مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٣١ أغسطس ٢٠١٧
صفقة الأحلام بين «حزب الله» و«داعش»

وصفه هو: اتفاق مثير لمشاعر الأهالي في لبنان بين «حزب الله» وتنظيمي «داعش» و«النصرة» بعد معارك «غامضة» على الحدود اللبنانية – السورية؛ جرود القلمون الغربي.

بعد صولات وجولات، ومناورات إعلامية وسياسية، وكمشة خطب لزعيم الحزب اللبناني - الشيعي، حسن نصر الله، انتهى الأمر إلى نتائج مخيبة؛ بل وصادمة، خصوصاً صور مقاتلي «داعش» وهم يستقلون حافلات ضخمة «مكيّفة» من الحدود السورية - اللبنانية إلى أقصى الشرق السوري قرب العراق، بحماية قوات النظام السوري، وتسهيلات عناصر الحزب الخميني اللبناني، ومعهم سيارات الهلال الأحمر أيضاً.
الصفقة المثيرة أغضبت أهالي العساكر اللبنانيين «الرسميين» المفقودين منذ فترة بعيدة.

«داعش» بعد ضمان تحقيق مطالبه، وهي الخروج الآمن بالأُسر، وبحماية النظام، إلى البوكمال ودير الزور شرق سوريا، أخبر جماعة الحزب الإلهي بمكان قبور جنود الجيش اللبناني القتلى، وبدوره أخبر الحزب الخميني قيادة الجيش والأمن العام بذلك، وسط صدمة الأهالي!

الاتفاق، كما أعلن عنه إعلام «حزب الله»، يقضي بتسيير قوافل حافلات تقل مقاتلي تنظيم داعش وعائلاتهم، وقد وصلت القوافل لنقطة تبادل في شرق سوريا، حيث سينتقلون منها إلى أراض خاضعة لسيطرة التنظيم بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار.

يا سلام!

كل تفصيلة تخرج عن هذه المفاوضات العجيبة، تكشف المزيد؛ من ذلك أن «حزب الله» فرض قراره على الدولة بتسليم 3 من المحكومين أمنياً في سجن رومية، مقابل عدد من مقاتليه الذين استقبلوا استقبال الأبطال.

طبعاً الجانب العراقي الذي يخوض الآن معاركه مع الدواعش على حدوده مع سوريا، وهي الحدود التي ذهب إليها دواعش القلمون اللبناني، بحفاوة أسدية وأيضا من حزب الله، غاضب ومستاء من هذا الإجراء.

رئيس الوزراء العبادي انتقد الاتفاق، وكثير من الكتاب والنشطاء العراقيين في غاية الغضب من هذه الاستهانة بمصالح العراق.

كل هذه الأمور تشير لحقيقة لطالما تغافل عنها البعض، وهي أن «كل» التنظيمات المتأسلمة المسلحة، الخارجة عن سلطة الدولة؛ شيعية كانت أم سنية، تتشابه في سلوكها وتتطابق في تصرفاتها، وتتشاطر الثقافة الاستباحية نفسها لحرمة الدولة وسيادة القانون وهيبة الكيان الحاكم للكل تحت سقف الدستور الذي لا سلطة فوقه تجاه كل مكونات المجتمع.

كما تشير هذه الصفقة المثيرة لهزال السيطرة والسيادة للدولة اللبنانية، في العهد العوني تحديداً، الذي قيل إنه سيعيد سطوة الجمهورية، والأمر المستفز أكثر أنه بعد الحضور المشرف للجيش اللبناني في معارك الجرود، سحب منه المجد، وظهر «حزب الله» الديني المسلح طرفاً أقوى، وهو الذي فاوض النظام السوري ورتب تفاصيل الصفقة!

مشهد كاشف بحق.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٧
دور الهزيمة للجيش اللبناني

هل يمكن أن نفهم لماذا سمح الجيش اللبناني، ومن خلفه حزب الله وقوات النظام السوري، لمائتين وخمسين مقاتلاً إرهابياً من تنظيم داعش محاصرين في منطقة الجرود اللبنانية السورية بأن يخرجوا بسلام إلى دير الزور السورية؟ أي من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وهي على الخريطة أكثر من أربعمائة كيلومتر داخل سوريا الممزقة!

ثم إن الصفقة تبدو مريبة، فهي تقوم على وقف إطلاق النار بين الجيش اللبناني من جهة، مع أنه لم يكن يقاتل خلال السنوات الأربع الماضية هناك، وداعش من الجهة الأخرى. ففي الاتفاق يبدو الجيش اللبناني هو من يفك الحصار عن القتلة مقابل أن يسلموا جثث قتلى حزب الله، ويدل الجيش على مدافن قتلاه، نحو تسعة عسكريين تم العثور على ستة منهم.

لماذا لم يترك دور البطولة هذه المرة لحزب الله كالعادة؟
السبب، كما يبدو، لأن الاتفاق هزيمة وفضيحة، والعذر أن الجيش هو القوة الشرعية. ولا يبدو منطقياً، أو على الأقل مفهوماً، السماح بخروج هذا العدد الكبير من مقاتلي التنظيم أحياء لقاء رفات أموات، طالما أن حزب الله يدعي أنه سيطر على تلك المناطق الجبلية.
لهذا اعتبر أهالي القتلى اللبنانيين الاتفاق خيانة في حق أبنائهم، معتمدين على أقوال الجيش بأنهم سيطروا على القلمون، وبقي عشرون كيلومترا من دائرة مساحتها مائة كلم.

الحقيقة واضحة، حزب الله لم يكن قادراً على السيطرة على تلك المنطقة، ويبرر الاتفاق بقوله: إنها ليست استراتيجية، وهذا ليس صحيحاً، فهي ملاذ آمن لداعش يستطيع منه أن يهدد كل شمال شرقي لبنان بعملياته الإرهابية، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات من حدود سوريا، إن أراد الانتقال بعملياته إلى هناك.

ويقول حزب الله إن الصفقة مع داعش لتنظيفها منه والسيطرة على كامل المنطقة، من أجل أن يتفرغ لمقاتلة الأميركيين في البادية السورية! طبعاً لا يوجد هناك من يصدق هذا الادعاء.

أما الجزء الغامض الآخر، فهو كيفية انتقال مقاتلي داعش إلى دير الزور، مسافة طويلة تستغرق في وقت السلم خمس ساعات، والآن ربما يوماً كاملاً أو أكثر.

ما الذي يهمنا في هذه المعركة الصغيرة في إطار حرب سوريا الكبيرة؟ نحاول أن نفهم من تفاصيلها تشكيلة القوى على الأرض. فإن استطاع تنظيم داعش أن ينقذ مقاتليه المحاصرين في الجرود والقلمون اللبناني، ثم يُؤمِّن انتقالهم إلى دير الزور البعيدة، فإن هذا يدل على أنه لا يزال قوياً بخلاف ما نسمع عنه. وهذا يعني أن أي اتفاق يفرضه الروس والإيرانيون على القوى السورية المقاتلة الأخرى لاحقاً، سيكون مجرد وهم سلام.

وهذا لا ينفي انهيارات التنظيمات الإرهابية، في مناطقها داخل سوريا، بل حقيقية، ومعظمها نتيجة ضربات التحالف الغربي، على اعتبار أن تحالف إيران وروسيا يركز في قتاله على التنظيمات السورية التي تنازع نظام الأسد شرعيته وإجبارها على القبول بمشروعه السياسي. إنما الفارق بين هزيمة تنظيم سوري مسلح، وآخر إرهابي مثل داعش وجبهة النصرة، أن القوى الإرهابية قادرة على البقاء بعد الهزيمة لتعمل تحت الأرض، لأنها مؤدلجة وتعيش في بيئة سرية التنظيم.

حزب الله كان يريد أن يضع اسمه فقط على الانتصارات لأنه يعيش شعبياً عليها، لهذا ترك للجيش اللبناني توقيع اتفاق القلمون ليكون محل غضب الناس واستنكارهم. فصار الجيش هو من وافق على صفقة تبادل الجثامين مقابل إخلاء قتلة داعش، فيما يبدو للجميع أنها صفقة خاسرة، وهزيمة محرجة. حزب الله اختار وتنازل، هذه المرة، عن دور «البطولة» للجيش اللبناني الذي لا يزال مغلوباً على أمره.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٧
دور مصري غامض في سورية

لاحظ كثر من المراقبين وللمرة الأولى السماح لمصر بدخول مشهد الصراع في سورية وعليها. تمثل ذلك في ما تناقلته الأنباء عن دور للقاهرة في المفاوضات بين المعارضة المسلحة والنظام، في ما يتعلق بما بات يعرف بمناطق التهدئة. حصل ذلك كما يبدو بموافقة روسية وسعودية. روسيا في حاجة لدور عربي تحت مظلتها في الأزمة السورية في موازاة الدورين الإيراني والتركي، خصوصاً أن هذه الأزمة دخلت مرحلة يتمنى كثيرون أن تفضي إلى الترتيبات النهائية لحل سياسي يتوافق عليه اللاعبون الرئيسيون في المشهد السوري. من ناحية ثانية، يبدو أن السعودية بعد استكمال إدارة ترامب لما بدأته الإدارة السابقة بتسليم الملف السوري للروس، وبعد تأكدها من أن قطر تمارس دوراً تخريبياً في المنطقة، ترى ضرورة حضور عربي رسمي في الأزمة السورية وقد دخلت هذا المنعطف الحساس. علاقة الرياض بكل من النظام السوري، وراعيته إيران لا تسمح لها بأن تكون هي الطرف العربي المطلوب. في هذا السياق، يبدو أن الرؤية السعودية والروسية التقت على أهمية أن تتولى مصر هذا الدور.

يعزز ذلك أن موقف مصر في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي كان دائماً إلى جانب النظام السوري. ومع أن القاهرة انطلاقاً من ذلك تعطي أكثر من مؤشر على أنها مع خيار بقاء الرئيس بشار الأسد، إلا أن موقفها يكتنفه شيء من الغموض حيال مستقبل الأسد في الحل النهائي المنشود للأزمة السورية. الأرجح أن مصر لا تمانع بقاء الأسد في الحل النهائي. هل هو بقاء موقت أم نهائي؟ ليس واضحاً. ينطلق الموقف المصري من ثلاثة هواجس. الأول معارضة وصول الإخوان المسلمين، والمعارضة الإسلامية عموماً إلى الحكم في سورية. وذلك لكسر أي طوق إخواني قد يحيط بمصر في حال وصول أي من هؤلاء إلى الحكم هناك. ثانياً تفضل بقاء السلطة في يد الجيش السوري حتى لا تبقى مصر وحدها من يحكمها الجيش. ثالثاً ألا يفضي الحل النهائي في سورية إلى تعزيز نفوذ دول إقليمية على حساب مصر. هنا يتقاطع الموقف المصري في غموضه وتفاصيله مع الموقف الروسي، ويختلف في حدوده وأهدافه النهائية مع الموقف التركي، ويكاد يتناقض مع الموقف الإيراني. كانت تركيا ترى ضرورة رحيل الأسد. ثم بعد تقاربها مع روسيا، واتفاقها مع إيران حيال الموضوع الكردي في كل من العراق وسورية، تغير هذا الموقف القاطع، وأصبحت أنقرة تفضل الغموض، وتلتزم الصمت في شأن مستقبل الأسد. أكثر المواقف وضوحاً هو الموقف الإيراني. إذ ترى طهران أنه لا حل في سورية من دون بقاء الأسد. ومنطلقها في ذلك أن رحيل الأسد سيفتح الباب أمام عودة الأغلبية السنية إلى الحكم في سورية. وهو ما تعتبر أن حصوله يعني انهيار مشروعها في الشام.

الغرائب في هذا المشهد المركب كثيرة. يبرز منها ثلاثة أمور. الأول أن قطر تأمل بحجمها المتواضع أن تكون طرفاً في تحالف مع تركيا وإيران في مواجهة الرياض والقاهرة والإمارات والأردن. الثاني أن بشار الأسد يتحدث، كما فعل في خطابه الأسبوع الماضي، وكأنه ينفرد بحكم سورية كما كان عليه الأمر قبل الثورة. هذا مع معرفته أكثر من غيره أن أمره ووضعه عكس ذلك تماماً. كأنه يكابر ولم يتعلم من التجربة، أو يتظاهر في محاولة لتشتيت الانتباه عن الواقع الذي يتسربل به. الأمر الثالث لافت أيضاً، لكن في اتجاه آخر. وهو أنه لم يهاجم في هذا الخطاب إلا الغرب والإخوان المسلمين. حاجته لموافقة هذا الغرب، وتحديداً أميركا، الآن أكثر مما كانت عليه من قبل. والأغرب هو هجومه على الإخوان مع أنهم ليسوا أغلب ولا أهم القوى المسلحة التي تحارب نظامه. في هذا السياق، وهذا لافت حقاً، لم يهاجم أية دولة عربية، بشكل مباشر على الأقل. تأتي أهمية هذه الملاحظة أنها تتزامن مع دخول الدور المصري إلى سورية. هل في هذا مؤشر إلى أن الأسد تعلم من الثورة عليه وعلى نظامه الكلفة الباهظة لارتمائه في أحضان الإيرانيين، وانسلاخه عن محيطه العربي، وأنه بدأ يدرك نجاعة لعبة التوازنات التي كان يستند إليها والده الذي ورثه الحكم؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن إشارة الأسد قد تعني أنه يريد حضوراً عربياً يخفف به وطأة الحضور الإيراني، ويسمح له بهامش أكثر مما يتوافر له الآن. لكن يصطدم هذا التوقع مع تجاهل الأسد التام في خطابه للشعب السوري، وتحديداً للعدد الهائل من الذين قضوا على يد قواته وحلفائه من الميليشيات الإيرانية، والقوات الروسية، وملايين المهجرين بين الداخل والخارج، فضلاً عن المصابين والمشردين. تجاهل كل هؤلاء ليقول بلغة فاقعة ومباشرة بأن الشعب السوري أصبح الآن أكثر تجانساً مما كان عليه قبل الثورة. وهذا تعبير عنصري يأتي على لسان رئيس الدولة من دون خجل. وهو تعبير يعني أن عمليات القتل والتهجير والتدمير كانت تتم في شكل متعمد وممنهج منذ بداية الثورة لتحقيق هدف التجانس المذهبي الذي توقف عنده الأسد بافتخار باذخ.

السؤال الذي على القاهرة مواجهته الآن: ما الذي تأمل تحقيقه؟ ربما أنها، ومعها الرياض وعواصم عربية أخرى، ترى أن الحضور العربي في سورية في هذه المرحلة بات ضرورة ملحة. هو كذلك بالفعل. لكن كيف؟ ولأي هدف؟ هل بقاء الأسد في مصلحة سورية، أو في مصلحة العرب؟ تغيرت المعادلة في سورية. بقاء الأسد الآن يعتمد على قوات أجنبية كبيرة، ولا يستطيع البقاء من دونها. من سيتحمل كلفة وتبعات ذلك؟ فات زمن إقناع الأسد بالتخلي عن اعتماده على إيران أو اعتماد إيران عليه. ثم هل يمكن إقناع السوريين بقبول بقائه بعد كل ما حصل؟ نعم دخول مصر بموافقة سعودية وعربية سيوازن الدور الإيراني، ويعزز الدور الروسي، ويحد من الدور التركي. لكن مرة أخرى كيف؟ ولأي هدف؟ لا تستطيع القاهرة إعلان موقف من الوجود الإيراني المكثف في سورية. موافقتها عليه ضد مصالحها، وتتصادم مع الرياض. معارضتها له ستعكر علاقتها مع الأسد ونظامه. يحتاج الأمر إلى حل يبدأ إما بخروج الأسد، أو ببقائه كسبيل لخروجه. من دون ذلك ستبقى سورية مهددة بالتقسيم، أو بدخولها النفق الأفغاني.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٧
لكنْ من أين يستمدّ دي ميستورا تفاؤله؟!

نادراً ما عاندت تطورات الصراع السوري تشاؤم المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، وغالباً ما خيبت الوقائع الملموسة تصريحاته المتفائلة، إن في وقف القصف السلطوي أو في تسهيل وصول الغذاء والدواء إلى مناطق محاصرة، أو في رهانه على مفاوضات جنيف التي عقدت مراراً تحت إشرافه، ولكن يصح اليوم أن يؤخذ على محمل الجد تفاؤله بحصول تقدم نوعي في الملف السوري خلال الأشهر القادمة، ما دام يستند في ذلك الى مستجدات سياسية وعسكرية.

أولاً، تبدل محتوى التسوية السياسية المرتقبة، موضوع التفاؤل، حيث نجحت موسكو، بعد عامين من تدخلها العسكري المباشر في فرض توازن جديد للقوى، جعلها الطرف المقرر في الشأن السوري، ومكنها من الالتفاف على أهم النقاط الإشكالية وفرض رؤيتها لإخماد الاقتتال، مستعينة بمناطق خفض التوتر وبخطة طريق جوهرها تثبيت أركان الدولة وفصل الوجه العسكري للصراع عن وجهه السياسي، ربطاً بتفهمها مخاوف أهم الأطراف الدولية والإقليمية وطمأنتها، الأمر الذي يعني عملياً، نسف ما نص عليه بيان جنيف عن مرحلة انتقالية تحدث تغيرات سياسية جذرية في محتوى السلطة وعلاقتها بالدولة والمجتمع، ويعني تالياً تثبيت الواقع القائم في ما يشبه عملية تطبيع سياسية واجتماعية تهدر تضحيات الشعب السوري وتطيح مطالبه بالحرية والكرامة، وتستهتر بمعالجة ملفات إنسانية ملحة ومؤلمة، كأوضاع المعتقلين والمغيبين قسرياً والمشكلات المتفاقمة للاجئين والنازحين.

ثانياً، ما كان لموسكو أن تتمكن من التفرد في تقرير المصير السوري، لولا استمرار سلبية المجتمع الدولي والخذلان الغربي وتسليم البيت الأبيض دورها المفتاحي، مكتفياً بقيادة التحالف الدولي المناهض لـ «داعش»، وتمكين قوات سورية الديموقراطية، ومخيباً الآمال التي عقدت بعد مجيء ترامب على مقاربة أميركية جديدة للملف السوري، غذتها الضربة الصاروخية لمطار الشعيرات رداً على معاودة النظام استخدام الغازات السامة في بلدة خان شيخون، ثم تصعيد لهجته العدائية ضد طهران لمنع إفلاتها من اشتراطات الاتفاق النووي.

وأيضاً ما كان للدور الروسي أن يأخذ ذاك الزخم من دون نجاحه في تطويع مواقف الطرفين الإقليميين الأكثر تأثيراً في الصراع السوري، إيران وتركيا، فالأولى تعي حاجتها التحالفية مع روسيا وتقدر ما حققه حضور الأخيرة عسكرياً من نتائج عجزت هي عن تحقيقها، لتبدو مكرهة على تفهم خطة الكرملين واملاءاته في سورية، حتى لو تحجم نفوذها وتقلص دور بعض أدواتها، بدليل انخراطها بعد تردد في مفاوضات آستانة، وخضوعها للترتيبات الأمنية ومناطق خفض التوتر التي فرضتها موسكو، من دون التفريط بفرص تعزيز حضورها في مواقع استراتيجية حدودية مع العراق ولبنان، وما يقيد طهران أكثر أنها لا تمتلك بدائل دولية أو إقليمية تشجعها على تغيير تحالفها، وتعاني من استنزاف طاقاتها لهضم نفوذها في العراق وإدارة معارك اليمن وتخفيف حصار «حزب الله» اقتصادياً، فكيف الحال مع تصاعد تهديدات دونالد ترامب ضد نظامها وطموحاته الإقليمية؟

أما حكومة أنقرة ومع أنها كشفت عن طموح نهم لتعزيز وزنها ودورها الإقليميين، يبقى هاجسها الأول منع قيام كيان كردي على حدودها، ما يجعلها مستعدة براغماتياً للمقايضة على أي شيء لقاء ذلك، بخاصة وقد هز الانقلاب الفاشل أركانها وأقلقتها النتائج العسكرية التي حققتها قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً، ما يفسر انفتاحها الواسع على روسيا وتنازلها لمصلحة الأخيرة في إدارة محطات الصراع السوري، بدءاً من سلوكها المريب في معارك حلب إلى دورها الضاغط على جماعات المعارضة للمشاركة في اجتماعات الآستانة ولإنجاح مسارات التهدئة والهدن التي عقدت بإشراف روسي في أرياف حمص وحلب ودمشق. ولا بأس، في الطريق، من تحسين حصتها، مستقوية، مرة، بالحاجة الماسة إليها في معارك إدلب المرتقبة ضد هيئة تحرير الشام، ومرة ثانية، بميل عربي يدعمها ويدعم خطة موسكو على أمل بمحاصرة التمدد الإيراني وردعه.

ثالثاً، وصول جميع الأطراف الداخلية، من نظام ومعارضة، إلى حالة من الضعف والإنهاك، وقد استنزفت قواها وضاق هامش حركتها المستقلة إلى حد كبير، لتغدو رهن الطرف الذي أنقذها وضمن استمرارها، ما منح روسيا قدرة أكبر على التحكم بمصير هذه البؤرة من التوتر وتطويع أطرافها.

فأنّى لنظام مكنته موسكو من البقاء والصمود واستخدمت الفيتو مرات عدة لحمايته، أن يرفض مشيئتها ويعارض خطتها في استثمار نتائج تدخلها العسكري، بما في ذلك تهدئة مراكز قوى سلطوية خلقها انفلات الصراع الدموي، لا تزال تتمسك بخيار العنف، وتتحسب من أخطار إطلاق عملية سياسية، قد تفضي إلى تفكيك عناصر قوتها ومقومات تماسكها؟

وأي دور لمعارضة سياسية هي الأضعف اليوم والأبعد تمثيلاً للسوريين وطموحاتهم، تنوء تحت ثقل نزاعات لا طائل منها وتحكمها ارتباطات دولية وإقليمية حولتها إلى مجرد أوراق نفوذ وأدوات تنفيذ، ولا تغير هذه الحقيقة بل تؤكدها محاولات توحيد صفوفها بعد إدراج منصتي القاهرة وموسكو في اجتماعات الرياض الأخيرة على أمل بتشكيل وفد مفاوض موحد ولكن، أقل تطلباً؟

وأي وزن لجماعات المعارضة المسلحة وقد نجحت موسكو في استنزافها وتفريق صفوفها وإجبارها على أولوية محاربة «داعش» وهيئة تحرير الشام، ربطاً بتعدد مرجعياتها الفقهية ومصادر تمويلها وتصاعد ظواهر الاقتتال بين صفوفها وعجزها البيّن عن إدارة مناطقها بروح تحترم حقوق الناس وخياراتهم، وزاد الطين بلة على كل ما سبق بنية تحتية مدمرة وشعب متعب ومنهك يكويه الإحباط والتشرد وغياب الأمن وغلاء فاحش.

ونسأل، إن صح تفاؤل دي ميستورا، هل يزيل هذا النوع من التسويات فتيل الانفجار، بخاصة إن أهمل محاسبة المرتكبين ولم يؤسس سياسياً لبناء مجتمع صحي ومعافى؟ ثم إلى متى قد تبقى بعض الأطراف الدولية والإقليمية راضية عمّا تقدمه موسكو من فتات، قبل أن تعترض وتحرك أوراقها وأدواتها لمقارعة تلك التسوية المزعومة وهز استقرارها؟!

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٧
واشنطن تقرر التعايش من دون التصالح مع الأسد

ست سنوات في مثل هذا الشهر، خرج الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ببيان يدعو فيه نظيره السوري بشار الأسد الى التنحي عن منصبه من دون أن تكون لديه استراتيجية أو أدوات داخل سورية لتحقيق هذا الهدف، أو حتى خطة بديلة في حال عدم حدوثه، والانعطافة الأميركية اليوم لقبول بقائه هي إحدى نتائج ذلك.

نصف مليون قتيل وملايين اللاجئين ودمار هائل يفوق ثمن إعادة الإعمار فيه المئتي بليون دولار وفق البنك الدولي، وها هي واشنطن تعود للتأقلم مع بقاء الأسد الذي لا مؤشر الى خروجه من السلطة ولا الى تغيير سلوكه في شكل يفتح الباب أمام حل سياسي. مستقبل سورية هو اليوم في قبضة تحالف إيران- الأسد- روسيا، مع ما يعنيه ذلك للجهاز الأمني والاستخباراتي للنظام ولميليشيات إثنية ومتطرفة سيستمر حضورها في المدى المتوسط.

بالنسبة للإدارة الأميركية، فإن كلفة مغادرة الأسد باتت أكبر من كلفة بقائه. فأي حديث عن تنحي الأسد أو عزله بعد مرحلة انتقالية ووفق السفير الأميركي الأخير الى سورية روبرت فورد لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعادة تسليح المعارضة وليس برشاشات أوتوماتيكية بل صواريخ أرض- جو تمكنها من استعادة بعض الحضور العسكري قبل التفكير بقلب الساحة الميدانية. هكذا دعم يتطلب قراراً سياسياً أميركياً وإقليمياً، والاثنان غير متوافرين اليوم، وحتى برأي المعارضة السورية لا جدوى من انتظارهما.

فإدارة ترامب تتحرك من منطلق التعايش مع فكرة بقاء الأسد من دون التصالح معه ووفقاً لخطوط براغماتية وعسكرية تنال تأييد وزارة الدفاع الأميركية. بداية، ليست هناك إرادة أميركية لدعم المعارضة السورية المسلحة، والتركيز في سورية هو على أربعة أهداف ومصير الأسد ليس بينها وهي: ١- هزيمة «داعش» ٢- ضمان أمن إسرائيل ٣- استيعاب أزمة اللاجئين ٤- ضبط السلاح الكيماوي. من هنا ركزت تحركات دونالد ترامب وتصريحاته حول سورية بوقف برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي) الذي كان في رمقه الأخير قبل مغادرة أوباما، ومعاقبة الأسد حين استخدم السلاح الكيماوي، وتحرير الرقة والتنسيق مع الجانب الروسي في خطط لاستيعاب اللاجئين وضمان عدم وصول «حزب الله» الى خط الجولان.

أما ما تبقى مما يفعله الأسد ومعارضوه في الغوطة أو إدلب أو حمص أو الجنوب السوري فهو ضمن تفاصيل ميدانية لا تستحوذ أولوية التدخل بالنسبة للإدارة. هناك أيضاً حساسية أكبر لدى إدارة ترامب من ملف تغيير الأنظمة بعد تجارب العراق وليبيا والتي عارضها المرشح وأدت برأيه الى دول فاشلة استغل الفراغ فيها تنظيمات إرهابية وإيران.

في الوقت ذاته، بقاء الأسد كواقع سياسي وعسكري لا يعني مصالحة أميركية معه كما يقول فورد. لا بل تمنع العقوبات الأميركية من الكونغرس أي إدارة من الانفتاح على دمشق اقتصادياً ومصرفياً. ومن دون تسوية سياسية شاملة لا يمكن الحديث لا عن عقود إعادة إعمار أميركية في سورية، أو إعادة فتح للسفارات الغربية في دمشق. ويحتم تحالف الأسد مع إيران وتعزيز النفوذ الإيراني في سورية من مقاتلين أفغان وعراقيين ولبنانيين استقطبتهم طهران للدفاع عن مصالحها وعن النظام، يحتم ذلك بقاء الأسد في خانة استراتيجية لا تتوافق مع الولايات المتحدة. فلا دعم إسرائيل ولا حتى القوات الكردية يتفق اليوم مع تطلعات إيران، والرهان الإسرائيلي هو على روسيا لاحتواء هذا النفوذ من دون توقعها أن تنجح في ذلك.

كل ذلك يعني أن المعادلة الأميركية في سورية انقلبت عما كانت عليه منذ ست سنوات، وهي تركز على البعد الإقليمي للنزاع وعلى دور إيران وأمن إسرائيل وحصة الأكراد. أما مصير الأسد فلم يعد تفصيلاً ضرورياً للأميركيين، والتعايش معه ممكن كما التعايش مع عمر البشير أو كيم جونغ أون أو نيكولاس مادورو.

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٧
الأسد بطل التطهير بلا منافس

 استهجن سوريون كثيرون، وغير سوريين، كلام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن النتائج "الإيجابية" للحرب التي شنها ضد الشعب السوري، وراح ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل، وإعاقة نحو مليونين، وتهجير أكثر من عشرة ملايين، وتدمير أهم الموروثات العمرانية التاريخية في حلب وحمص.

ما قاله الأسد يوم الأحد الماضي عن "التجانس" الذي أحدثته الحرب على صعيد تركيبة المجتمع السوري، سبق أن ورد على لسانه، ما هو أخطر منه بكثير، في حوار مع صحيفة الوطن التي تصدر من دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أجاب على سؤال عن آثار الحرب بقوله "أعتقد اليوم أن البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب. قبل الحرب كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً". وأضاف "أعتقد بأن الحرب، على وحشيتها ومساوئها، كان لها جوانب مفيدة للمجتمع السوري من هذه الناحية. لذلك علينا ألا نقلق، إذا تمكّنا من ضرب الإرهاب، فأنا أقول لك إن ذاك المجتمع سيكون أفضل بكثير من المجتمع السوري الذي عرفناه قبل الأزمة".

أن يكرّر الأسد الكلام نفسه اليوم، فهذا يعني أمرين. الأول، أن الحديث السابق لم يكن زلّة لسان أو شطحة خيال عابرة، بل هو يصدر عن قناعةٍ راسخةٍ عبّر عنها في صورة خلاصةٍ من خلاصاته من هذه الحرب. الثاني، أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون يتيماً، بل هو ابن سياق سياسي وثقافي، وبيئة حاضنة رعته حتى صار الأسد ينطق به، من دون خوف أو خجل.

وفي الحالين، الخطير أن هذا التفكير شكّل خلفية لسلوك الأسد الإجرامي المشين، وممارسته القتل، انطلاقاً من إيمانه بأن التطهير مهمة نبيلة، يقوم بها من أجل الوصول إلى خلطة اجتماعية جديدة "أكثر صفاء"، على حد تعبيره.

مؤكّد أن الأسد لا يقصد غير التجانس الطائفي، وهو بذلك يعلن موت الصيغة الوطنية التي جمعت السوريين تحت سقف واحد منذ قديم الزمان، حين حملت هذا الأرض إسم سورية، بغض النظر عن الطوائف والأعراق التي تعايشت فوقها.

ومهما كان القدر من المسؤولية الذي يتحمله بشار الأسد عن الجرائم التي ارتكبها تحت راية التطهير والتجانس، فإن شركاءه يجب أن لا يتم التغاضي عنهم، لاسيما وأنه لا يمكن إقناع السوريين أن ما صدر عن الأسد هو هذيان شخص مريض ومجنون، بل هو انعكاس لبيئة عائلية ومحيط طائفي محلي وإقليمي، يبدأ من رموز عائلة الأسد أنفسهم، وينسحب إلى الشركاء معهم في القتل، ويمتد إلى إيران، راعية المليشيات الطائفية التي قاتلت الشعب السوري ستة أعوام بشعارات طائفية، ومن أجل أغراضٍ طائفية، وهنا باتت مسألة الإبادة مطروحةً بقوة، وسيلةً من أجل كسب معركة التطهير الطائفي في سورية.

هناك قول شائع يُنسب إلى رفعت الأسد، صدر عنه خلال مجازر حماة وحلب في مطلع ثمانينات القرن الماضي: "هناك من يقول إن السنة أكثرية، سأقوم بتحويلهم إلى أقلية". وهنا يبدو أن ما فشل فيه رفعت عمل ابن شقيقه بشار كي يجعل منه إنجازاً يُسجل باسمه.

يعترف الأسد بالإبادة والتهجير من دون حرج، ومن دون خوفٍ من مساءلة محلية أو خارجية، محتمياً وراء إيران، لكن هذه المسألة لا يمكن لأحد أن يسقط عنه تبعاتها القانونية والأخلاقية. سيبقى هناك سوريون يلاحقونه حتى القبر من أجل العدالة، وحقوق الضحايا الأبرياء الذين جرى قتلهم أو تشريدهم على يده، ومن سانده في هذه الجرائم التي لم تشهد البشرية لها مثيلاً.

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٧
عصر "اللبننة" السورية

خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى روسيا، في الأسبوع الحالي، للاجتماع مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. ليست المرة الأولى التي يلتقيان فيها، لكنهما اعتادا على عقد الاجتماعات، وفي روسيا تحديداً، قبل أي حدثٍ مفصلي. في 21 سبتمبر /أيلول 2015، عقد الثنائي لقاءً في موسكو، كشف فيه بوتين عن التدخّل الروسي العسكري في سورية، الذي عاد وحصل في 30 سبتمبر/ أيلول من العام عينه. سلّم نتنياهو لبوتين لائحة بأكثر من 1150 هدفاً "يجب ضربها في سورية"، أكثريتها عائدة لـ"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً). أراد الإيحاء بأن ما يعرفه عن الأرض السورية أكثر بكثير مما يعرفه الكرملين.

وبعد نحو عامين من التدخّل العسكري المباشر، بدأت روسيا صياغة حلول مرحلية في سورية، عبر اتفاقات "خفض التصعيد". حلول توجد فيها إيران وحلفاؤها عناصر أساسية، خصوصاً في الجنوب السوري. هناك، وعلى الحدود بين سورية والأردن من جهة، وبين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة من جهة أخرى، تبدو المسألة أقرب إلى تكرار نموذج لبنان في ثمانينات القرن الماضي.

أبدى نتنياهو خشيته من الوجود الإيراني، واستطراداً حزب الله، في سورية. قدّم لبوتين عرضاً عن "الخطر الإيراني وتأثيره على إسرائيل". كان رئيس الموساد، يوسي كوهين، أساسياً في تقييم الوضع الميداني الإيراني في سورية. "تفّهمت" روسيا "المخاوف" الإسرائيلية. ربما كان يكفي بوتين الابتسام قليلاً، لمنح الضوء الأخضر لنتنياهو، بغية شنّ هجماتٍ في سورية، وإبعاد إيران وحزب الله عن المناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة.

لن يقوم نتنياهو بأي هجوم ضد حزب الله، ولا ضد إيران، في سورية. كان واضحاً في ذلك، عبر توجيهه رسالة غير مباشرة لبوتين: "إيران تحاول إجراء عملية لبننة لسورية، والسيطرة عليها بواسطة مليشيات شيعية مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان"، مضيفاً أن "إسرائيل ستعمل حيث يجب، وبموجب خطوطها الحمراء التي تضعها، وعندما فعلت ذلك في السابق لم تطلب إذناً من أحد".

أمران تجدر ملاحظتهما هنا. الأول أن نتنياهو استخدم مصطلحاتٍ مشابهة لما استخدمه مناحيم بيغن في أثناء الانسحاب الإسرائيلي من صيدا اللبنانية عام 1985، بما يتعلق بـ"المليشيات الشيعية"، في إشارة إلى مرحلة طويلة من النزاع المستقبلي، في حال استمرّ وجود إيران وحلفائها على مقربةٍ من الحدود الفلسطينية المحتلة مع سورية. الثاني استعمال نتنياهو مصطلح "لبننة سورية". والمعروف أن "اللبننة"، في سياق مفهوم الدولة، هي الطريق الأفضل لتهديم بنيان الدولة. و"اللبننة" التي أفرزتها الحرب اللبنانية نسيج اجتماعي مفكّك، وأرض مشتتة، وأحزاب ومليشيات صنعت "الدولة العميقة" داخل الدولة الأساسية. تؤدي هذه "اللبننة" إلى كل أنواع التقسيم المجتمعي والديمغرافي والفكري، لكنها لا تؤدي إلى رسم حدود جغرافية، لتكريس هذا الانقسام، بل تترك الأمور في سياق مراوحةٍ قاتلة، وتبادل أدوار طوائفية داخل بنيان الدولة الأساسي، الهشّ.

يعلم نتنياهو أن "الطبيعة" الروسية، المتأتية من طبيعة سوفياتية، ترفض تقاسم أي أرض مع حلفاء مشتركين. سورية ليست برلين، ليتم تقاسمها مع دول أخرى. سورية "نظامٌ استدعى حليفاً من الأقاصي البعيدة لنجدته". ولا يمكن أن يسمح هذا الحليف بمشاركة ندّية من أي طرفٍ إقليمي ودولي في سورية، باستثناء الأميركيين، لاعتباراتٍ تتجاوز الشرق الأوسط، إلى أوكرانيا والوسط الآسيوي وبحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى كوريا الشمالية. بالنسبة للروس، الإيرانيون وحلفاؤهم "فريق ثانٍ" في سورية، لا "فريق أول". لا يعني هذا أن الصدام حاصل بين موسكو وطهران، لكنه فراغٌ كافٍ لصياغة "اللبننة" السورية، في مرحلة ما قبل "طائفٍ سوري" يفسح المجال لتقسيم سورية إلى دويلات أو لحصول صداماتٍ تسبق قيام "دولة عميقة" جديدة، وهو ما يفيد الإسرائيلي. مع العلم أنه حين يتحدّث عن نيّته القيام بهجمات فإنه يعني أنه لن يقوم بها.

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٧
عن خطابه الأخير

يكشف خطاب بشار الأسد الأخير حالة الفصام والتناقض التي يعيشها، مثل كل كلامه في السنين الست الماضية. كما يكشف مدى التصاعد في فاشيته، ومدى تأصلها في لاوعيه، بما يؤكد أن سلالة الفاشية والنازية لم تنقطع تاريخيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بل يبدو أنها مستمرة في سيرة حكام الأنظمة التوتاليتارية والعسكرية الأمنية. وما المجازر التي ارتكبت خلال سنوات حكم آل الأسد، والمستمرة، سوى دليل بسيط على هذه الفاشية، لاسيما في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت جليا الرغبة في التطهير الطائفي والطبقي لدى النظام. وربما ما جعل الجميع يتوقفون عند هذا الخطاب اعتبار بشار الأسد له، وترويجه من الإعلام الموالي، بوصفه خطاب النصر. من دون أن يشرح، على عادته، معنى كلمة النصر وما هو النصر في الحالة السورية، تاركا للمستمعين له أن يتساءلوا عن أي نصرٍ يتحدث، والبلاد محتلة من أطراف عدة، ومقسّمة ومهشّمة، والمدن ما زالت تدكّها طائرات غريبة، والموت يتنقل من مكان إلى آخر بفعل القذائف الصاروخية مجهولة المصدر، والسلاح ينتشر حتى في المدن الواقعة تحت سيطرته، مخلفا سلالاتٍ من عصابات الإجرام والقتل والخطف خارجة عن سيطرة الجيش والأمن وعن أية سيطرة أخرى، والفقر معمّم على الناس، والفاقة والغلاء والانهيار الإقتصادي وانهيار البنية التحيتة اللازمة لحياة البشر الطبيعين، من كهرباء ووقود وماء وغيرها.

ومازلنا هنا نتحدث عن المدن الواقعة تحت سيطرته، ولم نقترب من المدن الخارجة عن السيطرة بكل ما يحدث فيها، ولا عن ملايين المهجرين في الداخل والخارج، ولا عن المشرّدين وسكان المخيمات، ولا عن أكثر من مليون معاق أو مهدّد بالإعاقة، ولا عن ملايين الأطفال المحرومين من التعليم، ولا عن مدنٍ مدمرة بالكامل، ولا عن التراجع في الحياة المدنية السورية التي تحتاج إلى سنين طويلة لاستعادتها، ولا عن انهيار المجتمع السوري على جميع مستوياته، التشاركية والأخلاقية والنفسية.

سيتساءل المستمعون كثيرا قبل أن يصل إليهم الجواب، والمقصود بالمستمعين له هنا كل من يرى أن المنتصر الوحيد في سورية هو الخراب والدم والدمار، وأن ادّعاء أي طرف الانتصار محض افتراء على الحاضر والمستقبل، وعلى تاريخٍ يسجل ما يحصل ويتركه للأجيال القادمة. أما مؤيدوه من السوريين وغيرهم، فلا يمكن تسميتهم مستمعين، فهم يردّدون البله في كلامه بإعجاب، ويهللون للفاشية حين يتحدّث عنها، إذ كان مذهلا ترديدهم جملته "الاستثنائية" في خطابه: "خسرنا خيرة شباب سورية لكننا ربحنا مجتمعا متجانسا"، وكأنها قول عظيم! من دون أن ينتبهوا، وهم في غالبيتهم ينتمون إلى اليسار العربي أو إلى الأقليات الدينية، أو إلى العلمانيين من الأكثرية الدينية، أن المجتمع المتجانس فكرة فاشية وعنصرية أصلا، تقوم على نقاء النوع، وهي مضادّة للأممية التي يقوم عليها الفكر اليساري، ومعادية للأقليات الدينية التي اعتبرها هتلر، مؤسس النازية، سبب شقاء البشرية، ومعاكسة تماما لفكرة المواطنة التي تتأسّس على التنوع والاختلاف في المجتمعات، حيث لا يمكن تحقيق العلمانية إلا ببناء مواطنة حقيقية تقوم على مبادئ أساسية، أولها العدالة الاجتماعية والديمقراطية وسلطة القانون.

أمام النصف الأول من جملته، وهي خسارة خيرة شباب سورية، كأن مؤيديه غير معنيين بها، فإن كانت سورية قد خسرت خيرة شبابها، وهو أمر حقيقي وليس مجرد كلام يقوله في خطابه، فسورية فقدت، خلال الحرب التي أسس نظام الأسد لها، جيلا كاملا من خيرة شبابها من مختلف الطوائف والمذاهب، فما هو شكل هذا المجتمع المتجانس الذي فقد خيرة شبابه؟ وما هو هذا التجانس الحاصل، والبلد مقسم ومدمر، ولم يعد فيه جيل شاب يمكن التعويل عليه لمستقبله؟ هل فكر مؤيدو الأسد بهذا التجانس الذي يهللون له؟ هل فكّروا فعلا بحجم الكارثة التي تعيشها سورية بفضل نظامها؟ أما بشأن معارضين استهزأوا بمصطلح التجانس، فلنا فيما اشتغلوا عليه من طائفية وتهميش لدور الشباب والمرأة في العمل السياسي السوري خير دليل على (التنوع) الذي تغمرنا به مؤسسات المعارضة، يوما وراء يوم.

اقرأ المزيد
٢٨ أغسطس ٢٠١٧
كلفة داعش.. السؤال الأخلاقي

على الرغم من الهزيمة التي مُني بها تنظيم داعش في الموصل، والحصار الذي يعانيه اليوم في الرقّة، فإنّ هزيمة تنظيمٍ على هذا القدر من الوحشية والعقيدة القتالية الانتحارية لم تكن بلا كلفة حقيقية، ولا أعني هنا كلفة الطرف الآخر بشرياً ومالياً، أي الجيش العراقي والحشد الشعبي والأكراد والقوى المعادية له في سورية، ومعهم الإيرانيون والجيش النظامي السوري، الذين يقاتلون التنظيم (وإن كانت حتى هذه الكلفة لم تُعلن بنزاهة وشفافية)، بل أعني الكلفة الكبيرة التي دفعتها المجتمعات والبشر المحاصرون في المناطق التي كان، وفي بعضها ما يزال، يسيطر عليها التنظيم.

يتضمن تقرير نُشر قبل أيام في صحيفة واشنطن بوست الأميركية بعنوان "بعد النصر على داعش.. الموصل تكتشف الكلفة: بيوت تتحوّل مقابر"، معلومات وقصصاً مروّعة عن حجم الكلفة البشرية والمادية والدمار الذي لحق المدينة من أجل هزيمة التنظيم عسكرياً، وهي صورة غيّب الإعلام العالمي نفسه عنها، وتمّ التغطية عليها، كي لا نكتشف حجم الكارثة الإنسانية والبيئية التي حدثت.

ويؤكد التقرير غياب أي أرقام دقيقة صحيحة، غير متلاعب فيها، لحجم القتلى المدنيين الأبرياء، الذين كان ذنبهم أنّهم حوصروا بين وحشية التنظيم والوحشية الأكبر لأعدائه، فتمّ دفنهم أحياء في منازلهم أو تحت الركام، نتيجة القصف العشوائي الذي كان يهدف إلى إنهاء التنظيم من دون أدنى حسابٍ لأي اعتبار إنساني أو قانوني أو أخلاقي لوجود المدنيين.

لا تختلف الحال اليوم، بالمناسبة، في الرقة، ونحن ما نزال على أعتاب المعركة، إذ تشير تقارير عديدة إلى مقتل مئات المدنيين والأطفال الصغار، نتيجة القصف العشوائي. وعلى الأغلب إن تمّ سدّ الطرق أمام مقاتلي التنظيم، وحصارهم في الرّقة، كما حدث في الموصل، فسيقاتلون حتى النهاية، ولن يسمحوا بخروج المدنيين، وهكذا سنكرّر كارثة الموصل في الرقّة، وربما في دير الزور.

عند ذلك، أليس من الإنصاف والمنطقي أن نطرح السؤال الأخلاقي، وإن لم يكن فالسياسي والإنساني والعسكري والاستراتيجي؛ أيّ كُلفةٍ كانت أكبر على الناس والمواطنين الذين يزعم العالم أنّه يريد تحريرهم من تنظيمٍ عدمي همجي؛ هل كانت استمرار التنظيم وبقاءه إلى حين تحلّله وتفككه، بفعل الحصار والحرب النفسية والأمنية والمدروسة، أم الكلفة الإنسانية الباهظة التي رأينا جزءاً منها مما حدث في الموصل، وما قد يحدث في الرقّة؟ هل الهدف هو القضاء على التنظيم فقط؛ لماذا؟ وماذا عن الملايين الذين يتم قصفهم مع التنظيم في المناطق التي كان (أو ما يزال) يسيطر عليها؟

إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية قتل مئاتٍ، في العراق وسورية، من المدنيين، مثلاً (لا نتحدث عن الأفراد المسلّحين)، وحرّك عمليات انتحارية قتلت مئاتٍ آخرين في مناطق مختلفة من العالم؛ فكم عدد الذين قُتلوا في العراق وسورية من أجل قتل أعضاء من التنظيم، متحصنين في تلك المناطق؟

دعونا نغوص أكثر في السؤال الأخلاقي، غير المطروح من أغلب المثقفين والمفكرين، لو كان التنظيم تحصّن في مدينة أميركية، ومعه آلاف الأميركيين، فهل سيكون التعامل مع الناس بالطريقة نفسها، كما حدث في الموصل، وهل كان الإعلام سيتغافل عن حجم الكارثة الإنسانية المترتبة على أعمال عسكرية بهذا الحجم؟

بالضرورة، كان يُفترض أن يكون إنهاء وجود التنظيم أن يكون أكبر خدمةٍ تقدّم لأهل الموصل والرقة والمناطق التي كانت تحت وحشيته، لكن الطريق التي تمّ من خلالها الأمر كانت أكثر سوءاً من التنظيم نفسه، والبديل الذي ينتظر من تبقوا من الناس هناك أكثر سوءاً ووحشية من التنظيم، وكأنّ الناس تفرّ من الكوليرا إلى الطاعون.

كان من الضروري أن يكون التعامل مع الحرب على التنظيم، بصورة أكثر حضاريةً، وألا يتم تغييب الأبعاد القانونية والإنسانية والأخلاقية، وحتى الإعلامية، لكن ذلك لم يحدث، بل لا نبالغ إن قلنا أنّ الهمجية والبريرية في الحرب على "داعش" تجاوزت بربريته بأضعاف كبيرة، وكلفتها أكبر من كلفة استمراره. وعلى المدى البعيد، ما حدث لم ينه التنظيم، ولم يغيّر من شروط صعوده، بل ربما على النقيض من ذلك تماماً.

اقرأ المزيد
٢٨ أغسطس ٢٠١٧
تزامن مشبوه بين أمريكا وإيران في سوريا والمنطقة

منذ ثلاثة أشهر أطلق وزير الدفاع الإيراني العميد حسين دهقان تهديدا للدول العربية والإسلامية قال فيه، إنّ هناك محاولات في المنطقة لإضعاف الجمهورية الإيرانية، وقال :»إن على حكام السعودية تذكر مصير صدام حسين، الذي كان غارقاً في العمالة». وقال: «إنّ بلاده أصبحت تصمم وتنتج حاجتها من الصواريخ البالستية وكروز بمدى 300 كيلومتر». وقال: «ليس فخراً للسعودية أن تتحول لمخزن للسلاح الأمريكي» و»إذا ارتكبت السعودية حماقةً لن يبقى فيها مكان آمن غير مكة والمدينة». وقال: «إنّ العراق بعد عام 2003 أصبح جزءاً من الامبراطورية الفارسية، وإنّ لديهم في العراق قوة هي الحشد الشعبي، التي سوف تقوم بإسكات أي صوت يميل إلى التحالف العربي الاسلامي». وقال دهقان أيضا: «إنّ بلاده عادت قوة عظمى وإنّهم أسياد المنطقة».

هذه التهديدات العسكرية من إيران والصادرة من موقع رسمي على لسان وزير الدفاع الإيراني، ليست مجرد تهديدات وإنما ترسم معالم التحالفات العسكرية في المنطقة، وأن هذه التحالفات تقوم على المستوى الأمني والعسكري اولاً، بغض النظر عن المستوى السياسي وتصريحاته، وبالأخص بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإيرانية. فما أشار إليه وزير الدفاع الإيراني هو اعتراف بأن إيران حصدت نتائج الاحتلال الأمريكي عام 2003 للعراق، بأن أصبح العراق جزءاً من الإمبراطورية الايرانية، وأن إيران أصبحت دولة مصنعة لسلاحها الصاروخي، بينما الدول العربية تخزن الأسلحة الامريكية بمئات المليارات، ولا تسمح لها أمريكا بتصنيعها، ولا بإخراج الاحتلال الإيراني من الأراضي العربية، بل إنه يذكر حكام العرب بمصير صدام حسين، الذي قامت امريكا بإسقاطه من حكم العراق بالقوة العسكرية، بعد احتلالها للعراق عام 2003 وإعدامه على أيدي عراقيين، أي ان وزير الدفاع الإيراني يهدد حكام العرب باحتلال أمريكا لبلادهم، وتسليمها لإيران وإعدامهم على أيدي اتباعهم من العرب. وعندما يقول بأنه لن يبقى مكان آمن إلا مكة والمدينة، فهو يقول لن يبقى عربي مسلم حي في الحرب المقبلة، لأن الدمار والقتل سوف يدمر كل شيء، كما فعلت امريكا عند احتلالها للعراق. حديث دهقان كان يبطن التحالف الإيراني الأمريكي، لأن ما يحصل في العراق كان تحالفا إيرانيا امريكيا اعترف به ترامب، بداية بإدانة سياسة اوباما مع إيران في حملته الانتخابية، ولكنه يواصل تنفيذ هذه السياسة التحالفية مع إيران وحرسها الثوري، بل ذهبت سياسة ترامب إلى تحالف أكبر مع إيران بوقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برنامج تسليح فصائل سورية معارضة في الشهر الماضي، فهذا القرار يصب أولاً في مصلحة الاحتلال الإيراني في سوريا، وقد وصف السناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي غراهام هذه الخطوة بأنها «ستكون أشبه بالاستسلام الكامل للأسد وروسيا وإيران». وقال: «إن وقف تسليح المعارضة السورية، إذا صح، فإن ذلك سيكون «خسارة كبيرة أولا للسوريين الذين يتعرضون لهجمات بلا هوادة من قبل الأسد، وثانيا لشركائنا من العرب، وثالثا لوضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط». واعتبر أن مثل هذه الخطوة ستعني بالضرورة، منح عاصمة عربية أخرى للإيرانيين. وما يفسر ذلك أيضاً هو سماح الإدارة الأمريكية لحزب الله اللبناني بالسيطرة على معظم الحدود اللبنانية السورية في العمليات العسكرية الأخيرة، والسماح له بالهيمنة على القرار اللبناني سياسيا وعسكريا، وهذا لا يتم من دون موافقة أمنية وعسكرية إسرائيلية أيضاً.

وما يؤكد ذلك أيضاً ان أمريكا سمحت لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي قبل شهر أن يتعاون مع نظام الأسد سياساً وعسكرياً، بل التعاون بتقاسم عائدات النفط في الحسكة وغيرها، علما بأن هذه المناطق تخضع أمنيا وعسكريا للقواعد العسكرية الأمريكية في الحسكة وغيرها، أي أن أمريكا تتعاون مع نظام الأسد بتوفير مساعدات مالية واقتصادية ولوجستية له في شمال سوريا، وهذا لا يكون دون تفاهم امريكي إيراني أيضاً، فالأمر تم وفق اتفاق مبرم بين الجانبين، ينص على أن يحصل نظام الأسد على 65% من عائدات إنتاج النفط في المناطق المذكورة، وتنظيم «ب ي د» على 20%، فيما سيخصص المبلغ المتبقي للقوات العربية المكلفة بحماية الحقول لصالح التحالف بينهما بإشراف امريكي. لذا ينبغي النظر إلى المعارك الأخيرة داخل سوريا، وعلى الحدود السورية اللبنانية، وبالأخص ضد «داعش» على أنها كانت ضمن مساومات إيرانية وامريكية نفذها «داعش» وحزب الله اللبناني، فأمريكا عملت على تزويد هذه التنظيمات الارهابية بالأسلحة بطرق مختلف، وقد ضبط الجيش التركي جنوب شرقي البلاد بندقية لمنظمة «بي كا كا» الإرهابية، أمريكية الصنع، تعود لدفعة الصنع نفسها التي كشفت بأيدي تنظيم «داعش» الإرهابي عام 2014، ما اضطر أمريكا في حينها لإعلان أن هناك أسلحة أمريكية وقعت بأيدي «داعش» عن طريق الخطأ، فأمريكا الداعم الأساسي لـ»ب ي د» تدخل أسلحة بمليارات الدولارات للتنظيمات الإرهابية في سوريا، بينما المدنيون في المنطقة يعيشون أصعب الظروف الإنسانية، بل تُخضع أمريكا إيصال المساعدات الإنسانية لشروط الاتفاقيات العسكرية والسياسية، على طريقة الابتزاز الإيرانية التي ينفذها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في العراق وسوريا. هذه التحالفات التي تجريها أمريكا مع الإيرانيين سرا، ومع الأحزاب الارهابية الكردية سرا وعلنا لن تزيد المنطقة إلا قتلاً ودماراً، فامريكا بإضعافها للدول العربية لصالح إيران، لن يحقق لأمريكا الاستقرار ولا لإيران النصر، كما أن محاولة أمريكا إضعاف تركيا لصالح الأحزاب الارهابية الكردية لن يحقق لأمريكا الاستقرار ولا لحزب العمال الكردستاني النصر، لأن هذه السياسة الأمريكية قائمة على المراهنة الخاطئة والخطيرة، فهي تعلن عن تغيير خريطة الشرق الأوسط ديمغرافيا وسياسياً، رغما عن الجغرافيا الطبيعية، ورغما عن التاريخ العربي، ورغما عن الحضارة الاسلامية، أي انها تسير في خطى معاكسة لمسار التاريخ الطبيعي وسنن الحياة البشرية الطبيعية، فهذه السياسة الأمريكية لا ولن يقبل بها الشعب العربي في الحاضر والمستقبل، ولا الشعب الإيراني ولا الشعب التركي ولا الشعب الكردي، وإنما تستغل امريكا حالة الاضطراب في المنطقة العربية الناتجة عن مخلفات سيئة وضعيفة منذ الحرب العالمية الأولى لتحقيق مصالحها فيها، بينما المستعمر الأول والمنشئ لهذه المخلفات الفرنسي والبريطاني لم يستطع أن يحقق فيها نصرا، وإن استطاع ان يؤخر النصر ويمنع الحرية ويعيق الديمقراطية فيها، أو يبقي الهزيمة على اهلها لأجل محدود فقط، فلسان حال امريكا اليوم لإيران الملالي: نحن نستنزف الدول العربية ماليا، بينما شرط تحالفنا معكم: أن تستنزفوا العرب بشرياً وعسكرياً وحضاريا.

اقرأ المزيد
٢٨ أغسطس ٢٠١٧
فدوى ونساء الثورة

يُذكّرنا رحيل الفنانة فدوى سليمان بالتناقض بين دور المرأة السورية في الثورة، الاستثنائي بجميع المعايير، وتغييبها عن مؤسساتها. ويذكّرنا أيضاً بأنهن ذلك القطاع من المجتمع السوري الذي تخطت أدواره النضال في سبيل التحرّر السياسي من الاستبداد إلى النضال من أجل تحرّر المجتمع والإنسان، كما يتجسّد رمزياً وواقعياً في نساءٍ حملن معناه الشامل والعميق في وعيهن وأفعالهن، ووضعن حياتهن وإبداعاتهن في خدمته، بما هو جوهر ثورة تحرر إنساني لن تفيد منه النساء وحدهن، وإنما يحمل الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية إلى كل سوري وسورية، بجهود نساء كثيرات، مثل فدوى ورزان زيتونة وسميرة الخليل وميه الرحبي وسمر يزبك ومي سكاف وسعاد خبيه وفاتن رجب وحسنه الحريري، ومئات آلاف النساء اللواتي غدون رموز تمرد تاريخي، أسهمن في إنضاج أجوائه، وشاركن فيه بكل فدائية وحب للإنسان، وتماهين معه، حتى صارت أسماؤهن تذكّر به، وأضفت ريادتهن له طابعاً سلمياً ومجتمعياً، قاومت أغانيه وأهازيجه ودبكاته رصاص الاستبداد، ونشرت فوقه روحاً إنسانية حملته إلى كل شبر من أرض سورية، وأضفت عليه هوية من طبعنه بطابع حبهن الحميم والحنون للوطن والناس، جميع الناس، فلم يكن ما فعلنه أقل مما فعلته مثيلاتهن ممن أسهمن في صنع ثوراتٍ اكتسبت دلالات كونية كالفرنسية والروسية.

وضعت فدوى الثورة في قلبها وعقلها، فاحتلت قلوب وعقول سوريين بلا عدد، أطلقوا شهقة حزن مؤلمة هزّت كيانهم، عندما أعلن نبأ رحيلها عنهم، فكانت ردة فعلهم الحزينة دليلاً إضافياً على الأثر العميق الذي تركته أمثولتها من عاطفةٍ لازمت ضمائرهم، وعبرت عما بلغته رمزيتها عندهم. آمنت أن الحرية لا تكون لأحد إذا لم تكن لكل سورية وسوري، وأنها بغير ذلك تفقد هويتها. وقاتلت، ليس لتنال حرّيتها بما هي شأن فردي أو شخصي، بل لإيمانها أنها لن تكون حرة إن لم تكرّس وجودها لحرية الآخرين، وأن ثورتها لن تستحق اسمها إذا لم تكن زلزالاً يتجاوز إسقاط الاستبداد السياسي إلى اقتلاع جذره: مجتمع الامتيازات والإقصاء والأحكام المسبقة والتمييز بين المرأة والرجل وبين الطبقات والأديان والمذاهب.. إلخ. ولم يحصّن نفسه بتحرّر الفرد وحمايته من سقوط جديد في عالمٍ ستضيع تضحيات السوريين، إن هم انتصروا على الأسدية ولم يهزموه هو أيضاً. وفي منظور فدوى للثورة، كان أي سوري يساوي أي سوري آخر، وكان الجميع يتعرّفون بمطلبهم: الحرية بمعناها الأشمل والأعمق الذي ينقل المجتمع من واقع موروث مخالف للطبيعة الإنسانية إلى واقع طبيعي/ إنساني من صنع بشر أحرار، مثلها.

رحلت فدوى، لكن أفكارها التي تخطت المألوف لم ولن ترحل، ومثلها أمثولتها الشخصية، وفكرة الحرية التي ألهمتها وتلهم السوريات مطلباً ينبع من فطرتهن التي تدفعهن إلى المطالبة بحريةٍ شاملةٍ تتخطى السياسة، هي وحدها التي تحميهن من مجتمعٍ أمعن في اضطهادهن على مر السنين، وجعل من المحال بالنسبة لهن القبول بحرية مجتزأة أو بنصف حرية، وكيف يقبلن إن كانت أمثولة فدوى وحياتها تخبرهن أن حريتهن ستكون في متناول أيديهن، بقدر ما تكون رهان حياتهن، وتجسيداً لإرادتهن التي لا يجوز أن يسمحن، بعد الثورة، بتغييبها وراء إراداتٍ حجبتها، كتمت أنفاس النساء، وقوّضت وجودهن الإنساني النبيل وحساسيتهن الروحية المفعمة بفيض من الإنسانية.

رحلت فدوى، بعد أن أثبتت بالقول والفعل أن الحرية والمرأة صنوان، وأنها تستطيع أن تتقدّم صفوف من يضحون لأجلهما، كما ضحت هي، وينشطون كما نشطت هي، ويثقون، كما وثقت، بدورها في نيلها باعتبارها حقاً من حقوقها. أبعد هذا، تغيب المرأة السورية عن حريتها، وتغيب فدوى من حياة المرأة السورية ووجدانها؟ وهل يستطيع الموت تغييب من جعلت حياتها شأناً عاماً، يتداخل ويتفاعل مع حياة الملايين من نساء منحت فدوى قضيتهن، قضيتها، عمرها، وجعلتها معنى وجودها واختبار جدارتها، وتعاملت معها بنكران ذاتٍ وسخاء إنساني سيبقي سيرتها في أنصع صفحات تاريخ الحرية.

لم تكن فدوى طيفاً عبر حياتنا ثم غاب عن أعيننا، بل كانت شجرة سنديان سورية ضربت جذورها بعمق في وطنها ووعي ناسه. لذلك سيتفيأ زماننا الآتي ظلها، لكونها من صنّاعه، ولكونه كان وسيبقى زمانها.

اقرأ المزيد
٢٧ أغسطس ٢٠١٧
عن التزام الهدن في سورية

تتوسّع قاعدة التوافقات الروسية مع فصائل المعارضة السورية المسلحة، يوماً بعد آخر، لتصل إلى كل ما يحيط بدمشق اليوم تقريباً، وذلك بعد أن عقدت اتفاقية خفض التصعيد مع جناحي المعارضة المسلحة في الغوطة، جيش الإسلام وفيلق الرحمن، الإخوة الأعداء الذين قاتلوا في جبهتين متعاكستين، ضد النظام، وضد بعضهما بعضاً، وأسقطا من الضحايا في المعركة بينهما أكثر مما سقط من جيشيهما والنظام معاً في مجمل المعارك التي خاضاها ضد النظام.

وتتابع موسكو جهودها الرامية إلى جعل كامل مساحة سورية ضمن ما يسمى اتفاق خفض التصعيد، وهو الأمر الذي يتغاضى عنه النظام على مضض، على الرغم من الفوائد الجمّة التي تعود عليه، جرّاء خضوع هذه المناطق للهيمنة الروسية، لكن هذه الهيمنة، في الوقت نفسه، يفترض أنها تبعد قبضة المليشيات الإيرانية، وهو الأمر الذي يرى فيه النظام انتقاصاً لإرادته في بقاء هذه المليشيات سندا له، يستطيع من خلالها نقض وعوده حول التزامه وقف إطلاق النار، كما حدث في حلب والقلمون سابقاً، حيث تمت السيطرة على مساحات إضافية غيرّت خريطة مواقع القوات المتقاتلة على الأرض السورية، وبالتالي غيّرت معها خريطة العمل السياسي في جنيف، ومهّدت لما سميت مفاوضات أستانة التي أدخلت إيران طرفا ضامنا للاتفاقات الموقعة مع المعارضة السورية، إلى جانب تركيا وروسيا.

وتلتزم الأطراف جميعها اليوم بأعلى نسبة باتفاقيات خفض التصعيد التي تجري بعيداً عن طاولات التفاوض في جنيف وأستانة، كما لم يحدث سابقاً، في تأكيد واضح أن روسيا هي صاحبة القول الفصل من جانب النظام، بينما تبقى الإدارة الأميركية المحرّك الأساسي للمعارضة. بيد أن هذا لا يعني أن كل ما تقوم به روسيا لا يقع ضمن المساحة المسموح لموسكو التحرّك فيها بإرادة الجانب الأميركي الذي ما زال يراقب السلوك الروسي في سورية للبحث عن تعاون معه في أوكرانيا، وملف العقوبات والدرع الصاروخي وغيرها.

وتعد هذه الاتفاقات "فوق التفاوضية" الوسيلة الأنجع خلال السنوات السبع الماضية في شل آلة القتل التي يستخدمها النظام وحلفاؤه، ضد السوريين، في مناطق الجنوب، وحمص، وتدخل الآن غوطة دمشق الشرقية متضمنة جوبر، التي تم استبعادها في الاتفاق السابق حول الغوطة، في اتفاقيتي خفض التصعيد الموقّعة مع جيش الإسلام في مصر، ومع فيلق الرحمن في جنيف.

وعلى الرغم من تصاعد أصوات معادية لمثل هذه الاتفاقيات، إلا أن الالتزام بها أصبح معياراً لتحديد موقع الفصائل المسلحة المعارضة على خريطة الإرهاب الدولية، حيث تصنف موسكو الفصائل الموقعة على نظام وقف إطلاق النار "معتدلة"، وهي الفصائل نفسها التي كانت روسيا، وقبلها النظام السوري، تدّعي أنها فصائل "إرهابية"، وأن الحرب التي تشنّها قواتهما مع إيران هي حرب على الإرهاب، وليست لوأد ثورة الشعب السوري.

لعل من الأهمية اليوم التذكير أن هذه الاتفاقيات، على الرغم من أنها مقدمة لإجهاض الحل السياسي الذي تنشده المعارضة في وثائقها، منذ تأسيس كياناتها، المجلس الوطني، ولاحقاً الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ثم الهيئة العليا الآيلة اليوم للتجديد أو التغيير، أي إقامة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وهذا الحل هو السبيل الوحيد لتخفيف المأساة السورية وحقن الدماء، وإعادة الثورة إلى ما كانت عليه قبل أن تمتطيها الفصائل المدجّجة بالأجندات غير السورية، وقبل أن تصبح سورية ساحة للصراع الدولي والإقليمي والعربي، وصندوقاً للرسائل البريدية بين الدول المتصارعة، والمتحالفة بآن معاً.

التزام النظام بمضمون الاتفاقيات يمهد له الطريق لسيطرة اسمية، وغير مباشرة، على سورية التي لم يضعها ضمن خريطة سورية المفيدة، والتي أحكم السيطرة عليها بالتعاون مع إيران وروسيا. أما التزام الفصائل المسلحة من "المعارضة" فهذا يعني تجنّب أحكام الإبادة التي تنتظر المصنّفين على قائمة الإرهاب، وتحويل هؤلاء المسلحين إلى شرطةٍ تضمن هدوء الجبهات المقاتلة، وربما تضمن كمّ الأفواه الثائرة ضد النظام وأشباهه، حتى ولو اختلفت مواقع السجون التي ستؤسّس وتبعيتها العقائدية.

من هنا، يأتي السؤال بشأن دور المعارضة السياسية الغائبة تماماً، والمكتفية ببيانات الموافقة المشروطة، من دون أن يكون لها أي قوى حقيقية تساعدها في فرض هذه الشروط، أو حتى مراعاتها، ومن دون أن تمهد لذلك بعلاقات وثقى مع الداخل السوري الذي مازال يؤمن بالثورة، لإقامة دولته الديمقراطية، والتي تبعد عنه شبح الاعتقالات، والتغوّل الأمني على حقوق السوريين، باعتبارهم مواطنين أحرارا في بلد يمنحهم حقوق المواطنة.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان