبنانية بحمايتهما. وبعضها الآخر كان رسالة تهنئة للجيش اللبناني على قيامه بتحرير أراضيه من «داعش». الأقطاب السياسيون في لبنان دخلوا، كعادتهم، في سجال وخلافات جزء منها لا علاقة له بما حدث في معركة تحرير الجرود في رأس بعلبك والقاع من الفصائل الإرهابية قبل أن تقتنص صفقة «حزب الله» و «داعش» تأهب الجيش اللبناني لقطف التحرير كي يستعيد هيبته السيادية. مريبة حكاية الصفقة. إنما الأكثر إثارة للفضول هي أدوار الرعاة الكبار لها وتداعيات الرعايات. الأكثر غموضاً في القصة لا يقتصر على ما هي أهداف ذلك الكوكتيل الاستخباراتي العالمي الرهيب وراء «الشركة المساهمة» التي أنشأت «داعش»، وإنما ماذا في حوزة الذين يسوّقون لأولوية الصفقة على حساب المحاسبة، وأولئك الذين يسوّقون لأولوية السحق على ظهر الوعود السياسية والتعهدات بعدم الإفلات من العقاب لجميع المعنيين بمجزرة الشعوب والمدن العربية.

لبنانياً أولاً، إن أي مسؤول كان على علم سابق بأن «داعش» قام بقتل العسكريين اللبنانيين المخطوفين وتعمد تضليل أهلهم إنما هو منافق ارتكب جريمة أخلاقية. مراعاة المشاعر شيء، والتضليل عمداً شيء آخر. التضليل لغايات سياسية هو إهانة وطنية. أما وفاة عسكريين في الخدمة، فهذه من سُنَّة العمل العسكري والانتماء الى مؤسسة الجيش.

إلقاء اللوم على «حزب الله» لإبرامه صفقة مع «داعش» شيمتها الازدواجية القاطعة في محله، بلا جدال. أما القول إن «حزب الله» وحليفه النظام السوري أبرما هذه الصفقة السابقة من نوعها من دون علم الحكومة اللبنانية، فإن في ذلك استغباء.

صحيح أن صفقة «حزب الله» طوّقت الجيش اللبناني الذي كان متأهباً لاستعادة السيادة على الحدود اللبنانية – السورية، لو استطاع استكمال العملية العسكرية ضد «داعش» في الجرود اللبنانية. وصحيح أيضاً أن «حزب الله» تعمَّد حجب ذلك الإنجاز عن الجيش اللبناني لأنه يريد له أن يبدو ضعيفاً غير قادر على بسط سلطته وعاجزاً عن إتمام مهمة التحرير. فهذه مهمة يريد «حزب الله» أن تكون حقوقها محفوظة له حصراً، وإلّا يخسر كثيراً وتضعف أسهم استثماره في الانطباع بأنه وحده سيد التحرير في لبنان.

صحيح أن «حزب الله» حجب عن الجيش اللبناني فرصة إتمام انتصاره بتحرير الجرود من «داعش»، إنما هذا لا ينفي أن صفقة «حزب الله» مع «داعش» وفّرت على الجيش اللبناني معركة عسكرية لعلها كانت أسقطت العديد من الضحايا في صفوفه. فالذي حدث ليس معيباً للجيش اللبناني. ما حدث هو عقد صفقة بين تنظيمين عسكريين قاتلا بعضهما بعضاً في سورية. صفقة استسلام «داعش»، شرط حصوله على طريق آمن خارج الأراضي اللبنانية عبر الأراضي السورية الى مواقع تنظيمه على الحدود مع العراق، هي صفقة بين طرفي حرب الميليشيات في سورية برعاية حكومية سورية وإيرانية، وليست برعاية الحكومة اللبنانية. الحكومة اللبنانية لعبت دور المسهِّل لصفقة أخرجت الإرهابيين من أراضيها. بعضهم ينتقدها، على أساس أنه كان عليها محاكمة أولئك الإرهابيين الذين خطفوا وقتلوا أفراد الجيش اللبناني بدلاً من تسهيل تهريبهم وترحيلهم. وبعضهم الآخر وافق على دورها الذي أدى الى تحرير لبنان من «داعش»، في نهاية المطاف، حتى وإن كان عبر المفاوضات والصفقات وليس المعارك.

لا داعي لمزايدات «حزب الله» في بازار الانتصار، ولا لزوم لانتقادات أوتوماتيكية لما أفرزته صفقة «حزب الله» و «داعش» الثنائية والتي لم تكن الحكومة اللبنانية طرفاً فيها – فهي كانت صفقة الميليشيات. ما لم ينجزه «حزب الله» هو رغبته في جر الحكومة اللبنانية مُرغمة الى الاتصال الرسمي المباشر والعلني مع الحكومة السورية – راعية صفقة الميليشيات. ما أنجزه هو تأمين خروج الإرهابيين من الأراضي اللبنانية الى الأراضي السورية في ترتيبات مريبة لها رائحة التفاهمات بين «داعش» والنظام في دمشق وحكومة نوري المالكي الموالية لطهران والتي ظهر «داعش» في عهدها وتمكن بين ليلة وضحاها من إلحاق الهزيمة بالجيش العراقي واحتجاز معداته والسطو على البنوك في الموصل.

لعل استخدام «داعش» لسحق المعارضة السورية المسلحة المعتدلة كان دائماً جزءاً من المهام الموكلة الى ذلك التنظيم المريب. فلا يخفى أن عناصر «داعش» تم إخراجهم من السجون العراقية ومن السجون السورية لتنفيذ مهمة القضاء على المعارضة السورية ولتحويل القصة السورية الى محاربة الإرهاب.

إنما هناك بعدٌ آخر لافت حقاً. إنه بعد التناوب بين «داعش» و «الحرس الثوري» الإيراني و «الحشد الشعبي العراقي» و «حزب الله» اللبناني على الجغرافيا ذاتها في العراق وفي سورية. هذه الجغرافيا هي ذلك القوس المسمى «الهلال الفارسي».

«داعش» أتى بمهمة إحباط مشروع «الهلال الفارسي» في الجغرافيا التي تربط العراق وسورية، انطلاقاً من إيران وانتهاءً بلبنان. «الحرس الثوري» كلف نفسه أن يكون الشريك الأساسي لواشنطن وموسكو في القضاء على «داعش» الذي التصق اسمه وفعله بالإرهاب الفظيع. «داعش» احتل جغرافيا «الهلال» للسنوات القليلة الماضية، والآن، لدى إيران و «حشودها» وميليشياتها كل المبررات الميدانية والسياسية لامتلاك الجغرافيا التي يتم تحريرها من «داعش»، بلا اعتراض. إنها بدعة لا مثيل لها. بدعة مرعبة وراءها حنكة حياكة الصبر والاستراتيجية البعيدة المدى التي تميّز صنّاع السجاد العجمي في إيران.

تنظيم «داعش» سيضمحل شيئاً فشيئاً بعدما أتم مهمة تدمير المدن العربية العريقة، وقضى على المعارضة المعتدلة، وأجج الحروب المذهبية، ونهب الخزائن، واستخدم الأطفال أداة حروب قذرة بقدر قذارة عقلية وأيديولوجية هذا التنظيم المدمِّر. قد تكون هناك حاجة الى استمرار بعض عناصره بالعمل في البقعة العربية، بالذات في منطقة الخليج التي تريد تلك «الشركة المساهمة» تفكيكها لإضعافها. وقد يكون في ذهن البعض استخدام بقايا التنظيم في أوروبا، كي يؤدي الهلع الى انضوائها وتقوقعها بصورة تشبه الانعزالية الأميركية.

حتى الآن، إن اضمحلال تنظيم «داعش» يقع في المصلحة المباشرة لإيران وميليشياتها، تماماً كما أتى ظهور «داعش» في العراق وسورية ليخدم إنشاء علاقة نوعية بين «الحرس الثوري» وبين واشنطن وموسكو تحت عنوان: القضاء على الإرهاب. وما يجدر بالأطراف العربية القيام به بعد الآن، هو إجراء مراجعة صادقة وعميقة وشاملة لظاهرة «داعش» وكلفتها العربية وكذلك لنتائجها في الجغرافيا العربية. فلقد أتى «داعش» ليشكل تهديداً وجودياً للدول الخليجية كما للمشرق العربي وللمغرب العربي. إنه يضمحل ولا يزول بعد، وخطره ما زال وجودياً.

اقرأ المزيد
٣ سبتمبر ٢٠١٧
أمراء الجهاد و «أمير» دمشق

تعامل العالم، بشرقه وغربه، مع النظام السوري بصفته ضرورة من ضرورات التوازنين الإقليمي والدولي، كما أن نظام دمشق بقيادة حافظ ثم بشار الأسد لم يتجاوز إلا ما هو متاح ومسموح في اللعبة الدولية الخبيثة.

التزمت دمشق بدقة بمسألة إسكات جبهة الجولان منذ 1974 وباحترام الخطوط الحمر مع إسرائيل في لبنان. أطاحت العرفاتية حين كان أمر ذلك متاحاً ولم تجد حرجاً في وضع قوات سورية تحت العلم الأميركي في حرب تحرير الكويت. وحين كانت حيوية النظام السوري تلتحق بديناميات ثورة الخميني، كان عقل النظام يعمل وفق مقاربة لا تعاند الرياح التي تنفخها واشنطن. فنظام دمشق قام على ضرورات وظيفية عمل على صونها والترويج لقدريتها. وحين تقوم ثورة قي سورية لاقتلاع النظام، فذلك يعني أن ركناً أساسياً له تاريخ عريق في المنظومة الدولية مهدد بالزوال. وهذا يعني أيضاً أن احتمالاً من هذا النوع لن يمر إلا إذا أجمعت تلك المنظومة على جواز ذلك، أو فرضت موازين القوى العالمية هذا الخيار. مر أمر ذلك في مصر وتونس وليبيا ولم يمر في سورية.

لا يستطيع ثوار سورية أن ينجحوا في إزالة نظام الأسد من دون تأييد حقيقي ودعم ناجع من دول القرار الكبرى. لم ينجح انقلاب 63 من دون هذه القاعدة ولم يرتكب حافظ الأسد «تصحيحيته» من دون إدراك ذلك. بدا حراك السوريين في أشهره الأولى عام 2011، شرعياً عادلاً محقاً يتّسق مع قيم الحداثة بنسختها الغربية على الأقل. لم تكن العواصم الغربية بكينونتها السياسية والثقافية والحقوقية لتتجاهل «ربيعاً» سورياً لا يختلف في شعاراته عن تلك التي شاعت في أوروبا الشرقية فأسقطت نظاماً عالميا برمته. كان لا بد لتلك الثورة أن تصبح مأساة سورية وكابوساً على العالم أجمع. خرجت القيادات الأولى لثورة السوريين من أجندتها الأصلية لتلتحق بأجندات دينية تتجاوز بساطة أمر الاستبداد وإقامة نظام حر متعدد ديموقراطي. نجح نظام دمشق في دفع السلميين إلى التسليم بخيارات العنف وفي دفع العلمانيين إلى القبول بالأسلمة وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى. برع النظام في نفخ غول التطرف الديني في متن معارضيه. أطلق من سجونه من باتوا لاحقاً قيادات مؤسسة لتنظيمي «داعش» و «القاعدة» في سورية، فيما وجد الجهاديون المحررون أو المستوردون في أجندات العواصم الإقليمية المناصرة للثورة مساحات مفتوحة بلا تردد أو ارتباك. يعرف نظام دمشق المنظومة الدولية جيداً. تعرف طهران الداعمة له فلسفة العقل في العواصم الكبرى. خبرت العاصمتان الرقص مع الشيطان وملاعبة الثعابين. لم تعرف المعارضة السورية ذلك وأمعنت في ممارسة سذاجة سياسية سلبت منها أي حنكة في مواجهة الخصوم وفي «مواجهة» الحلفاء. فكان أن وجد العالم المشهد السوري وفق السيناريو والإخراج الذي رعته روسيا لاحقاً ليقود الغرب قبل الشرق إلى التسليم بما اكتشفه رئيس فرنسا الجديد من أن لا بديل عن الأسد لحكم دمشق.

دعمت العواصم الغربية في الثمانينات جماعات الجهاد الإسلامية من أجل إلحاق هزيمة بالاتحاد السوفياتي في أفغانستان، لكنها لن تدعم جماعات الجهاد، سواء صنفوا معتدلين أو إرهابيين، لإقامة حكم طالباني جديد في سورية. يعيش الغرب منذ ما قبل «غزوة» 11 سبتمبر هاجس هذا الإسلام الذي استشرف فيه هانتنغتون الشهير صداماً للحضارات. ولن يقوى أي نظام غربي أن يعبد الطريق لهذا الإسلام لإطاحة مستبد ليقيم دولة الخلافة سواء تلك التي يبشر بها «داعش» أو تلك التي تفوح بها أدبيات الإسلاميين المعتدلين.

لم يكن خطاب الدولة المدنية الحديثة طاغياً في خطاب الهيئات والمؤسسات التي تعاقبت على تمثيل المعارضة السورية. ولم يكن المانحون الإقليميون مهتمين لخطاب طوباوي يتحرى دولة أفلاطون. فُرض على المبشرين بالدولة المدنية التحالف ثم التواطؤ مع الإسلاميين، فحين قرر العالم وضع النصرة على لائحة الإرهاب، خرج من تلك المعارضة العلمانية المدنية من دان ذلك، وقال إنهم ثوار سوريون.

فشلت المعارضة في إنتاج خطاب جلي حازم حاسم في قضايا الهوية والوحدة والعلاقة مع الأقليات، الطائفية خصوصاً والعرقية أيضاً. لم يسمع الغربيون نغماً يفهمه ويستطيع فك رموزه، فيما استطاع الإنصات ملياً وباهتمام إلى إسلاموية يفوح منها إرهاب معلن عابر للحدود، حملته موجات اللجوء الصادم إلى قلب أوروبا. لن يكون السوريون مسؤولين عن ترتيبات تُعد لبلدهم لا يبدو أنها ستزيل نظاماً أو حتى تصلح من متنه. تتحمل الأجندات الدولية والإقليمية المتعارضة مسؤولية المآلات التي تعيد إلى نظام دمشق وظيفته المطلوبة لضبط التوازنات الدولية. وبما أن الأسلمة بنسختها السنّية أهملت أبجديات العلاقات الدولية، قيّض للأسلمة بنسختها الشيعية أن تحاكي هواجس تخطّها أجهزة المخابرات الدولية الكبرى.

تقاطعت مصالح الإسلاموية بالطبعة الإيرانية مع مصالح العداء المطلق للإسلاموية كما تجسدها روسيا بقيادة فلاديمير بوتين. لا يمكن إلا الاعتراف بأن التحالف الدولي ضد «داعش» بقيادة واشنطن يرابط في خندق واحد مع موسكو وطهران وحتى «حزب الله» ضد تنظيم البغدادي وبقية الجماعات المجمع على تصنيفها إرهابية. لم تلتقط المعارضة السورية قواعد الثابت والمتحوّل، وهو أمر ينسحب على مزاج إقليمي رديف تصوّر أنه من خلال أمراء الجهاد باستطاعته إزاحة ذلك الأمير في دمشق.

اقرأ المزيد
٣ سبتمبر ٢٠١٧
... وانتهى "داعش" في لبنان بصفقة

... وأسدل الستار أخيراً على وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في جرود رأس بعلبك والقاع في السلسلة الشرقية للجبال التي تفصل حدود لبنان عن سورية في شرق البقاع، ولكن بصفقةٍ وليس بحسم عسكري، كما كان كثيرون يعدون. وقضت الصفقة التي قادها حزب الله من الجهة اللبنانية مع "داعش" بالسماح لمسلّحي "داعش" بالخروج من المربع الأخير الذي حوصروا فيه في الجرود، بعد معركة فجر الجرود التي شنّها الجيش اللبناني قبل نحو عشرة أيام من الجانب اللبناني، وحزب الله والنظام السوري من الجانب والسوري، عبر حافلاتٍ أمّنها الحزب للمسلحين، حيث خرجوا بأسلحتهم الفردية إلى البوكمال في شرق سورية، في مقابل تسليم حزب الله جثامين بعض مقاتليه كانت في حوزة التنظيم، إضافة إلى أسير من حزب الله لدى التنظيم، فضلاً عن الإفصاح عن مكان جثامين جنود الجيش اللبناني الذين اختطفهم التنظيم في العام 2014 من بلدة عرسال البقاعية، وتمّت تصفيتهم في فبراير/ شباط 2015 كما كشف قبل أيام المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، وفقاً لمعلومات كانت توفرت للجهاز.

أثار كشف مصير العسكريين الذين كانوا مختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية و"استشهادهم" عاصفة من الغضب الكبير في البلد تجاه التنظيم أولاً، وتجاه الصفقة التي تمّ بموجبها ترك مسلحي التنظيم يرحلون عن الأراضي اللبنانية من دون محاكمة أو محاسبة بعد قتلهم الجنود اللبنانيين، خصوصا أن الجيش تمكّن، خلال الأيام الأخيرة، من محاصرتهم بعد معركة فجر الجرود في بقعة ضيقة لا تتجاووز 20 كيلومتراً مربعاً. وبالتالي، اعتبر مسؤولون كثيرون والشارع اللبناني أن الجيش وأهالي العسكريين الشهداء طعنوا في الظهر جرّاء هذه الصفقة التي جرت، والنتائج التي تمخّضت عنها.

في المقابل، أكد الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في كلمة متلفزة له، أن التفاوض (الصفقة) مع "داعش" كان من أبزر وأهم ما قدّمه معرفة مكان دفن العسكريين الذين كانوا في "أسر داعش"، كما أكد أنه لولا التفاوض لما تمت معرفة المكان، لأن مصيرهم كان معروفاً لدى الدولة منذ وقت سابق.

أثارت الصفقة، إضافة إلى الغضب، من بعض السياسيين ومعظم الشارع اللبناني، ضجة كبيرة وجدلاً جديداً بشأن مسؤولية القرار السيادي في لبنان، فقد انتقدت أطراف سياسية كثيرة خطوة حزب الله في التفاوض مع "داعش"، وكانوا قد انتقدوا مشاركة حزب الله في الحرب السورية، كما انتقدوا اتخاذ قرار بفتح جبهة جرود عرسال، من دون قرار من الدولة، وغيرها من ممارساتٍ اعتبروها مخلّة بالقانون والدستور، ومخلّة أيضاً بالتوازن الوطني ومصلحة البلد، ومهدّدة مسألة العيش المشترك في لبنان، فضلاً عن تقليص ثقة المواطن بالدولة والأجهزة الرسمية.

وفي مقابل ذلك، اعتبر محسوبون على حزب الله أن سكوت بعضهم على وجود "داعش" وجبهة النصرة في جرود لبنانية، وعدم تأمين غطاء سياسي للجيش في وقت سابق لخوض معركة تحرير الجرود وتحرير العسكريين الذين كانوا مخطوفين، فضلاً عن الاتهام المباشر وغير المباشر دليل على وقوف هؤلاء إلى جانب "الإرهابيين".

هنالك من يقول اليوم إنه ليس المهم هذا أو ذاك، المهم أن الجرود اللبنانية تحرّرت من "داعش"، وتم كشف مصير العسكريين المخطوفين. وبالتالي، يظل كل الباقي تفاصيل ليست مهمة كثيراً. ولكن كثيرين في لبنان يسألون: لماذا ينتهي وجود "داعش" في الجرود بصفقة، طالما أن وضعهم الميداني وصل إلى الحضيض في ظل ضغط الجيش، ولماذا يجري ذلك كله وكأن الدولة هي الغائب الأبرز؟

اقرأ المزيد
٣ سبتمبر ٢٠١٧
ما بعد جبهة النصرة ليس كما قبلها

بدأ قبل أسابيع عد عكسي دولي، لحل موضوع جبهة النصرة باعتبارها تنظيماً قاعدياً. هذا ما يمكن أن يلاحظه، ويتأكد منه، أي مراقب لما يعد لإدلب.

لن يكون زمن ما بعد جبهة النصرة كالزمن الذي كان قبلها. إنّ تراجعها، وربما تلاشيها، يجب أن يكون لحظة مفصلية في سياسة الشعب السوري وثورته، وهو الشعب الذي تسلطت هي و"داعش" عليه في وقت واحد، وأنزلت بهيمنتها على الساحة خسائر فادحة بالسوريين، منها، على الصعيد السياسي، ثورة الحرية بطابعها المجتمعي العام ونهجها السلمي، وطابعها السياسي القائل بالحرية والمواطنة المتساوية الذي أزاحه العنف المسلح والمعادي للسياسة وحملتها، وأحل محله مذهبية/ دينية، سوغت ما ارتكبه من جرائم على جميع الأصعدة، ضد مجتمع أسهمت في تمزيقه وتحريض مكوناته، بعضها ضد بعض، في سياق تبنّت خلاله نهج الأسدية الرافض للحرية وللاعتراف بوحدة الشعب السوري، والقائم على تسعير الحرب بين طوائف متنافية الأهداف لا تقبل العيش المشترك في دولة ديمقراطية، رفضها الأسد، واعتبرتها جبهة النصرة كافرة، يجب القضاء عليها وعلى القائلين بها.

طوى ظهور "النصرة" و"داعش" معادلة الثورة الأصلية التي جعلت النظام الديمقراطي بديل الأسدية، بدعم من وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2118، وما تضمناه من محدّدات أقرها الخمسة الكبار بالإجماع لحقوق الشعب السوري، وأرسى بدلاً منها معادلةً جعلت الإرهاب المذهبي بديل الديمقراطية، وأحدثت تبدلاً انقلابياً في موقف الدول من الثورة والحل السياسي، وأدخلت السوريين في مقتلةٍ دامت قرابة أربعة أعوام، ذهب ضحيتها مئات آلاف السوريات والسوريين. واليوم، وبعد اقتراب الحرب ضد "داعش" في محافظتي الرقة السورية ونينوى العراقية من نهايتها، وحل مشكلة جبهة النصرة في إدلب، تبدأ ثورتهما المضادة بالتلاشي والزوال، وتطرح نفسها من جديد مهمة صعبة، لكنها ممكنة التحقيق، هي استعادة رهانات ثورة الحرية وحراكها المجتمعي السلمي، وتحصينها ضد أخطاء النشأة وعيوبها التي لازمتها إلى اليوم، ومكّنت المتمذهبين الإرهابيين من كسب قطاعات مجتمعية واسعة أيدتها، وانفصلت عن الثورة، اكتسب معظمها خلال سيطرة "داعش"/ جبهة النصرة المريرة والمكلفة، الوعي بحتمية الانفكاك عنهما نهجاً، واستعادة رهانات الثورة الأولى، ونزل من جديد إلى الشارع لإدانتهما والتنصل من ممارساتهما، والتخلص من دورهما في تخريب ثورةٍ صار وجود سورية الدولة والشعب يتوقف اليوم على تجميع قواها وتوحيدها، وإعادتها إلى أهدافها التي قدّمت أعز التضحيات لتحقيقها طوال عام تمرّدها الأول.

يحتم ما سبق قوله الاستناد مجدّداً على الحراك السلمي/ المجتمعي الذي يجب تجميع جداوله وتحويلها نهراً جارفاً، تتجمع مكوناته في كل مكان من سورية، وتهتف لحرية الشعب السوري الواحد، وهي ترفع علم الثورة الأخضر وحده، من دون أي علم أسود أو مذهبي.

لا بد من مساندة هذا الجديد الحميد بكل ما هو ضروري على صعيدي الوعي والممارسة، كي يكون حصيناً، وتتقلص قدرة دجالي المذهبية على تضليله، ويقتنع العالم، في المقابل، بأن لدى السوريين رهاناً استعادوه، ولن يحيدوا بعد اليوم عنه، هو الحرية لشعبهم الواحد، غير القابل للقسمة أو التفتيت والتطييف، وأن مئات المجازر، وتدخل الخارج الإرهابي متنوع الجنسيات، لن يثنياهم عن طلب الحرية والتصدّي لمشكلاتهم وحلها، تعزيزاً لقيم العدالة والمساواة، وما يناضلون في سبيله من كرامة إنسانية.

بعد زوال جبهة النصرة وتنظيم داعش، من المحتم أن يُزال أي أثر لهما في فكر السوريين وممارساتهم، ويمحو تراثهم الإجرامي من ذاكرة الشعب الثائر، عبر اعتماد برامج عمل وطني فيها مكان مستحق لجميع مكونات الجماعة الوطنية السورية، تجريم الطائفية، العقبة الكأداء التي كبحت بقوة تماسك حراك الثورة وتماسك الشعب، وفكّت طوق العزلة عن الأسدية، وقلبت ثورة الشعب ضد النظام إلى حرب بين السوريين، بدعم أسدي/ داعشي/ نصراوي، وحالت دون افتضاح ما يكنه الأسد من عداء تجاه جميع فئات الشعب، بما فيها التي ضحى بأجيال منها في سبيل كرسي لا يستحقه، يعلم كل سوري أنه لم يصل إليه بجدارته أو خبرته، وأنه تعامل مع المسؤوليات التي ألقاها منصبه على عاتقه بخفة البلاهة.

ستتقدم قضية الحرية والثورة، بقدر ما تنفصل عن "النصرة" و"داعش"، وتتخلص من الضرر الذي ألحقتاه بالشعب، بواسطة تنظيميهما السفاحين، وما تدفق عليهما من أغراب تشير ممارستهم وأقوالهم التي اعتبرت أعداء الأسد أعداء لهما، وغلبت خلافاتهم التي يمكن حلها بالحوار والقبول المتبادل على تناقض الثورة العدائي مع النظام، وهو التناقض الذي لا يحلّ بغير السلاح، واعتبرت الخلافات تناقضاتٍ عدائية، أزالت طرفها الآخر بالسلاح، في حين حولت التناقض العدائي مع الأسد إلى خلافٍ جاهرت برفض حله قبل إبادة من يقاتلون نظامه من الثوار!. ستنتصر الثورة السورية بقدر ما تمنع ظهور إرهابيين في صفوفها، وتضفي طابعاً مدنياً على مؤسساتها، فيكون القانون للقانونيين، وتكون المحاكم للقضاة، والمواقع المدنية للمحامين والإداريين، والحرب والقيادة للمؤهلين وذوي الخبرة من ضباط الجيش المنشقين... إلخ.

نحن أمام نهاية مرحلة وبداية أخرى، مختلفة جذرياً عنها في منطلقاتها ووسائلها وأهدافها، فإما أن نتعامل معها بهذا المنطلق، ونخرجها من عوالق الفساد والتمذهب ومستحاثاتهما التي شوهتها، فتنتصر، أو أن نسمح لمن دمّروا سورية وشعبها وثورتها باستعادة دورهم الذي سبق لهم أن وضعوه في خدمة الأسدية، بينما أمعنوا في سفك دماء السوريين، ومحاربة حلمهم بالحرية، وبدولة ديمقراطية تكون لهم جميعهم. لقد أنقذ هؤلاء الأسد بالأمس، فهل نسمح لهم بإنقاذه من جديد، أم نقتلعهم من جذورهم فنرتاح ونريح؟.

اقرأ المزيد
٣ سبتمبر ٢٠١٧
بعد العراق وسورية... هل حان «اختراق» تركيا وإيران؟

تقترب التحوّلات الإقليمية لإعادة تشكيل المشرق العربي من منعطفات حاسمة، متزامنة مع بوصلة دولية ضائعة بفعل حال اللاصراع واللاتوافق بين الولايات المتحدة وروسيا، ما يجعل قراءة المشهد وتوجهّاته وخرائطه غاية في الصعوبة. ثمة نهايات بدأت ترتسم من دون أن تتضح، أوّلها نهاية السيطرة التي كان تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) فرضها على أجزاء من العراق وسورية، والثانية نهاية جغرافيتَي هذين البلدَين ووحدة أراضيهما كما عُرفت قبل مئة عام، والثالثة نهاية المفهوم العربي السائد منذ منتصف القرن الماضي للقضية الفلسطينية ولحلّها العادل. لكن يبدو أن ثمة بدايةً واحدة تحتكرها القضية الكردية بكونها مرشحة للخروج من الصراعَين الداخليَين/ الإقليميَين، السوري والعراقي، بما يحقق أخيراً حلم الأكراد التاريخي بأن تكون لهم «دولة» بل أكثر من «دولة» في ظل المتغيّرات الطارئة دولياً.

منطقياً، سيتيح استفتاء كرد العراق على تقرير المصير لحكومة الإقليم ورقة تستطيع إخراجها من جعبتها في أي وقت لإعلان الاستقلال/ الانفصال. ومجرد إجراء الاستفتاء، على رغم المواقف الدولية المعترضة والمحذّرة، سيعني أن وحدة العراق شعباً وأرضاً ودولة لن تكون ممكنة وسط تصدّع العلاقة بين المحافظات السنّية وحكومة بغداد والمحافظات الأخرى الواقعة تحت الهيمنة الشيعية - الإيرانية. إهمال المصالحة الوطنية ودخول «داعش» على الخط أدّيا الى إثقال المصالحة بحمولات غير متوقعة، وساهم التعسكر الشيعي خارج إطار الدولة ووفقاً لثقافة الاستقواء الـ «حرس ثورية» في تهميش هذه الدولة، فما عادت قادرة على إقناع مكوّنات المجتمع بأنها الكيان القادر على جمعها في صيغة تعايشية.

لذلك مسّت الحاجة الآن، ولو متأخّرة، إلى استعادة البُعد العربي للعراق، فلا السعودية ولا سواها من العرب يمكن أن يكون لديهم مشروع لإضعاف الدولة والجيش لمصلحة ميليشيا أو ميليشيات خاصة بها. لكن مجرد الانفتاح على العرب لا يحقّق توازناً وشيكاً مع إيران، بل ربما تكون إيران نفسها في حاجة إلى العرب في العراق بعدما ضلعت في استدراج الدمار لكبرى المدن والبلدات. من المهم الآن أن يستعيد الشيعة العرب كلمتهم ومكانتهم في العراق، والأهم أن يكون هناك وعي عراقي شامل بضرورة تصحيح أخطاء الحقبة الإيرانية التي لا تزال قائمة، ومن أخطر نتائجها فشل الدولة واستعصاء المصالحة، وأخيراً حسم الأكراد قرارهم بالانفصال. فإذا كان للمشروع الإيراني أن يبقى على حاله، وأن يستمرّ التعايش الأميركي معه، فإنه لا يرمي إلى أقل من إخضاع الشيعة والسنّة والأكراد معاً، مع فارق أن الأكراد باتوا يملكون إمكان رفض هذا المصير بفضل الرعاية الدولية لقضيتهم.

لا شك في أن النموذجين الكرديين العراقي والسوري يوفران مثالاً لأكراد تركيا وإيران، ولم يكن في السياسات الأميركية والروسية والأوروبية ما ينفي ذلك أو يستبعده إذ إنها تشجّع نشوء الأمر الواقع وتتظاهر بعدم الاعتراف به فيما هي تغذّيه وتدعم تكريسه. أما المواقف الحالية التي ترفض الاستفتاء في إقليم كردستان أو تدعو إلى تأجيله فهي إما هاجسة فقط بالحرب على «داعش» والخشية من الانعكاسات السلبية على نهاياتها، وإما تمويهية لأن «التوقيت الخاطئ» الذي دُمغ به موعد الاستفتاء قد يكون أربك الدول الكبرى المعنية بتعديل خرائط المنطقة بكشفه استحقاقات مقبلة لم يحن وقتها بعد. فـ «الدولة الكردية» وُضعت على جدول الأعمال منذ إسقاط نظام صدّام حسين وحلّ الجيش ومؤسسات الدولة، كذلك منذ طرح مشروع «الشرق الأوسط الجديد» واعتماد نهج «الفوضى الخلّاقة» أميركياً. وعليه فإن إقامة هذه «الدولة»، واستخلاصها من ركام الدولتَين العراقية والسورية، لا يعني أقلّ من أن جغرافية تركيا وإيران ستكون عاجلاً أو آجلاً تحت المجهر، فمناطق وجود الأكراد، المتّصلة أو شبه المتّصلة، باتت مناطق «اختراق» خارجي.

كانت معاهدات ما بعد الحرب العالمية الأولى لحظت وضع المناطق الكردية، الموزّعة بين الدول الأربع، تحت الوصاية الدولية ريثما يُنظر في ترتيبات جعلها دولة. وكما برزت آنذاك صعوبات رسم حدود هذه الدولة واعتماد مرجعية سياسية لها فإن الصعوبات ذاتها ترجّح الآن احتمال ظهور أكثر من دولة بسبب التنافر بين الأطراف الكردية نفسها. معلوم أن تركيا جمال أتاتورك كانت أطاحت بالقوة مشروع الوصاية الدولية وفرضت تعديل المعاهدات، كما أن إيران رفضته، فيما رجّحت بريطانيا آنذاك تثبيت مناطق الأكراد في إطار الدولتَين الناشئتَين في العراق وسورية لقاء منحها حكماً ذاتياً. في ما بعد تكرّس الاختلاف في طبيعة الدولتَين العراقية والسورية عنها في تركيا وإيران، لذلك يُنظر بترقّب إلى ردود فعلهما على الاستحقاق الكردي الداهم. إذ أثارت زيارة رئيس الأركان الإيراني محمد باقري أنقرة وتصريحات رجب طيب أردوغان احتمال وقوع حرب هدفها إجهاض المشروع الكردي، فإشارة الرئيس التركي إلى «عملية مشتركة» تعني أن الدولتَين لن تعتمدا فقط على «حرب بالوكالة». لا أحد يتصوّر واقعياً حرباً كهذه إلا إذا تخلّت الولايات المتحدة عن دعمها الأكراد وأقلعت روسيا عن اللعب، أو إذا انضمّت تركيا إلى إستراتيجية المواجهة المفتوحة التي تمارسها إيران ضد الولايات المتحدة.

لم تبدُ التغييرات متاحة أو ممكنة في العراق وسورية إلا بسبب الحروب التي مزّقتهما وكان لإيران فيهما دورٌ تخريبي مؤجّج، كما كانت لتركيا أدوار ملتبسة، لكن مساهمتهما لم تعفهما من نتائج باتت مقلقة تحديداً بسبب المسألة الكردية. وبديهيّ أنهما لا تريدان انتظار اشتعال النار في داخلهما على نحو يصعب احتواؤه، لذا فهما ستسعيان بأي طريقة إلى إخمادها في مهدها الخارجي. لكن أنقرة لا تشعر بارتياح إلى موقف حليفها الأميركي المزمن حتى أنها لم تتمكّن من انتزاع مجرّد ضمان أو تعهّد منه، ولا طهران مطمئنة إلى نيات حليفها الروسي الراهن. والواقع أن ما ظهر من الإستراتيجيتين الأميركية والروسية في سورية أكد على الدوام حرصاً على دور الأكراد وحماية لهم واعتماداً عليهم، وقد يُفسَّر ذلك بأن الأميركيين وجدوا عند الأكراد استعداداً قتالياً مناسباً لمحاربة «داعش» ما لم يتوافر لهم لدى فصائل المعارضة السورية، أما التقارب الروسي مع الأكراد فيمكن فهمه بحرص موسكو على حيازة ورقة يمكن استخدامها في سياق الترتيبات السياسية والأمنية المقبلة للمنطقة.

في فترات سابقة كان هناك توافق بين الدول الأربع (تركيا والعراق وإيران وسورية) على رفض مطلقٍ لإقامة أي دولة أو كيانٍ للأكراد، أما الآن فأصبحت هذه الدول في مواجهة واقعية وتماسٍ مباشر مع ما كانت تستبعده. لكن اللافت حالياً أن النظام السوري هو أقل الأصوات المسموعة في إبداء ذلك الرفض وقد يكون السكوت تعبيراً عن قبول ما يُطرح في الشأن الكردي أو لأن الضرورات الميدانية توجب عدم استعداء الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني» (بي كي كي) واستمرار التعاون معه. ذاك أن نظام بشار الأسد الذي يتهيأ لولايته التالية، الجديدة، لا يعارض التحوّلات الإقليمية الجارية طالما أنها تقبله بسجله الإجرامي بل تقبله خصوصاً لكونه غير معني بسورية ومصيرها، إلا أنه مع ذلك يطمح إلى أن يكون نقطة تقاطع روسية - أميركية، بعدما استطاع أن يجتاز أزمته كنقطة تقاطع أميركية - إسرائيلية - روسية - إيرانية. هل يفترق الأسد عن إيران (المتقاربة مع تركيا) في هذا المنعطف ما دام أكراده يلعبون اللعبة الدولية مثله ليفوزوا بحلمهم كما يوشك هو أن يفوز ببقائه؟ هناك من يعتقد أن الأسد يخادع وقد ينقلب في اللحظة المناسبة ضد الأكراد ومشروعهم لكن روسيا وليس هو مَن يحدّد دوره. الاحتمال الآخر أن يُوظَّف الأسد ونظامه وأكراده للانخراط في اختراق تركيا من خاصرتها الكردية.

 

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٧
عن بقاء الأسد

باتت كل الأخبار تتمركز حول بقاء الأسد الذي ظهر أنه انتصر، على الرغم من أنه أعلن انتصاره وإن أقرّ بأن الصراع لم ينته. لهذا ظهر أن هناك حركة واسعة من أجل الحج إلى دمشق، وإلى الإعلان عن قبول بقائه في السلطة. عربياً، تنفتح الخطوط مع النظام، ليس من أحزاب باتت تنشط من أجل الضغط على نظمها لإعادة العلاقات، بل إن نظماً باتت تعلن ذلك. يسعى الأردن إلى فتح الحدود، حيث يظهر شَرَهاً في تصدير السلع إلى سورية، والسعودية تمهّد لإقرار قبول النظام. باختصار، هناك نشاط محموم من أجل تتويج بشار الأسد منتصراً.

في مستوى آخر، باتت دول "أصدقاء الشعب السوري" الأوروبية تعلن موقفاً مختلفاً، حيث "لم تعد تتمسّك برحيل بشار الأسد"، وأنه يمكن أن يشارك في المرحلة الانتقالية، وحتى يمكنه الترشح للانتخابات، كما أوضح وزير خارجية بريطانيا. وموقف فرنسا شبيه بذلك، حيث أن بشار الأسد هو عدو الشعب السوري، وليس عدو فرنسا، وبالتالي لم تعد تتمسّك برحيله. وأميركا تتوافق مع روسيا (في سورية تحديداً بعد الخلاف المتصاعد)، وتقبل منظور روسيا للحل "السياسي". ولم تعد تركيا تبتعد كثيراً عن هذا الجو. بالتالي، بات واضحاً أن كل هذه الدول، العربية والغربية، قد أسقطت "شروطها"، وسلمت الأمر لروسيا.

بالتالي، يمكن القول إن الكل تخلى عن المعارضة السورية التي بنت إستراتيجيتها على دور "الغرب"، ودول الخليج، وتركيا. من هذا المنظور، يجب فهم ما جرى في الرياض من حوار بين "منصات المعارضة"، وتمسّك منصة موسكو بعدم ذكر مصير بشار الأسد. لقد بدا أن الخلاف في حوار المنصات يتمحور حول هذا الأمر، وظهر أن منصة موسكو وحدها ترفض تناوله، وتراهن على تغيرات دولية تفرض نجاح رؤيتها التي أوضحها قدري جميل، بعد انتهاء الحوار من دون نتيجة، بأنهم ليسوا مع رحيل الأسد وليسوا مع بقائه، بل إنهم مع خيار ثالث، يتمثل في تحديد الأمر في المفاوضات مع النظام. تكتيك "بارع" يطرحه قدري جميل، وهو يصرّ على أنه لمس موقفاً سعودياً إيجابياً، ينمّ عن تغيّر حدث أخيراً.

يشير ذلك كله إلى مأزق تعيشه المعارضة التي لم تستطع أن تبني إستراتيجيةً صحيحة منذ البدء، وخضعت لما كان يهمس به "الحلفاء"، أولاً أميركا في جنيف 2، ثم تركيا والسعودية وقطر. حيث كانت تغوص إلى قاع غائر. ستظهر نتائجه في الفترة المقبلة، حين تصبح منصة موسكو قائدة الحوار مع النظام، ويتهمّش الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وربما كذلك هيئة التنسيق.

كان الخطأ القاتل منذ البدء هو قبول الحوار مع وفد النظام (وفد بشار الأسد) وليس وفداً من النظام يقبل "جنيف1"، وبالتالي يقبل بتشكيل هيئة حكم انتقالي تبدأ بإبعاد الأسد. فوفد الأسد لن يقبل برحيل الأسد. ولهذا ظلّ يناور، ويُفشل المفاوضات، ما جعلها بلا معنى. وإلى الآن، تريد الهيئة العليا للتفاوض التفاوض مع وفد النظام، من دون أن تفهم أن الأمر عبثي، وهو من أشكال تضييع الوقت الذي يستغله الروس لترتيب الأمر "على الأرض". وبات الوضع الآن مرتباً على الصعيد السياسي، من خلال الميل العربي الدولي إلى قبول الأسد. ومرتب في الواقع على ضوء إقامة المناطق "منخفضة التوتر". وباتت روسيا المايسترو المعترف به مقرّراً لطبيعة الحل السياسي.

جيد التمسك برحيل الأسد، وجلبه إلى المحاكم الدولية، لكن ليس جيداً التمسّك بالمفاوضات، وتكرار موقف بات من الماضي. هذا لا يعني التخلي عن رحيل الأسد، بل يعني التخلي عن المفاوضات التي تسير نحو أن تصبح منصة موسكو قائدتها. وربما التكتيك الصحيح الآن أن يطرح الوفد المفاوض قبول قدري جميل رئيساً في المرحلة الانتقالية، بدل بشار الأسد.

هذا تكتيك وفق الوضع القائم الذي نشأ عن جرائم ارتكبتها قوى المعارضة، ومجموعات مسلحة كثيرة، أما الثورة فستستمر على الرغم من أن الشكلانية التي تحكم النظر لا تصل إلى رؤية أن الشعب هو الذي فجّر الثورة، وسيستمر بها على الرغم من كل التآمر عليه من كل الأطراف.

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٧
أصابع خشنة تشير إلى دير الزور

عادت محافظة دير الزور السورية، والتي كانت تعيش حالةً من العزلة المستدامة والتعتيم الإعلامي، في السنوات القليلة الماضية، إلى دائرة الضوء، عبر الزحف من المحاور العديدة باتجاهها، وتسابق الأطراف الدولية والمحلية لتحقيق نصرٍ على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبالتالي الظفر بثاني أكبر المحافظات السورية مساحةً.

في الأثناء، قررت قوات سورية الديمقراطية (قسد)، في وقتٍ متأخر، وبإصرارٍ أميركي، خوض معركة دير الزور، بعد أن كانت "قسد" قد صرّحت، في وقت سابق، أن معركة الرقة قد تدوم أشهراً إضافية، الأمر الذي فُهم منه أن معركة الرقة الطويلة قد تعرقل خطة التحالف الدولي والولايات المتحدة في التوجّه إلى آخر معاقل التنظيم في دير الزور، خصوصاً بعد فشل الولايات المتحدة في الاعتماد على المليشيات العربية التي أعلنت تنسيقها مع الولايات المتحدة، والتي كان يراد منها التوجّه صوب دير الزور، إضافة إلى انشقاق أبناء عشائر الشعيطات والبقارة من تحالف المليشيات العربية المتمركزة جنوب محافظة الحسكة، وإعلانها الانضواء تحت راية "قسد"، لتصبح الفرصة سانحةً أكثر للقوات الحكومية والمليشيات التابعة لها، ومن ورائها روسيا، للتوجه نحو المحافظة الإستراتيجية، إلّا أن إعلان "قسد" أخيراً أفسد على النظام فرص خوض المعارك بأنفاسٍ طويلة.

في ميزان الفائدة من معركة دير الزور، تطمح القوات الحكومية إلى استعادة المحافظة، أملاً بقطع الطريق على "قسد" والأميركان اللذين كانا قد عزما التوجه إليها، عقب التخلص من "داعش" في الرقة، وبالتالي حرمانهما من الاستفادة من الموقع الاستراتيجي للمحافظة، المتاخم للحدود العراقية التي باتت تحت سيطرة القوات الحكومية العراقية وقوات الحشد الشعبي. وبالتالي، قطع الطريق على الأميركان الراغبين في قطع طريق التواصل بين الحلف الإيراني العراقي السوري، إلى جانب السيطرة على الحقول النفطية، وأبرزها حقل العمر، شمال شرق الميادين، الذي قد يؤمن موارد مالية مهمّة للنظام السوري، إضافةً إلى بسط النظام وروسيا سيطرتهما على مساحةٍ أكبر من الأرض، الأمر الذي يحجّم من قدرات غريمه في "قسد" ومن خلفه الأميركان من فرض شروطهما اللاحقة.

على الرغم من عدم الجهوزية التي أبدتها "قسد"، وعلى الرغم من تباطؤ النظام السوري الذي يخوض معارك في البادية السورية وريف السلمية في ريف حماة الجنوبي، إلا أن الروس والأميركان أعلنا المضي في هذه المعركة، على ما يحويه الأمر من مخاطر جسيمة، جرّاء المخاوف من التماس المباشر والتحام القوتين أو حلفائهما على الأرض. وبالتالي، يأخذ السباق على دير الزور طابعاً دراماتيكياً وسريعاً، قد يفضي إلى خسائر في صفوف القوتين ("قسد" والنظام)، ما يعزز من إمكانية صمود "داعش" الذي قد يستفيد من الاندفاع الذي يقوم به الطرفان، وقد يؤدي إلى الخلل والوقوع في هفواتٍ مكلفة، جرّاء عملية التسابق والتدافع للسيطرة على المحافظة.

يبدو "داعش" هشّاً في الرقة، إلا أنه قد يكون متماسكاً أكثر في دير الزور، نتيجة لنفاذ فرصه في الفرار إلى مناطق أخرى، فمعركة دير الزور معركته الأخيرة، يبقى بعدها أو يزول كتنظيم تسيّد البادية السورية، ومعظم أراضي المحافظات الشرقية منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام. إلى ذلك، تبدو قوات النظام والمليشيات التابعة لها، ومن أمامهم وخلفهم الطيران الحربي الروسي، في وضع صعبٍ أيضاً، إذ يعكس التقدّم البطيء لهذه القوات صعوبة المعارك التمهيدية للمعركة الكبرى، وضعف فاعلية سلاح الجو الروسي قياساً بطيران التحالف الدولي. في إزاء ذلك، لا تبدي "قسد" حماسة كبيرة لمعركة دير الزور، على عكس ما كانت تبديه قبيل بدء "حملة الرقة"، وهذا لا يعني بأي حال عدم قدرة "قسد" التوجه إلى فتح جبهة جديدة، لاسيما وأن طيران التحالف أثبت فاعليته المرجوّة، إلا أن عدم حماسة "قسد" قد يضمر خشيتها من الصدام مع قوات النظام والمليشيات التابعة لها. وبالتالي، استعداء روسيا، وهو أمر مقلق لـ"قسد"، ومضرٌّ بسياساتها الإستراتيجية في عموم الشمال السوري.

مع كلّ الحذر والحيطة التي تحرص القوتان الدوليتان توخّيها، لجهة الحؤول دون الصدام المباشر بين قوتيهما وحلفائهما على الأرض، تبقى أصابع أميركا وروسيا الخشنة مشيرةً إلى دير الزور، من دون تردد، لما يحمله النصر النهائي على التنظيم فيها من سبقٍ دولي، في ما خصّ الإجهاز على تنظيم داعش وأسطورته التي امتدت سنوات. ولكن يجب أن لا يفوتنا كذلك قول إن هذا التسابق المحموم قد يفضي، بالمحصلة، إلى شكلٍ من أشكال تقسيم دير الزور بين الروس وحليفهم (النظام) من جهة، والأميركان وحليفتهم (قسد) من جهةٍ أخرى، ولعل شكل القسمة سيكون توزيعاً بحسب ما تمليه الوقائع العسكرية على الأرض، وفي هذا تعود دير الزور إلى دائرة الضوء، لكنه ضوء القنابل والانفجارات هذه المرّة.

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٧
إيران تقطف ثمار التفوق الروسي في سورية

تلعب روسيا وأميركا اللعبة ذاتها في سورية، لكن الروس يظهرون بوضوح حذاقة تجعلهم أكثر قدرة على التحكم بمسار اللعب. فكلتاهما تحرص على وضع حدود صارمة للتدخل البشري على الأرض، وباستثناء مئات قليلة من الجنود وعشرات الآليات، تركز الدولتان على القصف الجوي والصاروخي الذي يجنبهما الخسائر المباشرة، ما عدا حوادث قليلة.

وبعدما حددت الولايات المتحدة هدفها النهائي، أي القضاء على «داعش» في العراق أولاً ثم في سورية، وبدأت تُسقط تدريجاً شعارات رفعتها مع بداية الانتفاضة الشعبية السورية، وتتخلى عن تهديدات رفعتها مع تعاظم ارتكابات بشار الأسد، اختارت الوكيل المحلي لتحقيق هدفها، أي الأكراد السوريين، فدربتهم وسلّحتهم وألحقتهم بحمايتها، ووقفت من أجلهم، ولا تزال، في وجه تركيا، حليفتها القلقة من تأثير ذلك في المكون الكردي في مناطقها المحاذية لسورية.

وكان السبب الذي رجح اختيارها الأكراد لخوض معركتها ضد الإرهاب، استعدادهم لتنفيذ المطلوب منهم في مقابل تأمين حاجتهم إلى سند دولي فاعل يتبنى سعيهم إلى حكم ذاتي واسع، يكون خطوة أولى نحو انفصال لاحق قد لا يتحقق، وأيضاً هشاشة وضعهم في مواجهة أعدائهم الكثر، وهم نظام دمشق وتركيا والعشائر العربية المحلية التي تقاسمهم الشمال السوري.

وهذه الهشاشة تجعل الكرد غير قادرين على الخروج عن المسار الأميركي في حال لم تف واشنطن بوعودها. وبكلام آخر لم يكونوا قادرين على رد الاختيار الأميركي لهم، ولن يكونوا قادرين على رفضه مستقبلاً، من دون تغيير أهدافهم البعيدة المدى والقبول بالعودة إلى وضعهم السابق على 2011.

في المقابل، كان هدف روسيا منذ البداية الحيلولة دون سقوط نظام الأسد وانهيار جيشه بالكامل. وعملت منذ بداية الثورة على إمداده بوسائل الصمود، إلا أنها فضلت تركه يقوم بالمهمة وحده خشية الصدام مع الغرب، ولأنها كانت منشغلة في ذلك الوقت بمشكلات أقرب إلى حدودها، مثل أوكرانيا وتمدد الحلف الأطلسي.

وغطت إيران الفجوة، لكن سرعان ما تبين عجز التدخل الإيراني المباشر، عبر «الحرس الثوري» و «حزب الله» والميليشيات الأخرى، عن حماية النظام، فكان أن أرسلت روسيا طائراتها ومدفعيتها وغواصاتها المزودة صواريخ بعيدة المدى لإسناد الجيش والإيرانيين.

وقد أثبت الأميركيون أكثر من مرة أنهم مستعدون للدفاع عن حلفائهم الأكراد السوريين، واشتبكوا قبل يومين مع قوات مدعومة من تركيا في منبج في شمال سورية. لكن لدعمهم حدوداً تشي بها النصيحة الأميركية لأكراد العراق بالتراجع عن إجراء استفتاء على «الاستقلال» والاكتفاء بالحكم الذاتي.

وبدورهم أثبت الروس أنهم مستعدون للدفاع عن حلفائهم الايرانيين بالوقوف في وجه التهديدات الأميركية والإسرائيلية المبالغ فيها كثيراً، ولم يتجاوبوا مع رغبة نتانياهو في الحصول على ضمانات بتقليص الدور الإيراني بعد التسوية، لأن المصالح المشتركة بين موسكو وطهران تتجاوز سورية بكثير.

وهدفا الولايات المتحدة وروسيا لا يتضاربان. فموسكو تشارك واشنطن رغبتها في القضاء على الإرهاب وتشارك في القصف على «داعش»، فيما لا تكترث واشنطن بما عدا ذلك، وتغض الطرف عن تمدد إيران في جبهات عدة، وسيطرة ميليشياتها على شريط واسع من الحدود مع العراق. وبات الأميركيون مستعدين لقبول أي تسوية تنسجها موسكو، والتعايش معها، بما يشمل بقاء الأسد. وهم جاهروا بذلك قبل أن تكر سبحة القابلين بالحل الروسي.

وليس مقنعاً القول بأن الأميركيين سيلتفتون إلى التهديد الإيراني بعد انتهاء الحرب على الإرهاب. فهذه لن تنتهي، والوقائع على الأرض تفرض نفسها ويصبح تغييرها صعباً مع الوقت. ويعني ذلك أن أكراد سورية قد لا يحصلون من التسوية على ما يتناسب مع طموحاتهم، فيما ستقبض إيران الثمن الأكبر.

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٧
اللجوء السوري في لبنان بين ماكرون والحريري

اللجوء السوري في لبنان مشكلة بالغة التعقيد وعبء كبير على بلد اقتصاده في وضع خطير. ونتائج اللجوء الاجتماعية كارثية بسبب تزايد التوتر بين الشعبين وتزايد العنصرية والتعصب في لبنان، ففي أي زيارة الى لبنان حيث هناك اكثر من مليون لاجئ سوري نتيجة الحرب الوحشية التي خاضها بشار الأسد على شعبه بدعم من روسيا وايران، يدرك المراقب ان مشكلة اللجوء السوري لم تعد تنحصر في طائفة واحدة مثلما حصل مع اللجوء الفلسطيني، بل ان معظم الطوائف أصبحت تتذمر كما معظم طبقات الشعب تندد بوجود اللاجئين السوريين الذين كثيراً ما ينافسون اللبنانيين على وظائف صغيرة لأن أجورهم أقل بكثير من اللبنانيين.

ان من المحزن ان العالم ترك بشار الأسد يهجّر شعبه ويخلق له وللبلد الذي يستضيف هذا اللجوء مشاكل اقتصادية ضخمة. فسائق التاكسي مثلاً في بيروت او طرابلس كثيراً ما يشعر بمرارة لأن هناك العديد من السوريين يعملون على سيارات من دون رخص وينافسون بأسعارهم القليلة السائق اللبناني. حتى اذا اقترب طفل لاجئ سوري ليطلب مساعدة مالية من أحد الركاب ينصحه السائق بعدم إعطائه أي مساعدة قائلاً ان اهل هذا الطفل يستخدمونه لكسب المال وذلك يتكرر في عدد كبير من قطاعات العمل في لبنان.

ان مأساة اللجوء السوري جعلت معظم طبقات الشعب اللبناني تظهر قسوة غير عادية للبناني وشيئاً من العنصرية تثير مشاعر المراقب الخارجي الذي يرفض هذا التصرف ولكنه في العمق يدرك ان حياة عدد كبير من اللبنانيين أصبحت بالغة الصعوبة لقسوة ظروفهم المعيشية، خصوصاً ان الشعب يتذمر من طبقة سياسية فشلت في تقديم ادنى المتطلبات المعيشية ومنها الكهرباء مثلاً.

وغداً يستقبل رئيس الحكومة الفرنسي ادوار فيليب نظيره اللبناني الرئيس سعد الحريري الذي يلتقي بعد ذلك مع وزير المالية برونو لوميير، على ان يلتقي الحريري بعد غد مع الرئيس ايمانويل ماكرون ووزراء الخارجية والدفاع جان ايف لودريان وفلورانس بارلي ورئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشي. وسيكون موضوع اللجوء السوري في طليعة اهتمام الحريري في محادثاته التي تهدف الى اقناع الجانب الفرنسي بأن يعمل على تعبئة أوروبية لمساعدة لبنان على نمو اقتصاده عبر مؤتمر دولي ليتمكن من تحمل هذا اللجوء في غياب حل للصراع السوري وغياب إمكان عودة اكثر من مليون لاجئ سوري في ظل حكم بشار الأسد.

ويأتي لقاء الحريري مع ماكرون بعد أيام قليلة على استضافة الأخير قمة أوروبية افريقية بهدف الحد من موجة المهاجرين الى أوروبا عبر الدول الافريقية مثل النيجر ومالي وليبيا. فماكرون اعلن انه يريد مساعدة افريقيا لكي تضبط وتحد هذه الهجرة التي تتدفق الى الدول الأوروبية. والمستشارة الألمانية انغيلا ميركيل التي فتحت أبواب المانيا لـ٤٩٠ الف مهاجر اكدت في مقابلة في بداية الأسبوع ان المانيا وأوروبا لم تتنبه بما يكفي لنتائج الحرب الاهلية في سورية وإرهاب «داعش» في العراق وحدود إمكانات مخيمات اللاجئين في لبنان والأردن، وان الأطفال هناك لن يتمكنوا من الحصول على تعليم في المدارس ما جعل المانيا تدرك انه تنبغي مساعدة دول اللجوء حيث الجغرافيا تفرض ذلك. فلا شك ان الحريري يأتي في وقت مناسب لتناول هذا الموضوع مع فرنسا التي تقدم تاريخياً كل الدعم للبنان. فهناك نوع من ارتباط وثيق بين البلدين منذ عقود الى حد جعل دبلوماسية لبنانية بارزة تلاحظ انه من الصعب احتمال ان يفشل أي سفير لبناني في عمله في فرنسا لأنه باستمرار يجد كل الأبواب مفتوحة امامه. وتتبع زيارة الحريري الى فرنسا زيارة الرئيس عون وهي اول زيارة دولة لرئيس اجنبي في عهد ماكرون، وستتم في الأسبوع الأخير من شهر أيلول (سبتمبر). فلا شك في أن مشكلة اللجوء السوري ومساعدة الاقتصاد اللبناني ستتصدران المحادثات. ومع أن الدول الأوروبية تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة فهي تدرك انها اذا ارادت عدم مواجهة المزيد من الهجرة فعليها ان تساعد لبنان. وماذا لو تصور الأوروبيون ان يصدر الأردن ولبنان هذا اللجوء الى حدودهم؟ ان الوقت مناسب لطلب لبنان المساعدة وتفهم فرنسا وألمانيا مثل هذا الطلب. ولكن على الجانب اللبناني ان يقدم طلب المساعدة بشكل مدروس وواضح ومركز كي يأتي بنتائج.

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٧
كيسنجر يريد بقاء «داعش»!

يجادل الكاتب الإيراني بهذه الصحيفة، الأستاذ أمير طاهري، الطرح الذي انتشر مؤخراً عن أشهر منظّر سياسي أميركي، حي، الدكتور هنري كيسنجر، بخصوص مواجهة الغرب لـ«داعش» وشقيقاته في سوريا والعراق.

خلاصة نصيحة كيسنجر هي عدم العجلة في القضاء على «داعش» وأمثاله، لأن ذلك يعني إفساح المجال لتفرد الجمهورية الخمينية الإيرانية بسوريا والعراق أيضاً!

ذهل طاهري من هذا الطرح، وبنى نقضه على كيسنجر بأنه سليل ثقافة سياسية قديمة، تقوم على مبدأ «توازن القوى» من مخلفات العصور الأوروبية الويستفالية.

بالنسبة لطاهري فإن القضاء على «داعش» لا يعني عدم القضاء على النظام الخميني لاحقاً، فالخمينية والداعشية والقاعدة والطالبانية كلها وجوه لحقيقة قبيحة واحدة.

يتابع، مثلما لم يكن القضاء على الخطر النازي في الحرب العالمية الثانية مؤجلاً بسبب الخوف من التمدد السوفياتي الأحمر، حيث تم لاحقاً القضاء عليه، فكذلك الأمر يجب أن يكون مع خطر «داعش» وشقيقاته بسوريا والعراق.

ليس كيسنجر فقط من قال ذلك، فهناك دعوات أميركية متواترة لوجوب مواجهة الرئيس ترمب مخاطر الخمينية في الشرق الأوسط، وتعويض سنوات الضياع، بل «الرخاوة» الأوبامية، إباّن أحلام اليقظة التي راودت عقل الرجل الأميركي المسمى باراك بن حسين بن أوباما، حيال «اعتدال» خميني مأمول!

مجلة «فورين بوليسي» نشرت الجمعة الماضية، تقريراً أكدت فيه أن: «ترمب يواجه خطراً آخر، وهو أن يذكره التاريخ بأنه قام بهزيمة (داعش) حتى يمهد الطريق أمام الخلافة الإيرانية».

رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، بدوره حذّر الغرب، بما فيه روسيا، من ترك سوريا نهباً للجماعات التابعة لإيران، بالنسبة للأمن الإسرائيلي هذه قضية مرفوضة، وكلنا نتذكر غارات الطيران الإسرائيلية على أهداف إيرانية بسوريا. هناك سباق محموم على الأرض السورية، ومزاد أحلام وخطط، على وقع الهزائم التي مني بها «داعش» و«النصرة» وأمثالهما، و«تطويع» الفئات المسلحة التابعة للمعارضة «المعتدلة».

نظام بشار لديه أوهامه عن عودة الجميع لبيت الطاعة، وكرد سوريا لديهم أحلامهم الأخرى، ببركة حماستهم لمواجهة «داعش» في الشرق السوري، وجماعة إيران، ومنهم حزب الله اللبناني، لديهم أوهامهم السورية أيضاً، من آخر ذلك محاولة نصر الله إجبار الحكومة اللبنانية على التطبيع مع بشار.

بعيداً عن حجج طاهري، فإنه لا ريب فيه أن هزيمة «داعش» و«النصرة» ومغناطيس دعايتهما لن يكون بحلول جنود الولي الفقيه بصرخات قاسم سليماني على وديان وجرود ومروج الشام... هذا خير قابلة لمولود التدعشن والتقعدن.

حتى تقضي على «داعش» وشقيقاته يجب أن تواجه الخمينية بنفس الوقت، والعكس صحيح.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٧ يونيو ٢٠٢٥
فادي صقر وإفلات المجرمين من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني